Skip to main content

Full text of "lis_tar40"

See other formats


اللْحسَارصنَ 


رودا 


ازا مكة 
لمكو يالك 
هه وَالنبويّةٌ 


71 و 
سا " 2 
دار ويمزببج 
سيا ل : 


و0 


لحن الاأولت 


كان الاتك لع 
لنتى] م >2 © مسر 
لخكراء 


شع لوق زم 
الفلكه اولي 
9ه ل 0م..ام 


كارا لانكلنى الختراء 


سار ا مس ل اراس 010 2 44 5 
الماكه العمبيه السعوديه ‏ حلدة 
الإد امه :يجب شللد جدة ١غ‏ 16> 
هعنادت :م1100 فأكش الاه١‏ 1 

الكناتٌ وج الشسكمة ‏ شتناع عبد لبجل المتديري ‏ موك زالتكلامة الَارٌَ 
هَاسَتَ ‏ فاحسش 1.04ه ك1 
هج المشغى - شتارع للختت سوق #امكة العايٌّ 
هحالف :54304.57 _ فاكس : 1/ام١0+‏ 


5 ؤس مع.و ب 2 0-2 - 0- او وما نت 
ه وْعَ لاضن . -_المتويدي العَرَفِت - بجوط إْسوات العامة 
متحاوات السب سسمع _ فأاحكنّ هام ادع 


اللمء. دأءآ-5ن2021ه-1ج . بججدمم// تمطاط 


0 .للأعطآ-5نا21-2:2021 ©) 1210 :1-1411 


لحار سَْ 


را 


إل مَححةوَالمدِننةَالنَوِيَّة 





المقذمة 





انق ابيب 


المقددمه 


الحمد لله الذي فرض الحج إلى البيت الحرامء وشوق القلوب 
إلى تلك الديار الفخامء وأجاب دعوة شيخ الأنبياء إبراهيم؟؛ فقدم 
الناس إلى البقاع المقدسة راغبين» والعَرّصات المطهرة ممتثلين» 
يهتف بهم داعي الشوق والحنين: هلموا إلى مطاف النبيين» ومتنزل 
الملائكة المقربين» ومهوى أفئدة الصالحين. 

والصلاة والسلام على مَن طهر تلك المنازل المقدسة من شوائب 
الوثنية» وعاد بالشرائع إلى ما كانت عليه أيام الرسالة الإبراهيمية: 
فاقتفى حبّته كل راغب في الأجر والحسنات» ومُمَني النفس في 
الوصول إلى تلك المزارات العظام الرائعات؟ فيسكب هنالك العبرات» 
ويرجو مغفرة السيئات» ورفعة الدرجات» بالتجاوز عما سلف وكان 
من التقصير في جنب الملك الرحيم الرحمن . 

وكان من جملة النعم الجليلة» والمواهب الجميلة أن يسّر الله 
الطريق إلى الحج في هذا الزمان بعد أن كان رحلة صعبة محفوفة 
بالمخاطر العظيمات. مليئة بالعقبات. كثيرة التبعات.ء من دخل 
الحجاز فهو في حكم المفقود.ء ومن خرج منه فهو مولودء ليس على 
سبيل المبالغة والتهويل بل ما قيل فيه هو أقل من القليل. 





60- 

ويكفي تصويراً لتلك المخاطر أن عدداً من علماء المسلمين أفتى 
بسقوط الحج عن المسلمين الذين يمرون بتلك البوادي المهلكة 
والأعراب المفسدة. حيث الطريق غير مأمون والسالك فيه أقرب إلى 
الهلاك منه إلى سلامة الوصول . 

وقد سطر كثير من العلماء الذين حجوا ما وجدوه في تلك 
المسالك. ووصفوا ما وقفوا عليه من الصعوبات والمهالك. وقصوا 
قصصاً ورووا أحداثاً جدير بجيلنا أن يطلع عليهاء ويتذكر نعمة الله - 
تعالى ‏ عليه بتيسير المناسك وسبلهاء وأصبح من كان يأتي في بضعة 
شهور محفوفة بالمخاطرات يأتي في بضع ساعات محفوفة بالنعيم 
والملذات . 

وهؤلاء العلماء الذين سطروا هذه الرحلات كان أكثرهم أدباء 
فجاءت عباراتهم رقيقة» جزلة رصينة» فسطروا تلك الرحللات في 
أسلوب قصصي جذاب معجب, ولم تنقصهم الدقة ولا الأمانة العلمية 
فيما سطروهء» فصارت تلك الرحلات سجلاً كاملاً لأحوال الأمة 
الإسلامية منذ القرن السادس - بداية التسطير الشامل لرحلات الحجء 
فيما وصلنا وفيما علمته ‏ حتى القرن الرابع عشر. 


المقدمة 





أهمية كتب رحلات الحرمين 


أولاً: وصف كثير من هذه الكتب الحالة الدينية لأهل الحجاز. 
وما هم عليه من قرب أو بعد عن الله تعالى ‏ وما يسود عباداتهم من 
الصفاء أو البدع» وما هم عليه من حرص على أداء التكاليف الشرعية 
أو تفريط فيهاء وفي هذه فائدة كبيرة في معرفة أثر الدين في النفوس 
ومدى رسوخه فيهاء وفيه فائدة أخرى تتمثل في التتبع لما أصاب 
العالم الإسلاميّ ‏ ممثلاً في قلبه: الحجاز ‏ من الوهن والضعف الديني 
الذي أثر على مسيرته بالكامل» وسمح للاستخراب - الاستعمار - 
العالميّ أن يلج دياره ويعمل معاوله فيها هدماً وتخريباً. 
ثائياً: في بعض تلك الكتب وصف دقيق كامل للهيئة الاجتماعية؛ 
فعادات السكان وطبيعتهم من حاضرة وبادية مسطرة» وكذلك هيآتهم 
ولباسهم»ء وسلوكهمء وطعامهم وشرابهم» وحفلاتهم ونزههم». 
وحزنهم وفرحهمء ورغبتهم ورهبتهم. وحال نسائهم وأطفالهم كل 
ذلك مسطور على ما يحب ويشتهي الباحث الاجتماعي والمصلح 
الداعي . 

ثالثاً: وقد جاءت هذه الرحلات سجلاً كاملاً لما عليه كثير من 
ساسة الحجاز آنذاك من ظلم للحجاج» وأخذهم بفادح الضرائب» 





درم 
وكيف كان الحكام يسوسون العامة إلى آخر الشؤون السياسية 
المعروفة» وقد تعرضت - أيضاً ‏ إلى حال الدول المسيطرة على 
الحجاز من أيوبيين ومماليك وعثمانيين» ومن ثم صورت حالة 
العثمانيين وتدهورهم إلى ضعف ثم انهيار تصويراً موجزاً مقتضباً لكنه 
كان معبرا كافياً. 

وقد ذكرت تلك الكتب حال أشراف الحجاز على التفصيل الذي 
سيطالعه القارىء في ثنايا الكتاب . ض 


رابعاً: تعرض كثير من تلك الكتب - فيما تعرضت إليه - إلى 
الحالة الاقتصادية عند الحجازيين: غناهم أو فقرهمء رفاهيتهم أو 
الشدة التي كانوا يعالجونهاء استقلالهم عن الحجاج أو اعتمادهم 

خامسا: في كثير من تلك الكتب مسائل متنوعة شرعية» ولطائف 
أدبيةع وحكايات متنوعة تستحق بها أن تستحوذ على اهتمام القارىء 
وتكون من المرصدات التي يعدها لفراغه ويتسلى بالاطلاع عليها. 
وتبتهج روحه بالنظر فيهاء ويمكن أن تعد قصصآ للناشئة والكبار 
يطلعون عليها ويعتبرون ويتفكهون . 

سادساً: هذه الكتب توضح العاطفة الدينية العظيمة التي كانت 
تتأجج في صدور الحجاجء وكيف كانوا على أتم استعداد لبيع 
أرواحهم وأموالهم في سبيل رؤية مرابع الطهروالقداسة» . ومغاني 
السعادة والسيادة» وتصور كيف كان الحاج ينسى كل تعبه عند رؤية 


المقدمة دم 
مكة أو المدينة» وكيف كان يقبل على تلك المقدسات باكياً مستغفراً. 
متطهراً تائباً معتبرأء مما كان له أعظم الأثر في بقاء سلطان الدين في 
النفوس» وبقاء التصورات الإيمانية العقدية حية في الأذهان والقلوب. 
فلاجرم إذاً أن بقى الحجاز منارة مضيئة» ومتاباً ومثابة للناس خاصة في 
القرون التي عم فيها العالم الإسلامي التخلف والجهل والظلام - من 
القرن الحادي عشر إلى أوائل الرابع عشر ‏ فكان أن سخر الله تعالى - 
الحجاز تهوي إليه الأفئدة ويُجدد فيه الإيمان. 





سابعاً: في هذه الكتب تتضح ‏ بجلاء ‏ معاني الأخوة الإيمانية ؛ 
فالمصري أخ للحجازي» والهندي صديق للمغربي» والأوروبي قرين 
العربي» يجمع كل أولئك آصرة الإسلام» ووصايا النبي عليه الصلاة 
والسلام» ومن قبل ذلك كله ما جاء في كلام الملك العلام جَلَ جلاله. 
وصورت تلك الكتب - فيما صورت - تساوي الناس في المشاعرء 
وتنافسهم في أداء المناسك وتلك المفاخرء فيا لها من صور عظيمة من 
صور التساوي تربو على كل ما أنتجته قرائح البشر وأفكارهم». ونظمهم 
وقوانينهم وأحوالهم. 


وتذكر تلك الكتب كيف كان كثير من الحجاج يبثون همومهم 
بعضهم إلى بعض» وكيف كانوا يتبادلون الرأي في أحوال أوطانهم. 
ويتقارضون الحلول للمشكلات الكائنة ببلدانهم» فبهذا وغيره يتحقق 
مقصد عظيم من مقاصد الحج الكريمة ألا وهو التعارف والتواسي. 
والتصبر والتأخي . 





-ر.6 


ثامناً: ولاكتمال الفائدة المرجوة من هذه الرحلات فإني أوردت 
رحلات لثلاثة من الكافرين الذين جاؤوا متخفين بأسماء إسلامية لكن 
بروح صليبية حاقدة خاصة فارتيما الإيطالي وجوزف بتس» وكان 
بيرتون أعقل الثلاثة . 





والأهمية الظاهرة لهذه الرحلات هو معرفة كيف ينظر الغرب إلينا 
وإلى ديننا وقيمنا وأخلاقنا وتقاليدناء وإدراك الأهداف الاستعمارية 
التي كانت واضحة في ثنايا هذه الكتب خاصة كتاب بيرتون الذي جاء 
سجلاً شاملاً لكل أحوالنا السياسية والعسكرية والدينية والاقتصادية 
والأخلاقية . 


وهناك رحلات أخرى مهمة مثل رحلة بوركهارت السويدي لكنها 
لا تصلح للاختصار؛ لأنها مملوءة بالمعلومات التفصيلية التي يتعذر 
معها الاختصار ١7‏ . 

وهناك كتاب مهم وهو كتاب سنوك هرونيه الهولندي الذي تسمى 
باسم عبدالغفار وادّعى الإسلام ‏ وفي ثبوت إسلامه خلاف - وإنما لم 
أسقه وقد ترجم لسعيس : الأول: أنه لم يأت في سياق رحلة إنما بدىء 
الحديث فيه عن مكة وأهلهاء والسبب الاخر: هو ضخامة المعلومات 
الواردة فيه وأهميتها وصعوبة اختصارهاء والكتاب ضخم كبير الحجم . 


تاسعاً: تمثل تلك الكتب أهمية عامة للمسلمين وأخرى خاصة 


)١(‏ نشر هذا الكتاب مؤسسة الرسالة ببيروت سنة ١511‏ مترجماً. 


المقدمة 
بالحجازيين؛ فهي تحكي لهم كيف كانت ربوعهم وديارهم» وكيف 
عاش آباؤهم وأجدادهم. وتصل حاضرهم بماضيهم» وتشبع فيهم 
الرغبة إلى معرفة التاريخ الحجازي وأصالته وعراقته. فلله كم ذكرت 
من الربوع والمغاني» والحواضر والبوادي» وكم أطنبت في وصف 
معاهد القدس وأماكن الطهرء وكم أشادت بالعادات الحميذة والتقاليد 
الكريمة» التي فرّط فيها أكثر الناس اليوم وهجروهاء ومَلَتهم بعد أن 
ملوهاء 

عاشراً: في الكتب المختارة فوائد عديدة وعبر وعظات ونصوص 
صالحات أن تقرأ على الناس فى المساجد والمحافل فى المحاضرات 
والدروس والخطب خاصة في موسم الحج. وقد تكفل فهرست الفوائد 
- كما سيأتي ذكره ‏ الملحق بآخر الكتاب بكشفها وإظهارها بجلاء . 











عملي في هذا الكتاب 


أولاً: انتقيت من كتب الرحلات ما فيه استفاضة في الحديث عن 
الجوانب المذكورة انفاً ففى مبحث «أهمية كتب رحلات الحرمين» كلها 
أو بعضهاء واستثنيت لهذا عدداً من كتب الرحلات التى خلت أو كادت 
تخلو من الجوانب المفيدة المشوقة للقارىء» أو كان بعضها مفيداً في 
بابه فى غير الحجاز؛ كأن يتحدث المصنف باستفاضة عن بعض البلدان 
مقتضب ليس فيه الفائدة المنشودة» أو لغير ذلك» والكتب التى اطلعت 
عليها واستثنيتها هي : 

أ رحلة «سفرنامة» لناصر خسرو علوي» وكانت فى حدود سنة 
ومع ه2305 

ب «تاج المفرق فى تحلية علماء المشرق» لخالد بن عيسى 
البلوي» وكانت الرحلة سنة 8لاه"'" . 
)0 هي بالفارسية . وترجمها د. يحيى الخشاب» وطبعت في الهيئة المصرية العامة 


للكتاسب ‏ طبعة ثأنية ‏ سئة .١997‏ 
إفة نشر في المغرب بدذون تاريخ . 


المقدمة 





ج - رحلة علي القلصادي الأندلسي (ت .2''0891١‏ 

د «الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة» 
لعبد القادر الجزيري» توفى فى حدود سنة ."794٠‏ 

هط - أنس الساري والسارب من أقطار المغارب إلى منشهى الأمال 
والمآرب سيد الأعاجم والأعارب بلدا لأبي عبدالله محمد بن أحمد 
القيسيّ الشهير بالسرّاج» قام برحلته سنة .©71١4٠‏ 

و - اامشعل المحمل» لمحمد صادق باشاء قام برحلته سنة 
الفا 

ز ‏ «الرحلة الحامدية» لإسماعيل الحامدي المالكي» قام برحلته 
سنة 22017991 , 

ح - «أصفى الموارد في تهذيب نظم الرحلة الحجازية للشيخ 
الوالد؛ لمحمد المختار السوسئ"''. هذب فيها نظم رحلة والده إلى 
الحجاز سنة ١705‏ » وكان والده قد مات قبل أن يهذبها. 


ط ‏ «الرحلة الميمونة الغرًا فى بعض ما شاهدته برا وبحراً) 


)١(‏ طبعت في تونس سنة ١744‏ بتحقيق الأستاذ محمد أبو الأجفان. 

(؟) نشره الأستاذ حمد الجاسر عن دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر في الرياض 
سنة 507١ء‏ الطبعة الأولى. 

(*) حققه الأستاذ محمد الفاسي. وطبع في فاس سنة 1784 . 

0( طبع طبعة قديمة بمصر بدون تاريخ . ٠‏ 

(65) الرحلة ما زالت مخطوطة وعندي نسخة منها. 

(71) طبعت في حدود سنة ١774‏ في المغرب. 





لعبدالقادر بن محمد السودي» قام برحلته نيته ال انا 


ي - «الرحلة الحجازية» لمحمد يحيى بن محمد المختار الولاتي 
(ت .2001# 


كح ل التحلة الموهوية البخارية فى الرخلة السهوتة الحيجانية7. 
ل - «يوميات رحلة الحجاز» لغلام رسول معمرء الرحلة كانت 
سنة 2471175 . 


م - «كتاب رحلاات الصيف» لعمر الركباني التونسي». قأم برحلته 
سنة 26571777 وكانت هى الجزء السادس من رحلاته . 


ن ‏ «رحلة الحج إلى بيت الله الحرام» لمحمد الأمين الشنقيطي 
الجكنى» الرحلة كانت سنة /21017751. 


س - «أرض المعجزات» لبنت الشاطىء عائشة بنت عبدالرحمن»؛ 
الرحلة كانت سنة 2917019٠‏ , 


.١76٠ طبعت بفاس سنة‎ )1١( 

(؟) تحقيق د. محمد حجيء ونشر دار الغرب الإسلامي» الطبعة الأولى سنة .١99٠‏ 

(0) طبعت بفاس سنة 153 . 

(5) ترجم الرحلة د. سمير عبدالحميد إبراهيم» نشر دارة الملك عبدالعزيز سنة 
1517اه. 

(5) طبع بمطبعة التليلي بتونس بدون تاريخ نشر. 

(59) نشر دار الشروق سنة »١5٠7‏ الطبعة الأولى. 

610 نشر دار الكتاب العربي» بيروت . 


المقدمة 
0 


اع - «في أرض المعجزات» لمحمد كامل حتة» الرحلة كانت سنة 
22 





هذا وهناك رحلات لم أطلع عليها''" منها رحلات مغربية لم 
أتمكن من الحصول عليهاء والله أعلم . 


ثانياً: لم أذكر من مسار الرحلات المختارة إلا ما كان متصلاًٌ 
بالحجاز أو سبيلاً إليه؛ فبعض الكتب المختارة ‏ مثلاً ‏ كان لرحالة 
مغاربةوصفوا فيه طريقهم مذ خرجوا من بلادهم إلى رجوعهم إليه؛ 
ففي هذه الحالة فإني أكتفي بذكر أقرب مدينة أو قرية يبدأ بها المصنف 
الحديث عن الحجاذ 0 مسار رحلته» فإذا سلك صاحب الرحلة 
الطريق البري إلى الشام فالأردن فإني أبدأ ذكر رحلته من جنوب 
الأردن» أو من العقبة إن سلك المصنف الطريق المصري البري» أما 
إن سلك المصنف البحر فإني أبدأ ذكر مسار رحلته من السويس إن 
أبحر منهاء أو من عَيّْذَاب ‏ قرية بحرية جنوب مصر - إن ركب منها إلى 
الحجاز. 


وقد أبدأ ذكر الرحلة قبل هذا التحديد المذكور إذا دعا لذلك داع 
متصل بذكر الحج ومناسكهء أو فائدة مَرْجِرٌ من ذكرها كمال للعظة 
والعبرة . 
)١(‏ نشر دار الكتاب المصري». وهي رحلات ثلاث من سنة 771/7 -172775 تقريباً. 


0( 0 مقدمة الأستاذ العلامة حمد الجاسر لتلخيص رحلتي ابن عبدالسلام الدرعي 


المختار من الرحلات الحجازية 





6 - 


وقد أبدأ بعد هذا التحديد المذكور إن لم أصادف فاتدة ما كأن 
أبدأ بذكر رابغ أو جدة. 

ثالثاً: رتبت الكتب المختارة ترتيباً زمنياً بحسب زمن القيام 
بالرحلة. ولم أعثين زمن وفاة المصنف. وهذا الترتيب مساعد على 
اكتمال الفائدة المرجوةء» حيث يُطلع به على تغير الناس والأحوال 
باختلاف الزمان» وفى هذا فائدة للباحثين فى أحوال المجتمعات». 
وللدعاة المصلحين والقراء المعتبرين . 

رامعاً: إن أغنت الرحلة المختارة عن لاحقتها فى ذكر الأحداث 
ووصفها فإني أحذف ما تكرر من الأخرى . 

خامساً: عمدت إلى كل ما يُسْئم القارىء من استطراد فحذفته» أو 
ما كان يمكن حذفه من صلب الكتاب فأسقطته» وذلك طلباً للاختصار 
أولاً - وهو غرض جليل لا سيما لقراء هذا الزمان - ولضمان تسلسل 
الأحداث ووقوعها الموقع الحسن في نفس القارىء ثانياً . 

وليطمئن القراء؛ إذ أنى لم أحذف إلا ما ليس له تعلق بأحوال 
الحجاز. أو ما كان ذكره مثقلاً للكتاب بدون فائدة ترجى ولا عبرة ولا 

سادساً: فى بعض الكتب المختارة ‏ كما سيأتى شرح ذلك في 
حديثى عن كل كتاب على حدة إن شاء الله تعالى ‏ كثير من التجاوزات 
العقدية والشرعية فحذفت ما لا يؤثر على سير الرحلة» وأبقيت ما لا بد 
منه معلقاً عليه بما أراه هو الصواب إن شاء الله تعالى . 


المقدمة 








-© 


وفيها الكثير من الأحاديث والآثار الموضوعة أو الضعيفة ضعفاً 
شديدا فأسقطتها . 

سابعاً: ما كان من الكتب محققاً ‏ وهو القليل ‏ فإني أبقيت فيه ما 
رأيت الحاجة إليه ماسة من تعليقات المحققين وبحوثهم» وأكملت 
عملهم ذلك بما أستطيع من جهد. وما لم يكن منها محققاً فإني أسلك 
فيه طرائق البحث العلمي المعروفة معتمداً على ما طبع منها دون 
المخطوطة» فترجمت لكل من هو مفتقر إلى ترجمة.- على حسب 
الوسع والوجُد والطاقة - وخرجت الأحاديث والاثار»ه وشرحت 
الغريب» وعرفت بالمدن والبلدان» والله المستعان وعليه التكلان. 


ثامناً: وضعت عدداً من الفهارس الكاشفة» ووضعت فهرست 
الفوائد رتبته على نحو يرجى معه أن يكون حاوياً كل ما في الكتاب من 
فوائد وعبر وعللات على وجه علمي دقيق إن شاء الله - تعالى - 
ووضعت في صدر كل فائدة رقم الفقرة حتى يسهل الرجوع إليها في 
نايا الكتاب . 


المختار من الرحلات الحجازية 





الكتب المختارة 


الرحلة الأولى: رحلة ابن حُبير الأندلسي''' المسماة: «التذكرة 
بالأخبيار عن اتفاقات الأسفار»: 


هي رحلة جليلة» فيها لمسات أدبية جميلة؛ فالرجل أوتي حظأ 
عظيماً من حسن تأليف الكلام ورصفهء وجمال الأسلوب ووصفه. 
وكان في ذكره للأحداث مشوقاء وفي سرهده للوقائع مُرِغْباء لا 
يستعصي عليه معنى من المعاني, ولا يقف دون قلمه السيّال شيء. 
فجاء كلامه عذباً رائعاً لا يمل» ولعمر الحق إنه لأهل أن يُلحق بالطبقة 
الأولى من الأدباء البلغاء والله أعلم . 


وليس في رحلته إلا مؤاخذات خفيفة كعده أنه لا إسلام صحيحاً 
العقدي كما هو معلوم ‏ وإنما دعاه إلى ذلك ما رآه من ظلم الولاة 
وبماثره التي أسبغها على الحجاج . 


)١(‏ أرجأت ذكر التعريف بالمصنف إلى بداية كل رحلة حتى يكون ألصق بذهن 
القارىء . 





الرحلة الثانية: «ملءٌ العيبة بما جمع بطول الغيبة», للشيخ 
ابن رُشيد الفهري المغربي السَبْتي: 

رحلته جميلة جليلة فيها عذدد من المسائل الفقهية واللطائف 
الأدبية. والقصص المسلية؛ وبعضص أخبار الجهاد والمجاهدين. وفيها 
وصف للحرمين جميل لطيف . 

وفيها كذلك اعتناء بمسائل الأدب» وإيراد لكثير من القصائد. 

وفيها تراجم لجمع غفير من العلماء والمجاهدين والصالحين» 
وبالجملة فهى من أحسن الرحلات وأعدلهاء والله أعلم.. 

وقد قام برحلته هذه سنة 584 . 

الرحلة الثالثة: «مستفاد الرحلة والاغتراب», للشيخ قاسم بن 
يوسف التجّيبي السَيْتي: 

وهي رحلة جليلة ‏ كسابقتها ‏ قريبة العهد منهاء وإن كانت دونها 
قليلاآًء وفيها خَرْم في أواسطها ذهب بكثير من فائدتها وأهميتهاء على 
أنها بقيت جليلة نافعة . 

ومن أهم ما جاء في هذه الرحلة إظهارها بوضوح مدى الصعاب 
الجسيمة التي يتجشمها راكب البحر في ذلك العصرء وما يعانيه من 
أهوال حتى يصل إلى بر الحجاز. 

وفيها الكثير من القصص والأخبار الجديرة بالتسجيل والاعتبار. 


وفيها شيء يسير من التصوف جرى حذف ما لا يتفق منه مع 


المختار من الرحلات الحجازية 





المنهج الشرعي الصحيح. والله أعلم . 

وقد قام برحلته هذه سنة 595. 

الرحلة الرابعة: رحلة ابن بطوطة المسماة: «تحفة النْظّار في 
غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»: 

ورحلته أشهر الرحلات مطلقاً ‏ وإن لم تكن أجودها ولا أكثرها 
فائدة ل وصادفت قبولاً لدى فئام من الناس قديماً و-حديقاً والجزء 
الخاص بالحجاز فى رحلته ‏ على جماله وجلاله ‏ فيه إعادة لكثير مما 
وحذفت كل ما فيه صور تكرار وإعادة لما سبق ذكره في الرحلتين 
السابقتين . 
ويتوسع في ذكر التراجم» ولم يستثن هنا في رحلته الحجازية . 

وقد قام برحلته سنة 1/751. 

الرحلة الخامسة: رحلة فارتيما: 


هو رحالة إيطالي» قام برحلته فى حدود سنة 4٠١‏ هجرية متخفياً 
باسم الحاج يونس العجمي تارة ويونس المملوك المصري أخرى 
بحسب البلد الذي هو فيهء وكانت مهمته التجسس لحساب البرتغاليين» 
وفي رحلته هذه تعصب كبير ضد المسلمين» وحقد دفين يظهره على 
صفحات كتابه»ء هذا وقد لحق برحلته نقص كبير وضعف بسبب 


المقدمة 





1 - 
المبالغات الشنيعة في مواضع كثيرة» وبسبب التعصب والحقد 
المذكورين آنفاًء وبسبب كثير من الأخطاء في المواقع والأحداث» وقد 
علقت على ذلك في مواضعه. 

وعلى كل حال فذكر سياق رحلته مهم خاصة أنه سطرها في 
المرحلة الأخيرة من المجد التي كان يعيشها العالم الإسلامي» وكانت 
أوروبا آنذاك كلها قلقة بسبب دخول الدولة العثمانية القسطنطينية 
وتهديدها القوي لجاراتها الأوروبيات. 


الرحلة السادسة: رحلة العياشى المسماة: «ماء الموائد»: 





وهي رحلة مفيدة ممتعة» شاملة كثيراً من تفاصيل الحياة 
الاجتماعية والدينية والاقتصادية في الحجاز» ويعدها بعض المعاصرين 
أوفى الرحلات وأكثرها فائدة على الإطلاق . 

وهذه الرحلات وبعض الرحلات التي تلتها كانت فيها نزعة صوفية 
واضحةء وفيها غلوٌ في بعض الأحيانء» فعمدت إلى تهذيب ما 
استطعت من هذه الصوفيات المغرقة» وما لم أتمكن من تهذيبه فإني 
علقت عليه بما أعتقد أنه المنهج الصواب إن شاء الله تعالى . 

ولم أستطع أن أحصل على الرحلة كاملة إنما وقع بين يدي الجزء 
الخاص بالمدينة محققأء وهي قد طبعت كاملة في المغرب. لكن هذا 
الذي قدر لي الحصول عليهء والذي أوردته منها دال على أهميتها 
وقوتها. ظ 





6 - 


الرحلة السابيعة: رحلة حجوزيف بتس: 


وهو شاب إنجليزي أسر في مياه البحر الأبيض واشتراه رجل 
جزائري فأجبره على الإسلام وختنه. وكان عمره لا يتجاوز سبعة عشر 
عامأء وحمله معه سيده إلى الحج وهو ليس بمسلم إنما دخل الإسلام 
ظاهراً بسبب إجبار سيده له» وكتب رحلته بهذه الروح الحاقدة وإن لم 
تكن خالية من بعض الفوائد المهمة للقارىء المسلم الواعي المعتبر. 


الرحلة الثامنة: الرحلة الورثيلانية للشيخ الحسين بن محمد 
الورثيلاني: 

وهي رحلة تلت في زمانها رحلة العياشي سابقة الذكرء وتتشابه 
في سياقها معها. وقد اعتمد المصنف في كتابه على رحلتين : رحلة 
العياشي المذكورة أآنفاً» ورحلة ابن ناصر الدرعي. ونقل صفحات 
مطولات منهما إلى كتابه لكنه كاد يلبس بإيرادها؛ إذ اختلطت بأصل 
الكتاب اختلاطاً يصعب معه في بعض الأحيان ‏ لطول النص المنقول 
ومطابقته للسياق ‏ تميز كلام المصنف خاصة أن طبعتها أشبه 
بالمخطوط منها بالمطبوع. ولم يعتن أحد بهذا الكتاب فيما علمت. 
والله أعلم . 

والكتاب لا يخلو من ذكر فوائد مهمة. ومسائل شرعية وأخرى 
أدبية ارتفعت بالكتاب إلى مصاف الرحلات المهمة» ولكنه لم يسلم 
من التصوف المغرق بل كان أكثر الكتب المختارة إيراداً لهذه المسائل 
الشائكة. وقد بذلت جهداً كبيراً في تهذيب الكتاب وتخليصه منهاء 





0 
وفي الكتاب أيضاً عشرات من الأحاديث والآثار الموضوعة وقد 
حذفتها فيما حذفت من هذا الكتاب أثناء التهذيب والاختصار. 

وقد قام برحلته هذه سنة 1١179‏ . 

الرحلة التاسعة: رحلة بيرتون إلى مصر والحجاز: 

كان ضابطأً إيرلندياً في الجيش البريطاني في الهند» وقام بمغامرة 
تبع فيها بعض من سلفه حين أراد أن يزور الحرمين متخفياً في ثوب 
أفغاني درويش . 

وقد جاءت الرحلة حافلة بالتفصيلات المطولة. وفيها وصف 
كامل ‏ تقريباً - للجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية 
والعسكرية في الحجاز آنذاك بثها المصنف في شكل قصصي جذاب 
وإن كان للترجمة أثرها الواضح وبصمتها التي قلما يخلو منها كتاب 
أجنبي ؛ إذ جاءت بعض جمله ‏ خاصة الأدعية والكلمات التراثية - 
ركيكة إلى الحد الذي ينبو عنها سائر النص . 

وبيرتون في صنيعه هذا يرمي إلى وضع صورة متكاملة عن قلب 
العالم الإسلامي ‏ مصر والحجاز ‏ على مائدة صناع القرار الاستعماري 
«الاستخرابي» أنذاك ‏ كما ظهر ذلك بوضوح في ثنايا بعض كلامه - 
والناظر إلى حديث بيرتون عند نائب القنصل البريطاني في الحجاز 
ومناقشاته معه يدرك هذا الأمر بوضوح. ظ 

والدارس لهذه الرحلة بغرض استقاء العبر والعظات يشتد عجبه 
للحالة المتدنية في كل الجوانب تقريباً في الحجاز أنذاك» ويفهم كيف 





وصل الحال بالمسلمين بعد ذلك إلى تلك الدّركات التى سقطوا فيهاء 
واستطاع الاستعمار أن يدك حصونهم ومعاقلهم العسكرية ثم الفكرية 
والويمانية إلا من رحم الله تعالى . 

وقد قام برحلة هذه سنة ١1719‏ . 

الرحلة العاشرة: «الرحلة الحجازية» للشيخ عثمان بن 
إبراهيم السنوسي: 

هي جزء من رحلة طويلة زار أثناءها المصنف بعض دول أوروباء 
وجاء إلى الحجاز أثناء تقلبات حكم بعض أشرافه فهذا يولى وذاك 
يُعزل» وكان قد قام برحلته إلى الحجاز حاجاً سنة ١199‏ . 

والرحلة حافلة بالقصائد الطويلة التى نظمها المصنف وغيره فى 
الحجاز العلمي والديني والسياسيّ» والمصنف - فيما يبدو من كلامه ‏ 
متمكن من ناحيتى الفقه والأدب». وله إلمام حسن بعلم التاريخ . 

الرحلة الحادية عشرة: «كوكب الحج» لأركان الحرب محمد 
صادق بياشا: 

كان قد حج مراراً وتولى بعض المسؤوليات في الحملة المصرية. 
وقد كان من أركان حرب الجيش المصريىّ» وله نصيب من الأدب ‏ 
كما يتضح من سياق كتابه ‏ وله اطلاع كبير على القبائل الواقعة في 
درب الحجء؛ ولعل السبب هو وظيفته المهمة فى الجيش المصريّ 
حيث يجب على من كان مثله ‏ حفاظاً على أمن الحملة ‏ أن يطلع على 


المقدمة 





عادات القبائل وأحوالها. 

وفي الكتاب وصف للدرب من مكة إلى المدينة ومن جدة إلى 
مكةء ووصف لولاية الحجاز على التفصيل وذكر أحوال بعض المدن 
اجتماعياً واقتصادياً مثل جدةء وعلى الجملة ففى الرحلة من الفوائد 
الشيء الكثير» وهي جديرة بأن يُعتنى بهأ تحقيقاً ونشرأًء وقد قام 
المصنف برحلته سنة 21٠/3”‏ وكان قل حجج قبلها وسطر سياق ذلك 
الحج في كتابه «مشعل المحمل» ولكني آثرت عليه هذا الكتاب - 
كوكب الحج ‏ لجودته وارتفاعه على سابقه. والله أعلم . 


الرحلة الثانية عشرة: «مرأة الحرمين», للواء إبراهيم رفعت 
داشا: 


هي رحلة ضخمة؛» من أغنى الرحلات وأمتعها وأهمهاء ولقد زاد 
فى قيمتها احتواؤها على مئات الصور الشمسية لجدة ومكة والمديئة 
والمشاعر؛ وقد ضمن المصنف كتابه عدداً من المسائل السياسية كانت 
غاية في الأهمية كحديثه عن حكم بعض الأشراف وظلمه الفادح 
وشكاية عدد من الحجاج إلى الدولة العثمانية وغيرهاء أورد كل ذلك 
بتفصيل طويل . 


وفي الكتاب تفصيل واف كاف كأحسن ما يكون التفصيل وأوفاه 
- عن كل ما يتعلق بالمشاعر والمناسك تاريخاً وواقعاً؛ وفيه كلام مهم 
عن عادات المكيين والمدنيين» ووصف كامل لمكة والمدينة» وفيه 
مسائل فمهية وتأريخية كثيرة . وقد كتب المصئف كل ذلك في ثوب 


المختار من الرحلات الحجازية 





6 - 


أدبى دال على تمكنه من ناحية الأدب» ولا غرابة في ذلك إن علم أنه 
العسكري . 
المصنئف أربع مرات فجعل رحلته الأولى سنة ١١١/8‏ أصاة وأضاف 
إليها معلومات مهمة استقاها من رحلاته الثلاث التي قام بها بعد ذلك . 
الرحلة الثالثة عشرة: «الرحلة الحجازية» للأستان محمد 
لبيب البتدودي: 
قد جاء للحج مصاحباً لحملة الخديو عباس حلمي ملك مصر مما 
أهله أن يطلع على كثير من التفاصيل الحجازية والوقوف عليهاء 
ورحلته. عدللة كسارتتها يوز كانت تقرقياا عن تاخنة الفبرة: المطول 
للحالة الاجتماعية والاقتصاديةء وفيها نقد للمشكلات القائمة 
تاويينا وفقهاً وسياسة واقتصاداء وفيها حديث عن تاريخ الحج في 
الإسلام وعند غيره من الديانات والأمم والشعوب تفرد به المصنف - 
فيما أعلم والله أعلم . 
علقت عليها في موضعها مستعيناً بمن نقدها كالشيخ عثمان الراضي 
كما هو مذكور فى مقدمة طبعة الكتاب الأصل بالتفصيل . 


وقد قام برحلته سنة /1771 . 


المقدمة 





ظ 000 سب 


الرحلة الرايعة عشرة: «رحلة الحجان» للأستان محمد رشيد 
رضا: 


الأسعاذ رشك رحمة الله تعالى علم مشهورء وقد ورث علم وفقه 
الأستاذ محمد عبده ‏ رحمهما الله تعالى - وأضاف إليهما تضلعاً من 
الحديث النبوي الشريف. وهو معروف بآرائه السياسية والدينية 
والاجتماعية الصريحة الصائب أكثرها. 


وقد انعكس كل ذلك على رحلته فجاءت مليئة بالتأملات والعبرء 
والعظات والفكرء كما أن بها آراء واقتراحات جديرة بالتأمل واستقاء 
الفائدة منها. ظ 

ومن أهم ما في الكتاب آراؤه في الخلافة والدولة العثمانية وكيف 
ينبغي أن تكون علاقة الشريف حسين بهاء وفيها بيان واضح لأحوال 
عدد من الرجال المهمين في الحجاز آنذاك» كما أن بها توضيحاً لطيفاً 
لفائدة العبادات وأثرها على النفس والمجتمع كصلاة الجماعة والطواف 
وسائر المناسك. وبالجملة فهي ‏ على اختصارها - نفيسة في 
محتواهاء جليلة في مراميها ومقاصدها كعادة الأستاذ في أكثر ما يكتبه 
ويتناوله بالتحليل والبحث والتمحيص. 

هذا وتدل عناية الشريف به على أنه اختلف معه بعد ذلك على 
عظم مكانته في العالم الإسلامي آنذاك . 


وقد قام برحلته سنة 15 . 





06 


الرحلة الخامسة عشرة: «الرحلة التنجدية الحجازية»: للأستان 


وهي رحلة مختصرة جدآء ولم تكن للحج بل كانت لإيصال 
رسالة من الشيخ رشيد رضا والشريف فيصل بن الحسين إلى الملك 
عبدالعزيز في نجد» ولكنه اعُترض في رحلته بالسكة الحديدية من قبل 
جماعة من الأعراب وغير مسار رحلته إلى المدينة فلذلك أوردت 
رحلته هذه. 





وهي ‏ على إيجازها ‏ فيها فوائد كثيرة» وتصف حال المدينة 
العلمي خاصة»ء وبها تفصيل لأحوال الأعراب المفسدين قطاع الطريق» 
وفيها ‏ أيضاً ‏ بيان مهم عن حال بعض أهل البوادي الذين فهموا الدين 
خطأ وحصل لهم غلرّء وصاروا يقتلون الناس بدعوى أنهم كفار» وقد 
قضى عليهم الملك عبدالعزيز بعد ذلك وأطفأ فتنتهم ولله الحمد. 

وقد قام برحلته سنة 17”8 . 

الرحلة السادسة عشرة: «ما رأيت وما سمعت». للأستاذ خير 
الدين الزركلي: 

قد صنف رحلته هذه بعد أن زار الحجاز بدعوة من الشريف حسين - 
فى موسم الحج - فاراً من الفرنسيين الذين حكموا عليه بالإعدام 
الغيابيّ؛ وقد كرمه الشريف حسين وأحسن نزلهء وقد زار الطائف 
ووصفها وبواديها وجبالها وبساتينها وأهلها وصفاً شاملاً مفصلاء 
ووصف الشريف حسيناً وقصره وعاداته وطرائق حكمه وصفاً موجزاء 





وكتب كل ذلك بأسلوب أدبى جيد ولغة عربية قوية كعادته رحمه الله . 

وقد قام برحلته سنة 179 . 

الرحلة السابعة عشرة: «الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج 
إلى أقدس مطاف»» للأمير شكيب أرسلان: 

وقد قام برحلته سنة ١١72448‏ في دولة الملك عبدالعزيز آل سعود 
رحمه الله تعالى ‏ وقد لمس الفارق في الأمن الشامل في عهده وعهد 
من قبله» وحمد ذلك ». وأثنى على الملك عبدالعزير تناع عاطرا. 
وكذلك زار الطائف ووصفها وصفاً كاملاً دقيقاً شاملاً» وذكر كذلك 
جوانب تاريخية مهمة عن الجزيرة العربية» وذكر طرقها ومعادنها 
وهواءهاء وله فى ثنايا ذلك كله افتراحات معتبرة واراء صائية مهمة . 
وفي كتابه أيضاً أخبار تاريخية وجغرافية عن بعض البلدان الأوروبية 
التي أقام ببعضها زمناً طويلاً. 

وقد كتب الأمير شكيب رحلته بأسلوب بليغ جزل رصين أتى فيه - 
أحياناً - بكلمات غريبة جرياً على عادته فى استعمال الأساليب القوية 
في كثير من كتاباته مضمناً إياه شيئاً من غريب اللغة. 

وقد اعتني بالأمير شكيب اعتناء واضحاً مما يدل على مكانته 
الكبيرة أنذاك . ظ 

الرحلة الثامنة عشرة: «رحلة إلى الحجاز». للأستاذ إبراهيم 
المازني: [ 

هو أديب معروف» لذلك انعكس الأدب فى كثير من جوانبه على 





م6 


كتابته الموجزة المقتضبة» إذ صارت أشبه بقصة محبوكة منها برحلة 
دينية» وقد ظهرت فيها روح الدعابة والمرح إلى الحد الذي أدى به إلى 
التجاوز في ذكر بعض الأمور التي لا تليق» وقد حذفتها من الكتاب 
حفاظاً على سير الرحلات المختارة فى إطار معين محدد مضبوط 
بضوابط الشرع المطهر . | 





وقد وضح انبهار المازني بما رآه في الحجاز من مظاهر غريبة 
عليه كالحجاب الكامل مثلاًء وقد سجل إعجابه بالأمن الذي وقف 
عليه بنفسه فى حادثة جرت عليه سيطالعها القارىء إن شاء الله تعالى 
في ثنايا رحلته؛ وأعجب بالملك فيصل رحمه الله تعالى ‏ نائب الحجاز 
آنذاك ‏ بعد أن قابله فى مجلسه. وأثنى عليه . 


وقد قام برحلته سنة و30 . 


الرحلة التاسعة عشرة: «رحلتي إلى الحجاز»., للأستاذ محي 


وهو صَّحُفيء تربطه علاقة قرابة بالأستاذ الشيخ رشيد رضاء 
ولأنه صحفي فقد جاءت رحلته مليئة بالملاحظات المفصلة عن أشياء 
كثيرة وجوانب عديدة» وقد كانت له صلات في الحجاز بالملك 
عبدالعزيز وابنيه سعود وفيصل» وقد أعجب بهم جميعاً أيما إعجاب 
وذكر جوانب من حياتهم. وقد قابل أيضاً عدداً من الشخصيات المهمة 
الأخرى كالوزير عبدالله السليمان وأمير المدينة وسجل ملاحظات 
علمية وشرعية . 


المقدمة 





ومن أهم ما كتبه هو دعوته لأبناء العالم الإسلامي للحج 
ومحاولته إقناع المترفين منهم خاصة بكل الوسائل» وهذا أمر مهم لأنه 
قد كثر إعراض الناس - أنذاك ‏ عن الحج تخوفاً أو ترفآً وتكاسلا . 





هذا وإن للمصنف كتاباً آخر بعنوان «صور ومشاهدات من 
الحجاز» ضممت بعض فوائدله امتح رجت وقل ذكرت ذلك 
في موضعه. 

الرحلة العشرون: «أرض النبوة» للأستان علي الطنطاوي: 

قام برحلته من دمشق إلى المدينة لاكتشاف طريق بري للسيارات» 
وقد مر في طريقه بالقريات وتبوك والعلا واستضيف من قبل أمرائهاء 
وكتب بشيء من التفصيل عن عاداتهم وطعامهم وشرابهم ومنازلهم. 
السيارات فيها. وفى رحلته طابع للفكاهة والنوادر كعادة الشيخ علي 
في أكثر ما يكتبه؛ إذ يجمع بين النادرة والعظة على وجه رائع محبب 
إلى النفوسء» وقد اكتفى بزيارة المدينة دون مكة لأن ذلك غرض رحلته 
اتذاكء ولكنه لم يذكر هل اعتمد على الطريق الذي سلكهء وهل استفيد 
من رحلته بعد ذلك في اكتشاف طريق جيد تسلكه السيارات خاصة أن 
الشيخ محمود ياسين سافر بعد ذلك بسنين للغرض نفسه» وصادف 
الصعاب التي صادفها الشيخ علي تقريباً في سلوكه الصحراء ورمالها 
الهائلة بالسيارات ولم يذكر شيئاً عن رحلة الشيخ علي الطنطاويّ . 


المختار من الرحلات الحجازية 








6 - 

وقد قام الشيخ برحلته سنة 11605 . 

الرحلة الحادية والعشرون: «في منزل الوحي». للدكتور 

وهي من أطول الرحلات» وأكثرها فائدة» فقد جمعت - تقريباً - 
كل الفوائد التي ذكرت في الرحلات السابقة» وزادت عليها بالتحليل 
العميق للمشكلات التي كان يعاني منها الحجاز آنذاك» ومن أهم ما 
جاء فيها ‏ على أنها كلها مهمة حقا ‏ أن الرجل تأثر تأثراً واضحاً في 
حجه هذاء وكتب تأثره بلغة صريحة رائعة مثنياً فيها على العبادات 
وأثرها في النفوس» وهذا يعد تحولاً في حياة الدكتور محمد حسين 
هيكل الذي كان بعيداً عن الفكر الإسلامي قريباً من أورويا وأهلهاء 
ووضح من كتابه مدى استفادته الكبيرة من حجته»ء وذكر في الكتاب 
أفكاراً وآراء ومقترحات قوية دالة على مقدار علم الرجل وفهمه وذكائه 
وحسن تصوره للمسلمين واقعاً وكما ينبغي أن يكونوا. 

الم ا 00ت 

الرحلة الثانية والعشرون: «رحلة الحجاز»» للدكتور 
عبدالغني شهيندر: 

قد قام برحلتين: الأولى أيام الشريف حسين ولم أقف عليهاء 
والأخرى في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله تعالى . 


وجاءت رحلته موجره هي كنيب احدرت: على امرمد 
رئيسيين : الأول : : الوصف للملدان التي مر بها كرابغ وجدة ومكة 


المقدمة 





-2 


والمدينة والحرمين الشريفين» والأخر: هو الحالة الاجتماعية التى ذكر 
10 . 


الرحلة الثالثة والعشرون: «الرحلة إلى المدينة المنورة», 
للشيخ محمود ياسين: 

قام برحلة مشابهة لرحلة الشيخ علي الطنطاوي في كثير من 
مراحلها وصعابهاء وإن كانت مفصلة شيئاً ما في الجانب المدني منها. 
فقد ذكر جوانب مقتضبة عن أمير المدينة وعن أحوال المدينة المنورة 
آنذاك» وفى الرحلة عدد من المسائل الفقهية والسياسية زادت من قيمة 
الرحلة وبهائهاء وفيها تصوير بديع للشوق العظيم إلى النبي محمد وك 
وبلده الشريفة المنيفة . 


وقد قام برحلته سنة ١١09‏ . 


الرحلة الرابيعة والعشرون: «من ذكرئات الحج». للأستادن 
الشيخ علي الطنطاوي: 
وهي رحلة لطيفة موجزة. ذكر فيها الشيخ ‏ رحمه الله تعالى - 


ذكر فيها أموراً لها صلة برحلته السابقة . 


-_ 


المقدمة 





مقالات ملحقة بالرحلات الحجازية 


هناك مقالات لطيفات موجزات تصلح للحاق بركب الرحلاات 
الحجازية» لكنها لما كانت موجزات آثرت أن ألحقها فى آخر الكتاب 
لا أن تكون فى صلبه . 

أولاها للأستاذ محمد طلعت حرب باشا الاقتصادي المصري 
المعروف» والمقالة بتفاصيلها مشوقة جيدة وفيها نصائح ونظرات 
اقتصادية . ظ 

وأما المقالة الثانية والثالثة فلأديب العربية الدكتور عبدالوهاب 
عزام. وهى قطعة أدبية رائعة تلم عن امتلاكه ناصية الأدب واللغة. 
وفيها فوائد لا يستغنى عنها . 

وأما المقالة الرابعة فللأديب السعودي المعروف الأستاذ 
عبدالقدوس الأنصاري صاحب مجلة المنهل الأدبية المشهورة. وهي 
مقالة لا غنى عنها لاحتوائها على قصص نادرة وذكريات جميلة . 
الله سطر فيها رحلته الأولى البحرية إلى الحج» وفيها من معاني 
الأخوة والتكافل والتآزر ما يستحق الاطلاع عليه . 





6 

والمقالة السادسة والسابعة لاثنين من فضلاء النجديين 
المعاصرين» ذكرا فيها لمحات عن طريق الحج النجدي» والصعوبات 
التي كانت تكتنفه سابقا. 

وأما المقالة الأخيرة فهي مقالة نادرة» وذلك لأن كاتبها الأستاذ 
محمد بن أحمد العقيلي ذكر فيها طريق الحج من جازان إلى مكة. 
وذكر فيها بعض التفاصيل التي لا تكاد توجد في رحلة أخرى على 
وجازتهاء والله تعالى أعلم . 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





الر حلة الأو لى 
تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 


أو رحلة ابن حُبير""! 


قام برحلته سنة 91/4» وسلك طريق المغرب إلى مصر» ثم سار 
في النيل حتى دخل «قوص»: مدينة في الصعيد» ثم سار منها برأ إلى 
ميناء قديم على البحر الأحمر يسمى «عيذاب»؛ فقال: 


]١[‏ دخلنا عيذاب» وهي مدينة على ساحل حر 7 غير 
مُسَوّرة؛ أكثر بيوتها الأخصاص”' '. وفيها الآن بناء مستحدث 
بالجصّ”*'. وهي من أحفل مراسي الدنيا بسبب أن مراكب الهند 
واليمن تحط فيها وتقلع منها زائداً إلى مراكب الحجاج الصادرة 
والواردة؛ء وهي في صحراء لا نبات فيها ولا يؤكل فيها شيء إلا 


)١(‏ محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأتدلسيّ الشاطبيّ البلنسيّ» رحالة أديب» ولد 
في بالنسية سينة 854٠‏ ونزل بشاطية» وبرع في الأدب ؛ ونظم الشعر الرقيق» 
وأولع بالترحل والتتقل» فزار المشرق ثلاث مرات إحداها سنة 21/8 ١4ه‏ 
وهي التي ألف فيها رحلته؛ ومات بالإسكندرية في رحلته الثالئة سنة ,54١‏ 
رحمه الله تعالى. انظر «الأعلام»: 7350/6 

(؟) أي على ساحل البحر الأحمر في جنوب مصر. 

فرق أي الأكواخ. 

(4) أي الجبس. 





مَجْلوبء لكن أهلها بسبب الحجّاج تحت مَرْفق كثير ولا سيّما مع 
المؤئنة: 


ولهم أيضاً من المرافق من الحاج إكراء الجلاب منهم وهي 
المراكب» فيجتمع لهم من ذلك مال كثير في حملهم إلى جدة وردهم 
وقت انفضاضهم من أداء الفريضة» وما من أهلها ذوي اليسار إلا مَّن له 
الجَلْبة والجلبتان» فهي تعود عليهم برزق واسع. فسبحان قاسم 
الأرزاق على اختلاف أسبابهاء لا إله سواه. [ 

وفي بحر عيذاب مُغاص على اللؤلؤ في جزائر على مقربة منها. 
وأوان الغوص عليه في هذا التاريخ المقيدة فيه هذه الأحرف». وهو 
شهر يونيه العجميّ والشهر الذي يتلوه. ويُستخرج منه جوهر نفيس» له 
قيمة سنيّة» يذهب الغائصون عليه إلى تلك الجزائر في الزوارق 
ويقيمون فيها الأيام فيعودون بما قسم الله لكل واحد منهم بحسب حظه 

والمَغاصٌ منها قريب القّعر ليس ببعيد» ويستخرجونه في أصداف 
لها أزواج كأنها نوع من الحيتان أشبه شيء بالسلحفاة» فإذا شقت ظهرت 
الشقتان من داخلها كأنهما مَحَارتا فضة» ثم يشقون عليها فيجدون فيها 
الحبة من الجوهر قد غطى عليها لحم الصدف» فيجتمع لهم من ذلك 
بحسب الحظوظ والأرزاق» فسبحان مُقدرها لا إله سواه. 


لكنهم ببلدة لا رطب فيها ولا يابس قد ألفوا بها عَيْشُ البهائم 


تلكرة بالأخبار عو اتناقات الأسقار 





فسبحان محببٌ الأوطان إلى أهلهاء على أنهم أقرب إلى الوّحش منهم 
إلى اللانص . 


[1] آفة الحجّاج 


والركوب من جدّة إليها آفة للحجاج عظيمة إلا الأقل منهم ممن 
يسلمه الله عزوجل؛ وذلك أنّ الرّياح تلقيهم على الأكثر في مراس 
بصحارى تبعد منها مما يلي الجنوبء فينزل إليهم البّجَاة وهم نوع 
من السودان ساكنون بالجبال» فيُكرون منهم الجمال ويسلكون بهم غير 
طريق الماء» فربما ذهب أكثرهم عطشا وَحَصَّلوا على ما يخلفه من نفقة 
أو سواها. وربّما كان من الحججاج من يت يتعسّف12؟ تلك المجهّلة!'' على 
قدميه فيضل ويهلك عطشاًء والذي يسْلم منهم يصل إلى عيذاب كأنه 
مشر من كفن» شاهدنا منهم 2 مقامنا أقواماً قد وصلوا على هذه 
الصفة في مناظرهم المستحيلة”" وهيثاتهم المتغيرة آيةَ للمتوسّمين . 

وأكثر هلاك الحجاج بهذه المراسي. ومنهم من تساعده الريح إلى 
أن يحط بمرسى عيذاب» وهو الأقلٌ. 
يشحنون بهم الجلاب حتى يجلس بعضهم على بعض وتعود بهم كأنها 
)1١(‏ قال المحقق: تعسف الصحراء: خبط فيها على غير هداية. 
(؟) قال المحقق: المجهلة: الأرض لا يهتدي فيها. 


(9) قال المحقق: المستحيلة: المتغيرة. 
(5) قال المحقق: الطواغيت, الواحد طاغوت: كل متعدء الشيطان. 





أقفاص الدّجاج المملوءة» يحمل أهلها على ذلك الحرصٌ والرغبة في 
الكرّاء حتى يستوفي صاحب الجلبة منهم ثمنها في طريق واحدة ولا 
يبالي بما يصنع البحر بها بعد ذلك» ويقولون: علينا بالألواح» وعلى 
الحجاج بالارواح . وهذا مُكل متعارف بينهم 2 فأحقٌ بلاد أللّه ١‏ ”0 
#روا و كي" عن اللدة واأذلى بمن يمكنه ذلك أن لا يراه 
البغدادي» وإن لم يمكنه ذلك رعرع يت 7 الحاج» 
جه مع أمير الحاج المذكور إلى بغداد ومنها إلى عكة» فإن شاء دخل 
منها 0 الإسكندرية» وإن شاء إلى صقلية أو سواهماء ويمكن أن يجد 
من الرّوم يُقلع إلى ع سَيْتة أو سواها من بلاد المسلمين. » وإن طال 

0 بهذا التحليق”") فيهون لما يَلقى بعيذاب ونحوها. 

[1] أهل عيذاب 

وأهلها الساكنون بها من قبيل السودان يعرفون بالبّجَاةَء ولهم 

سلطان من أنفسهم يسكن معهم في الجبال المتصلة بها. 
وهذه الفرقة من السودان المذكورين فرقة أضل من الأنعام سبيلاً 
وأقلّ عقولاًء لا دين لهم سوى كلمة التوحيد التي ينطقون بها إظهاراً 
للوسلام. ووراء ذلك من مذاهبهم الفاسدة وسيرهم ما واضيو ولا 
)١(‏ قال المحقق: الحسبة: الإشراف على الأسواق والآداب العامة» وكان يقوم بها 


(؟١)‏ قال المحقق : الدرة : السوط. وكان المحتسب يحملها ليؤدب بها الناس . 
(6) قال المحقق: التحليق: التطواف. 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





يَجلء ورجالهم ونساؤهم يتصرّفون عراة إلا خخرقاً يسترون بها 
عؤراتهم . وأكثرهم لا يُسْتّرون» وبالجملة فهم أمة لا خلاقٌ لهم . 
أهوال بحر فرعون 

الثامن عشر من يوليه» ركبنا الجلبة للعبور إلى جدّة» فَأقَمْنا يومّنا ذلك 
بالمزسى لركود الريح ومَغيب النواتيّة”'". فلمًا كان صبيحة يوم الثلاثاء 
أقلعنا على بركة الله عرّوجِلَء وحسن عونه المأمول.. 

زه] فكانت ملة المقام بعيذاب » حاشا يوم الاثنين المذكور. ثلا نة 
وعشرين يومأء محتسبة عند الله عزوجل. لشظّف العيش » وسوء 
الحال. واختلال الصحة لعدم الأغذية الموافقة. وحسبئك من بلد كل 
شىء فيه مجلوب حتى الماء» والعطش أشهى إلى النفس منهء فأقمنا 
بين هواء يُذيب الأجسام وماء شغلل المعدة 3 اشتهاء الطعام» فما 
ظلم مَنْ عنّى عن هذه البلدة بقوله : 

ماءٌ زعاق”"' وَجَو كله لَجَبُْ 

فالحلول بها من أعظم المكاره التى خف بها السبيل إلى البيت 
العتيق» زاده الله تشريفاً وتكريماء وأعظم أجور الحجاج على ما 
يكابدونه» ولا سيما في تلك البلدة الملعونة» ومما لهج الناس بذكره 





- »6 
قبائحهاء حتى يزعمون أن سليمان بن داودء على نبينا وعليهما 
السلامء كان اتخذها سجناً للعفارتة. أراح الله الحجاج منها بعمارة 
السبيل القاصدة إلى بيته الحرام» وهي السبيل التى من مصر على عقبة 
أيْلة27 إلى المدينة المقدسة» وهي مسافة قريبة يكون البحر منها يمينا 
وجبل الطور المعظم بارا .لك للإفرَئْج لسري عقياة ضيه 


فذلونتن” "' يمنع الناس من سلوكه. بيو ال 


[7] فتمادى سيرنا في البحر يوم الثلاثاء السادس والعشرين لربيع 
الأول المذكور ويوم الأربعاء بعده بريح فاترة المَهَبَء فلمًا كان العشاء 
الآخرة من ليلة الخميس ونحن قد استبشرنا برؤية الطير المحلقة من بِرّ 
الحجازء لَمَع برق من جهة البرّ المذكورء وهي جهة الشرق» ثم نشأ 
َوْهٌ أظلم له الأفق إلى أن كسا الآفاق كلّهاء وهبّت ريح شديدة صرفت 
المركب عن طريقه راجعاً وراءه. وتمادى عصوف الرياح واشتدت 
لكة الظلمة وعمت الآفاق» م نَدْرِ الجهة المقصودة منهاء إلى أن 
ظهر بعض النجوم فاستُدل بها بعض الاستدلال وحخط القلع إلى أسفل 
الدقل» وهو الصاري 


وأَقَمْنا ليلّنا تلك في هؤل يُؤذن باليثأس» وأرانا بحر فرعون”*) 
بعضّ أهواله الموصوفة» إلى أن أتى الله بالفرج مقترناً مع الصباح. 


. هي مدينة قديمة تقع على خليج العقبة‎ )١( 

00( أي الصليبيية : 

(9') قال المحقق: المندوب: لعله من ندبه إلى الحرب: وجهه إليها . 
(5) قال المحقق: بحر فرعون: البحر الأحمر 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





فهدأ قياد الرّيح» وأقشع الغيمٌ» وأصّحَت السماءء ولاح لنا بر الحجاز 
على بُعْد لا نُبصرٌ منه إلا بعض جباله» وهي شرق من جدّة» زعم ربّان 
المركب» وهو الرائس» أن بين تلك الجبال التى لاحت لنا وبر جدّة 
يومين » والله يُسهّل لنا كل صعب وييسر لنا كل عسير بعزته وكرمه. 


ثم أرسينا عشيّة في جزيرة صغيرة في البحر على مقربة من البّر المذكور 
بعد أن لقينا شعاباً كثيرة يكثر فيها الماء ويَضحَل”(؟ عليناء فتخللنا 
أثناءها على حذر وتحفظ . 


وكان الربان بصيراً بصنعته حاذقاً فيهاء فخلصنا الله منها» حتى 
أرسينا بالجزيرة المذكورة» ونزل إليها وبتنا بها ليلة الجمعة التاسع 
والعشرين لربيع الأول المذكورء وأصبح الهواء راكداً والريح غير 
مُتنفسة إلا من الجهة التي لا توافقناء فأقمنا بها يوم الجمعة المذكور. 
فلما كان يوم السبت الموفي ثلاثين تنفست الريح بعض تنفس» فأقلعنا 
بذلك نسيرٌ سيراً رُويداً» وسكن البحر حتى شيل لناظره أنه صحن 
زجاج أزرق» فأقمنا على تلك الحال نرجو لطيف صنع الله عزوجل . 


وهذه الجزيرة تعرف بجزيرة عائقة السن» فعصمنا الله عزوجل 


)1١(‏ قال المحقق: يضحل: يرق. 


المختار من الرحلات الحجازية 
شهر ربيع الآخرء عرفنا الله بركته 
استهلّ هلاله ليلة السبت ونحن بالجزيرة المذكورة ولم يظهر تلك 
الليلة للأبصار بسبب النوء» لكن ظهر في الليلة الثانية كبيراً مرتفعاً. 
فتحققنا إهلاله ليلة السبت المذكورء وهو الثالث والعشرون من شهر 





يوليه»ء وفي عشي يوم الأحد ثانية أرسينا بمرسى يعرف بأبحرء وهو 
على بعض يوم من جدة» وهو من أعجب المّراسي وضعاء وذلك أن 
خليجاً من البحر يدخل إلى البر والبر مُطيف به من كلتا حافتيه فترسى 
الجلاب منه في قرارة مُكنّة2'7 هادئة . 

فلما كان سّحر يوم الاثنين بعده أقلعنا منه على بركة الله تعالى 
بريح فاترة» والله الميسر لا رب سواه. 

[17] فلما جن الليل أرسينا على مقربة من جدة وهي بمرأى العين 
مناء وحالت الريح صبيحة يوم الثلاثاء بعده بيننا وبين دخول مرساهاء 
ودخول هذه المراسي صعب المرام بسبب كثرة الشعاب والتفافها. 
وأبصرنا من صنعة هؤلاء الرؤساء والنواتية في التصرف بالجلبة أثناءها 
أمراً ضخماًء يُدخلونها على مضايق ويُصرّفونها خلالها تصريف الفارس 
للجواد الرطب العنان”؟ السلس القيادء ويأتون في ذلك بعجب يضيق 


الوصف عنه . 
[4] وفي ظهر يوم الثلاثاء الرابع من شهر ربيع الآخر المذكور. وهو 


)١(‏ قال المحقق: مكنة: مستورة. 
(؟) قال المحقق: الرطب العنان: الطبع السلس . 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





السادس والعشرون من شهر يوليه؛ كان نزولنا بجدة حامدين لله عزوجل 
وشاكرين على السلامة والنجاة من هول ما عايناه في تلك الثمانية الأيام 
طول مُقامنا على البحرء وكانت أهوالاً شتى» عصّمّنا الله منها بفضله 
وكرمهء فمنها ما كان يطرأ من البحر واختلاف رياحه وكثرة شعايه 
المعترضة فيهء ومنها ما كان يطرأ من ضعف عدة المركب واختلالها 
واقتصامها''' المرة بعد المرة عند رفع الشراع أو حطه أو جَذْب مرسى من 
مراسيه» وربما سنحت *'" الجلبة بأسفلها على شعب من تلك الشعاب 
أثناء تخللها فتسمع لها هداً يُوَدْن باليأس» فكنا فيها نموت مراراً ونحيا 
مراراًء والحمد لله على ما من به من العصمة وتكفل به من الوقاية والكفاية 
حمداً يبلغ رضاه ويستهدي المزيد من نعماهء بعزته وقدرته» لا إله سواه. 


وكان نزولنا فيها بدار القائد علي» وهو صاحب جدة من قبل أمير 
مكة المذكورء في صَرْحٍ من تلك الصرُوح الخوصية التي يبنونها في . 
أعالي ديارهم ويخرجون منها إلى سطوح يبيتون فيهاء وعند احتلالنا 
جدة المذكورة عاهدنا الله عزوجل» سروراً بما أنعم الله به من السلامة 
ألا يكون انصرافنا على هذا البحر الملعون إلا إن طرّأت ضرورة تحول 
بيئنا وبين سواه من الطرقء» والله ولي الخيرة فى جميع ما يقضيه 


ون قرف ف 


)١(‏ قال المحقق: اقتصامها: انكسارها. 
(؟) قال المحقق: سنحت: لصقت بالأرض. 
(9) قال المحقق: يسنيه: يسهله وييسره. 


المختار من الرحلات الحجازية 





[4] صفة جدة 

وجدة هذه قرية على ساحل البحر المذكور أكثر بيوتها أخصاص. 
وفيها فنادق مبنية بالحجارة والطين» وفى أعلاها بيوت من الأخصاص 
كالغرّف» ولها سطوح يُستراح فيها بالليل من أذى الحَرّ. 

وبهذه القرية آثار قديمة تدل على أنها كانت مدينة قديمة» وأثر 
سورها المحدق بها باق إلى اليوم . 
ومسجد آخر له ساريتان من خشب الابنوس يُنسب أيضاً إليهء رضي الله 
عنهء ومنهم من ينسبه إلى هارون الرشيدء رحمة الله عليه . 

]٠١[‏ وأكثر سكان هذه البلدة مع ما يليها من الصحراء والجبال 
أشرَاف عَلوِيون: حَسَّنيون وَحُسَيْنِيَونَ وجَعْفْرِيونء رضي الله عن سلفهم 
الكريم»ء وهم من شظف العيش بحالٍ يتصّدّع له الجماد إشفاقاء 
ويستخدمون أنفسهم في كل مهنة من المهّن: من إكراء جمال إن كانت 
لهم أو مبيع لبن أو ماء» إلى غير ذلك من تمر يلتقطونه أو حَطب 
يتحتطبونه» وربما تناول ذلك نساؤهم الشريفات بأنفسهن» فسبحان 
التقدو لما ماد ولا شك أنهم أهل بيت ارتضى الله لهم الآخرة ولم 
يرتض لهم الدنياء جعلنا الله ممن يَدين بحب أهل البيت الذين أذهب 
عنهم الرَجِسنَ وطهرهم تطهيرا. 

]١١[‏ شيّع يستغلون الحجاج 
وأكثر هذه الجهات الحجازية وسواها فرّق وشيّع لا دين لهم قد 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





40 م 
تفرقوا على مذاهب شتى» وهم يعتقدون في الحاج ما لا يُعتقد في أهل 
الذمة» قد صَيْرُوهم من أعظم غلآتهم التي يستغلونها: ينتهبونهم 
انتهابآء ويسبّبون لاستجلاب ما بأيديهم استجلاباً» فالحاج معهم لا 
يزال في غرامة ومؤونة إلى أن ييسر الله رجوعه إلى وطنهء ولولا ما 
تلافى الله به المسلمين في هذه الجهات بصلاح الدين لكانوا من الظلم 
في أمر لا يُنادَى وليذه''' ولا يلين شديده. فإنه رفع ضرائب المكوس 
عن الحاج وجعل عرض ذلك مالا وطعاما يأمر بتوصيلهما إلى مي" 
أمير مكة؛ فمتى أبطأت عنهم تلك الوظيفة المترتبة لهم عاد هذا الأمير 
إلى ترويع الحاج بسبب المكوس . 

واتفق لنا من ذلك أن وصلنا جدة» واتشكنا بها خلال ما خرطب 
مكثر الأمير المذكورء فورد أمره أن يَضْمَنَ الحاج بعضهم بعضاً 
ويدخلوا إلى حرم الله» فإن ورد المال والطعام اللذان برسمه من قبل 
صلاح الدين وإلا فهو لا يترك ماله قبل الحاجء هذا لفظهء كأنْ حرم 
الله ميراثٌ بيده محلل له اكتراؤه من الحاج». فسبحان مُغير السنن 


ومبّدلها. 


والذي جعل له صلاح الدين» بدلاً من مكس الحاجء ألفا دينار 


)1١(‏ قال المحقق: أي لا يزجر وليده إذا اختلس شيئاً. 

(؟) هو مكثر بن عيسى بن فليّنة الهاشمي الحسني» آخر الأشراف أمراء مكة بني 
فليتة» وقد انتزع منهم الإمارة الشريف قتادة بن إدريس لعكوفهم على اللهو 
والظلم» وقد توفي مكثر هذا بعد سنة /0917. انظر «الأعلام»: 1/ 1854. 


المختار من الرحللات الحجازية 





ره 


وبجهة اليمن لهم بهذا الرسم المذكورء. ولولا مغيب هذا السلطان 
العادل صلاح الدين بجهة الشام في حروب له هناك مع الإفرنج لما 
صَدَر عن هذا الأمير المذكور ما صدر في جهة الحاج . 


]١١[‏ فأحق بلاد الله بأن يُطهرها السيف ويغسل أرْجاسها وأدناسها 
بالدماء المسفوكة في سبيل الله هذه البلاد الحجازية؛ لما هم عليه من 
حل عَرّى الإسلام واستحلال أموال الحاج ودمائهم. ا 


]١7[‏ فمن يعتقد من فقهاء أهل الأندلس إسقاط هذه الفريضة 
عنهم فاعتقاده صحيح لهذا السبب» وبما يُضْنَمْ بالحاج مما لا يرتضيه 
الله عزوجل» فراكب هذا السبيل راكب خطر ومُعتسف غرّر”'©» والله قد 
أوجّد الرخصة فيه على غير هذه الحال» فكيف وبيث الله الآن بأيدي 
أقوام قد اتخذوه معيشة حَرَام» وجعلوه سببآ إلى استلاب الأموال 
واستحقاقها من غير حل» ومصادرة الحجاج عليهاء وضرب الذلة 
والمَسّْكنة الدنية عليهم؛ تلافاها الله عن قريب بتطهير يرفع هذه البدع 
المُجَحمّة عن المُسلمين بسيوف المُوحدين”'' أنصار الدين» وحزب الله 
أولي الحق والصدقء والذابين عن حَرَم الله عزوجل» والغائرين”" 
على مَحَارِمِهِ ؛ والجادين في إعلاء كلمته» وإظهار دعوته» ونصر ملته. 
إنه على ما يشاء قدير» وهو نِعُْمَ المولى ونعم النصير. 


)1١(‏ قال المحقق: الغرر: الهلاك. 

(؟) قال المحقق: الموحدون: هم أصحاب الدولة التي سادت المغرب والأندلس 
بين القرنين السادس والسابع للهجرة . 

(9) قال المحقق: الغائرون: ذوو الغيرة. 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





41 
من جدة إلى الحرم الشريف 
وفي عشي ايوم الثلاثاء الحادي عشر من الشهر المذكورء وهو 
الثاني من شهر أَعْشْتء كان انفصالنا من جدة بعد أن ضمن الحجاج 
بعضهم بعضاًء وثبّتت ت أسماؤهم في زماء'' ' عند قائد جدة علي بن 
تزفق .يفيه تنفد إلنه :ذلك من سلطانه صاحب مكة مكثر بن عيسى 
المذكور. 


]١:5[‏ وهذا الرجل مكثر من ذرية الحسن بن على - رضوان الله 
عليهما ‏ لكنه ممن يعمل غير صالح. فليس من أهل سلفه الكريمء 
رضي الله عنهم . 

ودخلنا مكة - حرسها الله فى الساعة الأولى من يوم الخميس 
الثالث عشر لربيع المذكور. وهو الرابع من شهر أغشت» على باب 
العمْرة. 

والأصوات تَصّك الآذان بالتلبية من كل مكانء والألسئّة تضج 
بالدعاءء وتبتهل إلى الله بالثناء» فتارة تشتد بالتلبية» وآونة تتضرع 
بالأدعية» فيا لها ليلة كأنها فى الحسن بيضة العقر”". فهي عروس 
ليالي العمرء وبكر بنّيات الدهرء إلى أن وصلنا في الساعة المذكورة 
من اليوم المذكورء حرم الله العظيم ومُبَوَأ”'" الخليل إبراهيم» فألفينا 
)0 قال المحقق: الزمام: لعله أراد السجل . 


(؟) قال المحقق: أي لا مثيل لها. 
(6» قال المحقق: المبوأ: المنزل. 





الكعبة الحرام عروساً مجلوة مزفوفة إلى جنة الرضوان» محفوفة بوفود 
الرحمن» فطفْنا طواف القدوم» ثم صلينا بالمقام الكريم» وتعلقنا 
بأستار الكعبة عند الملترّم» وهو بين الحجر الأسود والباب» وهو 
موضع استجابة الدعوة. ودخلنا قبة زمزم وشربنا من مائهاء وهو لما 
شر لس كماة “قال كلا ثم ستعينا بين الممننا' والمرؤة». قحلن 
وأخللناء فالحمد لله الذي كرّمنا بالوفادة عليه» وجعلنا ممن انتهت 
الدعوة الإبراهيمية''' إليه» وهو حسبنا ونعم الوكيل. 


ذكر المسجد الحرام والبيت العتيقء كرمه الله وشرفه 


ولمعاينته ومعاينة البيت الكريم هول يُشعر النفوس من الذهول». 
ويُطيش الأفئدة والعقول. فلا تبصر إلا لحظات خاشعة وعبّرات 
هامعة» ومدامع باكية» وألسنة ‏ إلى الله عزوجل - ضارعة داعية . 


]١5[‏ وباب الكعبة الكريم يُفتح كل يوم اثنين ويوم جمعة إلا في 
رجب فإنه يفتح في كل يوم» وفتخحه أول بزوغ مسي قل ده 
البيت الشيّبيون» فيبادر منهم مَن ينقّل كرسياً كبيراً شبه المنبر الواسع له 
تسعة أدراج مستطيلة» قد وُضعَت له قوائم من الخشب لها أربع بكرات 
كبار مصفحة بالحديد لمباشرتها الأرض» يُجرى الكرسي عليها حتى 
يصل إلى البيت الكريم» فيفع دَرجه الأعلى متصلاً بالعتبة المُباركة من 
الباب» فيصعد زعيم الشيبيين إليه»ء وهو كهل جميل الهيئة والشارة”"', 


. قال المحقق: أراد بالدعوة الإبراهيمية الإسلام» نسبة إلى إبراهيم الخليل‎ )١( 
قال المحقق: الشارة: الهيئة واللباس.‎ > )0( 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





وبيده مفتاح القفل المبارك» ومعه من السّدّنة من يمسك في يده دا 
أسود يفتخ2©7 يديه به أمام الباب خلال ما يفتحه الزعيم الشيبي 
المذكورء فإذا فتح القفل قبّلَ العتبة» ثم دخل البيت وَحذه وسَد الباب 
خلفه. وأقام قدر ما يركع ركعتين» ثم يدخل الشيبيون ويسدون الباب 
أيضاً ويركعون» ثم يُفتح الباب ويبادرُ الناس بالدخول» وفي أثناء 
محاولة فتح الباب الكريم يقف الناس مستقبلين إياه بأبصار خاشعة» 
وأيد مبسوطة إلى الله ضارعةء وإذا انفتح الباب كبّر الناس وعلا 
ضجيجهم ونادوا بألسنة مُستهلة: «اللهم افتح لنا أبواب رحمتك 
ومغفرتك» يا أرحم الراحمين»؛ ثم دخلوا بسلام أمنين . 


]١7[‏ وبإزاء المقام الكريم مِنبرُ الخطيب» وهو أيضاً على بكرات 
أربع شبه التي ذكرناهاء فإذا كان يوم الجمعة» وقَرُْبٍ وقت الصلاة» 
ضم إلى صفح الكعبة الذي يقابل المقام» وهو بين الركن الأسود 
والعراقي» فيُسْئّد المنبر إليه» ثم يُقبل الخطيبُ داخلاً على باب النبي 
يكل وهو يقابل المقام في البلاط الآخذ من الشرق إلى الشمال» لابسأ 
ثوب سواد ورسوهاً بذهب» وامتعنيا بعمامة سوداء مرسومة أيضاًء 
وعليه طَيْلسان شَرْبٍ رقيق» كل ذلك من كسا الخليفة التي يرسلها إلى 
خطباء بلادهء يرفلٌ فيها وعليه السكينة والوقار» يتهادى رُوَيداً بين 
رايتين سوداوين» يمسكهما رجلان من قَوَمّة المؤذنيْن» وبين يديه 
ساعياً أحد القّومة» وفى يده عودٌ مخروط أحمر قد ربط فى رأسه مَرَس 


)١(‏ قال المحقق: يفتخ: يثني ويلين. 





> م6 
من بن الأقيم ‏ المفتول» رقيق طويل في 3 عَدَبةَ صغيرة ينفضها بيده 
في الهواء نفضاًء فتأتي بصوت عالٍ يُسْمَعْ من داخل سر وخارجه 
كأنه إيذان بوصول الخطيب. ولا يزال في نفضها إلى أن يقرب من 
المنبرء ويسمونها الفرْقعّة» فإذا قرب من المنْبّر عرج إلى الحجر 
الأسود فقبله ودعا عنده. ثم سعى إلى المنبر» والمؤذن الزَّمْرّميّ رئيس 
5 بالحرم الشريف ساع أمامه. لابساً ياب السواد أيضاء وعلى 
نقه: السيق» يمسكةة بيدة :ذون: تقل لهء فعند صعوده في أول درجة 

قلده المؤذن المذكور السيفت» ثم ضرّب بنعلة سيفه فيها ضربة أسمع 
بها الحاضرين» ثم في الثانية ثم في الثالثةء فإذا انتهى إلى الدرجة 
العليا ضرب ضربة رابعة» ووقف داعياً مُستقبل الكعبة بدعاء خفي» ثم 
انفتل عن يمينه وشمالهء وقال: السلام 5-5 ورحمة الله وبركاته. 
فيرد الناس عليه السلام. ثم يقعد ويبادر المؤذنون بين يديه في المنبر 
بالأذان على لسان واحدء فإذا فرغوا قام للخطبة فذكر ووعظ وخشع 
فأبلغ» ثم جلس الجلسة الخطيبية وضرب بالسيف ضربة خامسة» ثم 
قام للخطبة الثانية فأكثر بالصلاة على محمد كل وعلى آله ورضى 
عن أصحابه واختص الأربعة الخلفاء بالتسمية» رضي الله عن جميعهم. 
ودعا لعمي النبيى وه حمزة والعباس». وللحسن والحسين» ووالى 


ثم دعا لأمهات المؤمنين م زوجات النبي َك ورضى عن فاطمة 


)١(‏ الأديم: أي الجلد. 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 








الزهراء وعن خديجة الكبرى بهذا اللفظ» ثم دعا للخليفة العباسي أبي 
العباس أحمد الناصر''؟» ثم لأمير مكة مُكثر بن عيسى بن فليّتة بن 
قاسم بن محمد بن جعفر بن أبي هاشم | لحسني . 

3 ثم لصلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب”"». ولوليّ 
عهذه أخيه أبى بكر بن أيوب» وعند ذكر صلاح الدين بالدعاء تخفق 
الألسنة بالتأمين عليه من كل مكان : ظ 
وإذا أحبّ الله يوماً عبذه ألَهَى عليه محبة للنساس 


وحَقٌّ ذلك عليهم لما يبذله من جميل الاعتناء بهم» وحسن النظر 
لهمء ولما رفعه من وظائف المكوس”'' عنهم . 


[14] وفي هذا التاريخ أُعْلِمنا بأن كتابه وصل إلى الأمير مكثرء 
وأهم فصوله التوصية بالحاج» والتأكيد في مَبَرتهم وتأنيسهم ورفع 
أيدي الاعتداء عنهمء والإيعاز في ذلك إلى الخُدام والأتباع 
والأؤزاء؟», وقال: إنه إنما نحن وأنت مُتَقَلْبون في بركة الحاج . 


فتأمل هذا المنزع الشريف والمقصد الكريمء وإحسان الله 
يتضاعف إلى من أحسن إلى عباده» واعتناؤه الكريم موصول لمن جعل 


. أحمد بن الحسن بن يوسف». أبو العباس البغدادي» الخليفة الناصر لدين الله‎ )١( 
انظر ترجمته في «سير أعلام البلاء»: 147/77 وما بعدها.‎ 

(؟) هو صلاح الدين الأيوبي القائد المشهور. 

(9) أي الضرائب. ظ 

(54) قال المحقق: الأوزاع: الجماعات» ويريد هنا الأتباع . 





همه الاعتناء بهم » والله عزوجل كميل بجزاء المحسنين » إنه ولى ذلك» 


لآارب سواه. 


وليلة أهل هلال الشهر المذكورء وهو جمادى الأولى» بكر أمير 
مكة مكثر المذكور في صبيحتها إلى الحرم الكريم مع طلوع الشمس» 
وقُواده يَحُْمُون بهء والقُراءً يقرأون أمامه. فدخل على باب النبي َكل 
ورجاله السودان الذين يعرفونهم بالحَرّابة يطوفون أمامه وبأيديهم 
الحرّاب» وهو في هيئة اختصار"'' عليه السكينة والوقار وَسَمْتْ سلفه 
الكريم؛ رضي الله عنهمء لابسا ثوب بياض متقلّداً سيفه مختصراً 
متعمّماًء فلما انتهى بإزاء المقام الكريم وقف وبُسط له وطاءٌ كثّان 
فصلى ركعتين» ثم تقدم إلى الحجر الأسود فقبله وشرع في الطواف. 
وقد علا في قبة زمزم صبيَء هو أخو المؤذن الزمزمي. وهو أول 
المؤذنين أذانء به يقتدون وله يتبعون» وقد لبس أفخر ثيابه وتعمم . 

فعندما يُكمل الأمير شوطاً واحداً ويقَّرْب من الحجرء يندفع 
الصبيّ في أعلى القبة رافعاً صوته بالدعاء» ويستفتحه بصّبّح الله مؤؤلانا 
الأمير بسعادة دائمة ونعمة شاملة» ويصل ذلك بتهنئة الشهر بكلام 
مسجوع مطبوع حفيل الدعاء والثناء . 


سلفه الكريم وذكر سابقة النبوة» رضي الله عنهم. ثم يسكت » فإذا أطل 
من الركن اليماني يريد الحجر اندفع بدعاء آخرّ على ذلك الأسلوب. 


)١(‏ قال المحقق: هيئة اختصار: في غير زينة. 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





ووصله بأبيات من الشعر غير الأبيات الأخر في ذلك المعنى بعينه كأنّها 
منتزعة من قصائد مُدِح بهاء هكذا فى السبعة الأشواط إلى أن يفرغ 
منهاء والقراء في أثناء طوافه أمامّهء فينتظم من هذه الحال والأبهة 
وحسن صوت ذلك الداعي على صغره؛ لأنه ابن إحدى عشرة سنة أو 
نحوهاء ولحي الكلام الذي يُورده نثراً ونظماً: وأصوات القراء 
وعلوّها بكتاب الله عزوجل». مجموع يحرك النفوس ويشجيها. 
ويَسْتوكف العيون ويُبكيهاء تذكراً لأهل البيت الذين أذهب الله عنهم 
الرّجس وطهّرهم تطهيراء فإذا فرغ من الطواف ركع عند الملترّم 
ركعتين» ثم جاء وركع خلف المقام أيضاًء ثم ولى منصرفاً وَحَلينُه'") 
تحف به » ولا يظهر في الحرم إلا لمُستهل هلال آخرء هكذا دائماً. 


والبيت العتيق مبني بالحجارة الكبار الصم السّمْر قد رُصّ بعضها 
على بعضء وَأَلْصِقّتْ بالعَقْد الوثيق إلصاقا لا تُجيله الأيام ولا تقصمه 
الأزمان» ومن العجيب أن قطعة انصدعت من الركن اليماني فسّمّرت 
بمجاتير اقفة وا ودف كاحي سا كانه :و العباتير انها ظاهرة: 


]١9[‏ ومن آيات البيت العتيق أنه قائم وسط الحرم كالبرج 
المُشيّدء وله التنزيه الأعلى» وحمام الحَرّم لا تخصى كثرة» وهي من 
الأمن بحيث يُضرَبْ بها المثل» ولا سبيل أن تنزل بسطحه الأعلى حمامة 
ولا تحل فيه بوجه ولا على حال» فترى الحمام يتجلى على الحرم كله فإذا 
قرُبت من البيت عرجت عنه يميناً أو شمالاًء والطيور سواها كذلك» 


. قال المحقق: حلبته: جماعته‎ )١( 





ومن أآياته أن بابه الكريم يُفتح في الأيام المعلومة المذكورة, 
والحرم قد غص بالخلق» فيدخله الجميع ولا يضيق عنهم بقدرة الله 
عزوجل» ولا يبقى فيه موضع إلا ويُصلي فيه كل أحد» ويتلاقى الناس 
عند الخروج منه» فيسأل بعضهم بعضاً: هل دخل البيت ذلك اليوم؟ 
فكل يقول: دخلث وصليت في موضع كذا وموضع كذا حيث صلى 
الجميع ‏ ولله الايات البينات والبراهين المعجزات» سبحانه وتعالى . 

ومن عجائب اعتناء الله تبارك وتعالى به أنه لا يخلو من الطائفين 
ساعة من النهار ولا وقتأ من الليل» فلا تجد من يُخبر أنه رآه دون طائف به. 
فسبحان من كرمه وعظمه. وخلد له التشريف إلى يوم القيامة . 


]٠١[‏ وللحرم أربعة أئمة سنية وإمام خامس لفرقة تسمى 
الزيدية0'؟. وأشراف أهل هذه البلدة على مذهبهمء وهم يزيدون في 
الأذان : احيّ على خير العمل» إثرَ قول المؤذن: «حَيّ على الفلاح». 
وهم روافض سبّابونء والله من وراء حسابهم وجزائهم. ولا 
يُجَمّعون(" مع الناس إنما يُصَلون ظهراً أربعً» ويصلون المغرب بعد 


[١1؟]‏ فأول الأئمة السنية الشافعى ‏ رحمه الله وإِنّما قدمنا ذكره 


(0) قال المحقق: الزيدية: إحدى فرق الشيعة. 
(1)5 “قال المحقى: يحوعون: .يلون الجمنة. 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





- 000 ب 
لأنه المقدم من الإمام العباسيى» وهو أول من يُصلي» وصلاته خلف 
مقام إبراهيم كَلِْ وعلى نبينا الكريم؛ إلا صلاة المغرب فإن الأربعة 
الأئمة يصلونها في وقت واحد مُجتمعين لضيق وقتها: يبدأ مؤذن 
الشافعي بالإقامة» ثم يقيم مؤذنو سائر الأئمة. 

[1١؟]‏ وربما دخل في هذه الصلاة على المُصّلين سَّهِو وغفلة 
لاجتماع التكبير فيها من كل جهة؛» فربما ركع المالكي بركوع الشافعي 
أو الحنفي أو سلم أحدهم بغير سلام إمامهء فترى كل أذن مُصيحَة 
لصوت إمامها أو صوت مؤذنه مخافة السهوء ومع هذا فيحدث السهو 
على كثير من الناس» ثم المالكي ‏ رحمه الله - وهو يُصَّلي قبالة الركن 
اليماني» وله محراب حجر يشبه محاريب الطرق الموضوعة فيهاء ثم 
الحنفي» رحمه الله وصلاته قبالة الميزاب تحت حطيم مصنوع 7 
وهو أعظم الأئمة ئمة أبّهة وأفخرهم آلة من الشمع وسواها بسبب أن الدولة 
الأعجمية كلها على مذهبهء فالاحتفال له كثيرء وصلاته آخراء .ثم 
الحنبلي» رحمه الله وصلاته مع صلاة المالكي في حين واحد. 


ويطيف بهذه المواضع كلها دائر البيت العتيق» وعلى بُعد منه 
يسيراً مشاعِيلٌ توقّد في صحاف حديد فوق شب مركوزة فيتٌقدٌ الحرّمُ 
الشريفف كله نوراً. 

[11] ويوضع الشمع بين أيدي الأئمة في محاريبهم» والمالكي 
أقلهم شمعاً وأضعفهم حالاً؛ لأن مذهبه في هذه البلاد غريب» 
والجمهور على مذهب الشافعي وعليه علماء البلاد وفقهاؤها إلا 
الإسكندرية فأكثر أهلها مالكيون. 





د ردم 

[:؟] وفي إثر كل صلاة مغرب يقف المؤذن الزمرّميَ في سطح 
قبة زمزم» ولها مَطلعٌ على أدراج من عود في الجهة التي تقابل باب 
الصفاء رافعاً صوته بالدعاء للإمام العباسي أحمد الناصر لدين الله ثم 
للأمير مكثر ثم لصلاح الدين أمير الشام وجهات مصر كلها واليمن»ذي 
المآثر الشهيرة والمناقب الشريفة» فإذا انتهى إلى ذكره بالدعاء ارتفعت 
أصوات الطائفين بالتأمين بألسنة تمدها القلوب الخالصة والنيات 
الصادقة» وتَخُفْق الألسنة بذلك خفقاً يُذيب القلوب خشوعاً لما وهب 
الله لهذا السلطان العادل من الثناء الجميل وألقى عليه من محبة الناس» 
وعباد الله شهداؤه في أرضهء ثم يصل ذلك بدعاء لأمراء اليمن من جهة 
صلاح الدين ثم لسائر المسلمين والحجاج والمسافرين» وينزل» هكذا 
دأبه دائماً أبدأ. 


[75] وفي القبة العباسية المذكورة خزانة تحتوي على تابوت 
مبسوط متسع» وقنهة مضحف: أحد الخلفاء الأريعة”؟ أضصحات رسول 
الله كل وبخط يد زيد بن ثابت» رضي الله عنهء منتسّخ سنة ثماني 
عشرّة من وفاة رسول الله يك وينقص منه ورقاتٌ كثيرة» وهو بين 
دفتي عودٍ مجلد بمغاليق من صَفْره كبير الورقات واسعهاء عايناه 
وتبرّكنا بتقبيله ومسح الخدود فيهء نفع الله بالنية في ذلك . 


[7]] وأعلمنا صاحبٌ القبة المتولي لعرضه علينا أن أهل مكة متى 
أصابهم قحط أو نالتهم شدة في أسعارهم أخرجوا المصحف المذكور. 


)1١(‏ قال المحقق.: هو مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه. 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





(1) سس 
وفتحوا باب البيت الكريم» ووضعوه في القبة المباركة مع المقام 
الكريم: مقام الخليل إبراهيم - صلى الله على نبينا وعليه - واجتمع 
الناس كاشفين رؤوسهم داعين متضرعين» وبالمصحف الكريم والمقام 
العظيم إلى الله متوسلين» فلا ينفصلون عن مقامهم ذلك إلا ورحمة 
الله - عزوجل - قد تداركتهم» والله لطيف بعباده» لا إله سواه. 

وبإزاء الحرم الشريف ديار كثيرة لها أبواب يُخْرَجٍ منها إليه؛ 
وناهيك بهذا الجوار الكريم! كدار رُبّيدة ودار القاضي ودار تعرّف 
بالعجَلة وسواها من الديارء وحول الحَرّم أيضاً ديار” كثيرة تطيفف به لها 
مناظر وسطوح يُخْرَج منها إلى سطح الحرم فيبيث أهلها فيه ويبردون 
ماءهم في أعالي شُرّفاته» فهم من النظر إلى البيت العتيق دائماً في عبادة 
متصلة» والله يهِنئهم ما خصهم به من مجاورة بيته الحرام بِمَنْه وكرمه . 

[1717] ومما يجب أن يُثْبَت ويؤثر؛ لبركة معاينته وفضل مشاهدته : 
أن في يوم الجمعة التاسم عشر من جمادى الأولى» وهو التاسع من 
شتبر””2» أنشأ الله بخريّة”" فتشاءَمَت”" فانهلت عليناً غدِيقة» كما قال 
رسول الله يكوه وذلك إثر صلاة العصر ومع العشي من اليوم المذكور. 
فجاءت بمطر جؤدء وتبادر الناس إلى الججر فوقفوا تحت الميزاب 
المبارك متجردين عن ثيابهمء يتلقون الماء الذي يصبه الميزاب 
برؤوسهم وأيديهم وأفواههم مزدحمين عليه ازدحاماً عظيماًء» أحدث 
(3)9 آى سحمير: 


() قال المحقق: بحرية: سحابة آتية من جهة البحر. 
() أي اتجهت إلى جهة الشام شمالاً . 


المختار من الرحلات الحجازية 
ضوضاء عظيمة» كل يحرص على أن ينال جسمُّه من رحمة الله نصيباء 
ودعاؤهم قل علا» ودموع أهل الخشوع منهم تسيل ء فل" تسمع إلا 
ضجيج دعاء»ء أو نشيج بكاء . 7 








والنساء قد وقفن خارج الحجر ينظرن بعيون دوامع» وقلوب 
خواشع. يتمنين ذلك الموقف لو ظفرن به وكان بعض الحجاج 
المُشفقين يَبْلّ ثوبه بذلك الماء المبارك ويخرّجٍ إليهن ويخصره في أيدي 
العضن متهن فيتلقئته شوبا ومشحاً على الوجوة والأبدان: 


وتمادت تلك السحابة المباركة إلى قريب المغرب» وتمادى 
الناس على تلك الحال من الازدحام على تلقي ماء الميزاب بالأيدي 
والوجوه والأفواه» وربما رفعوا الأواني ليقع فيهاء فكانت عشية عظيمة 
استشعرّتٍ النفوس فيها الفوز بالرحمة ثقة بفضله وكرمه ولما اقترن بها 
من القرائن المباركة» فمنها: أنها كانت عشية الجمعة» وفضل اليوم 
فضلهء والدعاء فيها يُرجى من الله تعالى قَبُولهء لما ورد فيها من الآثر 
الصحيح» وأبواب السماء تُفْتّح عند نزول المطرء وقد وقف الناس 
تحت الميزاب» وهو من المواضع التي يُستجاب فيها الدعاء» وطهرّت 
أبدانهم رحمة الله النازلة من سمائه إلى سطح بيته العتيق الذي هو حيال 
البيت المعمورء وكفى بهذا المجتمع الكريم والمنتظم الشريف» جعلنا 
الله ممن طهّر فيه من أرجاس الذنوب» واخّص من رحمة الله تعالى 


(1) 2 


بدذنوب ؛ ورحمته سبحانه واسعة تسع عباده المُذنبين» إنه غفور رحيم . 


)١(‏ قال المحقق: الذنوب: الدلو المملوءة ماء. 
قلعه: لكن المراد هنا هو النصيب والحظ . 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





- 
وذكروا أن الإمام أبا حامد الغزالي"' دعا الله - عزوجل - بدعوات» 
وهو في حَرّمه الكريم» في رغبات رفعها إلى الله جل وتعالى : فأعطي 
بعضاً ومُنِعَ بعضاء وكان مما مُنم نزول المطر وقت مُقامه بمكة» وكان 
تمنى أن يغتسل به تحت الميزاب» ويدعوا الله - عزوجل - عند بيته 
الكريم في الساعة التي أبواب سمائه فيها مفتوحة فمُنع ذلك واحبي 
دعاؤه في سائر ما سأله. فله الحمد وله الشكر على ما أنعم به عليناء 
ولعل عبداً من عباده الصالحين الوافدين على بيته الكريم خصه الله بهذه 
الكرامة» فدخلنا ‏ جميع المُذنبين ‏ في شفاعته» والله ينفعنا بدعاء 
المخلصين من عباده» ولا يجعلنا ممن شقي بدعائه» إنه منعم كبير . 


ذكر ما خص الله تعالى به مكة من الخيرات والبركات 


هذه البلدة المباركة سبقت لها ولأهلها الدعوة الخليلية الإبراهيمية» 
وذلك أن الله عزوجل يقول حاكياً عن خليله يِه : « فَأجَمَل أَفيِدَهٌ يرت 
تون تموعة الهم وَأرْفهُم وس المت لعَلمُم مَفَكوي2"”4. وقال عزوجل : 
< أُوَلمَ تمن لهم حرا اما جو له نمث كل ْو 2"74؛ فبرهان ذلك 
فيها ظاهر متصل إلى يوم القيامة» وذلك أن أفئدة الناس توي إليها من 
الأضْقاع النائية والأقطار الشاحطة”*©2» فالطريق إليها مُلتقى الصادر 


)١(‏ محمد بن محمد بن محمدء الإمام المشهور. توفي بطوس سنة .0٠5‏ انظر 
ترجمته في «سير أعلام النبلاء»: 77/١194‏ وما بعدها. 

(") قال المحقق: سورة إبراهيم: الاية 737 

() قال المحقق: سورة القصص: الآية /01 . 

)0( أي البعيدة. 


المختار من الرحلات الحجازية 





والواوة: همن للفته الدعوة المتاركة» «والقمرات: تخى إلبها"من. كل 


[4؟] ولو لم يكن لها من المتاجر إلا أَوَانَ الموسم ففيه مُجتمّع 
أهل المشرق والمغرب» فيباع فيها في يوم واحد فضلا عما يتبعه من 
الذخائر النفيسة: كالجواهرء والياقوت» وسائر الأحجارء ومن أنواع 
الطيب: كالمسكء» والكافورء والعنبرء والعودء والعقاقير الهندية. 
إلى غير ذلك من جلب الهند''' والحبشة» إلى الأمتعة العراقية 
واليمانية» إلى غير ذلك من السلع الخُراسانية» والبضائع المغربية. 
إلى ما لا ينحصر ولا ينْضَبط ما لو فرق على البلاد كلها لأقام لها 
الأسواق النافقة ولَعَمّ جميعها بالمنفعة التجارية» كل ذلك في ثمانية 
أيام بعد الموسمء حاشا ما يطرأ بها مع طول الأيام من اليمن وسواهاء 
فما على الأرض سلعة من السلع ولا ذخيرة من الذخائر إلا وهي 
موجودة فيها مدة الموسمء فهذه بركة لاخفاء بها وآية من آياتها التي 
خميها اندها 


[9؟] وأما الأرزاق والفواكه وسائر الطيبات فكنا نظن أن الأندلس 
اختصت من ذلك بحظ له المزية على سائر حظوظ البلاد»ء حتى حللنا 
بهذه البلادء المباركة فألفيناها تَعْص بالنعم والفواكه: كالتين» 
والعنب» والرمان» والسفرجلء والخوخ., والأترج» والجوزء 
والمُّقلء والبطيخ» والقثئاءء والخيار» إلى جميع البقول كلها: 


)١(‏ قال المحقق: جلب الهند: ما يجلب منها. 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





0 - 
كالباذنجان, واليقطين. لواحي 07 والجَرّرء والكرنب» إلى 
سائرهاء إلى غير ذلك من الرياحين العبقة والمشمومات العطرة» وأكثر 
هذه البقول كالباذنجان والقثاء والبطيخ لا يكاد ينقطع مع طول العام: 
وذلك من عجيب ما شاهدناه مما يطول تعداده وذكره» ولكل نوع من 
هذه الأنواع فضيلة موجودة في حاسة الذوق يفضل بها نوعها الموجود 

في سائر البلاد» فالعجب من ذلك يطول. 





]١[‏ ومن أعجب ما اختبرناه من فواكهها البطيخ والسفرجل. 
وكل فواكهها عجب. لكن للبطيخ فيها خاصة من الفضل عجيبة. 
وذلك لأن رائحته من أعطر الروائح وأطيبهاء يدخل به الداخلٌ عليك 
فتجد رائحته العبقة قد سبقت إليك» فيكاد يَشْغلك الاستمتاع بطيب 
رياه عن أكلِكَ إيَاه حتى إذا ذَقْتَهُ يل إلِيكَ أنه شيب”© بسكر مُذاب أو 
بجنى النحل اللباب» ولعل متصفح هذه الأحرف يظن أن في الوصف 
بعض غلوء كلا لعَمْرُ الله! إنه لأكثر مما وصفتٌ وفوق ما قلتُ. 


["] وبها عسل أطيب من الماذي”") المضروب به المثل. يعرف 
عندهم بالمَسَعودي . 


[5”] وأنواع اللبن بها في نهاية من الطيب» وكل ما يصنع منها 
من السمن» فإنه لا تكاد تميزه من العسل طيباً ولذاذة» ويَجَلبُ إليها 


. قال المحقق: السلجم: اللفت‎ )١( 
أي خلط.‎ (0 


(9) قال المحقق: الماذي: العسل الأبيض. أو جيده. 


المختار من الرحلات الحجازية 








6 


قوم من اليمن يُعرفون بالسرو نوعاً من الزبيب الأسود والأحمر في نهاية 
الطيب» ويخلون معة :من اللوز كثيرا . 


وبها قصب السكر أيضاً كثير» يُجْلَبُ من حيث تُجلب البقول التي 
ذكرناهاء والسكر بها كثير مجلوب وسائر النعم والطيبات من الرزق» 


[7] وأما الحَلُوى فيُصْئَع منها أنواع غريبة من العسل والسكر 
المعقود على صفات شتى» إنهم يصنعون بها حكايات جميع الفواكه 
الرطبة واليابسة» وفي الأشهر الثلاثة: رجب» وشعبان» ورمضانء» يتصل 
منها أسْمطة”'' بين الصفا والمروة» ولم يُشاهد أحد أكملّ منظراً منها لا 
بمصر ولا بسواهاء قد صّوّرت منها تصاوير إنسانية وفاكهية وجليت في 
منصّات كأنها العرائس» ونُضدت بسائر أنواعها الممُنضدة الملونة 
فتلوح كأنها الأزاهر حستاء فتقيد الأبصارء وتستنزل الدرهم والدينار. 


[:"] وأما لحُوم ضأنها فهناك العجب العجيب» قد وقع القّطع 
من كل مَنْ تَطَوّف على الآفاق» وضرب نواحي الأقطارء أنها أطيب 
لحم يُؤكل في الدنياء وما ذاك ‏ والله أعلم ‏ إلا لبركة مراعيهاء هذا 
على إفراط سمّنهء ولو كان سواه من لحوم البلاد ينتهي ذلك المنتهى 
في السمن لَلَمَظَنْهِ الأفواه زَهّم"2: ولعافته وتجتبته» والأمر في هذا 
بالضدّء كلما ازداد سمناً زادت النفوس فيه رغبة والنفس له قبولاً: 


)١(‏ قال المحقق: الأسمطة: الواحد سماط: المائدة. 
(؟) قال المحقق: زهماً: تخمة من الدسم. 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 








فتجده هنيئاً رتخصاً يذوب في الفم قبل أن يُلاكَ مَضعْآء ويسرع لخفته 
عن المعدة انهضاماًء وما أرى ذلك إلا من الخواص الغريبة» وبركة 
البلد الأمين قد تكفلت بطيبه لا شك فيهء والكبّر عنه يضيق عن الخْبْر 
له» والله يجعل فيه رزقاً لمن تشوق بلدته الحرام» وتمنى هذه المشاهد 
العظام» والمناسك الكرامء بعزته وقدرته. 


[5"] وهذه الفواكه تُجُلَبٍ إليها من الطائف. وهي على مسيرة 
ثلاثة أيام منها على الرفق والتؤدّة» ومن قرى حولهاء وأقرب هذه 
المواضع يُعرفُ بأد هو من مكة على مسيرة يوم أو أزيد قليلاًء وهو 
من بطن الطائف. ويحتوي على قرى كثيرة» ومن بطن مَرَء وهو على 
مسيرة يوم أو أقل؛ ومن تخلةء وهىي على مثل هذه المسافة» ومن 
أودية بقرب من البلد كعين سليمان وسواهاء قد جلب الله إليها من 
المغاربة ذَوي البصارة”'2 بالفلاحة والزراعة فأحدثوا فيها بساتين 
ومزارع»ء فكانوا أحد الأسباب في خصب هذه الجهات». وذلك بفضل 
الله عزوجلء وكريم اعتنائه بحرمه الكريم» وبلده الأمين. 

[1"] ومن أغرب ما ألفيناه فاستمتعنا بأكله وأجرينا الحديث 
باستطابته» ولا سيما لكوننا لم نعهده» الوُطب؛ وهو عندهم بمنزلة 
التين الأخضر في شجره يُجُنى ويُؤكل» وهو في نهاية من الطيب 
واللذاذة» لا يُسأم التفكه بهء وإبّائّه عندهم عظيم» يخرج الناس إليه 
كخروجهم إلى الضيعة» أو كخروج أهل المغرب لقراهم أيام نضج 


)١(‏ قال المحقق: البصارة: المعرفة. 


المختار من الرحلات الحجازية 








6 - 


التين والعنب» ثم بعد ذلك عند تناهي نضجه يُبسط على الأرض قدر ما 
يجف قليلاً» ثم يُرْكم بعضه على بعض في السلال والظرُوف ويرفع . 


ومن صنع الله الجميل لناء وفضله العميم عليناء أنا وصلنا إلى 
هذه البلدة المكرمة فألفينا كل من بها من الحجاج المجاورين» ممن 
قدم عهذه فيها وطال مُقامه بهاء يتحدث على جهة العجب بأمُنها من 
)١(- 4‏ يبع . عر ء. ءِ ٠‏ 
الحراية”١‏ المتلصصين فيها على الحاج» المختلسين ما بايديهم والذين 
كانوا آفة الحرم الشريف. لا يغفل أحد عن متاعه طَرْفةَ عين إلا اخْتلسَ 
العام شرهم إلا القليل. وأظهر اه البلد التشديدك عليهم فتوقف 
شرهم» وبطيب هوائها''' في هذا العام» وفتور حَمّارة قيظها المعهود 
فيهاء وانكسار حدة سّمومهاء وكنا نبيت في سطح الموضع الذي كنا 
نسكنه » فربما يصيبنا من برد هواء الليل ما نحتاج معه إلى دثار يقينا 


وكانوا أيضاً يتحدثون بكثرة نعّمها في هذا العام» ولين سغرهاء 
وأنها خارقة للعوائد السالفة عندهم» على كثرة المُجاورين فيها في هذا 
العام» وانجلاب الناس إليها وترادفهم عليهاء فحدثنا غيّر واحد من 
المجاورين الذين لهم بها سنون طائلة أنهم لم يَرَوْا هذا الجمع بها قط. 
ولا سمع بمثله فيهاء والله يجعله جمعاً مَرْحوماً معصوماً بمنه . 


(؟) قال المحقق: بطيب هوائها: متعلق بيتحدث في الكلام السابق. 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





0 

وما زال الناس فيها يُسَلسلونَ أوصاف أحوالها في هذه السنة 

وتميزها عمّا سلف من السنين» حتى لقد زعموا أن ماء زمزم المبارك 
زاد عذوبة ولم يكن قبل بصّادقها"". . 

[717] وهذا الماء المبارك في أمره عجب» وذلك أنك تشربه عند 
خروجه من قرارته» فتجده في حاسة الذوق كاللبن عند خروجه من 
الضرْع دَفِيئاًء وتلك فيه من الله تعالى آية وعناية» وبركته أشهر من أن 
تحتاج لوصف واصف. وهو لما شرب له كما قال كَل أرْوَى الله منه 
كل ظامىء إليه» بعزته وكرمه . 

ومن الأمور المجربة في هذا الماء المبارك» أن الإنسان ربما وجد 
مس الإعياء وفتور الأعضاءء إما من كثرة الطواف. أو من عمرة 
يعتمرها على قدميه» أو من غير ذلك من الأسباب المؤدية إلى تعب 
البدن» فيصب من ذلك الماء على بدنه فيجد الراحة والنشاط لحينه. 


[4"] ولأهل هذه الجهات المشرقيّة كلها سيرة حسنة» عند 
مستهل كل شهر من شهور العام يتصافحون» ويهنىء بعضهم بعضأء 
ويتغافرون ويدعو بعضهم لبعض» كفغلهم في الأغياد؛ هكذا دائماًء 
وتلك طريقة من الخير واقعة في النفوس» تَجَدّد الإخلاص وتستمد 
الرحمة من الله عزوجل» بمصافحة المؤمنين بعضهم بعضأء وبركة ما 
يتهادونه من الدّعاء» والجماعة رحمة» ودعاؤهم من الله بمكان. 


)١(‏ قال المحقق: صادقها: أراد شديدها. 


المختار من الرحلات الحجازية 





- م6 


الأمور المحظورة في الحرم 


[9؟] ومن الأمور المحظورة في هذا الحرم الشريف» زاده الله 
اليَسَار إليها سبيلاً في تجديد بناء» أو غير ذلك مما يختص بالحرم 
المبارك» ولو كان الأمر مُبَاحا في ذلك لجعل الراغبّون في نفقات البر 
من أهل الجدّة"'' حيطانه عَسْجَدا”'' وترابه عنبراً لكنهم لا يجدون 
السبيل إلى ذلك. فمتى ذهب أحد أرباب الدنيا إلى تجديد أثر 
أثارون أو إقامة رسم كريم واد 0 فإن 
كان مما يُنْقَشُ عليه أو يُرسَم فيه طُرّز باسم الخليفة ونفوذ أمره بعمله 
ولم يُذكر اسم المتولي لذلك». ولا بد مع ذلك من بذل حظ وافر من 
النفقة لأمير البلد ريما يوازي قدرَ المنفوق فيه» فتضاعف المؤونة على 


]5٠[‏ ومن أغرب ما اتفق لأحد دمّاة الأعاجم. ذوي الملك 
رقي أنه وصل إلى الحرم الكريم مدة جدّ هذا الأمير مكثرء فرأى 
تور بئر بئر زمزم وقبتها على صفة لم يرضهاء فاجتمع ين وقال : 
أريد أن أتأئق في بناء تنور زمزم دطك وتجديد قبتهء وأبلغ في ذلك 
الغاية الممكنةء وين في سال ولك علي في ذلك شرطً 
أبْلَغْ بالتزامه لك الغرض المقصودء وهو أن تجعل بْقَةَ من قبَلِك يُقيد 


)1١(‏ قال المحقق: الجدة: الغنى. 
() قال المحقق: العسجد: الذهب . 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





مبلغ النفقة في ذلك» فإذا استوفى البناء التمام» وانتهت النفقة منتهاهاء 
وتحصلت مُحْصَاة بذلت لك مثلها جزاءً على إباحتك لي ذلك . 


فاهتز الأمير طمعاًء وعلم وأسوي ساس را 
الدنائير - على الصفة التي وصفها له فأباح له ذلك» وألزمه مقيّد 
يحصي قليل الإنفاق وكثيره. وشرع الرجل في بنائه واحتمل 0 
الوْسْع”'' وتأنقَّ وبّذْلَ المجهودً» فَعْلَّ مَّن يقصد بفعله ذات الله عزوجل 
ويُفْرضه قَوْضاً حسناً ٠‏ والمُقيد يُسود طوامير”؟ بالتقييدء والأمير 
ل د ويؤم القبقن كلك النققات الوابعة تقط يدية* إلى 
أن فرغ البناء على الصفة التي تقدم ذكرها أولاً عند ذكر بئر زمزم 
وقبته» فلما لم يبقَ إلا أن يصبح صاحب النفقة بالحساب ويَسْتقضيّ منه 
العدد المجتمع فيهاء خلا منه المكان» وأصبح عه وركتّ 
اللي جملاً» وأصبح الأمير يقلب كفيه» ويضرب أصّدَرَيْه9". ولم 
يمكنه أن يُحْدِث في بناء وضع في حرم الله تعالى حادثاً يحيله. 
نقضاً يُزيله» وفاز الرجل بثوابه. وتكفل الله به في انقلابه وتحسين 
مآبه: «ومآ اشر ين َئء مَهوَ دشم وَهْرٌ كبر رزو 2404 وبقي 
خبر هذا الرجل مع الأمير يتهادى غرابة وعجباًء ويدعو له كل شارب 
من ذلك الماء المبارك . 


)1١(‏ قال المحقق: الوسع: الطاقة والاستطاعة. 

(؟) قال المحقق: الطواميرء الواحد طامور وطومار: الصحيفة . 
(*) قال المحقق: الأصدران: عرقان تحت الصدغين. 

(5) قال المحقق: سور عيا! الآية 79. 





- 6 
شهر رجب الفردء عرفنا الله بركته 
استهل هلاله ليلة الخميس الموفي عشرين لشهر أكتوير بشهادة 
خَلَقَ كثير من الحجاج المجاورين والأشراف أهل مكةء ذكروا أنهم 
رأوه بطريق العمّرّة ومن جبل فُعَبْقَعان وجبل أبي تيه نعف 
شهادتهم بذلك عند الأمير والقاضي» وأما من المسجد الحرام فلم 
يبصره أحد . 
وهذا الشهر المبارك عند أهل مكة موسم من المواسم المعظمة. 
وهو أكبر أعيادهم» ولم يزالوا على ذلك قديماً وحديثا يتوارثه خَلف 
عن سلف متصلاً ميراثُ ذلك إلى الجاهلية؛ لأنهم كانوا يسمونه مُنصل 
الأسئة''". وهو أحد الأشهر الحُرمء وكانوا يحرمون القتال فيه» وهو 


شهر الله الأصب”"'. كما جاء فى الحديث عن رسول الله يَكِِ. 


العمرة الرجبية 
]51١[‏ والعمرَة الرجبية ووز أخت الوقفة العرفيّة لأنهم 
يحتفلون لها الاحتفال الذي لم يُسمّع بمثلهء ويبادر إليها أهل الجهات 


المتصلة بها جتمع لها بلق علب لا ييتصيهم إلا اله عزو ج40 
فمن لم يشاهدها بمكة لم يشاهد مرأى يسْتهدي ذكره غراية وعجباً: 


)١(‏ قال المحقق: أنصل الأسنة: زال نصالهاء وسمي الشهر بذلك لأن القتال كان 
محرماً فيه . 

(؟) قال المحقق: سمي رجب الأصم: لأنه لم يكن يسمع فيه صوت السلام لأنه 
شهر حرام . 

(*) المداومة على العمرة في شهر رجب واعتقاد فضلهاء ديانة» بدعة» والله أعلم . 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





)كت 
شاهدنا من ذلك أمراً يعجز الوصف عنه» والمقصود منه الليلة التي 
1311111310 ويقع الاستعداد لها من قبل ذلك 
بأيام » فأبصرنا من ذلك ما نَصفٌ بعضه على جهة الاختصار» وذلك 
لأنا عايّنا شوارع مكة وأزقتهاء من عصر يوم الأربعاء» وهي العشية 
التي ارتقب فيها الهلال. قد امتلأت هوادجَ مشدودة على الإبل. 
مكسوة بأنواع كسا الحرير وغيرها من ثياب الكتان الرفيعة بحسب سَعَة 
أحوال أربابها وَوَفرهم''"2» كل يتأنق ويحتفل بقدر استطاعتهء فأخذوا 
في الخروج إلى التنعيم ميقاتٍ المعتمرين» فسالت تلك الهوادج في 
أباطح مكة وشعابهاء والإبل قد زيّتَت تحتها بأنواع التزيين» 
وا شع بغير هذي بقلائد رائقة المنظر من الحرير وغيره» وربما 
فاضت الأستار التي على الهوادج حتى تسحب أذناليا على الارقن: 





ولم يبق ليلة الخميس المذكور بمكة إلا مّن خرج للعمرة من 
أهلها ومن المجاورين» وكنا في جملة من خرج ابتغاء بركة الليلة 
العظيمة» فكدنا لا نتخلص إلى مسجد عائشة من الزحام وانسداد ثَنَيّات 
الطريق بالهوادج» والنيران قد أَشْعِلّت بحافتي الطريق كله والشمع. 
يتقد بين أيدي الإبل التي عليها هوادج من يُشار إليه من عقائل نساء 
مكة . 


فلما قضينا العمرَة وعلقنا وجئنا للسعي بين ٠‏ الصفا والمروة. وفك 


)١(‏ قال المحقق: الوفر: السعة. 
(؟) قال المحقق: أشعرت: أعلمت. 





- 6 
مشي هذ فق الليل 4 أبصترتاة كله شرجا وتيواناً وقد حصن بالسناعية 
والساعيات على هوادجهن. فكنا لا نتخلص إلا بين هوادجهن وبين 
قوائم الإبل لكثرة الزحام واصطكاك الهوادج بعضها على بعضء فعاينا 
ليلة هي أغرب ليالي الدنياء فمن لم يُعاين ذلك لم يُعاين عجّباً يحدث 
به ولا عجباً يذكره مَرْأى الحَشْر يوم القيامة لكثرة الخلائق فيه 
مخرمين» مُلبين» داعين إلى الله عزوجل ضارعين» والجبال المكرمة 
التي بحافتي الطريق تجيبهم بصَّدَاهاء حتى صكت المسامع» وسّكبت 

من هول تلك المعاينة المدامع» وذابت القلوب الخواشع . 


وفي تلك الليلة مُلىء المسجد الحرام كله سُرُجاً فتلألاً نورا. 
وعند ثبوت رؤية الهلال عند الأمير أمر بضرب الطبول والدّبادب'') 
والبّوقات إشعاراً بأنها ليلة الموسم . 


فلما كانت صبيحة ليلة الخميس خرج إلى العمرة في احتفال لم 
يَسْمَعُ بمثله. انحشد له أهل مكة على بكرّة أبيهم» فخرجوا على 
مراتبهم قبيلة قبيلةً وحارة حارة شاكين”" في الأسْلحة فسان ورجالة» 
فاجتمع منهم عدد لا يحصى كثرةء يتعجب المُعاين لهم لوفور 
عددهم. فلو أنهم من بلاد جمة لكانوا عجباء فكيف وهم من بلد 
واحد؟ وهذا أدل الدلائل على بركة البلدء فكانوا يخرجون على ترتيب 
عجيب. فالفرسان منهم يخرجون بخيلهم ويلعبون بالأسلحة عليهاء 


)1١(‏ قال المحقى : الدبادب» الواحدة دبدات : نوع من الطبول. 
5 أن سكساين. 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 2 
والرجالة يتواثبون ويتتاقفون”'' بالأسلحة فى أيديهم حراباً وسيوقفاً 
وَحَجَفا”'' وهم يُظهرون التطاعن بعضهم لبعض» والتضارب بالسيوف» 
والمُدافعة بالحَجّف التي يَسْتَجِنْون بها”". وأظهروا من الحذق بالثقاف 
كل أمر مُسْتَغْربِء وكانوا يرمون بالحراب إلى الهواء ويبادرون إليها 
خاي بأيديهم وهي قد تصَوّبت 2 على رؤوسهم وهم في زحام لا 
يمكن فيه المجال. وربما رمى بعضهم بالسيوف في الهواء فيتلقونها 
قَبْضاً على قوائمها كأنها لم تفارق أيديهم» إلى أن خرج الأميرُ يزحف 
بين قوادهء وأبناؤه أمامه. وقد قاربوا سن الشباب». والرايات تخفق 
أمامه.ء والطبول والدبادب بين يديه» والسكينة تفيض عليه» وقد 
امتلأت الجبال والطرّق والثنيات بالنظارة من جميع المجاورين. 





فلما انتهى إلى الميقات وقضى غرّضه أخذ في الرجوع» وقد 
ترتب العسكران بين يديه على لعبهم ومَرّحهم والرجالة على الصفة 
المذكورة من التجَاوٌل. وقد ركب جملةٌ من أعراب البوادي )0 


وى م 


صهبا لم 0 يررَ أجمل منظراً منهاء وركانيا يسابقون الخيل بها بين يدق 
الأميرء رافعين أصواتهم بالدعاء له والثناء عليه إلى أن وصل المسجد 


الحرام» فطاف بالكعبة» والقراء أمامه» والمؤذن الزمزمى يُعْرَدُ فى 


. قال المحقق: المثاقفة : المغالبة بالسلاح‎ )١١( 

(؟) قال المحقق: الحجف. الواحدة حجفة: الترس من جلد. 
(9) قال المحقق: يستجنون بها: يحتمون بها. 

() قال المحقق: اللقف: التناول بسرعة. 

(6) قال المحقق: النجب» الواحد نجيب: الكريم من الإبل . 


المختار من الرحلات الحجازية 








- 6 
سطح قبة زمزم رافعاً عقيرته بتهنئته بالموسم. والثناء عليه» والدعاء له 
على العادة» فلما فرغ 8 الطواف صلى عند المُلتّرم» ثم جاء إلى 
المقام وصلى خلفه. وقد أُخْرجٍ له من الكعبة ووْضع في قبته الخشبية 
التى يُصلى خلفهاء ا ل ل ل لو ل لض 
نابكليه وتسيع + فق أغيدت القاغلبه» وأخذ في الخروج على باب 
الصفا إلى المسعى» وانجفل”") بين يديه» فسعى راكباً والقّوّاد مُطيفون 
به .والرخالة الحذابة: آمامده: :فلم قرع .من السحي اسكلت: ١السيوف‏ 
أمامه» وأحدقت به» وتوجه إلى منزله على هذه الحالة الهاتلة مزحوفاً 
به وبقي المّسعى يومه ذلك يموج بالساعين والساعيات . 

فلما كان اليوم الثاني» وهو يوم الجمعة» كان طريق العمرة في 
العمارة قريباً من أمسه» راكبين وماشين» رجالاً ونساءء والنساء 
الماشيات المتأجّرات كثير يسابقن الرجال في تلك السبيل المباركة؛ 
تقبّل الله من جميعهم بمنه . 

وفي أثناء ذلك يلاقي الرجال بعضهم بعضاً فيتصافحون ويتهادون 
الدعاء والتغافر بينهم» والنساء كذلك» والكل منهم قد لبس أفخر ثيابه 
واحتفل احتفال أهل البلاد للأعيادء وأما أهل البلد الأمين فهذا الموسم 
عيدهم . له ار وله يحتفلون.ء وفي المساهاة فيه يتنافسون. وله 


يعظمون) وفيبه ل أسواقهم وصنائعهم» يقدمون النظر في ذلك 


)١(‏ قال المحقق: انجفل الناس : انقلعوا فمضوا. 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





ب 
[؟:] السرو الماثرون 

ومن لطيف صنع الله» عزوجل» لهم فيه اعتناء كريم منه سبحانه 
بحرمة الأمين» أن قبائل من اليمن تعرف بالسروء وهم أهل جبال 
حصينة باليمن تعرف بالسراةء كأنها مضافة لسَّرَاة الرجال» على ما 
أخبرني به فقيه من أهل اليمن يعرف بابن أبي الصَّيْفء فاشتق الناس 
لهم هذا الاسم المذكور من اسم بلادهمء وهم قبائل شتى كبّجيلة 
وسواهاء يستعدون للوصول إلى هذه البلدة المباركة قبل حلولها بعشرة 
أيام» فيجمعون بين النية في العمرة وميرّة البلد بضروب من الأطعمة 
كالحنطة وسائر الحبوب إلى اللوبياء إلى ما دونهاء ويجلبون السمن 
والعسل والزبيب واللوزء فتجمع ميرتهم بين الطعام والإدام والفاكهة. 
ويصلون في آلاف من العَدّد رجالاً وجمالاً مُوقّرة بجميع ما ذكر. 
فيُّزغدون معايش أهل البلد والمجاورين فيه» يتقوتون ويدخرونء. 
وترخص الأسعارء وتعم المرافق» فيُعد منها الناس مايكفيهم لعامهم 
إلى ميرة أخرى» ولولا هذه الميرة لكان أهل مكة في شظف من 
العيش . 

ومن العجب في أمر هؤلاء المائرين أنهم لا يبيعون من جميع ما 
ذكرناه بدينار ولا بدرهم. إنما يبيعونه بالخْرّق والعباءات والشمّل» 
فأهل مكة يُعِدون لهم من ذلك مع الأقنعة والمّلاحف المتان وما أشبه 
ذلك مما يلبسه الأعراب» ويبايعونهم به ويُشَاوٌرونهم» ويُذكر أنهم متى 
أقاموا عن هذه الميرة ببلادهم تجدب ويقع الموتان في مواشيهم 
وأنعامهم. وبوصولهم بها تخصب بلادذهم وتقع البركة في أموالهم. 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 6 
فمتى قرُب الوقت ووقعت منهم بعض غفلة في التأهب للخروج اجتمع 
نساؤهم فأخرجٌّئّهم» وكل هذا لطف من الله تعالى لحُرمة البلد الأمين. 
وبلادهم على ما ذُكر لنا خصيبة متّسعة كثيرة التين والعنب. 
واسعة المَحْرّث وافرة الغلات» وقد اعتقدوا اعتقاداً صحيحاً أن البركة 
كلها في هذه الميرة التى يجلبونها. فهم من ذلك في تجارة رابحة مع 
الله عزوجل . 

[*4] والقوم عرب صُرّحاء فصّحاء جُفاة أصحًاء» لم تَغذّهم الرقة 
الحضرية» ولا هذبتهم السيرة المدنية» ولا سددت مقاصدهم السّئّن 
الشرعية» فلا تجد لديهم من أعمال العبادات سوى صِذّق النية» فهم 
إذا طافوا بالكعبة المقدسة يتطارحون عليها تطارح البنين على الأم 
المشفقةء لائذين بجوارهاء مُتعلقين بأستارهاء فحيثما علقت أيديهم 
منها تمزق لشدة اجتذابهم لها وانكبابهم عليهاء وفي أثناء ذلك تصدع 
ألسنتهم بأدعية تتصدع لها القلوب» وتتفجّر لها الأعين الجوامد 
فتصّوب"''» فترى الناس حولهم باسطي أيديهمء مُوؤمَّنين على 
أدعيتهم» مُتلقنين لها من ألسنتهمء على أنهم طول مُقامهم لا يتمكن 
معهم طوافٌ» ولا يوجد سبيل إلى استلام الحجر . 

[5:] وإذا فتحَ الباب الكريم فَهُمُ الداخلون بسلام» فتراهم في 
محاولة دخولهم يتسلسلون كأنهم بعض ببعض مرتبطون» يتصل منهم 
على هذه الصفة الثلاثون والأربعون إلى أزيد من ذلك» والسلاسل 


)١(‏ قال المحقق: مضارع صاب المطر: انصب. 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





- 


منهم يتبع بعضهم بعضاء وربما انفصمت بواحد منهمء» يميل عن 
المطلع المبارك إلى البيت الكريم» فيقع الكل لوقوعه» فيشاهد الناظر 
لذلك مرأى يؤدي إلى الضحك . 


[5:] وأما صلاتهم فلم يُذْككر في مُضحكات الأعراب أظرف 
منهاء وذلك أنهم يستقبلون البيت الكريم فيسجدون دون ركوعء 
وَيقروق"'؟ «بالسكوه نقراً؛ ومنهم من يسجد السجدة الواحدة» ومنهم 
من يسجد الثنتين والثلاث والأربع» ثم يرفعون رؤوسهم من الأرض 
قليلاً وأيديهم مبسوطة عليهاء ويلتفتون يميناً وشمالاً التفات المروّع ثم 
يسلمون أو يقومون دون تسليم ولا جلوس للتشهدء وربما تكلموا في 
أثناء ذلك» وربما رفع أحدهم رأسه من سجوده إلى صاحبه وصاح به 
ووصاه بما شاء ثم عاد إلى سجودهء إلى غير ذلك من أحوالهم الغربية . 


ولا مَلبَس لهم سوى أَْرِ وَسِحَةٍ أو جلود يسترون بهاء وهم مع ذلك 
أهل بأس ونجدة» لهم القسيّ العربية الكبار كأنها قسي القطانين"© لا 
تفارقهم في أسفارهم» فمتى رحلوا إلى الزيارة هاب أعراب الطريق 
المُمسكون للحاج مَقْدمَهِمء وتجتبوا اعتراضهمء وخَلوا لهم عن 
الطريق» ويصحبهم الحجاج الزائرون فيحمدون صحبتهمء وعلى ما 
وصفنا من أحوالهم فهم أهل اعتقاد للإيمان صحيح. وذكر أذ :التي 
يك ذكرهم وأثنى عليهم خيراء وكفى بأن دخلوا في عموم قوله كَلِ: 


(1) قال المحقق: ينقرون: يسرعون في السجود. 
(0) > قال المحقق: القطانون: بائعو القطن. 


المختار من الرحلات الحجازية 





220- 


«الإيمان يَمَانَ)('؟2 إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة فى اليمن وأهله . 


دكن أن عبد الله بن عمر. رضي الله عنهماء كان يحترم وفت 
كله . 
[57] وشاهدنا منهم صبي في | لحجر قد جلس إلى أحد الحجاج 


© ال سر ا 


يعلمه فاتحة الكتاب وسورة الإخلاصء فكان يقول له: #قل هو 
أحد» فيقول الصبي : «هو الله أحد)ء فيُعيدٌ عليه المعلم» فيقول له: 
ا بأن أقول: هو الله أحد؟ قد قلث» فكابّد في تلقينه مشقة. 
وبعد لأي ما عَلِقت بلسانه. وكا عقواك ل و تس _ راف الور 
ابي إن الكنة ورت الخليرت هد فيقول الصبيى: «بسم الله 
الرحمن الرحيم والحمد لله»» فيعيد عليه المعلم » ويقول له: «لا تقل : 
والحمد لله» إنما قل: الحمد لله)» فيقول الصبي: (إذا قلثُ: بسم الله 
الرحمن الرحيمء أقول: والحمد لله. للاتصال» وإذا لم أقل: يسم 
اللهء وبدأث قلت: الحمد لله4» فعجبنا من أمره» ومن معرفته طَيْعاً 
بصلة الكلام وفصله دون تعلّم . 


وأما فصاحتهم فبديعة جداء ودعاؤهم كثير التخشيع للنفوس» 
والله يُصَلِحَ أحوالهم وأحوال جميع عباده بمنه . 


2230 الحديث مرق بطرق كثيرة. وهو صحيح إن شاء الله : انظر المجمع الزوائد» : 
٠‏ -064. 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





[417] يوم طواف النساء 


وفي اليوم التاسع والعشرين منه» وهو يوم الخميس» فر البيت 
للنساء خاصة» فاجتمعن في كل أؤْبء وقد تقدم احتفالهن لذلك بأيام 
كاحتفالهن للمشاهد الكريمة» ولم تبق امرأة بمكة إلا حضرت المسجد 
الحرام ذلك اليوم» فلما وصل الشيبيؤن لفتح البيت الكريم» على 
العادة» وأسرعوا في الخروج منه وأفرجوا للنساء عنه» وأفرج الناس 
لهن عن الطواف وعن الحجرء ولم يبق حول البيت المبارك أحد من 
الرجال» تبادر النساء إلى الصعودء حتى كاد الشيبيون لا يخلصون 
بينهن عند هبوطهم من البيت الكريم» وتسلسل النساء بعضهن ببعض 
وتشابكن حتى تواقعن؛ فمن صائحة ومُعْولة0''» ومكبرة ومهللة. 
وظهر من تزاحمهن ما ظهر من السرو اليمنيين مدة مُقامهم بمكة 
وصعودهم يوم فتح البيت المقدس. وأختنييث الفال الحال» وتماديُن 
على ذلك صدراً من النهارء وانفسحن في الطواف والحِجّرء وتشفين 
من تقبيل الحجّر واستلام الأركان» وكان ذلك اليوم عندهن الأكبر. 
ويومهن الأزهر الأشهرء نفعهن الله به» وجعله خالصاً لكريم وجهه. 
وبالجملة فهنّ مع الرجال مسكينات مغبونات» يرين البيت الكريم ولا 
يَلْجَنَه» ويلحظن الحجّر المبارك ولا يستلمئّه» فحظهن من ذلك كله 
النظر :والأست“ المسلتظير الستشعر» افليس لهق سنو الطواف» على 
البعدء وهذا اليوم الذي هو من عام إلى عام فهِنّ يرتقبّته ارتقاب أشرف 


. من العويل‎ )١( 





- م 


الأعياد» ويُكثرنَ له من التأهب والاستعدادء والله ينفعهن فى ذلك 
بحسن النية والاعتقاد. بمنه وكرمه. 


[44] غسل البيت بماء زمزم 


وفي اليوم الثاني منه بكر الشيبيون إلى غسله بماء زمزم المبارك؛ 
بسبب أن كثيراً من النساء أدخلن أبناءهن الصغار والرضع معهن» 
فيتحرى غسله تكريماً وتنزيهاًء وإزالة لما يَحيك في النفوس من 
مّواجس الظنون فيمن ليست له مَلَكَة عقلية تمنعه من أن تصدر عنه 
حادثة نَجَس في ذلك الموطن الكريم والمحل المخصوص بالتقديس 
والتعظيم . 

عند انسياب الماء عنه كان كثير من الرجال والنساء يبادرون إليه 
تبركاآً بغسل أوجههم وأيديهم فيه» وربما جمعوا منه في أُوَانِ قد 
أعَدوها لذلك ولم بُرَاعوا العلة التي غسل لهاء وكان منهم من توقف 
عن ذلك» وربما لحَظ الحال لحظة من لا يَسْتَجِيزها ولا يصوب العقل 
في ذلك» وما ظنكٌ بماء زمزم العبازلك فك سلب واكك فيش الل الحرام 
وماج في جنبات أركانه الكرام» ثم انصّب بِإزَاءِ الملترّم والركن الأسود 
المستلّم» أليس جديراً بأن تتلقاه الأفواه فضللٌ عن الأيدي» وتَعْمّس فيه 
الوجوه فضلاً عن الأقدام؟ وحاشا لله أن تغرض في ذلك علة تمنع منهء 
كتيسن بيات الظنون تدفع عنه. والنيات عند الله تعالى مقبولة. 
والمثابرة على تعظيم حرماته برضاه موصولة» وهو المجازي على 
الضمائر وخفيّات السرائرء لا إله سواه. ' 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 








- 


[9:] ليلة النصف من شعيان 


وهذه الليلة المباركة - أعني ليلة النصف من شعبان ‏ عند أهل 
مكة معظمة للأثر الكريم الوارد فيهاء فهم يبادرون فيها إلى أعمال البر 
من العُمرة» والطواف» والصلاة أفراداً وجماعة» فينقسمون في ذلك 
أقساماً مباركة؟ فشاهدنا ليلة السبت» التى هى ليلة النصف حقيقة» 
اعتفالة عظينا" فى النعوم. المقدس (إئز عبلاة. الككنةم. نعل النائنى 
يصلون فيها جماعات جماعات» تراويح يقرأون فيها بفاتحة الكتاب 
وبقُلُ هو الله أحدء عشر مرات في كل ركعة إلى أن يكملوا خمسين 
تبليفة حمكة ركعة 4 فل باه إماماًء وبسطت الخصرء 
وأوقدت الشمع. وأشعلت المشاعل » ارين المصابيح» ومصباح 
السماء الأزهر الأقمر قد أفاض نوره على الآرض وبسط شعاعه» 
فتلاقت الأنوار في ذلك الحرم الشريف الذي هو نور بذاته» فيا لك 
مرأى لا يتخيله المتخيل ولا يتوهمه المتوهم! فأقام الناس تلك الليلة 
على أقسام: فطائفة التزمت تلك التراويح مع الجماعة وكانت سبع 
جماعات أو ثمانياً؛ وطائفة التزمت الحجر المبارك للصلاة على 
.انفراد؛ وطائفة خرجت للاعتمار؛ وطائفة آثرت الطواف على هذا كله. 
أغلبُها المالكية» فكانت من الليالي الشهيرة المأمولة أن تكون من غرر 
القُرْبات ومحاسنهاء نفع الله بها ولا أخلى من بركتها وفضلها وأوصل 
إلى هذه المثابة المقدسة كل شيّق إليها بمنّه”''. 


)١(‏ كان جماعات من السلف يحيو هذه الليلة انظر الطائف المعارف فيما لمواسم 
العام من الوظائف» لابن رجحب الحنبلى رححمهة أللّه تعالى. وقل وردتثت فى هذه 
الليلة آثار حسنة لكن لم يثبت أن النبى يَكلِْدِ أحياهاء والله أعلم . 





درم 

[06] وفي تلك الليلة المباركة شاهد أحمد بن حسان منا أمراً 
عر اي الأحاديث المأثورات فى رقة النفوس؛ وذلك أنه 
أصابه النوم عند الثلث الباقي من الليل» فأوى إلى المصطبة التي تحف 
بها قبة زمزم مما يقابل الحجَر الأسود وباب البيت» فاستلقى فيها لينام 
فإذا بإنسان من العجم قد جلس على المصطبة بإزائه مما يلي رأسه. 
فجعل يقرأ بتشويق وترقيق» ويتبع ذلك بزفير وشهيق» أحسنّ قراءة 
وأوقعها في النفوس» وأشدها تحريكاً للساكن» فامتنع المذكور من 
المنام استمتاعاً بحسن ذلك المسموع وما فيه من التشويق والتخشيع. 
إلى أن قطع القراءة وجعل يقول : 


إن كان سوء الفعال أبْحَدَنى 
ا لا إلى |ء كردا ٍ 


ويردد ذلك بلحن يتصدع له الجماد وينشق عليه الفؤاد» ومضى 
في ترديد ذلك البيت ودموعه تكف. وصوته يرق ويَضعف إلى أن وقع 
فى نفس أحمد بن حسان المذكور أنه سيُغشى عليه؛ فما كان بين 
اعتراض هذا الخاطر بنفسه وبين وقوع الرجل مغشياً عليه من المصطبة 
إلى الأرض إلا كلا ولا”'". وبقي مُلْقى كأنه لّقى” لا حَرَاك به فقام 
ابن حسان مذعوراً لهول ما عاينه» متردداً فى حياة الرجل أو موته لشدة 
تلك الوضية9 والموضع من الأرض بائن الارتفاع» وقام أحد من كان 
)١(‏ قال المحقق: كلا ولا: أي مدة قليلة أو لحظة . 


00 قال المحقق: اللقى: الشيء المطروح . 
(9) قال المحقق: الوجبة: السقطة . 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 








402 
بإزائه نائمآء وأقاما متحيرين ولم يُقَدِما على تحريك الرجل ولا على 
الدنو منه» إلى أن اجتازت امرأة أعجميّة» وقالت: هكذا تتركون هذا 
الرجل على مثل هذا الحال؟ وبادرت إلى شيء من ماء زمزم قتضحت 
به وجههء ودنا المذكوران منه وأقاماه.» فعندما أبصرهما زوّى وجهه 
للجين عنهما مخافة أن تثبتَ له صفةٌ في أعينهما وقام من فؤره آخذاً 
إلى جهة باب بني شيبة» وبقيا متعجبين مما شاهداه؛ وعض ابن حسان 
بنانَ الأسف على ما فاته من بركة دعائه إذ لم يمكنه الحال استدعاءه 


منة ) وعلى أنه لم تثبت له صورة في نفسه؛ فكان يتبرك به متى لقيه . 


ومٌقامات هؤلاء الأعاجم في رقة الأنفس وتأثرها وسرعة انفعالها 
وشدة مُجامّداتها في العبادات وطول مُثابراتها على أفعال البر وظهور 


شهر رمضان المعظم, عرفذا الله بركته 


استهل هلاله ليلة الاثنين التاسع عشر لدجنبر''؟» عرفنا الله فضله 
وحَقّه ورزقنا القبول فيه» وكان صيام أهل مكة له يوم الأحد بدعوى 
في رؤية الهلال لم تصحء لكن أمضى الأمير ذلك ووقع الإيذان 
بالصوم بضرب دبادبه ليلة الأحد المذكور لموافقته مذهبّه ومذهبٌ 
شيعته العلويين ومن إليهم» لأنهم يرون صيام يوم الشك فرضا ‏ حسبما 
يُذكر ‏ والله أعلم بذلك . 





- م 

[51] ووقع الاحتفال في المسجد الحرام لهذا الشهر المبارك - 
وحق ذلك من تجديد الحُصّرء وتكثير الشمع والمشاعيل» وغير ذلك 
من الآلات حتى تلألأ الحرم نوراً وسطع ضياءً . 

[01] وتفرقت الآئمة لإقامة التراويح فرَقاً؛ فالشافعية فوق كل 
فرقة منها قد نصبت إماماً لها فى ناحية من نواحى المسجد؛ والحتبلية 
كذلك ؛ والحنفية كذلك» اللي وأما المالكية فاجتمعت على ثلاثة 
قراء يتناوبون القراءة» وهي في هذا العام أحفل جمعاً وأكثر شمعاً؛ 
لأن قوماً من التجار المالكيين تنافسوا في ذلك فجلبوا لإمام الكعبة 
شمغا كثيواء من أكبره ه شمعتان نصبتا أمام المحراب فيهما قنطار وقد 
حفت بهما مم دونهما صغار وكبارء فجاءت جهة المالكية تروف 
حسناً وترتمي الأبصار نوراً» وكاد لا يبقى فى المسجد زاوية ولا ناحية 
إلا وفيها 9 يصلي بجماعة خلفه. ل المسجد لأصوات القَرَأة 
من كل ناحية»ء فتّعاين الأبصارء وتشاهد الأسماع من ذلك مرأى 
ومُسْتَمَّعاً تنخلع له النفوس خشية ورقة. 


[7ه0] ومن الغرباء من اقتصر على الطواف والصلاة في الحجر 
ولم يحضر التراويح» ورأى أن ذلك أفضل ما يُغْتَنم» وأشرف عمل 
يترم وما بكل مكان يوجد الركن الكريم والملتزم . 

[01] والشافعي في التراويح أكثر الأئمة اجتهاداً؛ وذلك أنه يُكمل 
التراويح المعتادة التي هي عشر تسليمات ويدحل الطواف مع جماعة. 
فإذا فرغ من الأسبوع''' وركع عاد لإقامة تراويح اح وله را 


)١(‏ قال المحقق: الأسبوع هنا: السبعة. 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 








الخطيبية المتقدمة الذكر ضربة يسمعها المسجد لعلو صوتهاء كأنها 
إيذان بالعؤد إلى ال فإدا فرغوا من تسلهتية عادوا لطواف 
أسبوع . فإذا أكهلنه «اضريت الفرقعة وعادوا لصلاة تسليمتين» ثم عادوا 
للطواف». هكذا إلى أن يفرغوا من عشر تسليمات» فيكمل لهم عشرون 
ركعة» ثم يصلون الشفع والوتر وينصرفون. 

وسائر الآأئمة لا 0 على العادة شع والمتناوبون لهذه 
الفقيه الزاهد الورع أبو جعفر بن علي اي القرطبي» وقراءته ترق 
الجمادات خشوعاء وهذه الفرقعة المذكورة تستعمل فى هذا الشهر 
المبارك» وذلك أنه يُضِرَبٍ بها ثلاث ضربات عند الفراغ من أذان 
المغرب» ومثلها عند الفراغ من أذان العشاء الآخرة. ‏ 


[05] والمؤذن الزمزمي يتولى التسحير في الصومعة التي في الركن 
الشرقي من المسجد بسبب قربها من دار الأمير» فيقوم في وقت السحور 
فيها داعياً ومُذكراً ومُحرضاً على السحورء ومعه أخوان صغيران يُجاوبانه 
ويُّقاولانه» وقد نصبت في أعلى الصومعة خشبة طويلة في رأسها عود 
كالذراع» وفي طرفيه بكرتان صغيرتان يُرْفع عليهما قنديلان من الزجاج 
كبيران لا يزالان يقدان مدة التسحيرء فإذا قرب تبيين خيطي الفجر 
ووقع الإيذان بالقطع مرة بعد مرة حط المؤذن المذكور القنديلين من 
أعلى الخشبة وبدأ بالأذان» وتّوب(2 المؤذنون من كل ناحية بالأذان. 


)١(‏ قال المحقق: ثوب: رجع الأذان. 





سا بعد مسكنه من المسجد يُبْصِرُ القنديلين يَقدان في أعلى 
الصومعة. فإذا لم يُبُصرهما علم أن الوقت قد انقطع . 


سيف الإسلام 


وفي ليلة الثلاثاء الثاني من الشهر مع العشي طاف الأمير مكثر 
بالبيت مودعاء وخرج للقاء الأمير سيف الإسلام طُعْتكين بن أيوب 
أخحي صلاح الدين” ل وقد تقدم الخبر بوروده من مصر منذ مدةء ثم 
تواتر إلى أن صح وصوله إلى اليتبوع”"'» وأنه عرّجّ إلى المدينة لزيارة 
الرسول يكم وتقدمث أثقاله إلى الصفراء”"» والمتحدّث به في وجهّته 
قَصَدٌ اليمن لاختلاف وقع فيها وفتنة حدئت من أمرائهاء لكن وقع في 
نفوس المكيين منه إِيِجَاسْ خيفة واستشعار خشية» فخرج هذا الأمير 
المذكور متلقياً ومسلماًء وفي الحقيقة مستسلمآاء والله تعالى يُعرّف 
المسامين يرا 


وفي ضحوة يوم الأربعاء الثالث من الشهر المبارك المذكور كنا 


)١(‏ صاحب اليمن الملقب بالملك العزيزء بعثه أخوه صلاح الدين إلى اليمن فدخل 
مكة سنة 2014 ودخل زبيداً فتعزء وملك اليمن كله طوعاً وكرهاًء وكان فقيهاً 
له مقروءات ومسموعات, توفي باليمن سنة 091. انظر «الأعلام»: 7717/7 . 

(0) قال المحقق: الينبوع: أراد ينبع»؛ وهو حصن له عيون ونخيل وزروع بطريق حاج 
مصر «القاموس». 

96 قال المحقق: أثقاله : أحماله. الصفراء: قرية فوق ينبع» وهي كثيرة المزارع 
والنخيل» ماؤها عيون» يجري فضلها إلى ينبع . 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 








0 
جلوسا بالحجر المكرم» فسمعنا دبادب الأمير مكثر وأصوات نساء مكة 
يولولن عليهء فبينا نحن كذلك دخل مُنصرفآ من لقاء الآمير سيف 
الإسلام المذكور وطائفاً بالبيت المكرم طواف التسليم» والناس قد 
أظهروا الاستبشار لقدومه»ء والسرور بسلامته» وقد شاع الخبر بنزول 
سيف الإسلام الزاهرء وضْب أبنيته فيه» ومقدّمته من العسكر قد 

وصلت إلى الحرم» وزاحمت الأمير مكثراً في الطواف . 


فبينا الناس ينظرون إليهم إذ سمعوا ضوضاء عظيمة وزعقات 
هائلة» فما راعهم إلا الأمير سيف الإسلام داخلاآً من باب بني شيبة 
ولمّعان السيوف أمامه يكاد يحول بين الأبصار وبينه» والقاضي عن 
يمينه وزعيم الشيبيين عن يسارهء والمسجد قد ارتجح وغص بالنظارة 
والوافدين» والأصوات بالدعاء له ولأخيه صلاح الدين قد عَلَتْ من 
الناس حتى صَّكّت الأسماع وأذهلت الأذهان؛ والزمزمي المؤذن في 
مَرْقَبَته رافعاً عقيرته بالدعاء له والثناء عليه؛ وأصوات الناس تعلو على 
صوته» والهَوْلُ قد عَظم مَرْأَى وَمُسْتمكا: 


[01] فلحين دنو الأمير من البيت المعظم عمدت السيوف» 
وتضاءلت النفوس» وخلعت ملابس العزة» وذلت الأعناق» وخضعت 
الرقاب» وطاشت الألباب مهابة وتعظيماً؛ لبيت ملك الملوك العزيز 
الجبار الواحد القهار» مُؤتي المّلك من يشاء» ونازع الملك ممن يشاءء 
سبحانه» جلت قدرته وعز سلطانه. 


ثم تهافتت هذه العصابة الغرّيّة على بيت الله العتيق تهافت الفراش 


المختار من الرحلاات الحجازية 








على المصباح. وقد 0 أذقاتهم الخضوع. وبلت سبالهب"!! الدموع. 
وطاف القاضي وزعيم الشيبيين بسيف الإسلام» والأمير مكثر قد غمره 
ذلك الزحام» فأسرع في الفراغ من الطواف وبادر إلى منزله . 


وعندما أكمل سيف الإسلام طوافه صلى خلق المقام» ثم دخل 
قبة زمزم فشرب من مائهاء ثم خرج على باب الصفا إلى السعي» 
فابتدأه ماشياً على قدميه تواضعاً وتذللاً لمن يجب التواضمٌ له 
والسيوف مسلوتة أمامه» وقد اصطف الناس من أول المسعى إلى آخره 
سماطين”'' مثل ما صنعوا أيضاً فى الطواف» فسعى على قدميه طريقين 
من الصفا إلى المروة» ومنها إلى الصفاء وهَرُوَل بين الميلين 
الأخضرين» ثم قيده الإعياء فركب وأكمل السعى راكباًء وقد حُشرَ 
اناد دي 


ثم عاد الأمير إلى المسجد الحرام على حالته من الإرهاب والهيبة 
وهو يتهادى بين بروق خواطف: السيوف المصلتة» وقد بادر الشيبيون 
إلى باب البيت المكرم ليفتحوه. ولم يكن يوم فتحه. وضم الكرسي 
الذي يُصعَد عليهء فرقي الأمير فيه» وتناول زعيم الشيبيين فتح الباب. 
فإذا المفتاح قد سقط من كمه في ذلك الزحامء فوقف وقفةً دَهِشِ 
مذعورء ووقف الأمير على الأذراج» فيسر الله للحين في وجود 
المفتاح» ففتح الباب الكريم» ودخل الأمير وحده مع الشيبي وأغلق 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 
الباب» وبفي وجوه ال وأعيانهم مر د حمين على ذلك الكرسي. 
فبعد لأي ما فتح لأمرائهم المقربين فدخلوا. 





وتمادى مقام سيف الإسلام في البيت الكريم مدة طويلة» ثم 
خرج» وانفتح الباب للكافة منهم» فيا له من ازدحام وتراكم وانتظام» 
حتى صاروا كالعقد المستطيل وقد اتصلوا وتسلسلواء فكان يومهم 
أشبه شيء بأيام السَّرْو في دخولهم البيت» حسبما تقدم وصفه'*. 
وركب الأمير سيف الإسلام وخرج إلى مضرب أبنيته بالموضع 
المذكورء وكان هذا اليوم بمكة من الأيام الهائلة المنظرء العجيبة 
المشهد. الغريبة الشأن» فسبحان من لا ينقضي مُلكهء ولا يبيد سلطانه 
لا إله سواه وصحب هذا الأميرَ جملةٌ من حجاج مصر وسواها اغتناماً 
لطريق البر والأمن فوصلوا في عافية وسلامة» والحمد لله . 

وفي يوم الجمعة وصل الأمير سيف الإسلام للصلاة أولَ الوقت 
وفتِحَ البيت المكرمء فدخله مع الأمير مُكثرء وأقاما به مدة طويلة ثم 
خرجاء وتزاحم الغرّ للدخول تزاحما أبْهَتَ الناظرين» حتى أَزيلَ الكرسي 
الذي يُضّعَد عليه فلم يُغن عن ذلك شيئاء وأقاموا على الازدحام في 
الصعود بإشالة بعضهم على بعض. وداموا على هذه الحالة إلى أن 
وصل الخطيب» فخرجوا لاستماع الخطبة» وأغلق الباب . 


وصلى الأمير سيف الإسلام مع الأمير مُكثر في القبة العباسية» 


0010 جمع غرَّ وهم جنود صلاح الدين. 
(0) انظر فقرة [؟5]. 





فلما انقضت الصلاة خرج على باب الصفا وركب إلى مضرب أبنيته» 
وفى يوم الأربعاء العاشر منه خرج الأمير المذكور بيجو ده إلى اليمن» 
والله يُعرّف أهلها من المسلمين فى مُقدَمه خيراً بمنّه . 


[017] تراويح رمضان 


وهذا الشهر المبارك قد ذكرنا اجتهاد المجاورين للحرم الشريف 
في قيامه وصلاة تراويحه وكثرة الأئمة فيه» وكل وتر من الليالي العشر 
الأواخر يُحْتم فيها القرآن» فأولها ليلة إحدى وعشرين» حَسّم فيها أحذ 
أبناء أهل مكةء وحضر الختمة القاضي وجماعة من الأشياخ» فلما 
فرغوا منها قام الصبي فيهم خطيبآء ثم استدعاهم أبو الصبي المذكور 
إلى منزله إلى طعام وحَلُوى قد أعدهما واحتفل فيهما. 


[58] ثم بعد ذلك ليلة ثلاث وعشرين» وكان المُختتم فيها أحد 
أبناء المكيين ذوي اليسارء غلاماً لم يبلغ سئه الخمس عشرة سنة. 
فاحتفل أبوه لهذه الليلة احتفالاً بديعاً» وذلك أنه أعد له ثرياً مصنوعة 
من الشمع مُعْصَّنَةء قد انتظمت أنواع الفواكه الرطبة واليابسة» وأعد لها 
شمعاً كثيرء ووضع في وسط الحرم مما يلي باب بني شيبة شبيه 
المحراب المربع من أعواد مشرجبة» قد أقيم على قوائم أربع» ورّبطث 
في أعلاه عيدان نزلت منها قناديل وأُسْرجَت في أعلاها مصابيح 
ومشاعيل» وسّمّر دائر المحراب كله بمسامير حديدة الأطراف غرز فيها 
الشمعء فاستدار بالمحراب كلهء وأوقدت الثريا المغصنة ذات 
الفواكهء وأُمْعن الاحتفال في هذا كله. ووضع بمقربة من المحراب 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





منبر مجلل بكسوة مُجَرّعة مختلفة الألوان» وحضر الإمام الطفل فصلى 
التراويح وختمء وقد انحشد أهل المسجد الحرام إليه رجالاً ونساءء 
وهو في محرابه لا يكاد يُبُصر من كثرة شعاع الشمع المحدق به. 


ثم برز من محرابه رافلاً في أفخر ثيابه بهيبة إمامية وسكينة 
غلامية؛ مكحل العينين»ء مخضوب الكفين إلى الزندين» فلم يستطع 
الخلوص إلى منبره من كثرة الزحام» فأخذه أحد سَّدَنَة تلك الناحية في 
ذراعه حتى ألقاه على ذروة منبره» فاستوى مبتسماً وأشار على 
الحاضرين مُسلماًء وقعد بين يديه قراءء فابتدروا القراءة على لسان 
واحدء فلما أكملوا عشراً من القرآن قام الخطيب فصدع بخطبة تحرك 
لها أكثر النفوس من جهة الترجيع لا من جهة التذكير والتخشيع. وبين 
يديه في درجات المنبر نفرٌ يمسكون أتوار”'' الشمع في أيديهم» ويرفعون 
أصواتهم بيارب ياربة» عند كل فصل من فصول الخطبة يكررون 
ذلك» والقراء يبتدرون القراءة في أثناء ذلك» فيسكت الخطيب إلى أن 
يفرغوا ثم يعود لخطبته» وتمادى فيها مُتصرّفاً في فنون من التذكير. 

وفي أثنائها اعترضه ذكرٌ البيت العتيق» كرمه الله.» فحسّر عن 
ذراعيّه مشيراً إليهء وأردفه بذكر زمزم والمقام فأشار إليهما بكلتا 
إصبعيه» ثم ختمها بتوديع الشهر المبارك وترديد السلام عليهء ثم دعا 
للخليفة ولكل من جرت العادة بالدعاء له من الأمراء» ثم نزل» وانفض 
ذلك الجمع العظيم» وقد استظرف ذلك الخطيب واستئنبل وإن لم تبلغ 


2000 ججمع تور وهو الوعاء . 





الموعظة من النفوس ما أمل» والتذكرة إذا خرجت من اللسان لم تتعد 
مسافة الآذان. 





ثم ذكر أن المعيّنين من ذلك الجمع. كالقاضي وسواهء خصوا 
الخطيب فى تلك الليلة نفقة واسعة في جميع ما ذكر. 


[54] ثم كانت ليلة خمس وعشرينء فكان المختتم فيها الإمام 
الحنفي . وقد أعد ابناً له لذلك سنّه نحو من سن الخطيب الأول 
المذكورء فكان احتفال الإمام الحنفي لابنه في هذه الليلة عظيمأء 
أحقي افنيها من: ترنات الشمع أربعاً مختلفات الصنعة: منها مشجرة 
مُعَصّنة مُثَمّرة بأنواع من الفواكه الرطبة واليابسة» ومنها غير مغصنة. 
فصمّفت أمام حَطِيمهء وتوج الحطيم بخشب وألواح وضعت أعلاه. 
وجلل ذلك كله سُرْجاً ومشاعيل وشمعاًء فاستنار الحطيم كله حتى لاح 
في الهواء كالتاج العظيم من النورء وأخضة الشمم في أتوارة"© الضفو 
ووضع المحراب العودي المشرجّب» فجُلل دائره الأعلى كله شمعاء 
وأحدق الشمع في الأتوار به» فاكتنفثه هلات من نور»ء ونصب المنبر 
َيَالَئَه مجللاً أيضاً بالكسوة الملونةء واحتفل الناس لمشاهدة هذا 
المنظر النير أعظم من الاحتفال الأول». فختم الصبي المذكورء ثم برز 
من محرابه إلى منبره يسحب أذيال الخَمَرا'' في أثواب رائقة المنظر 


)١(‏ قال المحقق: أتوارء الواحد تؤر: إناء صغير. 
0( أي الحياء . 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





فتسور منبره وأشار بالسلام على الحاضرين» وابتدأ خطبته بسكينة ولين 
ولسان على حاله الحياء مُبِينء فكأن الحال على طفولتها كانت أوقر 
من الأولى وأخشع. والموعظة أبلغ , والتذكرة أنفع . 


وحضر القرّاء بين يديه على الرسم الأولء وفي أثناء فصول 
الخطبة يبتدرون القراءة فيسكت خلال إكمالهم الاية التي انتزعوها من 
القران ثم يعود إلى خطبته» وبين يديه في درجات المنبر طائفة من 
شاه مكره أ الف لشي ود كن بدك ال 
تسطع بِعَرْف”"2 العود الرطب الموضوع فيها مرة بعد أخرى» فعندما 
يصل إلى فصل من تذكير أو تخشيع يرفعون أصواتهم بيا رب" يا رب 
يكررونها ثلاث أو أربعاً» وربما جاراهم في النطق بعض الحاضرين» 
إلى أن فرغ من خطبته ونزل» وجرى الإمام إثره على الرسم من 
الإطعام لمن حضر من أعيان المكان» إما باستدعائهم إلى منزله تلك 
الليلة» أو بتوجيه ذلك إلى منازلهم . 


]1١[‏ ثم كانت ليلة سبع وعشرين» وهي ليلة الجمعة. فكانت 
الليلة الغرّاءء والحَدْمة الزهراء» والهيبة الموفورة الكَهْلاء2'0» والحالة 
التي تمكن عند الله تعالى في القبول والرجاءء وأي حالة توازي شهود 
ختم القرآن ليلة سبع وعشرين من رمضان خلف المقام الكريم وتَجَاة 
البيت العظيم؟ وإنها لنعمة تتضاءل لها النعم تضاؤلَ سائر البقاع للحرم . 


)١(‏ العذف: الرائحة. 
(0) قال المحقق: أراد بالكهلاء: الموقرة. 





ووقع النظر والاحتفال بهذه الليلة المباركة قبل ذلك بيومين أو 
ثلاثة . 





وأحدق بشرُفات الحرم كلها صبيان مكة» وقد وضعت بيد كل 
منهم كرَةٌ من الخرّق المُشبعة سَليط"'2» فوضعوها متقدة في رؤوس 
الشرفات» وأخذت كل طائفة منهم ناحية من نواحيها الأربع»ء فجعلت 
كل طائفة تباري صاحبتها في سرعة إيقادهاء فيخيل للناظر أن النار 
تتتب من شرفة إلى شرفة لخفاء أشخاصهم وراء الضوء المرتمي 
الأبصارء وفي أثناء محاولتهم لذلك يرفعون أصواتهم بيا رب يا رب 
على لسان واحدء فيرتجّ الحرم لأصواتهم . 

فلما كمل إيقادٌ الجميع بما ذكر كاد يُْشي الأبصار شعاع تلك 
الأنوارء فلا تقع لمحةٌ طرف إلا على نور يشغل حاسة البصر عن 
استمالة النظرء فيتوهم المتوهم» لهول ما يعاينه من ذلك» أن تلك 
الليلة المباركة تُزهت لشرفها عن لباس الظلماء فرُيَت بمصابيح 
السماء. 

وتقدم القاضي فصلى فريضة العشاء الآخرة» ثم قام وابتدأ بسورة 
القدرء وكان أئمة الحرم في الليلة قبلها قد انتهوا في القراءة إليها. 
وتعطل في تلك الساعة سائر الأئمة من قراءة التراويح» تعظيما لختمة 
المقام» وحضروا مُتبركين بمشاهدتهاء فختم القاضي بتسليمتين» وقام 
خطيباً مُستقبلَ المقام والبيت العتيق» فلم نتمكن من سماع الخطبة 


)١(‏ قال المحقق: السليط : الزيت الجيد. 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





للازدحام وضوضاء العوام : 


فلما فرغ من خطبته عاد الأئمة لإقامة تراويحهم» وانفض الجمع 
ونفوسهم قد استطارت خشوعاًء وأعينهم قد سالت دموعاً» والأنفس 
قد أشوةت من فضل قلف الليلة الاركة رسساء لحتشير ا بة الله عالق 
بالقبول» ومُشعراً أنها ‏ ولعلها ‏ ليلة القدر المشرف ذكرها في التنزيل» 
والله - عزوجل - لا يُخلي الجميع من بركة مشاهدتها وفضل معاينتهاء 
إنه كريم منان. لا إله سواه. 

ثم ترتبت قراءة أئمة المقام الخمسة المذكورين أولاً» بعد هذه 
الليلة المذكورة. بأيات ينتزعونها من القرآن على اختلاف السورء 
تتضمن التذكير والتحذير والتبشير»ء بحسب اختيار كل واحد منهم. 
ورسم طوافهم إثر كل تسليمتين باق على حاله» والله ولي القبول من 
الجميع . 

ثم كانت ليلة تسع وعشرين منهء فكان المختتم فيها سائر أئمة 
التراويح ملتزمين رسم الخطبة إثر الختمة» فكان منظراً مختصراً 
ومشهدا عن احتفال المباهاة مُنْرّهاً موقرآء رغبة في احتفال الأجر 
والثواب ومناسبة لموضع هيئة المحراب» فجاءت الحال غريبة في 
الاختصارء خارجة عن محفل التعاظم والاستكبار» داخلة مدخل 
التواضع والاستصغار. 


وانتهت ليالي الشهر ذاهبة عنا بسلام» جعلنا الله ممن طهر فيها من 
الآثامء ولا أخلانا من فضل القبول ببركة صومه في جوار الكعبة البيت 


المختار من الرحلات الحجازية 





الحرامء وختم الله لنا ولجميع أهل الملة الحنيفية بالوفاة على الإسلام. 
و0 جود عق هذه النعمة وشكراء وجعلها للمعاد لنا ذخراء 
ووفانا عليها ثواباً من لديه وأجراً يُرْجَى بفضله وكرمهء إنه لا يَضيع 
لديه أيام اتُخذ لصيامها ماءٌ زمزم فطراء إنه الحنان المنان» لا رب 





30 
]"1١[‏ عيد رمضان 


فلما كان صبيحتها وقضى الناس صلاة الفجرء لبس الناسُ أثواب 
عيدهم» وبادروا لأخذ مصافهم لصلاة العيد بالمسجد الحرام» لأن 
السئّة جرت بالصلاة فيه دون مصلى يخرج الناسن اليد :رغية فى شرف 
البقعة وفضل بركتها وفضل صلاة الإمام خلف المقام ومن يأتم به 
فأول من بكر الشيبيون» وفتحوا باب الكعبة المقدسة» وأقام زعيمهم 
جالساً في العتبة المقدسة» وسائر الشيبيين داخل الكعبة» إلى أن أحسوا 
بوصول الأمير مكثر فنزلوا إليه» وتلقوه بمقربة من باب النبي كه فانتهى 
إلى البيت المكرم» وطاف حوله أسبوعاًء والناس قد احتفلوا لعيدهم. 
والحرم قد غص بهمء والمؤذن الزمزمي فوق سطح القبة على العادة 
رافعاً صوته بالثناء عليه والدعاء له متناوباً في ذلك مع أخيهء فلما أكمل 
الأمير الأسبوع عمد إلى مصطبة قبة زمزم» مما يقابل الركن الأسود. 
فقعد بهاء وبنوه عن يمينه ويساره»ء ووزيرُه وحاشيته وقوف على 
رأسه» وعاد الشيبيون لمكانهم من البيت المكرم يلحظهم الناس بأنهعاد 


(1): كال المنكى: أوزعنا : اليمنا: 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 








فسبحان من خصهم بالشرف في خدمتهء وحضر الأميرٌ من خاصته 
شعراءٌ أربعة » فأنشدوه واحداً إثرَ واحد إلى أن فرغوا من إنشادهم . 


وفي أثناء ذلك تمكن وقت الصلاة» وكان ضحى من النهار» 
فأقبل القاضي الخطيب يتهادى بين رايتيه السوداوين» والفرقعة المتقدم 
ذكرها أمامه. وقد صك الحرمٌ صوتهاء وهو لابس ثيابَ سواده» فجاء 
إلى المقام الكريم» وقام الناس للصلاة» فلما قضوها رقي المنبرء وقد 
ألصق إلى موضعه المعين له كل جمعة من جدار الكعبة المكرمة» حيث 
الباب الكريم شارعاًء فخطب خطبة بليغة» والمؤذنون قعود دونه في 
أدراج المنبر» فعند افتتاحه فصول الخطبة بالتكبير يكبرون بتكبيره» إلى 
أن فرغ من خطبته . 


وأقبل الناس بعضهم علق .بعفن. بالمسافحة اساي .والتقاضر 
والدعاء مسرورين جَذْلين فرحين بما آتاهم الله من فضله» وبادروا إلى 
البيت الكريم فدخلوا بسلام آمنين مزدحمين عليه فوجاً فوجأء فكان 
مشهداً عظيماًء وجمعاً بفضل الله تعالى مرحومآاء جعله الله ذخيرة 
للمعاد» كما جعل ذلك العيد الشريف في العمر أفضل الأعياد» بمنه 
وكرمهء إنه ولي ذلك والقادر عليه . 


وأخذ الناس عند انتشارهم من مصلاهم وقضاء سنة السلام 
بعضهم على بعض في زيارة الجبّانة بالمعلى؛ تبر كا باحتساب الخُطا 





الأول وسوأه. رضي الله عن جميعهم» وحشرنا في رمرتهم» وتمعتا 


[؟1] وفي ضحوة يوم الثلاثاء الثاني والعشرين منه») وهو السادس 
من فبراير» اجتمع الناس كافة للاستسقاء تجاه الكعبة المعظمة بعد أن 
ندبهم القاضى إلى ذلك.» وحرضهم على صيام ثلا ئة أيام قبله. 
فاجتمعوا في هذا اليوم الرابع المذكور وقد أخلصوا النيات لله عزوجل». 
وبكر الشيبيون ففتحوا الباب المكرم من البيت العتيق» ثم أقبل القاضي 
بين رايتيه السوداوين لابساً ثياب البياض» وأخرج مقام الخليل إبراهيم 
عثمان رضي الله عنه» من خزانته» ونضر بإزاء المقام المطهرء فكانت 
دفته الواحدة عليه والثانية على الباب الكريمء ثم تُوديَ في الناس 
بالصلاة جامعة. فصلى القاضي بهم خلف موضع المقام المتخذ مصلى 
ركعتين» قرأ في إحداهما ب ميج أسْمّ رَيْكَ الْأَعَلَ 2004. وفي الثانية 
بالغاشية. ثم صعد المتيرة وقل صق إلى موضعه المعهود من جدار 
الناس وذكرهم وخشعهم. وحضهم على التوبة والإنابة لله عزوجل» 
حتى نزفت دمعها العيرن: واستنفذت ماءها الشؤّون». وعلا الضجيح 
وارتفع اليد والتشيج» وحَوّلَ رداءه. وحول الناٌ أرديتهم اتباعاً 


.١ سورة الأعلى: الآية‎ )1١( 





ثم انفض الجميع راجين رحمة الله» عزوجل» غير قانطين منها. 
والله يتلافى عباده بلطفه وكرمه» وتمادى استسقاؤه بالناس ثلاثة أيام 
متوالية» على الصفة المذكورة» وقد نال الجهدٌ من أهل الحجاز وأضرٌّ 
بهم الفط وأهلك مواشيهم الجدب. لم يُمْطروا في الربيع ولا 
الخريف ولا الشتاء إلا مطراً طلا غير كاف ولا شاف» والله عزوجل 
لطيف بعباده» غير مؤاخذهم بجرائمهمء إنه الحنان المنان» لا رب 
5307 


شهر ذي الحجة. عرفنا الله بركته 


[7] استهل هلاله ليلة الخميس بموافقة الخامس عشر من 
مارس”2©3. وكان للناس في ارتقابه أمر عجيب» وشأن من البُهتان 
غريب» وطق من الزور كاد يعارضه من الجماد فضلاً عن غيره رد 
وتكذيب؛ وذلك أنهم ارتقبوه ليلة الخميس الموفي ثلاثين» والأفق قد 
تكائف نوءه”" وتراكم غيمه إلى أن عَلْنْهُ مع المغيب بعض حمْرَة من 
الشمّق» فطمع الناس في فرجة من الغيم لعل الأبصار تلتقطه فيهاء 
فبينما هم كذلك إذ كبر أحدهمء فكبر الجم الغفير لتكبيره» ومثلوا 
قياماً يتتظرون ما لا يُبُصرون» ويُشيرون إلى ما يتخيلون حرصاً منهم 
على أن تكون الوقفة بعرّفات يوم الجمعة» كأن الحج لا يرتبط إلا بهذا 
اليوم بعينه»ء فاختلقوا شهادات زوريّة» ومشت منهم طائفة من 
المغاربة» أصلح الله أحوالهم. ومن أهل مصر وأربابهاء فشهدوا عند 


)١(‏ قال المحقق: مارس: آذار. 
(5؟) أي ريحه وسحابه. 





القاضي برؤيته . فردهم أقبح رد» وجرحم شهاداتهم أُسُوأ نجريح » 
أحدهم يشهد برؤيته الشمس تحت ذلك الغيم الكثيف النسج لما قبلته» 
فكيف برؤية هلال هو ابن تسع وعشرين ليلة!». 

وكان أيضاً مما حكىّ من قوله: تشوشت المغارب» وتعردضت 
شعرة من الحاجبء» فأبصروا خيالاً ظنوه هلالاً» وكان لهذا القاضي في 
أمر هذه الشهادة الزورية مقام من التوقف والتحري» شيل 6د له أهل 
التحصيل. وشكره عليه ذوو العقول» وحخق لهم ذلك» فإنها مناسك 
الحج للمسلمين عظيمة» أتا لها من كل فج عميق» فلو تسُومحَ فيها 
بطل السعئىّ. وفال"'؟ الرأي» والله يرفع الالتباس والباس بمنه . 

فلما كانت ليلة الجمعة المذكورة ظهر الهلال أثناء فرّج السحاب 
وقد اكتسى نوراً من الثلاثين ليلة» فرَعَقَت العامة زعقات هائلة وتنادت 
قصدناء كأنهم قد صح عندهم أن الوقفة إذا لم تكن توافق يوم الجمعة 
لسيت مقبولة» ولا الرحمة فيها من الله مرجوّة مأمولة؛ تعالى الله عن 
ذلك علوا كبيراً. 

ثم إنهم يوم الجمعة المذكور اجتمعوا إلى القاضي. فأدوا 
شهادات بصحة الرؤية تبكى الحق وتضحك الباطل» فردّها وقال: 
ياقوم حَنَامَ هذا التمادي في الشهوة» وإلامّ تستئون في طرق الْهَموة؟ 


(7)1 أ شستله: 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 








وأعلمهم أنه قد استأذن الأمير مكثراً في أن يكون الصعود إلى عرفات 
صبيحة يوم الجمعة فيقفوا عشية بهاء ثم يقفوا صبيحة يوم السبت بعده 
ويبيتوا ليلة الأحد بمُزدّلفة» فإن كانت الوقفة يوم الجمعة فما عليهم في 
تأخير المبيت بمزدلفة بأمئٌ إذ هو جائز عند أئمة المسلمين» وإن كانت 
يوم السبت فبها ونِعْمَتْ» وإما أن يقع القطع بها يوم الجمعة فتغرير 
بالمسلمين وإفساد لمناسكهم؛ لأن الوقفة يوم التروية عند الآئمة غير 
جائزة» كما أنّها عندهم جائزة يوم النحرء فشكر جميع مَنْ حضر 
للقاضي هذا المنزع من التحقيق ودعوا له وأظهر مَّنْ حضر من العامة 
الرضى بذلك وانصرفوا عن سلام» والحمد لله على ذلك . 


وهذا الشهر المبارك هو ثالث الأشهر الخُرْمء وعَشْرُه الأولى 
مُجتمّع الأمم وموسم الحج الأعظمء شهر العج والئج'' وملتقى 
وفود الله من كل أوب وفجء مُصاب الرحمة والبركات» ومحل الموقف 
الأعظم بعرفات. جعلنا الله ممن فاز فيه بالحسنات» وتعرى به من 
ملابس الأوزار والسيئات» بمنّه وكرمه؛ إنه أهل التقوى وأهل 
المغفرة» والأمير العراقي منتّظر لكشف هذا الإلباس عن الناس في أمر 
الهلال لعله قد اتضح له اليقين فيه» إن شاء الله . 


وفي سائر هذه الأيام كلها إلى هلم جراً تصل رفاق من السرْو 
اليعنيين . وسائر حجاج الآفاق لا يمحصى عددها إلا معحخحصى أجالها 


: قال المحقق: العج: الصياحء ويريد رفم الحجاج أصواتهم بالتلبية» الثج‎ )١( 
. سيللان دم الهدي‎ 


المختار من الرحلات الحجازية 





0. - 


وأرزاقهاء لا إله سواهء فمن الآيات البينات أن يسع هذا الجمم العظيم 
هذا البلدٌ الأمين الذي هو بطن واد سَعنْه غلوة أو دونهاء ولو أن المدن 
العظيمة حمل عليها هذا الجمع لضاقت عنهء وما هذه البلدة المكرمة 
فيما تختص به من الايات البينات في اتساعها لهذا البشر المعجز 
إحصاؤه إلا كما شبهتها العلماء حقيقة بأنها تتسع لوفودها اتساع الرحم 
لمولودهاء وكذلك عرفات وسائر المشاهد المعظمة بهذا البلد الحرام» 
عظم الله حرمته» ورزقنا الرحمة فيه بكرمه وفضله . 


ومن اول ذا القير الميارك سرنيق درادي: الأفين بكر بوعقة 
وفي أوقات الصلوات كأنها إشعار بالموسم. ولا يزال كذلك إلى يوم 
الصعود إلى عرفات». عرفنا الله بها القبول والرحمة. 


وبقيت الشهادة مضطربة في أمر هذا الهلال المبارك الميمون» إلى 
أن تواصلت الأخبار برؤيته ليلة الخميس الذي يوافق الخامس عشر من 
مارس» شهد بذلك ثقات من أهل الزهد والورع يمنيّون وسواهم من 
الواصلين من المدينة المكرمة» لكن بقي القاضي على ثباته وتوقفه في 
القبول وإرجاء الأمر إلى وصول المبشر المُعلم بوصول الأمير العراقي 
ليتعرف من قبّله ما عند أمير الحاح في ذلك . 

فلما كان يوم الأربعاء السابع من الشهر المذكور وصل المبشرء 
وكانت نفوس أهل مكة قد أوجست خيفة لبطئه حذراً من حقد الخليفة 
على أميرهم مكثر لمذموم فعل صدر عنهء فكان وصول هذا البشير 
أماناً وتسكيناً للنفوس الشاردة» فوصل مبشراً ومؤنسآاء وأعلم برؤية 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





00 م 
الهلال ليلة الخميس المذكورء وتواترت الأنباء بذلك» فصمٌ الأمر عند 
القاضي بذلك صحة أوجبت خطبته في ذلك اليوم على ما جرت به 
العادة في اليوم السابع من ذي الحجة إثر صلاة الظهرء علم الناس فيها 
مناسكهمء ثم أعلمهم أن غدّهم هو يوم الصعود إلى منى» وهو يوم 
التروية» وأن وقفتهم يوم الجمعة» وأن الأثر الكريم فيها عن رسول الله 
يك بأنها تَعْدِل سبعين وقفة(2. ففضل هذه الوقفة في الأعوام كفضل 
يوم الجمعة على سائر الأيام . ظ 


إلى عرفات 


[11] فلما كان يوم الخميس بكر الناس بالصعود إلى منى وتمادوا 
منها إلى عرفات» وكانت السئة المبيت بهاء لكن ترك النامن ذلك 
اضطراراً بسبب خوف بني شعبة المغيرين على الحجاج في طريقهم إلى 
عرفات» وصَّدَر عن هذا الأمير عثمان المتقدم ذكره في ذلك اجتهادٌ بل 
جهاد يُرْجى له به المغفرة لجميع خطاياه» إن شاء الله» وذلك أنه تقدم 
بجميع أصحابه شاكين في الأسلحة''؟ إلى المضيق الذي بين مزدلفة 
وعرفات» وهو موضع ينحصر الطريق فيه بين جبلين فينحدر الشعبيون 
من أحدهماء وهو الذي عن يسار المار إلى عرفات» فينتهبون الحاج 
انتهاباً»ء فضرب هذا الأمير قبة في ذلك المضيق بين الجبلين بعد أن قدّم 
أحد أصحابه فصعد إلى رأس الجبل بفرسه. وهو جبل كؤود» فعجبنا 


)١(‏ لمم يصح هذا الحديث» والله أعلم. 
(؟) أي لابسيها على الكمال والتمام. 


المختار من الرحلات الحجازية 





- .0 
من شأنهء وأكثرٌ التعجب من أمر الفرس وكيف تمكن له الصعود إلى 
ذلك المرتقى الصعب. فأمن جميع الحاج بمشاركة هذا الأمير لهم. 
فحصل على أجرين: أجر جهاد وحج., لأن تأمين وفد الله - عزوجل - 

في مثل ذلك اليوم من أعظم الجهاد . 


واتصل صعود الناس ذلك اليوم كله والليلة كلها إلى يوم الجمعة 
كله. فاجتمع بعرفات من البشر جمع لا يحصي عدده إلا الله عزوجل . 

والقبلة في عرفات هي إلى مغرب الشمس ؛ لأن الكعبة المقدسة 
في تلك الجهة منهاء فأصبح يوم الجمعة المذكورة في عرفات جم لا 
شبيه له إلا الحشرء لكنه إن شاء الله تعالى حشر للثواب» مبشر بالرحمة 
والمغفرة يوم الحشر للحساب؛ زعم المحقّقون من الأشياخ المجاورين 
أنهم لم يعاينوا قط في عرفات جمعاً أحفل منه» ولا أرى كان من عهد 
الرشيد - الذي هو اخر من حج من الخلفاء ‏ جمع في الإسلام مثله. 
جعله الله جمعاً مرحوماً معصوماً بعزته . 


[6”] فلما جمع بين الظهر والعصر يوم الجمعة المذكور وقف 
الناس خاشعين باكين» وإلى الله - عزوجل - في الرحمة متضرعين» 
والتكبير قد علاء وضجيج الناس بالدعاء قد ارتفع. فما رؤيّ يوم أكثر 
مدامع. ولا قلوبآً خواشع» ولا أعناقاً لهَيْبّة الله خوانع خواضع من ذلك 
اليوم» فما زال الناس على تلك الحالة والشمس تلفح وجوههم إلى أن 
سقط قرصها وتمكن وقت المغرب» وقد وصل أمير الحاجّ مع جملة 
من جنده الدارعين» ووقفوا بمقربة من الصخرات عند المسجدٍ الصغير 


تل كرة بالأخبار عن اتماقات الأسفار 





المذكورء وأخذ السرو اليمنيون مواقفهم بمنازلهم المعلومة لهم في 
جبال عرفات» رايا جع جد عه بن عبد التبير 1/10 ساك قي 
على منزل أخرى . 


وصول الأمير العراقي 


وكان المجتمع منهم في هذا العام عدداً لم يجتمع قط مثله» 
وكذلك وصل الأمير العراقي في جمع لم يصل قط مثله» ووصل معه 
من أمراء الأعاجم الخرسانيين ومن النساء العقائل المعروفات ‏ 
بالخّواتين» واحدتهن خاتون» ومن السيدات بنات الأمراء كثير» ومن 
سائر العجم عدد لا يُحصَّىء فوقف الجميع وقد جعلوا قُدُوتهم في 
النفر الإمامّ المالكي؛ لأن مذهب مالك رضي الله عنه ‏ يقتضي أن لا 
يُنْفْر حتى يتمكن سقوط القرص ويحين وقت المغرب» ومن السرو 
اليمنيين مَنْ نفر قبل ذلك فلما أن حان الوقت أشار الإمام المالكي 
بيديه» ونزل عن موقفه فدفع الناس بالنفر دفعاً ارتجت له اللأرض 
وَوَجَفْت الجبال» فياله موقفا ما أهول مرآه وأرجى في النفوس عَفباه! 
جعلنا الله ممن خصه فيه برضاء» وتغمده بتُعماء» إنه منعم كريم» حَنَان 
منان. 


[11] وكانت محلة هذا الأمير العراقي جميلة المنظر» بهية العدة, 
رائقة المضارب والأبنية» عجيبة القباب والأروقة» على هيئات لم يُرَ 
أبدع منها منظراء فأعظمها مرأى مضرب الأميرء وذلك أنه أحدق به 
سَرَادق كالسور من كتان كأنه حديقة بستان أو زخرّفة بنيان» وفيى داخله 


المختار من الرحلات الحجازية 








- .0 
القباب المضروبةء» وهي كلها سواد في بياض» مرقشة ملونة كأنها 
أزاهير الرياض» وقد جللت صفحات ذلك السرادق من جوانبه الأربعة 
كلها أشكال درَقية من ذلك السواد المنزل في البياض» يستشعر الناظر 

إليها مهابة يتَحَيّلها دَرقاً لَمْطِيّة”'2 قد جللتها مزخرفات الأغشية . 


ولهذا السرادق الذي هو كالسور المضروب أبواب مرتفعة كأنها 
أبواب القصور المشيدة» يُدحَل منها إلى دهاليز وتعاريج ثم يُفُضى منها 
إلى الفضاء الذي فيه القباب» وكأن هذا الأمير ساكن في مديئة قد 
أحدق بها سورها تنتقل بانتقاله وتنزل بنزوله»ء وهي من الأبّهات 
الملوكية المعهودة التي لم يُعهد مثلها عند ملوك المغزب. 


وداخل تلك الأبواب حُبجّاب الأمير وخدمه وحاشيته» وهي أبواب 
مرتفعة») يجيء الفارس برايته فيدخل عليها دون تنكيس ولا تطأطؤ» قد 
أحكمت إقامة ذلك كله أمراس*”'؟ وثيقة من الكتان تتصل بأوتاد 
مضروبةء أدير ذلك كله بتدبير هندسي غريب» ولسائر الأمراء 
الواصلين صحبة هذا الأمير مضارب دون ذلك لكنها على تلك الصفة. 
وقباب بديعة المنظر عجيبة الشكل قد قامت كأنها التيجان المنصوبة» 
إلى ما يطول وصفه ويتسع القول فيه من عظيم احتفال هذه المحلة في 
الآلة والعّدة وغير ذلك» مما يدل على سعة الأحوال وعظيم الانخراق 
في المكاسب والأموال. 


(؟) أي حبال. 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





-© 


ولهم أيضاً في مراكبهم على الإبل قباب تظلهم بديعة المنظرء 
عجيبة الشكل» قد نُصبت على محامل من الأعواد يسمونها القشاوات» 
وهي كالتوابيت المجوفة» هي لركابها من الرجال والنساء كالأمهدة 
للأطفال» ثملا بالقُرُش الوثيرة» ويقعد الراكب فيها مستريحاً كأنه في 
مهاد لين فسيح» وبإزائه مُعَادِلّه أو معادلته في مثل ذلك من الشقة 
الأخرى» والقبة مضروبة عليهماء فيّسار بهما وهما نائمان لا يشعران» 
أو كيفما أحباء فعندما يصلان إلى المرحلة التي يحطان بها ضرب 
سرادقهما للحين إن كانا من أهل الترفه والنعم فيُدخل بهما راكبين 
وينصب لهما كرسي ينزلان عليه» فينتقلان من ظل قبة المحمل إلى قبة 
المنزل دون واسطة هواء يلحقهما ولا خطفة شمس تصيبهماء وناهيك 
من هذا الترفيه! فهؤلاء لا يلقون لسفرهم» وإن بعٌدت شقته تَصَباء ولا 
يجدون على طول الحل والترحال تعباً. 


ودون هؤلاء فى الراحة راكبو المّحَارات”'؟» وهى شبيهة الشقادف 
التي تقدم وصفها فى ذكر صحراء عيذاب. لكن الشقادف أبسط 
وأوسع. وهذه أضم وأضيق» وعليه أيضاً ظلائل تفي حر الشمس» 
ومن قصرت حاله عنها فى هذه الأسفار فقد حصّل على نصب السفر 
الذي هو قطعة من العذاب . 
[517] استيفاء حال النفر 
ثم يرجع القول إلى استيفاء حال النفر عشية الوقفة المذكورة 








.0 
بعرفات». وذلك أن الناس نفروا منها بعد غروب الشمس» كما تقدم 
الذكرء فوصلوا مُزدَلِفة مع العشاء الآاخرة» فجمعوا بها بين العشاءين» 
حسبما جرت به سنةً النبي يِه واتقد المشعرُ الحرام تلك الليلة كلها 
مشاعيل من الشمع المُسْرَجء وأما مسجده المذكور فعاد كله نوراء 
فيخيل للناظر إليه أن كواكب السماء كلها نزلت به» وعلى هذه الصفة 
كان جبل الرحمة ومسجده ليلة الجمعة؛ لأن هؤلاء الأعاجم 
الخراسانيين وسواهم من العراقيين أعظم الناس همة في استجلاب هذا 
الشمع والاستكثار منه إضاءة لهذه المشاهد الكريمة» وعلى هذه الصفة 
عاد الحرم بهم مدة مقامهم فيه» فيدخل منهم كل إنسان بشمعة في 
يدهء وأكثر ما يقصدون بذلك حطيم الإمام الحنفي 2١"‏ لأنهم على مذهبه 
ونا ب قينا عفينا احفر حسف تنوء الشمعة منه بالعصبة كأنه 
السروء ووّضع أمام الحنفي . 

فبات الناس بالمشعر الحرام هذه الليلة» وهي ليلة السبت» فلما 
صلوا الصبح عَدَوْا منه إلى مِنىّ بعد الوقوف والدعاءء لأن مُرَدلفة كلها 
موقف إلا وادي مُحَسّرء ففيه تقّع الهّرزولة في التوجه إلى منىّ حتى 
يُخْرَج عنه . 


فلما انتهى الناسس إلى منى بادروا لرمي جمرة العقبة بسبع 
حصيات» ثم نحروا أو ذبحوا وحلوا من كل شيء إلا النساء والطيب 
حتى يطوفوا طواف الإفاضة» ورم هذه الجمرة عند طلوع الشمس من 


60 أي محراب الإمام الحنفي . 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





يوم النحرء ثم توجه أكثر الناس لطواف الإفاضة» ومنهم من أقام إلى 
اليوم الثاني» ومنهم من أقام إلى اليوم الثالث» وهو يوم الانحدار إلى 
مكة. فلما كان اليوم الثاني من يوم النحرء عند زوال الشمس» رمى 
الناس بالجمرة الأولى سبع حصيات» وبالجمرة الوسطى كذلك». 
وبهاتين الجمرتين يقفون للدعاء» وبجمرة العقبة كذلك ولا يقفون بهاء 
اقتداءً في ذلك كله بفعل النبي كَل فتعود جمرة العقبة في هذين 
اليومين أخيرة» وهي يوم النحر أولى منفردة لا يخلط معها سواها. 


[14] وفي اليوم الثاني من يوم النحرء بعد رمي الجمرات» خطب 
الخطيب بمسجد الخيف» ثم جمع بين الظهر والعصرء وهذا الخطيب 
وصل مع الأمير العراقي مقدماً من عند الخليفة للخطبة والقضاء بمكة 
على ما يُذكرء ويعرف بتاج الدين» وظاهر أمره البلادة والبّله لأن 
خطبته أغربت عن ذلكء» ولسانه لا يقيم الإعراب. 


الانحدار إلى مكة 


فلما كان اليوم الثالث تعجل الناس فى الانحدار إلى مكة بعد أن 
كمل لهم رمي تسع وأربعين جمرة: سبع منها يوم النحر بالعقبة») وهي 
المحللة ؟ ثم إحدى وعشرولن في اليوم الثاني بعل زوال الشمس » 
سبعاً سبعاً في الجمرات الثلاث؛ وفي اليوم الثالث كذلك» ونفروا إلى 
مكة: فمنهم من صلى العصر بالأبْطّح» ومنهم من صلاها بالمسجد 
الحرام. ومنهم من تعجل فصلى الظهر بالأبطح. ومضت السنة قديماً 
بإقامة ثلاثة أيام بعد يوم النحر بمنى )2 لإكمال الرّمُى سبعين حصاة» 





- م 


فوقع التعجيل في هذا الزمان في اليومين» كما قال الله تبارك وتعالى : 
« كَمَن تَسَجَّلَ ف يَومَنِ كا إإهم عَلْدَهِ وَمَن كر لآ فم عََيْهِ 2"74. وذلك 
مخافة بني شعبة وما يطرأ من حرابة المكيين . 

[19] وقد كانت في يوم الانحدار المذكور بين سُوادن أهل مكة 
وبين الأتراك العراقيين جولة وهّؤشة» وقعت فيها جراحات» وسّلت 
السيوف» وفوقت القسىء ورميت السهام. وانثهب بعض أمتعة 
التجار؛ لأن منى في تلك الأيام الثلائة سوقٌ من أعظم الأسواق» يُباع 
فيها من الجوهر النفيس إلى أدنى الكَّرّزء إلى غير ذلك من الأمتعة 
وسائر سلع الدنيا؛ لأنها مجتمّع أهل الآفاق» فوقى الله شر تلك الفتنة 
بتسكينها سريعاء وكانت عين الكمال في تلك الوقفة الهنيئة» وكمل 
للناس حجهمء والحمد لله رب العالمين. 


[1] يوم الأعاجم العراقيين 


وفي هذه الأيام يُمْتح البيت الكريم كل يوم للأعاجم العراقيين 
والخراسانيين وسواهم من الواصلين مع الأمير العراقي» فظهر من 
تزاحمهم وتطارحهم على الباب الكريم» ووصول بعضهم على بعض» 
وسباحة بعضهم على رؤوس بعض كأنهم في غدير من الماء أمرٌ لم ير 
أهْوّل منه» يؤدي إلى تلف المُهّج. وكسر الأعضاءء وهم في خلال 
ذلك لا ثُالون ولا يتوقفون» بل مُلَقُونَ بأنفسهم على ذلك البيت 
الكريم»؛ من فرط الطرب والارتياح» إلقاء الفراش بنفسه على 


. 7١" قال المحقق: سورة البقرة: آية‎ )١( 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





ا سد 
المصباح» فعادت أحوال السرو اليمنيين في دخولهم البيت المبارك 
على الصفة المتقدمة الذكرء حال تودة ووقار بالإضافة إلى هؤلاء 
الأعاجم الأغتام”'"2. نفعهم الله بنياتهم» وقد فقد منهم في ذلك 
المزدحم الشديد مَنْ دنا أجله؛ والله يغفر للجميع . 

وربما زاحمهم في تلك الحال بعض نسائهم. فيخرجن وقد 
نضجت جلودهن طبخا في مضيق ذلك المعترك الذي حَمي بأنفاس 
الشوق وطيشه. والله ينفع الجميع بمعتقده وحسن مقصده بعزته. 

[1] وفي ليلة الخميس الخامس عشر من الشهر المبارك» إثر 
صلاة العَتَمّة» تُصب منبر الوعظ أمام المقام» فصعده واعظ خراساني 
حسن الشارة مليح الإشارة» يجمع بين اللسانين عربي وعجمي» فأتى 
في الحالين بالسحر الحلال من البيان» فصيح المنطق» بارع الألفاظ» ‏ 
ثم يقلب لسانه للأعاجم بلغتهم فيهزهم إطراباًء ويذيبهم زفرات 
وانتحاباً. 

["] فلما كانت الليلة الأخرى بعدها وُضع منبر آخر خلف حطيم 
الحنفي»؛ فصعد إثر صلاة العتمة أيضاً شيح أبيض السبال» رائع 
الجلال؛ بارع التمام في الفضل والكمال» فصدع بخطبة انتظمت آية 
الكرسي كلمة كلمة» ثم تصرف في أساليب الوعظ وأفانين من العلم 
باللسانين أيضآء حرك بها القلوب حتى أطارها وأورثها احتداماً 
بالخشية بعد استعارهاء وفي أثناء ذلك ترشقٌّه سهام من المسائل 


- قال المحقق: الأغتام» الواحد أغْتم: الذي لا يفصح في كلامه.‎ )١( 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 1م 
فيتلقاها بمِجَنَ من الجواب السريع البليغ» فتحارٌ له الألباب» ويملك 
كل نفس منه الإغراب والإعجاب, فكأنما هو وحي يُوحى . 

وهذا الذي مشى به وُعاظ هذه الجهات المشرقية من إلقاء 
المسائل إليهم؛ء وإفاضة شآبيب الامتحان عليهم من أعجب الأمور 
المعربة عن غريب شأنهم» والناطقة بسحر بيانهم» وليست في فن 
واحد إنما هي في فنون شتى» وربما قصد بها التعنيت والتنكيب. 


فيأتون بالجواب كخطفه البرق وارتداد الطرف». والفضل بيد الله يُؤتيه 
يكنا 


وبين أيدي هؤلاء الوعاظ قراء يون بالقراءة. فيأتون بألحان 
كسب الجمادً طربآً وأريحية كأنها المزامير الداوٌدية» فلا تَدْرِي من أي 
أحوال هذا المجتمع تَعْجَبُء والله يُؤتي الحكمة من يشاءء لا إله 
سواهء وسمعث هذا الشيخ الواعظ يسيند الحديث إلى خمسة من 
أجداده: جَدَ عن جدء نسقاً مسلسلاً من أبيه إليهم على اتصال» كلهم 
له لقب يدل على منزلته من العلم ومكانته من التذكير والوعظ. فهو 
مُعْرِقَ في الصنعة الشريفة» تَليدٌ المجد فيها. 


سوق المسجد الحرام 
[] وفي أيام الموسم كلها عاد المسجد الحرامء نزهه الله 
وشرفهء سوقاً عظيمة يُباع فيه من الدقيق إلى العقيق» ومن البرٌ إلى 
الذرء إلى غير ذلك من السلع» فكان مبيع الدقيق بدار الندوة إلى جهة 
باب بني شيبة» ومعظم السوق في البلاط الأخذ من الغرب إلى 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





الشمال» وفي البلاط الآخذ من الشمال إلى الشرق» وفي ذلك من 
النهى الشرعي ما هو معلوم. والله غالب على أمره» لا إله سواه. 
يوم الرحيل 

وفي عشي يوم الأحد الموفي عشرين من الشهر المذكورء وهو 
أول أبريل”2 كان مسيرنا إلى محلة الأمير العراقيّ بالزاهرء وهو على 

فأقمنا بالزاهر ثلاثة أيام نجدد العهد كل يوم بالبيت العتيق» وتعيد 
وداعه. فلما كان ضحوة يوم الخميس الثاني والعشرين من ذي الحجة 
المذكور. أقلعت المحلة على تؤدة ورفق بسبب البطء والتأخرء ونزلت 
على نحو ثمانية أميال من الموضع الذي أقلعت منه بمقربة من بطن مَرّ 
والله كفيل بالسلامة والعصمة بمنه. 

فكانت مدة مقامنا بمكة ‏ قدسها الله من يوم وصولنا إليها. وهو 
يوم الخميس الثالث عشر لربيع الآخر من سنة تسع وسبعين» إلى يوم 
إقلاعنا من الزاهر. وهو يوم الخميس الثاني والعشرين لذي الحجة من 
السنة المذكورة. ثمانية أشهر وثلث شهر . 

جعلها الله لذاته» وجعل القبول لها موافقاً لمرضاتهء بمنه. غبّنا 
عن رؤية البيت الكريم فيها ثلاثة أيام : يوم عرفة » وثاني يوم النحر. 
ويوم الأربعاء الذي هو الحادي والعشرون لذي الحجة» قبل يوم 


)١(‏ قال المحقق: أبريل: نيسان. 


المختار من الرحلات الحجازية 





ثم أقلعنا من ذلك الموضع إثر صلاة الظهر من يوم الخميس إلى 
بطن مَرّء وهو واد خصيب كثير النخل ذو عين فوارة سيالة الماء تَسْقّى 
منها أرض تلك الناحية» على هذا الوادي قطر مُتسع وقرى كثيرة 
وعيون» ومنه تجلب الفواكه إلى مكةء حرسها الله فأقمنا به يوم 
الجمعة . 


ثم أقلعنا ظهر يوم السبت الرابع والعشرين لذي الحجة المذكور. 
ونزلنا بمقربة من عَسْفَانَء ثم أسرينا إليها نصف الليل وصبحناها بكرة 
يوم الأحد. وهي في بسيط من الأرض بين جبال» وبها آبار معينة 
تَنْسَبُ لعثمان. رضي الله عنه.» وشجر المقل فيها كثيرء وبها حصن 
عتيق التبيان» ذو أبراج مشيدة غير معمورء قد أثر فيه القدم. وأوهته 
قلة العمارة ولزوم الخراب» فاجتزناها بأميال ونزلنا مُريحين قائلين. 


فلما كان إثر صلاة الظهر أقلعنا إلى خخليص» فوصلناها عشي 
النهارء وهي أيضاً في بسيط من الأرض» كثيرة حدائق النخل» لها جبل 
فيه حصن مشيد في فته وفي البسيط حصن آخر قد أثر فيه الخراب» 
وبها عين فوارة قد أحدئتْ لها أخاديد في الأرض مُسَرّبة يُسْتقى منها 
على أفواه كالأبار» يجدد الناس بها الماء لقلته في الطريق بسبب القحط 
المتصل» والله يُغيث بلاده وعباده» وأصبح الناس بها مقيمين يوم 
الاثنين لإرواءٍ الإبل واستصحاب الماء . 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





010 ب ظ 

[5/] وبهذه المحلة العراقية ومن انضاف إليها من الخراسانية 
والمَواصلة وسائر جهات الأفاق من الواصلين صحبة أمير الحاج 
المذكور جمع لا يُحصي عدده إلا الله تعالى» يغص بهم البسيط 
الأفيح» فترى الأرض تميد بهم مَيْدأَ» وتموج بجميعهم موجأء فيصر 
منهم بحراً طاميّ العباب» ماؤه السراب» وسفن الركاب» وشرّعه 
الظلائل المرفوعة والقباب» تسير سير السحب المتراكمة» يتداخل 
بعضها على بعض» ويضرب بعضها جوانبَ بعض» فتعاين لها تزاحماً 
في البَراح المنفسح يهول ويروع. 


فمن لم يشاهد هذا السفر العراقي لم يشاهد من أعاجيب الزمان ما 
يحدث به ويتحف السامع بغرابته» والقدرة والقوة لله وحده» وحسببك 
أن النازل في منزل من منازل هذه المحلة متى خرج عنها لبعض حاجة 
ولم تكن له دلالة يستدل بها على موضعه ضل وتلف وعاد منْشوداً في 
جملة الضُوالَ» وربما اضطرته الحال إلى الوصول إلى مضرب الأمير 
ورفع مسألته إليهء فيأمر أحد المنشدين ببريحه"" والهاتفين بأوامره 
ممن قد أعد لذلك أن يُددفه خلفه على جمل ويطوف به المحلة 
العجاجة» وهو قد ذكر له اسمّهء واسم جَمّالهء واسم البلد الذي هو 
منهء فيرفع عقيرته بذلك معرفآً بهذا الضال» ومنادياً باسم الجَمّال 
وبلدهء إلى أن يقع عليهء فيؤديه إليه» ولو لم يفعل ذلك لكان آخر 
عهده بصاحبه إلا أن يلتقطه التقاطاً أو يقع عليه اتفاقً» فهذا من بعض 
عجائب شؤون هذه المحلة» وعجاتبها أكثر من أن يحيط بها الوصف». 


)١(‏ قال المحقق: البريح: الإعلان والدعاء (عامية). 





11 - 


ولأهلها من قوة الجدّة واليسار ما يعينهم على ما هم بسبيله. والمُلك 
بيد الله يؤتيه من يشاء . 


ومن عجيب هذه المحلة أيضأء على عظمها وكبرهاء وكونها 
وجود دَنْيا بأسرهاء إنها إذا حطت رحالهاء ونزلت منزلهاء ثم ضرب 
الأمير طبله للإنذار بالرحيل» ويسمونه الكوس» لم يكن بين استقلال 
الرواحل بأؤقارمًا ورحالها وركابها إلا كلا ولاء فلا يكاد يفرغ الناقر 
من الضربة الثالثة إلا والرّكائب قد أخذت سبيلهاء كل ذلك من قوة 
الاستعداد» وشدة الاستظهار على الأسفارء والحول والقوة لله وحده» 
لا إله سواه. 


ثم نزلنا مُريحين قائلين يوم الخميس التاسع والعشرين من ذي 

الحجة. وبيننا وبين بَدْر مقدار مرحلتين» فلما كان أول الظهر رحلنا إلى 

مقربة من بدر فنزلنا بائتين» ثم قمنا قبل نصف الليل فوصلنا بدراً وقد 

ارتفع النهارء وهي قرية فيها حدائق نخل متصلة» وبها حصن في ربوة 

مرتفعة» ويُذْخل إليها على بطن واد بين جبال. وببدر عينٌ فوارة. 

وموضع القليب» الذي كان بإزائه الوقعة الإسلامية التي أعزّت الدين 
وأذلت المشركين» هو اليوم نخيل» وموضع الشهداء خلفه. 

شهر محرم سنة ثمانين وخمس مئة"''» عرّفنا الله بركته وبركة 

سنته. وخصنا فيه برحمته. وتكفلنا بمعصمته 


استهل هلاله ليلة السبت بموافقة الرابع عشر لشهر أبريل ونحن 


.م١١85 قال المحقق:‎ )١( 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات: الأسفار 





-© 


مُقلعون من بدر إلى الصفراء» وكان نزولنا بالصفراء إثر صلاة العشاء 
الآخرة» فأصبحنا يوم السبت» مستهل الهلال المذكور مقيمين» ومنها 
إلى المدينة المكرمة إن شاء الله ثلاثة أيام» فأقلعنا منها ظهر يوم السبت 
المذكورء وتمادى السير بنا إلى إثر صلاة العشاء الاخرة» والطريق في 
واد متصل بين جبال» فنزلنا ليلة الأحدء ثم أقلعنا نصف الليل» 
وتمادى سيرنا إلى ضحى من النهارء فنزلنا مريحين قائلين ببئر ذات 
العَلّم . 

ورحلنا منها إثر صلاة الظهر من يوم الأحدء وتمادى بنا السير إلى 
إثر صلاة العشاء الآخرة» فنزلنا شعب على رضي الله عنه» وأقلعنا منه 
نصف الليل إلى تَْبان» إلى البيداء» ومنها تَبصّر المدينة المكرمة» 
فنزلنا ضحى يوم الاثنين الثالث لمحرم المذكور بوادي العقيق» وعلى 
شغيره مسجد ذي الشليفة من حيث أحرم رسول الله لو والعدينة من 
هذا الموضع على خمسة أميال» ومن ذي الحليفة حرّم المدينة إلى 
مشهد حمزة إلى قباءء وأول ما يظهر للعين منارة مسجدها بيضاء 
مرتفعة» ثم رحلنا منها إثر صلاة الظهر من يوم الاثنين المذكورء» وهو 
السادس عشر لأبريل» فنزلنا بظاهر المدينة الزهراء» والتربة البيضاءء 
والبقعة المشّفة بمحمد سيد الأنبياء كَل صلاة تتصل مع الأحيان 
والآناء . 


وفي عشي ذلك اليوم دخلنا الحرم المقدس لزيارة الروضة 
المكرمة المطهرة. فوقفنا بإزائها مسلمين »؛ وصلينا بالروضة التي بين 
القبر المقدس والمنبرء واستلمنا أعواد المنبر القديمة التى كانت 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 11 
موطىء الرسول ذَكْةٌ» والقطعة الباقية من الجذع الذي حَنّ إليه يَكِّ وهي 
ملصقة في عمود قائم أمام الروضة الصغيرة التي بين القبر والمنبرء 
وعن يمينك إذا استقبلت القبلة فيهاء ثم صلينا صلاة المغرب مع 
الجماعة» وكان من الاتفاق السعيد لنا أن وجدنا بعض فسْحَة في تلك 
الحال لاشتغال الناس بإقامة مضاربهم» وترتيب رحالهم» فتمكنا من 
الغرض المقصودء وفرّنا بالمشهد المحمودء وأدَيْنَا حق السلام على 
الصاحبَين الضجيعيّن : صديق الإسلام وفاروقه» وانصرفنا إلى رحالنا 
مسرورين» ولنعمة الله علينا شاكرين» ولم يبقَّ لنا أمل من آمال وجهتنا 
المباركة ولا وطر إلا وقد قضيناهء ولا غرض من أغراضنا المأمولة إلا 
وبُلغناه» وتفرّغت الخواطر للإياب للوطنء نَظَم الله الشمل» وتمّم 
علينا الفضل» والحمد لله على ما أولاه وأسداهء وأعاده من جميل 

صنعه وأبداهء فهو أهل الحمد والشكر ومُستحقهء لا إله سواه. 


وقد وقع الإيذان بوصول صدر الدين رئيس الشافعية الأصبهاني 
الذي ورث النباهة والوجاهة في العلم كابراً عن كابر لعَقّد مجلس وعغظ 
تلك الليلة» وكانت ليلة الجمعة السابع من المحرم» فتأخر وصوله إلى 
هذَْءِ من الليل» والحرم قد غصٌ بالمنتظرين» والخاتون جالسة 
موضعهاء وكان سبب تأخره تأخر أمير الحاج لأنه كان على عِدَةَ من 
وصولهء إلى أن وصل ووصل الأميرء وقد أعد لرئيس العلماء المذكور_ 
وهو يُعرف بهذا الاسمء توارثه عن أب فأب ‏ كرسي بإزاء الروضة 
المقدسة فصعده. وحضر قراوّه أمامه. فابتدروا القراءة بنغمات عجيبة 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 





وتلاحين مُطربة مُشْجِيّة» وهو يلحظ الروضة المقدسة فَيُعْلِن بالبكاء» ‏ 
ثم أخذ في خطبة من إنشائه سحرية البيان» ثم سلك في أساليب من 
الوعظ باللسانين» وأنشد أبياتاً بديعة من قوله» منها هذا البيت» وكان 
يردده في كل فصل من ذكره وَكْةِ ويشير إلى الروضة : 

هاتيك روضته تفوح نسيماً صَّلوا عليه وسلموا تسليماً 


واعتذر من التقصير لهول ذلك المقام» وقال: عجباً للألكن 
الأعجم كيف ينطق عند أن فصح العرب! وتمادى في وعظه إلى أن أطار 
النفوس خشية ورقة» وتهافتت عليه الأعاجم مُعْلنين التوبة» وقد 
طاشت ألبابُهم» وذّهلت عقولهم.ء فيُلّقون نواصيهم بين يديه» فيستدعي 
جَلَّمِين”'2 ويجرّها ناصية ناصية» ويكسو عمامتهم المجزوز الناصية» 
فيوضع عليه للحين عمامة أخرى من أحد قرائه أو جلسائه ممن قد 
عرف مَنْزعه الكريم في ذلك» فبادر بعمامته للاستجلاب الغرض النفيس 
لمكارمه الشهيرة عندهمء فلا زال يخلع واحدة بعد أخرى» إلى أن 
خلع منها عدة وجزٌ نواصي كثيرة . 

فما رأيت ليلة أكثر دموعاًء ولا أعظم خشوعاء من تلك الليلة؛ 
ثم انفض المجلس وانفض الأمير. 


و 
وآمر هذا الرجل صدر الدين عجيبه فى ا وانهته. 
0010( أي مقراضاً. 

(؟) قال المحقق: للفظة القعدد معان كثيرة كلها ذمء ومن معانيها أيضاً: القريب 


المختار من الرحلات الحجازية 





0 - 


وملوكيته؛ وفخامة آلته» وبهاء حالته» وظاهر مُكنّته» ووفور غدته» وكثرة 
عبيده وحَدَمّته» واحتفال حاشيته وغاشيته» فهو من ذلك على حال يقصر 
عنها الملوك. وله مضرب كالتاج العظيم في الهواء. مفتح على أبواب على 
هيئة غريبة الوضع» بديعة الصنعة والشكل» تطل على المحلة من بُعْدء 
فتبُصره سامياً في الهواءء وشأن هذا الرجل العظيم لا يستوعبه الوصفف؛ 
شاهدنا مجلسه فرأينا رجلاً يذوب طلاقة وبشراًء» ويخف للزائر كرامة وبراً» 
على عظيم حرمته وفخامة بنيته» وهو أَعْطي البَسْطَبَين علماً وجسماء 
استجزناه فحاز نا نثراً ونظماًء وهو أعظم مَنْ شاهدنا بهذه الجهات . 


[77] وفي يوم الجمعة المذكورء وهو السابع من محرم» شاهدنا 
من أمور البدعة أمراً يُنادَى له الإسلام: يا لله بِاللْمُسْلمِينَء وذلك أن 
الخطيب وصل للخطبة» فصعد منبر النبي كله وهو على ما يُذُكر - 
على مذهب غير مرضي». ضد الشيخ الإمام العجمي الملازم صلاة 
الفريضة في المسجد المكرم». فذلك على طريقة من الخير والورع. 
لائقة بإمام مثل ذلك الموضع الكريمء فلما أذن المؤذنون قام هذا 
الخطيب المذكور للخطبة» وقد تقدمته الرايتان السوداوان» وقد ركزتا 
بجانبي المنبر الكريم» فقام بينهماء فلما فرغ من الخطبة الأولى. 
جلس جلسة خالف فيها جلسة الخطباء المضروب بها المثلٌّ في 
السرعة» وابتدر الجمع مَرَدَةَ من الخدمة يخترقون الصفوف» ويتخطون 
الرقاب» كذّية2 على الأعاجم والحاضرين لهذا الخطيب القليل 


(0) قال المحقق: الكدية: الشحاذة. 


تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار 


الغالية من الحرير فيعطيهاء وقد أعدها لذلك» ومنهم من يخلع عمامته 
فينبذهاء ومنهم من يتجرد على بده فيُلقي به ومنهم من لا يتسع حاله 
لذلك فيسمح بفضلة من الخام» ومنهم من يدفع القراضة من الذهب». 
ومنهم من يمد يده بالدينار والدينارين إلى غير ذلك» ومن النساء من 
7 00 





والخطيب في أثناء هذه الحال كلهاء جالس على المنبر يلحظ 
هؤلاء المستجُدين المُستسعين على الناس بلحظات يَكْرّها الطمع 
ويعيدها الرغبة والاستز ادة» إلى أن كاد الوقت ينفضي » والصلاة 





تموت» وقد ضح من له دين وصحة من الناس» وأعلن بالصياح » وهو 
قاعد ينتظر اشتفاف صبايّة الكدية» وقد أراق عن وجهه ماء الحياءء 
فا جتمع له من ذلك السّحْت المؤلف كوم 2 عظيم أمامه. فلما أرضاه قيام 
قبل ومن بعد. 

/ا/ا] وفي عشي ذلك اليوم المبارك كان وداعنا للروضة المباركة 
والتربة المقدسة. فيا له وداعاً عجباً ذهلت له النفوس ارتياعاً حتى 
ظنك بموقف يُناجى بالتوديع فية سيد الأولين والآخرين» وخاتم 
النبيين» ورسول رب العالمين؟ إنه لموقف تنفظر له الأفئدة» وتطيش به 








0 


الألباب الثابتة المتّئدة» فواأسفاه واأسفاهء كل يبوح لديه بأشواقهء ولا 
يجد بدا من فراقه» فما يستطيع إلى الصبر سبيلاء ولا تسمع في هول 
ذلك المقام إلا رتة وعويلاً»ء وكل بلسان الحال ينشد: 
محبتي تقتضي مقامسي وحالتي تقتضي الرحيل 
بوْأنا الله بزيارة هذا النبي الكريم منزلَ الكرامة» وجعله شفيعاً لنا 
يوم القيامة» وأحلنا من فضله في جواره دار المقامة برحمته» إنه غفور 
رحيمء جواد كريم» وكان مقامنا بالمدينة المكرمة خمسة أيام. أولها 
يوم الاثنين» وآخرها يوم الجمعة. 
وفى ضحوة يوم السبت الثامن لمحرم المذكورء كان رحيلنا من 
المدينة المكرمة إلى العراق» قرّب الله لنا المرام»ء وسهل علينا 
الب 7 


320ع2 إلى هذا الحد ينتهي المراد من الكتاب» والله الموفق. 


ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة 





الرحلة الثانية 
«ملء العَيْبة"'' بما جمع بطول الغيبة 


في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة» 


ابن عمر بن رُشيد الفهريّ السبتي المغربي”"' رحمه الله تعالى» فقال: 
بسم الله الرحمن الرحيم. صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله 
وصحبه وسلم : 
ذكر توجّهنا من دمشق ‏ حماها الله تعالى - إلى مديئة النبي كل 
أهل هلال شوال ليلة الجمعة من عام أربعة وثمانين المذكور. 
)١(‏ العيبة: الوعاء. انظر «لسان العرب»: ع ي ب. 
(؟) احتفل في صغره بالأدبيات وبرع فيهاء وارتحل إلى فارس» ثم رجع إلى سَبْة 
ونصدر لإقراء الفقه. ثم ارتحل إلى توئنس والاسكندرية» وحج وجاور بمكة 
والمدينة. ونزل بمصر » له مصنفات كثيرة . وكان فاضلاً حسن الأخلاق» توفي 


سنة ١7لا‏ رحمه الله تعالى. انظر «الوافى بالوفيات»: 585/5 -785. 
قلت: وقل حقق هذه الرحلة الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة . 


المختار من الرحللات الحجازية 





01 


عصرّ يوم الاثنين الحادي عشر من شوال . 
الدموع. ويكاد يذهب بالقلب السليم كيف بالمصدوع.ء فبتنا تلك الليلة 
الثاني عشرء ونزلنا منازل بالطريق سالكين إلى بصرى . 





وافتتحت بُصرى في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ‏ لعام وأربعة 
أشهر مضت من خلافته ‏ رضي الله عنه - قبل فتح أبي عبيدة بن الجراح 
وخالد بن الوليد دمشق في ولاية عمر رضي الله عنه . 

فوافيناها بعد صلاة الجمعة في اليوم الخامس عشر من شوالء» 
ورأينا بلدا مُحكم الأسوارء قديم الآثارء أبواب دوره من منحوت 
الأحجارء فأقمنا هناك ليتجهز الناس ويستقبلوا الصحراء يوم السبت 
والأحدء وقد أخذت في الراحة والحمد للهء أسأل الله العافية الشافية 
والوقاية الكافية. 


[9] ورحلنا ضحاء يوم الاثنين الثامن عشر من شوال ولم نلق بها 
أحداً من أهل العلم» ومنها يتزود الناس الماء إلى الموضع المعروف 
بوادي الأزرق”(2» فوافينا وادي الأزرق عشية يوم الأربعاء المُوفَي عشرين ء 
وأقمنا هناك يوم الخميس ويوم الجمعة لاجتماع الناس وتلاحقهم . 


)١(‏ قال المحقق: ماء في طريق حاج الشام دون تيماء. 


ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة 





01 م 
الماء إلى الموضع المعروف بجفار المعظمء ونزلنا بالطريق منازل 
فوافينا جفار المعظم ظهر يوم الخميس الثامن والعشرين لشوال. 
ووافينا هناك وفوداً من أهل الشام قد وردوه قبل مقدمناء وأقمنا هناك 
يوم الجمعة لاستيفاء الوافدين من أطراف الشام» ولم يكن الماء بالكثير 
الذي يسع الناس دون ازدحام . 

[80] واجتمع من الخلق ما لا يحصيه العدّ؛ حرز الركب الشامي 
بستين ألف راحلة دون الخيل والبغال والحمرء فككان يملا السهل 
والحزن. 

وأهل هلال ذي القعدة ليلة السبت. وسافرنا منه ضحوة يوم 
السبت. ونزلنا منازل بالطريق إلى أن وافينا تبوك ظهر يوم الجمعة 
السابع لذي قعدة. وهي أدنى أرض الشام إلى المدينة» وحين دنونا 
منها بأميال خمسة أو ستة عبّأ الناس الجيش وتزينوا بالأسلحة» ورت 
الرجال والفرسان وخلفهم الرواحل» ونزل كثير من الناس عن 
رواحلهم؛ وساروا بها يسوقونها منتسقة» وعبؤوها بَجَزل الحطب"") 
حتى كأنها مراكب بحرية مُوسّقة» وذلك لتعذر الحطب بأرض تبوك إلا 
على بعد منها. 

وكانت اله وده الرسهة كله ممجدات :مها التعهرة لتاقن آثارها 
ما بقي الدهرء وهي أنه كك عندما شارفها أوْ دنا منها قال: «إنكم 
ستأتون غدآ إن شاء الله عين تبوك. وإنكم لن تأتوها حتى يضحي 


)١(‏ أي الحطب الغليظ البابسء» انظر «لسان العرب»: ج ز ل. 


المختار من الرحلات الحجازية 








01 - 


النهارء فمن جاءها فلا يَمَسَنَّ من مائها شيئاً حتى آني. فجئناها وقد 
سبقنا إليها رجلان» العين مثل الشراك تيض"'* , بشيء من ماءء فسألهمًا 
رسول الله عله : هل مسستما من مائها شيئاً؟ فقالا: نعم» فسّبهمًا رسول 
الله تك وقال لهما ما شاء الله أن يقول» قال: ثم غرفوا بأيديهم من 
العين قليلاً قليلاً حتى اجتمع في شيءء ثم غسل رسول الله وك فيه 
وجهه ويديهء ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثيرء فاستقى الناس ثم 
قال رسول الله يكل : يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا 
قد ملىء جناناً»”'' . 


قلت: صدق ككِْةٍ فقد رأينا هذا الموضع قد ملىء جناناً من نخيل 
وبينها يسير زرع للأعراب» وهذه العين صهريج كبير مطوي بالحجر 
يجتمع فيه ماء كثير» ويخرج منها إلى جفر آخر كبير» يجتمع فيه ماء 
يسيل من ذلك» وماؤها كثير عذب» فاغتسلنا من هذه العين المباركة. 
وتشيلعنا هن انها الطلنبو السار لك | 


[41] وبمقربة من العين أصل شجرة يابس فيه غصن كبير ناعم 
أظنها سدراء يزعم الناس أنه كَلهِ قعد هناك فاخضرت الشجرة» والله 
أعلم, ولقد لا ات أن أخذت برأ اا 
)١(‏ تبض: تسيل قليلاً قليلاً» والشراك: لعله سَيْر النعل المعروف» والمراد أن العين 


صغيرة صغر الشراك . وانظر «لسان العرب» : ش را كء. ب ض ض . 
(0) قال المحقق: أخرج الحديث الإمام مسلم. 


ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة 





د 
أخذ شيئاً منها متبر ك7 فرأيت شخصاً قد أقبل إليّ لم أعرفه قبل ولا 
بعدء فقال لي: حتى أنت تفعل ذلك؟. فقلت: وَلِم؟ وما تنكر من 
ذلك؟ فقال: إن كان حقاً ما ذكر فيقتدي الناس بك في الأخذ منها 
فيفنيها الناس» فيذهب هذا الأثر المبارك فتكون سبب إذهابه» وإلا 
يكن فيقتدي الناس بك في باطل» أو معنى هذا الكلام» فشكرته 
وانصرف . 





[857] وأقمنا هناك بقية يوم الجمعة إلى ظهر يوم السبت الثامن 
لذي قعدة ورحلنا من هناك. ومن تبوك يرفع الماء إلى العلى» وما 
بينهما أشق شيء في الطريق وأقله ماء؛ لأنه ليس فيه ماء أصلي سوى 
بئر بوادي الأخضر قل أن يفي بالركب» وقد هلك فيه في بعض 
الأوقات خلق كثير وعدد كبيرء لكن مَنَّ الله الكريم بلطفه وصادفنا 
بالطريق من ماء المطر نحو سبعة أمواه. 


وما زلنا نتعرف التيسير والتسهيل والصنع الجميل في كل جل 
وترحال إلى أن وافينا الحجر ‏ حجر ثمود ‏ ليلة الجمعة الرابعة عشر 
لذي قعدة عند الغروب» ولكثرة الازدحام لم يتأت النزول حتى قضى 
هزيع من الليل» وبتنا تلك الليلة في الموضع المعروف بمبرك الناقة . 

[87] ورحلنا من هذا الموضع في آخر الليل. وشاهدنا في 


صبيحته من عجائب صنع الله ما يقف فيه الطرف». ويحار فيه الوصف». 


)001 لا يتبرك إلا بما ثبت كونه من الآثار النبوية» كما تبرك الصحابة رضي الله عنهم بها في 
مواطن كثيرة ثابتة في الصحاحء أما غير ذلك فيتوقف فيه» والله أعلم . 








11 - 


من الدور المنحوتة في الجبال» المحكمة الصنعة» البديعة الإتقان. 
الفارهة النقش» وأكثرها لم يتغير كأنها قريبة العهد بالصنعة» وبعض 
تلك المساكن قد أخلّ بها نفوذ مياه الأمطار لأحجارها فتشقق بعضهاء 
وصورة هذا الحجر أرض رملة متسعة تحف بها جبال كأنها أسوار لهاء 
ولها مدخل ضيق كأن جانبيه مصراعا باب في غاية العلوء ومنه كان 
دخولنا إليه» وما وصفنا من التضايق عليهء وأثناء هذه اللأرض 
المحجورة جبال صغار» فيجيؤون إلى تلك الجبال الصغار فيمسحون 
وجه الجبل بالنجارة» ويحكمون تسويته بالنحت» ويفتحون فيه أبواباً 
وينقشون جوانبها وأعاليها بأبدع الصنعةء ثم يتسعون في نقر الجبل 
قبالة الباب» وعن يمينه ويساره» ويصنعون فيه بيوتا. 


وشاهدنا بعض هذه البيوت ماوعا عظاماً. وظاهر أحوالهم أن 
خلقّهم كانت كخلقنا؛ إذ أبواب بيوتهم وزواياها على مقادير أبوابنا 
المعتادة في الارتفاع. والله أعلم . 


وفي ظهر يوم الجمعة المذكور نزلنا العلى. وأقمنا به يوم الببيت 
الخامس عشر.2) وهو موضع فيه مياه بعضها في 0 وبعضها 
جارية في رمال» وبها نخل وزرع وحصن ودور. 

[45] وفي ذلك الموضع يودع أهل الشام فضول أزوادهم عَدَّةٌ 
للعودة بعد قضاء الحج والزيارة. يخففون بذلك عن رواحلهم . 


67 الاحتباء جمع حسي وهو السهل من الأرض يستنقع فيه الماء من المطر وغيره. 
ويُنبش عنه التراب فيستخ رج الماء . انظر «لسان العرب»: اح س أ. 


ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة 





-_- 0 

ورحلنا من العلى غدوة يوم الأحد السادس عشر. من ذي قعدة. 

وقد تضاعف الشوق وبرّح الوَجْدء فسرنا على اسم الله تعالى منزلاً 

منزلاً إلى أن بلغنا وادي القرى"'2. وأكثره خراب» فتجاوزناه والأرواح 
تكاد تفارق الأجساد شوقاً إلى طيبة . 


[85] وفي عشي يوم السبت الثاني والعشرين تلقانا قريب العضر 
أهل المدينة» على ساكنها الصلاة والسلام» مبشرين بالوصول إلى 
حضرة المصطفى الرسول. وجالبين من تمر المدينة ما يتحفون به 
القادمين ملتمسين رفدهمء وقد صنعوا عِصيّاً في أطرافها أوعية صغار» 
فيجعلون فيها شيئاً من التمر ويناولونه أهل القباب الفدة ةع ست 
ستورهاء فيعطي كل أحد ما تيسر له من الرفد» ويدفعون إلى الركبان 
والمشيان أيضاً من ذلك على حكم التحفة والهدية» فيحسن كل على 
قدر وَجْدهء ويقسمه الناس بينهم متبركين مستبشرين» ولقد رأيتهم 
يحنكون به الأطفال الصغار التماساً للبركة» وحق لهم ذلك . 


[87] وقد كدنا من الطرب نطيرء وعاينا مرأى بديعاً ما له في 
الوجود من نظير» وححين دئوناا من جدرانت المدينة تَمَحَدْنا روائح كأنها 
العبير» فقمن الناس من . أقدمت دله ا الشوق فتقدم . ومنهم من 


)١(‏ صار يدعى» بَعْدُّء وادي العلى... ووادي القرى واد. بين المدينة. والشام فيه 
قرى كثيرة... وقد كانت قديمة منازل ثمود وعاد وبها أهلكهم الله تعالى» 
وآثارهم إلى الآن باقية. 

(0؟) الأزيحية: النشاط إلى المعروف. والبر والارتياح له. انظر «لسان العرب»: 
رداح. . ا 





لمشاهدة ذلك الجلال . 


وكان نزولنا على اليّمن والبركة بظاهر طيبة - شرّفها الله - وقت 
الضحاء من يوم الأحد الثالث والعشرين لذي قعدةء فأخذ الناس 
منازلهم واغتسلواء وتجمّلوا للقدوم على الضريح الطاهرء فلله ذاك 
اليوم ما أعظمه وأسعده وأكرمه؛ أَعَرْرْ به من عيد سعيد فاق كل عيد. 
فهو خير أيام العمرء وأسعد أوقات الدهرء وتاريخ مولد السعادة. 
ومفتاح الحسنى والزيادة. 

ثم دخلنا المدينة - شرفها الله - للسلام على النبي يله وقد ملا 
السرور قلوبناء وملك التوقير جوارحناء واستعملنا سنة السلام وحيّيناه 
يك بتحية الإجلال والإعظام» ووقفنا حيث حده العلماء من ضريحه 
الكريم» المخصوص بالتشريف والتعظيم» وقضينا المستطاع من أدب 
التحيّة» وكادت تغلب الوقار الأريحية. 

م قضينا حق السلام على خليفة رسول الله يَكِ الصديق» ثانيه في 
الغار والعريش والطريق» ثم على أمير المؤمنين الفاروق ثالثهما في 
المدفن الكريم المقدس. وتالي أبي بكر في المكانة» الذي اختصه 
بحمل أعباء الخلافة بعده» وفوض إليه ملقياً مقاليد تلك الأمانة» رضي 
الله عنهما وجزاهما أفضل ما جزى صاحبي نبي عنه . 


والصحابيات» وقبر إمام دار الهجرة أبي عبدالله مالك بن أنس رضوان 


ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة 





الله عليهء وخرجنا ماشين إلى قباء اقتداء بزيارته كككِ إيَاهاء وصلينا في 
مسجدها في الموضع الذي يقال إنه كان كَلهِ يصلي فيهء وشربنا من 
العين التى هنالك» والحمد لله على نعمه الصافيةء وآلائه الضافية . 
[41] ذكر من لقيناه بمدينة الذبي وه وشرّف وكرّم 
من العلماء والرواهة 

[84] فمنهم الشيخة الصالحة الكاتبة أمّ الخير أم محمد فاطمة 
بنت إبراهيم بن محمود بن جوهر البعلبكي المعرووف بالبطائحي رضي 
الله عنهاء قلمئت في ركب الشام زائرة وحاجة. لقيتها بمسسعجد 
المصطفى كله وقرىء عليها وهي مستندة إلى جانب رواق الروضة 
الكريمة المحمدية على ساكنيها السلامء تجاه وأسن المصطفى الكريمء 
وكتبث لي خطها بالإجازة هنالك في جميع مروياتهاء ولبنيّ أبي القاسم 
وعائشة وأمة الله وَلأخواتى ومن تسمى معنأ فين الإجازة. وبمحضر 
من ابنهاء واسمه فى غالب ظنى محمدء وكانت تسدل جلبابها على 
وجهها حياء وصوناً رضي الله عنها . 

وممّن لقيناه بمدينة النبي كَلِةٍ الشيخ الصالح الفقيه المالكي أبو 


إسحاق إبراهيم بن يحيى بن محمد بن يحيى الفأسي. منسوب إلى 
مدينة فاس. إحدى قواعد المغربء وهكذا ضبطه لنا بخطه الفأسى 


مهموزاً كأنه فر من الاشتراك7'' . 


. أي ليميز نفسه عن باقي المشتركين معه في النسبة إلى فاس‎ )١( 


المختار من الرحلات الحجازية 





لقيناه بمنزله شرفى مسجد النبى لكيه وقل أفغذة الكبر عن 
التصرف. ور أيتأ منه شيخاً فاضاة نبيهاً: حسن النشوه جميل اللقاء. 
حاضر الذهن. كريم الخلق. نفع الله به وبأمثاله . 

[84] أنا الفقيه أبو إسحاق الفأسى قراءة منى عليه بمنزله شرقى 
الهمذانى» أنا أبو الوقت» أنا أبو الحسن بن المظفرء أنا أبو محمد بن 
حمّويه» أنا الفربري» أنا البخاري» أنا المكى بن إبراهيم» أنا يزيد بن 
أبى عبيد. عن سلمة. قال : 

كنا نصلي مع رسول الله كَل المغرب إذا توارت بالحجاب» . 


فهم تبان وكذلك ٠‏ هواذ فى القرآن الكريم: ونظيره: 9# ما ترك علَيّبا من 
له و إنَآ رلته امد نا 


الل عن ب 07 58 له 0 أنه لما جاء ليسمع عليه 
اليوط قال 120 ارمس مين انالا أسمعه إلا مشر ةدنار 00 


فقلت له: لو جعلت على الناس في سماعه عشرة فلوس لزهدتهم 


)1١(‏ هذا الرمز اختصار ل: أنبأنا أو أخبرنا. 
(؟) سورة النحل: الآية .1١‏ 

(60)< شنووة القدوة الاية 1 

(4) أي ذهباً. 


ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة 








ا" ولم يكن عندي ما أعطيه. فجاء بعض بنى الدنيا ليسمعه عليه 


[941] قال ابن رُشيئد: وهذه جرحة إلا أن يتأول عليه أنه قصد 
بذلك تنفيق العلمء فالله أعلمء فقد كان الرجل معروف الدين 
والفضيل. 

ذكر سفرنا من المدينة إلى مكة شرقها الله 

ذكر سفرنا من طيبة ‏ زادها الله طيبء ويسر للعود إليها قريباً -. 
متوجهين إلى مكة حرم الله الشريف» قرب الله منه البعيده وبلغ المراد 
فيه للمريد» ومنحنا من إحسانه وامتنانه الجديد فالجديد» بمنه وفضله . 

[41] كانت إقامتنا بالمدينة - شرفها الله يوم الأحد والاثنين 
والشلاثاء وليلة الأزبعاء. وانصرفنا عدوة يوم الأربعاء السادس 
والعشرين لذي قعدةء صلينا الصبح بذلك المحل الكريم. راجين فضله 
العميم ؛ وودعناه وما ودعناه. وأودعناه الأرواح» وسرنا بالأشباح. 
والضلوع تتقد. والدموع تطردء ولسان المقال ينشد: 
لعن أ صبخت مرتخل بء بشخصي فسروحي عندكم أبداً مقيم 

ولسان الحال يردد: 


)١(‏ أي لو شرط عليهم عشرة فلوس لما سمعه أحدء فما الشأن وقد جعل عليهم 
عشرة دنانير ذهباً. 


المختار من الرحلات الحجازية 





20 


فوافينا ذا الحُليفة» فلبثنا بها يسيراً وتغسّلنا هناك للإحرامء 
وتركعنا في مسجدها لما روي عنه في ذلك؛» عليه الصلاة والسلام: 
وإن كان ذلك الموضع اليوم ليس هو الذي صلى فيه النبي يك بعينه. 
ولكنه بمقربة منه؛ لأن ذلك قد اجتحفته السيول قديماًء ولكن محل 
الكرامة كل منه يعد كريماً. 

وأهللنا بحجة مفردة لم نضف لها قراناً ولا تمتعاً على ما اختاره 
إمام المدينة مالك» ورآه أتمّ الأعمال وأحسن المسالك» وارتفعت 
الأصوات بالتلبية ورجي من المنعم الوهاب قبول تلك الأدعية . 


ورحلنا من هناك قريب الظهر راغبين من الله في قبول الزيارة. 
وتتميم ما شرعنا فيه من العمل الرابح التجارةء داعين إلى الله أن 
يُصحبنا السلامة في كل حل وترحالء في الأبدان والأقوال والأفعال. 
اللهم أتمم علينا نعمك. وبلغنا حَرَمك» وأفض علينا كَرمّك» وعرفنا 
القبول بعرفات.» واجعل أفعالنا وأقوالنا مبلغة إلى سكنى الجنان 
والغرفات . 

ثم لما ظهرنا على البيداء عصفت ريح شديدة ملأت الشعور 
والأثواب بما سفت عليها من التراب» واشتدت الحال» وعجز الناس 
لشدة القَرث'' عن الاحتمال» فلاذ بعضهم بلبس المخيط» ونزلوا مع 
الغروب» ورمت التحمل فكدت أعجزء. ثم منّ الله الكريم بالإلهام إلى 
لف بطني بعمامة كانت لي» أدرتها على بطني طاقة فوق طاقة» فمنح 


220 أي ادر 


ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة 





الله القوة والطاقة» وقرّت بى الحال» ونمت صالحاً والحمد لله . 


ثم لم نزل نرحل منزلاً فمنزلاً» وفضل الله لا يزال علينا مُنزلاًء 
إلى أن وافينا وادي الصفراء"'"؛ غدوة يوم السبت التاسع والعشرين» 
وهو واد فيه خصب ونخل وزرع وبطيخ ودْبّاء» وتمادى بنا السير نلاقي 
القرية بعد القرية إلى ظهر ذلك اليوم» فوافينا بدرا المبارك مشهد نصر 
الله نبيه عليه الصلاة والسلامء الذي أعز الله به دين الإسلام» فوردنا 
ماءه؛ وزرنا شهداءه. وحييناهم بالسلامء وبتنا هناك ورحلنا منه قبيل 
الصبح من ليلة الأحد الموفية ثلاثين لذي قعدة» فأهلّ علينا هلال ذي 
الحبجّة ‏ داعين الله تعالى في تتميم الحجة - ليلة الاثنين» وتمادينا على 
المسير إلى محل للنزول لم نعرفه ثم منه إلى رابغ» وافيناه ضحوة يوم 
الأحد ثاني ذي حجةء وهو في هذه المدة موضع إحرام الركب 
المصري. وهو دون الجحفة بنحو عشرة أميال إلى جهة المدينة؛ 
والجحفة عن يسار الطريق اليوم» ومن رابغ يرفع الناس الماء . 


[9] ذكر غريبة عَدْت لنا به وما عَنْت بل أغنت 


في معنى الآية الكريمة وأقتت 


ور 


وهي قوله تعالى : « كي يكزا و14 1 نم ين كاله 
7 2 ب الح الس ص ص سس مورى 6 
ييحم وَرِماحَكم لِيَعام لَه مَن ياف الْمَيبِ 74" . 


)١(‏ قال المحقق: الصفراء واد بقرب المديئة» يبعد عنها 4١كَم‏ تقريبأء للمتوجه إلى 
(؟) سورة المائدة: الآية 9484. 





0 

صحبني في الطريق من المدينة - على ساكنها الصلاة والسلام - 
قاصدين إلى البيت الحرام أحد الشيوخ من شرفاء المدينة» فلما وافينا 
رابغ رأيت أمراً عجباً من تخلل الوحش: الغزال والأرنب بين الجمال 
والرحال» بحيث يناله الناس بأيديهم» والناس ينادون: حرام حرام. 
والجواج ود كلوات جه تعدو جاهل يعتسف المجاهل» فقال في 
ذلك الشيخ الشريف: تأمل ترَ عجبأء هكذا جرت عادتنا في هذا 
الطريق» يؤمنا ونحن مُحرمون يَمْدُ به من الوحش ما ترى» فإذا عدنا 
روك اعون قي لامي كار كن قم ان أن ين على 
الآية الكريمة ما لم يكن غيّر بالمشاهدة» وكلام المفسرين على الآية 
معلوم يصدق على ما تناله الأيدي كالبيض والفراخ مما لا يستطيع أن 
يَفرّ وما يُنال بالرماح ونحوها ككبار الصيد''' . 

ثم رحلنا عنه منزلاً منزلاً إلى أن وافينا خليصاً يوم الأربعاء ضحوة 
الثالث من ذي حجّة. فقلنا هناك ورفعنا عشي النهار. 

ثم سرنا من خليص بقيّة النهار نرتحل منزلاً منزلاً . 

[45] فوافينا مكة شرفها الله ضحاء يوم السبت» حامدين لله تعالى 
على تسهيل المسير» وتيسير العسيرء فتلقانا أهل مكة وأطفالها متعلقين 


بالناس ليعلموهم المناسك ويهدوهم المسالك؛ قد درب صبيانهم على 
ذلك» وحفظوا من الأدعية والأذكار ما يحسن هنئالك . 


. قال المحقق: كلام أكثره لا يقرأ أقمناه بما يناسبه من كلام المفسرين‎ )١( 
قلت : وقد ظل بعض الكلام غير مستقيم في سياقه ومعناه.‎ 


ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة 





)سس 

[95] فطفنا بالبيت طواف القدوم: نيخب"''2 ونسعى» وقد ضاق 
بالطائفين المسعى» والمطر وابل» وميزاب الرحمة يعب عبابه» ويعم 
الناس أماماً ويميناً وشمالاً انسكابه» وهم يزدحمون في الحجر حتى 
غصٌ بداخليه» ومن لم يجد سبيلا لدخوله ونيل مائه المبارك عصر له 
بللّ ثوبه بعض نائليه» فدخل معي المطاف رفيقي الوزير أبو عبدالله الذي فاز 
دوني بمزية البدار» وحَظِي بحظ من الجوار» فال لي منبهاً ومفيداً: 


إن بعض شيوخنا قال لى: إنه تستحب تلاوة القرآن فى الطواف 
عند نزول المطر لما يرتجى من اجتماع البركات التى وردت في ثاذاث 
الآيات. وهي قوله تبارك وتعالى: 8 إنَّ أَوَلَ بتي وْضِعَ لِلنّاسِ لَلِى َك 


مبّاو2"<4. وقوله : # كتنب أله مبَارَك2"04. وقوله  :‏ وَتَرَلنَامِنَالسَمَك 


م 24746 . 
فامتثلت ذلك رجاء نعمة المنعم المالك. 


[45] وقراءة القرآن لا تقدّم على الأذكار المأثورة في هذا المحل 
وإن كان أفضل منها؛ إذ من القواعد أن لا يشغل عن معنى ذكر من 
الأذكار بمعنى غير ه من الأذكار 8 إن كان أفضل مئه لأنه سوء أدب »ء 
ولكل مقام مقال يليق به ولا يتعداه””'. 


)000( أي نُسرع : 

(؟) سورة آل عمران: الآية 95. 
() سورة الأنعام: الآية 47 . 
(4) سورة ى: الآية 6. 

(6) قد تقل المصنف هذا الكلام عن العز بن عبدالسلام» في قواعده. لكن الأثمة - 


المختار من الرحلات الحجازية 





م 


وقد ورد من القرآن في أذكار الطواف ما يقال بين الركنين 


اليمانيين : # رَيَسَآ ءَانِنَا ‏ الدّنيكا حَسكَةٌ وَف الْأْرَةَ حَسَسئَةٌ وَقَنَا عَذَابَ 
ألكَارِ7؟. 


ثم أكملت الطواف بسنته وختمت بالسعي بين الصفا والمروة» 
وقد امتلاً المسعى بسيله حتى كاد يمنع الإسراع بين الميلين 
الأخضرين» ولمًّا أدينا العمل المخصوص بذلك الوقت». وردنا زمزم 
وتضلعنا من مائه أكثر مما يتضلع من الماء السلسبيل» وتوقفنا بين 
الحَجّر الأسود والباب عند الملتزم للدعاءء ثم انصرفنا إلى المنزل 
الذي أعده صاحبنا ورفيقنا الوزير الفاضل الماجد الكامل أبو عبدالله 
حرس الله مجده ويسّر مرامه وسنّى قصدهء فأقمنا هنالك يوم الأحد 
السابع وصدر يوم الاثنين الثامن» وأخذنا في التوجه إلى منى» وقد 
سفرت أوجه المُنى» فصلينا الظهر في مسجد العقبة» حيث فاز سابقوا 
الأنصار رضي الله عنهم بكريم المنقبة» والعصرٌ بخيف منى . 

[1] ولقينا هنالك الشيخ الزاهد الفاضل العامل الفقيه أبا محمد 
المرجاني - نفع الله به الواصل معنا من تونس في المركب» فصلينا 
العصر جميعاء وأشار بموافقة الجمهور في التوجه تلك الليلة إلى 
عرفات والمبيت بها وتركهم سنة المبيت بمنى؟ لتوقع ما يخاف من 
الأعراب في أطراف النهار وأعقاب الناس» ويحذر من انتهابهم بمّا قل 

اختلفوا في حكم قراءة القرآن في الطواف» فمن مستحب لها ومفضل لها على 


الدعاء غير المأثورء» ومن مفضل للأذكار على القراءة. 
(1) :سورة البقرة: الآية 11 , 


ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة 





من العدد ولم يسنئص حب شيئاً من العددى ومن تأخر من الناس أو 
انمرد. وانسلالهم بين تلك الشعاب» وتوغلهم في الجبال بحيث يتعذر 


الإيحاف”2 عليهم بخيل أو ركاب». فوفع العزم على التوجه. وكان رأياً 


[94] فقدمت له راحلتهء فعزمت عليه في الركوب, فأبى إلا أن 
يسايرني إلى عرفات. ووضع يده في يدي». فسرنا جميعاً إلى عرفات 
فوافيناه عند غروب الشمس» فذهب هو مع صحبه لموضع نزوله. 
وانفردت أنا مع صحبي» وبتنا تلك الليلة بعرفات» وعلى إثرنا انتهب 
قطاع العرب بعض من تأخر من أهل الركب» وكان منهم لمن دافعهم 
قتل وسلبء وإنا لله وإنا إليه راجعون. وحسبنا الله ونعم الوكيل . 

[99] ورأينا في تلك الليلة عجباً فيما ابتدعته العامة من الاستعداد 
والاحتفال بوقد الشمع بطول تلك الليلة» بالجبل القائم في وسط 
عرفات المعروف عند العرب القدماء بالإل؛ وهو جبل مرتفع» في 
أعلاه مسجدء تنصب به رايات أمراء الركب» وقد صنع له درج بالبناء 
من أمامه ومن خلفهء فيرتقي إليه على طريق وينزل من أخرى» وربما 
التقى فريق مع فريق فيغص الجبل بالصاعدين والنازلين» وهو يتأجح 
نارأء ويتموج كالبحر زخاراًء والطرق إليه بالشموع في بسيط عرفات» 
كالسطور المذهبات» تتصل به من كل الجهات». وأنت إذا نظرت إليه 
على بعد من الخيمات تراه كشعلة واحدة» وما يطول من الشمع كأنه 


. أي التحرك» وخصه ابن هشام بالتحرك السريع‎ )١( 


المختار من الرحلات الحجازية 








البدن متعاضدة» فترى عجبا. 


هذه الحالة من قبيح البدع. التي يجب أن يزجر عنها فاعلها 
ويردع» وقد نبه على ذلك الإمام الفاضل جمال الدين أبو عمرو بن 
الحاجب» الفقيه المالكي”'". وبيّن قبح هذه الحالة التي استحستتها 
العامة» وبين ما أخطأ فيه الناس من أمر هذا الجبل فقال رحمه الله : 


اومنها إيقادهم لنيران عليه ليلة عرفةء» واهتمامهم لذلك 
باستصحاب الشمع له من بلادهمء واختلاط النساء بالرجال في ذلك 
صعوداً وهبوطاً بالشموع المشعلة الكثيرة» وقد تزاحم المرأة الجميلة 
بيدها الشمعة الموقدة كاشفة عن وجههاء وهذه ضلالة شابهوا فيها أهل 
الشرك في مثل ذلك الموقف الجليل» وإنما أحدثوا ذلك من قريب 
حين انقرض أكابر العلماء العاملين الآمرين بالمعروف والناهين عن 
المنكر»ء وحين تركوا سنة رسول الله كَكْهْ بحصولهم بعرفات قبل دخول 
وقت الوقوف بانتصاف نهار يوم عرفة؛ لكونهم يرحلون في اليوم الثامن 
من مكة إلى عرفة رحلة واحدة» وإنما سنة رسول الله كيد المسير في 
الثامن من مكة إلى منى» والمبيت بها إلى يوم عرفة» وتأخير الحصول 
بعرفات إلى ما بعد زوال الشمس يوم عرفة». 


)١(‏ عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونسء, أبو عمرو جمال الدين ابن الحاجب» فقيه 
مالكى من كبار العلماء بالعربية» ولد سنة 60/١‏ فى إسنا من صعيد مصرء وهو 
كردي الأصل . وكا يي القاهرةء وسكن وعفق) وكان أبوه حاجياً فعرف بهء له 
تصانيف كثيرة» توفي سنة 555 بالإسكندرية رحمه الله تعالى. انظر «الأعلام»: 
7/4 . 


ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة 





041 
قال صاحب النهاية : 


فيه ؛ وإن كان يعتأده الناس» . 


قال الإمام أبو عمرو"'2: 


«قد افتتنت العامة بهذا الجبل فى زمانناء وأخطأوا في أشياء من 
نر .متها انهم عغلوا التعيل هو الأصل :في الوقولته بحرفات». تنم 
بذكره مشغوفون» وعليه دون باقي بقاعها يحرصونء» ذلك خطأ منهم؛ 
وإنما أفضلها موقف رسول الله يَكِيهِ الذي سبق بيانه) . 


]٠٠١[‏ تنبيه وحسرة 


ترك الجمع على سنته في موضعهء. وصاروا يصلون بإمام يتم 
لهم. لا يحسن السنة أمام موقف النبي يك ويؤخر الظهر إلى قريب 
العصرء فينتظره كثير من الجهال» ويصلي أهل العلم فرادى أو 
مجتمعون في رحالهم» ثم يجيئون إلى موقف النبي 35 . 

والذى ظهر من الحكمة الشرعية فى مبيت الناس بمنى» وإقامة 
الصلاة بمسجد إبراهيم» له المجى + إلى الحوقك أنبيضل الناس ولت 
الأمكنة المطهرة طاهرةء ولم يبق إلا التشاغل بالذكر والدعاءء وأما 
الآن فتصبح تلك العَوّصات”'؟ المشرفات وقد ملئت فضلات أدميات 
وبهيميات» وإن شئت قل في الجميع بهيميات . 


)1١(‏ هوابن الحاجب المذكور انفاً. 
00 أي الساحات . 


المختار من الرحلات الحجازية 





5 > 

ولقد جهدنا أن نجد موضعاً للصلاة طاهراً فما وجدناه إلا أن 
يصلى على حائل يوضع على الأرض حتى على الصخرات المباركات؛ 
ولا حول ولا قوة إلا بالله . 

وتمادينا في الوقوف بموقف النبي يَكِةِ وشرف وكرم إلى أن غربت 
الشمس» وتفرق الجمع» وأفاض الناس . 

وكان مما أجرى الله على لساني في تلك العشية المباركة : 

اللهم إنا قد تذللنا إليك ثقة بعفوكء. وتدللنا عليك ثقة بكرمك . 

]٠١١[‏ وكنت في تلك الليلة قد قدمت ثقلي مع الراحلة وبقيت 
مُحْفَاًء فلما كنا عند آخر عرفة ونحن نريد سلوك طريق المأزمين - إذ 
هي الجادة إلى مزدلفة» ومحل الأمن» وهو بين العلمين اللذين في حد 
الحرم من تلك الجهةء والمأزم بكسر الزاي» ومعناه المضيق بين 
الجبلين ‏ وكان معي ثلاثة نفر من صحبي» لقينا الشيخ الفقيه العالم 
الزاهد الورع أبا علي عمر بن الصواف نزيل الإسكندرية - نفع الله به - 
مع رفيق لهء وكان ذلك الرفيق شديد الدربة حسن المعرفة بالطريق 
وبتلك الأماكن الشريفة» فصحبناهما للاقتداء بهماء وكان الشيخ الفقيه 
أبو علي يقول لنا : 

اسلكوا الطريق الوسط يعني التي هي طريق النبي كَةِ إلا أن تغلبوا 
عليها. 

فكنا نسلك نعم الطريق». فإذا غلبنا عليه بشدة الزحام تعلقنا 
بالجوانب إلى أن بلغنا مزدلفة بعد مغيب الشفق» فقلت للشيخ أبي علي 


ملع العة واسية بطر الي 





عندما شارفنا مزدلمة : إنى لست على وضوء وليس لى ماءء فأشار إلى 
اتباع الحكم الشرعى : إن وجد الماء وإلا فالصعيد. 


[؟١٠]‏ وكنت شديد الظمأ لأني كنت قد فارقت رحلي مع حركة 
المشي» فلما وافينا المزدلفة أخرج من عند رفيقه زميزمية صغيرة جدأء 
موك من لي بدن تخفى تحت إبط الحامل بحيث يواريها إبطه 
فأفرغ لي منها فشربت ثم آثرت صحبي» وتركت لصاحبي الوزير أبي 
عبدالله ما قدّرت أنه لا يرويه»ء فشرب ثم ناول أصصحابنا فشربوا 
بجملتهم» وليس منا من ترك الإناء إلا وهو يرى أن ما أفضل لا يروي 
صاحبهء ثم أفرغ لنا وتوضأناء وكثر الله ذلك القليل فكفاناء وما عاينت 
بركة ولا كرامة ظاهرة لأحد من شيوخنا في سفر إلا تلك» وصلى بنا 
جمعاً على سنة الجمع. وفي الصبح أيضاً مثل ذلك فلم نحتج 9 
تيممء وبتنا خير مبيت في أنعم بال وأفضل حال» وقدم لنا يسير كسّر 
مع نتفة من إدام كان فيه يسير خيارء فحصل لنا الري والشبع والصلاة 
بطهارة الماء ومماشاة ذلك الفاضل والاقتداء به في القفول من عرَفة 
إلى منى» كما حصلت مماشاة الفاضل أبي محمد المرجاني في التوجه 
من منى إلى عرفة شرفهما الله» نحمد الله على جميل عوائد وجزيل 
فواتده» فهو أهل الحمد والشكر. 


]|٠١9[‏ ذكر غريبة جرت لنا بمسجد الخيف من منى 


وهو مسجد كبير ليس له باب يصونه ولا سقف يكنه» وبوسطه أو 
قريب من وسطه موضع فيه تجصيصء يقال: إنه مصلى النبي كَل 


المختار من الرحلات الحجازية 





والله أعلم. يتبرك الناس بالصلاة فيه» وفى آخره فى القبلة بقية سقف . 


جاء أعرابي بدوي إلى ناحية من نواحي المسجد فرفع ثوبه وبال. 
فصببته عليه» وأعلمتهم بالسنة الواردة في ذلك في الأعرابي البائل في 

]٠١:[‏ ولما قضينا طواف الوداع أخذنا في الرحيل» حسبما نذكره 
بعد بحول الله تعالى» والقلوب من الوجد على شفاء والنفوس تأمل 
وجود الشفاء بتجديد زيارة المصطفى . 

والله أسأل قبول العمل» والصفح والعفو عن الزلل» وتيسير القفول 
الذي تم به الأمل» بفضل الله تعالى» إنه منعم كريم» ذو فضل عظيم . 

]٠١١[‏ ذكر من لقيناه بمكة ومنى وعرفات شرفها الله تعالى 

فمنهم الأخوان الفاضلان العاملان فقيها الحرم الشريف ومفتياه : 
العالم الفقيه المفتي رضي الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن خليل 
العسقلاني”'2: وأخوه الصالح المبارك علم الدين أحمد بن أبي بكر 
مزع ل المكيان» لقيتهما بمنزلهما من الحرم الشريف»ء وكان علم 


6 محمد بن 5 بكر عبد الله بن خليل العسقلاني المكيّ » شيخ الحرم ومفتيه : 
رضي الدين أبو عبدالله. المعروف بابن خليل الشافعّ. كان فقيها عالماً مفتياً. 
ذا فضل ومعارف» وعبادة وصلاحء وحسن أخلاق. توفي بمكة سئة 766 عن 
قرابة 7١‏ سنة رحمه الله تعالى: انظر «العقد الثمين»: 7/ 77-2059 . 

(؟) هو أخو محمد السابقة ترجمته. سمع بمكة وبمصر. وكان أحد فقهاء مكة, 
وكان رجلا صالحاً كثير العبادة. له بعض المصنفات. توفي سنة 789 وله نحو - 





57 
الدين بحالة مرض» فتحفيا وبالغا في البر والتأنيس رضي الله عنهماء 
وقدما طعامهما المعدّ للخروج لعرفة وما تيسر من غير ذلك واحتفلاء 

فإن أهل مكة شرّفها الله تعالى يختلفون في ذلك بحسب استطاعتهم . 

3 ورضي الدين هذا أحد العلماء العالمين الآمرين 
بالمعروف والناهين عن المنكرء وله في ذلك مع أمير مكة أبي تُمَيَّ 
محمد بن أبي سعد”(١2‏ حكايات ونوادر تحكى وتذكر» وقد انتهى الأمر 
به فيما بلغني» إلى أن سجنهء فرأى أبو نمي فيما يرى النائم كأن 
الكعبة» شرفها الله. تطوف بالمحل الذي سجن به رضي الدين» فوجه 
إليه وأطلقه واعتذر له. 


]٠١07[‏ ورضى الدين هذا هو الذي تدور عليه الفتيا أيام الموسم». 
واتفق لبعض أصحابنا الأندلسيين أن نفر به الجمّالون قبل الغروب من 
عرفة فبلغه ذلك» فقال: ابعثوا بالسائل إلى إمام شافعي يفتيه لثلا يفسد 


الشيخ أمين الدين أبو اليمن عبدالصمد بن عبدالوهاب بن الحسن بن 


6*9 سنة رحمه الله تعالى: انظر المصدر السابق: ”7/ لاه ب *5, 

)١(‏ هو أبو ثُمي الأول محمد بن الحسن بن علي الحسنيّ صاحب مكة واآبن 
صاحبها. ولد سنة 2576 وكان شجاعاً حازماً من الزيديةء قتل عم أبيه سنة 
وتولى مكانه إمرة مكة نحواً من خمسين سنة. توفي سنة !/١1‏ رحمه الله 
تعالى. انظر المصدر السابق: 455/١‏ الائ» و«الأعلام»: 2485/5 2 


المختار من الرحلات الحجازية 





-© 
نزيل 0 


]1١9[‏ ومن نظم شيخنا أبي اليمن ‏ رضي الله عنه ‏ مما قاله عند 
موافاته المنصورة» تحريضاً للمجاهدين؛ وتحضيضاً للمتثاقلين إلى الأرض 
أن ينفروا في سبيل الله والقاعدين» من قصيدة في قضية دمياط عام 151 
أفادها لنا صاحبنا الوزير أبو عبدالله بن أبي القاسم عنه: 


جََلٌ أصابك والحُطُوب جسام 
فالقلب دام والدموع سجام 
ومصيبة عظمت وخطب فادح 
ذهلت له الألباب والأفهام 
وغداالزمان كما تراه وثغره 
لافاحكٌ فرحاولا بام 
ياناصري الدين الحنيف أهكذا 
عندكم يجازى ديُّنا الإسلام 
أسلمتموه إلى الصّغار وأنتم 
والعار مقترن بكم والذام 


)١(‏ ولد سنة »71١5‏ وتوفي سنة 2585 وقد انقطع بمكة نحو أربعين سئنة» ومات 
بالمدينة» وهو حفيد ابن أخي الحافظ ابن عساكرء وكان قوي المشاركة في 
العلوم وله نظم وتصانيف . انظر «الأعلام» : ١1/5‏ . 


ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة 





أَين الحروب المتقى منواتيةا 
متكم وأين الكو والإقدام 
أين الذي قد باع مهجة نفسه 
يحنو لديها الصارم الصمصاء'”"' 
ومدرعين إذا الردى يوم الوغى 
شيمات بوارفه وحم حمام 
بذلوا نفوسهم لنصرة دينهم 
جنحوا إلى العلياء فاهتجروا المنى 
اغيموا افوس تحبا من مقخير 
رب" الايحتة المتسيير والإنغام 
من ربهم وتحية وسلام 


)١(‏ أي أن فتكاته أعظم من فتكات السيف البتارء ويُّعَد السيف البتار عندها حنوناً. 


المختار من الرحلات الحجازية 





0 - 

هذي المعالي هل لها من طالب 
ها _أنتم عنها الغدة نيام 

ياعصبة التوحيد كيف تحكم 
الشالوث فيكم والعلى أقسام 

وعلا على الحق اليقين لديننا 
ممَن دينه البهتانٌ والإيهام 

ميلوا عليه واستعينوا واصبروا 
لا تدبروا ولتت الأقدام 

وترقبوا النصر العزيز وأوبة 


الفَرَجَ القريب فربِنَاعَادم 


لابد من يوم بشسي ابراه 01 
الوو اسيك ويفش[ل الضرغام 


لا تمتروا في هّلك قوم كذبوا 

فلسوف ياقومي يكون لزام 
يا مدعي دين المسيح وإنه 

ليطول منه لماادعوه خصام 


)١(‏ المُؤد هو ما في الصدغين من شعر. 


ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة 





-©9 


غيَرتَمٌ دين المسيح وما انتحى 
| موسى وماقد سن إبراهام 
وحسدتم خير البرية أحمدا ظ 
فلنعته في 56ص إبهاء'') 
هيهات نور الشمس ليس بمختف 
والتسيبق كينف كتلكيية تمباء 
ياباعث المختار من خير الورى 
فهوالذي للمتقين إمام 
ياخيرَ مسؤول وأكرمَ منعم ظ 
ومريد ما تجرى به الأقلام 
ياكاشف الغماء يظلم خطبها 
ظ فلها على سعة الفضاء ركام 
انصر شريعتناء وسدد دنا 


فلا الفراسية منك والإعظام 


)١(‏ أي أنكم كتمتم صفته وحرفتموها في كتبكم. 


المختار من الرحلات الحجازية 





عدو عليقممنا (فتيرة وقتام 
واحلل عزائمهم. وشتّت جمعهم 
وَأَذْلَ عزتهم. وخيّب سعيهم 
ليكون منهم للردى استسلام 
]١١١[‏ ومنه بالإسناد فيمًا أنبأنا به أبو اليمن قال: إنه لما كان فى 
وقيعة دمياط عام هياط ودمياطء واشتد الحال في بعض الأيام» وعاين 
الناس وفع الجمام”"", تقدم رضى الله عنه للقتال مع رفيق كان له» 
واقتعد غارب الغربة إلى محل الأنس ‏ حرم الله الشريف - فتبوأه 
داراً» ووالى مدة عمره حجّاً واعتماراًء وزيارة إلى المصطفى إلى أن 
توفى على ذلك» وقد قضى من ذلك لبانات”'؟ وأوطاراًٌء رحمة الله 
عليه . 


[ ] وممن لقيت بمكة - زادها الله شرفاً ‏ الشيخ الفقيه 


)2020( أي الموت . 
030 أي رغبات. 


ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة 





الدين أبو العباس وأبو محمد أحمد بن عبدالله بن محمد بن أبي بكر 
الطبري المكي - رضي الله عنه ونفع به وبأمثاله» وهو أحد العلماء 
الفضلاء"'' - لقيته بالحرم الشريف. وطلبت منه السماع والإجازة 
فوعدني - في غالب ظني ‏ وضاق الوقت عن ذلك» وأجاز لي بخطه 
باستدعاء رفيقي الوزير الكاتب البليغ أبي عبدالله ‏ تولى الله شكره ويسر 
أمره - جميع ما رواه وألفه على العموم ولابني أبي القاسم أسعده الله 
ولجماعة من الأصحاب . 

[؟١١]‏ أخبرني رفيقي الوزير الفاضل أبو عبدالله عن شيخنا أبي 
اليمن ابن عساكر رضي الله عنه أنه قال: لم أرَ المحبّ في وقت من 
الأوقات إلا في عمل من صلاة أو طواف أو دعاء أو تعليم علم أو 
تصنيفه أو نحو هذاء وحسبك هذا عن الإطناب في وصفه . 

]١١[‏ وممن لقيته بمكة ‏ شرّفها الله -: الشيخان الفاضلان الفقيه 
الإمام أبو محمد عبدالرحيم بن محمد بن أحمد بن الزجاج» وابن أخيه 
أبو القاسم عبدالحميد بن أحمد بن محمد البغداديان. 

فائدة 

]١1١5[‏ جرى لي مع الشيخ الإمام أبي محمد بن الزجاج - رضي 
الله عنه ‏ في حالة سماع هذا الجزء عليه في الليلة المذكورة: أني 
رمقت الشيخ وهو قد ضعف عن القعود ‏ فإنه كان غاية في ضعف 


١ ولد بمكة سنة 06» وتوفى بها سنة 21595 وهو حافظ فقيه شافعي ؛ متفئن‎ )١( 
.١59/1١ وكان شيخ الحرم بمكة» وله تصانيف. انظر «الأعلام»:‎ 





البدن» قد نهكه السنّ والمرض والسفر ‏ وكان لي وعاء أحمل فيه 
كتبن + :فعمت: ركبنه يه فلار إلى .تقلى التغضي» :وأكنان. إل أن 
استعمال مثل هذا امتهان». وأبى من ذلك». رضى الله عنه . 


ذكر سفرنا من مكة شرفها الله قافلين إلى طيبة زادها الله طيباً 


رحلنا من ظاهر مكة ‏ شرفها الله بعد ظهر يوم الاثنين» الخامس 
عشر لذي حجة.ء راغبين إلى الله تعالى فى القبول» مزمعين بمشيئة الله 
على العود إلى حضرة الرسولء داعين ببلوغ السّول”'©؛ فما زلنا نسير 
منزلا منزلاء متعرفين البركة في كل إقامة وحركة؛ إلى قريب الفجر من 
الليلة الخامسة والعشرين» وقد شارفنا المدينة شرفها الله» فنزل مطر 
وابل» ولمعت بروق ملأت ما بين السماء والأرض» مكيف 
الجمال وماد بعضها على بعض حتى انقطعت الأنساع”''» وتكسّرت 
الهوادج وعاينًا أمراً هائلاً كَهَوْلٍ البحر حالة اغتلامه» فوقف الناس 
ساعة عن المسير» ثم أديل”*' من العسر اليسرء وأشرق الفجرء وسرنا 
حامدين لله شاكرين إلى أن وافينا المدينة على ساكنها الصلاة والسلام» 


]١١5[‏ ولما وصلنا ذا الخُليفة أو نحوها نزلنا عن الأكوار*', 


)١(‏ أي المطلوب. 

(0) أي ضعف بصرها. 

(6) الِنِسْع: سير يُضفر وتشد به الرحال. انظر «لسان العرب»: ن س ع. 
(4) أي أعقب اليسرٌ العسر. 

(4) الأكوار جمع كورء وهو الرحل. انظر «لسان العرب»: ك و ر. 


ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة 





واحتدم الشوق لقرب المزارء وكان. صاحبي ورفيقي الوزير الفاضل 
الأديب الحافل الماجد الكامل أبو عبدالله ‏ منحه الله العافية ‏ قد أصابه 
رمك افعثك مايه :تلك المعاهد الكريية لعن بالعقاء :من اله قبادر 
إلى المشي على قدمهء احتسابآ لتلك الآثارء وإعظاماً لمن حل تلك 
الديار» وأنشدنا لنفسه في وصف الحالء وكتبه لي بعد بخطه : 


وحين تبدى للعيون جمالها 

ومن بعدها عنا أديلت لنا القربا 
نزلناعن الأكخوار تمقسى كرانة 

لمن حل فيها أن نلمّ بها ركبا 


ولما قضينا واجب السلام على خيرة الأنام» وصاحبيه المفض سل 


المقدمين في الصحب الكرام» المخصوصين 5 لم يخص به أحد من 
أهل الإسلام عدنا إلى رحالناء وكانت إقامتنا هناك بقية يوم الخميس 
ويوم الجمعة بعبده ويوم السبت وصدر يوم الأحد. نتردد إلى 
الصلوات» وإلى تحيته يه وصاحبيه رضي الله عنهما بأكرم التحيات . 





المختار من الرحلات الحجازية 





ذكر بعض ما جرى لي هناك 
قرأت مكتوبآ في وجه الخزانة الكريمة التي تقابل المتوجه إلى 
الروضة الكريمة. وهى التى يضع الناسن فيها الكتب الواردة بالتسليم 
عليه يَكِْةّ هذين البيتين مكتوبين ببياض في سواد : 
سعدتم به يا زائرين ضريحه 
أمتقم ابه تنوم المعاد من الرجس 
سَلِمتم وأصبحتم بأكناف طيبة 
فطوبى لمن يضحى بطيبة أو يمسي 
وبلغنى أن هذه البيتين من كلمة لمحمد بن رشيد البغدادي 
الواعظء وهذه الخزانة الموضوعة في هذا الموضع كأنها قُصِد بها أن لا 
يستقبل المصلى شيئاً من الروضة الكريمة» ولذلك بنيت من الجهة 
الجوفية على زاوية حادة لثلا يستقبل المصلى منها شيئآء والله أعلم . 
]١١5[‏ ذكر سفرنا من المدينة على ساكنها الصلاة والسلام 
كان وداعنا للنبي يَلكِيِ يوم الأحد الثامن والعشرين لذي حجةء وفدل 
أودعناه الأرواح ورحنا بالأشباح : 
أودذعكم وأودعكم جناني 
وأنكرٌ عبرتي نثشر الجمان 
وقلبي لا يريد لكم فراقاً 


ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة 





ولله در القائل : 
لعو كشت سباعة يفا اننا 
وشهدت حين نكرر التوديعا 
وفهمت اندع التعدييف دموعا 
والناس داعون وقائلون: «اللهم لا تجعله آخر العهد بنبيك» . 
داعين ومسلمين حتى غابت عنهم : 
اللهم لا تجعلنا ممن نفته المدينة. واربط على قلوبنا بالصبر» 
وأَنزِلنْ علينا السكينة» وكن لنا صاحباً في السفرء ومُّنَّ علينا بالوصول 
إلى الأهل سالمين كما مننت بقضاء الوطرء ولا تجعله آخر العهد 
بزيارة سيد البشر. ظ 
وأهل هلال المحرم ليلة الأربعاء. مفتتح عام خمسة وثمانين 
وستمائة» ونحن بالمنزل المعروف بمطرح الغزالة» اللهم أهله علينا 
بالأمن والإيمان والسلام والإسلام. واجعله عاماً بتعد دا وازو لنا 
النعفن وقرت: لنا ها تيغاله يعدا . 
]١١1[‏ ووافينا يوم الأربعاء صبيحة الغرّة وادي الصفراءء ومنه 
يرفع الناس الماء إلى يَنْبّع والعامة تقول اليَنْبُوع. ورحالنا منها ضحاء 
يوم الخميس» وسرنا بقية يومناء ثم نزلنا منزلاً لم يُسَّم لناء ثم قمنا منه 


المختار من الرحلات الحجازية 








لينبع فوافيناه عصر يوم الجمعة الثالث لمحرم» وكان يوماً صائفاً شديد 
القَيْظْء كابد الناس فيه من العطش شدة حتى ذكر أنه مات بعض المشاة 
عطشاًء ووجّه الأمير رواياه'''مسرعة إلى يَنْبّع ليستقوا الماء ويلتقوا به 
الناض: ظ 

]١114[‏ ولما وافينا يبع خرج مغنوآن بأصوات طيبة عذبة يردددون 
هذه الأبيات وَيُحيُون بها القادمين ويُحيون نفوسّهم بطيب تلك 
النغمات : 
أبيهاالقادمونأهلاً وسهلا 

كية 5 وك : ينان |] ْ 030 
كتنف خلفتما| لغتسن ) 

4 5 7 4 09 هيه 

وقباأا واللقبي ومين لد ا 


رمن الملتقى وما كان أحلى 


لله درّهم حادوا عن الجواب» لما رأوا أنهم لا عذر لهم في الإياب . 


)١(‏ الروايا جمع راوية» وهو البغل أو البعير أو الحمار الذي يستقى عليه الماء. 
والرجل المستقي أيضاً راوية. انظر «لسان العرب»: ر وو ى. 

)*٠(‏ المقصود نجد الحجاز وهو ما 7 جهة نجد من الحجازء والمصلى موضع في 
المدينة بنيى فيه مسجد. 

(©) العقيق واد مشهور في المدينة . سَلع : جبل معروف فيهاء والنَقى موضع 

بالمدينة. ونلا : أي أقام ومكثء والألف للإطلاق. 


ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة 





-_ 0 


وأقمنا هناك للراحة من التعب» ولأن الركب المصري ربما تخفف 
من الأزودة» وأودعها هنالك استعداداً للعودة يوم السية ويوم الأحد. 
ورحلنا منه ظهر يوم الاثنين السادس لمحرم . 


وهذا الموضع المعروف يَنبّع يفتح أوله وسّكون ثانيه بعده باء 
مضمومة» والعامة تقول الينبوع بزيادة واو وإلحاق أداة التعريف». وهي 
بليدة حسنة كثيرة المياه والخضر والبساتين» وهي بين مكة والمدينة . 


ثم رحلناء وما زلنا نسير منزلاً منزلاًء ومسي ابو 
لم يسم فمما سمى موضع ماء يسمى الوجه7١‏ '. وموضع يسمى عيون 
القصب . 

]١١69[‏ وهى ميأه طيبة فقن سيط يست القصب.». وهناك تلقانا 
أوائل القادمين من الشام بالدقيق والتين والخروب» وكان الناس من 
فقد الأزودة فى شدة «تاسسا ا رن 7 
ذريع حتى كان يترك منها ذ في المرحلة الواحدة المائة وما قأربهاء 
ورخصت الأزودة والخرانع» ‏ ثم عدمت أو كادت حنى صار الناس 
يطرحون حوائجهم. كثر المشاة من المخدّرات والأطفال» وكان الأمير 
حسن السيرة فسار بالناس سيرآ رفيقاً» وارتفق الناس بعضهم ببعض 
وأركبوا بعضهم بعضاء وأبرد الأمير بُرُداً إلى أطراف الشام لتدارك 
الناس بالطعام والركاب». فكان أول ركب لقيناه بعيون القصبء وكانوا 


000( وهو البلدة المعروفة اليوم شمال المملكة على البحر . 


المختار من الرحلات الحجازية 





> ره 


يبيعون ما قدموا به رطلاً أو نحوه بدرهم من أي شيء كان» ثم بعد 
ذلك تلقانا الناس وتباشروا بالسلامة» وسمعتهم عند تلاقيهم يقولون: 
الحمد لله على جمع الشمل وطول الأعمار. 

3 ووافينا عقبة أيلة2'0 يوم السبت الخامس والعشرين من 
شهر محرمء وهذا الموضع تصنع فيه سوق عظيمة يجتمع فيها الرفاق 
والتجار - عند توجه الناس للحجّء وعند قفولهم من البلاد الشامية 
والمصرية - بأنواع المرافق وصنوف التجارات» وينصب فيه من 
الحوانيت ما يوجد في المدن العظام. ورأينا فيه من الاستعداد بأنواع 
الأطعمة ما لا يأخذه الوصف. ويقيم أمير الركب في ذلك الموضع أياماً 
حتى ينصرف أهل كل بلد إلى بلدهم» وحينئذ يسير الأمير ببقية الناس . 

فرحلنا منه متعجلين قبل الأمير مع الجمّالين الذين اكترينا منهم . 

[1؟١]‏ ثم سرنا منزلاً منزلاً والجمّالون يستعجلون بناء فعدمنا 
الماء فجددنا السيرء فوافينا ليلة الأحد الثالثة لصفر منزلا بمقربة من 
الموضع الذي يسمونه البويب - نزلناه عند غروب الشمس» ونحن 
عطاش - ولقلة جمعنا من الركبان لم نجد من نشري منه ماء» ولا من 
يتصدق بهء ولقد أغلى رفيقنا الوزير الفاضل أبو عبدالله في تلك الليلة 
فى ثمن شيء منه فما وجدء إلى أن تفضل بعض من كان في ذلك 
الركيب بالتصدق بصطل منه توزعه الأصحاب . 


)١(‏ ميناء على خليج العقبة» وكانت مدينة مشهورة فيما مضى: انظر «معجم الخريطة 
التاريخية للمماليك الإسلامية»: .7١ ١9‏ 


ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة 





0 
ورحلنا منه عند العشاء الآخرة»ء فسرنا ليلتنا نجدّ السير بليلة 
نابغية» أبطأت كواكبها ولم يؤبْ عازبها إلى أن تمكن الملل» وترادف 
الكلل» وتعذر بعض الأصحاب عن المشي» فأركبته وسرت على ما 
بي» فيا لها ليلة ما أطولها. 


فلما تمادى المسير ظن بعض ذلك الركب أنهم أخطأوا الطريق 
لأنهم كانوا قدروه أقرب مما وجدوه فعرسوا من آخر الليل» وكان 
الجمّال الذي معنا بصيراً بالطريق لكونه كان من أهل ذلك الموضع 
فأمعن المسيرء فما كان إلا اليسيرء فتراءت لنا كنار الحباحب» فتارة 
تبلاو واونة تخفى عن المراقب.». فاتخذناها أمَّآء وجعلنا نعمل إليها 
اعتتاء برشا نيا فما راعنا إلا تباشير الفجرء وقد أديل العسر باليسرء 
وقد وافينا بركة الحجاج». وقد أحدثت الباعة عليها حوانيت وأفراناً؛ 
واتخذوا من الخبز أصنافاً وألواناً. 


]١151[‏ فنزلنا على جانب البركة» وهو غدير كبير يمتلىء من فيض 
السيل» فلشدة التعب بركنا حتى لم نطق القيام إلى الماء مع أنه قريب 
من اللهوات. سهل التناول بالأيدي كيف بالأدوات» فقام من كان فيه 
بعض نشاط من الأصحاب إلى بعض تلك الحوانيت» فجاء بخبز لم 
تبرد ناره وتفتر » واستملى من ذلك الماء العذب. ووضعه بين أيدي 
الصحب» فأكلنا وشربنا حتى كدنا نسرف» وعدنا إلى ما لم نزل من 
فضل الله وتيسيره نعرف . 

ثم قمنا لأداء الفرضء» وقد أسفر الفجرء وعظم بفضل الله الأجرء 
ثم استرحنا ساعة إلى أن أشرقت الشمس» ونشطت النفس» وتلك 





2 آم 


[*؟١]‏ وهذه البركة بينها وبين مدينة القاهرة نحو من اثني عشر 
ميلاًء وعندها يجتمع الركب وينصب الأمير رايته عند التوجه للحج 
وعئد القفول منهء» وهناك يتلقى الناس القادمين». وكنا أول وفل قلمء 
فرأينا من تحفيّ الناس بنا وتمسحهم بأثوابنا ما يعجز عنه الوصف؛ 
مّن لهم في الركب» فيخرجون إليهم بأنواع الأطعمة والأشربة» والأثواب 
النقية» وماء الورد»ء وأنواع الحلاوة. وقصب السكر إلى غير ذلك . 

وبالجملة فالقوم لهم اعتناء بالأمور الدينية والدنيوية يبلغون فيهما 
إلى حالة يعجز عن وصفها اللسان. ولا يفي بنعمتها البيان» وتكل 
دونها البنان» فسرنا إلى أن وافينا القاهرة”''. 


)١(‏ إلى هنا تم المرادء والله الموفق. 


مستقاد الرحلة والاغتراب 








الرحلة الثالثة 
مستفاد الرحلة والاغتراب 


القاسم بن بوسف التجيبي السيتي"') 


وقد قام برحلته فى حدود سنة 597 سالكاً نهر النيل إلى مدينة 


قوص المحروسة 


وهي مدينة عظيمة أهلة عامرة» من أكبر المدن الشهيرة التي 
رأيناها بهذا الصعيدء ومن أحفلها بناء» وهي أرتب من مصر وأتقن» 
غزيرة المرافق» كثيرة الخلائق» يجتمع فيها الصادر والوارد من التجار 
الواصلين من اليمن والهند والحبشة» المدعوين بالأكارم» ومن 
المصريين والإسكندريين وغيرهم. ويوجد فيها من بضائع الهند ما لا 
يكاد يوجد في غيرها من المدن العظام المشهورة بذلك» ولها خارج 
حسن كثير النخل والأعناب والفواكهء وفيها شجر التوت الأبيض 
الثمرء الطيب الطعمء الذي لا يوجد مثله بكثير من بلاد المغرب» 
)١(‏ هو القاسم بن يوسف بن محمد التجيبيّ السبتن. حفظ القرآن 1 القراءات» 


ودرس التفسير والحديث والمصطلح والفقه والتصوف والعربية . توفي سنة 
. انظر مقدمة المحقق. 


المختار من الرحلات الحجازية 





وبرَّها طيب موصوف برزانة الحبة» وفيها مدارس عليها أوقاف جمة. 
يرتزق منها طللاب العلم. كثرهم الله تعالى . 


]١١[‏ واعتنى بنا أمير هذه البلدة وجهاتهاء وبالغ في تأنيسنا؛ 
وسبب ذلك أن الصاحب الأجل الأفضل الأثير المحترم الوجيه» عمدة 
التجار والمسافرين» ونخبة الرؤساء المكرّمين» تاج الدين المعروف 
بابن حنا"'' ‏ أدام الله سعده وحفظ مجدهء وجزاه عنا أفضل الجزاء - 
كتب في حقنا كتاباً حافلاً للأمير المذكور يتضمن الاعتناء بناء 
والاحترام إليناء ويحضه على تيسير جميع مطالبناء وتكميل أغراضنا. 

]١١[‏ وبالجملة فأهل الوجاهة والرتاسة في هذه البلاد يعتنون 


بالحجاج». ويحسنون الظن بهم ء والله تعالى ينفعهم بنياتهم » وكذلك 
كان ملك مصر والشام السلطان الأجل حسام الدنيا والدين أبو الفتح 


لاجين المنصور الملقب بالمنصور ‏ رحمه الله تعالى”'' - يعتني 


010 محمد بن محمد بن علي» الصاحب تاج الدين المصري. ولد سنة .55٠‏ ولي 
الوزارة سنة 597. وكان يتعاطى الفروسية ويتصيد بالجوارح ويحضر الغزوات . 
وكان جواداً مُمَدَّحاً. وكان له نظم ونثر لطيف. وانتهت إليه رتاسة مصر في 
عصره. وكان ذا سمت وسؤدد وشكل حسن» محباً للفقراءء كثير الصدقة 
والتواضع» متناهياً في المطعم والملبس والمنكح والمسكن. توفي رحمه الله 
تعالى ‏ سنة /ا١/,.‏ انظر «الدرر الكامنة»: 77/54" _ 3717. 

030 هو حسام الدين لاجين بن عبدالله المنصورىّ من ملوك دولة المماليك البحرية 
بمصر والشام وهو الحادي عشر من ملوك الترك المماليك» كان مملوكاً للمنصور 
قلاوون وإليه نسبته.» ثم ترقى في المناصب حتى صار نائب السلطنة في أيام 
العادل «كنبّغاه ثم خلعه وولي السلطنة وتلقب بالملك المنصور سنة 25945 
وجعل مملوكه «منكوتمر» نائباً للسلطنة فأساء هذا الأخير السيرة فكره الناس 


أعسيهة 
سي 





0 
بالحجاج ويأمر بتسهيل طريقهم» ويوصي بذلك عماله ونوابه» ومما 
عايناه نحن من ذلك وسمعناه بآذاننا»ء وذلك في أول جمعة جمعناها 
بقوص المحروسة, في الثامن عشر لجمادى الثانية المذكورة من سنة 
ست وتسعين وستمائة» إثر فراغنا من صلاة الجمعة» قام رئيس 
المؤذنين» وأمر الناس بالقعود لسماع مرسوم كريم وصل من قبل 

السلطان الأجل أبي الفتح المذكور ‏ رحمة الله عليه - فقعدوا . 


]١١>7[‏ وصعد الخطيب المنبر» واندفع جماعة من القراء بين يديه 
يتلون قوله تبارك وتعالى: «الْحَج أَفْهُمُ مَمْنُوْمَت # الآيات» وجعلوا 
يكررونها بأصوات حسنة» ويرددونها بالتلاحين العجيبة» متراسلين 
على عادتهم في هذه البلاد المشرقية» ونمقوا أصواتهم بذلك أي 
تنميق» وأجروا الدموع على الخدود» وشوقوا إلى الحرم الشريف أي 
تشويق» ثم لما أنصتوا خطب الخطيب خطبة مختصرة في فضل الحج. 
ثم قرأ الكتاب الواصل من الملك الأجل أبي الفتح ‏ قدس الله روحه - 
وكان مضمونه: أن لا يتعرض أحد من عماله ولا نوابه لأحد من 
الحجاج. وأن تسقط عنهم الملازم''' كلها التي كانت تؤخذ منهم 
بقوص وغيرها من بلاده» والله تعالى ينفعه بقصده الجميل» ويثيبه على 
ذلك الجنة بفضله ورحمته. 


لاجين من أجل هذاء فقام بعض مماليك الأشراف خليل وقتلوه في قصره سنة 
4» وكان مهيباً فارساً عاقلاً يحب العدل ومجالسة الفقهاءء وأبطل كثيراً من 
الضرائب . انظر «الأعلام»: 778/6 . 

)1١(‏ أي الضرائب وأمثالها. 





0 - 


أخبرنا البهاء أبو القاسم القفطي ثم العذري"'' ‏ نفع الله به - 
سماعاً بقورص» قال : وأخبرني عدل من عدول مدينةه فوص » قال : 


]١17[‏ كنا في سفر نافلين في طريق النوبة» فعدمنا الماء في برية 
لا ماء فيهاء وعطشنا عطشاً شديداًء وكدنا نهلك». وإذا جارية من 
الرقيق الذي في القافلة وضعت ولدآء فحملناه على أيديناء وسألنا الله 
تعالى أن يغيثنا وتضرعنا إليه» فأرسل الله المطر حتى شربنا ورويناء ثم 
لما رحلنا من تلك المنزلة ما وجدنا للمطر أثراً فيما عداها . 


ثم كان انفصالنا عن قوص - المحروسة آمين - لبيت الله تعالى - 


عظيمة يُستقى منها بالنواضح”'؟. وماؤها طيب عذبء ويقال: إنها 
تمتد من ماء النيل . ويردها من الإبل ما لاا يحصى كثرة» ويسكن بهذا 
الموضع قوم من نصارى القبط ‏ خزاهم الله تعالى ‏ فيه جملة من 


)١(‏ هو بهاء الدين أبو القاسم هبة الله بن عبدالله القفطى». ولد ب«قفط»؛ من صعيد 
مصر سنة 25٠١‏ وتفقه ب«قوص» من صعيد مصر أيضاًء وولى فيها أمانة 
الحكم» وتوجه إلى «إسنا» - في معد حفر يشاكما ومفيذا تمدريك: وراه 
القضاء أخيراً فعكف على العبادة والعلم إلى أن توفي ب«إسنا»سنة 591 رحمه 
الله تعالى» وكان عارفا بالتفسير والحديث. انظر «الأعلام»: 8/ 77. 

(؟) النواضح هي ما يستقى عليه من البهائم» وعادة تكون من الإبل. 


مستفاد الرحلة والاغتراب 








20 
رهبانهم» وهم قوم قد ذهبت رسومهي") من شدة الجهد في العبادة 
بزعمهمء وكأنهم نشروا من أكفانهمء نسأل الله العظيم أن يرزقنا 
السلامة والعافية في الدين والدنيا والآخرة» وأن لا يضلنا بعد أن 

هداناء فهؤلاء قوم قد خسروا الدنيا والآخرة. 


دخلنا هذا الدير معتبرين بأحوالهم شاكرين لله تعالى وحامدين له 
عزوجل على ما أولانا من دين الإسلام» وهدانا إليه» وهو سبحانه 
وتعالى يختم لنا بالحسنى بمنه وكرمهء فرأينا فيه من تصاويرهم ما لا 
يكاد ينحصرء وأكثرها ‏ في ما يذكرون ‏ صور قوم من عبادهمء ولم 
يزل ذلك دأبهم في قديم الزمان» إذا مات الصالح منهم بزعمهم 
صوروا صورته. 


روينا فى الصحيح من مسند أم المؤمنين عائشة ‏ رضي الله عنها - 
أنها قالت: إن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها 
تصاوير فقال رسول الله يكلِةِ: «إن أولئك إذا كان منهم الرجل الصالح 
فمات بنوا على قبره مسحدأ وصوروا فيه تلك الصور. أولينك شرار 
الخلق عند الله تعالى يوم القيامة»”'' . 


]١18[‏ وعاينا ففى سقف هذا الدير جملة حبال معلقة منه» فسئلوا 
عنها ما المراد بهاء فزعموا أنهم يربطون بها شعور عبادهم المصلين 


)000( أي ضعفت أجسادهم ونغيرت هيآتهم . 


23 أخرجه الإمام البخاري ومسلم وغيرهما. واللفظ لمسلمء انظر مع 0 
كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب النهى عن اتخاد القبور مساجد: .١85/0‏ 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 0 
خيفة أن يغلبهم النوم . 

]١١[‏ ولما هممنا بالخروج من هذا الديرء قدم بين أيدينا بعض 
رهبانهم طبقاً فيه كسيرات من خبز الشعير» ووريقات من هندباء ويسير 
خل» وقليل ملحء وزعم أن من ذلك هو عيش الساكنين بهذا الدير. 
وأخبرنا أن السلطان الأجل ملك مصر والشام ‏ أدام الله تعالى سعادته. 
وأجرى على الحميد السعيد عادته ‏ اشترط على سكان الديور أن يضيفوا 
من مر بهم من المسلمين بما استطاعواء فبسبب ذلك قدم لنا ما ذكر. 


وبلغنا أن أمير المؤمنين أبا حفص عمر بن الخطاب ‏ رضي الله 
عنه ‏ لما صالح نصارى الشامء شرط عليهم شروطأء منها ألا يمنعوا 
أحداً من المسلمين أن ينزل في كنائسهم في ليلٍ ولا نهارء وأن يوسعوا 
أبوابها للمارة وابن السبيل» وأن يُنزلوا مَن مرّ بهم من المسلمين ثلاث 
ليالٍ ويطعموهم. 


ومن غريب ما يحكى في دخول البيع ما قرأت أن بعض المشيخة 
فال: 


]١13[‏ كنا مع شيخ للصوفية من كبارهم» ونحن نسير معه إذ رأينا 
بيعة7١)‏ وفيها النصارى» فدخلنا البيعة لننظر مافيهاء ثم خرجنا فإذا 
بالشيخ واقف يبكي على العصاء وقال لهم: هل اعتبرتم بشيء؟ أو 
انتفعوا منكم بشيء؟ فقلنا: لاء فانصرف الشيخ إلى البيعة فرأى صهورة 


مستفاد الرحلة والاغتراب 





-© 


عيسى - - عليه اا منصرية ل الحائطء فقال م لالصورة. 


ا متو عل يد اللي سبي نين وخرج من 
البيعة والنصارى معه مسلمين» فقال الشيخ: إذا دخلتم البيعة فادخلوها 
هكذا وإلا فلا تدخلوهاء والله تعالى أعل"”'' . 

فأقمنا بالموضع المذكور ثلاثة أيام بسبب تفقد الجمّالين من 
العربان لبيوتهم. وكانت قريبة منه . 

ورفعنا منه ونزلنا ليلا على ماء يدعى الدغبج» وهو ماء قليل» لا 
تعالى بالبركة» فهو يروي القوافل النازلة عليه على كثرتهاء ويروي من 
الإبل البعيدة الإظماء ما لا يكاد يحصره العادى وهو مع ذلك لا يزيد 
ولا ينقصء عجباً من العجائب» فأقمنا به يومين . 

ثم رفعنأ منه» ونزلنا موضعاً يُدعى الجهندي ولا ماء به. 
ثم رفعنا منه ونزلنا موضعاً قفراً. وليس أيضاً به ماء يدعى قبطان» وكاد 
جميع من كان في قافلتنا أن يموت بهذا الموضع عطشأء وعاينا من 
)1١(‏ سورة المائدة: آية .١١5‏ 


(0؟) هذه قصة عظيمة» وليست على القدرة الإلهية بكبيرة» ولكن الشأن في ثبوتهاء 
فإن ثبتت فإنا تصدق بها ولا نستبعدها. 


المختار من الرحلات الحجازية 





> 


ذلك ما أفزعنا وكاد يذهب بأرواحنا؛ وسبب ذلك أن الجمالين ركبوا 
جمالهم وأخذوا قرّب أهل القافلة بأجمعهم. وحملوها صحبتهم ليأتوا 
بالماء فى الظهرء فجاء وقت الظهر واشتد الحر ولم يصل منهم أحد. 
فواسى أهل القافلة بعضهم بعضاًء ومن كان بقي له يسير ماء تصرف 
فيه»ء وسقى من يقرب منه ثقة بقرب وصول الجمالين» فدخل وقت 
العصر ولم يصل منهم أحد. فاشتد عطش الناس. وكثر خوفهم. 
وأشرفوا على الهلاك. وتمادى الحال كذلك إلى قبيل ظهر اليوم 
الثاني» وظننًا أن الجمالين لا يرجعون البتة» واشتد بكاء النساء 
والصبيان. وعظم الخوف إلى أن فرج الله ذلك» ووصل بعض 
الجمّالين قبيل الظهرء وتلاحق الباقون في تمام النهارء وذكروا أنهم 
قصدوا إلى ماء من مياه المطر في جبل كانوا يعرفونه فيه» فلم يجدوا 
فى الجبل شيئاً» فانطلقوا إلى ماء آخرء وملأوا القرب منه. 


]١73[‏ ولما فتحنا أفواه القرب وجدنا ماء سختناًء وقد تغيرت 
أوصافه كلها: الطعم واللون والرائحة» لكنّا سررنا به سروراً شديداً 
على علاتهء لما كنا نخافه من ذهابهم وعدم رجوعهم؛ بسبب قلة 
دينهم» وما شاهدناه من كثر خروجهم عن أمور الشريعة الإسلامية» 
وكانوا من قبائل مفترقة» وكان أكثرهم عدداً وأقلهم توفيقاً ورشداً قوم 
من دغيم - أدغمهم الله تعالى في بطون الأرض» وأراح منهم العباد 
والبلاد - كانوا لا يدينون الله بدين» أنكحتهم غير شرعية» وأحوالهم 
كلها غير مرضيةء أخبرونا: أن أحدهم إذا هم بالنكاح أتى امرأة 
فصافحهاء ودخل بها من غير صداق ولا ولي ولا شهود» فيقيم معها 





29 


ما أراد ثم يرسلها متى شاءء فينكحها غيره على تلك الصفة الملعونة» 
ولا يكاد أحد منهم أن يفعل شيئاً حتى يحلف عليه بالطلاق حانثا ألا 
يفعله» وبالعكس إن حلف ألا يفعل فعل» ولا يصلون لله ركعة إلا في 
بعض المدن» حين يعرضون جمالهم للكراء ليغتر بهم من لا يعرفهم. 
فيعتقد أنهم على شيء», وليسوا على شيءء وغزوهم أكد من غزو 
الروم» والله تعالى يريح الحجاج والمسافرين. 


]١1[‏ وما عندهم شيء يستحسن غير حسن الصوت بالحُداء27, 
فترى الجمال تقاسي تعب السير ومشقة الحمولة» ويهون عليها ذلك 
بحسن الحداءء فكيف الآدمي» والقلب يلتذ بسماع الصوت الطيب 
ويشتاق إليه» وهذا مما لا يمكن جحوده؛ فإن الطفل يسكن لسماع 
الصوت الطيب» وكذلك البهيمة. 


[175] وأما عدم خيانتهم في الأموال فليس من أمانتهمء وإنما 
هو إبقاء على أنفسهم؛ لأن معيشتهم إنما هي من حمل الناس من 
قوص إلى عيذاب» ومنها إلى قوصء. فلو تعرضوا لأخذ الأموال 
لانقطع هذا الطريق» وماتوا جوعاء وغاية ما يقدرون عليه من الضرر 
تطويل الطريق على الحجاج والمسافرين لأجل أكل أزوادهم. وهم لا 
يكادون يأكلون خبزاً ولا إداماً إلا معهم. ومن الناس من يشترط عليهم 
عدم الأكل فيشترطون له ذلك» ولا يوفون به» بل يقتحمون عليه 
ويأكلون زاده طوعاً وكرهاًء وإذا رأوا أحداً من جنسهم ‏ وإن كان على 


. الحداء: ما ينشد للإبل حتى تشتد فى سيرها ويذهب عنها التعب‎ )1١( 





- 0 
بعد صادراً أو وارداً ‏ أشاروا إليه» ودعوه ليأكل معهم من أزواد 
المسافرين» فيتكرمون بأموال غيرهم» ليفعل هو معهم مثل ذلك في 
نوبة أخرى» ويطلبون في كل ماء يردونه طليبة لا بد لهم من ذلك» وإن 
كان قد اشترط عليهم تركهاء وكذلك يطلبون أيضاً بموضع مخصوص 
على مقربة من عيذاب» عند شجرة من شجر هذه الصحراء تدعى أم 
غيلان وهي من السمرهء يأتون إليها فينزلون بإزائهاء ولا يرحلون حتى 
يدفع إليهم شيء طوعاً أو كرهأء وكل ذلك تضييق منهم على 
المسافرين والحجاجء. فيطيلون عليه الطريق حتى يفتدوا منهم بما 
أرادوا فراراً من سموم هذه الصحراء النارية الهواء» التي لا يستطيع أحد 


أن يسير فيها نهارا من شدة حرها. 


[1777] وسبب طغيانهم وظلمهم أن أحكام السلاطين لا تجري 
عليهم في الغالب؛ لانقطاعهم في هذه المفاوزء فالأجناد لا يقدرون 
على تبعهم لأنهم يفوزون"'' على إبلهم» وينعاشون من لبنها دون غيره 
من الطعام والشراب» فلا يقدر عليهم إلا إذا حصلوا في الحواضر. 
فبسبب ذلك يفعلون ما أرادواء وما يمنعهم من أخذ أموال الناس إلا ما 
ذكرته من قطع معاشهم؛ لأن الحجاج والمسافرين هم أعظم غلاتهم. 
فإذا أخذوا أموال قافلة واحدة انقطع الطريق وماتوا جوعاً كما ذكرت»: 
فبسبب ذلك أيضاً تلقى في الطريق صرر الفلفل وغيره من بضائع الهند 
ملقاة» إما لموت الجمال أو لإعيائها حتى تصل إليها جمال أخرء وفي 


200 أي يدخلون المفازة وهي الصحراء . 





01 سه 
أثناء ذلك يمرون عليها ويعرضون عنهاء ولا يتعرضون إليهاء عادة 
مستمرة من قديم الزمان» وذلك من لطف الله بالحجاج والمسافرين» 
والله يصلح أحوال الجميع بمنه . 

[73] وبلغنا أن الأعمش”''' ‏ رحمه الله - خرج إلى مكة حاجاء 
فكان الجمال يؤذيهء فكان الأعمش يقوم إليه كثيراً فيضربه»ء فقال له 
الجمال يوماً: الميعاد بيني وبينك الإحرام» فلما أحرم الأعمش تعرض 
إليه الجمّال» فقام إليه يضربه بعصاةء فقال له: الإحرامء الإحرام يا أبا 
محمد قال: ضربي إياك من مناسك الحج”"' . 


الوعر. ولا ماء به. 


ثم رفعنا منه» ونزلنا على ماء في بئر تدعى حميثراء وهذا الماء لا 
ينزل. فمن شربه تنزل المياه من الإنسان. ولا يقيم بالمعدة شيء» وإذا 
شربه الشارب لم يلبث أن ينزل من معدته مسرعاً من غير تأخير ولا 
إقامة» عجباً من الأعاجب . 


ورفعنا من هذا الموضع»ء ودخلنا مدينة عيذاب غدوة يوم الخميس 
السابع لشعبان المكرم من سنة ست وتسعين المذكورة. عن عهد ستة 


)١(‏ هو سليمان بن مهران الأسدي بالولاء» أبو محمدء تابعى مشهورء ولد سنة 
.»١‏ ومنشؤه ووفاته بالكوفة» كان عالماآ بالقرآن والحديث والفرائض» وهو 
رأس في العلم والعمل» توفي سنة ١58‏ رحمه الله تعالى. انظر ترجمته في #سير 
أعلام النبلاء»: 7777/7 وما بعدها. 

(؟) كان الأعمش كثير النوادرء وهذا الذي صنعه مع الجمّال من هذا القبيل. 


المختار من الرحلات الحجازية 





0 - 


وعشرين يومآ من الدير الذي فوزنا منه» وعن عهد اثنين وثلاثين يوم 
من رفعنا من مديئنة قوص - المحروسة -» وللّه الحمد والمنة . 


ذكر مدينة عيذاب, حرسها الله تعالى 


هذه البليدة على ضفة بحر القلزم”''» وليست بالكبيرة القطرء ولا 
بالآهلة العامرة بالخلق» وأهلها قوم من البججة سودء والبجة من ولد 
حام بن نوح ‏ عليه السلام ‏ فيما يقال» وأكثر بيوتها أخصاص . 

[179] وهي من أشد البلاد التي رأيناها حراء لا يكاد الإنسان أن 
يتنفس فيها إلا ويخيل إليه أن أحداً قد أمسك بأنفه» وكأن النار نعوذ 
بالله منها تلفح وجه الإنسان فيهاء ومن العجب أن ماء بحرها حار 
أيضاء يخيل إليك أنه سخن بالنار» حتى صار كأشد ما يوجد في 
الحمامات» وسبب ذلك شدة حر الشمس بهاء مع قرب قعره» فإنك 
تذهب من شاطئه إلى داخله نحو الميل» ولا يبلغ الثدي» وهي مع 
ذلك في وسط الصحراءء لا تتصل بها عمارة من جهة من الجهات». 
وإنّما سكنت من أجل مرساها الجيد الذي يُكنَ”'“ من الأرياح» وهو 
مرسى كثير الحط والإقلاع» يقصده أرباب السفن من عدن وغيرها 
بالبضائع الهندية . 

]1١140[‏ وأهل هذه البليدة الساكنون بها ينصرفون عراة رجالاً 
ونساء» ولا يوارون شيئاً غير خرق زرق» أو جلود يسترون بها عوراتهم 


)1١(‏ أي البحر الأحمر. 
6 أي يحمي . 


مستفاد الرحلة والاغتراب 





2 


فقط. وشعور نسائهم بادية وثديهن» ويذكر أنهم لا يعاقبون على الزنا ‏ 
نعوذ بالله من ذلك ولا يعارون عليه . 


وبهذه البليدة عامل من قبل السلطان الأجل ملك الديار المصرية 
والشامية» وآخر من قبل ملك البجّة الساكن بجزيرة سواكن من جزر 
بحر القلزم المذكورة» يقتسمان جبايتها نصفين» وكان بهذه البليدة 
تن شنيع على الحجاج . يبحت عن رحالهم. وأزوادهم وأمتعتهم ‏ 
ويؤخذ منهم ضرائب بحسب أحوالهم» فرفع الله تعالى ذلك بمكتوب 
وصل في قافلتناء من قبل الملك الأجل حسام الدنيا والدين أبي الفتح 
المنصوري» قرىء على منبر جامعها الأعظم على نحو ما قدمنا ذكره 
في مدينة قوصء والله تعالى ينفعه بذلك . 


]١51[‏ فكان نزولنا بهذه البليدة بدار بمقربة من جامعها الأعظم. 
وأقمنا بها أياماً وكادت القلوب تبلغ الحناجر من شدة حرهاء ونارية 
هوائهاء وقلة مرافقهاء وعدم موافقة غذائهاء وسخانة مائهاء ووحشة 
ناسهاء قوم حفاة عراة سودء لا يفقه أحد ما يقولون» ضعفاء العقول 
والألباب» ولولا البحر ما سكنت هذه البليدة» والله أعلم . 

ثم كان انفصالنا من عيذاب المذكورة في يوم الأربعاء الثالث عشر 
لشعبان المكرم من سنة ست المذكورة» في مركب من مراكبها يدعونه 
بالسنبوق» مضطرين لركوبه»ء متوكلين على الله تعالى في أن يسلمنا 
ويبلغنا المقصد الأسنى بمنه وفضله وجوده وكرمه. 


]١55[‏ فدخلنا بعد مضى نحو ساعة من يومنا مرسى بمقربة من 





- 1 
عيذاب المذكورة يدعى بالجديرء ومن هذا المرسى يحرم الآن أكثر 
القاصدين إلى الحجاز الشريف من هذا الطريق» وفي الإحرام منه غرر 
عظيم وخطرء لما يتوقع من عدم مساعدة الريح لمن يحرم منه» فيطول 
زمان إحرامه» فيلحقه الحرج بذلك» ولقد بلغني أن بعض المحرمين 
منه أقام محرماً نحو سنة . 
ثم لججنا من الجدير في عشي يوم الأربعاء المذكور صحبة مركب 
آخر لأحد عظماء التجار من ذوي اليسارء» وهو عز الدين بن 
الأصفهاني, صهر الصاحب الخليلي» قصد فيه الحج بأهله وولده 
وعيله وعد ةانةب يلحنا اله تعالن ,وإياءه بوتقيل منا ميا يمه وكرمه - 
فجرينا متقارنين في الجري متقاربين في السير بريح فاترة مساعدة لنا 


ا 


جميعا . 


]١5[‏ فلما قاربنا التوسط بين بر الحجاز الشريف وبر عيذاب 
الوحش» عصفت علينا الريح» وجاء منها ما أشفينا به على التلف. 
وعظم الموج حتى حال بيننا وبين المركب المذكورء فلم نعلم من 
حيث ذهبء وأظلم البحرء واشتد سواده» وأرانا أهواله الفرعونية» 
سلط الله عليه اليبس» وأخافنا ما شاهدناه من الحال» وأجمع رأي 
الملاحين وربانهم على أن الرجوع إلى بر عيذاب الوحش أرجأ 
لسلامتناء فكررنا راجعين طائعين وجلين» فيسر الله تعالى عليناء 
ودخلنا مرسى من مراسي بر عيذاب يعرف بالواسعة» فلم ينتفع بفأل 
اسمهء وضاقت علينا فيه الأرض بما رحبت» ولم يكن به ماء» ولا 
ظل2 ول أن ولا وحشء ولا إنس» فأقمنا فيه يوماً وبعض آخر. 


مستفاد الرحلة والاغتراب 





09 ع 
]١5:[‏ ثم أقلعنا منه فلما توسطنا الطريق مال أيضاً علينا البحر 
أشد من المرة الأولى» وعصفت الريح عصوفاً شديدآاء وجاء منها ما لا 
قبل لأحد به وعاينا الموت عياناء وأيقنًا بالتلف لا محالة» وضح 
الناس بالصياح والبكاء والتضرع إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء» وبهت 
الملاحون من شدة الهول. وهموا بإسلام''' المركب» وأن يلقوا 
بأيديهم إلى التهلكة» وأجمع رأي الجميع على أن الرجوع إلى 
عيذاب الوحش أرجأ لنا أيضاًء فكررنا راجعين عوداً بعد بدء خائفين» 
وعلى الله تعالى في سلامتنا متوكلين» وقد بلغت القلوب الحناجرء 
وأحاط بنا الموج من كل جهة ومكانء» ثم تداركنا الله تعالى بلطفه. 
ودخلنا مرسى من مراسي بر عيذاب المذكورة على مقربة من جزيرة 
سواكن يدعى بالمربوطة» وبعد استقرارنا فيه» ذكر لنا ربّان مركبناء وكان 
مقدماً في صناعته ماهراً فيها أن سلامتنا كانت مما يعد من النادرء وأن 
المركب قد اختلت ألواحه ودسّره”'""» وأن السفر لا يمكن فيه البتة. 
]١56[‏ فأرسينا بهذا المرسى» ولم نر قط مرسى أشد توحشاً منه. 
كان قريب القعرء بعيداً من البرء بقي بين المركب وبين البر نحو نصف 
ميل» وكان قعره طيناًء فكان أحدنا إذا نزل إلى البر كابد مشقة في 
نزوله» وساخت رجلاه في الطين إلى قرب ركبتيه» ولا يكاد أن يصل 


إلى البر إلا بشق النفس» فإذا وصل إلى البر لم يجد ماء ولا ظلاً ولا 
عمارة ولا حيواناً يدب على وجه الأرض» فأقمنا به أيامآ أعظم الله بها 


)غ0( أي ترك 
68 أي مسأميره . 





الأجرء ونفد أكثر مياه المركب» ولم يبق لنا في خاصتنا إلا شيء نزرء 
فجعلناه تحت نظر من وثقناه من أصحابناء وقدمناه على حفظه. وعلى 
أن يسوي بيننا فيه»ء ففعل ذلك» وكان يدفع لأحدنا منه جرعة بكرة 


وجرعة عشية . 


واستمر حالنا على ذلك» والخوف في كل يوم في ازدياد. إلى أن 
أجمع رأي أصحابنا على أن استأجرنا أحد ملاحي المركب المذكور من 
البجة بعد أن قرر عندنا الربان أنه خبير بالطريق وما هو فيهاء فكان 
كذلك عارفاً بطريق هذه الصحراء صبوراً على رمضائهاء فبعثناه إلى 
عيذاب» وكان بيننا وبينها جملة أيام على ما ذكر البجة» وأصحبناه 
كتاباً إلى بعض أصحابنا ممن خلفناه بعيذاب على بعض أسبابناء 
وذكرنا له فيه أن يكتري لنا مركبا ويبعثه إلينا . 


]١57[‏ وكتبنا كتاباً آخر لقاضي عيذاب ‏ حفظه الله - وكان من 
أهل الدين والفضل» ولأشياخ البلد» ورغبنا منهم أن يشاركوا أصحابنا 
في كراء المركب المذكورء وأن يؤكدوا على الربان في الإقلاع إلينا 
سريعاً في أقرب وقت يمكنهء ووصفنا لهم بعض حالناء فبلغنا أن 
القاضي حفظه الله وجزاه خيراً لما قرأ كتابنا رق لنا رقة شديدة» وجمع 
من الناس من قرأه عليهم» وبكى وأبكى» وأشفق الجميع من حالناء 
ودعوا لنا بخيرء واجتمع بالذي كتبنا له الكتاب.» وشاركه غاية 
المشاركة» وأكد على الربان في الإقلاع سريعاء ففعل ذلك الربّان. 


]١417[‏ وبلغنا أيضاً بعد ذلك أن المركب الذي كان فيه ابن 





0 
الأصبهاني وصل إلى جدة بعد أن عاينوا المنية» وسافر هو وأصحابه 
إلى مكة» شرفها الله تعالى» فسألهم عنا بعض أصحابنا ممن كان تقدم 
إلى مكة المعظمة» فأخبروهم أن الموج حال بيئنا وبينهم» وأنهم لا 
يعلمون من حيث ذهبناء وجعلوا بجملتهم يدعون الله تعالى - أن 
سينا وأن يطلع من أحوالنا على ما يسر الجميع» واستعان أصحابنا 
بطائفة من فضلاء المجاورين» جزى الله تعالى ‏ جميعهم خير الجزاء . 


]١54[‏ ونزلنا نحن من المركب في ليلة اليوم الذي فرج الله عنا 
فيه» وتقدمنا شيخنا وسيدنا ورفيقنا الإمام الفاضل أبو القاسم ‏ أعاد الله 
تعالى من بركاته ‏ للصلاة» فصلى بنا ما قدرء ثم لما سلم من آخر 
الصلاة دعا لنا دعاء حسناء وأمن الحاضرون» ثم دعونا أفذاذ"'', 
وذرفت العيون» ووجلت القلوب» فاستجاب الله تعالى دعاء الجميع 
بمنه وفضله» وحل وثاقنا من المربوطة» وما طلع النهار إلا وسنبوق قد 
وصل من عيذاب بالماءء فاشترينا العديلة بأزيد من دينار عيناً» وهي 
قدر قربة أو أزيد قليلاً» وبشرنا بوصول المركب إليناء فوصلنا في أثناء 
النهار» وهو المركب الذي اكتري لنا بعيذاب ‏ ولله الحمد والمنة - 
فتقلنا إليه أسبابناء وانتقلنا بجملتنا. 


]١541[‏ وامتنع المركب الأول من رد الكراء إلينا ظلماً منه 
وعدواناء إذ الكراء لا يكون إلا على بلاغ ولم يبلغناء ولا أوصلنا إلى 
موضع انتفعنا بوصولنا إليه. والله تعالى يعظم الأجر بذلك كله. 





]١٠٠١[‏ مرسى أبحر 


ثم بلغنا من مرسى المربوطة في المركب الواصل مستبشرين 
بالتيسير والتسهيل بفضل الله ورحمته» فكان الأمر كذلك». وأعطانا الله 
ريحاً رخاء طيبة» وجعل لنا البحر مثل الصهريج» ولم تزل الحال 
كذلك إلى أن دخلنا مرسى من مراسي الحجاز الشريف يعرف بأبحر. 
ولله الحمد والشكرء وذلك في يوم الجمعة السابع لشهر رمضان 
المعظم من سنة ست المذكورة» وهذا المرسى من أحسن المراسي 
وضعاأء وهو شبه خليج من البحر يدخل في البر» والبر مطيف بحافتيه» 
وين من جميع الأرياح وباستقرارنا فيه عادت لأجسادنا الأرواح. 
وأمنا في مركبنا من اختلال الدسر والألواح . 


وبين هذا المرسى وبين جدة نحو ساعتين من نهارء فبتنا فيه ليلتنا 
تلك. وقد استبشرنا ببلوغ المقصد الأسنى بفضل الله ورحمتهء لأن 
السفر لا يمكنهم في هذا البحر ليلاً إذا قاربوا البر؛ لكثرة شعبه وهو من 
أعجب العجب في ذلكء. ولولا تردد الملاحين فيه وخبرتهم به ما 
سلكه أحد . 


]151١[‏ ثم أقلعنا من مرسى أبحر غدوة يوم السبت الثامن لشهر 
رمضان المعظم المذكورة» فدخلنا ضحى اليوم المذكور جدة ‏ حرسها 
الله - عن عهد أربعة وعشرين يوم من عيذاب محتسبة عند الله عزوجل - 
لما رأينا فيها من الأهوال والأحوال الشاقة» ولكن على قدر المشقة 





011 سس 
يكون بفضل الله تعالى - ولطفه الأجرء ومن خطب الحسناء لم يغله 
المهر . 
ولله در القائل : 
إن كان سفك دمي أقصى مرادهم 
فما غلثْ نظرة منهم بسفك دمي 
فكان نزولنا بجدة المذكورة في يوم السبت المذكؤر بدار من دور 


كبرائهاء وهو الشيخ الْأَجَلَ ظفرء وكان حسن الأخلاق» طيب النفس» 
وأنزلنا أسبابنا من المركب المذكورء وأراحنا الله بفضله وكرمه من 
البحر الوحش الفرعوني. ومن رؤية السودان البجة الذين لا يفقه أحد 
ما يقولون» وما كنا نفقه من كلامهم» غير أنا كنا نسمعهم يسمون الريح 
التى عصفت علينا أزيب . 

وبين عيذاب المذكورة وجدة المحروسة نحو من مائتي ميل فيما 
ذكر لنا أهل المعرفة بهذا الشأن - ويقطع المسافرون هذه المسافة في 
الغالب فى يومين وليلة» أو ما يقرب من ذلك» فقطعناها نحن فى أربعة 
وعسشرين نوما تحسبها ذكرثام والكسين والتعسير بيد الله عزوجل» وهو 
المحمود على كل حال» جل وتعالى. وهو الرؤوف الرحيم . 

[؟١١]‏ ومن أعجب ما سمعته في التيسير وهو عندي من خَرْق 
العوائد. ما حدثني به الشيخ الومام الفاضل المعمر الصدوق بهاء الدين 





رمم 
أبو القاسم هبة الله بن عبدالله القفطي'''. بقوص المحروسة» قال: 
صلى بعض مشايخي صلاة الجمعة بقوص» وصلى صلاة الجمعة التي 
تليها بمكة شرفها الله تعالى» فاستغربت ذلك جداء وسألته من أي 
طريق سلك شيخه المذكورء فقال لي: سافر من قوص إلى الفصير 
على نجيب في يوم واحدء وركب البحر من القصير في مركب» فسهل 
عليه الأمرء ودخل مكة المعظمة». فأدرك بها صلاة الجمعة الثانية» ولله 
القدرة على ما يشاءء وهو ولي التوفيق . 


]١1657[‏ ذكر مدينة جدةء حرسها الله تعالى 


هي - بضم الجيم لا غير - والجدة بالضمء والجدة بالكسرء 
شاطىء البحر والنهر. وحجدة ساحل مكة. شرفها ألله تعالى . بينهما 
نحو من أربعين ميلا أصل الجدة الطريق الممتدة . 


وكان أهلها موصوفين بالغناء وكثرة المال» بخلاف ما هم الآن 
عليهء فإنهم من أشد الناس فقراء ومن أكثرهم على الجوع صبرأء وقد 
تهدم اليوم أكثر بنائهاء وأكثر بيوتها الآن بالأخصاصء. وشرب أهلها 
من جياب منقورة في الحجارة بخارج المدينة» وأكثرها يمد بعضها 
بعضاء وهي من الكثرة بحيث لا يكاد يبلغها الحصرء عاينًا منها ما لم 
نقدر على إحصائه ولا عدّهء مما يدل على أن البلد كان عظيماً اهلا 
فيما تقادم من الزمان» حسبما ذكرتء وبها الآن إقلاع وحَطّ يسافر 








منها لليمن. ولسواكن» وعيذاس» وغير ذلك» وبها مصائد للسمك» 
ومنها يحمل إلى مكة وغيرها. 


]١61[‏ وبهذه المدينة عامل من قبل السيد الشريف الأمير نجم 
الدين أبي تُمَىَ الحسني ملك مكة شرفها الله تعالى» يقبض له مكوسها 
وضرائبها التي تؤخذ من الحجاج» نفعهم الله تعالى وأعظم أجورهم 
بذلك» أخذ منا من غرائر الطعام نحو ربع كل غرارة» وألزم أيضاً من 
كان له متاع أن يؤدي ضريبة أخرى على المتاع. ولهم أيضاً ضريبة 
أخرى على الجمال التي يكتريها الحجاج لركوبهم» وحمل متاعهم 
وأزوادهم» ورقع جميع ذلك للشريف أبي نمي المذكور . 

فأقمنا بجدة المحروسة أربعة أيام بسبب تعذر الجمال» حتى 
تيسرت» فلما كان يوم الأربعاء الثاني عشر لشهر رمضان المعظم من 
سنة ست وتسعين وستمائة المذكورة حضرت الجمال» وتم الكراءء 
وتيسر الرحيل إلى مكة ‏ شرفها الله تعالى -. 

]١155[‏ فلما قربنا من التنعيم ولاحت لنا المساجد التي هنالك. 
وهي التي تنسبها الناس اليوم لعائشة .أم المؤمنين - رضي الله عنها - 
صرخ الناس بالتلبية والدعاء» وارتفعت الأصوات بالتضرع والبكاء. 
وعاينا من الخشوع والخضوع ما كاد يذيب قلوبناء ويذهب عقولنا 
وألبابنا . 


]١16557[‏ وكان معنا فى القافلة شخص فاضل من أهل الخير والسمت 
الحسن - كانوا يدعونه بالفقيه حسن - فلما قربنا من التنعيم أخذه حال 


المختار من الرحلات الحجازية 





روم 


وخشوعء وعلته رقة وخضوع. وبكى وأبكى». ثم غشي عليه» وكاد 
يذهب عقله. فسرى حاله للحاضرين» وزادهم في شوقهم وقلقهم لرؤية 
البيت الشريف ‏ زاده الله تشريفاً وتعظيماً ومهابة وتكريماً -. 


وملغنا أن" القيلى 77 ي برضن الله عنه - لما وصل إلى مكة شرفها 


أبطحاء مكة هذا الذي أراهُعيانتا وهذاأنا 


ثم استمر السيرء وزاد الخشوعء وعظم الشهيق والبكاء» وعلت 
الأصوات بالتلبية والدعاء إلى أن نزلنا في الربع الآخر من ليلة السبت 
الخامس عشر من رمضان المعظم من سئة ست وتسعين المذكورة. 
وبموافقة ليلة السادس من شهر يولية العجمي الشمسي على الباب 
المعروف الآن بباب الشبيكة» وبباب العمرة أيضاً ‏ وكان قديما يعرف 
يباب الزاهد ‏ وهو بأسفل مكة عند ثنية كدي بقرب شعب الشافعيين» 


2751 هو أحد الصوفية المشهورين الأوائل واسمه دُلف بن جخحْدرء ولد سنة‎ )١( 
وكان مبدأ أمره أنه كان والياً على بلدة في الري» ثم ولي الحجابة للموفق‎ 
العباسي» ثم ترك ذلك وعكف على العبادة» فاشتهر بالصلاح» له شعر جيدء‎ 
أصله من خراسان ونسبته إلى شبلة قرية من قرى ماوراء النهر» توفي ببغداد سنة‎ 
وانظر «سير أعلام النبلاء»: 717/15 وما‎ ."5١57 انظر «الأعلام»:‎ .”“ 5 
بعدهاء وقد قال عنه الذهبى: له مجاهدات: عجيبة انحرف منها مزاجهء. وقال‎ 
أيضاً: وله ألفاظ وحكم وحال وتمكن لكنه كان يحصل له جفاف دماغ وسُكر‎ 
فيقول أشياء يعتذر عنه فيها.‎ 


مستفاد الرحلة والاغتراب 








00 م 
ومن هذه الثنية دخل رسول الله تَكِيِ مكة المشرفة المعظمة يوم الفتح. 
على ما ذكره غير واحد من أهل المغازي والسير»ء والله تعالى أعلم . 
[101] فلما وصلت إلى حرم الله تعالى الشريف دخلته من باب 
بنيى شيبة اقتداء بفعل رسول الله ككل وقصدت الحجر فقبلته» وجعلت 
البيت عن يساري» وشرعت في الطواف». وكان أمامي بعض من وصل 
صحبتنا في القافلة من أهل المغرب الأقصى» وكان قد حج قديماًء 
وشرع أيضاً في الطواف. فلما حاذى غلبت عليه حال» ورؤية المنزل 
تذكر بصاحبه» فصاح صيحة عظيمة كادت نفسه تزهق» فكسى علي 
حاله. وأدهشتني صيحته» وأخحذت بمجامع قلبي» ولم أدر ما أصنع » 
وهممت بالدخول في الحجرء فصاح بي بعض المكيين» فثابت إلى 
قبي 7 وأكملت سبع طوفات . 


مشهور فضائلها وفضائله 


مكرم» وقد أحدقت الجبال بها من كل جهة ومكان» ووضعها قريب من 
شكل مثلث» وهي غاية في الكبر. تسع من البشر ما لاا يحصى كثرة. 


000 أي رجعت إلى نفسى . 


المختار من الرحلات الحجازية 





ولها جملة أسماء : منها قرآنية: ومنها غير ذلك». فالقرانية : مكةء 
بالميم وهو اسم لجميع البلدء وبكة بالباء . 


وفضائل الحرم الشريف ومكة المعظمة أكثر من أن تحصى »ع ولم 


[154] ومن عجائب البيت المكرم المعظم أن الحرم الشريف 
على كبره واتساعه يكون قد غص بالناس فإذا فتح باب البيبت المطهر 
دخل جميع الناس أو أكثرهم فيه»ء فيسعهم ولا يضيق بهمء وعاينا من 
وصل منهم فى سنة ست وتسعين المذكورة عدد لا يحصى كثرة» وهم 
قوم من جبال اليمن"''. لا يألفون المدن ولا الحواضرء وكأنهم قد 
وأضلاعهم تعد من أجنابهم. وليس عليهم من اللباس إلا ما يواري 
سوأتهم خاصة » لبن يحسنولن شيا من العبادات» ولا من هو 


الشريعة كلها. 


]١6549[‏ وما رأيت أضحك من صلاتهم. تبصر أحدهم وهو يكلم 
صاحبه بما يعرض له من أموره وهو في الصلاة» والمسبوق منهم يسلم 
بسلام الؤمام وإن لم يدرك معه إلا ركعة واحدة. أو سعحذلة © أو أقل أو 
أكثرء وربما انحط من قيامه فأصلح شيئاً بين قدميه وهو يصلي» وربما 





)010( ا أبن بطوطة حالهم, وفصل فال : هم من غامد وزهران وبجيلة . انظر رحلته 
ص/ا7١‏ . 





١ 9 


انتقل من موضع إلى موضع إلى غير ذلك من الأمور الخارجة عن فعل 
الصلاة. 

]١1١[‏ وأما دخولهم إلى البيت الشريف فمن أغرب ما يُرى 
أيضاً؛ لأن بعضهم يتماسك ببعض في حال الدخول فيتصل منهم عدد 
كثير على هذه الصفة» وربما ازدحموا على أدراج البيت الشريف. 
وإذا دخلوا البيت الشريف تطارحوا على أركانه» وجميع نواحيه. 
ويأتون إلى باب الكعبة فيد خلون أيديهم فى حلقتي الباب.» ويزدحمون 
بداخل الكعبة . 


]!١11[‏ وإذا تطارح أحدهم على موضع من مواضع البيت يريد ألا 
ينفصل منه» حتى اتفق لبعضهم ‏ ونحن بالحرم الشريف - أن أتى إلى 
باب الرحمة المذكور يوم جمعة ودخله وأغلقه عليه» وأحد لا يشعر 
بذلك» فلما خرج الرجال من البيت ثم النساء بعدهم» أغلق الحجبي 
باب الكعبة ‏ على عادته ‏ وهو لا يعلم به» فبقي الزيلعي داخل البيت. 
ولم يدر ما يصنع ولا أين يذهب». إلى أن ألهمه الله تعالى إلى صعود 
الأدراج التي داخل البيت الشريف, فظهر على سطح الكعبة المشرفة عند 
مغرب الشمس من ليلة الاثنين» فرآه الناس فصاحوا بالشيبي المذكور. 
فأتى بالمفتاح فحل عليه الباب» فنزل وقد كان يئس من الحياة. 
وأشرف على الهلاك» وليس عندهم من أمور الشريعة شيء ‏ كما قدمنا 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 1 
ذكره - غير النطق بالشهادتين وحسن النية والدعاء الذي يصدع 
القلوب» ويفجر العيون الجوامدء فبحسن نياتهم يُرْجَى لهم الخيرء 
ومن تمسك منهم بأمور الشريعة وأحكامها عظم شأنه وجل مقداره. 

]١7[‏ ومن غريب ما أخبرني به بعض أصحابنا الثقات بالمسجد 
الحرام عن حسن كلام الزيلعيين أن قال: جاءت اليوم امرأة من الزيلع 
إلى حيال الحجر الأسود. فسمعت طائفة منهم يدعون بدعاء حسن» 
ويسألون مطالب لهمء فقالت: اللهم إنك تعلم أني لا أحسن أن أدعو 
مثل دعائهم» وتعلم أني أسأل منك مثل الذي يسألون. فأعطني مثل ما 
تعطيهم» ثم انصرفت . 


]١[‏ روينا عن القشيري”'' فى باب الرجاء: ومما يستحسن أن 
الحسين هو رين العابيديه9", رضي الله عنه - ساحكدا في الحجري. 


(1) عبدالكريم بن هوازن بن عبدالملك النيسابوري القشيري» من بني قشير بن كعب» أبو 
القاسم» زين الإسلام» شيخ خراسان في عصره زهداً وعلماً بالدين» ولد سنة /ا”اء 
وتوفى سنة 550 بنيسابورء وله تصانيف مهمة منها «الرسالة القشيرية» و«لطائف 
الإشارات». وكان عديم النظير ف السلوك والتذكير» لطيف العبارة. طيب 
الأخلاق. انظر «سير أعلام النبلاء»: 7717/14 - 777. و«الأعلام»: 01//5. 

00 طاووس بن كيسان الخولاني الهمُداني بالولاء, ولد سنة ”07 وهو من أكابر 
التابعين تفقهاً في الذي ورواية للحديث » وتقشفاً في العيش »2 وجرأة على وعظ 
الملوك والخلفاء» أصله من الفرسء» ومولده ونشأته باليمن» توفى حاجاً سنة 
5 » كان من عباد أهل اليمن. ومن سادات التابعين» مستجاب الدعوة. حج 
أربعين حجة. انظر «سير أعلام النبلاء»: 7/6 8” -59. و«الأعلام» : / 775 . 

(9) علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم» الزاهد العابد المشهور. - 


مستفاد الرحلة والاغتراب 





-© 


فقلت: رجل صالح من أهل بيت طيب لأسمعن ما يقول» وأصغيت 
إليهء فسمعته يقول: عبيدك بفناتك.» مسكينك بفنائك» سائلك 
. بفناتك. فقيرك بفنائك» فوالله ما دعوت بها في كرب إلا كشف عني» 
والله تعالى أعلم . 

وما بلغنا أيضاً عن مالك بن دينار"'"» قال: بينا أنا أطوف بالبيت 
إذ أنا بامرأة جهيدة في الحجر وهي تقول: أتيتك من شقة بعيدة مؤملة 
معروفك . فأنلني معروفاً من معروفك تغنني به عن معروف سواك,. يا 
معروفاً بالمعروف» وذكر باقى الحكاية» وفيها: فسألنا عنها فقالوا: 
هذه مليكة بنت المنكدر. | 

وروى عن سعيد الأزرق الباهلي”' أنه قال: دخلت الطواف ليلا 
فبينا أنا أطوف وإذا بامرأة فى الحجر ملتزمة للبيت قد علا نشيجهاء 
فدنوت منها وهي تقول: يا من لا تراه العيون. ولا تخالطه الأوهام 
والظنون» ولا تغيره الحوادث. ولا يصفه الواصفونء يا عالماً بمثاقيل 
الجبال ومكاييل البحارء وعدد قطر الأمطارء» وورق الأشجارء وعدد 
ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهارء لا يواري منه سماء سماءء ولا 


توفي سنة 97 رحمه الله تعالى. انظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء»: 7783/4 
وما بعدها. 

)١(‏ مالك بن دينار البصري أبو يحيي» من رواة الأحاديث» كان ورعاء يأكل من 
كسبه» ويكتب المصاحف بالأجرة» توفي في البصرة سنة ١77‏ رحمه الله تعالى» 
وكان علم العلماء الأبرار» معدوداً في ثقات التابعين . انظر لأسير أعلام النبلاء» : 
نر 


. لم أطلع له على ترجمة‎ (١ 








أرض أرضاًء ولا جبل ما فى وعرهء ولا بحر ما فى قعره. أسألك أن 
تجعل خير عمري آخرهء وخير عملي خواتمه» وخير أيامي يوم ألقاك. 
وخير ساعاتى ساعة مفارقة الأحياء» من دار الفناء إلى دار البقاء» التي 
تكرم فيها من أحببت من أوليائك» وتهين فيها من أبغضت من 
أعدائك» أسألك إلهى عافية جامعة بخير الدنيا والآخرة مَّناً منك علي 
وتطلاً» يا ذا الجلال والإكرام» ثم صرحت وغشي عليها. 

]١5:5[‏ وعجائب هذا البيت الكريم شهيرة» وفضائله كثيرة» فمن 
عجائبه أنك لا تراه يخلو من طائف أبداً لا ليلاً ولا نهاراً» إلا فى وقت 
صلاة المغرب خاصة . ومنها أنه قائم وسط الحرم الشريف » وحمام 
الحرم لا تحصى كثرة» وليس منها ما ينزل عليه» ولقد لإحظت ذلك 
مدة إقامتى بها فما رأيت حمامة نزلت عليه إلا مرة واحدة نزلت على 
الركن الذي فيه الحجر الأسودء ودرجت إلى الركن اليماني» فعجبت 
من ذلك» وسألت عنه شيخنا الإمام الفاضل المفتي رضي الدين أبا 
إسحاق الطبري ثم المكي - أعاد الله تعالى من بركاته ‏ فذكر لي ما 
معناه: أن العادة جرت عندهم بأنه لا ينزل عليه طائر إلا مستشفياً من 

]١50[‏ و- خحلف المقام التتريفة صلى رسول الله عَتكِله ر كعتي 
الطواف يوم الفتح وفي حجة الودا 3 وهناك يقف اليوم لصلاة 
المكتوبات إمام أصحاب الإمام أبي عبدالله الشافعي ‏ رحمه الله ورضي 
عنه - وهو شيخنا رضي الدين الطبري المتقدم ذكرهء» وهو أول من 


ايها 
يها 





وهم أربعة ويصلى بعده إمام أصحاب الإمام أبي عبدالله مالك رحمه 
الله ورضي عنه 7 وموقمه بين الركنخ اليماني والركن الغربي وهو 
الشامي» ويصلي بعد إمام المالكية إمام أصحاب الإمام أبي عبدالله 
أحمد بن محمد بن حنبل ‏ رحمه الله - وربما صلى هذا الحنبلي مع 
المالكى فى وقت واحدء وموتقفه قبالة الحجر الأسودء ويصلى بعده 
إمام أصحاب الإمام أبى حنيفة ب رحمه الله - وموقمه تمجاه الحجر 
والميزاب» ويصلى فى آخر الوقت. 


وهو آخر الأئمة كلهم صلاة في جميع الصلوات إلا المغرب» فإن 
الأئمة الأربعة السنيين يصلونها جميعاً في وقت واحد» حتى لربما دخل 
في هذه الصلاة على المصلين سهو وغفلة لاجتماع التكبير فيها من كل 
جهة 2 ولقرب مواقف الأئمة بعضهم من بعض في هذه الصلاة ؟ حتى 
يفضي ذلك لركوع المصلي خلف المالكي بركوع الإمام الحنفي. 
وركوع المصلي خلف الحنفي بركوع الإمام الشافعي. ولربما سلم 


وهذا كله من البدع التي حدثت بهذا الحرم الشريف» ولم يكن فيه 
في زمن السلف الصالح شيء من هذا؛ لأن أهل العلم قد نقلوا أن 
مكة ‏ شرفها الله تعالى ‏ لم يجمع فيها الصلاة المفروضة بالحرم 
الشريف بإمامين في حالة واحدة ولا جماعة بعد جماعة». من زمن أمر 
النبي ككل عتاب بن أسيد(؟ عام الفتح سنة ثمان» إلى أن غلب 


- عتاب بن أسيد بن أبي العيص الأمويّ أبو عبدالرحمن المكىّ» كان أمير مكة في‎ )١( 


المختار من الرحلات الحجازية 





الديلمى20 على العراق» فتفرق العلماء من العراق ومن الحجاز إلى 
غيرهما من البلدان» فبقي الناس في الحرم الشريف أشتاتاً لا إمام لهم 
يقيم لهم الصلاة» ففزع أهل كل مذهب في الحرم إلى رجل منهم 
فقدموه ليصلي بهم جماعة» فمضى العمل على ذلك من يومئذء والله 
تعالى أعلم» وهو عزوجل - يرشدنا وأهلّ حرمه الشريف لاتباع 
السلف الصالح واقتفاء آثارهمء وكان الحق أن يجتمع الناس كلهم 
خلف إمام واحدء والله يرشد لذلك”"' . 


]١77[‏ والأئمة السنيون المذكورون لكل واحد منهم موقف 
لصلاة الليل» وآخر لصلاة النهارء خلا إمام أصحاب الشافعي ‏ رحمه 
الله تعالى -؟ فإنه يصلي الصلوات كلها خلف المقام الشريف في موضع 
واحدء وأكثر من يصلي خلفه صلاة النهار يتأخرون عنه إلى تحت 
السقائف فراراً من شدة الحرء فتراهم يصلون بصلاته وبينهم وبينه فرج 
كثيرة» والأمر في ذلك قريب - إن شاء الله تعالى - لمن لا يقدر على 


- عهد النبي يِه ومات يوم مات أبو بكر الصديق رضي الله عنهماء وقيل بل كان 
عاملاً لعمر رضي الله عنه على مكة سنة 7١‏ هه والله أعلم. انظر «التقريب»: 
". 

)١(‏ هو عضد الدولة فناخسرو بن ركن الدولة ابن بُوَيه الديلمي» أبو شجاعء ولد سنة 
4 وتوفي سنة الالاء وكان شديد الهيبة جباراً عسوفآء أديباً» عالماً بالعربية. 
ينظم الشعرء وكان شيعياء وهو الذي أبرز القبر بالنجف وزعم أنه قبر علي 
رضي الله عنهء وكان كثير العمران» وكان قد استولى على الدولة العباسية 
بالعراق. انظر «الأعلام»: 167/5. 

(؟) هذه بدعة منكرة» وقد أزيلت ولله الحمدء وكان الأئمة العاملون ينكرونهاء 
ويشددون فيها. انظر «شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام»: 555/١‏ -555. 


مستفاد الرحلة والاغتراب 





التقدم إلى الشمس . 

]١7171[‏ وقد سئل الإمام أبو عبدالله مالك رحمه الله تعالى - عن 
فقال: أرجو أن يكون واسعاًء وليس كل الناس سواءء» وحر مكة 
شديد» وقد وضع عمر بن الخطاب ‏ رضي الله عنه ‏ ثوبه فسجد عليه 


من شدة الحر. قيل له: فإن رجلاً يطيق أن يصلي في الشمس ويحتمل 


ذلك أترى أن يتقدم؟ قال : نعم . 


]١14[‏ ويصلي في الحرم الشريف إمام خامس وهو . بدعي. 
وموقفه بين الركنين اليمانيين» ويصلي بطائفة من الروافض تدعى 
بالزيدية» وأشراف هذه البلدة المعظمة على هذا المذهب الخبيث» 
ومن جملتهم واليها الشريف أبو نمي وقرابته وحاشيته» والله تعالى 
يرشدهم لطريق أهل السنة بمنه وكرمه . 


[] وافترقت الزيدية فرقاء والفرقة التي بمكة المشرفة الآن 
منهم لا يعرفون قبيلاً من دبير» ولا يذكرون على مذهبهم الخبيث دليلاً 
بل هم كالأنعام أو أضل سبيلاً» ويزيدون في أذانهم بعد الحيعلة «حي 
على خير العمل» يقولونها مرتين» ومن أشهر ما عندهم من البدع أنهم 
لا يجمّعون. ويصلون يوم الجمعة بالمسجد الحرام ‏ والناس ينظرون 
إليهم - ظهراً أربعاً» عايناهم كذلكء ويتبرؤون من أبي بكر وعمر - 
رضي الله عنهما - وفضلاء مكة وعلماؤها يعلمون ذلك من مذاهبهم. 
ولا يقدرون على تغيير ذلك إلا بقلوبهم؛ لموافقة الشريف أبي نمي لهم 


المختار من الرحلات الحجازية 





على هذا المذهب الخبيث » واعتقاده هو وشيعته صحته 2 والله تعالى 


[10] ولما كان يوم الجمعة الحادي والعشرون لشهر رمضان 
المذكور من سنة ست». وهي أول جمعة جمّعتها بالحرم الشريف. 
وقرب وقت زوال الشمس ضم المنبر إلى صفح الكعبة المعظمة الذي 
يقابل المقام المكرم بإزاء الحوض الذي ينزل فيه ماء البيت الشريف. 
وجر على بكرات» ثم بعد الزوال وصل الخطيب إلى الحرم الشريف 
وهو أحد بني الطبري. فدخل الحرم الشريف من باب النبي كَكهِ لابسأ 
ثوبآً أسود»ء متعمماً بعمامة سوداء» وعليه طيلسان أسود رقيق» وهو 
يمشي بين رايتين سوداوين يمسكهما رجلان» وعليه السكينة والوقار. 
فلما قرب من المنبر عرج عنه إلى الحجر الأسودء فقبله ودعا عنده» ٠‏ 
ثم سعى إلى المنبرء فلما وصل إلى أول درجة منه أخذ السيف من يد 
مؤذن كان يمسكهء وضرب بنعل السيف ضربة في الدرجة الآولى 
أسمعت الحاضرين» ثم فعل ذلك في الثانية» وفي الثالثة» فلما انتهى 
إلى الدرجة العلياء وقف مستقبلاً البيت الشريف داعياً مستدبراً الناس 
بدعاء خفي» ثم استدار إلى الناس واستقبلهم» والتفت عن يمينه 
وشماله يسلم عليهم» فرد عليه من قرب منهء ثم جلسء» وأذن مؤذنون 
مراماية ين ينه فى البير وال اللترابي فاكا خيكروا شاي نالا 
بليغة سَنِيّة» ولما انتهى إلى ذكر النبي كَةِ قال: اللهم صل على محمد 
وغل المحم فنا الاق :بهذ البق طاتق» ,والتقفه إلى النيف القريت 
من عن يمينه يشير إليه» ثم قال: اللهم صل على محمد وعلى آل 


مستفاد الرحلة والاغتراب 1 
0 


محمد ما وقف بعرفات واقف» وأشار إلى عرفات تجاه وجهه . 








13 ثم دعا للخلفاء الأربعة - رضي الله عنهم ‏ أبي بكر وعمر 
وعشمان وعلي» ولم يبال في ذكرهم بالفرقة البدعية من الزيدية» ولا 
يقدرون على قطع ذكر الصحابة رضي الله عنهم من التخطبة» ولله الحمد 
والمنة» وأقصى ما يقدرون عليه أن يتشاغلوا في ذلك الوقت بصلاة 
[الظهر] أربعا بإزاء باب إبراهيم» والله تعالى يكثر أهل السنة» ويعينهم 
على إظهارها بمنه وكرمه. 

ثم لما فرغ الخطيب الطبري المذكور من خطبته أقام المؤذنون 
الصلاة» ونزل هو إلى خلف المقام الشريف» فصلى بالناس صلاة 
الجمعة» وصليناها معه» ودارت الصفوف حول الكعبة المعظمة» تقبل 
الله ذلك» وجعله خالصاً لوجهه. 


ذكر بئر زمزم المباركة وفضائلها 
بثر زمزم الآن داخل المسجد الحرام» وكانت قديمآ خارجه قبل 
أن يزاد فيه» وعليها قبة عظيمة هائلة. 


فإذا دخل وقت الصلاة أذن المؤذنون المذكورن على سطح القبة 
المذكورةء وعليها يُسْمعُونَء وإذا كان إثر صلاة المغرب من كل ليلة 
يقف أحد المؤذنين المذكورين على السطح المذكورء رافعاً صوته 
بالدعاء لملك الديار المصرية والشامية» وكان إذ كنا بمكة السلطان 
الأجل حسام الدين والدنيا أبو الفتح لاجين المنصوري المتقدم ذكره 
في هذا التقييدء ويصفه بأن يقول فيه: ملك البرين والبحرين» خادم 





- 0 
الحرمين الشريفين» نجم الدين» ويدعو بعده رافعاً صوته - أيضاً - 
للسيد الشريف أبي ثَمَي أمير مكة وجهاتهاء فيقول: اللهم ارض عن 
السية. الشتريقه. .التحييي: النسية. .ذى. الرقافصو: ماللك. البحرمين 
الشريفين» من جده الرسول. وأمه البتول» وأبوه سيف الله المسلول. 
أبي نمي بن أبي سعد بن علي بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن 
عبدالكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن عبدالله بن محمد 
ابن موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب. 

صلوات الله عليهم أجمعين . 


وعند ذكر المؤذن المذكور للسيد الشريف أبي نمي ترتفع أصوات 
المكيين خصوصاً الطائفة المدعوة بالزيدية منهم بالدعاء له وأهله 
وشيعتهء والعربان يحبونه حب شديداًء ويعظمونه تعظيماً كثيراً؛ لما 
جمع من الخصال الحميدة من الكرم والحلم والشجاعة؛ حتى صاروا 
يقسمون به وبرأسهء ولا يكادون يحنثون إذا أقسموا به» وأكثر إقامته 
بالحصن المعروف بالجديدء ولا يصل إلى مكة المشرفة إلا في أوقات 
قلائل . 


وفي السادس والعشرين لشهر رمضان المعظم من سئة ست 
المذكورة وصل هذا السيد الشريف أبو نمي إلى مكة المعظمة ومعه 
قرابته وأتباعه؛ فدخلها والسيوف مصقولة مسلولة أمامه» والطبول من 
خلفه. عايناه بين الصفا والمروة» وقد اصطف الناس في المسعى 
سماطين» وجعلوا يسلمون عليه ويدعون لهء فمرٌ وعليه السكينة 








9 


والوقار. وهو شيخ خفيف العارضين» شديد السمرة. ضحم الجسم . 
مدل القافة». حسية الفيورة خنديك الهيبة» :بهى المتظر :وهو كوي 
النفس مقدام شجاع. يقال: إن جميع جسده أو معظمه لا يخلو من 


]١77[‏ ومن لطف الله تعالى ‏ بنا أنا ألفينا المجاورين بالحرم 
الشريف ممن قدم عهده فيه؛ وطال مقامه به يتحدثون على جهة 
التعجب عن كف يد الشريف أبي نمي عن أخذ أموال الحجاج 
والمجاورين» ومن ظهرت له نعمة وعافية» وأن الناس قد صاروا 
يأمنون على دمائهم وأموالهم. وكذلك رأيناهم نحن بها آمنين» ومن 
كانت لديه دنيا أظهرهاء ولبس الثياب الحسنة إذا شاءء وتأنق في 
المطاعم آمنآ بعد أن كانوا قبل ذلك لا يلبسون ثوباً حسناً - فيما بلغنا - 
ولا يأكلون إدامآ إلا يوماً في أيام.» خوفاً منه لما يظهرون من التقشف. 
وسألناهم عن سبب كفه عنهم: ما هو؟ فذكروا لنا أنه رأى رؤيا هالته» 
مقتضاها أن النبي إل وبخّه على أفعاله» ونهاه عن ظلم الحجاج 
والمجاورين» وأخبره أنه إن لم يرجع عما يفعله من ذلك أنه بريء 
منه» فخاف من هذه الرؤيا خوفاً شديداًء» ورجع عن كثير مما كان 
يفعل ١‏ وحسنت توبته» هذا أو معناه أو قريب منه. 


]١7[‏ ورأيت له تواضعاً فى دخوله إلى المسجد الحرام وفي 


خروجه». وطاف ليلة بالكعبة ‏ زادها الله تشريفاً واتعتليمان اسبوعاء 
فظهر لنا من تواضعه أنه لما قصد الحجر الأسود ليقبله وجد المجاورين 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 0 
قد سبقوه إليه» فهُمَ وَزّعتها'' بصرف الناس عن الحجر حتى يفرغ هو 
منهء فنهاهم عن ذلك» وقال لهم: إنما أريد أن أقبل في نوبتي» أو كما 
قال» ثم لما فرغ من أسبوعه أتى المقام الشريف ليصلي خلفه ركعتي 
الطواف فتقدم بين يديه بعض خواصه؛ وبسط له ثوب ليصلي عليه 
فلما وصل إليه نحى الثوب وصلى على الأرضء» ورأيته في تلك الليلة 
مرتدياً برداء أبيض وهو محرم بعمرة» وقد اشتعل رأسه شيباً 
والأشراف يلوذون بهء ويظهرون له كرامة وحبأء ثم خرج من باب 
الصفا للسعي» وكلهم من خلفه محافظون له على التوقير والرعي . 
وقد خرج بنا القول عن مقصدناء فلنعد لما كنا بسبيله» فنقول : 


) 


]١[‏ وفضل الشراب من زمزم المباركة مروي صحيح مشهور. 
وما ظهر لواردها من الكرامات مدون مسطور. وهأنا ألْمع بي" من 
ذلك إن ثناء الله تعالى * والله ولى التوفيق.. 

قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار» وكانوا يحلون الشهر الحرام - 
ودوك بطو له 

وفيه أن النبى كككِةِ قال له: «متى كنت هاهنا؟ قال: كنت هاهنا منذ 
ثلاثين بين يوم وليلة. قال: من كان يطعمك؟ قال: قلت: ما كان لي 
طعام إلا ماء رمزم » فسمنئت حتى تكسرت عُكن بطنى: وما أجد على 


و 


كبدي سخفة جوع . قال : إنها مباركة. إنها طعام طعم . 0 وذكر باقي 


)١(‏ أي رجاله الذين يفرقون الناس من حوله. 


مستماد الرحلة والاغتراب 








1 م 


الحديث فى إسلامه”'؟ . 


]١/5[‏ وأخبَرناه - أيضاً ‏ المسند أبو الفضل 0 الأجَلّ أبى 
الحسين بن تاج الدين أبي الفضل الشامي شفاهاًء عن أبي ع 
محمد بن علي المذكور. به» قوله: «طعام طعم) 0 
والطعم ‏ بالضم - مصدر: أي تغني شاربها ومطعمها عن الطعام . 


وقيل : لعله طْعْمِ بفتح الطاء ‏ أي طعام يُشتهى ٠‏ والطعم: شهوة 
الطعام والرواية عندنا بالضم لا غير في الطاء وسكون العين , 


وقيل: لعله طعام طعُّم ‏ بضم الطاء والعين ‏ أي طعام طاعمين 
كثيري الأكل: لأن طُعُماً جمع طعوم, وهو الكثير الأكل» وقيل: معناه 
طعام مسمن» وقوله: تكسرت عكن بطني - أي طياته - سمناء أ 
بنطوي بعضها على بعض» وقوله: سَّحُفة جوع بفتح السين هو رقته 
وهزالهء والسَّحْف ‏ بالفتح ‏ رقة العيبش» وبالضم: رقة العقل . 


]١05[‏ سويد بن بيعين0 42 "قال نرايك عبدالل بن الصبارك 
بمكة أتى ماء زمزم فاستقى منه شربة» ثم استقبل الكعبة» فقال: اللهم 


)١(‏ أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي 
ذر رضي الله عنه: ,77/1١5‏ 

)١(‏ سويد بن سعيد بن سهل الهروي الأصل ثم لاي ويقال له الأنباريء أبو 
مجمد» مات سنة 55٠‏ وله ماثة سنة. انظر ١التقريب»: .51١‏ 

(1) عبدالله بن المبارك المروزي مولى بني حنظلة» ثقة ثبت. فقيه عالمء جواد. 
مجاهد» جمعت فيه خصال الخيرء مات سنة ١8١‏ وله ثلاث وسيتون سملة. 
المصدر السابق: ١؟١؟.‏ 


المختار من الرحلات الحجازية 





إن ابن أبي الموالي"'' حدثنا عن محمد بن المتكدر”"' عن جابر أن 
رسول الله تَكَِيةِ قال: «ماء زمزم لما شرب له»).ء وهذا شربه لعطش يوم 
القيامة. ثم شربه. 


[/ا/١١]‏ قلت: والبركة ‏ بفضل الله تعالى ‏ موجودة في زمزم إلى 
يومنا هذاء وكذلك تكون ‏ إن شاء الله تعالى - إلى يوم القيامة لمن 
خلصت نيته»ء وسلمت طويته. وقد جرب بركتها جماعة من العلماء 
والعباد والصلحاء والزهاد. فشربوها لمطالب لهم جلية فنالوها. 


]١78[‏ الحميدي”"'» قال: كنا عند سفيان بن عبينة”؟؟ فحدثنا 
بحديث زمزم إنه «لما شرب له». فقام رجل من المجلس»ء ثم عاد فقال : 
يا أبا محمد: أليس الحديث صحيحا الذي حدئتنا في زمزم أنه الما شرب 
له»؟ فقال سفيان: نعمء قال: فإني شربت الآن دلواً من زمزم على أنك 


تحدث بمائة حديث». فقال سفيان: اقعد. فحدثته بمائة 000 


)١(‏ عبدالرحمن بن أبي الموالي» زيدء أبو محمدء مولى آل عليء صدوق ربما 
أخطأء مات سنة ١7‏ 55 الله تعالى. انظر «التقريب»: 5 

() محمد بن المنكدر بن عبدالله التيمي المدنيّ» ثقة فاضل» مات سنة ثلاثين 
ومائة» انظر المصدر السابق: 608. 

(9) عبدالله بن الزبير بن عيسى القرشي الأسدي الحميدي المكي» أبو بكرء ثقة 
حافظء فقيه» أجل أصحاب ابن عي توفى بمكة سنة 1١9‏ رحمه الله تعالى. 
انظر «التقريب»: 707. ١‏ 

(5) سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي» أبو محمد الكوفي ثم المكيء ثقة حافظ» 
فقيه إمام.ء حجةء. توفي سنة ١498‏ وله إحدى وتسعون سنة رحمه الله تعانى . 
انظر «التقريب»): 50؟7. 

(5) هذا الصنيع من ذلك الرجل دان على حصافته وظرفه . 





- وبلغنا عن القاضي الأجل الفاضل أبي بكر بن العربي'''‎ ]١74[ 
: رحمه الله تعالى - أنه قال‎ 
وكنت أشرب ماء زمزم كثيراًء وكلما شربته نويت به العلم والإيمان.‎ 
حتى فتح الله لي ببركته في المقدار الذي يسر لي من العلم. ونسينت أن‎ 
أشربه للعمل» ويا ليتنيى شربته لهما حتى يفتح الله علي فيهماء ولم‎ 
. يقدر. ونسأل الله الحفظ والتوفيق برحمته‎ 


]18١[‏ وبلغنا أيضاً أن أبا بكر يحيي بن أحمد بن سعود الأنصاري 
القرطبي”'؟ شرب ماء زمزم لحفظ القرآنء فتيسر عليه حفظه في أقرب 
مدة» وكان حسن الصوت به والإيراد لهء» يستدعيه الولاة لصلاة 
التراويح بهم في رمضان. 


]١141[‏ قال ابن حيان7": 


شدة فقر. فوردت رمرم. وقل رويت الحديث فى مائها إنه «لما شرب 


)١(‏ أبو بكر محمد بن عبدالله بن محمد المعافري الإشبيليَّء إمام علامة» حافظ 
متبحرء ولد سنة 558 بإشبيلية ونشأ بهاء ثم ارتحل إلى مصر والحجاز 
والعراق» كان حسن المعاشرة» وقد تولى القضاء في إشبيلية وكان صارماً فيه: 
المذهب»: ؟/705-7657. 

(؟) لم أقف على ترجمته. 

() لا أعرف من يُدعى بابن حيان» ولعله تحريف,» والله أعلم . 


المختار من الرحلات الحجازية 





.6 
له فكرعت حتى تضلعت» ثم دعوت الله فأخلصت» وقلت: اللهم إنو 
مصدق ما أداه رسولك الأمين في بركة هذا المشرب المعين» من أنه 
لما شرب لهء فقد شربت اللهم بنية الدعاء واثقاً باستجابتك» وإني 
أسألك غنى فقري في دعة» وإسماء اسمي فيما انتحلته بحقيقة» ثم 
الشهادة في سبيلك والزلفى بها لديك» قال: فما أبعدت أن تعرفت 
الإجابة في الثنتين» وإني لمنتظر الثالثة» أما القرآن فما أحسب أن 
بأرضي أعلم به مني» وأما الغنى فقد نلت منه حاجتي» وكان قد نوه به 
سليمان بن حكم المستعين"") وأجلسه للإقراء بالمسجد الجامع 
بقرطبة» وأصاب ثراء ورفعة» وأرجو بأن لا يحرمني الله الثالثة مع 
نفاري عنهاء فخرج مع سليمان يقيم له صلاته على رسمه مع من قبله 
من الأمراء فأصيب في وجهه في الهزيمة بعقبة البقر في صدر شوال سنة 


أربعمائة. رحمه اللّه . 


]١47[‏ وأخبرنا الحاج أبو موسى عيسى الشدادي المغربي الريفي 
ثم النزغي أنه ولدت له بنية مقعدة» وأنها نشأت كذلكء». قال: 
فحججت بها وطفت وسعيت» ثم أتيت بها زمزم» فسكبت عليها من 
مائها المبارك» فشفاها الله تعالى» وبرئت من علتها وصحتء. وقد 
زوجتها وقرت عيني بهاء هذا أو معناه أو قريب منه. 


)١(‏ سليمان بن الحكم بن سليمان الأموي, من ملوك الدولة الأموية في الاندلس؛ 
وتلقب بالمستعين باللهء وذلك سنة 2799 ولم يزل يقوى حتى ملك الزهراء 
وسرقسطة وقرطبة بعد حروب بينه وبين المؤيد. ثم قتل بعد أحداث سنة 24٠7‏ 
وكان أديباً شاعراً. انظر «الأعلام»: 777/7 . 


مستفاد الرحلة والاغتراب ©6 

[185] وقرأت بخط المحدث الرحال أبي إسحاق إبراهيم بن 
محمد السلمي» وأنبأنا بذلك ابنه العدل أبو القاسم عنه» قال: حدثني 
أبو عمرو التميمي». قال: لما أردت أن أشرب ماء زمزم فكرت لأي 
شيء أشربه» فتحيرت ثم تذكرت أن أشربه لإجابة الدعاءء قال: فما 
سألت الله في تلك المواقف في شيء إلا أعطانيه» إلا دخول الجنة. 
قال: وكان من سؤالي ألا يحوجني إلى الاستسلاف من أحدء ففضلت 
لي فضلة كثيرة من الزاد» والحمد لله . 





]وفن مصطرف ما ملق من القول حفك شتربينا أن أغراناً 
وقف على زمزم المذكورة فوجد الناس يشربون منهاء ويسألون مطالب 
هؤلاء قد اختاروا لأنفسهم فاختر لى. ثم شرب» هذا أو نحوه أو قريب 
ملة . 

ومن خصائص هذه البئر المباركة أن لا يتضلع منها منافق . 

ذكر من تبسر لقاوّه والأخذ عليه باليلد الأمدن مكة المعظمة, 
زادها الله تشريفاً وتعظيماً. من أهلها والطارئين عليهمء أمتع الله 

بحياتهم, وأعاد علينا من بركاتهمء ونفعذا بصالح دعواتهم 

العماد أبو الحسن المكي 

فمنهم الشيخ الفقيه الصالح الفاضل العابد الزاهد العالم الكامل 

أبو الحسن عبدالرحمن بن محمد بن علي بن الحسين بن علي الشافعي 


المختار من الرحلات الحجازية 





المكي» المنعوت بالعمادء المشهور أبوه بالطبري”''» وليس هو من 
الطبريين المكيين» سبط الإمام الجليل إمام مقام إبراهيم الخليل نجم 
الدين سليمان بن خليل . 


[187] أخبرنا العابد الزاهد عماد الدين أبو الحسن المكي - نفع 
الله تعالى به قال: لما انتقل جدي الإمام نجم الدين سليمان بن 
خليل”'' إمام مقام إبراهيم الخليل» عليه السلام» إلى الدار التي أسكن 
بها الآنء يريد دارهم التى في أصل الصفا المعظم» قال: وكانت قبل 
أن يسكنها لا يستطيع أحد أن يقيم بها لعامر كان بها من الجن» لم 
يضروه ولم يعرضوا لهء وأنسوا به» قال: ورآهم بها ليلة من الليالي 
وقد ملأوا البيت» وأخبروه أنهم من مؤمني الجن» وأنهم إنما كانوا 
يطردون عنها من يسكنها لأجل المعاصي التي كانوا يوقعون بهاء قال : 
وقالوا له: قد سررنا بك وبسكناك فيهاء قال: وكان قبل ذلك إذا خرج 
بالليل إلى الطواف. جعل جارية تقعد له خلف الباب حتى يرجع». 
فتفتح له الباب» ثم لما رآهم صار يجيء أي وقت شاء من الليل فيفتحون 


)١(‏ مفتى مكة. كان رجلاً صالحاآء منقطعاء قليل المخالطة للناس» غزير العلم 
شديد الإقبال على فروع الفقه وغوامضه. محبوباً إلى الناس» مجمعاً على 
صلاحه وعلمه. توفى» رحمه الله تعالى»ء سنة 7١١‏ ودفن بالمعلاة. انظر: 
«العقد الثمين» : 0غ 405 

(؟) سليمان بن خليل بن إبراهيم الكناني العسقلانيَ المكي الشافعيّ» أبو الربيع نجم 
الدين. إمام المقام وخطيب المسجد الحرام ومفتيه. ولد قبل الثمانين 
وخمسماثة. حدّث بالكثير ودس وأفتى» وألف كتاباً مفيداً للمناسك. انظر 
المصدر السابق: .5١٠6 5١7/5‏ 





© 


له الباب» وما أحد من الدار منتبه» هلا أو معناه أو قريب مله . 


وحضر يوماً معنا سماع شيء من الحديث على شيخنا الإمام 
الفاضل عماد الدين المذكور ‏ أعاد الله تعالى من بركاته ‏ أخوان من 
أهل الأندلس» فلما انقضى المجلس خرجا من عند الشيخ» ولم يكن 
رأهما قبل ذلك» فقال لنا: أظنهما أخوين» فقلت له: نعم» وعجبت 
من فطنته وذكائهء فقال لنا: ما خفي علي أمرهما. 


[141] ثم سألته عن القافة''' هل بقى منهم أحد في هذا الزمان؟ 
فقال لنا: نعمء بقي منهم قوم باليمن يأتون إلينا في زمن الحج يعرفون 
بالمدلجيين» فينزلون في هذا الجبل» وأشار إلى جبل أبي قبيس 
المشرف على الحرم الشريف» ثم قال: ولقد اتفق لبعض الناس بمقربة 
من هذا التاريخ معهم أمر عجيب. وأظنه قال لرجل من أهل مصر؛ 
وذلك أنه كان لرجل غلام وجارية تزوج أحدهما من الآخرء فولد 
بينهما ولد كان لونه مخالفاً للون أبيه» فكأن بعض الناس تكلم في 
ذلك. واتهم السيد بالجارية» وفشا ذكر ذلك. ثم مات السيد 
المذكورء وخلف ابن فكان يقال له: هذا الولد أخوك ألا تنظر إلى 
لونه» فوقع في نفسه من ذلك شيء»ء فأتى إلى مكة المعظمة زمن 
الحجح. وجلب معه العبد وابنه المذكورين» وسأل عن القافة» فدل على 
المدلجيين» فذهب إليهم وأراهم العبد والصبيء, فقالوا له: هذا الصبي 
لهذا العبدء لا شك فيهء ثم قالوا له: وأنت أيضاً لهذا العبد لا شك فيه 


)١(‏ هم الذين يقصون الأثرء ويتفرسون. 





- 6.1 
عندناء قال: فوقع في أمر أشد من الأول». فلما رجع من حجه انطلق 
إلى أمه وأخبرها الخبرء وقال لها: اصدقيني» فقالت: يا بني صدق 
القافة» والعبد أبوك. وذلك أن الذي تذكر أنه أبوك كنت قد تزوجته 
فحنث بي مرة في يمين حلفهاء فبنت منه» فشق عليه فراقي» فشاور 
بعض أصحابه وأصدقائه وهم فلذن .وفلان .وفلان» :وسنت له نانا 
يعرفهم ويثق بهمء. فأشاروا عليه أن يزوجني من عبده هذاء فلما 
انقضت عدتي تزوجت به» فأصابني مرة واحدة» فولدت أنت منهاء ثم 
فارقني العبد. فلما تمت عدتي ردني سيده» وكان كثير المال» وكان لا 
يولد له فتبناك كراهة أن يأخذ السلطان ماله» فهذا والله حديثك يا بني» 
فانطلق الفتى إلى أصحاب أبيه الذين سمتهم له فسألهم فأخبروه بصحة 

ما ذكرت لهء هذا أو معناه أو قريب منه. 


العفيف أيو محمد عبدالله الدلااصي 


ومنهم الشيخ الفقيه الصالح الزاهد العابد الورع الناسك السالك 
جارالله تعالى أبو محمد عبدالله بن عبدالحق بن عبدالله القرشي» ثم 
المخزومي نسبآء الشافعي مذهباًء والدلاصيّ مولداًء المصري منشأ. 
المكي منزلاً» المنعوت بالعفيف("©, أحد الأئمة الفضلاء المشهورين 
بعلم القراءات» وآخر المجودين المتصدرين لإقراء الكتاب العزيز 
بالحرم الشريف منذ سنين عديدة» وهو موصوف بكثرة التعبد والزهد 


)١(‏ هو مقرىء مكة. ولد سنة .»77١‏ توفى سنة ١7لا‏ رحمه الله تعالى. انظر «العقد 
الثمين» : 6 .١154-‏ 





فى الدنياء والاقتصاد في جميع شؤونه. وبالدين المتين . 

[184] أوقاته كلها مستغرقة فى العبادة والذكر وإقراء القرآن 
العظيم. حتى لقد رأيت من القراء من يعرض عليه''' وهما يطوفان 
بالبيت الشريف» نفعه الله ونفع به وقد روي عن مجاهد ‏ رحمه الله - 
أنه كان يُعرض عليه القرآن فى الطواف . 

وقد حج هذا الشيخ الصالح عذة حججء قصد البلد الكريم لأداء 
يعيد علينا من بركاته ‏ وله كرامات مذكورة وأحوال مشهورة ‏ والله 
تعالى يكثر فى المسلمين أمثاله -. 

رؤدا صادقة وكرامة خارقة 

قعدت بين يدي سيدي الشيخ الصالح العابد العامل الكامل عفيف 
الدين أبى محمد عبدالله بن عبدالحق الدلاصىء» أعاد الله تعالى علينا 
من بركاته. بعد صلاة عصر يوم الجمعة الرابع والعشرين لذي قعدة من 
المسجد الحرام ‏ زاده الله تعظيماً وتشريفاً ‏ فقال لي : 

]١14[‏ رأيت النبى كَلِيِ فيما يرى النائم قاعداً فى موضعى هذاء 
وأشار إلى الموضع الذي كان قاعداً فيه» فجئت فقعدت بين يديه في 
موضعك هذاء وأشار إلى الموضع الذى كنت قاعداً فيه بين يديه. 


000 أي يقرأ عليه . 





- .6 
قال: فمد ككِيهِ إلي يده اليمنى» فأخذتها وشددت عليها يدي معاء فوالله 
ما مسست قط خزاً ولا حريراً كان ألين منهماء وكان عن يمينه» عليه 
الصلاة والسلام» طبق فيه رطب جني مغطى بثوب»ء فأخذ النبي كَل 
الطبق بيده المباركة وجعله بين يديه؛ ثم قال لي: افتح فمك» ففتحت 
فمي» فجعل يلقي فيه من ذلك الرطب واحدة بعد واحدة» وأنا آكل 
حتى كملت لي عشرون حبة» ثم استيقظت من منامي مسروراء ثم 
عدت إلى النوم» فبينا أنا نائم إذ ناداني شخص باسمي» وقرع بابي» 
فنزلت إلى الباب فلم أجد أحداء فعجبت من ذلكء» ثم لما كان في 
الليلة الثانية وأنا نائم أيضاً ناداني أيضاً مناد باسمي وقرع بابي» فنزلت 
فلم أجد أحدآاء ثم كذلك في الليلة الثالثة» ففكرت في أمري فعلمت 
أني دعيت للزيارة» وكانت عادتي أن أزور المدينة - على ساكنها 
الصلاة والسلام ‏ في كل سنة مرتين» وكنت في تلك السنة قد كسلت 
عن الزيارة لشدة برد كان في ذلك العام» فلما نوديت في الليالي 
الثلاث علمت أني دعيت» فخرجت مع رفيق كان لي فزرنا القبر 
الشريف» وبقي علي أمر الرطبات ما أعلم له تأويلاً» ثم خطر لي وأنا 
بالمدينة أن انطلق إلى بيت المقدس وزيارة قبر الخليل عليه السلام» 
ففعلت» ثم خطر لي أن أصل إلى دمشق ولم تكن قط في قصدي. 
فوصلت إليهاء فاتفق أن تلوت بها كتاب الله العزيز بعشرين رواية من 
عشرين تصنيفاً كلها عراقية لم أك قط رأيت منها شيئًء وكنت قبل ذلك 
أقرأ القرآن العظيم بروايات أخر من كتب أخرء فعلمت تأويل رؤياي. 
هذا أو معناه أو قريب منه» وطلبت من شيخنا العفيف أن يناولني يده 





اليمنى فناولنيهاء فشددت عليها يدي معاً التماس بركة النبي كَككِةٍ لألمس 
كفاً لمست كف النبى يِه ولله الحمد والمنة. 

قلت : ودلااص بليدة من بلاد صعيد مصر»ء كثيرة الكتان» يحمل 
منها إلى بلاد كثيرة» وهي بفتح الدال» والله أعلم . 

]١1١[‏ وبها قبور أشخاص لم تأكل الأرض لحومهم. ولا أفنت 
السنون أكفانهم . عبرة لمن اعتبر . ولا يدري أحد من همء وهم 
ظاهرون يعاينهم المسافرون إليها. 
جار الله تعالى ونزيل البلد الأمين أبو علي الإفريقي المعروف بالنجار. 
أحد الصلحاء المجتهدين العاملين» ممّن عرف ببر أمه وخدمتها 
وتمشية أغراضهاء وجاور بها بمكة المشرفة حتى دفنها بباب المعلى - 
يرحمهما الله تعالى» ونفع به - معرضاً عن الدنيا مقبلاً على أعمال 
الآخرة» هيناً لين سهل اللقاء» شديد التواضع . 

]١191١[‏ وكانت له فى نفسى مكانة علية» فكنت إذا رأيته ابتدرت 
للقيام إليه إجلالاً له وتعظيمآء فكان ينهانى عن ذلك تواضعاً منه. 
إلى بعضء أو كما قال. 

]١197[‏ وأتى يوماً إلى حلقة شيخنا الرضي أبي إسحاق ليسمع 
معنا الحديث الشريف» فقصد جهتى » فابتدرت القيام إليه على عادتي. 





علمي بتواضعك وزهدك هو الحامل إلىَ على أن أقوم لك؛ لأن من 
أراد أن يقام له فينبغي أن لا يفعل معه ذلك» وكذلك أفعل في الغالب 
ومن أراد العكس فبالعكس. أو نحو هذا من القول» وأردت بذلك أن 
معاذ: «قوموا لسيدكم». وبين حديث معاوية عنه كَل أنه قال: «من 
سره أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار). ولا يتأتى الجمع 
إلا على ما ذكرت من الأمرين؛ لأن الوعيد إنما توجه للمتكبرين وإلى 
ممن هذه صفته ‏ رحمه الله ونفع به - فلما قلت للشيخ أبي علي ما 
قدمتء. كان قاعداً من خلفنا فى الحلقة بعض العراقيين» فقال لى: لقد 
كما قال» فتبسم الشيخ أبو على من قوله وأعجبه. 
ايبن صدقة 
ومنهم الشيخ الصالح الزاهد السياح في الأرض حسين بن إبراهيم 


ابن صدقة البصري» العابد» صحب الصوفية»ء ورأى المشايخ في 
اسفاوهة وطاف البلادى وصحب جماعة من العباد والزهاد. 


لقيته بمكة وجالسته ببيت شيخنا عماد الدين المكي - رضي الله 
عنهما ‏ ثم لقيته بمدينة الرسول وَكة . 


مستفاد الرحلة والاغتراب 





9 _- 
]١9[‏ وكان أحد أولياء الله الصالحين الخاشعين» وجرى يوماً 
عند الشيخ عماد الدين حديث ملكي القبر عليهما السلام» فقال لنا 
السائح حسين بن إبراهيم المذكور: نمت ليلة من الليالي فرأيت فيما 
يرى النائم أقواماً قد أخذوني فغسلوني وكفنوني وحملوني ليدفنوني» 
وأنا أعلم في نفسي أني حيء فكنت أنادي: إني حي» فيسمعني كل 
أحد ما عدا القوم الذين كانوا يحملونني» ثم يضعوني في القبر ويردون 
علي التراب» فبينا أنا أسمع خفق نعالهم إذ جاءني الملكان ‏ عليهما 
السلام ‏ من جهة قدمي» وكنت أرى الأرض تنفتح لهماء فدخلا علي 
قبري وأجلساني» وقالا لى: من ربك؛» وما دينك» ومن نبيك» وفي يد 
كل واحد منهم دبوس نارء فخرس لساني» ولم أستطع الجواب» 
فكنت أقرأ في نفسي سورة الإخلاص» فضربني أحدهما بدبوسه فلم 
أتكلم» ولم أقدر على الجواب. ثم سألني الآخر» فلم أقدر أيضاً على 
الجواب» فكان يضربني أيضاً بدبوسه ضربة أخرى» فكنت أرفع بصري 
إلى السماءء وأقول في نفسي: يا رب أطلق لساني لهذين حتى 
أجاوبهماء ألست تعلم يا رب أني لم أعبد غيرك؟ ولم أك يهودياً ولا 
نصرانياً ولا مجوسيآء قال: فعند ذلك كان ينطلق لساني» فأقول لهما: 
الله ربي» وديني الإسلام» ونبي محمد كلِيةِ. قال: فكانا يسترجعان 
ويستحييان مني» ويقولان لي: لم لَمْ تتكلمء ثم ينصرفان» هذا أو 
معناه أو قريب منه» والله تعالى أعلم . 


[5] كان وصولننا لهذا البلد الأمين» زاده الله تشريفاً وتعظيماً 
فى أثناء هذا الشهر المبارك حسيما قدمناه فى تقييدنا هذاء وليلة 





-> 6 
وصولنا ألفينا الحرم الشريف قد ملىء شمعاً ومشاعل حتى تلألاً الحرم 
وروا وتفرق فيه الأئمة لصلاة التراويح طائفة فوق طائفة في نواحيه 
وزواياه» وبادر الغرباء للاشتغال بالطواف. وهو أولى لهم ومن الناس 

من كان يفصل بين كل ترويحتين بطواف أسبوع . 


[194] ووصل في جملة المصريين جماعة من القراء المعروفين 
بحسن الصوت وطيب النغمة. وكانوا يجتمعون فى كل ليلة بإزاء باب 
بني شيبة من الحرم الشريف. فيقرؤون جزءاً من الكتاب العزيز 
متراسلين بالتلاحين على عادة القراء فى هذه البلاد المشرقية» 
فكانت تكاد تخشع لحسن أصو اتهم الجمادات» وقراءتهم بالتلاحين 
جاء. 2102 
حايره ‏ . 


3 وكان لأولئك القراء المذكورين واحد كان مقدمهمء وكان 
من أحسن الناس صوتاً بالقرآن العظيم»ء وكان - نفعه الله تعالى - إذا 
ذهب جزء من الليل قصد المدرسة المنصورية» وصعد على أعلى 
سطحها المشرف على الحرم الشريف». وتلا هنالك جزءاً من الكتاب 
العزيز» رافعاً بذلك صوته العجيب بحيث يسمعه كل من في المسجد 


)١(‏ المشروع للمرء المسلم أن يقرأ على سجيته التي خلق عليها مع تحسين صوته 
قدر إمكانهء أما التلحين بمعنى مراعاة قواعد الأنغام الموسيقية فجائز مع 
الكراهة إن روعيت قواعد التجويد.ء وحرام إن خولفت قواعد التجويد لأجل 
قواعد التلحين» والله أعلم. انظر «المقدمة الجزرية» وشرحها للشيخ زكريا 
الأنصاري عند قول ابن الجزري: 
مكملاً من غير ما تكلف باللطف في النطق بلا تعسف 





هد 
الخرامه ويعيتي اليه :تحط ركان يضاف إلى تين بضيوقة. وني 
نغماته وجودتها وذكائها» شرف الموضع وحسنه وبهاؤه»؛ خصوصاً في 
الليالي القمرية التي يغشى فيها ضياء القمر جميع الحرم الشريف» وبه 
يزداد جماله» وتشرق كسوة الكعبة المعظمة بشعاع ذلك القمر» وبنور 
الشمع وضوء المشاعل والسرج» وينشد لسان حالها : 
ماعلق الحلي على صدرها 
إلا لمايُخشى من العين 
تقحول والميوة علسن حرفا 
تن علق الفين :ين السرزيسن 

]١191[‏ ويكون في أثناء ذلك للطائفين دوي كدوي النحل» 
فيتألّفٌ من مجموع ذلك ما يعجز عنه الوصف» وترى للطائفين في تلك 
الحال أحوالاًء فمنهم من يكون له لحظات خاشعة» وألسنة إلى الله - 
عزوجل - داعية ضارعة» ومنهم من ينزعج فيصيحء وربما صعق 
بعضهم في المطاف. والله ‏ تعالى لا يعدمنا بركة هذا المحل الشريف . 

[194] وكان القراء يختمون القرآن العظيم في صلاة التراويح في 
كل ليلة من ليالي العشر الاخر من شهر رمضان المعظم المذكور بداخل 
المسجد الحرام» ويحضرون خطيباًء فيخطب لهم إثر الختم ويدعوء 
ويؤمن الحاضرون» وفي ليلة الخامس والعشرين من الشهر المعظم 
المذكور ختم بعض القراء»ء وحضر خطيبهم» وحضرنا هذا الختم 
المبارك» وكان الجمع فيه كثيراًء فلما ختم القارىء صعد أحد المكيين 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 1م 


المنبر بمقربة من مكان إمام المالكية» وخطب خطبة بليغة حسنة». أخذ 
فيها بمجامع القلوب» وكان فصيحاً لسناء حسن النغمة ذكياً» وخشع 
الحاضرون». ودعا دعاء حميناه وكانت ساعة مباركة يرجى فيها قبول 
الدعاء بفضل الله ورحمته . 


ثم لما كانت ليلة سبع وعشرين من الشهر المذكورء وكانت ليلة 
القدرء أوقدت أركان صوامع المسجد الحرام بجملة من السرج» من 
كل جهة من جهاتها الأربع وزيد في قناديل المسجد الحرام» وكثر في 
تلك الليلة إيقاد الشمع بكل جهة ومكانء وأحضر الأثير الأكرم ابن 
الأصبهاني صهر الصاحب الخليلي جملة منه» فأوقدوها بإزاء باب بني 
شيبة للقراء المذكورين» واجتمع لحضور هذا الختم جمع كثير من 
المكيين والقادمين عليهم» وكنت فيمن حضرهء فلما ختمو؛ صعد أحد 
المصريين منبراً قد كان أعد له هنالك» فلما استوى عليه اندفع بعض 
القراء يتلو بين يديه آيات من الكتاب العزيز . 

]١94[‏ ووصل السيد الشريف أبو نمي - رحمه الله - في أثناء 
ذلك. فقعد في جملة الناس يستمع الخطبة. وفعل ذلك اعتناء منه 
بصهر الصاحب المذكورء» ووصل معه كثير من أقاربه وحاشيته. 
وانحشر عند ذلك معظم المكيين» وكثر الازدحام على سماع هذا 
الخطيب من الرجال والنساءء ثم لما خطب الخطيب المذكور خطبة 
بليغة مناسبة للشهر المبارك والبقعة الطاهرة» فلما فرغ من خطبته شرع 
في الدعاء للسيد الشريف أبي نمي» ورفع في نسبه العلي إلى أمير 
المؤمنين أبي الحسن على رضي الله عنهم ‏ وعند ذكره لهذا النسب 





-69 


الشريف أمر له السيد أبو نمى المذكور بخلعه حسنة حريرية وعمامة 





للحرير»ء ولعله لبسها خوفآ من عادية من دفعها إليهء والله تعالى أعلم 
بغيبه» وهو جل وتعالى يتجاوز عنا وعنه» ثم دعا الخطيب المذكور. 
وأمّنَ الحاضرون» وانفض الجمع . 

ولما انفصلنا من هذا الموضع قصدنا الإمام الفاضل رضي الدين 
الطبري - أعاد الله تعالى من بركاته ‏ فألفيناه يقرأ خلف المقام 
الشريف. وقد قارب الختمء فلما ختم خطب قاعداً خطبة حسنة 
مستقبلاً البيت الشريف» وأنصت له الناس حتى كأن على رؤوسهم 
الطير» واشتد خشوعهم وخضوعهم لصدق لهجته وكثرة خشيته ) 
وكانت ساعة يرجى فيها - بفضل الله تعالى ‏ قبول الدعاء والمغفرة 
للحاضرين ‏ إن شاء الله تعالى ‏ والله لا يعدمنا بركة هذه المشاهد 
الشريفة» ويعيدنا إليها على السنة في ذلك بمنه وكرمه . 


ولما فرغ من خطبته دعا دعاء حسناً للسيد الشريف أبي نمي» ثم 
دعا للملك الأجل ملك اليمن السلطان داود المؤيد بالله''؟2 ثم دعا 
الخطيب أبو إسحاق الطبري نفع الله به لجماعة المسلمين» وأمُن 


00( هو السلطان الملك المؤيد داود بن يوسف بن عمرء صاحب اليمن » التركماني 
الأصل. ولد ونشأ باليمن وتوفى فيها سنة ١7الاء‏ وكان شجاعاً جواداً له مآثر 
وكان أديباً مشاركاً في العلوم» محبآ لأهلهاء وجمع مكتبة نفيسة فيها ما يزيد 
على ماتة ألف مجلد. انظر «الأعلام»: 71757/7. 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 61 
الحاضرون» وانفض أيضاً هذا المجمع» نفع الله بالنية في ذلك» 
وأخلص أعمالنا لوجهه الكريم . 

]2٠١[‏ وفي ليلة تسع وعشرين من الشهر المذكور ختم أيضاً 
بالحرم الشريف قارىء الطائفة البدعية المدعوة بالزيدية» وخطب لهم 
الخطيب المصري المذكورء ولما دعا أيضاً للسيد الشريف أبي نمي 
خلع عليه وزيره خلعة حافلة» مثل التي خلع عليه السيد الشريف قبلهاء 
ثم دعا للحاضرين والمسلمين» وانفض أيضاً هذا الجمع» وتمت 
خطب الختمات. وبالله التوفيق. 

]١1[‏ وبطول هذا الشهر الشريف يسبل أهل اليسار ومن يبتغي 
الأجر الماء بالحرم الشريف. فتراهم يضعون بالمسجد الحرام قبيل 
المغرب قلالاً بيضاء يسمونها الدوارق فيملؤونها من ماء زمزم المباركة 
ومن غيرها من الآبارء ويبردون ذلك ويجمرون تلك الأواني بالعود 
الهندي» وتعم هذه الدوارق سائر جهات الحرم العريية ويضعون 
حولها كيزاناً بيضاء يسمونها الغراريف. فإذا أذن بالمغرب بادر 
الصائمون لشراب الماء من تلك الكيزان» سواء في ذلك غنيهم 
وفقيرهم» والشراب منها لجميع الناس مباح . 

قال ابن عبدالحكو''' رحمه الله: سمعت مالكاً يسأل عن الماء 


)١(‏ عبدالله بن عبدالحكم بن أغيد: أبو محمد فقيه مصري» كان من أجل أصحاب 
الإمام مالك. انتهت إليه الرياسة بمصر بعد أشهب. ولد في الإسكندرية سنة 
٠ء‏ وتوفي في القاهرة سنة 2.1١4‏ له مصنفات في الفقه وغيرها. انظر 
«الأعلام»: 40/4. و«التقريب»: ."١١‏ 


مستفاد الرحلة والاغتراب 








يسقى في المسجد أترى أن يشرب منه؟ قال: نعمء وإنما جعل ( 
للعطشان» ولم يُرّد به أهل المسكنة ؛ فلا يترك شربه . 

رأيت القرب بالماء العذب معلقة بمسجد رسول الله يع على 
الحصباء» وتحتها أقداح نضارء فمن أحب شرب . 


وقال ابن القاسه”"“: 


وسمعث من ينادي على الدوارق المذكورة: الماء للسبيل. سبيل 


)١(‏ عبدالملك بن حبيب بن سليمان السلمي الإلبيري القرطبي» أبو مروان» عالم 
الأندلس وفقيهها في عصرهء ولد سنة 2١15‏ سكن قرطبة وزار مصر ثم عاد إلى 
الأندلس فتوفي بقرطبة سنة 0774 كان عالماً بالتاريخ والأدب. رأساً في فقه 
المالكية»ء موصوفا بالحذق في الفقه؛ كبير الشأن» بعيد الصيت» له تصانيف 
كثيرة قيل إنها تزيد على الألف لكنه ليس بمحرر فى روايته للأحاديث. انظر 
لأآسير أعلام النبلاء»: ٠١7/1١17‏ -_ل9١٠.‏ و«الأعلام» : 0/1 

(؟) عبدالرحمن بن القاسم بن خالد العتقي المصري» أبو عبدالله» ويعرف ب(ابن 
القاسم). فقيهء» جمع بين الزهد والعلمء تفقه بالإمام مالك ونظرائه. ولد بمصر 
سنة 0١17‏ وتوفي بها سنة ١14ء‏ له المدونة المشهورة في فقه المالكية» وكان 
عالم الديار المصرية ومفتيهاء وكان ذا مال ودنيا فأنفقها في طلب العلمء وله 
قدم في الورع والتأله. انظر «سير أعلام النبلاء»: .١56 ١١١/4‏ و«الأعلام»: 
بكرفض! 


المختار من الرحلات الحجازية 





611 - 


]٠١1[‏ ثم لما كان ليلة عيد الفطر زيد - أيضاً ‏ في إيقاد مشاعل 
الحرم الشريف وثرياته» وأوقد الشمع وأركان الصوامع من جهاتها 
الأربع على نحو ما تقدم ذكره في ليلة سبع وعشرين» فلما طلع الفجر 
وقضى الناس صلاتهم» لبس المكيون ومن انضاف إليهم ثياب عيدهم: 
وذلك يوم الاثنين» وبادروا لأخذ مصافهم لصلاة العيد داخل المسجد 
الحرام» وهي سنة الصلاة بمكة المشرفة . 


200 
جواهره . 


ثم إذا تزين فيقصد الصحراء ماشياء وإقامتها فيها أفضل من 
إقامتها ففى المسجد إلا بمكة. 


وبكر زعيم الشيبيين الذي بيده مفتاح الكعبة المعظمة ففتح باب 
البيت الشريف.» وقعد على أسكفة الباب وعليه السكينة والوقار» ويسر 


الله - تعالى ‏ لنا موضعاً شريفاًء وكل مواضع الحرم المعظم شريفة» 
فكان الباب الكريم باب الكعبة المعظمة والجدار الذي يقابله من داخل 


)١(‏ هو الشيخ الإمام العلامة شيخ المالكية» جلال الدين» أبو محمد عبدالله ابن نجم 
بن شاس الجذامى السعدي. المصري. فقيه مالكى . كان مدرسآا بمصرء وكان 
مقبلاً على الحديث» مدمئاً للتفقه فيه ذا ورع لدة: وإخلاص. وتأله. وجهاد. 
حج ثم عاد فامتنع من الفتوى حتى مات. توجه إلى دمياط بنية الجهاد فتوفي 
فيها ‏ رحمه الله تعالى ‏ سنة 25١‏ وكتابه هذا اسمه: «الجواهر الثمينة فى 
مذهب عالم المدينة». انظر «سير أعلام النبلاء»: 948/77 - 44. و«الأعلام»: 
17/6 . 


مستفاد الرحلة والاغتراب 





-©9 


البيت الشريف قبالة وجهه. ومقام إبراهيم خليل الرحمن ‏ عليه 
السلام - عن يعيعى» وباب الصفا المعظم عن يساري . وناهيك بهذه 
المواضع الشريفات . 


]٠١*[‏ وكان الناس يذكرون وينتظرون رحمة الله - تعالى - وبلغنا 
عن مسلمة بن خالد المخزومي''' قال: كان هاهنا امرأة من بني مخزوم 
مجاورة يقال لها: حكيمة. وكانت إذا نظرت إلى باب الكعبة يمتح » 
صرخت كما تصرخ الثكلى. فلا تزال تصرخ حتى يغمى عليها. وكانت 
لا تكاد تفارق المسجد إلا إلى الأمر الذي لا بد منه» قال: ففتحت 
الكعبة يوماً وهي في بعض حاجتهاء فلما جاءت قالت لها امرأة كانت 
تجالسها: يا.حكيمة» فتح اليوم بيت ربك» فلو رأيت الطائفين يطوفون 
بالبيت والباب مفتوح» وهم ينتظرون الرحمة من مليكهم» لقد قرت 
ماتت » والله تعالى أعلم . 


]١:[‏ ثم لما كان وقت الضحى أقبل الخطيب الطبري بين رايتيه 
السوداوين على عادته في يوم الجمعة» فلما وصل إلى المقام الشريف 
مقام إبراهيم ‏ عليه السلام ‏ قام الناس للصلاة» فتقدم الخطيب وصلى 
بناء فلما فرغ تقدم إلى وجه الكعبة الشريفة فرقى المنبرء وقد كان 


)١(‏ لعله مسلم بن خالد - المخزومي بالولاء. المعروف ب«الزنجي». وهو تأبعي من 
كبار الفقهاءء» كان إمام أهل مكة. وأصله من الشام. ولقب ب«الزنجي» لبياضه 
وهو على الضدء وبه تفقه الشافعي قبل أن يلقى مالكاء وهو الذي أذن للشافعي 
بالإفتاء. توفي سئة ١/84‏ . انظر «الأعلام» : 7717 . و«#التقريب4: 8 ., 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 11م 
نصب له في الموضع الذي يكون فيه في كل جمعة» فخطب خطبة بليغة 
وجلت منها القلوب. وذرفت منها العيون» افتتحها بالتكبير»ء وقعد 
المؤذنون معه على أدراج المنبر يكبرون بتكبيره حتى فرغ.» وخطب 
خطبته الثانية وافتتحها أيضاً بالتكبيرء ثم ختمها بالدعاء للمسلمين. 
فلما فرغ منها سلم الناس بعضهم على بعض» ودخلوا البيت الشريف 
متبركين» ومصلين في زواياهء وهذا العيد المبارك خير عيد فطر 
شهدناه في الدنياء والله تعالى يشفعه بأمثاله . 


]٠١6[‏ إحرام الكعبة 


ثم لما كان يوم السابع والعشرين لشهر ذي قعدة من عام ست 
المذكورة وصل زعيم الشيبيين المذكور إلى الحرم الشريف قبل طلوع 
الشمس » وبيذه مفتاح الكعبة المعظمة» ووصل المكيون كذلك. ولم 
يتخلف منهم كبير أحدء لا من رجالهم ولا من نسائهم وصبيانهم. 
واحتفلوا لذلك احتفالاً عظيماً لم نشاهد لهم مثلهء وقعدوا بإزاء المقام 
الشريف وملأوا المطاف والحطيم» وذكر لنا أنهم يفعلون كذلك في 
مثل هذا اليوم من كل عامء عادة لهم قديمة استمروا عليها. ويسمولن 
هذا اليوم يوم إحرام الكعبة. 

ثم أتى خطيب مكي منهم فصعد المنبر» وخطب خطبة بليغة» فيها 
ذكر الكعبة المعظمة والبلد الأمين وفضلهاء وأنشد في ذلك أبياتاً 
خميانا ودعا دعاء حسئاء وخلع المكيون وعفالا ونساء الثياب ورموأا 
بها حتى اجتمع منها أمامه كوم عظيم ‏ وتقدم زعيم الشيبيين. إلى 





19 
الببت الشريف ونصب له بإزائه كرسي خشب فصعد عليه» وقطع من 
كسوة الكعبة نحو قامة ونصف مما يلي الإرض من الجوانب الأربعة» 
وهذا هو الذي يسمونه إحرام الكعبة» وأعانه على ذلك سائر الشيبيين» 
ونزل وفتح باب الكعبة المعظمة» ودخل هو وآله وبعض من كان لهم 
به اعتناء» ونقل لهم الماء من زمزم المباركة» وغسلوا البيت المطهر 
الشريف», ثم جمروه» وأغلق زعيمهم الباب المكرم» ثم لم يفتحه حتى 
وصل أمير القافلة المصرية» وهكذا جرت عادتهم بذلك على مر 

المنية: 


ثم جعل الشيبييون ما قطعوه من كسوة الكعبة قطعاً قطعاً للغرباء 
الواردين عليهم. وكذلك يفعلون بسائر الكسوة إذا نزعوها يوم النحر . 


وهذه الكسوة يؤتى بها الآن من مصر من قبل ملكهاء وبلغنا أنها 
كانت في زمن أميري المؤمنين عمر وعثمان - رضي الله عنهما ‏ يؤتى 
بها من مصر أيضاًء والله تعالى أعلم . 


ولما كان يوم الخميس وهو يوم التروية. إن شاء الله تعالى . 
ويسمى أيضا يوم منى» رحل الأمير المصري إلى منى غدوة النهار. 
وتبعه الأمير الشامي» ثم سائر المكيين ومن انضاف إليهم . 


وفي يوم الخميس هذا اغتسلت وصليت تحت الميزاب». 
وأحرمت لله تبارك وتعالى بحجة مفردة» تقبلها الله وأخلص العمل 
فيهاء وفي هذا اليوم - أيضاً - ضل عنىي جملي الذي كنت اكتريت 
وعليه متاعي وزادي» ثم يسر الله تعالى ولقيته بعرفات» ولله الحمد 








راحلة. والله يتقبل أعمالنا ويخلصها لوجهه. 
فخرجت من مكة - شرفها الله تعالى ‏ في بقية يوم الخميس 
المذكور بقصد مني» ووصلتها ليلاً» فأقمنا بها إلى نحو الثلث الآخر 
]|٠١5[‏ ورحل الأمير المصري» وتبعه سائر الناسء وكابت السنة 
أن يقيم الناس بمنى حتى يصلوا الصبح وتطلع الشمس وحينئذ يرحلون 
إلى عرفات» فلم يفعلوا ذلك. ورحلنا معهم اضطراراً لا اختياراً بسبب 
ما يخاف من أذى بني شعبة المغيرين”''. [ 


. إلى هنا انتهى النصء وفيه بر واضح‎ )١( 


زتغلة ادن بمطوفلة 





الرحلة الرابعة 


: 00 
رحلة ابن بطوطة ©"7‏ 


قد أخذ الطريق البري من المغرب إلى مصر ثم إلى الشام»ء وسلك 

[/ه 7١‏ ] ثم ارتحلنا إلى معان.» وهو آخر بلاد الشام. ونزلنا من 
عقبة الصوان إلى الصحراء التى يقال فيها: داخلها مفقود» وخارجها. 
مولود. ظ 00 

ثم إلى تبوك» وفيها عين. 

وينزل الركب العظيم على هذه العين فيروي منها جميعهم. 
ويقيمون أربعة أيام للراحة وإرواء الجمال واستعداد الماء للبرية 
المخوفة التي بين العلا وتبوك. 


ومن عادة السقائين أنهم ينزلون على جوانب هذه العين» ولهم 


)١(‏ محمد بن عبدالله بن محمد اللواتي الطّنجيّ» أبو عبدالله ابن بطوطة. ولد في 
طنجة سنة ٠لاء‏ ونشأ بهاء ثم رحل إلى المشرق سنة 778 فجال في البلاد 
وتوغل؛ء ودخل الهند والسند والصين» ورجع إلى اليمن. لقي من الملوك 
والمشايخ خلقاً كثيراً. وتولى القضاء بالهند. بقي في رحلته 71 سنة. مات في 
مراكش سنة فلالا رحمه الله تعالى. انظر «الدرر الكامنة»؛: .٠١٠١/5‏ 
و«الأعلام»: 100 وردنا 


منها الجمال» ويملأون الروايا والقرب» ولكل أمير أو كبير حوض 
يسقي منه جماله وجمال أصحابه يملأ رواياهم» وسواهم من الناس يتفق 

ثم يرحل الركب من تبوك» ويجدّون السير ليلاً ونهاراً خوفاً من 
هذه البرية . 


[204] وفى وسطها الوادي الأخيضر: كأنه وادي جهنمء أعاذنا 
الله منهاء وأصاب الحجاج به في بعض السنين مشقة بسبب ريح 
السموم التي تهب» فانتشفت المياهء وانتهت شربة الماء إلى ألف 
فينان» وماك متهعرريا وبائعيا» وكنن: للك فى عقن ضكر الوادئ. 


]!١[‏ وفي الخامس من أيام رحيلهم عن تبوك يصلون إلى بثر 
الحجر حجر ثمود» وهي كثيرة الماء» ولكن لا يردها أحد من الناس - 
مع شدة عطشهم - اقتداء بفعل رسول الله و حين مر بها في غزوة 
تبوك» فأسرع براحلته وأمر أن لا يسقي منها أحدء ومن عجن به أطعمه 
الجمال. 








لها عتب منقوشة يظن رائيها أنها حديثة الصنعة» وعظامهم نخرة في 
داخل تلك البيوت» إن فى ذلك لعبرة. 

]١١١[‏ وبين الحجر والعلا نصف يوم أو دونه. والعلا قرية كبيرة 
حسئة لها بساتين النخل والمياه المعينة. يقيم بها الحجاج أربعاً. 








يتزودون ويغسلون ثيابهم ويَدعون بها ما يكون عندهم من فضل زاد 
ويستصحبون قدر الكفاية27, وأهل هذه القرية أصحاب أمانة» وإليها 
ينتهي تجار نصارى الشام . لا يتعدونهاء ويبايعون الحجاج الزاد وسواه. 

ثم يرحل الركب من العلا فينزلون في غد رحيلهم الوادي 

وفي اليوم الثالث ينزلون بظاهر البلد المقدس الكريم الشريف . 

طيبة مدينة رسول الله وك وشرف وكرم 

وفي عَسِي ذلك اليوم دخلنا الحرم الشريف. وانتهينا إلى المسجد 
الكريمء فوقفنا بباب السلام مسلّمِينء وصلينا بالروضة الكريمة بين 
القبر والمنبر الكريم . 

وأدينا حق السلام على سيد الأولين والآخرين» وشفيع العصاة 
والمذنبين» الرسول النبي الهاشمي الأُطحي محمد يل تسليماء 
وشرف وكرمء وحقّ السلام على ضجيعيه وصاحبيه أبي بكر الصديق 
وأبي حفص عمر الفاروق ‏ رضي الله عنهما -. 

وانصرفنا إلى رحلنا مسرورين بهذه النعمة العظمى» مستبشرين 
بنيل هذه المنة الكبرى. حامدين الله تعالى على البلوغ إلى معاهد 
رسوله الشريفة» ومشاهده العظيمة المنيفة» داعين أن لا يجعل ذلك آخر 


)١(‏ وذلك إرادة التخفف وترك الأثقال» ثم في عودتهم يأخذونها. 


المختار من الرحلات الحجازية 





6 





ذكر مسجد رسول الله يه وروضته الشريفة 
المسجد المعظم مستطيل» تحفه من جهاته الأربع بلاطات دائرة 
به» ووسطه صحن مفروش بالحصى والرمل» ويدور بالمسجد الشريف 
والروضة المقدسة - صلوات الله وسلامه على ساكئها ‏ في الجهة 
القبلية مما يلي الشرق من المسجد الكريم» وشكليا عسوي لانن 
تمثيله» وهى منورة بالرخام البديع النحت الرائق النعت. قد علاها 
الوجه الكريم مستدبرين القبلة» فيسلمون وينصرفون يميناً إلى وجه أبي 
بكر الصديق» ورأس أبي بكر - رضي الله عنه ‏ عند قدمي رسول الله 
علد ثم ينصرفون إلى عمر بن الخطاب» وراس عون عتله كتفي أبن 
بكر رضي الله عنهما -. 
ذكر الخطيب والإمام بمسجد رسول الله جَكهٍ 


وكان الأمام بالمسجد الشريك :في عه .دختولي إلى المدينة بهاء 
الدين بن سلامة من كبار أهل مصر» وينوب عله العالم الصالح الزاهد 
بقية المشايخ عز الدين الواسطى» نفع الله به» وكان يخطب قبله 


ويقضى بالمدينة الشريفة سراج الدين عمر المصري . 
حكاية 


13 يذكر أن سراج الدين هذا أقام في خطة القضاء بالمدينة 





والخطابة بها نحو أربعين سنةء ثم إنه أراد الخروج بعد ذلك إلى 
مصرء فرأى رسول الله يَللْةِ في النوم ثلاث مرات» في كل مرة ينهاه عن 
الخروج منهاء وأخبره باقتراب أجلهء فلم ينته عن ذلك وخرج» فمات 
بموضع يقال له: سويس"(©؛ على مسيرة ثلاث من مصرهء قبل أن يصل 
إليها . 





ذكر خدام المسجد الشريف والمؤذئين به 
وخدام هذا المسجد الشريف وسَّدنته فتيان من الأحابيش 
وسواهم» وهم على هيئات حمان. وصور طاح ومللاسس ظراف. 
وكبيرهم يعرف بسيح الخدامء وهو في هيئة الأمراء الكبار» ولهم 
المرتبات بديار مصر والشام. ويؤتى ! بها في كل سنة . 


ورئيس المؤذنين بالحرم الشريف الإماء المحدث الفاضل جمال 


الدين المطرق”11 ىهن مطرية7") قرية بمصر ‏ وولده الفاضل عفيف 


الدين عمدالله7؟؟ . 


)١(‏ قال المحقق: هي الآن مدينة السويس إحدى محافظات مصر. 

(؟) محمد بن أحمد بن محمد الخزرجي الأنصاريّ السعديّ المدنيّ» أبو عبدالله, 
جمال الدين المَطريّ نسبة إلى المطرية بمصرء وهو من أهل المدينة المنورة. 
ولد سنة .77١‏ وكان عارفاً بالحديث والفقه والتاريخ» وله عدة مصنفات. ولي 
نيابة القضاء في المدينة» وتوفي بها سنة 74١‏ رحمه الله تعالى. انظر «الأعلام» : 
ه75 7. ظ 

(*) قال المحقق: هي الآن مدينة المطرية بمحافظة الدقهلية بمصر . ظ 

(4:) عبجدالله بن محمد بن أحمد عفيف الدين المطريّ. حافظ للحديث مؤرخ . :وال 


سنة 21448 وتوفي بالمدينة سنة 27/56 وارتحل لمصر والشام والعراق في طلب - 


المختار من الرحلات الحجازية 





والشيخ المجاور الصالح أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد 
الغرناطى المعروف بالتراس. قديم المجاورة. وهو الذي جَتٌ نفسه 
خوفاً من الفتنة7' . 





حكاية 


[7١؟]‏ يذكر أن أبا عبدالله الغرناطي كان خديماً لشيخ يسمى 
عبدالحميد العجميء. وكان الشيخ حسن الظن به» يطمئن إليه بأهله. 
ويتركه متى سافر بداره» فسافر مرة وتركه على عادته بمنزله» فعلقت به 
زوجة الشيخ عبدالحميد وراودته عن نفسه. فقال: إني أخاف الله. ولا 
أخون من تتمنني على أهله وماله» فلم تزل تراوده وتعارضه حتى خاف 
على نفسه الفتنة فجبٌ نفسهء وغشي عليه» ووجده الناس على تلك 
الحالةع فعالجوه حتى برىء» وصار من خدام المسجد الكرام ومؤذناً 
به» ورأس الطائفين به» وهو باق بقيد الحياة إلى هذا العهد”"' . 

ذكر المجاورين بالمدينة الشريفة 

[4١؟]‏ منهم الشيخ الصالح الفاضل أبو العباس أحمد بن محمد 
ابن مرزوق كثير العبادة والصوم والصلاة بمسجد رسول الله كَلِلِ 
تسليماًء صابراً محتسباء وكان ربما جاور بمكة المعظمة» رأيته بها في 


الحديث. وكان قد تكب بنكبة سنة 87 فتُّهبت داره وحبس مدة. انظر 
«الأعلام» : ,. 

)١(‏ سيأتى تفسير هذا فى الحكاية القادمة. 

(؟) لو فعل غير ذاك لكان أولى به؛ وهذا لأن الإنسان مأمور شرعاً بالمحافظة على 
أعضائه» والله أعلم . 





-© 


الطواف مع شدة الحر بالمطاف» والمطاف مفروشس بالحجارة السوة : 
وتصير بحر الشمس كأنها الصفائح المحماة»: ٠و‏ لقك. براية: الشائفية 
يصبون الماء عليها فما يجاوز الموضع الذي يصب فيه إلا ويلتهب 
الموضع من حينه» وأكثر الطائفين في ذلك الوقت يلبسون الجوارب». 
فأحببت أن أطوف معه فوصلت المطاف». وأردت استلام الحجر 
الأسود. فلحقنى لهب تلك الحجارة. وأردت الرجوع بعل تقبيل 
الحجر. فما وصلته إلا بعد جهد عظيم. ورجعت فلم أطف . 

وكان في ذلك العهد بمكة وزير غرناطة وكبيرها أبو القاسم محمد 
ابن محمد بن الفقيه أبى الحسن سهل بن مالك الأزدي"'"'. وكان 
يطوف كل أسبوع سبعين طوافاً» ولم يكن يطوف في وقت القائلة لشدة 
الحرء وكان ابن مرزوق يطوف فى شدة القائلة زيادة عليه . 

ومن المجاورين بالمدينة ‏ كرمها الله الشيخ الصالح العابد سعيد 
المراكشي الكفيف. ومنهم أبو مهدي بمكة عيسى بن حزرون 
المكتابى: 


وه 


)١(‏ محمد بن محمد بن سهل الأزدي الغرناطي الأندلسيّء أبو القاسم. كان عالي 
الهمة» شريف النفس» محترما ببلاده جداً بحيث إنه يولي الملوك ويعزلهم. 
وكان له علم بالفقه والتاريخ» ويلقب بالوزير مجازاً ولم يل عملاً. مات بالقاهرة 
عائداً من الحج سنة ١‏ رحمه الله تعالى. انظر «الأعلام»: 7/ 75. 





م6 


حكاية 


[5١؟]‏ جاور الشيخ أبو مهدي بمكة سنة ثمان وعشرين» وخرج 
إلى جبل حراء مع جماعة من المجاورين» فلما صعدوا الجبل ووصلوا 
لمتعبد النبي كه ونزلوا عنهء تأخر أبو مهدي عن الجماعة.ء ورأى 
طريقاً في الجبل» فظنه قصيراً فسلك عليه» ووصل أصحابه إلى أسفل 
الجبل فانتظروه فلم يأتء فتطلعوا فيما حَولهم فلم يروا له أثراً فظنوا 
أنه سبقهم. فمضوا إلى مكة شرفها الله تعالى . 


ومضى عيسى في طريقه. فأفضى به إلى جبل آخرء وتاه عن 
الطريق» وأجهده العطش والحرء وتمزقت نعله» فكان يقطع من ثيابه 
ويلف على رجليه إلى أن ضعف عن المشي» واستظل بشجرة أم 
غيلان”''» فبعث الله أعرابياً على جمل. حتى وقف عليه» فأعلمه 
بحاله. فأركبه وأوصله إلى مكة؛. وكان على وسطه هميان فيه ذهب 
فسلمه إليهء وأقام نحو شهر لا يستطيع القيام على قدميهء وذهبت 
جلدتهما ونبتت لهما جلدة أخرى» وقد جرى مثل ذلك لصاحب لي 
أذكره إن شاء الله . 


المالكية بها وتزوج يبنت الشيخ الصالح شهاب الدين الزررندي . 


. قال المحقق: أم غيلان: شجرة السمرء من القاموس المحيط‎ )١( 


19 





حكاية 


[7١؟]‏ يذكر أن أبا العباس الفاسي تكلم يوماً مع بعض الناس 
فانتهى به الكلام إلى أن تكلم بعظيمة ارتكب فيهاء بسبب جهله بعلم 
السيية وعدم حنم للسانه مركباً صعباًء عفا الله عنهء فقال: الحسين 
ابن على بن أ, بى طالب عليهما السلام - لم يعقب. فرفع كلامه إلى 
أمير المدينة فيل بن منصور بن جماز الحسيني”''؟. فأنكر كلامه. 
وبحق إنكاره» وأراد قتلهء فكلم فيه فنفاه عن المدينة» ويذكر أنه بعث 
من اغتاله» وإلى الآن لم يظهر له أثرء نعوذ بالله من عثرات اللسان 
وزلله. 


ذكر أمدر المديثة الشريفة 


7 


ويقال: إنه توضأ بدمهء ثم إن كبيشاً خرج سنة سبع وعشرين إلى 
الفلاة في شدة الحر ومعه أصحابه» فأدركتهم القائلة في بعض فق 


)غ2 طفيل سس منصور سس جماز, الحسيني . فقتل أخاه قاسماً وولي المدينة. وجرتك 
غليه اجداك طويلة مخرفة أخذ بعدها إلى القاهرة مينة51/ا وسخن: بها إلى أن 


مات سنة 07/. انظر «الدرر الكامنة؟: 3785/79 737950. _ 
(؟) أمير من الأشراف. ولي إمارة المديئة المنورة سنة 775 ثم قتل سنة 71/7 رحمه 
الله تعالى . در العا اا 


0 7 انظر الو الكامنة» : 5-5 1175 





م 


فتفرقوا تحت ظلال الأشجار فما راعهم إلا وأبناء مقبل في جماعة من 
عبيدهم ينادون: يا لثارات مقبل» فقتلوا كبيش بن منصور صبراء 
ولعقوا دمه. 

وتولى بعذه أخوه طفيل بن منصور» الذي دذكرنا أنه نمى أبا 
العباس الفاسي . 

وكانت إقامتنا بالمدينة الشريفة فئن هذه الوجهة أربعة أيام : وفى 
كل ليلة نبيت بالمسجد الكريم» والنامين. قد..خلتوا فى ضحتة: .حاتا: 
وأوقدوا الشمع الكبير. 


وبينهم ربعات القرآن الكريم يتلونه» وبعضهم يذكرون الله 
وبعضهم في مشاهدة التربة الطاهرة» زادها الله طيباًء والحداة بكل 
جانب يترنمون بمدح رسول الله َه وهكذا دأب الناس في تلك 
الليالي المباركة»ء ويجودون بالصدقات الكثيرة على المجاورين 
والمحتاجين . 


وكان فى صحبتى فى هذه الوجهة من الشام إلى المدينة الشريفة 
رجل من أهلها فاضل يعرف بمنصور بن شكل». وأضافني بهاء 
وكان فى صحبتى أيضاً أحد الصلحاء الفقراء من أهل غرناطة» 








-© 


حكاية 


[14] لما وصلنا إلى المدينة ‏ كرمها الله» على ساكنها أفضل 
الصلاة وأزكى السلام ‏ ذكر لي علي بن حجر المذكور أنه رأى تلك 
الليلة في النوم قائلاً يقول له: اسمع مني واحفظ عني : 
هنيئاً لكم يا زائرين ضريحه 

أمنتم به يوم المعاد من الرّجَسٍ 
وصلتم إلى قبر الحبيب بطيبة 
فطُوبى لمن يُضْحي بطيبة أو يُمسي 
وجاور هذا الرجل بعد صحبه بالمدينة» ثم رحل إلى مدينة دهلي 
قاعدة بلاد الهند» في سنة ثلاث وأربعين» فنزل في جواري» وذكرت 
حكاية رؤياه بين يدي ملك الهند. فأمر بإحضاره» فحضر بين يديه. 
وحكى له ذلك» فأعجبه واستحسنهء وقال له كلاماً جميلا بالفارسية» 
وأمر بإنزاله» وأعطاه ثلاثمائة تنكة”١؟‏ من ذهب» ووزن التنكة من دنانير 
المغرب ديناران ونصف ديتار»ء وأعطاه فرساً محلى بالسرج واللجام. 
وخلعة» وعين له مرتباً في كل يوم . 

وكان هئالك فقيه طيب من أهل غرناطة» ومولدء ببجاية» يعرف 
هنالك بجمال الدين المغربي» فصحبه علي بن حجر المذكورء وواعده 
على أن يزوجه بنتهء وأنزله بدويرة خارج داره»ء واشترى جارية 


)1١(‏ عملة هندية محلية سيأتي تقديرها. 





وغلاماً. وكان شرك الدنانير فى مفرش ثيابه ولا يطمئن بها الأحد. 
فاتفق الغلام والجارية على أخذ ذلك الذهب» وأخذاه وهربا. 

فلما أتى الدار لم يجد لهما أثرأًء ولا للذهبء. فامتنع من الطعام 
والشراب». واشتد به المرض أسفاً على ما جرى عليه» فعرضت قضيته 
بين يدي الملك» فأمر أن يخلف له ذلك» وبعث إليه من يعلمه بذاك» 


فوجدوه قد مات رحمه الله تعالى . 


وكان رحيلنا من المدينة» نريد مكة ‏ شرفهما الله تعالى - فنزلنا 
بقرب مسجد ذي الحليفة الذي أحرم منه رسول الله كَكَِةّه والمدينة منه 
على خمسة أميال»؛ وهو منتهى حرم المدينة» وبالقرب منه وادي 
العقيق» وهنالك تجردت من مخيط الثياب» واغتسلت» ولبست ثوب 
إحرامي . وصليت ركعتين» وأحرمت بالحج مفرداًء ولم أزل ميا في 
كل سهل وجبل وصعود وحدور إلى أن أتيت شعب علي - عليه 
السلام ‏ وبه نزلت تلك الليلة . 


ثم رحلنا ونزلنا بالصفراء»ء وهو واد معمورء فيه ماء ونخل 
وبنيان» وقصر يسكنه الشرفاء الحسنيون وسواهم» وفيها حصن كبيرء 
وتواليه حصون كثيرة وقرى متصلة . 

ثم رحلنا منه» ونزلنا ببدر حيث نصر الله رسولهيككة» وأنجز وعده 
الكريم» واستأصل صناديد المشركين» وهي قرية فيها حدائق نخل 
متصلة؛ وبها حصن منيع يُدخل إليه من بطن واد بين جبال» وببدر عين 
فوارة يجري ماؤها. 





-© 


ورحلنا من بدر إلى الصحراء المعروفة بقاع البزواء - وهي برية 
يضل بها الدليل» ويذهل عن خليله الخليل - مسيرة ثلاث» وفي 
منتهاها وادي رابغ» يتكون فيه المطر غدراناً يبقى بها الماء زماناً 
طويل: ومنه يحرم حجاج مصر والمغرب» وهو دون الجحفة. 


وضَرنا من نواية م ثلاثأ إلى خليص وهي في بسيط من الأرض» 
كثيرة حدائق النخل. ؛ لها حصن مشيدء وبها عين فوارة صنعت لها 
أخاديد في الأرض» وسُرّبت إلى الضياع . 
يقيمون هنالك سوقاً عظيمة يجلبون إليها الغنم والتمر والإدام. 

ثم رحلنا إلى عسْفان» وهي في بسيط من الأرض بين جبال» وبها 
آبار ماء معين . 


ثم رحلنا من عسفانء. ونزلنا بطن مَّرّ ويسمى أيضاً مر 
الظهران”''» وهو واد مخصب كثير النخل» ذو عين فوارة سيالة تسقي 
تلك الناحية» ومن هذا الوادي تجلب الفواكه والخضر إلى مكة ‏ 
شرفها الله تعالى -. 

ثم أدلجنا من هذا الوادي المبارك» والنفوس مستبشرة ببلوغ 
آمالهاء مسرورة بحالها ومآلهاء فوصلنا عند الصباح إلى البلد الأمين 


000 فال المحقق : مر الظهران - بفتح الميم ويقال له مرظهران: : موضع على مرحلة من 
0 : المر: اسم القرية» والظهران: اسم الوادي . 
قفلت: هو اليوم وادي فاطمة. 





م 
مكة ‏ شرفها الله تعالى ‏ فوردنا منها على حرم الله - تعالى - ومبوأ 
خليله إبراهيم» ومبعث صفيه محمد وَلِة. 

ودخلنا البيت الحرام الشريف الذى مو وغل كان انام بامديتي 
شيبة» وشاهدنا الكعبة الشريفة ‏ زادها الله تعظيماً ‏ وهي كالعروس 
تُجلى على منصة الجلال» وترفل في برود الجمال» محفوفة بوفود 
الرحمن» موصلة إلى جنة الرضوان . 


وطفنا بها طواف القدومء واستلمنا الحجر الكريم»؛ وصلينا 
ركعتين بمقام إبراهيم» وتعلقنا بأستار الكعبة عند الملتزم بين الباب 
والحجر الأسود.ء حيث يستجاب الدعاء» وشربنا من ماء زمزم» وهو 
لما شرب له حسبما ورد عن النبي كَل تسليماً - ثم سعينا بين الصفا 
والمروة» ونزلنا هنالك بدار بمقربة من باب إبراهيم . 

والحمد لله الذي شرفنا بالوفادة على هذا البيت الكريم» وجعلنا 
ممن بلغنا دعوة الخليل عليه الصلاة والتسليم» ومتع أعيننا بمشاهدة 
الكعبة الشريفة والمسجد العظيم» والحجر الكريم» وزمزم والحطيم . 


[9١1؟]‏ ومن عجائب صنع الله - تعالى - أنه طبع القلوب على 
النزوع إلى هذه المشاهد المنيفة» والشوق إلى المثول بمعاهدها 
الشريفة» وجعل حبها متمكناً في القلوب» فلا يحلها أحد إلا أخحذت 
بمجامع قلبه» ولا يفارقها إلا أسفاً لفراقهاء متولهاً لبعاده عنهاء شديد 
الحنين إليهاء ناوياً لتكرار الوفادة عليهاء فأرضها المباركة نصب 
الأعين» ومحبتها حشو القلوب. حكمة من الله بالغة» وتصديقاً لدعوة 





خليله ‏ عليه السلام -. 

]١١١[‏ والشوق يحضرها وهي نائية» ويمثلها وهي غائبة» ويهود 
على قاصدها ما يلقاه من المشاق ويعانيه من العناء. وكم من ضعيف 
يرى الموت عياناً دونهاء ويشاهد التلف فى طريقهاء فإذا جمع الله بها 
شمله تلقاها فتهرورا عتعشراء كأنه لم يذق لها مرارة ولا كابد محنة 
ولا نصباء إنه لأمر إلهى. وصنع ربانى . ودلالة لا يشوبها لبس »ء ولا 
تغشاها شبهة. ولا يطرقها تمويه. وتعز في بصيرة المستبصرين» وتبدو 
فى فكرة المتفكرين» ومن رزقه الله تعالى ‏ الحلول تلك الأرجاء. 
الدارين: الدنيا والأخرى. فحق عليه أن يكثر الشكر على ما خوّله: 
ويديم الحمد على ما أولاه. 

جعلنا الله - تعالى ‏ ممن قبلت زيارته. وربيحت فى قصدها 
تجارته . فكتيت فى سبيل الله آثارفه ومعحيت بالقبول أوزاره» بمنه 
وكرمه. 

ذكر مدينة مكة المعظمة 

وهي مدينة كبيرة متصلة البنيان مستطيلة. فى بطن واد تحف به 
الجبال» فلا يراها قاصدها حتى يصل إليها . 

مييقت :لها الذغوة الماركة»: فك عطرقة بزل« إليها» وثمرات كل 
نوفيس ليا: 


المختار من الرحلات الحجازية 





601 
والرطب ما لا نظير له في الدنياء وكذلك البطيخ المجلوب إليها لا 
يمائله سواه طيباً وحلاوة» واللحوم بها سمان لذيذات الطعوم؛ وكل ما 
يفترق في البلاد من السلع فيها اجتماعه» وتجلب لها الفواكه والخضر 
من الطائف ووادي نخلة وبطن مرء لطفاً من الله بسكان حرمه الأمين 
ومجاوري بيته العتيق . 

وبين الصفا والمروة مسيل فيه سوق عظيمة» يباع فيها الحبوب 
واللحم والتمر والسمن وسواها من الفواكه. 

والساعون بين الصفا والمروة لا يكادون يخلصون لازدحام الناس 
على حوانيت الباعة» وليس بمكة سوق منتظمة سوى هذه إلا البزازون 
والعطارون عند باب شيبة . 


[171] ذكر الجبانة المباركة 


وإياه عنى الحارث بن مضاض الجرهمي"'' بقوله : 
كأنْ لم يكن بين الحجون إلى الصفا 


أَنيسٌ ولم يسمر بمكة سامرٌ 


)١(‏ الحارث بن مضاض بن عبدالمسيح الجرهميّ» من ملوك الجاهلية» من قحطان. 
كانت إقامته في الحجازء وكان قد تولى أمر البيت الحرام بمكة. انظر 
«الأعلام» : . 








بلى نحن كنا أهلها فأبادنا 
صروفٌ الليالى وال العوائرٌ 
وبهذه الجبانة مدفن الجم الغفير من الصحابة والتابعين والعلماء 
والصالحين والأولياء» إلا أن مشاهدهم دثرت» وذهب عن أهل مكة 
علمها فلا يعرف منها إلا القليل» فمن المعروف منها قبر أم المؤمنين» 
ووزير سيد المرسلين خديجة بنت خويلد أم أولاد النبي كَلِْةِ كلهم ما 
عدا إبراهيم» وجدة السبطين الكريمين ‏ صلوات الله وسلامه على النبى 
كله وعليهم أجمعين -. 
[77] ذكر بعض المشاهد خارج مكة 
ظ ومنها التنعيم» وهو على فرسخ من مكة.» ومنه يعتمر أهل مكة. 
وهو أدنى الحل إلى الحرم. ومنه اعتمرت أم المؤمنين عائشة - رضي 
عبدالرحمن ‏ رضي الله عنه ‏ وأمره أن يُعمرَها من التنعيم . 
وبنيت هنالك مساجد ثلاثة على الطريق تنسب كلها إلى عائشة - 
رضي الله عنها -. ْ 
وطريق التنعيم طريق فسيحء» والناس يتحرون كنسه في كل يوم 
رغبة في الأجر والثواب. لأن من المعتمرين من يمشي فيه حافياً. 


وفي هذه الطريق الآبار العذية التى تسو التسكة: ومنها الزاهر. 


)١(‏ أي الحظوظ. 





م 


وهو على نحو ميلين من مكة. على طريق التنعيم» وهو موضع على 


جانبي الطريق فيه أثر دور وبساتين وأسواق . 


وعلى جانب الطريق دكان مستطيل تصف عليه كيزان الشرب 
وأواني الوضوءء يملأها خديم ذلك الموضع من آبار الزاهرء وهي 
بعيدة القعر جداًء والخديم من الفقراء المجاورين» وأهل الخير يعينونه 
على ذلك لما فيه من المرفقة للمعتمرين من الغسل والشرب والوضوءء 
وذو طوى يتصل بالزاهر. 


[4؟1] ذكر الجبال المطيفة بمكة 


فمنها جبل أبي قبيس وهو في جهة الجنوب والشرق من مكة ‏ 
حرسها الله - وهو أحد الأخشبين”'': وأدنى الجبال من مكة ‏ شرفها 
الله - ويقابل ركن الحجر الأسود. وبأعلاه مسجد وأثر رباط وعمارة» 
وكان الملك الظاهر ‏ رحمه الله أراد أن يعمره. وهو مطل على الحرم 
الشريف. وعلى جميع البلد.» ومنه يظهر حسن مكة ‏ شرفها الله - 
وجمال الحرم واتساعه والكعبة المعظمة. 


ومنها جبل ثورء وهو على قدر فرسخ من مكة ‏ شرفها الله 
تعالى ‏ على طريق اليمن» وفيه الغار الذي أوى إليه رسول الله يَكِيْهِ حين 


خروجه مهاجراً من مكة ‏ شرفها الله - ومعه الصديق ‏ رضي الله عنه - 
حسب ما ورد فى الكتاب العزيز . 


)1١(‏ أي هو أحد الجبلين المسمّين ب «الأخشبين». 


رحلة ابن بطوطة 





والناسن يقصضدوت نزيارة هذا الغار المبازك» فيرومون :دخوله من 
الباب"'؛ الذي دخل منه النبي كَل - تبركاً بذلك ‏ فمنهم من يتأتى له 
ومنهم من لا يتأتى له وينشب فيه» حتى يُتناول بالجذب العنيف» ومن 


[45؟1١]‏ وأهل تلك البلاد يقولون: إنه من كان لرشدة”''؟ دخله. 
ومن كان لزنية لم يقدر على دخوله. وليك1 تسداناء كقير من النايى أنه 
مخجل فاضح . 

]١17[‏ قال بعض الحجاج الأكياس: إن سبب صعوبة الدخول 
إليه هو أن بداخله مما يلي هذا الشق الذي يدخل منه حجراً كبيراً 
معترضاء فمن دخل من ذلك الشق منبطحاً على وجهه وصل رأسه إلى 
ذلك الحجرء. فلم يمكنه التولج.» ولا يمكنه أن ينطوي إلى العلو 
ووجهه وصدره يليان الأرض» فذلك هو الذي ينشب ولا يخلص إلا 
بعد الجهد والجذب إلى خارجء ومن دخل منه مستلقياً على ظهره 
أمكنهء لأنه إذا وصل رأسه إلى الحجر المعترض رفع رأسه. واستوى 
قاعداًء فكان ظهره مستنداً إلى الحجر المعترض وأوسطه في الشق 
ورجلاه من خارج الغارء ثم يقوم قائماً بداخل الغار. 


)١(‏ أي من الفتحة التي دخل منها النبي كَلِ. 
(؟) أي من كان قد ولد بطريق حلال شرعاًء وهذا لا يثبت بل يشبه أن يكون من 
أقوال العوام» والله أعلم. 


المختار من الرحلات الحجازية 





6: 


[1717] ومما اتفق بهذا الجبل لصاحبين من أصحابي: أحدهما 
الفقيه المكرم أبو محمد عبدالله بن فرحان الأفريقي التوزري» والآخر 
أبو العباس أحمد الأندلسي الوادي آشي أنهما قصدا الغار في حين 
مجاورتهما بمكة ‏ شرفها الله تعالى ‏ في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. 
وذهبا منفردين لم يستصحبا دليلاً عارفاً بطريقه. فتاها وضلا طريق 
الغار» وسلكا طريقاً سواها منقطعة.» وذلك في أوان اشتداد الحر 
وحمى القيظء فلما نفد ما كان عندهما من الماء وهما لم يصلا إلى 
الغارء أخذا في الرجوع إلى مكة. شرفها الله تعالى» فوجدا طريقاً 
فاتبعاه» وكان يفضي إلى جبل آخرء واشتد بهما الحر وأجهدهما 
العطشء وعاينا الهلاك: وعجز الفقيه أبو محمد عبدالله بن فرحان عن 
المشي جملة» وألقى بنفسه إلى الأرض» ونجا الأندلسي نفسهء وكان 
فيه فضل قوة» ولم يزل يسلك تلك الجبال حتى أفضى به الطريق إلى 
أجياد»ء فدخل إلى مكة ‏ شرفها الله تعالى - وقصدني وأعلمني بهذه 
الحادثة» وبما كان من أمر عبدالله التوزري وانقطاعه في الجبل» وكان 
ذلك في آخر النهار. ولعبدالله المذكور ابن عم اسمه حسنء وهو من 
سكان وادي نخلة» وكان إذ ذاك بمكة» فأعلمته بما جرى على ابن 
عمهء وقصدت الشيخ الصالح الإمام أبا عبدالله محمد بن عبدالرحمن 
المعروف بخليل"'' إمام المالكية ‏ نفع الله به - فأعلمته بخبره» فبعث 


)١(‏ ستأتي ترجمته قريباً» إن شاء الله تعالى. 





-© 


جماعة من أهل مكة عارفين بتلك الجبال والشعاب في طلبه» وكان من 
أمر عبدالله التوزري أنه لما فارقه رفيقه لجأ إلى حجر كبيرء فاستظل 
بظله» وأقام على هذه الحالة من الجهد والعطش» والغربان تطير فوق 
رأسهء وتنتظر موته» فلما انصرم النهار وأتى الليل وجد في نفسه قوة 
وأنعشه برد الليل» فقام عند الصباح على قدميه ونزل من الجبل إلى 
بطن واد حجبت الجبال عنه الشمس» فلم يزل ماشياً إلى أن بدت له 
دابة فقصد قصدهاء فوجد خيمة للعرب» فلما رآها وقع إلى الأرض 
ولم يستطع النهوض» فرأته صاحبة الخيمة» وكان زوجها قد ذهب إلى 
ورد الماء فسقته ما كان عندها من الماء فلم يُرُْوء وجاء زوجها فسقاه 
قربة ماء فلم يروء وأركبه حماراً له وقدم به مكة فوصلها عند صلاة 
العصر من الثاني متغيراً كأنه قام من قبر. 
[174] ذكر أهل مكة وفضائلهم 

ولأهل مكة الأفعال الجميلة والمكارم التامة» والأخلاق الحسنة 
والإيثار إلى الضعفاء والمنقطعين» وحسن الجوار للغرباء»ء ومن 
مكارمهم أنهم متى صنع أحدهم ولنمة فيذا فيها بإطعام الفقراء 
المنقطعين المجاورين» ويستدعيهم بتلطف ورفق وحسن خلق» ثم 
يطعمهمء وأكثر المساكين المنقطعين يكونون بالأفران حيث يطبخ 
الناس أخبازهم» فإذا طبخ أحدهم خبزة واحتمله إلى منزله فيتبعه 
المساكين فيعطي لكل واحد منهم ما قسم له. ولا يردهم خائبين» ولو 
كانت له خبزة واحدة فإنه يعطي ثلثها أو نصفها طيب النفس بذلك من 
غير ضجر . 





المختار من الرحلات الحجازية 





> 6:5 
[4؟؟] ومن أفعالهم الحسنة أن الأيتام الصغار يقعدون بالسوق» 
ومع كل واحد منهم قفتان: كبرى وصغرى وهم يسمون القفة مكتلاً 
فيأتي الرجل من أهل مكة إلى السوقء. فيشتري الحبوب واللحم 
والخضرء ويعطي ذلك الصبي فيجعل الحبوب في إحدى قفتيه 
واللحم والخضر في الأخرى. ويوصل ذلك إلى دار الرجل ليهيأ له 
طعامه منهاء ويذهب الرجل إلى طوافه وحاجته» فلا يذكر أن أحداً من 
الصبيان خان الأمانة في ذلك قطء بل يؤدي ما حمل على أتم الوجوه. 
ولهم على ذلك أجرة معلومة من فلوس . 





[١١؟]‏ وأهل مكة لهم ظرف ونظافة في الملابس وأكثر لباسهم 
البياض» فترى ثيابهم أبداً ناصعة ساطعة» ويستعملون الطيب كثيراً 
ويكتحلون ويكثرون السواك بعيدان الأراك الأخضر. 


[71"] ونساء مكة فائقات الحسن بارعات الجمال ذوات صلاح 
وعفاف. وهن يكثرن التطيب» حتى إن إحداهن لتبيت طاوية وتشتري 
بقوتها طيبأء وهن يقصدن الطواف بالبيت في كل ليلة جمعة» فيأتين في 
أحسن زي وتغلب على الحرم رائحة طيبهن» وتذهب المرأة منهن 
فيبقى أثر الطيب بعد ذهابها عبقا”" . 


ولأهل مكة عوائد حسنة وغيره سنذكرها ‏ إن شاء الله تعالى - إذا 
فرغنا من ذكر فضائلها ومجاوريها. 


. وهذا الصنيع لا يجوز شرعاًء لأن النبي يَلْهِ نهى النساء أن يخرجن متطيبات‎ )1١( 


-© 








١" "[‏ | ذكر قاضي مكة,» وخطبيهاء وإمام الموسم,. 
وعلمائهاء وصلحاتها 


قاضي مكة العالم الصالح العابد نجم الدين محمد”'' بن الإمام 
العالم محيي الدين الطبري""'» وهو فاضل كثير الصدقات والمواساة 
للمجاورين»؛ حسن الأخلاق كثير الطواف والمشاهدة للكعبة الشريفة. 
يطعم الطعام الكثير في المواسم المعظمة» وخصوصاً في مولد رسول 
الله كل فإنه يطعم فيه شرفاء مكة وكبراءها وفقراءها وخدام الحرم 
الشريف وجميع الجا وريق »وكات سلطاة سير الملل الثاض "5ب 
رحمه الله - يعظمه كثيراًء وجميع صدقاته وصدقات أمرائه تجرى 
على يديه» وولده شهاب الدين فاضل» وهو الآن قاضي مكة ‏ شرفها 


سٍّ 


الله -. 


)١(‏ محمد بن أحمد بن عبدالله الطبري المكىّ الشافعىَّ. ولد بمكة سنة 5775. وحدث 
وأفتى ودرس. وله تصانيف ونظم حسن . ولي قضاء مكة نيابة ثم عزل نفسه » ثم 
عاد إلى القضاء. توفى سنة 595. انظر «العقد الثمين»: .595-75915/١‏ 

0( أحمد بن عبدالله . محب الدين الطبري المكي الشافعيّ»ء أبو جعفرء شيخ 
الحجاز والحرم. ولد بمكة سئة 5١0‏ وسمع بها الحديث وكتياً. وله مصنفات 
عديدة في علوم مختلفة . وله شعر كثير جيد. توفى بالمدينة سنة 195 رحمه الله 
تعالى. انظر المصدر السابق: 5١/7‏ - 78/7. 

فر هو محمد بن قفلاوون بن عبدالله الصالحى» الملك الناصر بن المنصور. ولد سنة 
5» وولي السلطنة عقب قتل أخيه الأشرف سنة 7591 وعمره تسع سنوات . 
وجرات عليه أحداث كثيرة. كان ملكاً مطاعاً مهيبا ذا دهاء ومكر وطول صبر . 
وتسلطن من أولاده ثمانية. توفي سنة ١5/ا‏ رحمه الله تعالى. انظر «الدرر 
الكامنة»: 5/١55؟ ‏ 7550. 


المختار من الرحلات الحجازية 





6: - 


وخطيب مكة الإمام بمقام إبراهيم عليه السلام الفصيح المصقء”© 

وحيد عصره بهاء الدين الطبري ؛ وهو أحد الخطباء الذين لبن 

بالمعمورة مثلهم بلاغة وحسن بيان» وذكر لي أنه ينشىء لكل جمعة 
خطبة ثم لا يكررها فيما بعد. 


لفقيه العالم الصالح الخاشع الشهير أبو عبدالله محمد ابن الفقيه الإمام 
الصالح الورع ابي زيد عبدالرحمن. وهو المشتهر بخليل - نفع الله به 
وأمتع ببقائه - وأهله من بلاد الجريد من إفريقية» ويعرفون بها ببني 
حيون من كبارهاء ومولده ومولد أبيه بمكة ‏ شرفها الله - وهو أحد 
الكبار من أهل مكةء بل واحدها وقطبها بإجماع الطوائف على ذلك». 
مستغرق العبادة في جميسع أوقاته. حيبي ء كريم النفسى 6 حسن 
الأخلاقء» كثير الشفقة» لا يرد من سأله خائب”'' . 
حكاية مباركة 


[:؟] رأيت أيام مجاورتى بمكة شرفها الله وأنا إذ ذاك ساكن 
منها بالمدرسة المظفرية ‏ النبي كلِ في النوم» وهو قاعد بمجلس 
التدريس في المدرسة المذكورة بجانب الشباك الذي تشاهد منه الكعبة 
الشريفة» والناس يبايعونه» فكنت أرى الشيخ أبا عبدالله المدعو بخليل 


)201 أي البليغ . 
030 واسمه خليل بن عيدالر حمن بن مححمد» واشتهر ب«خليل» , وهو غير خليل بن 
الابتهاج» : ١/ل/ا6١‏ -58" ١‏ . 


رحلة ابن بطوطة 2 
و61 مس 
قد دخل وقعد القرفصاء بين يدي رسول الله يكو وجعل يده في يد 
سول الله تكله وقال: أبايعك على كذا وكذاء وعدّد أشياء منهاء وأن 
لا أرد من بيتى مسكيناً خائباً» وكان ذلك آخر كلامه. فكنت أعجب من 
قوله» وأقول في نفسي: كيف يقول هذا ويقدر عليه مع كثرة فقراء مكة 
واليمن والزيالعة والعراق والعجم ومصر والشام» وكنت أراه حين ذلك 
لاساً جبة بيضاء قصيرة من ثياب القطن المدعوة بالقفطان» كان يلبسها 
7 بعض الأوقات» فلما صليت الصبح غدوت عليه وأعلمته برؤياي 
فسر بها وبكى» وقال لي: تلك الجبة أهداها بعض الصالحين لجدي» 
فأنا ألبسها تبركآء وما رأيته بعد ذلك يرد سائلاً خائبآء وكان يأمر 
خدامه يخبزون الخبر ويطبخون الطعام ويأتون به إليّ بعد صلاة العصر 
من كل يوم . 

[؟] وأهل مكة لا يأكلون في اليوم إلا مرة واحدة بعد العصرء 


ويقتصرون عليها إلى مثل ذلك الوقت». ومن أراد الأكل في سائر النهار 
أكل التمر» ولذلك صحت أبدانهم» وقلّت فيهم الأمراض والعاهات . 








[75؟] وكان الشيخ خليل متزوجاً بنت القاضي نجم الدين 
الطبري”''. فشك في طلاقها وفارقهاء وتزوجها بعذه الفقيه شهاب الدين 
النويري”" من كبار المجاورين: وهو من صعيد مصرء وأقامت عنده 


030( أحمد بن عبدالوهاب بن محمد القرشي التيمىٌ البكري » شهاب الدين الوترعةب 
نسبة إلى تُوَيْرة» من قرى بن سويف بمصر - ولد بقوص سنة 81797 ونشأ بها. 
وتقلب في وظائف الدولة. وكان ذكياً حسن الشكل» فيه أريحية وود لأصحابه . 


6: > 








أعواماً وسافر بها إلى المديئة الشريفة ومعها أخوها شهاب الدين فحنث 
في يمين بالطلاق» ففارقها على ضنانته بهاء وراجعها الفقيه خليل بعد 
سئين عذلة. 


ومن أعلام مكة إمام الحنفية شهاب الدين أحمد بن علي(" من 


كبار أكمة مكة وفضلائهاء يطعم المجاورين وأبناء السبيل» وهو أكرم 
فقهاء مكة ويّدان في كل سنة أربعين ألف درهم وخمسين ألفاًء فيؤديها 
الله عنه » وأمراء الأتراك يعظمونه ويحسنون الظن به؛ لأنه إمامهم . 


الأصل المكي المولد”"'» وهو نائب القاضي نجم الدين» والمحتسب 
بعد قتل تقي الدين المصري”"*» والناس يهابونه لسطوته. 


(010 


0» 


فيه 


وصنف «نهاية الأرب في فنون الأدب» وهو كبير جداً أشبه بدائرة معارف لما 
وصل إليه العلم عند العرب في عصره. توفي بالقاهرة سئة 78# رحمه الله 
تعالى. انظر «الأعلام»: 150/١‏ . 

أحمد بن علي بن يوسفء أبو العباس السَّجِزَِيَّء شهار الدين الحنفيّ المكيّ 


إمام مقام الحنفية بالحرم الشريف. رجل محسن جواد كثير الخير والعطاء. ولد 


بمكة سنة 57177. وتوفي بها سنة 57لا رحمه الله تعالى. انظر «العقد الثمين»: 
١18-١1١‏ . ْ 

محمد بن عثمان بن موسى الآمديّ ثم المكي. القاضي جمال الدين الحنبليّ» 
إمام الحنابلة بالحرم الشريف. ناب في الحكم بمكة عن القاضي نجم الدين 
الطبري وابنه القاضى شهاب الدين». وباشر الحسبة بمكة وكان فيه صرامة وله 
همة. وكان قد خلف أباه في الإمامة وظل بها 08 سنة. توفى سنة 71١‏ ودفن 
بالمعلاة بمكة. انظر المصدر السابق: 5/9 235-17 0000 

سيأتي تفصيل الحادثة في الحكاية التالية. 


رحلة ابن بطوطة 








-© 


حكاية 


[177] كان تقي الدين المصري محتسباً بمكة» وكان له خخرل 
فيما يعنيه وفيما لا يعنيه» فاتفق في بعض السنين أن أتي أمير الحاج 
بصبي من ذوي الدعارة بمكة قد سرق بعض الحجاج فأمر بقطع يده 
فقال له تقى الدين: إن لم تقطعها بحضرتك وإلا غلب أهل مكة 
خدامك عليه ؛ فاستنقذوه منهم وخلصوه» فأمر بقطع يده في حضرته'" 
فقطعت وحقدها لتقي الدين» ولم يزل يتربص به الدوائرء ولا قدرة له 
عليه لأن له حسباً من الأميرين رميثة وعطيفة”'"؟» والحسب عندهم أن 
يعطي أحدهم هدية من عمامة أو شاشية بمحضر الناس تكون جواراً 
لمن أعطيتهء ولا تزول حرمتها معه حتى يريد الرحلة والتحول عن 
مكةء فأقام تقى الدين بمكة أعواماء ثم عزم على الرحلة وودع 
الأميرين» وطاف طواف الوداع» وخرج من باب الصفاء فلقيه صاحبه 
الأقطع وتشكى له ضعف حاله. وطلب منه ما يستعين به على حاجته. 
فانتهره تقي الدين وزجرهء فاستل خنجراً له يعرف عندهم بالجنبية» 
وقرية قد هده كان ليها تنه 

]١7[‏ ومنهم العدل الصالح محمد بن البرهان» زاهد ورع مبتلى 
بالوسواس» رأيته يوماً يتوضأ من بركة المدرسة المظفرية» فيغسل ويكررء 
ولما مسح رأسه أعاد مسحه مرات» ثم لم يقنعه ذلك فغطس رأسه في 
)١(‏ إن كان أمير الحج هذا حاكمآ فيجب عليه قطع اليد ولا يعد هذا فضولاً من 


تقي الدين» والله أعلم . 
(؟) كانا من أمراء مكة الأشراف الحسنيين. 


المختار من الرحلات الحجازية 








البركة» وكان إذا أراد الصلاة ربما صلى الإمام الشافعيىي وهو يقول: 
نويت نويت» فيصلي من غيره”'*» وكان كثير الطواف والاعتمار والذكر. 


ذكر المجاورين بمكة 


فمنهم الإمام العالم الصالح الصوفي المحقق العابد عفيف الدين 
عبدالله بن أسعد اليمنى الشافعى الشهير باليافعى”'؟2؛ كثير الطواف آناء 
الليل وأطراف النهار. 


[9"؟] كان إذا طاف من الليل يصعد إلى سطح المدرسة المظفرية 
فيقعد مشاهداً للكعبة الشريفة, إلى أن يغلبه النوم فيجعل تحت رأسه 
حجراء أو ينام يسيرء ثم يجدد الوضوء ويعود لحاله من الطواف حتى 
يصلي الصبحء وكان متزوجاً ببنت الفقيه العابد شهاب الدين بن 
البرهان» وكانت صغيرة السن فلا تزال تشكو إلى أبيها حالها فيأمرها 
بالصبر» فأقامت معه على ذلك سنين ثم فارقته . 


]١10[‏ ومنهم الصالح العابد نجم الدين الأصفوني» كان قاضياً 
ببلاد الصعيد فانقطع إلى الله - تعالى - وجاور بالحرم الشريف. وكان 





)١(‏ لعلها: من غيرهء أي تفوته الصلاة لطول وسوسته. 

() نزيل مكة وشيخ الحرم عبدالله بن أسعد بن علي اليافعيّ اليمنيّ. ولد سنة 59/6 
تقويبا : كان عارفاً بالفقه وأصوله وأصول الدين» والفرائض والحساب والعربية 
وغير ذلك. وله نظم كثيرء وله عدة مصنفات. وكان كثير العبادة والورع» وافر 
الصلاح والبركة والإيثار للفقراء» والانقباض عن أهل الدنيا مع إنكاره عليهم 
لذلك نالته ألسنتهم ونسبوه إلى حب الظهور. توفي سنة 7548 رحمه الله تعالى. 
ودفن بالمعلاة. انظر (العقد الثمين»: .١١6- 3٠١5/8‏ 





(49)) سه 


يعتمر في كل يوم من التنعيم» ويعتمر في رمضان: مرتين في اليوم 
اعتماداً على ما في الخبر عن النبي كَل أنه قال: «عمرة في رمضان 


تعدل حجة معى)”'' . 


]5١[‏ ومنهم الصالح أبوبكر الشيرازي المعروف بالصامت» كثير 
الطواف» أقام بمكة أعواماً لا يتكلم فيها. 


والشيخ القنالح_درهان:الديق الحص لاعفا كان ينضب: (ة 
كرسي تجاه الكعبة الشريفة فيعظ الناس ويذكرهم بلسان فصيح وقلب 
خاشع يأخذ بمجامع القلوب. 


والشيخ الصالح المجود برهان الدين إبراهيم المصري”''. مقرىء 
مجبل » ساكن رباط السدرة. ويفقصله أهل مصر والشام بصدقاتهم . 


[57؟] والصالح العابد عز الدين الواسطى من أصحاب الأموال 
الطائلة. يحمل إليه من بلده المال الكثير فى كل سئة » فيبتاع الحبوب 
والتمرء ويفرقها على الضعفاء والمساكين» ويتولى حملها إلى بيوتهم 


() قال المحقق: الحديث روى معناه بلفظ آخر أبو داود وابن خزيمة في صحيحه 
عن ابن عباس رضي الله عنهماء ورواه كذلك بلفظه البخاري والنسائي وابن 
ماجه.ء وليس فيه لفظ : معي» وروأه مسلم بروايتين في إحداهما لفظ معيء 
والأخرى بدونهاء كما روأه ابن حبان في صحيحهء وقد روي بروايات تختلف 

(؟) لعله إبراهيم بن مسعود بن إبراهيم الوربلي القاهريّ المسروريّ» توفي سنة 50 / 
بالمدينة النبوية المنورة. انظر «العقد الثمين» : بر | 


المختار من الرحلات الحجازية 





> (.هم 

[15] والفقيه الصالح الزاهد أبو الحسن علي بن رزق الله 
الأنجري من أهل قطر طنجة» من كبار الصالحين» جاور بمكة سنين 
وبها وفاته» كانت بينه وبين والدي صحبة قديمة» ومتى أتى إلى بلدنا 
طنجة نزل عندناء وكان له بيت بالمدرسة المظفرية يعلم العلم فيها 
نهاراً ويأوي بالليل إلى مسكنه برباط ربيع. وهو من أحسن الرباطات 
بمكة» بداخله بئر عذبة لا تماثلها بئر بمكة» وسكانه الصالحون» وأهل 
ديار الحجاز يعظمون هذا الرباط تعظيماً شديداً وينذرون له النذور'''. 
وأهل الطائف يأتونه بالفواكه» ومن عاداتهم أن كل من له بستان من 
النخيل والعنب والفرسكء. وهو الخوخ. والتين وهم يسمونه 
الحمط"'؟ يخرج منه العشر لهذا الرباط» ويوصلون ذلك إليه على 
جمالهم؛ ومسيرة ما بين مكة والطائف يومان» ومن لم يف بذلك 
نقصت فواكهه في السنة الآتية وأصابتها الجوائح . 

حكاية في فضيلة 

[:] أتى يومآ غلمان الأمير أبي نمي" صاحب مكة إلى هذا 
الرباط ودخلوا بخيل الأمير وسقوها من تلك البئرء فلما عادوا بالخيل 
إلى مرابطها أصابتها الأوجاع؛ وضربت بأنفسها الأرض برؤوسها 
وأرجلهاء واتصل الخبر بالأمير أبي نمي» فأتى باب الرباط بنفسه. 
واعتذر إلى المساكين الساكنين به» واستصحب واحداً منهم فمسح 
)١(‏ لا أدري ما سبب نذر النذور لهذا الرباط ولا تعظيمه كل هذا التعظيم . 


23 كذا وردت والمشهور الخماط . 


على بطون الدواب بيده فأراقت ما كان فى أجوافها من ذلك الماء 
وبرئت مما أصابهاء ولم يتعرضوا بعدها للرباط إلا بالخير. 


ظ ومنهم الشيخ سعيد الهندي شيخ رباط كلالة . 


حكاية 





[15؟] كان الشيخ سعيد قد قصد ملك الهند محمد شاهء فأعطاه 
مالا عظيماً قدم به مكة» فسجنه الأمير عطيفة» وطلبه. بأداء المال. 
فامتنع فكذيم عضر جلي فأعطى خمسة وعشرين ألف درهم» وعاد 
إلى بلاد الهندء ورأيته بها. 

[417؟] ذكر الانفصال عن مكة شرفها الله تعالى 

وفي الموفي عشرين لذي الحجة خرجت من مكة صحبة أمير 
ركب العراق. وخرجنا بعد طواف الوداع إلى بطن مرّ”''» في جمع من 
العراقيين» والخراسانيين والفارسيين والأعاجم. لا يحصى عديدهم. 
تموج بهم الأرض موجاًء ويسيرون سير السحاب المتراكم» فمن خرج 
عن الركب لحاجة ولم تكن له علامة يستدل بها على موضعه ضل عنه 
لكثرة الناس» وفي هذا الركب نواضح كثيرة لأبناء السبيل يستقون منها 
الماء»ء وجمال لرفع الزاد للصدقة. ورفع الأدوية والأشربة والسكر لمن 
يصيبة امرصن + 


وإذا نزل الركب طبخ الطعام في قدور نحاس عظيمة تسمى 


)١(‏ قال المحقق : مر الظهران» وقد سبق ذكره. 





الدسوت» وأطعم منها أبناء السبيل ومن لا زاد معه. 


وفي الركب جملة من الجمال يحمل عليها من لا قدرة له على 
المشى . 


وفي هذا الركب الأسواق الحافلة والمرافق العظيمة وأنواع 


الأطعمة والفواكه.ء وهم يسيرون بالليل ويوقدون المشاعل» فترى 
الأرض تتلالاأ نوراً والليل قد عاد نهاراً ساطعاً. 


ثم رحلنا من بطن مُرَ إلى عسْفان ثم إلى خليص» ثم رحلنا أربع 
مراحل ونزلنا وادي السمك »: ثم رحلنا هما ونرلنا في بذر. وهذه 
المراحل ثنتان في اليوم: إحداهما بعد الصبح والأخرى بالعشي» ثم 
المدينة الشريفة مسيرة ثلاث . 


ثم رحلنا فوصلنا إلى طيبة مدينة رسول الله 85 وحصلت لنا 
زيارة رسول الله يكِةِ ثانيً» وأقمنا بالمدينة» كرمها الله تعالى» ستة أيام. 
وامتصصينا عنما الماع السيرة ليقن .ورعلنا سنا افتولنا فى «الخالئة 
بوادي العروس فتزودنا منه الماء . 


ثم رحلنا من وادي العروس ودخلنا أرض حك »6 وهو بسيط من 
الآرض علق فك الضن نتسينا نيه الطنين7 7 : 


)١(‏ ثم ذكر المصنف طريقه من نجد حتى دخل العراق» وإلى هنا تم المراد من 
الاختصار» ولله الحمد. ٠‏ 


رحلة فارتيما 





الرحلة الخامسة 
رحلات فارتيم"!) (الحاج يونس المصري) 


ترجمة وتعليق د. عبدالرحمن ن الشيخ 


[/11؟] قد قام برحلته ايتدذاء م١‏ من إيطالياء البندقية. ثم إلى مصر 
فالشام» وارتحل من دمشق سنة ”7٠16م‏ الموافقة لسئة 048٠94ه»,‏ متخفياً 
بلباس المماليك» وباسم مستعار: : يوسس المصري» فقال: 


الطريق من دمشق إلى مكة المكرمة 


في اليوم لثامن من شهر إبريل سنة 20107 توقفت د القافلة لي 
والأوضاع المختلفة» ولم أكن أعرف ما هو السبيل لذلك» لذا فقد 
كونت صداقة عميقة مع القائد المملوكي للقافلة الذي كان في أصله 
مسيحياً تحول للإسلام”"'؛ لكي يلبسني لباس المماليك» ويعطيني 


() ليس هناك عن ترجمته الكثير من المعلومات لكنه ولد في إيطالياء وكان يعمل 
لحساب ملك البرتغال متجسساً على العالم الإسلامي». وكان شديد التعصب» 
شديد الكراهية للمسلمين. 

(5) . قال المترجم: الموافقة لسنة 4048ه. 

() قال المترجم يركز فارتيما في أكثر من موضع من رحلته على أن المماليك كانوا 
في أصلهم مسيحيين تحولوا للإسلام» والواقع أن هذا قد يكون صحيحاًء لكن - 


> 1ه 


المختار من الرحلات الحجازية 





خصاناً جيداء ويجعلتى بضحبة المماليك: الآخرين ».وقد حققت كل 
3 :ا ناحقفتف له أموالا راقبا ارق و وغل هلاه الجال لقنا طريقها 
مسافرين ثلاثة أيام إلى موضع يقال له المزيريب''؛ حيث مكثنا فيه ثلاثة 
أيام كي يشتري التجار من الخيول ما يحتاجون . 


تضم "0٠6٠١‏ جمل» وحوالي ٠‏ ششخصء وقد كنا ٠١‏ مملوكاً 
نحرس كل هذه القافلة('؟2: وكان ثلث المماليك (أي ٠١‏ مملوكا) يسير 
فى مقدمة القافلة وثلثهم الثانى فى وسطهاء بينما كان ثلث المماليك 
الأخير فى مؤخرة القافلة. 


[54؟] ويجب أن تفهم أننا أتممنا رحلتنا - إلى مكة ‏ طوال 


الوقت بهذه الطريقة» إن الرحلة من دمشق إلى مكة تستغرق أربعين 
نهاراً وأربعين ليلة . 


(010 


0,0 


وعلى أية حال فقد خرجنا من المزيريب صباحاًء وتابعنا سفرنا 


ليس في كل الأحوال؛ فقد عرف العالم الإسلامي نظام المماليك منذ وقت 
باكرء وبعض المماليك كانوا ترك على العقيدة الوثنية الشامانية وليسوا على 
المسيحية» ثم أسلموا ‏ (المترجم). 

قال المترجم: ذكر بوركهارت في كتابه «رحلات إلى سوريا» أن قافلة الحجاج 
تمكث عادة في المزيريب عشرة أيام لإتاحة الفرصة لتجمع الحجاج القادمين من 
أماكن مختلفة» وللتزود بالمؤن ولدفع الأتاوات لمختلف القبائل البدوية التي 
ستمر القافلة خلال أراضيها. 

من عادة فارتيما - كما سيمر على القارىء الكريم - المبالغة والخطأ في تقدير 
الأرقام؛ إذ ليس من المعقول أن يحرس القافلة هذا الحرس فقط وهم مقبلون 
على برية مخوفة» وكذلك العدد الذي أورده للقافلة مبالغ فيهء والله أعلم . 


رحلة فارتيما 





عشرين ساعة» وعندئذ أصدر قائد القافلة إشارات معينة لكل جماعة 
من جماعات القافلة تعني أن كل القافلة يجب أن : تتوقف. وأن على كل 
جماعة أن تلزم مكانهاء وهكذا توقفنا أربعاً وعشرين ساعة وتم إنزال 
الأحمال من فوق ظهور الجمال» وراح الجميع يطعم ويطعم دوابه. 

ثم تلقت القافلة إشارة فأعاد الجميع الأحمال إلى ظهور الدواب 
في الحال. ويجب أن تعلم أنهم يقدمون للجمل ما يوازي خمسة أرغفة 
- فقط ‏ من الشعير غير المطبوخ» ولا يزيد حجم الرغيف الواحد عن 
حجم الرمانة . 

وكانت القافلة تجد ماء طوال ثمانية أيام ؛ وذلك بحفر الأرض 
المتربة أو الرملية» أو من الآبار وأحواض المياهء وبعد انقضاء الأيام 
الثمانية تتوقف القافلة ليوم أو يومين» حتى تنوء الجمال بأحمالها بعد 
أن غدا مشيها وئيداً؛ إذ كان الجمل الواحد يحمل أحمالاً توازي ما 
يحمله بغلان» وكان الركب يقدمون لهذه الحيوانات البائسة» الجمال» 
ماء تشربه مرة واحدة كل ثلاثة أيام . 

]١100[‏ وعندما كنا نتوقف عند مورد ماء كان يتحتم علينا دائماً أن 
نخوض معركة مع أعداد كبيرة من العرب (البدو) ولكنهم لم يقتلوا منا 
أكثر من رجل وامرأة» فهم رغم كثرتهم إلا أن انحطاط عقولهم جعلنا - 
مع أننا لا نزيد عن ستين مملوكاً - قادرين على مقاومة أربعين ألف بدوي 


أو خمسين 2١7‏ ؛ ؟ فهؤلاء الو تتيون 77 يقصد البدو. لا يجيدون 


6١‏ يبالغ فارتيما كثيراً في ذكر الأرقام» وهذا منها. 
(؟) قال المترجم : استخدم فارتيما كلمة 7282125 التي تعتى الوثنيين » إلا أن هذا نوع 
من التجني» فهؤلاء البدو مهما كان تخلفهم العقدي إلا أنهم مسلمون شاعت بينهم ست 





استخدام السلاح كالمماليك 5 


[51؟] ويجب أن تعلم أننيى كونت خبرة ممتازة عن هؤلاء 
المماليك خلال رحلتي معهم. فقد رأيت وآخرون المملوك يأخذ أحد 
عبيده ويضع الرمانة فوق رأسه» ويجلسه على بعد اثنتي عشرة خطوة أو 
خمس عشرة خطوةء ثم يصوب سهمه نحو الرمانة ويطلقه من قوسه 
فيصيبهاء أي الرمانة» ومرة أخرى رأيت مملوكاً يجري بالفرس عدوا 
ثم فك سرجه ووضعه فوق رأسه ثم أعاده لموضعه فوق ظهر الفرس 
دون أن يسقط (لا السرج ولا الفارس)» وكان كل هذا يحدث والفرس 
منطلقة بسرعتها القصوى. وسروج خيل المماليك على شاكلة السروج 
الأوربية . 


منه بثر بها ماء فعمنا الفرح» وقد حططنا رحالنا فوق هذا الجبل . 


[١051؟]‏ وفي الصباح الباكر ‏ في اليوم التالي ‏ قدم ١1٠٠١‏ بدوي 
قائلين إن الماء ماؤهم» وأنه يجب أن ندفع لهم لقاء ما أخذنا منه» وقد 
أجبناهم بأننا لن نستطيع الدفع فالماء ماء الله»ء فشرعوا يقاتلونناء 
فتحصنا وجعلنا جمالنا ستراً بيننا وبينهم» وجلس التجار بين هذه 
الجمال؛ ورحنا نناوشهم بشكل مستمرء وذلك لأنهم حاصرونا نهارين 
وليلتين» إلا أن أموراً استجدت آخر الأمرء فلم يعد لدينا ولا لديهم 
ماء للشرب». لقد أحاطوا إحاطة كاملة بالجبل مهددين باختراق صفوف 


البدع» أو قست قلوبهمء أما وصفهم بالوثنيين في هذا العصر فذلك غير صحيح . 


رحلة فارتيما 








ب 
القافلة» ولأننا لم نعد قادرين على مواصلة الحرب» فقد ناقش قائد 
القافلة الأمر مع التجار المسلمين وانتهى الأمر بأن قدمنا لهم ٠١٠٠١‏ من 
الدوكات الذهبية(2 فأخذوهاء ثم طالبوا بمبلغ ٠٠٠٠١‏ من الدوكات 
الذهبية مرة أخرى» فأدركنا أنهم يريدون شيئاً آخر إلى جانب المال؛ 
وعلى هذا فإن قائد القافلة الحكيم دبر الأمر مع القافلة بأن أمر كل 
الرجال القادرين على حمل السلاح بألا يركبوا الجمال» وأن يعد كل 
منهم سلاحهء وأقبل الصبح فجعلنا كل القافلة في المقدمة» وظللنا 
نحن المماليك في المؤخرة. 

لقد كنا جميعاً ثلاثمائة مسلح» وقد شرعنا فوراً مع انبلاج الصبح 
في القتال» فلم يستطع البدو أن يقتلوا من قافلتنا إلا رجلاً وامرأة» أما 
نحن فقد قتلنا منهم ١٠١‏ شخص”'“. ولا تندهش لهذا العدد الكبير 
الذي قتل من جانبهم» فذلك يرجع إلى أنهم كانوا جميعاً عراة ويركبون 
خيولاً غير مسرجة . 

وفي نهاية اليوم الثامن وجدنا جبلاء وعند سطح هذا الجبل 
وجدنا بركة تجمع ماؤها في موسم هطول الأمطارء وقد حملنا من 
ماءها ١١٠٠١‏ بعير. 


[76] وقد استأنفنا رحلتنا | في اليوم التالي» وبعد يومين وصلنا 


)١( الدوكات هي الدنائير البندقية الذهبية» ووذتها 4.” جرام: انظر حاشية‎ )١( 


ص77 من الأصل . 
(؟) هذا من مبالغات فارئيما كما ذكرت قبل . 


المختار من الرحلات الحجازية 





> (ره» 


لمدينة النبي يَلِةِ والتي تضم حوالي ثلاثمائة منزل2'7: ويحيطها سور 
من طين» ومساكن المدينة المنورة قد شيدت جدرانها من الحجارة. 
والمنطقة المحيطة بالمدينة المنورة قاحلة مع استثناء واحدء فعلى 
مرمى حجرين خارج المدينة» ويوجد حوالي خمسين أو ستين نخلة في 
بستان بآخر قناة ماء تنحدر أربعاً وعشرين درجة على الأقل”©2. ومن 
هذه القناة ارتوت القافلة عند وصولها للمدينة . 


وفي اليوم الأول من وصولنا للمدينة المنورة وعند دخول المسجد 
النبوي كنا مجبرين على أن يصطحبنا بعض الأشخاص الذين أمسكوا 
بأيدينا وقادونا إلى قبر الرسول وكا" . 

[101] قائد قافلتنا أرسل لقيم المسجد النبوي وطلب منه أن يريه 
جسد النبى يك مقابل أن يعطيه 7٠٠١‏ أشرفى ذهب”؟؟'» وذكر له أنه قد 
أتى إلى هنا لينقذ روحه وليرى جسد النبي كَل كما ذكر له أنه مقطوع 
لا أب له ولا أم ولا إخوة ولا أخوات ولا زوجة ولا أطفال» كما أنه لم 
يأت إلى هنا لشراء جواهر أو بهارات . 

عندئذ أجابه قيم المسجد النبوي بخيلاء وغضب : 

كيف يمكن لعينيك التي اقترفت الكثير من الذنوب والمعاصي في 
)012( لا شك أن هذا خطأ واضح لكن الرجل غير دقيق ومبالغ . 
() قال المترجم: إشارة إلى حدائق قباء . 


(29) قال المترجم : يقصد الأدلاء أو المزرورين: أي المرشدين للراتريرة.: 
(5) أي دنانير أشرفية ذهبية نسبة للأشرف برسباي السلطان المملوكي . 


رحلة فارتيما 





هذه الدنيا أن ترى الرسول كيه الذي من أجله خلق الله السماوات 
والاوض 371 

عندئذ أجاب قائد قافلتنا: «سيديء أنت قلت المليح» أي أنك تقول 
الصواب يا سيدي» لكن اعمل معر وفاً ودعنى أرى جسده الطاهرء وبمجرد 
أن أراه سأفقأ عينى حباً له فأجاب قيم المسجد : «لاياسيدي». 

فقال قائد القافلة: «بس بس.. مش عاوز» أي .. كفى.. 
كفى. . لا أريد المزيدء وخرج علينا قائد القافلة قائلاً : 


«انظروا كيف كنت أريد أن أبعثر ثلاثة آلاف أشرفي». 
لقد مكثنا بالمدينة المنورة أربعة أيام لنعطي الفرصة لجمالنا كي 
تستريحء ويتلقى أهل المدينة المنورة مؤونتهم من بلاد العرب 


السعيدة» ومن القاهرة وأثيوبيا عن طريق البحر؛ إذ لا يبعد ساحل 
البحر الأحمر عن المدينة المنورة أكثر من أربعة أيام . 


الرحلة من المدينة إلى مكة المكرمة 


جهزنا أنفسنا للرحيل» مع مرشدينا الذين راحوا يتفحصون 


البوصلات والخرائط الضرورية للسفر. 


وبدأنا الاتجاه جنوباء ووجدنا بئراً رائعة كانت زاخرة بكميات 
هائلة من المياه» وقد تركنا هذه البئر وقد نفد ماؤها. 


)١(‏ هذا قول شائع لكنه غير ثابت. 





لقد كان الرجال يركبون فوق جمالهم في صناديق خشبية 
تخا ضي27, حيثث يأكلون وينامون داخلهاء بينما كان أدلتنا يسيرودن 
ومعهم بوصلاتهم كما لو كنا مبحرين في البحر. 

[154] وقد مات هنا كثيرون من الظمأء ومات عدد أكبر لأنهم 
عندما حفروا ووجدوا الماء شربوا كثيراً جداً حتى ارتووا. 
عشرة أيام. وقد خضنا مرتين حرباً مع 06٠6٠١‏ بدوي”"', ولما وصلنا 
مكة كان ثمة حرب ضروس بين أخ وأخيه. ذلك أن إخوة أربعة كانوا 
يتنازعون على شرافة حكم مكة المكرمة. 

مكة المكرمة, ولم يقصدها المسلمون؟ 

سنتحدث الآن عن مكة ذات الشرف الباهر» ما هي؟ وما وضعها؟ 
ومن يحكمها؟ إنها مدينة رائعة الجمال. قد أحسن بناؤهاء وتضم 
حوالي الا أسرة» ومنازلها جيدة تفاماكء كمنازلناء في إيطالياء 
وتوجد منازل يساوي الواحد منها ثلاثة أو أربعة آلاف دوكاتوء ولا 
يحيط بمكة سورء وعلى بعد مكة بربع ميل وجدنا جبلاً يوجد به طريق 
نحتته الأيدي البشرية العاملة» وعندئذ انحدرنا إلى السهل . 


وتمثل الجبال أسواراً لمكة المكرمة يوجد من خلالها أربعة 
)١(‏ قال المترجم: المحفة أو الشبرية أو التختروان؛ فرش توضع فوق الجمال التي 


يمتطيها - أثناء الحج 73 الحجاج الأغنياء : 


رحلة فارتيما 








-© 


مداخل لمكة المكرمة» وحاكم مكة سلطان (يقصد شريف) من سلالة 
محمد يكل وهو أحد إخوة أربعة» وهو تابع للسلطان الأكبر في القاهرة» 
وإخوة سلطان (شريف) مكة الثلاثة فى حالة حرب دائمة معه . 

لقد دخلنا مكة المكرمة في الثامن عشر من شهر مايوء وكان 
دخولنا إياها من ناحية الشمال» وبعد دخولنا مباشرة وجدنا أنفسنا 
ننحدر إلى السهل» ويوجد إلى الناحية الجنوبية من مكة جبلان يكاد 
أحدهما يلامس الآخرء وبينهما بوابة تفضي إلى بوابة مكة. 

وعندما دخلنا مكة وجدنا قافلة الحجيج القادمة من القاهرة التي 
كانت قد وصلت قبل قافلتنا بثمانية أيام» فهذه القافلة لم تسلك الطريق 
نفسه الذي سلكناهء وكان ضمن قافلة القاهرة 55٠6٠٠‏ جمل ومائة من 
المماليك . 

ويعاني أهل مكة من نقص كبير في المياه. 

وسأحدث لكم ذكراً عن حياة أهل مكة؛ فجانب كبير من مؤونتهم 
يأتي من القاهرة عبر البحر الأحمرء فثمة ميناء يقال له جدة يبعد عن 
مكة أربعين ميلاً يستقبل هذه المؤن» كما ترد لمكة كميات كبيرة من 
المؤن من بلاد العرب السعيدة» وكميات أخرى كبيرة أيضاً من أثيوبيا . 

وقد وجدنا أعداداً كبيرة من الحجاج في مكة أتى بعضهم من 
أثيوبياء وبعضهم الآخر من الهندء وآخرون من فارس» وطائفة من 
سورياء والحق أقول لكم: إنني لم أر أبداً تجمعاً هائلاً احتشد في 
مكان واحدء كما رأيت هنا في مكةء خلال العشرين يوم التي مكثتها 





في هذا البلد. لقد أتى بعض هؤلاء الناس بغية التجارة» وبعضهم بغية 
[151] البضائع في مكة المكرمة 
ترد لمكة من الهند كميات كبيرة من الجواهرء وكل أنواع 
البهارات» وإن كان جانب من البهارات يرد من أثيوبياء ويرد جانب 
آخر من البهارات إلى مكة من البنغال» وكميات كبيرة من الأقمشة 
القطنية والحريرية» فعبر مكة تتم تجارة مرور كبيرة في المجوهرات 
والبهارات بأنواعها المختلفة» والقطن بكميات كبيرة والشمع والمواد 
العطرية . 
طلب الغفران في مكة المكرمة 
دعونا الآن نعد إلى الغفران الذي يبتغيه الحجاج القادمون إلى 
الكولوزيوم في روما إلا أنه غير مبني بالحجارة الضخام» وإنما من 
طوب أحمر . 
وعند دخولنا هذا المعبد (المسجد) انحدرنا عشر درجات أو اثنتي 
عشّرة درجه». وحول هذا المدخل كان يجلس باعة يبيعون الجواهر ولا 
شيء غير الجواهرء وتحت أقواس المسجد يجلس حوالي 1٠٠١‏ أو 
٠‏ إنسان» رجالاً ونساءء يبيعون مختلف أنواع المواد العطرية 
غالبها مساحيق لحفظ الأبدان وإنعاشهاء لأن الوثنيين (يقصد 
المسلمين) يأتون إلى هنا من مختلف أنحاء العالم» والحق أقول لكم : 


رحلة فارتيما 





إنه من الصعب أن أصف لكم روعة الروائح التي شممتها في هذا 
المعبد (المسجد)» إنها تظهر كرائحة مشبعة بالمسك زاخرة بأكثر 
العطور إنعاشاً وإبهاجاً. 
الهدي والأضاحي في مكة المكرمة 

رجل أو امرأة إلا ويلحر رأسين أو ثلاثة على الأقل»: بل إن بعضهم 
ينحر أربعة» وبعضهم الآن ينحر ستة» حتى إننى أعتقد صادقاً أنه قد تم 
ذبح أكثر من “٠٠٠١‏ رأس من الغنم في اليوم الأول بعد أن وَلِيت 
وجوهها صوب المشرق» ويقدم كل ناحر ما نحره إلى الفقراء حبا لله 
وتقرباً إليه؛ إذ يوجد حوالي ٠٠٠٠١‏ فقير هناك سرعان ما حفروا حفرة 
كبيرة جداً ووضعوا بها روث الجمال وأشعلوا فيه نيراناً صغيرة» 
وراحوا يشوون قطع لحم صغيرة ويأكلونها. 

ظ 7017] وحيد القرن في المسجد الحرام 

وهو حيوان نادر الوجود في الأماكن الآأخرى 

على قيد الحياة من حيوان وحيد القرن» ويبدوان ككائنات عجيبة تلفت 
النظر. وإنهما لكذلك يقيناًء وسأحدث لك من وصفهما ذكراً: 

أما أكبرهما فيبدو كمهر يبلغ من العمر ثلاثين شهراًء أما وحيد 
القرن الآخر فيشبه مهراً يبلغ من العمر عاماً. 


المختار من الرحلات الحجازية 





6 - 


وكان هذان الحيوانان وحيدا القرن قد أهديا إلى سلطان مكة ‏ 
باعتبارهما من أطرف ما في العالم وأجمله في أيامنا هذه من قبل ملك 


ع 


انوبا 


وقد أرسل هديته هذه تعبيراً عن ولائه لسلطان مكة الآنف الذكر. 

[154؟] ذكر بعض الحوادث في الطريق 

من مكة المكرمة إلى ميناء جدة 

يجب أن أبين هنا كيف يظهر العقل البشري فطنته فى ظروف 
بعينها؛؟ فقد أصبح ضرورياً أن أعمل فكري للهرب من قافلة مكة7'', 
فعندما كنت ذاهباً لاستبضاع بعض الأشياء لرئيس القافلة تعرف على 
أحد المسلمين إذ تفرس في وجهي وقال : أنت من أي البلاد؟ فأجبته : 
إني مسلم ء فقال لى : أنت كذاب » فقلت له: ورأس النبي مد أنا 

مسلم: فقال لي : تعالى معي إلى منزلي. فلذهبت معه. 
وعندما وصلت لمنزله تحدث إلى بالإيطالية» وأخبرني من أي 
البلاد أتيت» وأنه يعلم أنني لست مسلماء وأخبرني أنه كان في وقت 
سابق في جنوه والبندقية. ووصفهما لي دلماك على صدقه » وعندما 
القاهرة؟. وعندما سمع ذلك سر له كثيراء وراح يعاملني باحترام 
)١(‏ وذلك لأنه كان محسوباً من المماليك فيجب أن يرجع مع القافلة» ولكن هذا 


المخادع كان يريد أن يرتحل إلى الهند؛ لذلك يريد أن يهرب من القافلة الدمشقية . 
(؟) أي أنه صار مسلماًء وتحول إلى الجندية ليكون من المماليك». وهذا من حيله - 


رحلة فارتيما 





- 39( 


واعتزاز كبيرين . 

[541؟] ولأن قصدي أن أحصل على أكثر من هذاء فقد شرعت 
0 استدراجه قائلاً: ما إذا كانت هذه هي مكة المكرمة ذات الصيت 
الذائع عبر العالم كله فأين الجواهر؟ وأين البهارات؟ وأين مختلف 
أنواع البضائع التي قيل إنها تتخذ سبيلها إلى هذا المكان؟ لقد ألقيت 
عليه هذا السؤال فقطء عساه يخبرني لم لم تعد هذه البضائع والأشياء 
تصل إلى هناء كما جرت العادة قبل ذلك» ولم أشأ أن أسأله ما إذا 
كان ملك البرتغال هو السبب''؟» فقد كان المليك البرتغالي هو سيد 
المحيط الأطلنطي» وسيد الخلجان الفارسية والعربية» وعندئذ بدأ 
يخبرني بالتدريج عن سبب عدم وصول البضائع التي سبق أن أشرت 
إليها مثلما كانت تصل قبل ذلك» وعندما أخبرني أن الملك البرتغالي 
هو السبب تظاهرت بالحزن العميق» وأرسلت فيضاً من السباب على 
هذا الملك البرتغالي؛ مخافة أن يكتشف سعادتي لنجاح المسيحيين في 
إتمام هذه الرحلة (حول رأس الرجاء الصالح). وعندما وجد أنني 
أظهرت عداء للمسيحيين أبدى نحوي مزيداً من الاحترام والاعتزاز 
وراح يخبرني بكل شيء نقطة نقطة وبالتفصيل . 

]١11[‏ وعندما حصلت ما فيه الكفاية من المعلومات» قلت له: 
صديقي: إنني أتوسل إليك. وأتمناك من النبي أن تدلني على طريقة 

س- وخداعه» قاتله الله . 


)١(‏ قال المترجم: ورد في قرة العيون «عن تاريخ اليمن» أن البرتغاليين حاصروا سبع 
سفن وطنية بين الهند والخليج الفارسيء» وقتلوا ركابها قبل زيارة فارتيما لمكة. 





6 
للهروب من القافلة» لأن غرضي هو الوصول إلى أولئك الذين يعادون 
المسلمين» فإنني أؤكد لك أنهم إذا عرفوا قدراتي لأرسلوا بحثاً عني حتى 
فى مكةء فسألني: بحق نبينا محمد كَل ماذا يمكنك أن تصنع؟ فأجبته 
بأنني أمهر صانع للمدافع الضخمة في العالم» وعند سماعه لذلك قال : 
إن محمد يك يستحق الشكر لأنه أرسل لنا''؟ مثل هذا الرجل لخدمة 
المسلمين وإرضاء الله سبحانه» ولذلك فقد أخفاني في منزله وتركني 
مع زوجتهء وتوسل إلي في أن أحث رئيس قافلتنا على أن يخرج من 
مكة خمسة عشر بعيراً محملة بالبهارات» وذلك حتى لا يدفع ثلاثين 
أشرفياً للسلطان كضريبة» فأجبته بأنه إذا ما أخفاني في هذا المنزل 
فإنني سأمكنه من تحميل مائة بعير إذا كان لديه مثل هذا العدد؛ لأن 
للمماليك هذا الامتياز» وعندما سمع مني ذلك كان في غاية السعادة. 


وبعد ذلك ناقشني في الطريقة التي يجب أن أتدبر بها أمري. 
ووجهني إلى أحد ملوك الهند ذوي الحيثية زه طللف للك : 


[111] وقبل رحيل القافلة بيوم خبأني في منزله بموضع سري». 
وفي اليوم التالي» قبل انبثاق نور النهار بساعتين» كان ثمة نفير وأبواق 
صاخبة خلال المدينة وذلك وفقاً للعادة المتبعة» وكان ثمة إعلان بأن 
على كل المماليك حتى لو كانوا فى حشرجات الموت أن يمتطوا 
صهوات جيادهم ليبدأوا رحلة العودة.إلى سورياء عندئذ حاصرت 
المخاوف قلبي بشدة وأثرت الشفقة على نفسي بدموعي التى سكبتها 


. إن رسولنا ككِْةِ لا يرسل أحداً إنما الله تعالى هو منشىء الحوادث كلها جل جلاله‎ )1١( 


رحلة فارتيما 





-© 


وفي صبيحة يوم الغلاثاء رحلت القَافلة المذكورة. وتركني التاجر 
مع زوجته وفي منزله» ورافق القافلة بعد أن أخبر زوجته أن ترسلني » 
يوم الجمعة التالى» بصحبة قافلة الهند المتوجهة إلى جدة» ولا أستطيع 
أن أعبر عن الرقة التى شملتنى بها هذه السيدة وخاصة من ابنة أختها 
فستجعلان مني رجلا ثريآء لكنني تنازلت عن كل هذه العروض 
لحساب المخطر الحالى . 

وحين أقبل يوم الجمعة خرجت مع القافلة ظهراً دون أدنى أسف 
لمغادرة المرأتين اللتين راحتا تنشجان حزناً لفراقي”''» وفي منتصف 
الليل وصلنا إلى إحدى المدن ومكثنا بها طوال الليل وحتى ظهر اليوم 
التالى؛ء وفي يوم السبت شرعنا في المسيرء وظللنا في ترحال دائم 
حتى منتصف الليل. حين دخلنا ميناء جدة . 

جدة ميناء مكة والبحر الأحمر 

[؟1"؟] لا يحيط بعجدة سور »© وإنما هي محاطة بمنازل ف غاية 
الجمال» كالمعتاد فى إيطالياء لذا لن نغرق كثيراً فى وصفهاء إنها 
مدينة مزدحمة جداً لأن عدداً كيرا شه المسلمين (عبر عنهم فارتيما 
بالوئنيين) يأتون إليهاء ولا يسمح بقدوم المسيحيين أو اليهود لها. 

[7؟] وعندما وصلت إلى هذه المدينة (جدة) دخلت بسرعة 


)031( وهذا من غدره وقلة وفائه. 





دم 


تكد ا وانزويت في أحد أركانه. ومكثت فيه أربعة عشر يوماً» وكنت 
أمكث طوال النهار منطرحاً فوق الأرض متدئراً بثيابي» تصدر عني 
أنات دائمة لأني كنت أعاني من آلام شديدة في معدتي وبدني» وقد 
سأل أحد التجار: من الذي يئن هكذا؟ فأجابه الفقراء الذين كانوا إلى 
جواري: إنه مسلم فقير يحتضرء وفي كل ليلة كنت أَنْسَلَ خارجاً من 
المسجد لشراء طعامء وأترك الأمر لتقديرك لتحكم ما إذا كانت لدي 
الشهية الكافية أم لا؟ فقد كنت لا أتناول الطعام إلا مرة واحدة في 
اليوم. وكان طعاماً رديئاً. 


وجدة تتبع سلطان مصرء ويحكمها أخو شريف مكة وهو تابع 
للسلطان الكبير فى القاهرة. 

ولم يحدث لي هنا كثيراً مما يمكن أن أرويهء فالناس هنا 
مسلمون» ولاتنيت الارضن شيناء وثمة ندرة شديدة فى المياه العذبة. 
ويلطم البحر جدران المنازل» وكل أنواع الضروريات متوفرة هنا إلا 
أنها تجلب من القاهرة وبلاد العرب السعيدة ومن أماكن أخرى» وفى 
جدة يوجد دائماً عدد كبير من المرضى ويعزون ذلك لرداءة الهواء فى 
هذا المكان. 

وتضم جدة حوالي خمسمائة أسرة . 

وفي نهاية اليوم الرابع عشرء اتفقت مع ربان سفينة كانت مبحرة 
إلى فارس ؛ إذ كان فى ميناء جدة حوالى مائة سفينة بين كبيرة وصغيرة» 
وبعد ثلاثة أيام غادرت سفينتنا مبحرة في البحر الأحمر”'*. 


)١(‏ إلى هنا تم المراد من الاختصارء ولله الحمد. 


رحلة ماء الموائد 








الرحلة السادسة 
رحلة العياشي"') 


المسماة بدماء الموائد» 


قام برحلته سنة 2٠١/7‏ ودخل المدينة فاتحة سنة 2٠١1/7‏ فقال 
رحمه الله تعالى : 
ذكر دخولنا للمدينة المشرفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام 

كان دخولنا للمدينة المشرفة ليلة الخميس الثانية من محرم فاتح 
عام ثلاثة وسبعين وألف”"“. فمنا من زارء ومنا من تأخر إلى الصباح؛ 
لأن الحرم يوري وس ا 0 
انفتاح» وكنت فيمن أخر الزيارة لشغل البال» وضيق الوقت» ومزاحمة 
الأشغال. فلما كان قبل الفجر بقليل اغتسلت وذهبت إلى المسجد 
الأثيل»ء وصليت في روضة الجنة» وعظمت علي من الله المنة» وزرت 
أكرم نبي وأفضل رسول؛ وسلمت عليه وعلى صاحبيه الفائزين من قربة 
بأعظم مأمول.» وصليت الصبح بذلك الحرم» وكرعت في مناهل 


)١(‏ هو عبدالله بن محمد بن أبي بكر العياشي» أبو سالم» فاضل من أهل فاس» 
ونسبته إلى أية عياشء قبيلة من البربرء ولد سنة ٠١77‏ وتوفي سنة ٠١١‏ رحمه 
الله تعالى. وله عدة تصانيف . انظر «الأعلام؛ : 64 . ْ 

(؟) قال المحقق: الموافق /ا١‏ أغسطس 577١م.‏ 


المختار من الرحلات الحجازية 





الفضل والكرم . 
لزيارة أهل البقيع - رضوان الله عليهم ‏ وتتبعنا الأماكن المشهورة 
بأسباب الانفصال والاتصال . 


فلما اطمأنت بنا الدار وبلغنا الوطار أتينا الديار من أبوابهاء 
وقصدنا المسببات من جهة أسبابهاء فخرج معنا الناسك الزاهد أقدم 
المجاورين في تلك الديار هجرةء وأكثرهم فيها من المشاهد خبرة. 
الشيخ محمد الفزاري المالكي» وأوقفنا على المشاهد كلهاء وأرانا 
جليها وخفيهاء ودعونا الله عند كل مشهد بما نرجو قبوله لنا ولإخواننا 
وأحبابنا الذين خلفناهم في بلادناء ولمشايخنا وذرياتناء نسأل الله أن 
يعود ببركة ذلك علينا وعليهم في دنيانا واخرتنا. 


]١[‏ وقد استوفى السيد السمهودي”'' في تاريخ المدينة ذكر 
ولنذكر نحن بعضص المشافل هما زرناه» وإلا فمقبرة المديئة لا مقبرة 


)١(‏ هو علي بن عبدالله بن أحمد الحسني السمهودي القاهري الشافعي» نزيل 
الحرمين» ولد سنة 8545 ب«اسمهود» ونشأ بها فحفظ القرآن وبعض الكتب» وقرأ 
على والده وغيره من المشايخ كثيراً من الكتب» ثم استوطن القاهرة» ثم انتقل 
سنة 487١‏ إلى الحرمين. وجاور بالمدينة منذ سنة “الام إلى أن مات بها سنة 
١‏ رحمه الله تعالى» وكان متفنناًء فاضلاً. له عدة مصنفات. انظر «الأعلام» : 
00 و«الضوء اللامع» : 6--758. 


رحلة ماء الموائد 





691 سل 
على وجه الأرض أشرف منها بالإجماع ؛ فهي خارجة من الخلاف الذي 
في تفضيل المدينة على مكة؛ إذ لا تعلم مقبرة على وجه الأرض مثلها 
دفن فيها من سادة هذه الأمة وأفاضلها من الصحابة خصوصاً الخلفاءء 
وأزواج النبي - عليه السلام ‏ وأولاده وأكابر أهل بيته» وسادة ‏ 
التابعين» وتابعيهم بإحسان, فهم أول زمرة تحشر مع رسول الله كَك؛ 
فمنهم خلفاؤه. وأعمامه. وعماته» وبناته» وولده إبراهيم» وأزواجه» 
وأكابر أهل بيتهء والجم الغفير من أصحابه وأنصاره وأولادهم 
وأتباعهم» فلا يشك مسلم أن ليس في أمة النبي يك أفضل من الزمرة 
التي تبعث من المدينة. ظ 


وقد روي عن الإمام مالك رضى الله عنه أنه قال: دفن بالمدينة 
أكثر من عشرة آلاف من الصحابة . 


وبها شهداء أحد؛ وليس في غزواته ‏ عليه السلام ‏ أكثر من هذه 
الغزوة شهيداً» وبها شهداء الخندق» وبها شهداء الحرة» وليس فيمن 
استشهد في الفتن التي بعد النبي - عليه السلام - أكرم منهم شهيداء 
كم فيها من مآثر ومشاهد يعلم بعضها بالنظر في تأليف من ألف في 


[175] ولما كان يوم الثلاثاء سابع الشهر ارتحل الركب المصري 
من المدينة بعد إقامته ثلاثة أيام بهاء وكان الحرم الشريف في أيام 
إقامتهم لا تكاد تسمع فيه صوت قارىء ولا مؤذن؛ لكثرة اللغط 
والصخب ورفع الأصوات وازدحام الناس في المسجدء لا ينقطع ذلك 


المختار من الرحلات الحجازية 





-> 60 
ليلا ولا نهاراً؛ لأن أبواب الحرم الشريف لا تغلق ماداموا هناك» 
ويكثرون بالليل إيقاد الشموع في المسجدء ويجتمع إليهم صبيان أهل 
المدينة يقرأون لهم مواليد وقصائد في مدح النبي ككةِ وهم محدقون 
بهم؛ ويسمون ذلك مولد النبي كَِلةِ» يستعدون له من بلادهم بالشمع 
والحلواء» ويدفعون للصبيان أجرة على ذلك» ويقع على ارض الحرم 
الشريف من الشمع المذاب شيء كثير لأجل ذلكء» فيلتقطونه ويجمعونه 
ويرجعون به إلى بلادهم تبركا به'''» فتجد منهم في المسجد بالليل 
جماعات كثيرة على هذا النمط فيكثر لذلك الصياح في المسجد واللغط 
الذي لا ينبغي» لا سيما مع ما ينضاف إلى ذلك من ولاول النساءء 

وبكاء الأطفال» واختلاط النساء بالرجال. 


[5"؟] أعجوبة 


حكى لي بعض المجاورين أنه وُجد في بعض المواسم رجل مع 
امرأة في الحرم الشريف. فحملا إلى الحاكم فشهدت البينة أنها 
زوجتهء وقيل: ما حملك على ما فعلت؟ فقال: إنه لا أولاد لنا 
فرجوت أن تحمل المرأة ببركة هذا الحرم» فعذر بجهله ولم يعاقب . 

[/71] وكانت عادة المصريين ليلة رحيلهم من المدينة أن يجتمع 
أمراؤهم وكبراء أهل المدينة والأغوات في صحن المسجد ليلاً» ويوقد 
شمع كثير على حَسَّك”' كبار من فضة وُشيت بذهب» ويحضر جماعة 


)010( تعلق المسلمين بمثل هذا لا ينبغي . 
(؟) أصل الحسك هو الشوكء والمراد ما يوضع عليه الشمع . 


رحلة ماء الموائد 





من المنشدين ينشدون قصائد في مدحه يده وينثر عليهم من اللوز 
والسكر والأزهار وأنواع الحلوى» ويدار عليهم بالأشربة اللذيذة إلى 
وهذه عادة أمرائهم وأمراء الشاميين فى ليلة الرحيل » ولم يفعل 
المصريون شيئاً من ذلك هذه السنة لما وقع من الاختلاف والعزل بين 
[174] وبعد رحيلهم من المدينة بثلاثة أيام نزل الركب الشامي 
ليلة السبت» ولقوا من الحرّ في الطريق شدة عظيمة كالذي وقع 
للمصري قبلهم أو أشد. فماتت منهم جملة كثيرة في الطريق» وجملة 
بعدما وصلوا إلى المديئة» وأقاموا بالمدينة المشرفة عشرة أيام. 
وتمتعوا بمشاهدة تلك البقاع , ونصبت الأسواق». وانسعت الأرزاق» 
وقسدمت الصدقات» وكثرت الارتفاقات0'' . 
[119!] وبالجملة فلا ينتفع أهل المدينة بركب انتفاعهم. بأهل 
الشام؛ فإنهم يقدمون بتجارات كثيرة» وطعامء» وزيت» وأشربة 
يبيعونها في المدينة عند قدومهم. ويدخرون ما بقي إلى الإياب». 
[١07؟7]ولأهل‏ المدينة عند فدومهم عادة مذمومة» وهي أنه لا 


تبقى مخدرة من النساء شريفة كانت أو وضيعة إلا خرجت تباشر البيع 


(0) قال المحقق: أي الإعانات . 


المختار من الرحلات الحجازية 





والشراء بنفسهاء ولهن على الرجال في ذلك الوفت إتأوة يؤدونها لهن 
يبتعن بها ما أحببن من اللائق بهن من طيب وشبهه» وربما لا تقنع 
إحداهن من زوجها إلا بالخمسين ديناراً فما فوقهاء فقد حكي لي أن 
امرأة بعض المدرسين بها أعرفه طلبت منه في ذلك اليوم ما تخرج به 
إلى السوق على العادة» فدفع لها عشرة دنانير ذهباً فاستقلتها» وذهبت 
من سدة الغيظ فرمت بها في المرحاض وأتلفتها عليه وقالت له : 
أمثلي يخرج إلى السوق بهذا المقدار؟ فلم يملك من أمره إلا أن ذهب 
وتسلف خمسين ديناراً فدفعها لها وهذه حسرة عظيمة . وذل للرجال 
الذين جعلهم الله قوامين على النساء»ء فلا ينبغي لذي همة أن يرضى 
بذلك . 


]١71[‏ بيد أن نسائهم يبالغن في الستر الظاهر بحيث لا يبدو من 
المرأة ولا مخرز إبرة حتى من أطرافها؛ يلبسن الخفاف السود ويتبرقعن 
ويسدلن من أزرّهن ما يكون غاية في الستر. 


[777] إلا أنهن يكثرن من الطيب عند الخروج فيوجد عَرْف 
الطيب منهن من مسافة» فيكون ما سترنه ظاهراً أبدينه باطنً» وبهذا فسر 
بعض العلماء قوله يَكِّ: «رب؟ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)0©؛ 
لأن الحكم في الآخرة إنما هو للحقائق» ومّن هذه صفته من النساء وإن 
اكتسيت في الظاهر فهي في الحقيقة عارية؛ لأن حقيقة التعري إبداء ما 
حقه أن يُخفى, كما أن التستر إخفاء ما لا ينبغي أن يظهر»ء ولا خفاء أن 


000( قال المحقق : رواه البخاري في الجامع الصحيح . كتاتثك العلم. جا صل/ 7 . 


رحلة ماء الموائد 





و0 سس 
عطر المرأة من أعظم زينتها وألذ ما يشتهي منها. 

وقد أمرت بإخفاء ما هذا سبيله من أوصافهاء فإذا ظهر منها ذلك 
فهي في الحقيقة عارية وإن اكتسيت؛ فإنه من العورات ما لا تواريه 
الكسوةء ولا يواريه إلا تركه رأساً كالخلوة» وكذلك عطرها فلا يواريه 
إلا تركه» ولذلك جاز لها الطيب المؤنث. وهو ما ظهر لونه وخفي 
ريحه؛ لأن اللون تستره الثياب بخلاف الريح فلا يستره إلا الترك رأساً 
أو عدم الخروج.» فليتأمل . 

ولقد من الله على الحجاج الشاميين بطول إقامتهم في المدينة. 
وإدراك فضيلة الصلوات الكثيرة في المسجد النبوي» واستقصاء زيارة 
الآثار الشريفة لمن شاء منهم الذهاب إلى المساجد المنسوبة إليه» عليه 
السلام» والابار التي شرب منها وتوضأء وتلك منقبة عظيمة خصوصاً 
الصلوات في المسجد النبوي . 


[107] ثم خرج الركب الشامي من المدينة على وجل عظيم من 
العرب الذين يمر بهم في طريقهء وكانوا قد أوقعوا بالركب وقعة شنيعة 
في ذهابهم قرب تبوك. وأخذوا مثين من إبل الركب وأموالاً لا تحصى 
وقتلوا أقواماً. 

[/1؟] وسبب ذلك أنه كانت لهم إتاوة على الركب في كل سنة 
يأخذونها من أميرهم» يعطونها من بيت المال» وفي هذه السنة عزل 
الأمير الذي كان يأتى بالركب كل سنة» واستبدل به غيره ممن لاا يعرف 
حال الطريق وأعرابهاء فلما جاءته شيوخ العرب لأخذ ما كان لهم عادة 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 01 
من عند السلطنة منعهم من ذلك». وأغلظ لهم في القول. وظن أن قوة 
عسكره تحميه منهم» ولم يعلم أن مّن قبله من الأمراء ما تحملوا بذلك 
إلا لعجزهم عن مقاومتهم» فراجعوه في ذلك وناشدوهء فصمم على 
الامتناع» فلما أيسوا منه شنوا الغارة على الركب». فدافعهم قليلاً 
فانهزم» فنهبوا من الركب شيئاً كثيرً»ء فلما رجع لم يخرج من المدينة 
حتى بعث إلى الشام ليأتيه المدد» وواعدهم موضعاً معروفاً في الطريق 
ومع ذلك التزم للأعراب أزيد مما هو عادتهم. فسلم الله تعالى الركب 
سبع ذلك 

ولما خرجت الأركاب من المدينة» وصفا الجو منهمء وهمدت 
الأسواق. واتسع المسجد على أهلهء وزال الزحام من الطرقات 
والمزارات» تفرغنا لزيارة المشاهدء. والتطواف على الآثار المباركة» 
ولقاء المشايخ . 

ذكر المساجد التي تزار بالمدينة لنسبتها إلى النبي 355 

وأهل المدينة يخرجون إلى هذه المساجد لقصد التفرج في أيام 
كثيرة» ولهم يوم معلوم في السنة يخرجون إليها بالأخبية"'* والأطعمة 
الكثيرة» فيبيتون بها في لهو وطرب» وهو يوم النصف من شعبان . 

وقد خرجنا مرة لزيارة المساجد فوجدنا الأعلى منها مملوءا نساء. 
ولم نتمكن من الدخول إليه وهن يطبخن في أنواع الأطعمة. 


)0010( الخباء : بيت من شعر أو وبر أو صوف يجعل على عمودين أو ثلاثة : ١المعجم‏ 
الوسيط»: خ ب أ. 


رحلة ماء الموائد 





[7176] ونساء المدينة لهن عوائد مذمومة في الخروج إلى التنزه 
والتفرج في البساتين والأماكن المنفسحة» ويسمون ذلك القائلة» 
فيقولون: نقيل اليوم في الموضع الفلاني» وخروج الرجال لذلك أكثر» 
فتكلف المرأة زوجها فى ذلك من النفقة مالا قدرة له عليه . 





[177] ذكر الآبار التي ورد أن النبي كه تفل فيها أو شرب 
من مائها أو توضا فيهاء فاكتسبت بذلك فضلاً على غيرها 
فصارت مقصودة بالزيارة والاستشفاء بمائها 
ولم نذكر منها إلا ما زرناه وشربنا من مائه» وهي سبعة : 
أولها: بئر أريس”٠2»‏ كجليس نسبة إلى رجل من اليهود اسمه 
أريس» وهو الفلاح بلغة أهل الشام . 


وفي الصحيح خبر خروج رسول الله يلك وأن أبا موسى الأشعري 
خرج في أثره حتى دخل بئر أريس وتوسط قفها'"؟ وكشف عن ساقيه. 
وأن أبا بكر جاءء ثم عمر ففعلا مثلا ذلك» ثم جاء عثمان وبشر 
الجميع بالجنة» الحديث بطوله”" . 


وفي الصحيح أيضاً أن خاتم النبي يكَكلِ كان في يد أبي بكر ثم في 
يد عمر. ثم في يد عثمان حتى سقط منه في بئر أريس فنزحت فلم يوجد . 


(؟) قال المحقق: البئر ما أحاط بها من بناء أو نحوه. 
(0) قال المحقق : الجامع الصحيح ١‏ كتاب المناقب» .١977/5‏ 


المختار من الرحلات الحجازية 





وأما ما اشتهر على الألسنة أن النبى ككل تفل فيها فقد قال 
العراقي"'' في تخريج أحاديث «الإحياء»: لم أقف له على أصل . 

قال الي ومن الغريب قول العر بن 0 ؟ في 0 
قد صح أن النبي كه تفل فيها. 

وهذه البئر في حديقة غربي مسجد قباء قريباً منه» وماؤها غزير 
يسنى منه إلى بركة في الحديقة» وفي هذه الحديقة أنواع الفواكه 
والأشجارء وبها عنب كثير قلما يدخل أحد للزيارة فى وقت العنب إلا 
ويشتريه ويأكله فيهاء حتى ظن بعض العوام أن ذلك من القربات . 

وأهل المدينة يقصدون هذه الحديقة للقائلة والتفرج» وقد جعل 
لمائها نفقاً من أسفلها على وجه الماء حتى يتصل ماؤها باليئر التي يقال 
لها العين الزرقاء» وهي في حديقة أخرى قريبة من بئر أريس» وهي بثر 


() قال المحقق: عبدالرحيم بن الحسين بن عبدالرحمن» أصله من الكرد ومولده في 
رزنان من أعمال إربل بالعراق: من كبار حفاظ الحديث». توفي عام 805/ها ‏ 
7مء ترجم له: السيوطي: حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة: 
ص؛ ١١؛‏ السخاوي: الضوء اللامع؛ جلاء ص ١7١‏ . 

(0) أي السمهودي السابق ذكره. 

(*) قال المحقق: محمد بن أبي بكر بن عبدالعزيز الحموي الأصل المصري الشافعي. 
ويعرف بعز الدين بن جماعة: فقيه» أصولي» محدثء. متكلم» أديب ونحوي» 
تتلمذ على يد ابن خلدون. توفي عام ١5/ه ‏ 51١م»‏ ترجم له: السيوطي : 
بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاةء القاهرة: مطبعة السعادة.» 7“5١اه ‏ 
م ص 70 لاا والسخاوي: الضوء اللامعء جلاء ص١1‏ . 

(5) قال المحقق: كتاب فى الفقه على المذاهب الأربعة اسمه: هداية المسالك أو 
مناسك ابن جماعة» حاجي خليفة : جصء ص 1855 . 


رحلة ماء الموائد 





- 609 


كبيرة قد أمدت بمياه أبار متعددة منها بئر أريس» فصارت متبحرة 
تنكى*؟ ها موانان عظمان مو ساة غدرها من الآباوة فاتخلات لها 
أسراب تحت الأرض إلى أن خرجت إلى بطحان» ثم إلى غربي المدينة 
فقسّمت جداويل» فأدخل منها إلى المدينة ما احتيج إليه» فأظهرت 
داخل المدينة في مناهل متعددة» وبني لها بناء متقن يهبط إليها في نحو 
ثلاثين درجة محكمة البناء» متقنة الرّصف» واسعة الممشى» منها 
يستقي أهل المدينة كلهم لشربهم» والذي رأيت منها ثلاثة مواضع : 
أحدها شرقي المسجد بينه وبين باب البقيع في المكان المسمى الآن 
بالحرة» والآخر خارج باب السلام في الناحية الغربية عند سوق المدينة 
بالبلاط» والآخر شامي المسجد بعيداً منه إلى ناحية باب الشامي . 


وأما خارج المدينة باخرجت الى سحا متعددة أيضآ ثم لم تزل 
تقرب من وجه الأرض قليلاً كلما انحدرت في أرض المدينة إلى أن 
خرجت على وجه الأرض قريباً من الغابة”"' شرقي مسجد رومة بينه 
وبين أحدء وعليها هنالك مزارع» وقد رأيت جدولاً منها قريباً من 
مسجد الراية في طريق ذباب يهبط إليه فى نحو ثلاث درجء وهذه 
العين المباركة من أغزر العيون وأحلاها ماء وألذه» بها جاء انتفاع أهل 
المدينة» ومنها كل السبيلات الموقوفة بالمدينة» ومنها تملى الدوارق 


)000( أي يصب . | 
(؟) قال المحقق: كانت في الماضي أرضاً ذات شجر متكاتف». ياقوت: معجم 


البلدان» جة.» ص8١‏ . أما في الحاضر فهي عبارة عن مزارع تقع غربي أحذ 
وتبعد عن المدينة باثني عشر كيلاً تقريباً» وقد دخلت تحت مسمى العيون. 


المختار من الرحلات الحجازية 





م 


التي توضع في الحرم الشريف للشربء, وهي لا تكاد تحصى كثرة» فما 
أعظم بركتها وأوسع نفعها! ولقد شاهدت من يستشفي بمائها فيشفى 
وقد حملنا بعض مائها للاستشفاء» ولله در القائل : 
لشن قيل في زرق العيون شأمة 
فعندي أن المين في عينها الزرقاء 
[/ا/ا؟7] وتسميتها بالعين الزرقاء من لحن العامة وصوابه عين 
الأزرق؛ لأن مروان الذي أجراها لمعاوية كان أزرق العينين؛ فلقب 
بالأزرق» وكان إجراؤه لهذه العين بأمر معاوية لما ولاه المدينة» وكان 
لمعاوية - رضى الله عنه ‏ اهتمام بذلك». فأجرى بالمدينة وما حوله 
عيوناً كثيرة قد دثرت كلهاء ولم يبق إلا هذه العين المباركة» وقد 
أحوالها على مر الأزمنة» ويصلح ماوهي منهاء ولولا ذلك لدثئرت 
يرها من العيون. 
[774] قال الواقدي: وكانت بالمدينة على زمن معاوية صواف17) 
كر 4 .وقانة تجن" بالحدحة نواع ايها فانة القن وك "1 وتتمسين 
ألف وسى) ويحصل مائة ألف وسقى حنطة . فهذا الذي كان يجذه 


معنى ا وهي الحملات التي كان 0 المسلمون ا 6 
البيزنطية . 

(؟5) قال المحقق : من أجد أي حان حصاده. 

9 قال المحقق: في صدر الإسلام كان الوسق حمل البعيرء والوسق ستون صاعاً 
أي 707 لتر أو ١94,7“‏ كيلوغراماً من القمح. 


رحلة ماء الموائد 





-© 


معاوية وحده فما بالك بما كان لغيره من الرعايا ووجوه الناس» فقد 
كان للصحابة وأبنائهم ‏ رضي الله عنهم ‏ في ذلك الزمان ضياع وقرى 
ومزارع كثيرة بالمديئة وما حولهاء وما أظن هذه العدد الذي كان 
يستغل لمعاوية بالمدينة فقط يستغل في زماننا هذا من أرض الحجاز 
كلها مع سعى أقطارهاء ما عدا نجد فإن بها زراعات كثيرة. 

[7] وبهذا نعلم نسبة زماننا هذا إلى الأزمنة الماضية في سعة 
الأرزاق وكثرة الخلق مع أن اهتمامهم في ذلك الوقت بالدين كان أكثر 
من اهتمامهم بالدنياء فأنت ترى كيف انبساطها عليهمء وأما الآن 
فالاهتمام كله بالدنياء ولم يبق من الاهتمام بالدين إلا ما نسبته إلى 
الاهتمام بالدنيا نسبة الفلك الأعظم إلى الجزء الذي لا يتجزأء وهذا 
اعظم دليل على قرب انقراض الدنيا واستبدال عمرانها بالخراب 
وأنهارها بالسراب» فإنما عمرانها إنما هو بأسباب الدين والدنياء وأنت 
ترى ما آل إليه أمرهما معاً. فنسأل الله تعالى ‏ الخروج من الدنيا بلا 
محنة ولا بدعة آمين . 

]18١[‏ ذكر بعض أودية المدينة التي تسيل إذا كثرت 
الأمطارء فيخرج أهل المدينة للتنزه بها 

فمنها وادي العقيق. وهو أيضاً - من المواضع المباركة التي 
ينبغي زيارتهاء ففي الصحيح عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله يَكِلِ 


يقول بوادي العقيق: «أتاني الليلة آت فقال: صل فى هذا الوادي 
المبارك0700؟ . 


(0) قال المحمقق: رواه البخاري في الجامع الصحيح» كتاب الحجحء ج؟. ص ١15‏ . 


المختار من الرحللات الحجازية 





وروي أيضاً مرفوعاً: «العقيق واد مبارك)7٠'‏ . 


والعقيق واد كبير غربي المدينة وراء الحرة الغربية يأتي سيله من 
أماكن. وسمي عقيقآ لأن سيله عَنَّ في الحرة أي شق وقطعء وقيل 
سمي بذلك لحمرة موضعه» وقد روي أن عمر ‏ رضي الله عنه ‏ لما 
أقطع الناس العقيق وقف في موضع بئر عروة بن الزبير التي عليها 
ساقيته»ء وهو يُقطع الناس. فقال: أين المستقطعون؟ فنعم موضع 
الحفيرة» فاستقطعه ذلك خوات بن جبير الأنصاري”'*. فأقطعه تلك 
الناحية» فاشترى عروة موضع قصره واباره. 


وقل صدقفت فراسة عمر - رضى الله عنه ‏ في هذه البئر كما هو 
شأنه فى كل ما يتفرس فيهء فهذه البئر من أغزر الابار ماء وأحلاهاء 
ولذلك أكثر الشعراء من ذكرها في أشعارهم . 


[181؟] وسيل العقيق عند أهل المدينة من أعظم المنتزهات من 
سالف الدهرء. ولشعرائهم الأقدمين فيه أشعار كثيرة مذكورة في كتب 
الأدياء . 


)١(‏ قال المحقق: المصدر نفسهء كتاب الحجء باب قول النبي كَلْةْ: «العقيق واد 
مبارك»» ج؟.» ص55١.‏ 

(؟) صحابي» قيل إنه شهد بدراًء توفي في حدود سنة أربعين» وله أربع وسبعون 
سنةء رضي الله عنه. انظر «التقريب»: .١95‏ 


رحلة ماء الموائد 





الكثيرة مع سرور ولهو وطرب». وأقاموا به يوماً أو يومين » وقل سال 


مرة سيلا عظيماً منع الرفاق الواردين من مكة للرجبية عن الوصول إليها 
إلا بعد مدة. 


ومنها وادي بطحان» وهو الوادي المتوسط بيوت المدينة» ودور 
الأنصار غالبها على حافتيه شرقاً وغربآء وهو يمر من شرقي قباءء ثم 
يمر كذلك إلى أن يمر غربي سور المدينة إلى طريق المصلى حتى 
يخرج إلى غربي سلع وقرب مساجد الفتح» ثم يمر كذلك إلى أن 
يلتقي مع العقيق بالغابة حيث مجتمع الأسيال» فقد روى البزار عن 
عائشة مرفوعاً: «بطحان على ترعة من ترع الجنة»”'2» وقد سال مراراً 
ونحن بالمدينة» فخرج الناس للتفرج فيه» وعلى حافتيه منازل كثيرة 
لأهل المدينة قد جعلت لها شبابيك ومجالس إلى ناحية الوادي» وعليه 
قنطرة كبيرة قرب المصلىء وقل ما يخلو أعلاه من ماء يسيل به» يقوى 
إذا كثرت الأمطار» ويقل إذا قلت . 


ذكر مواضع نزولنا بالمدينةء وإقامتنا بها 
وتنقلات الأحوال بذا إلى خروجنا منها إلى مكة 
كانت مدة إقامتنا بالمدينة المشرفة سبعة أشهر ونصف». لأنا 
دخلناها ‏ كما تقدم ‏ في الليلة الثانية من محرم». وكان خروجنا منها 
إلى مكة في السابع عشر من شعبان» وكنا نسكن أولاً في محل نزولنا 


)١(‏ قال المحقق: أخرجه السيوطي في صحيح الجامع الصغير» قال المحقق (ناصر 
الدين الألباني) : حديث حسن . 








- 1 
بجوار مشهد السيد إسماعيل» وكان أفسح الأمكنة وأوسعها وأبعدها 
عن زحام الناس به أخلية الوضوء وبئران» وكان قيم المشهد أحد 
أصحابنا المغارية المجاورين» وهو الذي أنزلنا به» وكان يتولى 
إصباحه وكنسه وإغلاق أبوابه» ويقبض ما يؤتى به من الصدقة إليه. 
ولاه ذلك مفتي المالكية بالمديئة صاحبنا الخطيب أحمد وأخوه 
الخطيب عبدالرحمن؛ لأن ولاية المشهد لهماء فإذا اجتمع من 
الصدقات ماله بال دفع لهما حصة منه وانتفع بالباقي كما هو شأن سائر 
المشاهد بالمدينة» بل وبغيرها صارت أماكن جباية يُوَلَى عليها من قبل 
القاضي . 

وكنا مدة نزولنا به فى أرغد عيش وألذه لا يزاحمنا فيه غيرنا لولا 
بعده من المسجدء فكنا إذا خرجنا لصلاة الظهر في أيام الحر تكاد 
الرمضاء تحرقناء إنما نتقي ببقايا الضلال ومبادىء الفيء تحت 
الجدران» ومع ذلك يلفحنا الحر لفحأء فلا نصل إلى المسجد إلا بعد 
مشقة » ولكنا نحتسب في ذلك خطانا ونغتفر ذلك لما أغبطتنا به من 
السّعة وجوار أهل البقيع» فنمر كل يوم مراراً على باب البقيع ونسلم 
على أهله وندعو. ومن طلع منا على سطح المشهد أشرف على البقيع 
كله وما والاه من الأجنة وحدائق النخيل» ويكون جبل أحد الذي هو 
من جبال الجنة قبالة وجهه. 

[787] وما كان ينغص علينا فيه إلا كثرة ترداد النخاولة إلى ذلك 
المحلء وهم الروافض الساكنون خارج المدينة في العوالي وغيرها من 
الجهات» فإن جل من يسكن هناك ويتولى العمل في البساتين والفلاحة 


رحلة ماء الموائد 





© 


فيها رؤافض » وسحييم أهل المدينة النخاولة27 ولا أدري ما معرى 
هذا الإسم . 


ولهم عادة في كل يوم خميس غالبا يأتون إلى المشهد من أول 
النهارء ويطبخون هناك طعاماً كثيراً» ويجتمعون رجالا ونساءً 
بأولادهم. وفي الغالب يأتون لختان أولادهم. فإن من له ولد يريد 
ختانه لا يختتنونه إلا في ذلك اليوم في ذلك المكان. 


وربما جاءوا لغير ختان بل لمجرد الزيارة وإطعام الطعام. ولا 
يخضر معهم عيرهم» 


وغالب ما يطبخون هناك الأرز أو الهريسة باللحم» وصفة طبخ 
الهريسة أن يجعل اللحم في المطبخ» ويجعل معه القمح» ويطبخ حتى 
يفارق اللحم العظمء فتزال العظام ويبالغ في طبخ اللحم مع القمح 
حتى يطيب القمح ويزلع”"'. فيأخذون عصياً شبه المغارف عراض 
الرؤوس» فيلوكون ذلك به حتى يختلط اللحم مع القمح ويصير مثل 
العجين» فيأخذونه في الأواني» ويصبون عليه السمن» وهي ‏ عند أهل 
الحجاز ‏ من أشهى الأطعمة» وهي قوية إذا شبع منها الإنسان قد لا 
يشتهي الطعام يوماً وليلة. 


)١(‏ قال المحقق: طائفة من فقراء المدينة يعملون في النخل: وهم شيعة» ولعل 
قلت: إن كان ذلك كذلك فهو على خلاف قياس النسبة. 
(؟) قال المحقق: يتفتت. 





1 


[181] ذكر ما أقرأته بالمدينة المشرفة أيام إقامتنا بها 





ولما كان أول شهر من صفر ألجأني أصحابنا المالكية بالمدينة 
المنورة أن أقرأ لهم مختصر الشيخ خليل في فقه مالك» فتعللت لهم 
بقلة الممارسة له» وشغل البال» وعدم ما يستعين به الإنسان من 
الشروح والحواشيء فلم يُجَدٍ تعللي لديهم. بل زادهم إغراء» فابتدأنا 
قراءته في مؤخر المسجد بالجانب الغربي منه» وكانت قراءتنا من بعد 
صلاة العصر إلى قرب المغرب» فقرأنا لهم قراءة لا بأس بها زعموا 
أنهم لم يروا مثلها منذ أزمان» ولا بدع في ذلك» فإن البلد شاغر من 
محققي العلومء سيما فقه المالكية» فلم نر هناك من يحقق أدنى 
مسائله» وقرأنا فيه إلى فصل الأذان في أزيد من شهرء فجاء الله تبارك 
وتعالى بما نرجوا به المغفرة ورفع الدرجات من المرض» فطال بي 
المرض ومنعني من الوصول إلى المسجد في غالب الأوقات» بل ال 
بي إلى أن عجزت عن الخروج للجمعة فضلاً عن غيرها من الصلوات . 


وقام بشؤوننا أصحابنا المغاربة في ما نحتاج إليه من أدوية وشراء 
الأطعمة» فجزاهم الله عنا أفضل المجازاة» خصوصاً صاحبنا الشيخ 
عبدالمؤ من النَّمْجْرِي فقد قام معنا أتم القيام ولا نسب بيننا وبينه ولا 
سبب إلا ما جبله الله عليه من محاسن الأخلاق وكرم الأعراق» وإلا 
فأي مناسبة بين أقصى المغرب وأقصى السودان؟ فكافأه الله عنا أحسن 


- 


المكافات . 


وما قدرت على شهود الصلوات كلها فى المسجد إلا في أواخر 


رحلة ماء الموائد 





جمادي الثانية . 

]١184[‏ ولما استهل شهر ربيع الأول طلب مني أصحابنا أيضاً 
قراءة الشمائل فشرعنا فيها بعد صلاة الحنفي الصبح يباب النساءء 
وعاق المرض عن ختمها إلى جمادى الثانية . 


ومما أقرأته بالمدينة ‏ أيضاً ‏ نقاية السيوطي"''» كلفني بعض 
أصحابنا المحبين من أهل السودان بقراءتها وما كنت قرأتها قبل ولا 
أقرأتهاء إلا أنها لمّا كانت مبادىء علوم قد قرأنا فيها ما تيسر وحصلنا 
منها النصيب الذي قد جسّرنا على قراءتها إلا فنين منها لم أقرأهما ولم 
أقرئهماء وهما فن التشريح والطب. فقد امتنعت من إقرائهما حين 
الوصول إليهماء فألحَ عليّ فيهما وقال: اني أقنع بما فهمت من كلام 
المصنف فقلت: إن الله يقول : # ولا تَقَف مالس لك به عِلْي»04"'., وأنا لا 
علم لي بهذين العلمين» ولم يتقدم لي فيهما قراءة على شيخ» وما 
يظهر من العبارة لا يكفي في تفسير العلم؛ إذ لكل علم اصطلاحات لا 
يعلمها إلا أربابه» وأنا أكره إن تعاطيت ذلك الكذب خصوصاً في حرم 
الرسول وَكْةٌ وحول قبره. 

وأقرأت أيضاً نحو ربع الألفية . 


كل ذلك في محل جلوسنا تحت الأسطوانة التي عن يسار السرير 
الذي يقوم عليه المؤذنون في الصف الذي يلى صحن المسجدء وكان 


. قال المحقق: مختصر في أربعة عشر علمآ مع زبدة مسائلها‎ )1١( 
.” (؟) قال المحقق: سورة الإسراء: الآية‎ 





عامة جلوسنا هناك» وبعدما خرجت من المدينة كتبت لأصحابنا بأبيات 
ثلاثة في رق» وأمرتهم بالصاقها في الأسطوانة التي كنت أجلس إليها 
تذكرة بي لأنال من دعائهم, وهي هذه : 
اختران خيس اللخلى نتروا بلجرة 
لشن غاب عنكم شخصه ففؤاده 
ولما كان منتصف صفر دخل الركب العراقى المدينة المشرفة17) 
ونزلوا بركبهم شامي سَلع من غربي ذباب إلى قريب من مساجد الفتح. 
[55] وتأخر فى هذه السنة قدومهم إلى المديئة لبطئهم في 
الطريق كثيراًء ذكر لي بعضهم أنهم اخذوا في ما بين مكة والمدينة نحواً 
الأمراء. فقد أدوا من ذلك كثيراًء وأخبرني بعضهم أن جملة ما أدوا من 


)١(‏ قال المحقق: يقصد المؤلف بالركب العراقي أهل عراق العجم» وهو ما يسمى 
بإيران حالياً. 


(0) أي الضرائب. 


رحلة ماء الموائد 





ظ 6 


المكوس من يوم خروجهم من بلادهم بأصفهان يزيد على خمسين ديناراً 
ذهباً لكل رأس» والخمسون عندهم معدة لهذا يعدونها من بلادهم . 


كل من خرج للحج منهم يخرج زيادة على ما يحتاج من النفقة 
والكراء خمسين ديناراً للمكوس التي تؤخذ منهم في الطريق» فان 
كانت المكوس التي تنوبهم الخمسين فأقل لم يتضرروا بذلك 
لاستعدادهم لها وإخراجهم بها مخرج الصدقة» وما زاد على الخمسين 
استضروا به» وقد أخذ منهم في هذه السنة عامل البصرة لما مروا بها 
لاثين ديناراًء وذلك بأنهم لا يأتي معهم من بلادهم عسكر يحميهم في 
الطريق من أعرابها ومحاربيهاء فإذا وصلوا إلى البصرة أشخص معهم 
عامل البصرة عسكراً من ناحيته وأميراً من قبّله حتى يردهم إلى البصرة. 
فيأخذ منهم ذلك لأجل هذا متعللاً بأنهم ليسوا في ولاية سلطانه فلا 
تجب عليه نصرتهم ولا حمايتهم إلا بإتاوة يأخذها منهم . 


وأما سلطانهم فهو الشاه ملك أصفهان وما والاها من عراق 
العجم”'': وعساكره لا تقدر على الوصول إلى عراق العرب الذي هو 
من أعمال مملكة صاحب الروه”"؟2. ولأجل ذلك لا يدفع هذا المَكس 
أهل بغداد ولا أهل الكوفة والبصرة وإن قدموا معهم في الركب في 
طاعة ملك الروم وإيالته”'"» وأمراء هذه البلاد عماله» فيلزمون بحماية 


)١(‏ قال المحقق: منطقة في غرب إيران أطلق عليها العرب عراق العجم» ياقوت: 
٠‏ معجم البلدان. حاةٌء2 ص 97 . | 

(0) قال المحقق: السلطان العثماني . 

() الإيالة كالولاية. 


المختار من الرحلات الحجازية 





الرعية والذب عنها في مقابلة الخراج المأخوذ منهم في كل سنة» ومن 
لا يصل خراجه إلى بيت مال السلطان فيذب عنه سلطانه الآخذ لخراج 
بلذه. وإلا فلا حماية له إلا بما يدفعه. 


]١87[‏ وهذه سياسة كسروية ومقاصد دنيوية ما أنزل الله بها من 
سلطان» ولا جاء بها في سنة نبيه من بيان» فكل المسلم على المسلم 
حرام دمه وماله وعرضهء ونصرته وحمايته على القادر واجبة ولو كان 
أحدهما من أقصى المشرق والآخر من أقصى المغرب» فما بالك بوفد 
الله ووفد رسوله» فالذب عنهم والدفاع واجب على كل أمير ومأمور 
رعاية لجانب الله ورسوله» واهتضامهم وإذلالهم هضم لجانب الدين» 
وسيرة الأئمة المعتدين لا المهتدين» بيد أن هؤلاء التأخوذ منهم 
المكوس روافض فساق في الاعتقاد» فهم جديرون بأكثر من ذلك من 
الإهانة» إلا أن انتظامهم في سلك الحجاج الوافدين على الله ورسوله. 
واتسامهم بسمة الإسلام يوجب لهم حرمة ما داموا في طريق الحج. 
على أن الأخذين منهم لم يقصدوا بذلك إهانتهم على فسقهم وسوء 
معتقدهم» بل طلباً لحطام الدنيا واتباعاً للسياسة الكسروية كما قدمنا. 


فلو فرض أنهم أهل سنة وجماعة ما احترموهم لأجلهاء 
ولعاملوهم بمثل ذلك أيضاً. وحينئذ فمدار أمورهم ومقاصدهم على ما 
يصلحون به أمور دنياهم وإن أضر بآخرتهم» والله المستعان. 

[/481؟ ] وناهيك بما يقع لحجاج المغاربة عند دخولهم مصر 
وخروجهم منهاء إلا أنهم لا يأخذون إلا ممن معه تجارة» وعند 


رحلة ماء الموائد 





الخروج من مصر لا يأخذون إلا من أهل المغرب الأقصى وأهل 
السودان متعللين بما ذكرناء أولاً: إنهم ليسوا من رعية السلطان» فلا 
يخرجون السلع من بلد السلطان إلى بلاد سواها إلا بجعل وخراج» 
قاتلهم الله أنّى يؤفكون. 

[184] وقد ذكر بعض المؤرخين أن مثل هذا كان يقع قبل هذا 
الزمان من أمراء مكة للحجاج المغاربة فيأخذون منهم قدراً معلوماً من 
المال على كل غني وفقير. 

ومن لم يكن له مال يدفع منه ذلك المقدار حبس حتى يفوته 
الحج» إلى أن قيض الله لذلك بعض صالحي ملوك مصر'"'؟؛ فبعث إلى 
أمير مكة في إسقاط ذلك عن الحاج وجعل له قدراً عظيماً من الأموال 
يأتيه في كل سنة من مصرء فانقطعت تلك المحنة بسبب ذلك» فجزاه 
الله عن المسلمين خيرآء فهكذا ينبغي أن تكون همم الملوك في النظر 
في مصالح المسلمين» ودفع الضرر عنهم بأنفسهم وأموالهم إن لم يكن 
إلا ذلك. 

[144] وعلة أمراء مكة في أخذ ذلك كالذين أسلفنا ذكرهم. 
فيقولون: نحن حماة الحرم والذابين عنه وعن الوافدين عليهء ولولا 
ذلك لاختطفتهم ذئاب الأعراب» ولا يقوم ذلك إلا بعساكر وحماة. 
ولا قيام لهم إلا بأموال» وبلاد الحجاز ضعيفة لا يفي ما يتحصل من 
خراجها بذلك». فلا بد لنا من أموال نستعين بها على ذلك إما من 





617 


سلاطين الأقطار أو من رعاياهم إذا وصلت إليناء فلهذا لا يأخذ سلطان 
مكة شيئاً من كل مّن يرد من الشام ومصر والمغرب؛ لأنه وإن كان 
مستقلاً في مملكته هو في الحقيقة عامل من عمال الخاقان الأعظم 
صاحب الروم يأتيه من مصر من الأموال والأطعمة ما يقوم بكفايته 
وكفاية عساكره. 


وأما أهل اليمن فأمراؤه من الإمامية أقاربه في النسب بل 
والمذهب». وبينهم مواصلات كثيرة ومحاماة. 


]١9١0[‏ وأما أهل الهند فلا يقدمون إلا في البحر وغالبهم تجار. 
فيدفعون العشر بجدة» وإن قدم بعض كبرائهم قاصداً الحج فقط فإنه 
يستصحب من الهدايا والتحف ما يجل وصفه. 

]١91[‏ وأخذ أمير مكة فى هذه السنة من هؤلاء الأعاجم أهل 
العراق أحد عشر ديناراً ذهباً لكل نفس» ستة لدخول مكة وخمسة 
لدخول المدينة» وقد حبسهم عن المشي بعد الخروج من مكة إلى مر 
الظهران حتى أقاموا هناك نحواً من اثنى عشر يوماً بسبب بقية بقيت 
عليهم من الخراج المؤدى» فلما وصلوا إلى بدر حبسهم أميرهم هناك 
أسبوعاً حتى أعطوا ثمانية دنانير أخر لكل نفس متعللاً بانقضاء الزاد 
والعلوفة بسبب التعطيل المذكورء وهذا كله سوى ما يعطونه الأعراب 
من يوم خروجهم من المدينة. وقل قدموا في هذه السنة بركب عظيم 
فيه داية الشاه وطبيبه وحاجبيه أو وزيره. 


[191] وعدة الذين أعطوا المَكس من الأعجام سوى الأعراب 


رحلة ماء الموائد 





01 
والخدام ثمانية عشر مائة» وطالت إقامتهم في المدينة قريباً من شهرء 
ولم يكن فيهم نفع لأهل المدينة من بيع ولا شراء ولا صدقة إذ جلهم 
روافض» ويقصدون بصدقاتهم من هو على مذهبهم» ولا يزورون من 
مزارات البقيع إلا مشاهد أهل البيت فلهم عليها ازدحام . 

[194] وعند زيارة الرسول جَلْةِ لا يقفون للسلام على أبي بكر وعمر- 
رضي الله عنهما ‏ بل كثير منهم لا يمرون بالناحية التي هما فيها . 

4 ] نوقق عرض والحد من امحاننا واتتحن إذكذالك بمشهتالسية 
إسماعيل» وكان يضطجع بباب المشهد وعليه ثوب أحمرء والأعجام 
يلبسون الأحمر في الغالب» فإذا رأوه على باب المشهد وعليه زيهم مع 
ملازمته لمشهد السيد إسماعيل ظنوه على مذهبهم فتيمموه بصدقاتهم . 


[965؟] ولم يرتحل هؤلاء اللئام من المدينة حتى س' سئم أهل المدينة 
مقامهم وملوا جوارهم لما أفسدوا بسرحهم من النخيل والبساتين» 
وكانت إبلهم ترعى بناحية الحرّة الشرقية إلى قريب من أحد وإلى 
الغابة» فأفسدت من صغار النخيل وضعيف الشجر كثيراً» وأغلوا 
الأسعار بالمدينة لنفاد زوادهم و علو فاتهم» فارتحلوا في التاسع أو 
الثامن من ربيع الأول. [ 


. [95؟] ولما استهل ربيع النبوي''' نُظف الحرم الشريف» وفرش 
بفرشه المعهودة. من الؤرابي”"! الحسان التي لا يوجد لها نظير إلا في 


. أي ربيع الأول» نسبة إلى مولد النبي #َِوْ فيه‎ )١( 
أي السجاد.‎ 0)» 





المسجد النبوي. اعت القديم المسقف كله. وأخرجت الربائع”" التى 
فيها المصاحف العتيقة والأجزاء الحسان من وقف الملوك والكبراء. 
وصفت في قبلي المسجد. وفتحت خزائن الكتب العلمية الموقوفة 
بالحرم الشريف يستعير منها الناس للقراءة» وشرع الأئمة في القراءة 
والتدريس . 

ذكر عادات أهل المدينة 


[1917] وكانت عادتهم إذا كان اليوم السابع عشر من ذي القعدة 
ويسمونه الكنيس جمعت. بسط الحرم الشريف كلها وادخلت إلى 
المخازن فلا يبقى في المسجد إلا الحصرء وأدخلت المصاحف التي 
في المسجد والسبحات إلى الروضة» ورد كل من استعار كتاباً إلى 
صاحبه أو إلى ناظر الخزانة التي أخذه منهاء واقتضى غالب الديون. 
وتفاصل الشركاءء وانتهى أمد غالب الأكرية”"' يتهيأون بذلك للموسم 
لأنه في غالب الأمر مظن ارتحال قاطن وقدوم غائب» واجتماع الناس 
من الأفاق. واشتغال أهل المدينة بقبض الأوقاف والجرايات التي 
تأتيهم من الآفاق» وذهاب من يريد النسك إلى مكة أو من يريد 
التجارة» فلا يبقى بالمدينة إلا قليل من الناس» ويكنس الحرم الشريف 
في ذلك اليوم» وفيه يكنس البيت العتيق بمكة أيضاًء ويفعل فيها مثل 
ذلك. 


() قال المحقق: الصناديق الصغيرة. 
(6) أي الإجارات. 


رحلة ماء الموائد 





0 


وأيام الموسم عند أهل الحرمين الشريفين فيها يجمعون غالب 
أمور معاشهمء فلا يتفرغ أحد للتدريس ولا عبادة إلا ما لا بد منهء فإذا 
انتقضت أيام الموسم وذهبت الركبان الواردة من الآفاق» ولم يبق 
بالحرمين إلا أهلهما رجعوا إلى معتاد حالهما في الأمور الدينية من 
القراءة والتدريس وأنواع العبادات» الدنيوية من الفلاحة والتسعير في 
الأسواق وتصحيح المكاييل والموازين» وأما الموسم فلا سعر معلوماًء 
ولا مكيال وافيًء ولا ميزان صحيحاًء كل يفعل ما شاء ولا يتكلم الولاة 
فى شيء من ذلك إلا أن يقع أمر مهم . 

[194] ولما تأخر ارتحال الأركاب في هذه السنة تأخر فرش 
الحرم الشريف إلى أول ربيع» وتنافس الناس في الخدمة في ذلك اليوم 
بنقل البسط وغيرهاء وعمل في ذلك الأمراء العظام فمن دونهم. 
وناهيك بشرف مقام يتشرف أعظم الملوك بتولي خدمته» ويجعل بسطه 
التي تداس بالأرجل على رقبته» ويعفر مصون شيبه في قتير''' حصرهء 
ويكمل بتراب أرضه إنسان عين بصره*'"؟» ولقد رأيت الأمير إبراهيم 
الذي كان أمير الحاج المصريء وهو من الأمراء الكبار مشمراً عن ساقه 
قد جمع عليه ثيابه»ء وقد كاد الغبار أن يواري بشرة وجههء وهم 
يخرجون صناديق الكتب من الحجرة الشريفة» وما كان يتولى الخدمة 
هناك إلا من ومّن» ولقد جهدت أن أتشرف بشيء من تلك الخدمة فلم 
أقدر إلا على بسط الفرش في محلها بعد وصولها إليهاء وفي ذلك 


)١(‏ قال المحقق: أي بؤبؤ عينه. 


المختار من الرحلات الحجازية 





والحمد لله كفاية ينال بها محصلها أكبر غاية . 

[44؟] ولما قربت ليلة المولد الشريف وهي الثانية عشر بولغ في 
الحمرة لا أدري ما هو. وألقى فوقه قليل زيت طيب أخضرء فإذا توقل 
المصباح ظهر إشراقه لشدة صفاه وملاقاته لضوء النار. واشر قت مكمرة 
ذلك المائع لكونها ملاقية لصفاء الزجاج فتصير حمرته كحمرة 
الزجاج يتموج فيه ضوء النهار» وينعكس فيما زج اشرفقه صفاء الزيت 
وخحخضرته . وصفاء المائع | جور وحمرثته. فلا تسل عن حسن ذلك 
المنظر وبهائه» وقد رتبت المصابيح في تعليقها ترتيباً حسناً لائقأًء 
هنالك . 


فإذا كان بعد صلاة العصر من اليوم الحادي عشر أخرجت القناديل 
الكبار والحسك العظام من الحجرة غالبها من النحاس المطلي 
بالذهب». فمن لم يعرف أصلها لا يظنها إلا ذهباً خالصاًء وكل واحدة 
أعظم من قعدة الرجل العظيم» وصمْت في صحن المسجد. ووضعت 
فيها الشموع الغليظة الصافية اللون» منها ما يزن نصف القنطارء ومنها 
دون ذلك». وفي وسط تلك القناديل قنديل كبير من فضة خالصة زنته 
أكثر من قنطار فيه خمس حَسَك كبار من فضة مدور الشكل» فيوضع 
في كل حسكة منه شمعة» وتبسط البسط الرفيعة من جوانب القناديل من 


رحلة ماء الموائد 





. ب 


كل جهة لجلوس الأمراء وأرباب المراتب ولجلوس المنشدين» فإذا 
صليت المغرب أوقدت المصابيح كلها والشمع الذي في صحن 
المسحد .و اخل الناس في الاجتماع. وأوقدت أربعة مشاعل كبار على 
أساطين معدة لذلك في صحن المسجد: اثنان في مقدمه واثنان في 
مؤخرهء فإذا صُلَّيت العشاء جلس الأمراء في الفرش المعدة لهم كل 
على مرتبته»ء وجلس الشعراء أمامهم والمنشدون» وضربت خيمة قريبة 
من باب النساءء ووضعت فيها أنواع الأشربة الحلوة. 


فإذا امتلأً المسجد وغصن بأهله وجلس كل واحد في موضعه قام 
المنشدون فينشدون من غرر القصائد في مدح النبي كَكِْهِ ما انتخبوه 
وأعدوه لذلك الموضع بألحان عجيبة وتراجيع متسقة. وبازائهم جماعة 
يردون عليهم بأصوات حسنة فيجييء السقاؤون بأنواع الأشربة الحلوة 
فيسقون الأمراءء ثم المنشدين ومن معهم من أتباعهم» ثم سائر الناس» 
ثم يؤتى بأنواع الرياحين والأزهار فتوضع بين أيديهم أضغاثا"”''. ثم 
تفرق أيضاً على الحاضرين ثم يؤتى بأطباق من اللوز والسكر وأنواع 
الحلاوى فتفرق» وينثر ما بقى منها على عامة الناس . 

ولا يزالون كذلك حتى يمضى من الليل ما شاء الله» النصف أو 
قريب منه فينصرفون» هذه الليلة من الليالي الغر المسترخص شراؤها 
ببافي العمر لولا ما شانها من كثرة النساء في المسجد: وإكثار 
الولاول؛ إلا أن أكثرهن في مؤخر المسجد من قبة الشمع وما حولها ‏ 


)غ0( أي حزماً. 





1ه 


الوداغر المسير 7 


[70] ومن عادة أهل المدينة أيضاً في كل ليلة جمعة أن يجتمع 
الناس بعد صلاة العشاء في آخر أروقة المسجد النبوي الموالي لصحن 
المتشمده فيأتي جماعة من المنشدين فينشد كل واحد منهم قصيدة أو 
قصيدتين بصوت رخيم وتطريب وتقسيم والناس محدقون بهم» ولهم 
أتباع يردون عليهم مثل ما تقدم في ليلة المولدء إلا أنهم لا يحتفلون 
لذلك في ليلة الجمعة كاحتفالهم لليلة المولد ولا قريب منه . 


]"١1[‏ ومن عادتهم أيضاً يوم الجمعة أن يكنس المسجد النبوي 
كله» ويؤتى بأغطية من ديباج أسود مخوص بالذهب فتعلق على أبواب 
المسجدء ويؤتى برايتين سوداوين من ديباج مخوص أيضاً فيركزان 
على يمين المنبر وشماله» وتكسى درج المنبر من أعلاه إلى أسفله 
ديباجاً من ذلك النعت» أيضاء ويعلق ‏ أيضاً ‏ على أبواب الحجرة 
الشريفة» فإذا كان قبل الزوال بقريب من ساعتين طلع المؤذنون على 
المآذن» فيبتدىء مؤذن الرئيسية بالذكر والصلاة على النبي يِه وقراءة 
آيات من القرآن. فإذا فرغ تلاه صاحب السليمانية'"؟ على نحو من 
ذلك. ثم لا يزالون كذلك يتناوبون الذكر والصلاة على النبي كَل 


)١(‏ قال المحقق: لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول يَكةِ ولا غيره لأن ذلك من البدع 
المحدثة في الدين» فالرسول كَكِْهْ لم يفعله ولا خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم من 
الصحابة - رضوان الله عليهم ‏ ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة. 
وهم أعلم الناس بالسنة وأكمل حبّآً لرسول الله يَكِةِ ومتابعة له ممن جاء بعدهم. 

(9) “قال المحفق: النقذثة التسلضانية : 


رحلة ماء الموائد 





- 49 


والتلاوة في المآذن كلها إلى أن يخرج الإمام بأثر الزوال» يقتسمون 
الوقت بذلك» فإذا قرب دخول الإمام قام أحد المؤذنين فينشد ما شاء 
اللهء فإذا دخل الإمام ورقي المنبر أذن المؤذنون دفعة واحدة داخل 
المسجد على السرير الذي في وسط المسجدء وكيفية أذانهم أن يبتدىء 
رئيسهم فيقول: الله أكبرء الله أكبرء فيقوله الآخرون بعده دفعة واحدة» 
ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله مثنى» فيقولونه أيضاً بعد فراغه منه 
دفعة واحدة» وهلم جر إلى آخر كلام الأذان”'' . 


]"١١[‏ وأما الخطبة فهى كالإمامة موزعة بين فقهاء المدينة» لكل 
واحد مقدار معلوم من الأيام على قدر حصته التي يأخذها من 
جامكية”'' الخطباء فمنهم مقل ومكثرء وذلك إما بالوراثة من أسلافهم 
أو بالشراء من الولاة وهو الغالب» فمنهم من تدور نوبته في كل شهر 
مرة» ومنهم من لا تصل إليه النوبة إلا مرة في السنة» ومنهم بين ذلك 
على حسب أنصبائهم في المال المأخوذ على ذلك». والحاصل أن 
المناصب الشرعية كلها في البلاد المشرقية حجازاً ومصراً وشاماً من 
إمامة وخطابة وإقامة وقضاء وفتوى وشهادة بل ووقيد المساجد إنما 
تنال بالشراء من الولاة» فإذا مات صاحب خطة أو عزل دفع الراغب 
فيها مالا للولاة» فيولونه مكانه على أي حال كان من صلاحيته لذلك أم 


)١(‏ يحصل من هذا تشويش كثيرء وقد أدركت الأذان على هذه الصفة» ثم وحد بعد 
ذلك . 

(؟) قال المحقق: ويطلق عليها أيضاً جومك. وهي رواتب خدام الدولة» أحمد 
رضا: المصدر السابق» والمقصود هنا هو العطاء الذي يتقاضاه الخطباء . 


المختار من الرحلات الحجازية 





.6 
لاء فعظم الخَّطب على المسلمين والإسلام في ذلك خصوصاً منصب 
القضاء فما رأينا ولا سمعنا في البلاد المشرقية كلها بقاض يقارب 
الحكم بما يشبه أن يكون شرعاًء وإنما الى عل دا جهاراً. 
فينقض الحكم الواحد في اليوم الواحد مراراً متعددة بحسب كثرة الرّشا 

وقلتهاء والله المستعان. 


]"١*[‏ بيد أن في سنة تسع وخمسين وهي أول سنة حججت فيها 
جاء إلى المدينة قاض تركي من قبل القسطنطينية"""» فأظهر فيها العدل 
غاية» وأقام الدين» وضرب على أيدي كثير من ولاة المدينة» ومنعهم 
من كثير من الباطل والظلم الذي هم به متصفونء, فثقلت وطأته عليهم 
واشتدت شكيمته حتى على الأمير زيد بنفسه. حال بينه وبين كثير من 
مراداته التي على خلاف الديانة» وكان السلطان زيد''' قد قدم في تلك 
السنة إلى المدينة وأقام بها مدة» فلم يزالوا يحتالون على القاضي حتى 
اغتيل ليلة من الليالي» وكان يأتي إلى المسجد النبوي قرب صلاة 
الصبح راكباً ليصلي في المسجد فكمن له رجل قريباً من باب المسجد 
فضربه بجنبية قطع بها أمعاؤه» ففر الضارب في ظلمة الليل» ولم يكن 
مع القاضي إلا قليل من خدامه. فأجرى فرسه من ألم الضربة حتى أتى 
باب المسجدء بل قيل إنه دخل المسجد بفرسه حتى أتى وجاه الوجه 
الشريف» فنزل وأخذ بشباك الحجرة» ولم يرسل يده من الشباك حتى 
)١(‏ هو الأفندي زفر كما ذكر المحقق. 


سيرته. توفي بمكة سنة /ا/ا١٠‏ رحمه الله تعالى. انظر «الأعلام»: / ٠9‏ -15. 


رحلة ماء الموائد 





إلا 
قبضت روحه إلى رحمة الله» وفر الضارب ولم يدر إلى أين حتى سمع 
به بمكة أو بجدة» فأظهر السلطان التأسف على موته والتحسرء وأظهر 
التفتيش عن الضارب» وزعم أنه لا علم له به ولو علمه لنكل به وقتله 
والخاصة من الناس لم يصدقوه في ذلك» وعلموا أنه لا يقدر أحد على 
الجرأة على هذا الفغل العظيم إلا بإذنه» وأنه لا يخفى عليه فاعله لشدة 
حزمه وعظيم مكره وكثرة دهائه حتى أنه لا يكاد يخفى عليه سارق 
شمْلة20 بأرض الحجاز كلهاء فكيف يخفى عليه مثل هذا! فبالله أي 
قاض بعد هذا الشهيد يقدر على إظهار الحق والقول به في هذه الديار 
وما شاكلها؟ وإلى الله المشتكى . 


[:7”0] ومن عادة المدرسين بالمدينة أيضاً تعطيل القراءة في 
المكاتب والتدريس يوم الثلاثاء ويوم الجمعةء ويقرأون فيما سوى 
ذلك من الأيام خلاف عادتنا بالمغرب من التعطيل يوم الخميس 
والجمعة» فكنت أيام إقرائي بالحرم الشريف يكلفونني القراءة يوم 
الخميس فيشق ذلك علي لكونه خلاف المعتاد لدينا ولخروجنا في ذلك 
اليوم إلى زيارة أحد أو غيره من المشاهدء فطالبتهم كل المطالبة أن 
يُعوض الخميس بالثلاثاء فأبوا كل الإباية» فجريت على عادتهم كما 
قيل: إن جئت أرضاً أهلها كلهم عور فغمض عينك الواحدة. 


[705] ومن عادتهم أيضاً بمكة والمدينة التهنئة بالشهر - أي شهر 
كان خلاف المعتاد لدينا بالمغرب؟؛ فإن التهنئة عندنا إنما تكون 


)١(‏ قال المحقق: مئزر من شعر أو صوف يؤتزر بهء يلبسها الأعراب. 


المختار من الرحلات الحجازية 





فيذهب كل واحد إلى من له عليه حق بولاية أو شيخوخة أو صحبة 
حتى يهنئه بالشهر في منزله. وللّه در القائل : 

إن الأهلة فى السماء مناجل بطلوعها تتحصد الأعمار 
فلم يهنيء بعضنا بعضاً بها وطلوعها بأفولنا إنذار 


الصلاة في أول الوقت ما عدا الصبح للحنفي فيؤخره إلى قرب 
الإسفان. 


]"٠07[‏ ويصلون الظهر أول ما تزول الشمسء» وما.يقيل غالب 
الناس إلا بعدالصلاة» فيذهبون بعد الصلاة إلى منازلهم لنوم القائلة. 
وكان ذلك يشق علينا قبل اعتياده» فتكاد صلاة الظهر تفوتنا في 
المسجد لأنا لا نتأهب لها إلا بعد الأذان» وليس بين الأذان والصلاة 
قدر التأهب» فمن لم يتأهب للصلاة قبل دخول الوقت فاتته الصلاة في 
الجماعة غالباً» وأول من يصلي من الأئمة الشافعي ثم الحنفي إلا في 
صلاة المغرب فيتقدم الحنفي لضيق وقته عنده كالمالكي . 

]"”١04[‏ ولا يؤم بالمدينة من الأئمة سواهما من أرباب المذاهب 
إلا في الجمعة فيصلى صاحب النوبة على أي مذهب كان.» فيتناوب 
الإمامان الصلاة في المحراب النبوي» فإن صلى أحدهما فيه صلى 
الآخر في المحراب الأخر الذي على يمين المنبر الشريف». وأما 
المحراب العثماني الذي في الصف الأول فلا يُصلي فيه إلا في بعض 


رحلة ماء الموائد 





أيام الموسم إن كثر الناس . 
[04] لطيفة 


ربما صلى بعض المالكية في بعض الأوقات بالناس لتعذر غيره 
ممن هو أهل أو إنابته له»ء فيصلي على هيئة الشافعي من الابتداء 
بالبسملة» وقبض اليدين» ورفعهما للركوع والرفع منه» وفي أول كل 
ركعة» وتثنية التسليم جهراً وتأخير القنوت عن الركوع والجهر به 
وكان بعض المالكية ينكر ذلك على فاعله فيقول: إما أن يصلي الصلاة 
على مذهبه أو يدع الإمامة» وكنت أنا أخفف الأمر في ذلك فأقول: قد 
علم من الشارع التحذير من الأمور التي توقع في المخالفة وتوغر 
الصدور خصوصا في أمور الدين» فإذا فعل الإمام حيث اضطر إلى 
الائتمام به أموراً ينكرها المأموم فقد تسبب في كراهية المأموم له فربما 


دخل في وعيد «من أم قوماً وهم له كارهون)7'' . 


]"٠١[‏ وهذا حيث لا ضرر عليه في الفعل والترك بأن لا يكون 
المتروك واجباًء ولا المفعول مبطلاً؛ كبعض المستحبات وخلاف 
الأولى فيكون ذلك من باب تعارض مندوبين أو مكروهين اضطر 
إليهماء فإن موافقة المأموم للإمام وعدم كراهيته له أمر مرغوب فيه 
مكروه خلافه؛ خصوصاً إن كان ذلك يؤدي إلى تخليط على المصلين» 
فإن كثيراً من المأمومين عوام لا يفرقون بين مقتضيات المذاهب» ولا 


)1١(‏ قال المحقق: أخرجه السيوطى فى صحيح الجامع الصغير وزيادته.» جا ص 
8 » قال المحقق (ناصر الدين الألبانى): حديث حسن . 





.6 
يعرفون محل الخلاف» فربما انتظر القنوت وراء الإمام في المحل الذي 
يعرفه فيتركه أصلاء ومعلوم أن تأخيره إلى ما بعد الركوع أولى من 
تركه بدليل أن ناسيه يفعله في ذلك المحل» وكالسلام فربما انتظر 
التسليمة الثانية إذ بها الخروج عن الصلاة عند بعضهم» فيؤديه ذلك 
إلى ترك السلام أو الفصل الكثير بين سلامه وسلام إمامه وكل ذلك 
محظور كترك البسملة» فإنها واجبة عند الشافعي تبطل الصلاة بتركها. 
فربما سمعه المأموم ممن لا يعرف جواز ذلك في غير مذهبه أو يظن أن 
إمامه ممن يرى وجوبهاء وأنه تركها عمداً فيعتقد بطلان صلاته» فيكون 
مقتدياً بمن يعتقد بطلان صلاته» فيسري البطلان إلى صلاته إن كان 
ممن يعتقد ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام» إلى غير هذا من 
المفاسد والتخليط الذي يقع في الصلاة» مع أن هذه الأمور التي عددنا 

كلها أولاً ليس في فعلها أو تركها كبير ضرر في المذهب . 


]"١1١[‏ وقد حكي عن بعض أئمة الشافعية أنه اقتدى بمالكي. 
فكان يقول له عند الدخول في الصلاة أقسمت عليك إلا ما بسملت» 
فلما سمعه لم يبسمل قال: نويت الصلاة على مذهب مالك» فانظر 
ورع هذا السيد ودقيق نظرهء فإنه استسهل الانتقال من مذهبه إلى 
مذهب الإمام فى خصوص هذه الصلاة وراءه أولى من الاقتداء بمن 
يعتقد بطلان صلاته» وليس كل الناس يحسن ذلكء» فلو أن الإمام 
بسمل لأنقذه من هذه الورطة مع أنه لا كبير ضرر عليه في ذلك غايته 
أنه أتى بخلاف الأولى في مشهور مذهبه . 


رحلة ماء الموائد 





- 
وأما القبض فقد علم ما فيه من الخلاف في المذاهب» وقد قال به 
أئمة محققون من أهل المذهب.» خصوصاً إن علل بخشية اعتقاد 
الوجوب فإن ما هذا سبيله من المكروهات لا يعبأ به المحققون إذا 
صحت به الأحاديث» سيما مع انتفاء العلة كهذه المسألة» فلو اطرد 
ذلك لأدى إلى ترك السنن كلها أو غالبها المداوم عليها لأن المداومة 
عليها ذريعة إلى ذلك» وإنما قال الإمام''' - رضي الله عنه ‏ بذلك في 
مسائل قليلة لعارض في الوقت اقتضى ذلك» كقول بعض العوام في 
آخر الست من شوال بالعيد الثاني» فرأى الإمام قطع هذه المفسدة أولى 
من المحافظة على هذا المندوب» فإذا انقطعت المفسدة وأمن من 
عودها فلا معنى لترك ما جاءت به الأحاديث الصحيحة إلا محض 
التقليد الذي لا زبدة له إذا مخض . 


ويَسم'"' ذ ل ا 
فعل أو أمر به إلا لضرورة أسمح من ذلك. وقفل زأنت كثيراً من 
المالكية يقبضون أيديهم في الصلاة» وذلك لخفة اا 
ولكون السدل في البلاد المشرقية كلها شعار الروافض ولا يفعله إلا 
الرافضة. فمن رأوه سادلاً يديه قالوا إنه رافضي . 

[؟5١؟]‏ غريبة 
أخبرني شيخنا الملا إبراهيم أن بعض فقراء المالكية وصل إلى 


0( مسو وداب 





.6 
بعض أطراف الشام فدخل إلى قرية أهلها أهل سنة وجماعة» فلما قام 
إلى الصلاة رأوه سادلاً يديه فظنوا أنه رافضي فقصدوا إذايته, فقال 
لهم: إني مالكي وتبرأ من الرفض» فقالوا له: كذبت» إن المالكية لا 
يسدلون أيديهم» فليس أحد من أهل السنة يقول بذلك وإنما هو فعل 
الروافض» حتى ذهب معهم إلى فقيه البلد فسألوه فقال لهم: صدق» 
إن المالكية يقولون بذلك» فلا يبالي ماأنقضه من أيديهم. فانظر هذه 
الحيرة التي ألقى فيها هذا المسكين نفسه» فلو أنه إذ أفضت به الحال 
إلى هذه البلاد التي صار فيها مذهبه غريباً لا يعرف ترك ما يشين عرضه 
ويؤدي إلى حصول الضرر له في بدنه مع أنه لا كبير ضرر عليه في دينه 
لسلم وسلم غيره من إساءة الظن به» كيف! وقد جوز الأئمة ‏ رضي الله 
عنهم ‏ ترك كثير من السنن التى صارت شعاراً للمبتدعة» بل استحبوا 
تركها لأنا نهينا عن التشبة بأهل الأهواء والبدع . 

]”1١[‏ ومن عادتهم في الصلاة على الجنائز إدخال الجنازة إلى 
الحرم الشريف فيصلى عليها بالمسجد» ثم يمر بها أمام الوجه الشريف 
ويوقف بها وَُقَيّفة ثم يذهبون بها إلى محلها من البقيع أو غيره إلا جنائز 
الروافض كالنخاولة» فإنها لا يدخل بها المسجد ولا يؤتى بها 
للمواجهة» بل يأتي بها أصحابها إلى خارج المسجد من ناحية الروضة 
ثم يرجعونء ولقد أحسن من سّن بهم ذلك من الولاة» فحق من يبغعض 
ضجيعي الرسول ورفيقيه في المحيا والممات أن يبعد عن حماه حي 
وميتاً . 


]”١4[‏ ومن عادتهم في الإملاكات أن يكون عقد التكاح 


رحلة ماء الموائد 





6 | 
بالمسجدء. ولقد حضرت إملاك هندي قدم من مكة مع الشيخ عيسى"'! 
في الرجبية» وكان بينه وبين الشيخ صحبة فأراد العقد لولده على ابنة 
رجل آخر من كبار تجار الهندء فلما كان وقت العقد ذهب بي الشيخ 
معه وكرهت خلاف أمرهء وما كنت أحب حضور محافل أهل الدنيا 
المشوبة بأنواع من التصنع والمباهة خصوصاً في ذلك المحل الذي حق 
الإنسان فيه أن يخضع ويخشع ويضع نفسه بالمحل الذي وضعها الله فيه 
من الذل والافتقارء فجلس الشيخ مسنداً ظهره للمنبر النبوي وجلست 
بإزائهء وجلس أرباب المراتب من العلماء والخطباء وأكاير الناس 
صفين من المنبر إلى الحجرة الشريفة» صف مستقبل القبلة وصف 
مسند ظهره إلى جدار القبلة» وجلس عن يسار الشيخ كبير الخطباء 
بالمدينة الخطيب أحمد البري» وبإزائه المتعاقدان أبو الابن وأبو 
البنت» فشرع في الخطبة وأطال وأجاد في الثناء على الله وعلى 
رسولهء ثم وفى ذكر المتعاقدين» وأطال الثناء عليهما إلى أن ذكر 
العقد» وأشار إلى المتعاقدين ورضيا بذلك. كل ذلك بلسان ذلق 
وصوت جهُوّري» وذلك الذي أنكرته مع المبالغة في الثناء على 
المتعاقدين بما أكثره زور وباطل بحضرة أشرف الخلق وفي روضة 
الجنة فصغرت نفسي عندي وتضاءلت» ووددت أني لم أحضر ذلك 
المجلس» ولو كنت أعلم أن صورة المجلس على هذا الوجه ما 


حصرية . 


)١(‏ هو عيسى بن محمد الجعفري الهاشمي الثعالبي الجزائريّ. توفي بمكة سنة 
: «اخلاصة الأثر»: 1894/7 نقلاً عن المحقق. 


المختار من الرحلات الحجازية 





.م 

ثم أوتي بأطباق الرياحين ووضعت بين الصفين وأطباق اللوز 
والسكر وفرق ذلك على الحاضرين» وقام المنشد فأنشد قصيدة أو 
قصيدتين في مدح الرسول يله فافترق المجلس» وقام الحاضرون إلى 
المتعاقدين يهنئونهماء فانسللت ‏ وكان ذلك ضحى - وذهبت» وهذه 
صورة إملاك كل ذي وجاهة ورئاسة من أمير أو تاجر أو صاحب خطة». 
وأما غيرهم فعلى حسب ما يتفق له فإذا كان ليلة الدخول أتي بالرجل 
ومعه جماعة كبيرة من أصحابه واقاربه ومعهم الشموع حتى يوقف به 
على باب المسجد بعد العشاء؛ فيدخل ويسلم على النبي مَك ويدعو 
فيخرج» ثم يذهب بهء كذلك يزفونه إلى بيت المرأة في دار أهلها 
عكس المعتاد في كثير من البلاد أن المرأة هي التي تزف إلى زوجهاء 
وأن الدخول في بيت الزوج» وعند هؤلاء لما كانت العادة الدخول 
بالمرأة في بيت أهلها صار الزوج هو الذي يُرَفء فإذا أصبح الزوج 
ذهب من بيت الزوجة إلى بيته وأخذ في إطعام الناس طعام الوليمة» 
وجاء الناس لتهنئته» وفي الليلة المقبلة تأتي الزوجة من دار أهلها إلى 
دار الزوج ولكل قطر عادة» ولكل قوم سادة» وعادات السادات سادات 
العادات . 


ومن عادتهم في أكرية"'' الرواحل من القوافل الذاهبة إلى مكة 
وينبع أن بالمدينة رجالاً يعرفهم غالبا الجمّالون» فمن احتاج الكراء من 
أرباب الدواب أو أرباب السلع أتى إليهم فيعقدون له الكراء مع 


رحلة ماء الموائد 





صاحبه» ويتكفلون بما عسى أن يصدر من الجمّال من غدر في الطريق 
بهروب أو مكرء ويسمى أحل هؤلاء المُحَتج”'. فلا يعقد أحد كراء 
إلا بحضرة أحدهم. وجلوسهم فى الغالى بياب المصري» ويأخذون 
بذلك حلاوة من الجمّال أو من المُكري» وذلك دأبهم بمكة أيضاً. 


]"١>[‏ وقد كانت الأسعار أيام مجيئنا المدينة شديدة؛ فكان 
القمح ثلاثة أصوع بريال» والصاع عندهم يقرب من ثلاثة أصوع بصاع 
الزكاة» وأما التمر بنحو أربعة أصوع بالريال» والشعير ليس بينه وبين 
القمح إلا يسير تفاوت خلاف المعهود في غالب البلاد» والعسل 
اشتريت رطلاً منه للدواء بقريب من ثلث الريال» والسمن دون ذلك . 


]””١7[‏ وفواكه المدينة مع غلاللها في غاية الجودة خصوصاً عنبها 
ورطبها. 


وأما الخضر فأكثرها وجوداً الجزر والبقلاء والملوخية والبامية 
واسل لفق راي ال الى ا 


[70] وطبع ذلك البلد المشرّف وهواؤه قلما يوافق أحداً من 
أهل مغربنا الأقصى ممّن بلده ريف ذات مياه وخصبء. وإنما يوافق 
أمزجة أهل الصحراء» وذلك والله أعلم لفرط حرارة بلاد هؤلاء. فقلما 


رأيت أحدهم مريضاً في تلك البلاد إلا مرضاً خفيفاء وقلما رأيت أحدأ 
ممن بلده كبلادنا ريف وخصب إلا وقد ألظ به المرض إلا القليل ممن 


. قال المحقق: الذي عرف أساليب المعاشرة والتداخل والتوفيق بين الناس‎ )١( 


المختار من الرحلات الحجازية 





طالت إقامته جداً في البلد وتطبّع بطبع أهلها. 
[1"] لطيفة 


لما قرب انقضاء زمن الحر وأقبلت هوادي زمن البرد»ء وظهرت 
البرودة في الهواء صباحاً ومساءاً أخذ أهل البلد يدثرون أبدانهم في 
الثياب الكثيفة التي تلبس في أيام البرد الشديد. وكنا نحن لألفنا لشدة 
البرد في بلادنا نتلقاه بأبداننا ونعري له أطرافنا فرحاً بقدومه؛ لما 
قاسيناه من شدة الحرٌ الذي لم نعهد مثله في قطرناء فكان الناس ينهوننا 
عن ذلك ولا ننتهي. ويقولون ليس هواء هذه البلد وبردها كالذي 
تعهدون., فإن البرد في أول إبّانه يسرع فساداً في الأمزجة» وهو أضر 
من البرد الشديد الذي يكون في وسط الشتاءء ويقولون إن الناس 
يلبسون من غليظ الثياب في آخر الخريف ما لا يلبسون في صميم 
الشتاء وشديد الزمهريرء فكنا لا نلتفت لذلك ثقة بما نعدّه في أنفسنا 
في بلادنا من الصبر على بردها الذي لا يكون برد هذه البلاد بالنسبة 
إليه إلا كنسبة زمن الاعتدال الزماني الحرّ والبردء فكان ذلك مع قدر 
الله تعالى - هو السبب في حصول المرض المتطاول بنا وبكل أصحابناء 
ولقد صدقوا فيما قالوا ويشهد له قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - 
رضي الله عنه -: توقوا البرد في أول إبّانهء» وتلقّوه في آخر أوانه» فإنه 
يفعل بالأبدان ما يفعل بالأشجارء فأوله محرق وآخره مُورق» ولم أكن 
رأيت هذا الكلام إذ ذاك» ولو اطلعت عليه لم أعدّه خصوصاً في تلك 
البلد» فإن بدن الإنسان يكون مشتعلاً حرارة ويبساً لغلبة الحرء فإذا 
فاجأ البرد البدن في تلك الحرارة أضرّ به بخلاف البرد الذي جيء في 


رحلة ماء الموائد 





-© 





آخر الإبّان يصادف البدن وقد سكنت حرارته» والله أعلم . 


ولم تزل الأسعار على ما تقدم من الغلاء إلى أن هجم الشتاء 
وقرب زمان الربيع أرخت السماء عزاليها''' بالأمطار الغزيرة المتوالية» 
وسالت الأودية» ولم يأت أحد من ناحية إلا حدّث بالجودء فلانت 
الأسعارء وكثر اللبن والجبن في الأسواق» وكثر اللحم السمين» وكان 
قبل ذلك هزيلاً جداً. ومع هزاله قَلَّ ما يوجد. 


[19”] ولأهل المدينة ولوع وغرام بأكل اللحم : زاعمين أنهم 
يستضرون بتركه لحرارة أبدانهم ويبسهاء فيحصل لهم الترطيب بهء فإذا 
أكلوا غيره حصل لهم يبس في الطبيعة حتى أن من نسائهم من لا يطبخ 
غداء ولا عشاء إلا أن يكون لحماء ويقلن: نحن لا نعرف الطبخ بلا 
لحمء ولو أذى ذلك إلى بقائهم بلا عشاء ولا غداء. وقد أخبرني بعض 
أصحابنا أن من أهل المدينة من يشتري العبد فلا يكون له شغل إلا 
شراء اللحم» فيدور عليه في المدينة وأسواقهاء وفي العوالي وقباء في 
زمن قلته» فلا يرجع إلى سيده حتى يحصله أو يدور المدينة ونواحيها 
كلهاء فإذا حصله كان ذلك شغله في ذلك اليوم» ولا يستعمله في غيره 
لأنه إنما تملكه بقصد ذلك . 


]"٠١[‏ وأهل المدينة ‏ زادهم الله خيراً ووسّع عليهم - أهل رفاهية 
وتوسّع في المعيشة فى زماننا هذا وتغال في الملابس الماخرة. وتزيوا 


)١(‏ الأصل في العزالى أنها أفواه القرّب» والمراد غزارة المطر وكأنه ماء مصبوب من 
فربة لغزارته وقوته. 





> رام 
بزيّ الأعاجم في مأكلهم ومشاربهم وملابسهم لكثرة ساكني الأعاجم 
بهاء فإن بها طائفة كبيرة من عسكر الترك زاعمين أنهم معدّون 
لحراستهاء وفي الحقيقة إنما يأكلون مال السلطان في غير شيء» فلا 
يغيثون ملهوفاً ولا يردعون ظالماً. 

وبها الأعاجم أقوام كثيرون من الأكراد والترك وأطراف الشام على 
حالهم التي كانوا عليها في بلادهم من التوسعة» فاقتدى بهم غالب أهل 
المدينة من أقويائهاء وقد كانت المدينة في الزمن المتقدم معروفة 
بالقناعة حتى قال مالك رضي الله عنه ‏ في الكمارة والنفقات بالتفاوت 
بين المدينة وغيرها لقناعتهاء فآل الأمر في هذا الزمن إلى خلاف 
ذلك. فصاروا أرفه الناس عيشاًء وأكثرهم في المآكل والملابس 
إسرافاًء أعني الكبراء منهم. وأما الفقراء وغالب المجاورين خصوصاً 
المغاربة فهم على حالهم من الفقر والمسكنة . 

ولقد أخبرت أن للنساء عادة يسمونها الشخشخة» وهو ما تشتري 
به المرأة ما تشتهيه من الأزهار والطيب» فربما بلغ ذلك ريالاً في كل 
يوم. 

وو شالف شين التالى عن سببية إبثرة سكت دكة عل 
المدينة مع أنا"'؟ نقول بفضل المديئة على مكة فقال: إن أهل هذه 
المدينة قد تحضروا وغالب عليهم طبع الأعاجم ورفاهيتهم وإسرافهم. 
وتشبهوا بهم في ملبسهم في غالب أحوالهم» وأنا امرؤ مسكين فقير 


)١(‏ أي المالكية. 


رحلة ماء الموائد 





21 
أخاف أن ينشأ أولادي وأزؤاجي ويتطبعوا بطبعهم في ذلك. بخلاف 
أهل مكة فإنهم لم يزالوا على أعرابيتهم واستعمال البداوة وعدم 
المبالاة والاعتناء في الملبس والمأكل» فقد غلبت عليهم البداوة وكثر 
مخالطتهم لأهل البادية وسكناهم بهاء حتى أمراؤها من الأشراف فإن 
غالب سكناهم بالبادية وإن كانت لهم منازل بمكة» ومن ولد له مولود 
منهم استرضع له عند العرب بالبادية» فلا يأتي به حتى يقارب الحلم. 
ولبائن الولك2© وأولاده وبني عمه وإن كان في غاية الرفعة واللطافة 

فإنه على زي لباس العرب. . 


وعلى كل حال فأهل مكة قد غلبت عليهم البداوة على جميع 
شؤونهم وظهرت فيهم دون أهل المدينة» ولذلك قل سكنى الأعاجم 
بها إلا القليل لأنها وطن السلطان وأولاده وأقاربه.» ونفوسهم لاتنقاد 
للذل وجريان الأحكام عليهاء فيشمئزون من سكنى مكة» ويميلون إلى 
المدينة لكون عسكر الترك بهاء وهم جنسهم. وأحكام السلطان وإن 
كانت نافذة هناك أيضاً لكنها بعيدة منه؛ فليست كمحل وطنه» أخبرني 
بهذا من سبر”"' حال البلدين» وعلمه زيادة على ما رأيته أنا من ذلك . 


[71؟] ولما كان فى أواخر جمادي الثانية كثرت الأمطار بالمدينة 
وما حولها وسالت أودية المدينة سيولا متعدةة وبينما نحن ذات يوم 
بالمدينة بعدما صَلى الظهر إذ أرخت السماء عزاليهاء وأمطرت مطراً 


)١(‏ أمير مكة الشريف. 
3( أي اختبر وعرف. 





- 11م 
وابلاً سَحَآ كأنه طوفان» وفي أقل من ساعة صار صحن المسجد كله 
كالبركة العظيمة من ماء الميازيب وماء المطرء فضاقت عنه البلاليع 
المتخذة لسلوكه في صحن المسجدء وكان ببعضها بعض اختناق» فلم 
يرع الناس إلا اندفاق الماء إلى داخل المسجدء وأتى على الزرابي 
المبثوثئة والحْصّرء فبجد واجتهاد تصايح الناس ممن كان بقرب 
المسجدء وجمعت البسط والزرابي بعدما ابتل أكثرهاء وصار الماء إلى 
المنبر والمحراب النبوي. ووصل إلى الصف الأول»؛ فصار المسجد 
من داخله بركة ماء» فما جاء العصر وأحد يجد مصلى في المسجد 
سالماً من الماءء فصلى الإمام العصر في دكة الخدام مع طائفة من 
الناس» وصلى باقي الناس في أروقة الصحن الشرقية والغربية» فاجتمع 
الناس لإخراج الماء من المسجد بالأسطال والأواني الكباو» فجد في 
ذلك من رغب في الأجر. 


وكانت لنا سطلة كبيرة من نحاسء» فأتينا بها وبأحد من أصحابنا 
يستقى بها اغتناماً لبركة الخدمة فى تلك البقعة المطهرة» وكنت إذ ذاك 
ولكني وقفت ورغيبت الناس في العمل وعمل ذلك جماعة من 
أصحابنا المغاربة أعمالاً حسنة» وما فرغ الناس من إخراج الماء إلى 
قرب المغرب». فبات المسجد على حاله غير مفروشء» وفي الغد بولغ 
في تنظيفه وغسله وكنسهء. وأخبرنا ناس من أصحابنا الذين طالت 
إقامتهم بالحرمين أنهم ما شهدوا وقوع مثل ذلك» ولا سمعوا به فيما 
مضى ١‏ ويشهد لعدم وقوعه أنه لو وقع لاحتيل في جعل ساتر بينه وبين 


رحلة ماء الموائد 





09- 
الصحن» ووقاية تدفع الماء وتمنعه من الدخول كما وقع ذلك بإثر هذه 
الحادثة؛ فإن شيخ الحرم أمر باتخاذ حجارة منحوتة محكمة الإتقان 
قدر ذراع في الطول مثبت أسافلها في أرض المسجد فيما بين كل 
اسطوانتين من الأساطين الموالية للصحن يمنع ذلك من دخول الماء 
إلى المسجد ولو اجتمع في الصحن إلا أن يكثر جداً ويرتفع فوق 
الأحجارء وذلك نادر أن يقع» ولو وقع لكان رجوعه إلى الخروج من 
باب الرحمة وباب جبريل أقرب من دخوله إلى المسجدء ولقد أجاد 
شيخ الحرم في وضع هذا الحاجزء وفي تنقية البلاليع التي في صحن 

المسجد. 

[*7] وشيخ الحرم هو كبير العبيد الأغوات الموقوفين على 
خدمة المسجد والحجرة الشريفة» والاغا بلغتهم كناية من الخصي من 
العبيد» واختاروا وقف الخصي دون غيره لكونه أطهر وأنزه وأكثر 
فراغاً من الأشغال» إذ لا أهل له ولا ولد يشتغل بهم» وهم عدد كثير 
قريب من الثمانين يزيدون وينقصون بحسب كثرة الراغبين في الوقف 
وقلتهم. والأربعون منهم هم الكبار الذين يأتي رزقهم ومؤونتهم من 
بيت المال» وما زاد على ذلك إنما يرزقون من الأوقاف التي لهم 
بالمدينة أو مما يأتيهم من الهدايا والصدقات من أقطار الأرض . 


ويسمى ما سوى الأربعين البطالين لأنهم انما يستعملون في 
الأغشال التي هي خارج الحجرة والمسجد النبوي من الأعمال 
الممتهنة» ولا يجلسون مع الأكابر في الدكة» إنما يجلسون خارجهاء 
ولهم ضبط وسياسة كسياسة الملوك» فلكل واحد منهم رتبة معلومة 





الأكابر فيما بينهم؛ فأكبرهم شيخ الحرم وهو يتجدد في الغالب إما في 
سينة أن ميدن أ اكت ولا يأتى إلا من دار السلطان من عبيده. ويليه 
النقيب » ويليه المستلم. وهو الذي لو فبرض الصدقات وما يهدى 
لهم أو للحجرة. وبيذه مفاتيح الحجرة وحواصل الذيت والشمع» 
والحاصل أن جميع ما يتصرف فيه الأغوات من مصالح المساجد ومن 
أوقافهم كل ذلك بيده» وإذا مات أحد من الأربعين دخل أحد البطالين 
فى موضعهء وهو من كان شيخ البطالين» والترتيب في ذلك بالتقدم . 
فمن تقدم مجيئه يقدَّم على من تأخر مجيئه. وليس فيهم شافعي ولا 
حنبلى» بل كلهم حنفية ومالكية على مذاهب ساداتهم الذين أوقفوهم؛ 
ذلك الأ ن القاقية والتحنائة لأيروة سححة وقف الحيوان”. 





ومن أوقف عبداً من الأغوات على الحجرة نسب إليه. سواء كان 
من التجار أو من الأمراء أو العلماء» فيقال: (أغا فلان). 


وكل الأغوات أهل خير وبركة قد اختارهم الله لخدمة أشرف 
البقاع» وشرفهم بالنسبة إلى أشرف الخلق يكو ولقد شاهدت منهم 
أناساً على قدم صدق في العبادة» منهم الاغا عبدالنبي وهو شيخ 
البطالين إذ ذاك» والآغا عنبر منهم أيضاء ولقد اعتكفت ليلة في 
المسجد فلم يبت فيه أحد غيري سوى الأغوات» فاجتهدت أن أساويه 
في القيام والصلاة فما قدرت» والفضل بيد الله . 


)١(‏ أي الكائن الحي. 


رحلة ماء الموائد 

والأغوات كلهم يبيتون فى المسجد ما عدا شيخ الحرم والنقيب» 
وأما الآخرون فلا يبيت أحد منهم في داره إلا لعذر بين مرض أو 
نحوهء ولكن جزاهم الله خيراً عن تعظيم المكان وتوقيره وتبجيله . 





[1؟"] وعادتهم كل ليلة إذا فرغ الناس من صلاة العشاء ورواتبها 
قاموا بيدهم الفوانيس الكبار مشعلة ليخرجوا الناس من المسجدء 
فيأتون إلى المواجهة والصف الأول» فيقف بعضهم أول الصف ووسطه 
وآخره فيخرجون كل من فيه فإذا لم يبق أحد في ذلك الصف تكلموا 
بكلمة ذكر رافعين أصواتهم بهاء فينتقلون إلى الصف الذي يليه» ثم 
كذلك حتى لا يبقى بالمسجد أحد إلا هم. فيغلقون الأبواب ويطفئون 
المصابيح كلها إلا التي في مواجهة الوجه الشريف والتي في داخل 
الحجرة» فيخرجون من المسجد إلى الصحن وإلى الأروقة التي 
بجانبهم» فيخرجون فرشهم من الحواصل وينامون هناك» ولا ينام أحد 
منهم في المسجدء بل ولا يأتيه إلا من قصده منهم للصلاة» وغالب 
نوم الصغار منهم في مؤخر المسجد. 

ومن وراء المسجد من الناحية الشامية ميضأة كبيرة فيها بئر كبيرة 
وأخلية» وفتح لها باب إلى مؤخر المسجدء ولا تفتح إلا ليلاً بعد غلق 


الأبواب» وتسرج فيها المصابيح لوضوء الأغوات وإزالة حقنة من 
احتاج إلى ذلك بليل» فإذا أغلقت الأبواب هدأت الأصوات منهم 


وخشعواء فلا تكاد تسمع من أحد منهم كلمة. فمن احتاج منهم إلى 
كلام أحد منهم كلمه كأخي السزا "0 ولقد رأيتهم يبالغون في خفض 


)١(‏ أي مثل الهمس. 





> رام 
أصواتهم بالليل حتى بالسعال والعطاس». وتتنزل عليهم السكينة. 
وتلحقهم هيبة المكان» وليس ذلك منهم مجرد استعمال» بل لمأ 
يخالط قلوبهم من هيبة المكان» ولقد أخبروني أنه لا يقدر أحد منهم 
بليل أن يصل إلى الروضة وأطراف الحجرة والمواجهة إلا الأفراد 
00 

[75”] ولقد شاهدت من الهيبة والعظمة في إحدى الليالي التي 
بتها في المسجد ما أعجز عن وصفه. ولقد كنت أجتهد إذا عسعس 
الليل أن أصل إلى المواجهة وأقف للتسليم والدعاء» فما أصل إلى 
ذلك حتى تكاد أوصالي تتقطع هيبة» فإذا وصلت سلمت وأردت إطالة 
الوقوف للدعاء كما كنت أفعل نهاراً فلا أقدرء فأحقق السلام والدعاء 
وأرجع. فيالها من ليلة عندي نتيجة عمري وفريدة أيامي» اللهم لا 
أحصي ثناء عليك» أنت كما أثنيت على نفسك» فلك الحمد على 
جزيل عطائك ولك الشكر على سوابغ آلائك . 


[7؟"] فإذا كان بعد الثلث الأخير من الليل جاء رئيس المؤذنين 
ففتحوا له» وصعد إلى المئذنة الرئيسية وأذن. وشرع في الدعاء والذكر 
والصلاة على النبي كله فيقوم كل من في المسجد من الأغوات 
فيتوضأون» ثم يصبحون كل ما في المسجد من المصابيح . 


[7317] فإذا فرغوا من الإصباح وقرب الصباح فتحوا أبواب 
الحرم . ولا يأتى وقت فتحها حتى يجتمع بأبواب المسجد جماعات 
كثيرة من المتهجدين ينتظرون الفتح» فإذا فتحت الأبواب دخلوا 


رحلة ماء الموائد 








9 


مزدحمين وتسابقوا إلى الصف الأول من الروضة فيما بين القبر 
والمنبرء فمن سبق إلى موضع كان أحق بهء فإذا أراد القيام لحاجة 
كزيارة أو تجديد وضوء بسط تّمرة''' له في محله. فلا يجلس فيه أحد 
ولو أبطأء وكثيراً ما يعتدي في ذلك أقوام» فيدخلون مع أول داخل من 
غير طهارة لقصد السبق إلى الموضع وتحجيره فإذا بسط فيه فروته أو 
منديله ذهب إذ ذاك إلى الطهارة فيحجر على الناس المحل» وربما 
عرض لأحدهم حاجة في منزله أو في السوق» فيترك النمرة في محله. 
فلا يقربه أحد وإن أبطأ كثيرء وفي ذلك من الضرر على المصلين ما لا 


[54”] على أن في دخولهم مزدحمين واستباقهم إلى الروضة 
حتى ربما سمع لأقدامهم دوي من شدة العدو سوء أدب لا يخفى» 
وربما يحتج لذلك محتج بقوله عليه السلام: «لو يعلم الناس ما في 
الصف الأول لاستبقوا إليه)”'". فلا بد من تقييد ذلك بما لا يخل بأدب 
البقعة المطهرة وساكنها لقوله عليه السلام: «وأتوها - يعني الصلاة - 
وعليكم السكينة والوقارء فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا»7", 
والمراد بالمسابقة في الحديث المتقدم الاهتمام بشأنه» والحرص على 


() قال المحقق: بردة من صوف يلبسها الأعراب. 

(؟) آأخر جه البخاري في صحيحه. كتاب أبواب الأذان» باب الاستهام في الأذان 
بلفظ : «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا أن يستهموا عليه 
لاستهمواء ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليهء ولو يعلمون ما في العتمة 
والصبح لأتوهما ولو حبواً». 

(9) قال المحقق: البخاري: كتاب الأذان: .١677/١‏ 


المختار من الرحلات الحجازية 





6 


الصلاة فيه» والتبكير إليه من غير عدو بالأقدام ومزاحمة المناكب . 





[74] وسادتنا الأغوات ‏ رضي الله عنهم ‏ لا يغفلون طرفة عين 
عن .حراسة العرم «الشريف» وتاديب من أساء. فيه الأدب بلغط. ورقع 
صوت أو نوم ولو في قائلة إلا في مؤخرة المسجدء ومن وجدوه 
مضطجعاً من دون نوم لاستراحة فإن مد رجليه إلى ناحية الحجرة 
زجروه» وإن استقبل القبلة بوجهه أو الحجرة من غير أن يكون مستدبراً 
لها تركوه» ولا يغفلون عن حضور المسجد في ساعة من ليل أو نهارء 
فإن خرجت طائفة جلست طائفة . 


]"7١[‏ ولهم ديار وخدم وأتباع وضياع وخيل وسعة دنياء ولا 
يشغلهم ذلك عما هم بصدده من خدمة المسجدء بل لبعضهم أزواج 
وسّرار اتخذوها للتلذذ بما سوى الجماع. وأحكامهم بينهم منضبطة 
غاية الانضباط» ولا يحكم فيهم سلطان ولا غيره» ولا يولي عليهم ولا 
يعزل منهم إلا بأمر شيخهم. ولا يرث معهم بيت المال شيئاً إن مات 
أحدهم» إنما يتوارثون بينهم. ومن وجبت عليه عقوبة أو أدب منهم 
أدبوه من غير أن تكون لأحد عليهم ولاية» كل ذلك تغظيماً لجانب 
النبي كََةِ أن تكون لأحد ولاية على عبيده» ولقد أنكرت منهم تأديب 
من لزمه الأدب من صغارهم في المسجد في بيت بإزاء الحجرة» فكنت 
أرى أن لو جعلوا لذلك محلا بعيداً من المسجد والحجرة الشريفة» ولا 
يدخل معهم من العبيد الذين يهدون من الآفاق إلا من أرادوا إدخاله 
بمال يدفعه سيده عنه أو يدفعه هو إن كان له مال. ومع ذلك يبقى في 
مرتبة الصغار المشتغلين بالخدمة الخارجية» فإن رضوا حاله وحسنت 


رحلة ماء الموائد 





-© 


أخلاقه تركوه حتى تأتي نوبته في الدخول في زمرة الأربعين» وإن 
ظهرت منه خيانة وسوء أخلاق وسرقة أو شيء يشينه نفوه إلى حيث 
شاء من البلاد. 


[1؛"] ولقد وجدت هناك خصياً لبعض ملوك المغرب دفع لهم 
مالا جزيلاً ليدخل في زمرتهمء وكان كهلاً لا يحسن خدمة الصغار 
فدفع لهم مالاً آخر على تحريره من الخدمة» وقنع بأن يكون محسوباً 
في زمرتهم يناله من أوقافهم وصدقاتهم. ولقد صاب في ذلك وأحسن 
النظر لنفسه إذ أنقذه الله من خدمة سلاطين الدنيا إلى خدمة سلطان 
الدنيا والآخرة» ومن جوار الظلمة الفجرة إلى جوار الكرام البررة. 


[17] وبالجملة» فلعبيد النبي كل وخدام مسجده جلالة قدرء 
وعظم منصب». وسعة أرزاق» وكرم أخلاق». وهم أحقاء بذلك. 
ولكبيرهم كلمة نافذة في المدينة» وتصرف تام. ويد مبسوطة؛ وهو 
أحد عظماء الولاة بالمدينة تنفذ أحكامه.» وتمضي تصرفاته في القوي 
والضعيف» ويطاوعه الكبراء والأشراف . 


[”"] وعلى طول إقامتي بالمدينة لم أدر كيفية تصرف الولاة بها 
ولا من له التصرف التام بهاء فإن شيخ الحرم وهو كبير الخدام ‏ كما 
تقدم ‏ تنفذ أحكامه» وكبير العسكر الساكنين القلعة أمير أيضاًء وابن 
عم السلطان زيد وزوج ابنته السيد ثقبة النائب عنه في النظر في مصالح 
البلاد كذلك» والحاكم الذي يسجن ويضرب ويقتل ويؤدب - وهو من 
خدام السلطان ‏ كذلك؛. والأمير الذي تنسب إليه إمرة المدينة من 


المختار من الرحلات الحجازية 





6 
الشرفاء الحسينيين كذلك؛, ولا أعلم هل لكل واحد من هؤلاء ولاية 
على قوم بالخصوص أو على عمل من الأعمال؟ ولم يشف لي أحد 
غرضاً في كيفية ذلك» ولم أبالغ في الفحص عنه؛ إذ لم يتعلق لي به 
غرض إلا مجرد العلم والإحاطة بأخبار المدينة دينيها ودنيويها لحبي 
لها ولساكنيهاء أسأل الله أن يحقق لي ذلك» ويجعل قبري بها على 
أحسن حال تسر المؤمن في دينه ودنياه» آمين. 

[75”] ولم يكن يُدعى في الخطبة يوم الجمعة إلا لثلاثة» يدعى 
أولاً ‏ بعد الصلاة على النبي كَكةِ والترضي عن الآل والخلفاء والصحابة ‏ 
للسلطان الأعظم ملك التركء إلا اوج اترن ن اليه ات ل 
ينبغي أن يعظم بها أحد من الخلق خصوصاً بحضرة الرسالة. 


[5”"] وليس في تلك الأوصاف أحسن ولا أجمل ولا أكمل من 
قولهم فيه: خادم الحرمين الشريفين» فأكرم بها نسبة» وقد رأيت في 
بعض التواريخ أن أول من وصف بذلك من الملوك في الخطبة السلطان 
الأجل صلاح الدين بن أيوب». وأنه لما قال الخطيب ذلك وسمعه 
سجد شكرا لله أن أهله لذلك وسماه به» وهكذا ينبغي أن تكون همم 
الملوك» فلا شرف لهم إلا بالانتساب لله ورسولهء ولا عز إلا بالتذلل 
لجناب الله. ولا رفعة إلا بالخضوع لهيبة الله. ولا حماية إلا بالانقياد 
لأحكام الله . 


[7”77] ثم بعد الدعاء لملك الترك موصوفاً بكونه ملك البرين 
والبحرين والشامين والعراقين يدعى للسلطان زيد بن محسن موصوفاً 


رحلة ماء الموائد 





بكونه حامى حمى الحرمين الشريفين» ثم يدعى ا المدينة السيد 
فيما يظهر ‏ ليس له من ولاية المدينة وإمرتها إلا الاسم أو ما يقرب 


وقد كانت إمرة المدينة فيما مضى والتصرف فى ولايتها لبني 
الحسين كما أن ولاية مكة لبنى الحسن» وكانت تقع بينهما حروب. 
وكان بنو الحسين لهم قوة وبطش ربما غلبوا عليهم» والآن صار الأمر 
من ولاية المدينة» وصاروا كلهم إلا القليل بادية يرحلون وينزلون 
بنواحي المدينة» وهم قبيلة عظيمة قوية ليس لهم اسم إلا بنو الحسين» 
وكبيرهم الموسوم بولاية المدينة نازل بالمدينة وبعض أقاربه» ولهم 
شارة حسنة . ومنازل رفيعة تدل على نباهة الذكر . 

[/771] ولما كان أول رجب جعل الناس يقدمول من أقطار 
الحجاز كمكة والطائف ونجد وجدة وما والاها من أطراف اليمن؛ 
لشهود الرجبية وزيارة سيد الشهداء حمزة - رضي الله عنه ‏ فما من يوم 


ولم يزل الناس يتلاحقون» فخرج أهل المدينة إلى أحد من اليوم 
الخامس والسادس من الشهر. ورجعوا في اليوم الثاني عشرء ولم يبى 
بالمدينة إلا القليل . 


وخرج العسكر لحراسة الطرقات من المدينة إلى أحدء وبعد 


المختار من الرحلات الحجازية 





الرجوع من أحد نزل الوافدون بالمدينة ينتظرون الرجبية وهي ليلة سبع 
وعشرين منه ليلة المعراج”''. 


[74”] وقدم خلق كثير من الأعراب وكانت بالمديئنة سوق 
عظيمة» وامتلاً المسجد وجوانبه» فما من يوم إلا ويزداد الخلق فيه 
كثرة» وأكثرهم عرب جفاة ليس لهم دين ولا مذهب». جلهم لا يعرف 
صلاة وصومأء فتدخل جماعة منهم المسجد غاسلين أطرافهم يريدون 
الصلاة على زعمهم» فيقف أحدهم مليأء ثم يسجد على قدر ما يرى 
إما ثمان سجدات أو عشر سجدات أو أكثر على حسب نشاطه» ثم 
ينصرف» وغالبهم على هذا الوصف,. ومنهم أفراد يدينون دين الحق. 
وسلامهم على النبي كك حيا الله أمحمد» رافعين بها أصواتهم . 


[9"؟] فإذا كانت الليلة السابعة والعشرون تكامل حشد الناس. 
فمن لم يدخل المسجد من قريب من العصر قلما يجد موضعاً لصلاة 
المغرب والعشاء. فيغص المسجد بمن فيه ويفتح الحرم طول الليل» 
ويبيست الناس في كر وقراءة وصلاة . كل حسب مأ يسنح له إلى 
الصباح» فإذا أصبح الناس أخذ الأعراب في التوديع» فيسمع لهم حنين 
كحنين الإبل. في المسجد» وصياح وصراخ رافعين أصواتهم بالصلاة 
على النبي ع فيرق قلب سامعهم ويحن ويشفق لهم على جفائهم 
وجهلهمء فلا يأتى مساء ذلك اليوم حتى لا يبقى بالمدينة منهم إلا 


)١(‏ لم يثبت كون المعراج ليلة السابع والعشرين من رجب وإن كان ذلك مشهوراً. 


والله أعلم . 


رحلة ماء الموائد 








القليل» وعسى الله أن ينفعهم بحسن نياتهم . 
[40"] لطيفة 


أخبرني شيخنا الملا إبراهيم عن الشيخ القشاشي"''' أنه بينما هو 
ذات يوم عند المواجهة إذ جاء أعرابي في شملته وبيده عصاة حتى 
وقف أمام الوجه الشريف». فضرب بعصاه الأرض مرتين وهو يقول: يا 
محمدء يا محمدء لا تقل أنا ماجئتك هأنذاء فذهب ولم يزد على 
ذلك». وكان الشيخ يقول: عسى أن يكون ذلك نافعاً له عند اللهء فإن 
ذلك مبلغ علمه»ء ولو كان يرى أن أكثر من ذلك ينفعه ويقضي به حق 


[41"] وبالجملة» فعرب الدرب"' والحجاز وتهامة ونجد أجهل 
العرب وأكثرهم جفاء» قلما تجد أحدهم يحسن شيئاً من رسوم الشريعة 
الظاهرة من صلاة وصيام إلا القليل» وعوام الأعراب والبربر بمغربنا 
بالنسبة إلى هؤلاء فقهاءء فلا تجد عامياً بالمغرب وإن بلغ الغاية في 
الجافاء إلا وهو يعلم أن الصلاة ذات ركوع وسجود وإن كان لا يحسن 


)١(‏ هو أحمد بن محمد بن يونس» صفي الدين الدجانيّ القُشاشيَّ الصوفي. أصله 
من القدس وانتقل جده إلى المدينة؛ وكان متصوفا متقشفاً فاحترف بيع القّشاشة - 
وهي سقط المتاع - فعرف بالقُشاشيَّ» وولد حفيده بالمدينة. وكان مالكيّ 
المذهب وتحول شافعيآً وصار يفتي بالمذهبين. له نحو سبعين كتاباً أكثرها في 
التصوف. توفي بالمدينة سنة ٠١1١‏ رحمه الله تعالى. انظر «الأعلام»: 
١‏ . 

(؟) أي درب الحج. 





6 


أن يقرأ فيهاء ويعلم وجوب صوم رمضان. بل هو أشد عندهم من 
الصلاة بخلاف هؤلاء» فقد أخبرنيى مخبر عن عرب الدرب أنه سأل 
بعضهم هل صام أم لا؟ وهو رجل كبير كهل» فقال: إني إلى الآن لم 
أصم» لكن أبي صام ثلاثة أيام» فاستفهمه عن ذلك فقال: إن الرجل 
عندنا إذا قارب أوان الهرم والشيخوخة صام ثلاثة أيام, فيقولون فلان 
صامء وذلك علامة بلوغه حد الكبرء وأما قبل ذلك لا يعرف صياماً 
ولا غيره. 


[51] وهم جديرون بذلك لبعدهم عن الأمصار وقلة القرى في 
بلادهم فلا يجدون أحداً يعلمهم الخير ولا يرشدهم إليه» وعلى تقدير 
دخولهم الأمصارء في بعض الأحيان فلا يلقي إليهم أحد بالآء ولو 
رآهم أكبر فقهاء الأمصار يصلون الصلاة المتقدمة من تتابع السجدات 
لا يزيد على أن يضحك منهم أو يتغافل ويذهب عنهم» فمتى يعرف 
هؤلاء صلاة أو صياماً أو حداً من حدود الشريعة؟ ولقد رأيت رجلا 
بينبع ظهر الشيب في مفرقه فسألته عن مكة فقال ليى: ما حججت قطء 
وبينه وبين مكة ثمانية مراحل». وسألته عن المدينة فقال ليى: دخلتها 
مرتين أو ثلاثاً» وبينه وبينها ثلاث مراحل» وأمثال هؤلاء كثيرون. 


ولما استهل شهر شعبان أخذت القوافل فى الرجوع إلى مكة. 
ورجع غالب من جاء من أهلهاء ولم يبق بالمدينة إلا القليل ممن أراد 
شهود رمضان بالحدة” 2 


. إلى هنا انتهى المراد من اختصار الكتاب» والله أعلم‎ )١( 


رحلة جوزيف بتس 





الرحلة السابعة 
01000 : 
رحلة جوزيف بتس“"' (الحاج يوسف) 


إلى مصر ومكة المكرمة والمدينة المنورة 


[57"] الحج إلى مكة المكرمة فرض على كل مسلم» إن كانت 
حالته الصحية وحالته المالية تساعدانه على ذلك» لكن كثيرين ‏ الآن - 
بدأوا في إهمال هذه الفريضة . 

فكرة عن أهم قوافل الحج 

[5:1"] وهناك أربع قوافل حج تصل لمكة المكرمة كل عام. 
فهناك ‏ أولاً ‏ القافلة المغربية التي تصل لمكة المكرمة قادمة من غرب 
العالم الإسلامي ‏ من فاس ومراكش ‏ حيث يتجمع الحجاج في هذه 
القافلة ويلتحقون بها من سائر بلاد المغرب» وهي قافلة برية في 
الأساس» وعندما يصل الحجاج لمصر يدبرون أمر وصولهم لمكة 
المكرمة والعودة لمصر مرة أخرى . 


)١(‏ هو شاب إنكليزي» كان قد أسر في البحر الأبيض وهو فتى لا يتجاوز السابعة 


عشرة» ثم قسره سيده على الإسلام ولم يسلم في باطنه ‏ يعني أنه منافق - 
وأخذه إلى الحج معه سنة . ظ 


المختار من الرحلات الحجازية 





م 
بهاء ليتيح الفرصة لمن يرغب للالتحاق بالقافلة» ويستقبل أهل المدن 
التي تتوقف عندها القافلة أمير الحج ببهجة بالغة لمكانته الدينية. 
فسعيد هو من يستطيع تقبيل يده» فإن لم يستطع فعباءته» ويمضي أمير 
الحج في موكب فاخر تصحبه الأعلام والطبول» ليس هذا فحسب بل 
إن النسوة يتزاحمن فوق أسطح المنازل التي يمر أمامها موكب أمير 
الحج لرؤية المنظر البهيجح» وتضع الواحدة منهن أربعة من أصابعها 
على شفتيها برقة وتزغردء وصوت الزغرودة المرحة» يشبه هذا 
الصوت: يو.. يو.. يو وهن يكررن هذا الصوت الدال على البهجة 
مئات المرات . 


[1"57 أما قافلة الحج الثانية فتنطلق من القاهرة» ويلتحق بهذه 
القافلة جمع كبير جداً من الحجاج؛ لأنها أفضل تسليحاً وبالتالي فإن 
الحجاج الملتحقين بها يكونون في وضع أكثر أمنأء بالإضافة إلى أن 
هذه القافلة أكثر مدعاة للسرور لأنها منظمة ويعرف كل فرد فيها مكانه. 
فليس ثمة عراك أو مشاكل البتة أثناء الطريق لمحاولة فرد أو جماعة 
إحراز أو مشاكل البتة أثناء الطريق». وتحمل هذه القافلة معها كسوة 
الكعبة المشرفة . 


تتاريا وما حولها وتركيا والأناضول وأرض كنعان. وتصل هذه القافلة 
للديار المقدسة دون المرور فى مصر. 


والقافلة الرابعة هي قافلة الهند وتنظلق من جزر الهند الشرقية 


رحلة جوزيف بتس 





وتحمل معها بضائع قيمة ومختارة يشتري منها الحجاج من مختلف 
الأجناس فى مكة المكرمة. 


وتصل هذه القوافل الأربع لمكة المكرمة في وقت واحد تقريباً. 
فلا يفصل بين وصولها إلا ثلاثة أيام أو أربعة فلا بد أن تصل هذه 
القوافل جميعاً قبل عيد الأضحى بستة أيام أو سبعة . 


[51] وقد يتساءل بعض من عرفوا مكة المكرمة ‏ أو على الأقل 
سمعوا بها أو قرأوا عنها - كيف يمكن لبلدة صغيرة فقيرة أن تستقبل 
هذه الأعداد بر-- من الحجاج وتقدم لهم ولدوابهم المأوى 
والإعاشة؟ وإني أ جيبك أن أهل مكة المكرمة يخلون أماكنهم 
للحجاج؛ فهذا الموسم بمثابة سوق لهم» فالمكي يؤجر الغرفة في هذا 
الموسم لفترة لا تزيد عن ستة عشر أو سبعة عشر يومأء بمبلغ يزيد 
ثلاث مرات عن إيجارها طوال العام.» وإذا غصت مكة المكرمة 
بحجاجها وأهلها نصب الحجاج خيامهم حولها حيث يقيمون إلى أن 
يرحلوا لديارهم . 


أما بالنسبة للمؤن فالحجاج يجلبون معهم ما يكفي إلا اللحوم 
التي يتحتم عليهم الحصول عليها من مكة المكرمة». أما الزبد والزيت 
والزيتون والأرز والبقسماط (البسكويت).. إلخ فالحجاج يحضرون 
معهم ما يكفيهم لرحلة قدومهم ورحلة عودتهم وفترة إقامتهم بمكة 
المكرمة» بل إنهم يحضرون معهم أعلافاً لجمالهم فهم قد لا يجدون 
إلا قليلاً جداً من المراعي أثناء الطريق . 





المنادي للحج في الجزائر 

[54”] وعندما تكون إحدى السفن جاهزة للإبحار إلى 
الإسكندرية» ينادي المنادي فى مدينة الجزائر التى أعيش فيها معلناً 
ميعاد إقلاعهاء وعندئذ ينتهز كل من نوى الاج في ذلك العام الفرصة - 
بسعادة ‏ للسفر بحراً لأنه أقل إرهاقاً وتكلفة من السفر برأ. 

ويجب أن تلاحظ أن الأتراك المنخرطين فى الوظائف لا يجرؤون 
على السفر للحج دون إذن الداي"'"» فإذا تجاوزوا عام تم تغريمهم 

[51"] وفى تلك السئة خرجت من الجزائر قاصداً مكة المكرمة. 
فوصلنا للاسكندرية في غضون ثلاثين أو أربعين يوماًء وهي فترة 
معقولة. 

وفى رحلتنا لمحنا قارباً صغيراً ذات صباح» فطاردناه حتى الليل» 
وقل رفعنا علمناء وقام القارب المطارد بالحذو حذوناء فلما وصلنا 
لهذا القارب وجدنا عليه رجالاً كلهم أتراك ومغاربة تم جلبهم من مَلَطا 
بقصد نقلهم إلى جنوهء وبيعهم هناك . 

وقد أخبرونا أنهم كانوا قد رسوا في الصباح الباكر في مكان معين 
وذهب معظم الطاقم الفرنسي على الساحل في قاربهم ولم يتركوا إلا 
رجلين وصبياًء فهب العبيد وقتلوا الرجلين الفرنسيين» وبذلك أصبحوا 


رحلة جوزيف بتس 





-© 


أي الأرقاء ‏ هم سادة السفينة» لذلك فقد اعتراهم الرعب عندما رفعنا 
العلم الفرنسي» ولما عرفوا أننا أتراك مسلمون تحول خوفهم إلى فرح. 
وانتقل بعضهم رجالاً ونساء وأطفالاً لسفينتناء لكننا أقنعناهم بمختلف 
السبل للعودة لسفيتتهم فتوجهوا مباشرة إلى تونس» وسمعنا بعد ذلك 
أنهم وصلوها أمنين. 


رشيد 


وبعد أن قضينا في الإسكندرية حوالي عشرين يوما ركبنا البحر 
مرة أخرى إلى رشيدء التي تبعد - كما أظن ‏ حوالي فرسخين عن 
مجرى النيل الرئيسي . 

]"0٠[‏ وأظن أننا قطعنا من الاسكندرية حوالي خمسة فراسخ أو 
ستة في اتجاه الشرق قبل أن نصل إلى مصب النيل الشهير في البحر 
المتوسط. حيث وجدنا لون الطمي يكاد يصبغ البحر المتوسط كله 
بلونه» ويغير طعمه من الملوحة إلى العذوبة» ولقد شربت من ماء النيل 
وأنا على مسافة غير قليلة داخل البحر المتوسط فلم أجده مالحا البتة. 
وقد عجبت لذلك كثيراً وتأكد لدي ما كنت قد سمعته. 

]75١[‏ وقد أخبرني ثقات أن الجنويين والبنادقة يحصلون في 
اغلي الأحيان على الناة الغذت من .مصين القل »وهم قعلوة. .ذلك 
دون التعرض لأي خطر فليس لدي الأتراك أساطيل للدفاع عن ساحل 
مصر . 


المختار من الرحللات الحجازية 





-©6 
ديب الحجاع في الحيل 


[؟5"] لا يخلو نهر النيل من اللصوص الذين ينهبون القوارب. 
وهم يكثرون في هذا الوقت من العام لكثرة عدد الحجاج الذين 
يتخذون طريقهم مبحرين في النيل من رشيد للقاهرة» ويعلم اللصوص 
أن الحجاج يحملون معهم مبالغ مالية» وقد اعترانا الخوف من 
مهاجمتهم لناء لكننا عندما أطلقنا النار من أسلحتنا ولوًا هاربين. 


وثمة مدن كثيرة على شاطىء النيل فبمجرد أن تنتهي من رؤية 
مدينة حتى ترى مدينتين أو ثلاثة . 


السويس 


في طريقنا من القاهرة إلى مكة المكرمةء» وعند طرف البحر 
الأحمر وصلنا لمدينة السويس التي تبعد عن القاهرة زهاء يوم ولها 
ميناء ترسو به السفن المتجهة للديار المقدسة» والسفن هنا غريبة 
مميزة؛ فليس لها سطح وهي عميقة الغاطس وتملاً بالمؤن المتجهة 
لمكة المكرمة» ولما علمنا ونحن في القاهرة أن هذه السفن ‏ 
الموجودة في ميناء السويس - جاهزة للإقلاع زودنا أنفسنا بمؤن تكفينا 
أربعة أشهرء لتكفينا أيضاً فى رحلة عودتنا للقاهرة ثم استأجرنا جمالاً 
لعقلنا للسسوسدن. 

[657"] وفى السويس دفعنا حوالى ستة بنسات لقاء الماء العذب» 
وقد راك ها عدا قي ون اينات العبتقية التجايية الحيدة وقد 
موهت (أخفيت) بالقرب من ساحل البحر» لكني نسيت أن أستفسر عن 


رحلة جوزيف بئس 





- 
طريقة إحضارها إلى هناء وعن هدف وجودها. 
الطور 

وبعد أن أبحرنا يومين أو ثلاثة من السويس رست سفينتنا في 
الطورء وهي مدينة صغيرة جداً ذات ميناء حيث أنعشنا أنفسنا بالماء 
ذلك أن كل مسافر يتحمل مسئولية حصوله على ماته» وقد حصلنا هنا 
على كثير من المشمش وغيره من الفواكه التي جلبت من جبل سيناء 
الذي يسمونه جبل الطور. 

[:5"] وللكاثوليك ‏ كما أخبروني - دير فوق الجبل ويدفع هؤلاء 
الكاثوليك للأتراك مبلغاً كبيراً لقاء ذلك» ويتردد كثير من الكاثوليك 
على هذا الدير للزيارة. 

لقد مكثنا مبحرين في هذا البحر زهاء شهرء وبعد ذلك». وصلنا 
إلى رابغ ولبس كل الحجاج ‏ فيما عدا النساء ‏ ملابس الإحرام . 

ثم وصلنا إلى جدة وهي أقرب الموانيء إلى مكة المكرمة التي لا 
تبعد عنها أكثر من يوم» وفي جدة تفرغ السفن حمولاتهاء وقد قابلنا 
الأدلاء القادمين من مكة المكرمة؛ ليدلونا على كيفية أداء مناسك الحج 
- وكان معظم الحجاج جاهلين بها وليصحبونا عند بيت الله . 

وبمجرد وصولنا إلى مكة المكرمة سار بنا الدليل في شارع واسع 
يتوسط البلدة مكة ويؤدي إلى الحرم» وبعد أن أنخنا الجمال وجهنا 
الدليل إلى حوض الماء للوضوء ومن ثم ذهب بنا للحرم فدخلناه من 
باب السلام» وقد تركنا أحذيتنا عند شخص موكل بها قبل الدخول . 





[55"] وعندما وقع نظر الحجاج للمرة الأولى على الكعبة 
المشرفة فاضت عيونهم بالدموع ثم طفنا بالكعبة المشرفة سبعة أشواط. 
ثم صلينا ركعتين» ثم قادنا الدليل (المطوف) للطريق مرة أخرى ورحنا 
نهرول وراءه تارة ونمشي تارة أخرى من أحد طرفي الطريق إلى طرفه 
الآخر ‏ يقصد السعى بين الصفا والمروة ‏ ولا أملك إلا أن أعجب من 
الكائنات البائسة''' (يقصد الحجاج) الذين يبدو عليهم التأثر الشديد 
والعاطفة الجياشة وهم يؤدول هذه المناسك . (وصف بيئس هذه 
المناسك بالخرافات) ولم أستطع إلا بالكاد أن أكبح دموعي من 
الانهمار عند رؤية حماسهم. . (وصف بيتس حماسهم بأنه حماس 
أعمى ووثنى”''. وبعد أن أتممنا السعى عدنا لمكان إناخة دواينا 
ومعها المؤن والضروريات» وبحثنا عن سكن ولما تيسر لنا خلعنا 
ملابس الإحرام ولبسنا الملابس المعتادة مرة أخرى . 


< وقد عمل كل الحجاج على استغلال كل وقتهم في مكة المكرمة 
في العبادة . 


وفي بعض الأحيان يكون الطائفون حول الكعبة عدة مئات في 
وقت واحدء خاصة بعد صلاة العشاءء أي بعد إيقاد الشموع. ويكون 
الطائفون من الرجال والنساءء إلا أن النساء يطفن في الدائرة الأوسع 
بمعنى أن الرجال هم الأقرب لبيت الله» أما النساء فيشكلن دائرة بعد 


. لا يكاد الغربيون يفهمون المشاعر الإسلامية» ولا يقدرون حال الحجاج‎ )١( 
(؟) قاتله الله ما أعظم حقده.‎ 


رحلة جوزيف بتس 





0 - 
دائرة الرجال ‏ أي الدائرة الأبعد من الكعبة ‏ لذا فمن الصعب أن 
يتمكن كل الطائفين من تقبيل الحجر الأسودء لذا فبعضهم يرفعون 
أيديهم تجاهه ثم يمسحون وجوههم بأيديهم قائلين: «الله أكبر أو تبارك 
الله وإذا كان الطائفون قليلين انتهزت النسوة الفرصة فقبلن هذا 
الحجر وأسرعن في الطواف لتقبيله مرة أخرى وللمكوث أمامه فترة 
طويلة» ويعطي الرجال للنساء هذه الفرصة ولا يزاحمونهن احتراماً 
للزمان والمكان. 

[51"] والناس هنا كما لاحظت - بائسون» ونحيلون جدا 
ويعتريهم الهزال وهم داكنو البشرة» ويحيط بمكة ‏ ولعدة أميال ‏ تلال 
صغيرة متقاربة» وقد ارتقيت بعض هذه التلال بالقرب من مكة المكرمة 
بحيث كان في إمكاني رؤية مداها عدة أميال»ء وهذه التلال جميعاً من 
صخور حجرية تميل للسواد. ظ 


قليلة» وثمة أنواع مختلفة من الفاكهة الطيبة كالأعناب والشمام والبطيخ 
والخيار والقرع. وغيرهاء لكن هذه الفاكهة تجلب من موضع على بعد 
يومين أو ثلاثة . 

والضأن يجلب إلى هنا أيضاً حيث يتم بيعه» والحرارة في مكة 
لايك 


[04"] والناس يتتقلون في الشوارع من جانب إلى جانب بحثاً عن 
الظل» والسكان ‏ خاصة الرجال ‏ ينامون عادة على أسطح المنازل 


المختار من الرحلات الحجازية 





م6 
تلمينا النيداف الهواء: أو في الشوارع أمام دورهم وبعضهم يضعون 
فراشهم فوق حصر رقيقة أمام منازلهم» وبعضهم يضعون دككاً (جمع 
دكة: وهي مقعد خشبي مستطيل) كتلك التي نضع فوقها البراميل في 
إنجلتراء. وتتماسك: أجزاء هذه الذكة بحبال. مشدودة شدآا شديدا: 
ويضعون فرشهم فوق هذه الدكك» وهم يرشون أرض الشارع بالماء 
قبل وضع فراشهم للنوم» أما بالنسبة لي فقد كنت أنام ‏ عادة - في 
الهواء الطلق دون أي غطاء؛ فوق سطح المنزل» فقد كنت أخذ ‏ فقط - 
قطعة قماش كتاني وأغمسها في الماء وأضعها فوقي في الليل» وأجدها 
جافة عندما أستيقظ فأبللها بالماء مرة أخرى» فإذا نمت وصحوت مرة 
أخرى وجدتها جافة» وهكذا فإنني أظل أبللها طوال الليل مرتين أو 
ثلاث . 


[609] الدراويش 


والدراويش يعيشون حياة الزهد ويجوبون المنطقة من أقصاها 
لأدناها كالرهبان المتسولين» ويعيشون على صدقات الآخرين ويلبسون 
عباءات صوفية بيضاءء وغطاء رأس طويلاً (مرتفعاً) من صوف أبيض 
يشبه كثيراً غطاء رأس طوائف الرهبان (الفرير)» في الكنيسة الرومانية 
(الكاثوليكية)»ء ويضعون على ظهورهم فروة خروف أو جلد عنز 
ليتخذوها فرشأ للنوم وأكمامهم عريضة وطويلة» وعندما يقرأون 
فإنهم ‏ عادة ‏ يجلسون متربعين فوق الأرض وعادة ما يحملون 
مسابيحهم حول أعناقهم أو حول أذرعتهم». بينما يحملها آخرون في 


رحلة جوزيف بئس 





_- 
جيوبهم» وكثيرون من الأتراك”'' يندرجون في سلك الدروشة إن أرادوا 
صلاح أحوالهم (يقصد بكلمة الترك غالباً: المسلمين) . 

[.7"] فعلى سبيل المثال فإن سيدي الثاني كان له أخ أصغر منه 
كان يعيش حياة لاهية فاحشة جداًء لكن ‏ وعلى حين فجأة ‏ تغير حاله 
تغيراً هائلاً» فأطلق لحيته ولبس عمامة خضراء كبيرة (التي لا يسمح 
لأحد بلبسها إلا إذا كان من سلالة النبي كَلِةِ)» وأخذ يتعلم حروف 
الهجاء (أ»ء ب» ت. .) وفي فترة وجيزة عزف كيف يقرأء وراح يقضي 
جانباً كبيراً من وقته في القراءة» وقد سخر منه رفاق اللهو القدامى لكنه 
تمسك بأسلوب حياة قويم رغم كل مزاحهم وسخريتهم . 

[1"] والكعبة القائمة وسط المسجد الحرام مبنى مكعب يبلغ 
ارتفاعه حوالي أربعة وعشرين قدمآء والكعبة مشيدة من أحجار ضخام 
مصقولة» وسطح الكعبة مسطح من جير ورمل» وثمة ميزاب لتفريغ 
الماء من فوقه عند هطول المطرء وفى هذه الأثناء يجري الناس نحو 
الميزاب لينزل ماء الميزاب عليهم 58 أنه نفحة من السماءء 
ويسعدون سعادة فائقة إذا نزل ماء الميزاب عليهمء بل ويحاولون 
الشرب منهء وإن حدث ذلك غمرتهم السعادة» ويلجأ بعض الفقراء 
لجمعه وتقديم جزء منه للحجاج لقاء منحة مالية . 

حمام مكة 


[77] وفي مكة المكرمة آلاف من الحمام الأزرق لا يجرؤ أحد 


)١(‏ قال المترجم: يقصد بكلمة الترك غالباً: المسلمين. 


المختار من الرحلات الحجازية 





على صبيذده أو ايذائه. وبعضه أليف لدرجة أنه يتناول قطعة لحم من 
يدك وقد قمت بنفسي كثيراً بإطعام كثير منه في المنزل الذي أقيم به 
وقد سمعت أن هذه الحمامات لا تطير أبداً فوق الكعبة كما لو كانت 
تعلم أنها بيت الله الحرام» لكنني أعتقد أن ذلك خطأ كبيرء فقد رأيت 
هذه الحمائم تطير في غالب الأحيان فوق الكعبة المشرفة . 

وتفتح الكعبة بابها إلا في يومين على مدى ستة أسابيع”©: يوم 
للرجال وآخر للنساءء وقد أتيح لي أن أدخل جوف الكعبة لمرتين 
طوال فترة مكوثي بمكة ‏ حوالي أربعة أشهر ‏ وهو حظ سعيد لم يتح 
لآلاف الحجاج؛ لأن الحجاج القادمين براً لا يمكثون بمكة المكرمة 
سوق سثة عشر يوما أو اسبعة عشر. 

عرفات 

وسأخبرك الآن عن الوقت والمكان اللذين يصبح فيهما المسلم 
حاجاً حقيقة» وهو الأمر الذي تحمل من أجله المشقة وأنفق المال. 

في اليوم الثامن» يلبسون ملابس الإحرام» ويذهبون إلى جبل 
عرفات . 
الهائلة من الحجاج الذين لا يقلون ‏ كما يقال - عن سبعين ألف كل 


)١(‏ كذا وردت في الأصل. 


رحلة جوزيف بتس 





9 


العدد بملائكة من عنده ينزلون على هيئة بشر. إن كان عدد الحجاج 
أقل من العدد آنف الذكر”'' . 

لقد كان عدد الحجاج في عرفات كثيراً جداء وفي حوالي الساعة 
الواحدة أو الثانية - وهووقت الصلاة ‏ توضأنا استعدادا لها. 

[7"] لقد كان مشهداً يخلب اللب حقاً أن ترى هذه الالاف 

المؤلفة في لباس التواضع والتجرد من ملذات الدنياء برءوسهم العارية 
وقد بللت الدموع وجناتهمء وأن تسمع تضرعاتهم طالبين الغفران 
والصفح لبدء حيأة جديدة») وستمر هذه التضرعات وتلك الابتهالاات 

[5:”"] وإنه لأمر يدعو للأسف أن نقارن ذلك بالخلافات الكثيرة 
بين المسيحيين . 
الواحد منهم يحمله ‏ بفخر ‏ حتى مماتهء وبعد تلقيهم لقب «الحاج» 
ينفخ في البوق» إيذاناً بمغادرة عرفة» وبعد ميلين أو ثلاثة ‏ في طريق 
العودة ‏ يبيتون ليلة . 

وفي الصباح التالي يتحركون إلى منى . 

[6"١؟]‏ وفي منى ينصب الحجاج خيامهم فثمة سهل وأسع 
ويقضون يوم عيد الأضحى. وبعد ذلك يذهب كل حاج في اليوم الأول 


)١(‏ هذا من الأمور التي لا دليل عليها خاصة من رجل كافر كهذاء والله أعلم. 





6: 


بد أن ترجم بسرعة من فضلك لأننى قد فقأت عينى الشيطان لتوي» . 


ويجب أن تلاحظ أن أهل البلاد يجلبون إلى هذا المكان» قطعاناً 
كثيرة من الأغنام لبيعهاء فيشتري كل حاج خروفاً ويضحي بهء 
ويقدمون بعض أضحياتهم لأصدقائهم وبعضها للفقراء» ويأكلون ما 
تبقى» وبعد ذلك يحلقون رؤوسهم ويخلعون لباس إحرامهم ويلبسون 
ملاسس أخرى ويحيبي بعضهم بعضاً قائلين : اعيدكم مبارك») ويتبادلون 
القبلات . 


[> >" ] ويمقضون هذه الأيام الغلاية و فرح واحتفالاات» ويصبومع 
الليل نهاراً بسبب وفرة المصابيح المضاءة. ويطلقون البنادق . وتمتلىء 
السماء بالألعاب النارية» لأنهم يعتقدون أن كل ذنوبهم قد ذهبت أدراج 
الرياح وأنهم ‏ إذا ماتوا - دخلوا الجنة مباشرة(بغير حساب) إذا لم 
يرتدوا عن دينهم. أما بالنسبة للمستقبل فإن الله يكافىء حسنتهم بعشرة 
أمثالهاء وإن أي حاج يعود لحياة الفسق يعتبره الآخرون شريراً فاسقاً. 


[71"] وخلال الأيام الثلاثة التي يقضونها في منى يفكر الواح منهم - 
إذا لم يكن واهناً ضعيفاً ‏ في زيارة الكعبة المشرفة مرة واحدة على 
الأقل؛ إنهم يشدون الرحال إلى هناك بحماس فائق لإلقاء نظرة جديدة 
على بيت الله الحرام؛ فإذا ما رأوه انفجرت عيونهم بدموع الفرح وبعد 
الطواف والصلاة يعودون ثانية إلى منى» وبعد انتهاء أيام عيد الأضحى 
الثلاثة» يعودون جميعاً حاملين خيامهم إلى مكة المكرمة مرة أخرى . 


رحلة جوزيف بتس 





[74"] ويقال إنه بعد مغادرة الحجاج منى إلى مكة المكرمة يرسل 
الله رخات من المطر لغسل القذر والروث المتبقى من ذبح الأضاحي» 
كما يرسل الله الملائكة لتحمل الحصى (الجمرات) الذي رمى به 
المسلمون رمز الشيطان» وتعيدها إلى أماكنها قبل موسم الحج التالي. 
ملقاة مكانها على الأرض عند الأعمدة التى يرمز المسلمون بها 
للشيطان . 

[74] وبعد العودة لمكة المكرمة يمكثون هناك زهاء عشرة أيام 
أو اثنى عشر يوماًء حيث تعقد سوق كبيرة تباع فيها كل بضائع الهند. 
كما تباع فيها أحجار كريمة للخواتم والأساور.. إلخ المجلوبة من 
اليمن» وكذلك بضائع الصين والمسك وغيرها من الأشياء الغريبة» إنه 
الوقت الذي ينشغل فيه الحجاج بالشراء لأنهم يعتقدون أنه من الأمور 
غير الشرعية أن ينشغلوا بالبيع والشراء قبل إتمام الفريضة» ويقوم كل 
حاج الآن بشراء كمن . وهو عبارة عن قطعة كتان رقيقة ليكفن فيها. 
وهم يغمسونها في ماء زمزم. وتلك ميزة قد لا تتاح لهم في الجزائر أو 
غيرهاء ويحرصون على حمل هذا الكفن معهم أينما ذهبواء بحرا أو 
برا فإذا ماتوا كفنوا به. 

]”7١[‏ وفى المساء السابق لمغادرة مكة المكرمة لا بد من طواف 
الوداع فيدخل المرء من باب السلام فيطوف قدر ما يستطيع » وبعضص 
الناس يظلون يطوفون حتى يعتريهم التعب» وتفيض عيونهم بالدمع 
لأنهم يودعون بيت الله ويبدون حقيقة غير راغبين في مفارقته؛ 


المختار من الرحلات الحجازية 





6:7 > 


ويشربون من ماء زمزم حتى الامتلاء ويتراجعون إلى باب الوداع 
ووجوههم صوب بيت الله» وبيت الوداع هذا مواجه لباب السلام. 
وعند خروجهم من باب الوداع يعقدون أيديهم تجاه بيت الله» فمن غير 
اللائق أن يولوا ظهورهم للبيت عند الوداع» ويظلون في حالة بكاء وهم 
يدعون ويتوسلون إلى الله حتى يصلوا بيوتهم . 


[71] وقبل أن أغادر مكة المكرمة سأعرفك بحوار دار بيني 
وبين تركي بين صلاة المغرب وصلاة العشاء في الحرم المكي . 
فالحجاج يقضون هذا الوقت الذي يصل إلى ساعة ونصف الساعة ‏ أو 
جانباً كبيراً منه - في الطواف. ثم يجلسون فوق الحصر ليريحوا 
أنفسهم» وهذا ما فعلته» وبعد أن جلست للحظة تمددت أخيراً لفرط 
التعب لأريح ظهري» وكانت قدماي ‏ كأقدام الآخرين - صوب البيت 


وقد سألني التركي الجالس إلى جانبي عن بلدي فقلت له: إني 
مغربي » فقَال: من أي بلاد المغرب؟ فقلت: من الجزائر, فقال: لقد 
تعبت كثيراً وتكلفت كثيراً حتى وصلت هناء لكنك بمدك قدميك نحو 

ويوجد هنا مغارية كثيرون يكسبون رزفهم ببيع تماذج مصعرة 
للمسعجد الحرام للغرباء. وبتقديم خدمات للحجاج. ويوجدل هنا عدد 
من الأفندية (جمع أفندي) أو المتعلمين يقرأون القرآن الكريم وهم 
المتعلمين أثناء إقامتهم بمكة المكرمة . 


رحلة جوزيف بسن 





-© 


[77] وتحت غرفة الأحناف (مقام الأحناف) يتجمع الناس عادة 
كل حبة من حباتها فى حجم القبضة» ويمررون حبات المسبحة بينهم 
الواحد تلو الآخرء الحبة تلو الحبة» طوال الوقت وهم يرددون عبارات 
دينية» وقد انخرطت أنا نفسي معهم في هذه اللعبة التي تسبب بهجة 
طاغية للأطفال» ومع هذا فقد أظهرت من مظاهر التقوى ما فيه 
الكفاية . 


يبعا 


[7"] وثمة دراويش هنا يتكسبون بسبب إحراقهم للبخور أمام 
الجالسين» ويكثرون أيام الجمع» وفي جميع المساجد يمر هؤلاء 
الدراويش ‏ وقد حمل الواحد منهم المبخرة بإحدى يديه وكيس البخور 
باليد الأخرى ‏ بين صفوف المصلين الجالسين بينما الإمام يخطب وهم 
يفعلون ذلك بهدوء ودون جلبة . ظ 

[:7”] ورغم قداسة مكة المكرمة فهي كغيرها من المدن لا تخلو 
من بعض مظاهر الفسادء أما من ناحية النظافة فهي مساوية للقاهرة. 
ولكن اللصوص لا يتورعون عن السرقة حتى في الحرم ذاته . 

[77] وبعد أن استأجرنا جمال النقل» خرجنا من مكة المكرمة 
لكننا دفعنا كثيراً لاستئجار الجمل كما لو كنا نستأجره من مكة لمصرء 


وهي المسافة التي تستغرق حوالي أربعين يوماً بمعنى أننا دفعنا حوالي 


الطريق أمدنا الجمال بجمل آخرء وعلى هذا فإن هؤلاء الجمالين 





الجمال الاحتياطية لوعورة السير ليلاً مما يؤدي لموت جمال كثيرة أثناء 
الطريق.» وإذا حدث وسقط جمل فمن النادر ما يكون قادراً على 
النهوض مرة أخرىء» وإذا نهض فإنهم يفقدون الأمل في قدرته على 
مواصلة السير أو حتى قدرته على أن يكون صالحاً للعمل مرة أخرى. 
لذلك فإذا سقط الجمل رفعوا عنه حمله وذيحوه. فيأكل لحمه الفقراء 
في القافلة» وقد أكلت أنا نفسي لحم الجمل فوجدته حسن المذاق 
وَطَفِيكَ] للعبحة : وإذا اعترى جمل التعب (ولم يذبحوه) تركوه مكانه . 
مغادرة مكة المكرمة 


[77”] لقد كان اليوم الأول الذي خرجنا فيه من مكة المكرمة 
خالياً من النظام تماماًء فكان ثمة هرج ومرجء وأما في اليوم الثاني فقد 
عمل كل شخص على إحراز السبق؛ وبسبب هذا حدثت معارك 
ومشاجرات بين الحين والآخرء لكن بعد أن أخذ كل شخص مكانه في 
القافلة :التحفظ بيه.ومنا ريف لاقو متعقاية ست : وان لاه 


وهم يجعلون أربعة جمال في المقدمة ويربطون بعضها ببعض 
لتكون قطاراًء ويسمون الحملة كلها قافلة» فالقافلة إذن مقسمة إلى 
فط أو قطارات» ولكل قطار اسمهء وهو يتكون من آلاف الجمال» 
ويسير كل قطار وراء قطار آخرء وكأنهم في حملة عسكرية» وعلى 
رأس كل قطار قائد مسئول يجلس في تختروان”'2 يحمله جملان 


() هو مثل الشقدف . 


رحلة جوزيف ببس 





4 سه 
أحدهما أمام الآخر والتختروان مغطى بقماش شمعي وفوقه قماش 
سميك» وإن كانت زوجة هذا القائد معه جعلوا لها هي الأخرى 
تختروان على شاكلة تختروان زوجهاء وعلى رأس كل قطار جمل 
يحمل أموالها (كنوزها). . إلخ. ويضعون لهذا الجمل جرسين: جرس 
على كل جانب من جانبيه»؛ وهو أي الجرس - في ضخامة جرس 
السوق عندنا بحيث إن صوته يسمع من مسافة بعيدة» وثمة جمال 
أخرى يضعون حول رقبتها أجراسآء وبعضها حول أرجلهاء كتلك 
الأجراس التي يضعها الحمالون عندنا حول رقاب خيول المقدمة, 
فتظل هذه الأجراس تدق طوال الليل بالإضافة للأجراس التى يحملها 
السائرون على الأقدام والجمالون» ويكون لرنينها صوت محبب» وهم 
يقولون إن هذه الموسيقى تجعل الجمال نشطة» وبهذه الطريقة تسير 
الأموى متقلية عض يفار ا للتاهرة»ويدون هذا الانفباط يتكنك أن 
تتصور الفوضى التي يمكن أن تحدث لهذه الجموع الهائلة . 
[71717] المشاعل 


'ويشعلون بالليل شعلاً مرفوعة على قضبان لهداية القافلة إلى 
الطريق» ومما يذكر أن القافلة تقطع رحلتها ليلاً معظم الوقت تجنباً 
لحرارة الشمس الشديدة نهاراًء وقد أوكلوا بالمشاعل أشخاصاً 
يزودونها بالأخشاب كلما أوشكت النيران على الانطفاء» ولكل قطار 
مشعل يخصه ويدل عليه» وبعض القطارات لها اثنا عشر مشعلا أو أكثر 
من ذلك أو أقل» ولهذه المشاعل أشكال مختلفة وأعداد مختلفة. 
وذلك حتى يستدل كل شخص على قطاره من خلال تأمل هذه 


المختار من الرحلات الحجازية 





المشاعل». بمعنى أن لكل قطار مشعلاً أو مشاعل مميزة ) ويكون حامل 
المشاعل فى مقدمة القطار. وترفع المشاعل وتثبت عند توقف القافلة. 

وتحمل هذه المشاعل في النهار أيضاً لكن بغير نار فيستدل 
الحجاج من أشكالها وأعدادها على قطار اتهم كما يستدل العساكر على 
كتائبهم بأعلامها. وبدون ذلك لا بد أن الفوضى كانت ستدب بين هذه 
الأعداد الغفيرة. 

وكانت القافلة تتوقف كل صباح وينصب أفرادها خيامهم 
ليستريحوا لعدة ساعات » وعند إنزال الحمولة من فوق الجمال يقودها 
الجمالة ليسقوها ويقدموا لها العلف.. إلخ». وكنا نساعدهم في ذلك 
فليس لدينا ما يشغلنا. 


وبمجرد توفئف القافلة كان عملى هو إشعال نار صغيرة وإعداد 
القهوة. وبعد تناولنا لوجبة صعيرة وشربنا للقهوة نستلقى لأخنذ قفسط 
من النوم» وبين الساعة الحادية عشرة والساعة الثانية عشرة نسلق طعاماً 
للغداء» وبعد أن نتناوله نستلقي مرة أخرى ونظل نائمين حتى حوالي 
الباعة الرايعةا يعد الطير, 


جمالنا لمواصلة الرحلة. وتستغرق عملية الاستعداد والتحميل 


ساعتين» فتقف الجمال متهيئة للمسير كرة أخرى - وفي وقت صلاة 
المغرب وكذلك وقت صلاة العشاء ‏ تتوقف القافلة لأداء الصلاة. . يا 


رحلة جوزيف بسن 





_- 
لهم من دقيقين في أداء صلواتهم! وتصل القافلة سائرة حتى صباح 
اليوم التالي» وإذا كان الماء شحيحاً قمنا بالتيمم . 

أما بالنسبة للمؤن فقد زودنا أنفسنا من مصر عند قدومنا بما يكفينا 
لرحلة الذهاب لمكة المكرمة والعودة» وإذا وجدنا ‏ ونحن في مكة ‏ 
أن ما معنا لا يكفي مدة الرحلة اشترينا ما ينقصنا منها (أي من مكة 
المكرمة)» ويقدم مندوبو السلطان العثماني الماء كصدقة للفقراء الذين 
يسيرون مع الحملة على أقدامهم طوال الطريق» فهناك كثيرون يقطعون 
رحلة الحج دون أن يكون معهم أي مال معتمدين على صدقات 
الحجاج الاخرين . ظ 

[07] أيرلندي رفض ترك الإسلام 

ويحمل كل حاج مؤنه معه وكذلك ماءه وفراشه. . إلخ». وعادة ما 
يتجمع كل ثلاثة أو أربعة معاً لتناول الطعام ويدعون في بعض الأحيان 
أحد فقراء الحملة لتناول الطعام معهم. وكان يوجد أيرلندي مرتد”"©, 
أخذوه صغيراً جداً لدرجة أنه لم يفقد دينه المسيحي فقط بل ولغته 
الإنجليزية أيضاًء وهذا الرجل عانى من العبودية ثلاثين عاماً في إسبانيا 
وفي السفن الفرنسية» لكنه بعد ذلك تحرر وعاد للجزائر» وكان الناس 
ينظرون له كرجل صالح تقي متدين لأنه لم يترك العقيدة الإسلامية رغم 
تعرضه للغواية كي يتركهاء وكان بعض جيراني الذين قصدوا للحج في 
العام نفسه الذي حججت فيه مع سيدي قد عرضوا على هذا الأيرلندي 


)١(‏ قال المترجم: يقصد أنه تحول للإسلام. 


المختار من الرحلات الحجازية 








:6 
المرتد"'؟ أن يتكفلوا بتكاليف حجه إن خدمهم أثناء الرحلة» فقبل 
العرض سعيداًء وأذكر أننا عندما وصلنا إلى مكة المكرمة قال لي 
بعاطفة جياشة: إن الله - سبحانه ‏ نجاه من جهنم على الأرض ويقصد 
بهذا فترة عبوديته في أسبانيا وفرنساء وأن الله - سبحانه ‏ قد مكنه من 
الوصول إلى جنته على الأرض ويقصد بهذا مكة المكرمة» وقد عجبت 

كثيراً لفرط حماسه وإيمانه» لكنني أشفقت عليه”''. 


[74] ويحملون الماء في قرب جلدية ويثبتونها على جوانب 
جمالهم. وقد يحدث ألا نصادف ماء في الطريق طوال يومين أو ثلاثة 
وأحياناً أكثر من ذلك» لكنه بات معروفاً أن الجمل مخلوق يتحمل 
العطش» فالله ‏ جلت قدرته ‏ قد هيأه للسفر فى صحراء شبه الجزيرة 
الشرية القناضعة». .وولزرق: هذه المقدرة. يكون: .غسيرا ب إن لم يكن 
مستحيلاً - أن يقطع هذه الفيافي الجرداء . 


[80"] ولكل مجموعة تقيم في خيمة مكان مخصوص لقضاء 
الحاجة؛ وذلك لأن المسلمين يعتبرون من الأمور المعيبة أن يراهم 
أحد وهم يتبرزون أو يبولون"؛ ومن ناحية أخرى فإنهم لو ذهبوا بعيداً 
جداً لقضاء حاجتهم فقد يضلون الطريق لخيامهم عند العودة . 


)١(‏ قال المترجم: يقصد المسلم. 

0( ينبغي أن يشفق على نفسه أما ذلك العاقل فهو في سعادة ونعيم» إن شاء الله 
تعالى . 

() وهل في هذا نقاش بين عقلاء الأمم. 


رحلة جوزيف بس 





49 حل 


١7 ١‏ ] اليدو والقافلة 


وأثناء هذه الرحلة تسبب لصوص البدو فق المتاعب لبعض 
الحجاج لتسللهم للقافلة عدة مرات؟ وذلك أن هؤلاء اللصوص 
ينقضون على أطراف القافلة ويخطفون الحجاج البعيدين عن بقية 
البدو حاجا قد استغرق في النوم فكوا رباط جمله من الأمام ومن 
الخلف ويقوم أحد اللصوص بقيادة الجمل بعيداء بينما يكون الحاج 
ناكما فوقه. ويقوم اللص الآخر - فى الوقفت نفسه - بسحب الجمل 
التالي ليربطه بجمل آخر بدلاً من الجمل المسروق حتى لا يتوقف إذا 
شرعت القافلة فى المسير فتتوقف كل الجمال التي وراءه بطبيعة الحال 
معقولة من القافلة تجعلهم بعيدين عن الخطرء وفي بعض الأحيان 
يقتلونه فوراً وفي أحيان أخرى يسلبونه ويتركونه يعود للقافلة عارياً. 

المدينة المثورة 

وفي حوالي اليوم العاشر من هذه الرحلة السهلة بعد خروجنا من 

مكة المكرمة دخلنا المدينة المنورة» حيث دفن الرسول وَكلِ . 


[87"] والمسلمون الذين يأتون لمكة من الجنوب ‏ كمسلمى 


الهند وغيرهم لا يزورون المدينة المنورة وإنما يكتفون بزيارة مكة 


المختار من الرحلالات الحجازية 








المكرمة لبعدها عن خط سيرهه”' لكن الحجاج القادمين من تركيا 
وبلاد التتر (ترتاريا) ومصر وأفريقيا يظنون أن من واجبهم زيارتها. 


[8"] ويتم تزويد المدينة المنورة بالمؤن من الحبشة على 
الساحل الآخر للبحر الأحمرء فمن الحبشة تأتيهم السفن محملة بالقمح 
وغير ذلك من الضروريات» وهي سفن غريبة لم أر لها مثيلاآ؛ 
فأشرعتها من حصيرء كالحصير الذي يستخدمونه في بيوتهم 
ومساجدهم . 

[81"] وبعد أن قضينا في المدينة المنورة يومين غادرناها في 
اليوم الغالث» ولما قطعنا عشرة أيام أخرى قابلنا عدداً كبيراً من البدو 
قدموا لنا كميات وافرة من الفاكهة خاصة الزبيب» ولا أدري من أين 
أتوا بهاء ولما وصلنا بعد ذلك بخمسة عشر يومأ لمصر قابلنا جمع 
غفير وقد حملوا جمالهم بالهدايا التي أرسلها الأصدقاء والأقارب 
للحجاج» كالحلوى وما إلى ذلك» لكن بعض هؤلاء القادمين أتوا 
بقصد الربح أي لبيع المؤن الطازجة للحجاج والاتجار معهم. 

[85"] ولما كنا على بعد سبعة أيام من القاهرة قابلنا جمع غفير 
يزيد عن بضع مئات» وقد أتوا للترحيب بأصدقائهم وأقاربهم» لكن 
ظلام الليل كان دامساً فكان من الصعب الالتقاء بمن يريدون» ولما 
بدأت القافلة في التحرك راحوا ينادون بصوت عال على معارفهم 


000 هنذا الكلام غير صحيح» فكم من الحجاج الهنود يرور المدينة المنورة على مدار 
التاريخ ‏ كما سيرى القارىء في ضوء هذه الرحلات . 


رحلة جوزيف بتس 








وأقاربهم فاستطاعوا بهذه الوسيلة الالتقاء بهم . 
[87؟] ولما أصبحنا على بعد ثلاثة أيام من القاهرة» أحضروا لنا 
جمالاً كثيرة محملة بماء النيل لنشرب» وقبل أن نصل القاهرة بيوم 
وليلة أتى آلاف المصريين للقيانا وكانوا مبتهجين بشكل غير عادي» لقد 
استغرقت الرحلة من مكة المكرمة إلى القاهرة سبعة وثلاثين يوماً 
بالإضافة لثلاثة أيام توقفنا فيهاء فتلك إذن أربعون يوماً كاملة. 
وطوال الطريق لم تق جه | لا نادراً - زروعاً خضراء. ولا تنشغة] 
تغريد طير أو رأينا حيواناً» فلا شىء سوى الصحراء والحجارة باستثناء 
قرية اجتزناها ليلاً كان بها بعض الأشجار والبساتين. 
[17"] الوصول للقاهرة. والطاعون 
ولما وصلنا للقاهرة وجدنا الطاعون يحصد الناس حصداً حتى لقد 
قيل: إنه قضى على ستة آلاف خلال أسبوعين . 
رشيد 
لقد أسرعنا بمغادرة القاهرة متجهين إلى رشيد» ومن رشيد تابعنا 
إلى الاسكندرية» حيث وجدنا سفينة من الجزائر على استعداد لنقلنا 
إلى هناك . 
الطاعون في الاسكندرية 
لقد كان الطاعون مستقراً فى الاسكندرية فى ذلك الوقت» وقد 
صعد إلى ظهر السفينة بعض الأشخاص المصابين به فسرى الطاعون 





© > 


ماتوا بسببه» وحقيقة فقد اعترانى الرعب» ورحت آمل أن أسترد عافيتى 
فى الجزائرء معتقداً أننى لو عشت حتى أصل للجزائر فقد أهرب من 
الإصابة به»ء لكن بمجرد وصولنا لسواحل الجزائر حاصرني الطاعون 
لكننى نجوت من الموت بفضل عناية الله» لقد ظهر الطاعون تحت 
جداء وكنت راغباً في شقهاء ولكن سيدي قال: إن وقت فتح هذا 
الْخُرّاج لم يحن بعل) ونصحنى عبل أسبانى - وكان جاراً لى - أن 
أشوي بصلة وأمسها فى الزيت وأضعها على الدمل ففعلت ذلك» وفي 
بفضل من الله» ولن أنسى فضله أبداً ما حييت» كما لن أنسى فضله 
ورحمته التي شملني بها لعودتي من مكة المكرمة"''. 


)١(‏ إلى هنا تم المراد من الاختصارء ولله الحمد. 





00 


الرحلة الثامنة 
الرحلة الورثيلانية 
أو «نزهة الأنظار في فضل علم التاريح والأخيار» 


يوث ا ٠‏ انه > هك )١( ٠.‏ 
للشيخ الحسين بن محمد الورنيااني 


وكان قد سار من المغرب سنة ١١174‏ إلى مصر ثم إلى العقبة. 

لما أن قربنا العقبة دخلناها بشرهة عظيمة ونزاهة كبيرة» والحجاج 
قد شاك جميعهم السلاح التام''؟» وقامت الصيحة والتناديء وارتفع 
حس البارود وصوت البنادق إلى أن دخلنا منزل العقبة» فخيمنا قرب 
الركب المصري» إد وجدناه هناك . 


[84”] وأقمنا فيه ما كتب لنا في نشاط عظيم وتسوق قوي» وفيها 
سوق لا يكاد أن يحصى ما فيها من أنواع الثياب والأمتعة والأطعمة 
وأنواع الخير من كعك وخمبز»؟ وأنواع الطبائخ بتابل وغيره من ان 


- هو الحسين بن محمد السعيد الورثيلانيَ نسبة إلى بني ورثيلان - قبيلة جزائرية‎ )١( 
مؤرخء فقيه مالكيء له اشتغال بالتصوف. حج فأخذ عن‎ 0١١78 ولد سنة‎ 
رحمه الله تعالى.‎ ١١197 علماء مصر والحجاز. له بعض المصنفات. توفي سنة‎ 
. 701/7 انظر «الأعلام»:‎ 

(؟) أي تسلحوا تسلحاً تاماً. 





> (ؤ هم 
منوعة الأجناس ومفترقة الأصناف» فناقص العقل إن دخل السوق كاد 
أن لا يرجع بدرهم عندهء غير أن الله مكن العقول وأثبتها فلم تكترث 
بما هنالك لما غلب من شوق الحبيب ومحبته ‏ عليه الصلاة والسلام -. 
فلم تعتبر شيئاً إلا الوصول إليه ومشاهدة أثره كلوه فخف عليها كل ما 
تشاهده من مشاق السفر ووّعثه.ء وكذا تغيب عما تشاهده من 
الملذوذات فطابت النفس بما قصدته وأرادته. 


[84”] حاصله أننا أقمنا بها في عزة ومنع وسرور وجذل وفرح 
وهناء؛ إذ أعظم شيء مذلة الأعراب الذين صدوا الحاج في العام الذي 
قبلناء وقد أصابهم خزي وذل حتى أن الإنسان يأخذ بعض مالهم فلا 
يستطيع أن يتكلم؛ لما رأوا من شوكة الركب المغربي وقوته» فجزاهم 
الله جزاء وفاقاً؛ لأنهم أخذوا ركب الحجاج الجزائري والطرابلسي بل 
أخذوا منهم كيت وكيت من الدراهم وبذلك خلوا سبيلهم؛ ولولا 
عطاؤهم ذلك وإقامة أمير مصر ما جاوزوا العقبة ولا مروا عليها. 


فلما علم الحجاج ‏ أي ركبنا ‏ ما جاز عليهم أرعدوا وأبرقوا 
وترجوا واتعظواء فقاموا على ساق واحدة ورمية متحدة فما ملكت 
أنفسهم إلا القتال» غير أن أعراب العقبة سكنت شوكتهم وطوي 
بساطهم وانسد سبيلهم» علماً منهم أنهم لا يستطيعون مقاومة هذا 
الركب؛ لا سيما وأن فيه أفاضل وصلحاء وعلماء» فالحمد لله. 


فلما ظعن الركب المصري وانفصل عن محله ظعنا فى إثره بعد 
ملء سقايتناء فإن مياه العقبة بين بين» إلا أن بعض الأبار فيه ماء عذب . 


نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار 





- 


يشرب ماء النيل إلى مكة المشرفة» وبعضهم إلى الرجوع . 


[41"] وقد ذهبت أنا والفاضل الأخ سيدي أحمد الطيب الزواوي 
إلى الكحّية ‏ أعني خليفة الأمير ‏ لأمر يتعلق بأمر أصحابنا بل بالركب 
جميعه؛ لأن شيخنا الولي الصالح خاتمة المحققين» شيخ المريدين 
الشيخ محمد الحفناوي”"' بعث معنا مزبورة”"؟ ليكون مع الحجاج”". 
فلما وصلنا إليه قام إلينا وعظمنا غاية التعظيم» ومع ذلك هو في رقعة 
عظيمة ومرتبة منيفة» ومعه عسكر عظيم لا يصل إليه الضعيف إلا بعد 
شدة كبيرة وانتظار قوي». وأما نحن والحمد لله فبنفس سماعه بنا 
لقينا وأدخلنا محله الخاص بهء. وذلك المحل الذي هو فيه يخطف 
الأبصارء فلا يكاد الضعيف يطمئن به ويسكن في محله لاختلاف 
الألوان وكثرة الأواني المزخرفة» فجلسنا عنده ساعة إلا والطعام 
حضر”*'قرب الاصفرار» فأتوا بالأطعمة المختلفة والطبائخ المتنوعة في 
الموائد المستحسنة لا يكاد أن يُحصى ما عليها من الأواني» فأجلسنا 
عليها وألح علينا في أكلها . 


. هو محمد بن سالم بن أحمد الحفناوي - ويقال الحفني الشافعي المصري‎ )1١( 
ودرس بالأزهرء وسلك طريق التصوف».‎ »١١١١ ولد ب «حفنه» قرية مصرية سنة‎ 
١١8١ وألف تآليف نافعة. وكان حسن التقرير»ء فصيحاً مهيباً. توفى سنة‎ 
200 .891-59/5 بالقاهرة رحمه الله تعالى. انظر «سلك الدرر»:‎ 

(؟) أي كتاباً. 

إفرة أي ليساعد الحجاج . 

(54) في سياقه ركاكة لكن المعنى مفهوم. 





حاصلة هذا الأمر في السفر فكيف هو في الحضرء نعم فما عندنا 
إلا الصبر وطلب عوضه فى الآخرة» وهذا وإننا ظعنا منه على خير 


و سل سام تر 2 حوأ هو ب سكير 


وعافية ومنة وفضل من الله * فل بِمَصّلٍ لَه وحمَيَهء لِك فليشرحوأ هو جار 
يَمَاجمعون 74 , 


[؟9"] ولما انفصلنا عن بندر العقبة ووقفنا على الحصن الذي فيه 
العسكرء نعم الأعراب دائرة بالحصن على عادتهم من اجتماعهم» مع 
كونهم بسلاحهم ينتظرون فرصة أو غفلة من الحاج يأخذون ما بدا لهم 
خلسة ومكراء أو تتخلف بعض الرواحل فيأتون إليها ظاهرين قهراً. 
ونحن ‏ والحمد لله سلمنا من ذلك كله؛ إذ الركب معه هيبة عظيمة لا 
يستطيعون ذلك فتخلفنا على العادة من التخلف”"©2. شفقة على ضعفاء 
الركب أنا وسيدي محمد الشريف الطرابلسي ومّن معه من أصحابه. 
وكذا سيدي أحمد الطيب . ش 

فما علمنا أحد من العرب وراءنا ‏ علمأ منهم لا قوة لهم بنا خفية 
أو ظاهراً ‏ إلى أن وصلنا شاطىء البحر قرب الزوال قبل وصولنا إلى 
ظهر الحمار”"'» فتوضأنا وصلينا الظهرء ثم ركبنا بغالنا فسرنا ساعة 
وإذا ببعض الأجمال لأصحاب سيدي محمد الشريف المذكور وقفت 
من شدة السير وكثرة الحمل» فذهبنا ساعة معها ثم خلفناهاء وأشرفنا 
على ظهر الحمار وفيه نخل على شاطىء البحر ولا بأس به» وفي 
)١(‏ سورة يونس: آية 0. 


(0) أي أنهم كانوا يمشون خلف القافلة للغرض الآتي ذكره. 


نزهة صب عر ا والأخبار 





0 
وسطه آبار طيبة الماء عذبة من أحسن المياه» فسقت الناس إبلهم 
وملأت سقاياتهم فلم ننزل بطرف النخل»ء وإنما ينزل فيها الحاج بعد 

الرجوع. ووجدنا ثَمَتَ آخر المصري”''. 

7 ] ثم صعدنا العقبة التي بعد الأبار وفيها طريقان كما سبق. 
وهي صعبة الصعود غير أنها ليست طويلة جداً ‏ والحمد لله -؛ وإلا 
لهلك جُله أو بعضه”". فلما صعدنا بعد الظهر في حر عظيم نزلنا في 
وسع كثير فوق العقبة لما علمت أن المغربي يمشي في النهار بخلاف 
المصري فإنه يمشي ليلا . 


وهذه المرحلة قصيرة ومع قصرها إنها شديدة الحرء والخوف من 
الأعراب موجود فإن شوكتهم هناك قوية. 


فلما مر أكثر الليل وإذا بالركب ارتجل ليلا فسرنا بعض الليل إلى 
طلوع الفجرء فلما طلع الفجر وتنفس الصبح صليناه ؛ ثم ركبنا إلى 
وقت الضحى ونرلنا إلى صلاة الضحى كذلك كل يومء. ووب 
إلى أن وصلنا إلى الشرف» ويسمى هذا المحل الأن - أم العظام» 
نزلناه عند وقت العصر ثم بتنا فيه على خير وعافية. ثم ظعنا أخر الليل - 
والحمد لله ولم تكن مرحلة أطول منها فإن الإبل أكثرها يموت في 
هذه المرحلة لطولها وشدة تعبهاء فظعنا منها على خير وعافية . 


فسرنا كذلك إلى أن وصلنا إلى مغار شعيب بعد الظهر؛ وفيها 


. أي آخخر الركب المصري‎ )١( 
(؟) أي جل الركب المغربي أو بعضه.‎ 


المختار من الرحلات الحجازية 





> رهم 


نخل عظيم» وغيْضة كبيرة» وماء جارء فلا يجري ماء إلا هنا وفي 
عيون القصب في جميع مراحل الدَرْبِ”'©2» وفيها بعض الخصب 
للدواب وللإبل. 

ثم ظعنا منها ليلا - أيضاً ‏ على ما أسلفناه إلى أن وصلنا عيون 
القصب. وفيها ماء حار عذب قريب من البحر وهو كثير القصب. 
فنزلنا به عند صلاة العصرء ونزلنا على أكمل الخير وأتم العافية . 

[:94"] وارتحلنا ‏ أيضاً ‏ ليلاً ثم كذلك على ما علم منا من جد 
السير على شاطىء البحر إلى بلوغ بندر المويلح وقد نزلنا عند الظهر - 
والله أعلم ‏ وهو بندر عظيم كثير الأرزاق» ثم إن أسواقه تامة وفيها ما 
لا يحصى من أنواع النبات والأطعمة المختلفة والملابس المزخرفة 
والطبائخ المنوعة» وعلف الدواب كثيرء وفيه مرسى قوية النفع» وإن 
هذا البندر أعظم بنادر الدرب نفعاًء وأسرعها لقضاء الحاجة» فلا تعلم 
نفس ما يوجد فيه من منافع الخاصة والعامة . 

[7"945] فلا حرج إلا في قلة الفلوس وضعف اليقين وعدم الصدق 
في التوجه مع الحق ومع الخلق, فالذي زلزلت أرضه بالبهتان والكذب 
والخيانة وعدم الحياء من الله ومن الناس قَلَّ أن تصحبه السلامة في دينه 
ودنياه»ء نعم هذا البندر فيه ابار كثيرة ومياه عظيمة مفترقة» وفيه نخل 
كثير وبساتين متعددة» وكذا زروع لا تحصى» وهو حصن قوي عامر 
بالعسكرء وبالبيوت الكثيرة» والديار المتعددة. 


010 لي درب الحج . 


نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار 





| 609 

[7917] حاصله قد سكن فيه من شاء بنية الإقامة» وإن الحاج يضع 

فيه أمتعته إلى الرجوع من الحج يتزودون به إلى مصرء وقد وضع 

أصحابنا ما فضل عنه من الزاد وما لا يحتاجون إليه من الأمتعة» وكل 

ذلك بأجرة» ثم أقمنا فيه ما كتب في أكمل حال وأتمه وما معنا إلا 

البركة ‏ والحمد لله على ذلك». وقد ظهر فضل الله علينا وعلى 
أصحابناء وتمت عندنا النعمة» فلله الحمد والمنة. 


نعم انفصلنا عنه في عافية فسرنا على شاطىء البحر إلى أن وصلنا 
إلى أبار السلطان. وهو محل عظيم» ينشرح فيه الصدر وتلتذ به 
الأعين» وتنبسط إليه النفس» فلا ترى أحداً إلا اطمئن قلبه به» غير أنه 
كثير السّرّاق من متلصصي الأعراب» فينبغي للإنسان أن يحتاط فيه 
بمزيد الحذر غاية جهده. 


ثم ظعنا منه سائرين إلى أن وصلنا بندر الوجه» وفيه حصن حصين 
في حرف واد كبير بين جبلين كبيرين» والناس نازلون أطرافه إذا كان 
ليس الوقت وقت سيول وإلا ارتفعوا عنه» وفيه آبارء والتي فوق البندر 
أحسن من التى تحتهء وفيه داخل البندر بثر ماؤها عذب طيب . 


ثم ارتحلنا من الوجه صبيحة ونزلنا الأكره بين المغرب والعشاء 
على حرف الأبار فسقى الناس إبلهم ودوابهم» ثم إن ماءه لا يكاد أحد 
يسيغه لحرافته ومرارته» إلا بعض الأبار فإنيى قد وجدت فيه ماء يكاد 
أن يكون عذباً من جهة المشرق» وهو بئر قريب من الغيضة في وسط . 
الوادي . 





6 
[191] وقد حكى لنا بعض الناس من الركب أنه وجد بئراً ماؤها 
عذب: طبم. بوألك. درت فى هذا الموضع» :وهذا الميرل. قن 
منازل الدرب» وأصعبها مرارة مائه وكثرة حره وسخونة ريحه» فيشتد 
ذلك على الحجاج حتى يهلك كثير منهم بالعطش» وإن ماءه خبيث». 
أخبث شيء في هذه المراحل» فترك مائه متعين لأنه مضرء فلله الحمد 
والمنة على سلامتنا منه . 


ثم ارتحلنا إلى أن وصلنا إلى الدركين قرب العصر وهو منزل 
الام المصري» .وها يعده-من اعمال اللحجاوة 3 تتغير يعد ,ذلك 
البلدان» ويتضح أمر الحجاز وتباين الجبال ما بعدها لما قبلهاء ويشتد 
فنبهها حال 7 مادقا 


الذي ترعاه الإبل كثيراً إلا أنه لا تترك للرعى؛ لأن المحل مخوف . 


[94"] ثم ظعنا منه إلى أن نزلنا الحوراء عند العصر وتفرق 
الناس في مياههاء وهي حفائر على ساحل البحرء وفيها ملوحة قوية. 
وقريب العهد بالحفر أجود من غيره»ء وهو مكثر للإسهال لا سيما مع 
الإكثار منه» وهو مفرط في علة البطن كماء الأكرهء وفيه الآن آبار قد 
حدثت. أحدنها بعض الناس وهي بعيدة عن ساحل البحرء وماؤها 
أطيب من القديمة وأجود. وعليها ينزل المصري في عصرنا هذاء وكذا 
سائر الأركاب» وقد علمنا عذوبة مائها إن لم يطل جداً وإلا خبث 
كالقديم. 


نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار 





ثم ظعنا منه آخر الليل فصلينا الصبح مع جماعة الفضلاء في 
الوادي المضيق . 

[44"!] ثم سرنا في تلك المضائق إلى الوادي المسمى الآن بوادي 
الناس بالسرقة . 

ثم سرنا كذلك إلى أن وصلنا إلى النبط بين الظهر والعصرء وفيه 
آبار أربع محكمة البناء بالحجر والصخر. وماؤها عذب حلو طيب 
غزير لا ينقطع مدده. 

وفي هلا المنزل تنش رح النمس » وتمرح فيه ؟ لطيب مائه وحلاوة 
مكانه» وطلاوة منظرهء وقربه من الأماكن الشريفة والمآثر الطيبة 
كالينبع ونحوه. 

ثم ارتحلنا منه أيضاً ليلا أي آخره -. 

]1٠*[‏ ثم سرنا كذلك إلى أن دخلنا وادي النارء وهذا الوادي قد 
وافق فيه الاسم المسمى؛ إذ لا يخلو من شدة تقع للحاج فيه من عطش 
ومووت ومرض » وهو واد كبير» ولا ماء هناك من النبط إلى الينبع» فإذا 
قبح الهواء مع الحرارة مات من الناس ألوف مؤلفة في أسرع مدة» فيأخذ 
الرجل الماء فلا يضعه من يده حتى يموت » وقد صار ذلك في رجوعنا . 

]5١1[‏ نعم اشتد بنا العطش أنا وجماعة من الفضلاء كثيراً قرب 
وصولنا إلى النبط. وإذا بأعرابى أتانا بقربة ماء عذب». وأظنه من ماء 
المطر بارد كأنه من ماء الثلج؛ وسقى جميعنا لوجه الله العظيم» ولو 





6 
طلب الدراهم لأخذ منا كثيراً؛ لقرب الموت والهلاك مناء فاستغربنا 
حال الرجل وما صدر منه إلينا من غير طلب شيء ولو دعوة خير؛ إذ 
عادة الأعراب لا يعطون شربة الماء إلا بفلوس كثيرة - لا ميا عند 
العطش - ونحن - والحمد لله قد وقع بنا فضل عظيم وجود كريم . 

ثم سرنا كذلك إلى أن وصلنا الخضيرة أوان العصرء وهذا المنزل 
لا ماء فيه أصلاً» وبتنا فيه على أحسن حال وأتمه» وارتحلنا منه آخر 
الليل» ثم كذلك إلى أن صلينا الصبح وقطعنا الأمكنة المسماة بسبع 
وعرات فخرجنا إلى متسع من الأرض . 


]2:٠5[‏ وبلغنا إلى ينبع النخل بين الظهر والعصر فى حر شديدء 
ووجدنا المصري ناذلا هناك فنزلنا حذاءه : الفلالى والجزائري 
والفزاني0©؛ فلما خيمنا البيوت تفرقت الناس على المياه وشراء علف 
الدواب وما يحتاجونه من الزاد؛ إذ سوقه عظيم ونخله كريم» واستبشر 
الناس بوصولهم إلى هذا المحل لأنه أول بلاد الحجاز بالعمارة» وفيها 
قرى كثيرة ومزارع ونخل وعيون جارية» وفيه أخبار المدينة ومكة 
وغيرهماء والحاج إذا وصل هناك كأنه وصل إلى مكة . 

وهذا المحل تزهي فيه النفوس . وهو روضة من رياض الله - 
تعالى - تصلح للمنقطعين وللغرباء والمساكين» وهي باب من أبواب 
الله - تعالى - يتيسر فيها الذهاب إلى المشرق والمغرب لأنها مرسى, 
وفيها أسواق كثيرة فلا تكاد تنعدم فيها الخيرات» وتقضى فيها جميع 


)١(‏ أي المغربي والجزائري والليبي. 





الحاجات» وفيها غالب الحبوب والثمرات» وكذا الخربز ‏ أعني 
الدلاع - وجميع الأقوات والمشتهات» فأقمنا فيها ما شاء الله . 

فنزل الركب المغربى ومعه أهلنا. 

فأقسمت بالله أني لا أبيت معهم. فسرت مع الركب المصري راكباً على 
بعد صلاة الصبح . 

وأخحذت فى القيلولة عندهمء أنا والحاج يوسف المذكور إلى أن 
صلينا الظهر وزال حر النهارء فذهبنا إلى أصحابنا وأهلنا فنزلنا ذلك 
اليوم وأقمنا الذي بعده» وزرنا فيه قبور الشهداء ضحى . 

]5٠[‏ وبدر هذه قرية عظيمة» حلوة طيبة» روضة من رياض 
البلدان» من راها يتمتع بنظرهاء ويشاهد فيها أنوار الجلال» ولوائح 
الجمال» كأنه يَكةْ مستقر فيها لم يغب» فصورته كَل وصور أصحابه 
هناك فهى تمرح فى تلك الرياضء وتتردد فى تلك الحياض» وإن 
هذه القرية قد توطنها الأشراف ونزلوا بها من قديم الزمان» وفيها أهل 
السنة» وكذا الزيدية. 

وفيها نخل كثير وبساتين» وماؤها طيب حلو عذب» وفيه أيضاً 
بركة تكفى الأمصار العظيمة فضلاً عن الأركاب» وهى مستمدة من 
عين هناك» وفي بدر توقد النيران الكثيرة» وهي أزيد من كل بندر 


المختار من الرحلات الحجازية 





م ظ 
ثم انفصلنا عن هذا المحل على خير وعافية ومنة وفضل عظيم بعد 
انفصال المصري عند الظهرء ومررنا بواد» ثم كذلك إلى وقت العصر. 
فصلينا العصر بعد خروج ذلك الوادي» فسرنا في أرض متسعة واسعة 
سهلة طيبة غير أن الهواء تقوى عليناء ثم كذلك إلى بعد العشاء فنزلنا 
والبعض خيم والبعض لا إلى أن طلع الفجر وتنفس الصبح ارتحلنا في 
فرح وسرور ونشاط كبير فرحا بقرب الوصول . 





ثم كذلك إلى أن وصلنا قاع البزوة» وهي محل نزول الركب عند 
الزوال» فوجدنا المصري إذاً راحلاً وقد أدركنا آخرهء فلم ينزل ركبنا 
هناك بل جاوزنا سائرين آخر المصري ذاهبين معه إلى وقت المغرب. 
فنزلنا وبتنا - والحمد لله في عافية وسرور بقربنا مكان الإحرام. 
والمصري سائر على حاله إلى قرب طلوع الفجرء فارتحلنا منه آخر 
الليل ثم كذلك مجدين السير إلى منزل يقال له مستورة وهي بلدة طيبة. 
ثم ارتحلنا منها أيضاً فجدّ بنا السير ليلاً» وسرنا في الليل إلى وقت 
الضحى فقربنا منزل رابغ» نعم دخلنا وادي رابغ من جهة المغرب عند 
قوة حر النهار قرب الزوال» فدخلنا رابغ ووجدنا المصري قد خيم فيه. 
ونزلنا فوقه قبل الزوال» وبعض الركب يستظل بالنخل والبعض بالبيوت 
إلى أن حان وقت الظهر فصلينا الظهر . 


[101] ثم أقمنا نستعد لأحوال الإحرامء وكثير من الركب لا 
يعرف أحكام الإحرام» فصار جميعنا ‏ معشرٌ الطلبة ‏ نعلمهم فرائض 


نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار 





19 


الإحرام وسننه وشرائطه وموانعه» والناس كلهم ذكور وإناث في غسل 
واغتسال» حتى قرب وقت العصر فآن إحرام الكل» فشمرنا عن ساعد 
الجده :وآزنهة عاك" الحياته. :وين كنات العماك» الوجينا اللفوسن 
لعلام الغيوب» وما مسنا في ذلك من لغوب"''» فالحج قصد للمولى» 
وارتباط وترق لمراتب العلى» بعد غسل القلب من الأدران» ويطلب 
عل المحرم غانة المفزافا» بوينها لوصول إلى عناابه:الاتدانة ».ميدع 
وطاعة لما فيه رضى الرحمنء» متوجها لبيت الله الحرام» بالشوق 
والعشق وقوة الغرام» فركب مركوب العز والتقوى» ونال من الله الفوز 
والقرب والغاية القصوى . 


[505] وبعد امتثال الناس أوامر الرحمن» انفصلنا في غاية المنة 
والفضل والشكر لله - تعالى ‏ لما وصلنا إلى ميقات الإحرام فلم يعقنا 
عائق»؛ ولا أرهقنا شيء مانع غير لائق» فانفصل الكل بالتلبية 
والإحرام؛ مع الخضوع والخشوع والدعاء لجميع الأنام» بالتقشف 
والتذلل للرب الكريم شعثاً غبراً منكسين الرؤوس» فراراً من غضب الله 
والمقت والباس والبوس٠‏ يطلب جميعنا رحمة المنان» والمغفرة 
والعفو من الرحمن» قد أصابنا شدة الحرء حتى انسلخ الجلد عن 
الرأس والظهرء فما ارعوى أحد بذلك» ولا رجع وانزجر بما هنالك» 
لعل الله أن ينظر إلينا بعين الرحمة» ويغمس جميعنا في بحر النعمة 
حاشاه من كريم أن لا يمن على وفده بجنة الرضوان بذهابه وعوده. 


المختار من الرحلات الحجازية 





6 


ووقت انفصالنا عنه بعد صلاة العصر بمدة بل قبل الأصفرار 
سائرين» فصلينا المغرب» ثم كذلك إلى أن صلينا العشاء كذلك ساعة 
طويلة نزلنا فبتنا خير مبيت» وأقمنا ليلا فارتحلنا في مدة من الليل 
ننتظر الصبح إلى أن صليناه» ثم كذلك . 

[507] وكان ذلك اليوم يوم حر شديد بحيث لا يقدر الإنسان أن 
يقف للشمس» حتى أصاب الحر كثيراً من الناس فحملهم ذلك على أن 
غطوا رؤسهم لأن الدين يسرء ولن يشادٌ أحد هذا الدين إلا غلبه» والله 
تعالى يقول: لبْرِيِدُ أنَّهُ بحكُمْ امسر ملا يبد يكم الشترَ 2704 إلا 
جماعة الأفاضل فلم يغط أحد رأسه وهو الفاضل سيدي أحمد الطيب» 
ومثله سيدي أحمد بن حمود»ء وسيدي محمد الشريف الطرابلسي». 
والفقيه سيدي أحمد عياض» وسيدي محمد بن خثوش - رحمه الله - 
وأصحاب الجميع كالأشراف مناء وكذا أهل وطنناء فلو غطينا رؤسنا 
ما بقى أحد إلا غطى رأسه. وأما أمير الركب فقد غطى رأسه. وكذلك 
جميع من كان معه من كبار الركب» وبالجملة فلما اشتد الحر علينا 
غطى جلٌ الناس رؤوسهم لقيام العذر بل كاد ما فعلناه من عدم التغطية 
أن يكون منهياً عنه . 


نعم ثم سرنا كذلك في تلك الرمال أول النهار غير أن فيها حرا 
عظيماً من طلوع الشمس إلى غروبها إلى أن نزلنا قديدء وهي قرية 
غالب أبنيتها حيشان وقهاوي وفواكه تباع» ولا ماء فيها إلا ما يسقى من 


.186 سورة البقرة: الآية‎ )١( 


نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار 





-© 


بعيد» نزلنا عند الظهر وما خرجنا من تلك الرمال القوية الواسعة التي 
تتيه فيها الأركاب بعض الأحيان إلا بمشقة عظيمة . 


[5017] وقد بتنا في قديد ثم ارتحلنا منه آخر الليل سائرين إلى 
طلوع الفجرء فصلينا الصبح في جماعة»؛ ثم ركبنا وسرنا كذلك إلى 
عقبة السكر فصعدناهاء وهي صعبة على الجمال والرجال لاسيما من 
صعدها في زمان الحر غير أن من علم قرب الوصول إلى مكة المشرفة 
هان عليه أمر ذلك وسهل عليه حالهاء وأشرفنا على الكدية التي بها 
البناء المعلوم وفيها أبنية كثيرة» نعم من وصل هناك شم رائحة الجوار 
واستراح من التعب؛ بل الإنسان يغيب عن حسه إذا وصل إلى ذلك 
الموضع فلا تجد أحداً إلا انبسط وجههء وانشرح صدره» وتمكن قلبه. 
واطمأن بالله صدره» وطابت بذلك نفسه» وبتجلي البيت انخشع قلبه. 
وتتزاحم الأركاب وتتلاحم حتى لا ينعطف بعضهم على بعض» رحم 
الله الجميع بمنه وكرمه. 

ولما هبطنا تلك العقبة سرنا في طريق ذات أحجار كثيرة وأوعار 
صعبة بينها وبين خليص ثلاثة أميال» فسرنا غير بعيد إلى أن دخلنا على 
خليص» وفيه عين جارية قوية ساقيتها مبنية محكمة البناء لا تجد أعظم 
منها بناءء وفيها بركة عظيمة عميقة يعطب فيها من لا يحسن السباح 
لعظمهاء ومنها تجري ساقية إلى أرض الحراثة» وفيها مزارع وبساتين 
وأكثرها الدّخن» وفيها قرية حلوة طيبة» وبين الظهر والعصر انفصلنا 
من خليص وارتحلنا منه إلى أن وصلنا عسفان» وماؤها عذب ‏ كماء 
خليص - وإن كان سخناً. 


المختار من الرحلات الحجازية 





وسرنا ليلا إلى مغيب القمر [ثم] نزلنا وبتنا متفرقين. 

فلما قرب طلوع الفجر ارتحلنا وسرنا إلى أن صلينا الصبح في 
من الجبل المشرف على وادي فاطمة . 

نزلنا بالوادي - وهو نهاية سير البوادي ‏ عند الزوال بل قبله 
بقليل» نعم الحر في ذلك النهار قوي عظيم كأن النار اضطرمت في 
الأرض واشتعلت فيها بحيث لا يستطيع أحد أن يصل إلى الماء وإلى 
السوق. 

وفي هذا الوادي مياه كثيرة » وعيول جارية . وبساتين مشهورة » 
ومزارع قوية» وفواكه مختلفة» نعم بقينا هناك إلى أن حان وقت العصر 
فصليناه جماعة . 

زم ]:٠١‏ لم تأهبنا للرحيل . فلما حان وقت العشاء ارتحلنا من 
الوادي بفرح وسرور بالوصول إلى بيت الله الحرام» وكل ما أصابنا من 
والمهابة» إلى طلوع الفجر وصلينا الصبح جماعة . 

ثم سرنا كذلك إلى أن وصلنا إلى التنعيم صبيحة قبل الشروق» 
هذا المكان باسم ما يقع فيه توسعاً ومجازاًء وهو أدنى الحل فيطلق 
عليه اسم العمرة؛ أن المحرم بالحج أو العمرة لا بد أن ا 


نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار 





الحل» وأدنى الحل هذا المكان. 
استحباباً داخل مكة» والحق أن ذا طوى هو القريب لمكة وليس بينه 
وبين مكة واد آخرء وهو الوادي الذي وراء قعيقعان. 

ثم سرنا إلى أن وصلنا ذا طوى وقت الضحى فقرت الناس على 
الاغتسال من غير نزول» فخيم بعض الناس الخيام للستر في الغسل » 
فخيمنا خيمة لنا فاغتسلنا نحن والأصحاب غسلاً من غير دلك حسبما 
هو غسل المحرمء فلما اغتسلنا ركعنا ركعتين للضحى - أعني الذي 
يلازمها -» فلما حصّل كلّ فضيلة ذي طوى قام الركب على ساق الجد 
والحزم لدخول مكة المشرفة. فركب من ركب ومشى من مسشّى »6 
فاستقبلنا جبل قعيقعان وصعدنا إلى الثنية قاصدين أم القرى - أعني 
مكة ‏ ودخلنا من يباب المعلى . 

وهي الثنية العليا التي دخل منها يَكهِ سيد الأولين والآخرين ‏ عليه 
أفضل الصلاة والسلام ‏ المسماة بكداء ‏ بفتح الكاف -. 

وقد بلغ الولاة في حفر هذه الثنية وتنقيتها من الأحجار حتى 
صارت كأحد الأزقة» ومع ذلك ففيها صعوبة» ومنها يشرف الإنسان 
على مقبرة مكة المسماة بالحجون. 

دخولنا مكة المشرفة زادها الله تشريفاً وتعظيماً وتكريماً 

فدخلنا مكة فى زحمة عظيمة كادت النفوس أن تزهق» غير أن 
سرورها بالوصول إليه خفف بعض الألم بل قد زال التعب والنصب. 


المختار من الرحلات الحجازية 





فهبطنا منحدرين إلى ان وصلنا قرب البيت فدخلنا المسجد من 
باب بنى شيبة» فأفاض الله علينا من جوده كرامة وهيبة» فظفرنا بالأمن 
والأمان والسلام من باب السلام . 


ثم اعلم أننا خيمنا بوادي أبى طالب» وذلك الوادي تحت أبى 
1 0)00 
فبيس 2 . 


[109] فلما دخلنا المسجد قصدنا المطاف لطواف القدوم» فبدأنا 
بتقبيل الحجر مع الزحمة العظيمة من الرجال والنساء فاكتفى الكثير منا 
بالتكبير» ومعي جماعة كثيرة تكاد أن لا تحصى أطوف بهم علمتهم 
كيفية الطواف» ولما رأى أهل مكة فعلي ذلك تغيرواء وقالوا: ألم تعلم 
أن أهل مكة لا ينتظرون إلا هذا الموسمء فقالوا: طف لنفسك واترك 
الناس» فقلت: أنا أطوف بهم وأعلمهم وأنتم خذوا الأجرة منهم . 

فذهبنا للسعي في حر عظيم وازدحام قوي» فبدأنا بالصفا إلى 
المروة» ثم كذلك إلى تمام السبعة» فلم نكمل السعي حتى اشتد علي 
الحال فظننت عدم التمام فكملته راجلاً بمنة الله؛ لأن محل السعي 
محل شوق عظيم وازدحام عميم . 

فلما قضينا الوطر من السعي نزلنا بذلك الوادي» ثم إننا اكترينا 
داراً مع أصحابنا معلومة طريقها ‏ والله أعلم ‏ من المروة» غير أن أهلي 
ما دخلوها إلا بعد الرجوع من عرفة». ونحن بتنا فى ذلك الوادي أي 


)١(‏ هذه جملة معترضة كان حقها أن تتأخر. 


نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار 





-© 


هارا أي الرجال -6 وأما أهلي النساء وكذا نساء من يُحجب من 
الركب ‏ أي المخدرات ‏ طفن طواف القدوم ليلا . 


فبعد ذلك اليوم عند صلاة العصر ارتحلنا إلى منى اليوم الثامن من 
ذي الحجة فانفصلنا عن مكة في ازدحام عظيم من كثرة الأركاب . 


فنزلنا بمنى قرب مسجد على أي استندنا لحائطه من جهة اليمين 
بينه وبين الجبل الذي فوقه. فصلينا فيه المغرب والعشاء» وإن بعض 
الأركاب من المصري والشامي والعراقي والمغربي لم يرحل إلى نصف 
الليل أو الثلث الأول» ثم ارتحلوا إلى عرفة فترك الكل الفضيلة وهو 
النزول هناك إلى شروق الشمس على ذلك الجبل . 


ثم إن الجميع ارتحل فارتحلناء فوصلنا ضحى مسجد نمرة الذي 
ينبغي الجمع بين الظهرين''' فيه بالقصر ولو لأهل مكة أي لغير أهله 
فنزلناه» ثم كذلك إلى قرب الزوال فاغتسلنا أيضاً للوقوف بين ذلك 
المسجد ومسجد عرفة فامتلاً المسجد ناساً وكذا مراحه. واشتد فيه 
الحر بحيث لا يقدر أحد أن يضع رجله على الأرض عند الضحى . 


]5٠١[‏ وورد على رجل ضرير فقيه عظيم يحفظ أكثر الشراح. 
وهو مالكي من جزيرة العرب - أعني البحرين ‏ فلما سألته عن أكثر 
أهلها فقال: مالكيون» نعم مسائل الفقه كلها أو جلها على طرف لسانه 


المختار من الرحلات الحجازية 





> م 


بحل ره اا ع عقي على السين أن اتير 
والكمال» ووعدني بالملاقاة بالمسجد الحرام تأنياً. 


]4١11١[‏ فلما حان وقت الظهر صلينا في زحمة عظيمة يكاد 
الإنسان أن يموت من شدة الحرء وإن العرق علينا يسيل فلا تجد أحداً 
إلا كاد أن تزهق روحه» فصلينا خلف واحد من الأثئمة» ونوينا القصر 
وصلى هو بالإتمام؛ ولما فرغ أعاد جميع أهل بلدناء وهو أننا نوينا 
القصر ونوى هو الإتمام فلما اختلفنا في النية بطلت صلاتناء ثم 
أعدناها جماعة جمعاً وقصراء ثم حثثنا مطايانا للوقوف بعرفة . 


لما صلينا الظهر والعصر في المسجد المشهور ‏ وهو مسجد نمرة - 
توجهنا إلى محل الوقوف والمشاهدة» ومكان التضرع والمساعدة» زاد 
الاشتياق إلى الجيل» فأصاب الناسَ شدة الحر والوهج» حتى كاد أن 
يذيب الأكباد والمهج . 


[517] فدخلنا محل الوقوف بالذل والمهابة» والروع والخوف 
والإنابة» والدعاء والتضرع والاضطرار لتقع الإجابة» فوقفنا راكبين؛ 
لسنة نبينا كَل وسنة الخلفاء والتابعين» غير أن الركوب على الإبل 
أفضل اقتفاء به كك وأجمل» وأنا وقفت على بغلتي وكذا أخي في الله 
سيدي أحمد الطيب» ومثله سويداء القلب سيدي أحمد بن حمود. 
وإنسان عين قلبي سيدي محمد الشريف الطرابلسي» وقد وقفنا عند 
الأحجار قرب الجبل» وأما تحت الجبل ففيه الزحمة الكثيرة التي تمنع 
الإنسان الدعاءء فألزمنا الدعاء لأنفسنا سراً وجهراً وعموماً وخصوصاً 


نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار 





مجتهدين غير مقصرين لعل الله يقضى حوائجنا الظاهرة والباطنة. وأن 
يجعل هممنا عالية ونفوسئا كاملة. وأن يطهرها من التعلق بسواه. 
لتكون مطمئنة به وصاحيها معتصماً بمولاه. فألزم الكل التضرع 
والابتهال» فعم الله الجميع بالعفو والمغفرة والمنة والإفضال. 


وتحقق الأخذ من الليل» والإمام قد نفر قبلنا غير أنه لا يخرج من عرفة 
إلا بعد تحقق الليل. 


فنفرنا راكبين وماشين بين المغرب والعشاء مفترقين لا يعرف أحد 
صاحبه إلى أن وصلنا بعد العشاء مزدلفة» فحط الجميع رحالهم؛ إذ 
السنة هو ذاك» فجمع الله بين المعارف والأقارب» وصلينا المغرب 
والعشاء؛ إذ السنة التأخير فبتنا هنالك في نعمة شاملة» وزحمة كاملة» 
وراققة مظليية و اتسينا انلعل دلق وفكرناء على ماتعتالك» قله 
الكمال والتمام . ْ ظ 


[] فلما أصبح الله بخير الصباح ظعنا مُغَلّسِينَ كما هو الأثر 
والسنةء وصلينا الصبح» والتقطنا الجمار من الحصىء» ثم كذلك إلى 
قرب الإسفار وصلنا المشعر الحرام على أكمل حال وأتمه فوقفنا به 
وقفة عبد خاضع » وذليل خاشع. انصدع القلب بالشوق إليه . 

]5١:[‏ فلما وقفنا وجدنا أمير مصر واقفاً هناك داعياً مستقبلاً 
المحل المذكورء وهو من طرف المزدلفة من جهة منى» فسألنا الله - 
تعالى - في الوقوف به سؤال مضطر ذليل خاضع» وكل من رأنا من 


المختار من الرحللات الحجازية 





م 


الركب وقف معنا وسألنا عن ذلك الموضع» فأخبرناهم به وأنه يستحب 
3 عنده» وأنه من شعائر الحج : 9 ذَلِكَ ومن يسيم سكير أ َِنّهَامِن 
قوف الْقَلُوبٍ 2300# ووقفنا عنده وقوف قربة وطاعة إلى طلوع الشمس 
ا فسألنا الله - تعالى - قبول حجنا وإخلاص سعيناء وربح 
تجارتناء والتأدب بآداب الأشياخ» ومواساة الإخوان وموادتهم على 
لسان الشريعة» والنصيحة للأمة المحمدية بأن يجعل الكبير أب 
والصغير أبنأء والمساوي أخآء وتعليم الجاهل بالرحمة والشفقة. 
وأخذ العلم بالتواضع 


ولما وصل وقت الإسفار سرنا منه إلى أن وصلنا إلى بطن مَحَسّر 
وكثير من الناس لا يعرفه. وقد شغِفت بالسؤال عنه فلم أجد من يعرفه 
بالعيان» نعم لما توجهنا إلى الطلوع إلى منى رأينا الناس يسرعون فيه 
بالمشي قلدناهم في ذلك فأسرعنا فيه فذلك هوء والله أعلم . 

ثم كذلك إلى أن وصلنا جمرة العقبة فرميناها . 

فرجعنا فمن عنده هدي ذبحهء ثم حلقنا كما هو السنة» ثم ذهبنا 
إلى مكة لطواف الإفاضة وهو ركنء فطفنا ذلك الوقت فوجدنا باب 
الكعبة مغلقاً لأنه يُفتح ذلك اليوم غير أنه عند الزوال» فمن أسرع أدركه 
ومن لا فلاء ونحن أشغلنا أمر الأهل فمنعنا من المشي ذلك الوقت غير 
أن الأركان قد تمت». وإن فاتني الدخول ذلك الوقت فقد دخلناها مرة 
أخرى - والحمد لله إذ دخلت في الليل . 


)١(‏ سورة الحج: آية ؟77. 


نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار 





-- 0 


ولما فرغنا من الطواف استرحنا ساعة في أخريات المسجدء بل 
صلينا المغرب فيه . 

وكان نزولنا في منى بسفح الجبل وراء المسجد الكبير. 

وإنما نزلنا هناك لقرب المسجد والاستخلاء والتستر وإمكان 
المشي إلى الجمرات لقلة الخلق فيه . 

]5:1١١[‏ ولقد جمع الله فيه من أصناف الخلائق ما لا يعد ولا 
يحصى» وكذا ما ذبح في منى من الهداياء وهي ضيافة عظيمة لا يقدر 
على القيام بها إلا خالق هؤلاء الخلق؛ لقد كثر اللحم وانتشر حتى 
استغني الخاص والعام فضلاً عن الفقراءء ومنى ‏ زمان الحاج - أية 
عظيمة تدل على وحدانية الله وعظيم كبريائه. وكذا مكة إنها تسع الحاج 
بلغل ما بلغ فالسعيد يحصل له اليقين التام والمعرفة الكاملة من اعتبار 
تلك الجموع ومن كفايتها ماءً وطعاماً وحطباً وعلفاً وسعة وفواكه. 
فكيف يتوهم عاقل ثبوت الكمال لغيره - تعالى - وأنّى يصح لمتكبر أن 
يقول: أناء أو لذي جاه أن يقول: قدرتء أو لغني يقول: ملكتء أو 
ذي سلطان يقول: عندي عساكرء فلم يبق إلا التوكل على الله 
والاعتماد عليه» فإن العاقل تضمح لنفسه عند رؤية ذلك هيبة وإجلالاً 
وعظمة» وحيتئذ يرى سطوة الباري - عزوجل - فينطق المعتبر قهراً 
وغلبة بقوله سبحانه الملك الخلاق: #األا له للق والكئم 2304 لله 
الملك وله الحمد. 


.084 سورة الأعراف: أية‎ )1١( 





نسأله سبحانه أن يعمنا بفضله » ويتحفنا برضوانه» ويعاملنا بإحسانه . 
وقد انقضى عنا يوم العيدء وبتنا تلك الليلة فى منى في نعمة 
شاملة» وبركة عظيمة . 
وقد أزال الله عنك العنا 
وكبيبدق متسك: تتجساء: النيحا 
[417] ثم عمرت الأسواق. وأخرحت البضائع ذوات الأثمان 
وصنوف التجارات» وتزاحم الناس على الشراء رجاءَ بركة ذلك المكان 
في ذلك الزمان» وأكثر التجار يقولون: من اشترى شيئاً فى منى وجعله 
في تجارته وجد بركته وظهر له ثمرته» ولا يبعد ذلك فإنه موسم شريف 
ومحل بركة وتشريف» يأتيه الناس من كل فج عميق # لَسَهِدُوا ملف 
هم يوأ أشم لله يه يار تَسُْومدتٍ عل ما وَنكَّهُم ين بَهِيمَة 
ليم نم20 
ولما زالت الكتمس توضانا ها لرمى الجمار الغلاف يلة بهلة 
ولا توان مبتدثين بالجمرة الأولى الح تلى مسجد الخيف. ووققمنا 
عندهما وقوفاً ظاهراً بيناً سائلين الله - تعالى ‏ حوائج الدنيا والآخرة 
مبتهلين متضرعين لله عزوجل . 


)١(‏ سورة الحج: آية 8؟. 


نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار 








سد 
لم مإلنا الله الرحمة والعافية والتوفيق ولنا وللأحبة ولجميع 
المسلمين عامهم وخاصهم لا سيما القريب لنا في الله وفي الدم . 

[111] وفي اليوم الثالث أخذ الناس ة في الرجل والتجهر الانتال 
إلى مكةء لقوله تعالى : ككل وين كناانه ا 
إِنْم عََيْهِلِمَنِ أنه 2374. والناس في زماننا قد تركوا ذلك”© إلا من 
من الناس لكثرة الإذاية والخوف من اللصوص: سا0 
والتعدي من الأشراف وغيرهم من أصحابهم» فلا يكادون يرجعون عن 
التعدي. بل على أقل شيء يقتلون عليه العبد» ولقد قتلوا صاحب 
. أخينا في الله سيدي محمد بن قسوم الريفي على شربة الماء. 

[414] حاصله أني دخلت على سلطان مكة المشرفة في داره في 
منى في بعض الإبل ذهبت للحجاج أغار عليها العرب» فاستأذنا في 
الدخول عليه أنا وجماعة من الفضلاءء فأذن لي منفرداً في الدخول 
وحدي.2 ومن معي بقى عند باب الدار ينتظرون ما أرجع بهء» فلما 
دخلت عليه وجدته جالساً على فرش مرتفعة مواجهاً باب طاق ينظر 
الأركاب ويعتبر ومعه أشخاص قليلة» فلما قربت منه تحرك عن موضعه 
فقبل كتفي وقبلت كتفيه. ثم قال: ما تريد؟ قلت: الجمال؟؛ لأن 
العرب أغاروا عليها عند البئر الفلانية» وقلت له: ألم تعلم أن النبي 
ل يقول: «كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيقهه”"؟ ١‏ 





)0( سورة إلبقرة آية 7١7“‏ . 
فر ا ا البخار ي في صحيحه في أماكن متعددة منها كتاب التكاح: ياب 


او 





رم 


نعم لما سمعني قلت: «كلكم راع» كمل: «وكلكم...) 
الحديث» وقد فرح بي وسر سروراً عظيماً لما علم أني صاحب علم. 
وانبسط وجهه اننساطاً كاملة فتحرك وحذاء وقال: دعم ) فإن دخلنا 
مكة تأتكم الإبل التي ضاعت لكم. واعتذر لي بأن قال: ما ضيع 
الأحكام إلا الأشراف؛ فإن أمرهم قد قوي علي وعلى غيري أو كلاماً 
هذا معناه» والله أعلم. وقد سألنى عن وطنى ونسبى فأجبته بما حاصله 
أني من عمالة الجزائر وإنى شريف. فلما أردت الانفصال سألني الدعاء 
له ولذريته وقام وودعني توديع الحبيب لحبيبه . 


]]١1[‏ وهذا السلطان اسمه مساعد”'؟» وأما الحجة الأولى فقد 
كانت في ولاية أخيه السلطان مسعود”"؟» وهذا كله يرشد إلى أن الزمان 
قد زاد في الظلم والتعدي» نعم الحج قد كاد أن يكون ساقطأً من الظلم 
من الولاة وأصحابهم والعرب . 

وقد دخلنا مكة وسكنا دارا بالكراء أنا وأهلي». وأما أصحابنا 
الفضلاء كل قد اكترى كل واحد داراً لنفسه مع أصحابه»ء وإنما يكون 
اجتماعنا في المسجد الحرام» وقد لزمته أيامي هناك فلا أخرج إلا لأمر 


قول الله تعالى : « يكأيه لذبن ءامئُوأ فوأ نفس وأَبِك ناا . 

)١(‏ هو مساعد بن سعيد بن زيد الحسني» ولي مكة بعد وفاة أخيه مسعود سنة 
8 تعرفى. الأخناف كنز فلحي بالحكية وبالشدة حتى توفي وهو أمير 
سنة ١١85‏ رحمه الله تعالى. انظر «الأعلام»: .7١7/1‏ 

(؟) هو مسعود بن سعيد بن زيدء من كبار أمراء مكةء انتزع الإمارة من ابن أخيه 
مرتين » وكان يقظأً داهية, وقد سكنت الفتن فى أيامه. توفى سنة 2١١51060‏ رحمه 
الله تعالى. انظر «الأعلام»: .75١8/1‏ ا ٠‏ 


نزهة الأنظار فى فضل علم التاريخ والأخبار 





-_ 9 


. مهم لآ بد من الخروج إليه . 
ذكر خروجنا من مكة المشرفة 

بعد قضاء المناسك كلها والإتيان بالعمرة على تفصيلهاء والإحرام 
بها من مكان الإحرامء فقد تم ذلك على الوجه الأكمل تقبل الله منا جميع 
ذلك وإننا مكثنا فى مكة ما مكثنا ‏ أعنى المدة المعلومة ‏ كما قيل : 
أقمنا بها يوماً ويوماً وثالثاً ‏ ويوماً له يوم الترحل خامس 

إذ مدة إقامتنا في مكة نحن مشتغلون بالطواف والذكر والنظر في 
الكعبة على أكمل حال وأتمة»ء ليلاً ونهاراً» والحمد لله - تعالى - على 
ذلك . 
البيبت عند ذلك الوقت. وأما أنا فقد ودعته ذلك الوقت ظناً مني 
الانفصال ثم ظهر لي بعض الشؤون لا سيما المحب في الله والأخ من 
أجله سيدي محمد الشريف الطرابلسى» فانتظرته إلى أن صلينا المغرب 
أو بعدها بقرب» وخرجنا من أسفل مكة من الموضع المسمى بكدي . 

ونزل الركب هناك في منزله المعلوم ينتظر كمال الرفقة. 

]:7١[‏ نزلنا في محل الركب مع نزول المصريء. أي المغربي 


المختار من الرحلات الحجازية 





- مم 
باي مملوك عمر باي ‏ وهو رجل صالح محسن عاقل ومع ذلك إنه أراد 
أن يتخلف المغربي وراء المصري قهراً؛ إذ العادة السابقية أن الركب 
المغربي يتخلف في الطلعة» وفي الرجعة يسبق». على أن المصري لما 
تقوى وكثر فيه الظلم من الجند وضعف الركب المغربي جعلوه وراءهم 
ذهاباً وإياباًء فتشعب أمر المغربي» فاجتمع رأي جميعهم على السبق 
أعني الفلالي والجزائري والطرابلسي لا سيما أن سلطان فزان هو الذي 
قدم بنفسه.ء وقد اشتهر بالعدالة. فاتفق أمرهم على التقدم بل تعاهد 
الجميع على ذلك» غير أن اللزاتي“تأخر في مكة وكذا الفلالي» فلم 
يسبق إلا ركبنا الجزائري غير أنه قوي قوة عظيمة لو اتفقت كلمته إلا أنه 
وقع فيه النزاع؛ لأن الشيخ سيدي محمد المسعود سهل الحكم لبن 
العريكة يترك الناس على هواهم» فلما حان وقت الظهر وإذا بالناس 
ارتحلوا خوفاً من سبق المصري؛ لأن أميره يبعث إلينا ويقول بالذهاب 
جميعاً إلى منزل الينبع» أما أنا وأمثالي فقد رضينا بذلك» وأما باقي 
الركب فلم يرضً إلا بالسبق ولو أدى ذلك إلى الفتنة العظيمة بين 
المسلمين”'؟ فارتحلوا وما بقي إلا العبد الضعيف لأن من اكتريب منه 
قد هرب بالجمال فلم يترك إلا أربعة منها ومع ذلك إنها ضعيفة» فلم 
يبق في المنزل إلا خيمتي وعزمت على المشي في المصري . 

]5751١[‏ ثم إن الله تفضل علينا إذ جاءنا واحد من الجمالين اللذين 
هربوا فمسكناه وربطناه» وإذا بواحد من أصحابه قد استغاث به 





)١(‏ وهذا من سخافة العقل وضحالة التفكيرء الذي كان سائداً عند العوام في تلك 
القرون. 


نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار 





-© 


ليسرحه» فلما ذكرنا له الحجة قال: سبحان الله أكرى لكم وأكرى لناء 
ثم إن واحداً من أصحاب عسكر المغربى من الجزائري أتى ليسرحه منا 
قهراً؛ لكونه جعل له رشوة كما هي عادة ظلم العسكر بأخذ الحلاوة 
ويفعل ما بدا له من غير نظر إلى الشرع» فلما عرفني وعلم بحالي رجع 
وذلك الشخص» فأصابني عطش عظيم قد بلغ بي حد الموت» فلما 
رآني بعض من المصري علم بحالي فسقاني ‏ سقاه الله من حوضه يك 
فأحياني ‏ ثم أدخلنى لخيمته حتى زال عنى ذلك فرجع إلى ذلك 
الجزائري أسعده الله ديئاً ودنياء فذهب بى إلى خيمة عسكر المصري» 
وهو رجل مسوسي"!! 
تقدم ركب المغربي» فقالوا له: لا تبقى إلا خيمة الشيخ فقال: لا بأس 


ايا 


قد فرح بي فرحاً شديداً وأمر بالبحث عن 


ثم إنهم أتوا إلي بجملين في محل جمالي قالوا: وأما هو فلم نجد 
له خبراً - وذلك عند وقت العصر - فذهبنا إلى الخيمة فرفعنا الأهل 
والدَبّش على تلك الجمال وذهبنا منفردين» ثم لحقنا الركب الفزاني» 
ثم ذهبنا كذلك إلى أن صلينا بعد مرورنا بالتنعيم» ولم نزل كذلك في 
أثر الركب الفزاني حتى مضى وقت العشاء بمدة فوجدناه نازلاً فنزلنا 


)ع2 كذلك وردنسه. 





رمم 


معهء ثم صبيحة تلك الليلة ظعنا معه إلى أن بلغنا وقت الضحى الوادي 
الشريف», المسمى الآن في ألسنة العوام بوادي فاطمة» فنزلنا فيه 
بخيامنا بعد أن أردنا اللحوق بركبنا الجزائري منفردين» فلما سمع 
السلطان الفزاني بعث إلينا فكلمنا فقال: بعد زوال الحر عند وقت 
الظهر نرتحل ونسير ليلاً إلى أن نلحق بالركب في عسفانء» ثم لم 
يخلف الوعد كذلك فظعنا عند الظهرء ولمن نزل كذلك إلى قرب 
الصبح وإذا بزوجته ‏ أي السلطان المذكور ‏ توفيت فنزلوا في الغيضة 
المعلومة بين عسفان والجبل» فلما دفنوها ارتحلنا عند الضحى . 

ثم سرنا كذلك إلى أن اشتد الحر فوصلنا عسفان» فأردنا الذهاب 
إلى الركب في خليص فتشاورنا مع السيد الشريف الطرابلسي فقال : 
إلى الفراغ من الغذاءء فلما فرغنا من شغله ارتحلنا مع خيمتين للشريف 
المذكور مع أصحابه متقلدين بالحديد نحو الاثنتى عشرة بندقة» فذهبنا 
إلى أن طلعنا الثنية التي بعد عسفان» فشربنا وتوضأنا وصلينا الظهر. 

13 ولم نزل كذلك ذاهبين في الطريق المعلومة» فعند العصر 
رأينا جموعاً من العرب أصابنا منها خوف شديد؛ لأنهم لا يغادرون 
أحداً إلا قتلوه وأخذوا ماله» وذلك معلوم ضرورة» فاستعددنا لهم مع 
الخوف الشديد غير أن أصحابنا من طرابلس فيهم قوة وشجاعة إذ 
حلفوا بالله ‏ تعالى - أنكم لا ترون شيئاً إلا بعد موت جميعناء ولم نزل 
كذلك سائرين وهم بمرأى منا ومسمع» فبّعيد ساعة زمانية إلا ورجل 
انفصل منهم جاءنا نذيراً ومحذراً منهمء فقال: أجمعوا أمركم ولا 
تهملوا حالكم» وأظهروا شوكتكم فإن العرب قد استعدوا لكم وأرادوا 





رحلة ماء الموائد 





-©© 


الكثيرة مع سرور ولهو وطرب». وأقاموا به يوماً أو يومين ١‏ وقد سال 
مرة سيلا عظيماً منع الرفاق الواردين من مكة للرجبية عن الوصول إليها 
إلا بعد ملة. 





ومنها وادي بُطحان. وهو الوادي المتوسط بيوت المدينة» ودور 
الأنصار غالبها على حافتيه شرقاً وغربًء وهو يمر من شرقي قباءء ثم 
يمر كذلك إلى أن يمر غربي سور المدينة إلى طريق المصلى حتى 
يخرج إلى غربي سلع وقرب مساجد الفتح» ثم يمر كذلك إلى أن 
يلتقي مع العقيق بالغابة حيث مجتمع الأسيال. فقد روى البزار عن 
عائشة مرفوعاً: «بطحان على ترعة من ترع الجنة20» وقد سال مراراً 
ونحن بالمدينة» فخرج الناس للتفرج فيهء وعلى حافتيه منازل كثيرة 
لأهل المدينة قد جعلت لها شبابيك ومجالس إلى ناحية الوادي» وعليه 
قنطرة كبيرة قرب المصلى؛ وقل ما يخلو أعلاه من ماء يسيل بهء يقوى 
إذا كثرت الأمطارء ويقل إذا قلت . 


ذكر مواضع نزولنا بالمدينة, وإقامتنا بهاء 
وتنقلات الأحوال بنا إلى خروجنا منها إلى مكة 
كانت مدة إقامتنا بالمدينة المشرفة سبعة أشهر ونصف». لأنا 
دخلناها ‏ كما تقدم ‏ في الليلة الثانية من محرم. وكان خروجنا منها 


)١(‏ قال المحقق: أخرجه السيوطي في صحيح الجامع الصغير» قال المحقق (ناصر 
الدين الألباني) : حديث حسن . 








- 1 
بجوار مشهد السيد إسماعيل» وكان أفسح الأمكنة وأوسعها وأبعدها 
عن زحام الناس به أخلية الوضوء وبئران» وكان قيم المشهد أحد 
أصحابنا المغاربة المجاورين» وهو الذي أنزلنا به» وكان يتولى 
إصباحه وكنسه وإغلاق أبوابه» ويقبض ما يؤتى به من الصدقة إليه؛ 
ولاه ذلك مفتي المالكية بالمدينة صاحبنا الخطيب أحمد وأخوه 
الخطيب عبدالرحمن؛ لأن ولاية المشهد لهماء فإذا اجتمع من 
الصدقات ماله بال دفع لهما حصة منه وانتفع بالباقي كما هو شأن سائر 
المشاهد بالمدينة» بل وبغيرها صارت أماكن جباية يُوَلَى عليها من قبل 
القاضي . 

وكنا مدة نزولنا به في أرغد عيش وألذه لا يزاحمنا فيه غيرنا لولا 
بعده من المسجدء فكنا إذا خرجنا لصلاة الظهر في أيام الحر تكاد 
الرمضاء تحرقناء إنما نتقى ببقايا الضلال ومبادىء الفيء تحت 
الجدران» ومع ذلك يلفحنا الحر لفحاًء فلا نصل إلى المسجد إلا بعد 
مشقة . ولكنا نحتسب في ذلك خطانا ونغتفر ذلك لما أغبطتنا به من 
السّعة وجوار أهل البقيع» فنمر كل يوم مراراً على باب البقيع ونسلم 
على أهله وندعوء ومن طلع منا على سطح المشهد أشرف على البقيع 
كله وما والاه من الأجنة وحدائق النخيل» ويكون جبل أحد الذي هو 
من جبال الجنة قبالة وجهه . 

[787] وما كان ينغص علينا فيه إلا كثرة ترداد النخاولة إلى ذلك 
المحل» وهم الروافض الساكنون خارج المدينة في العوالي وغيرها من 
الجهات» فإن جل من يسكن هناك ويتولى العمل في البساتين والفلاحة 


رحلة ماء الموائد 





1 


فيها روافض» ويسميهم أهل المدينة النتخاولة0 2 ولا أدري ما معرى 
هذا الإسم. 





ولهم عادة في كل يوم خميس غالبا يأتون إلى المشهد من أول 
النهارء ويطبخون هناك طعاماً كثيراًء ويجتمعون رجالاً ونساءً 
بأولادهم. وفي الغالب يأتون لختان أولادهم. فإن من له ولد يريد 
ختانه لا يختتنونه إلا في ذلك اليوم في ذلك المكان . 


وربما جاءوا لغير ختان بل لمجرد الزيارة وإطعام الطعام. ولا 


وغالب ما يطبخون هناك الأرز أو الهريسة باللحم» وصفة طبخ 
الهريسة أن يجعل اللحم في المطبخ» ويجعل معه القمح» ويطبخ حتى 
روات الجر جار الما روالة ب اع الل هه الفوخ 
حتى يطيب القمح ويزلع"""» فيأخذون عصياً شبه المغارف عراض 
الرؤوس» فيلوّكون ذلك به حتى يختلط اللحم مع القمح ويصير مثل 
العجين. فيأخذونه في الأواني. ويصبون عليه السمن» وهي ‏ عند أهل 
الحجاز ‏ من أشهى الأطعمة» وهي قوية إذا شبع منها الإنسان قد لا 
يشتهي الطعام يوماً وليلة. 


)١(‏ قال المحقق: طائفة من فقراء المدينة يعملون في النخل» وهم شيعة» ولعل 
تسميتهم بالنخاولة مشتقة من اشتغالهم بالنخل . 
قلت: إن كان ذلك كذلك فهو على خلاف قياس النسبة. 

(؟) قال المحقق: يتفتت. 





61 - 


[*18] ذكر ما أقرأته بالمدينة المشرفة أيام إقامتنا بها 





ولما كان أول شهر من صفر ألجأني أصحابنا المالكية بالمدينة 
المنورة أن أقرأ لهم مختصر الشيخ خليل في فقه مالك» فتعللت لهم 
بقلة الممارسة له» وشغل البال» وعدم ما يستعين به الإنسان من 
الشروح والحواشيء» فلم يُجْدٍ تعللي لديهم» بل زادهم إغراء» فابتدأنا 
قراءته في مؤخر المسجد بالجانب الغربي منه. وكانت قراءتنا من بعد 
صلاة العصر إلى قرب المغرب» فقرأنا لهم قراءة لا بأس بها زعموا 
أنهم لم يروا مثلها منذ أزمان» ولا بدع في ذلك» فإن البلد شاغر من 
محققي العلوم» سيما فقه المالكية» فلم نر هناك من يحقق أدنى 
مسائلهء وقرأنا فيه إلى فصل الأذان في أزيد من شهرء فجاء الله تبارك 
وتعالى بما نرجوا به المغفرة ورفع الدرجات من المرض» فطال بي 
المرض ومنعني من الوصول إلى المسجد في غالب الأوقات» بل ال 
بي إلى أن عجزت عن الخروج للجمعة فضلاً عن غيرها من الصلوات . 


وقام بشؤوننا أصحابنا المغاربة في ما نحتاج إليه من أدوية وشراء 
الأطعمةء» فجزاهم الله عنا أفضل المجازاة» خصوصاً صاحبنا الشيخ 
عبدالمؤمن التَّنْجْرِي فقد قام معنا أتم القيام ولا نسب بيننا وبينه ولا 
سبب إلا ما جبله الله عليه من محاسن الأخلاق وكرم الأعراق» وإلا 
فأي مناسبة بين أقصى المغرب وأقصى السودان؟ فكافأه الله عنا أحسن 


وم 


المكافات . 


وما فدرت على شهود الصلوات كلها فى المسجد إلا في أواخر 





9 -_- 
أعني أصحاب الإبل هربواء فقلت: والله لا أقبل درهماً من أحد إذ لا 
أحمل المنة» وغاية أمري أقبل السلف لأني مليء في بلدي» وعند 
ذلك ذهب سيدي عبدالله بن رحاب وسيدي أحمد بن حمود وكاتب 
الحاج ابن قانة شيخ العرب الذي هو محبنا سي عيسى فاشتروا لي ثلاثة 
جمال لحمل الأهل . 

وعند ذلك ظعن الركب المصري والمغربي فتأخرنا عنهم لشراء 
حوائج الإبل وعلفهم؛ لأن ابني محمداً ذهب لذلك مع ابن عمنا سيدي 
عيسى الشريف فلم يبق إلا خيمتنا فرفعناها وركب الأهل لأنهم ودعوا 
النبي كَلةٍ ليلا فلما انفصلوا في آخر الركب خفنا عليهم غير أن الله 
حفظهمء وأنا وبعض الأصحاب منتظرون ولدي» وحين وصوله إلينا 
ذهبت لأودعه يَِيةِ مع من كان معي من الحجاج . 

[75:] وعظم علي أمر التوديع حتى علا صوتي وارتفع» وكاد 
أمري إلى العويل بل أنوح عليه نياح الثكلى العديمة لولدهاء وكيف لا 
وهو أن فراقه أعظم المصائبء. ولم أنفصل عنه إلا بصبر عظيم وهول 
جسيم وحزن شديد فلم أملك نفسي عند ذلك فعظمت المصيبة وعز 
الصبرء غير أني تسليت بانتقاله من دار الدنيا وفراق أصحابه . 

ثم خرجنا منه على أصلح حال ومنة عظيمة ‏ مع ما كان في القلب 
من مرض البين"'' وحرقة واضطرام الفؤاد بسببه - مسرعين في أزقة 
المديئة إلى أن خرجنا من الباب الذي يخرج منه الحجاج» وإذا بالناس 


)١(‏ أي الفراق. 





منها يقولون إن العرب يضرونكم ويؤذونكم لا سيما إني تخلفت منتظراً 
لحمل الفول''؟ على الجمل» فركب ولدي وكذا سيدي عيسى 
الع د كوو 


[177] ثم لحقت بالأخ في الله سيدي محمد المحفوظي يريد 
المجاورة والإقامة بهاء فألححت عليه بالذهاب فامتنع» فزجرته وقلت 
له: تترك زوجتك خالية عن الزوج؟ فأجابني بأني بعثت لها ما تنفقه 
حتى أرجع وإن اختارت التزويج فلها ذلك وكذا البقاء» ثم قهرته على 
المشي معنا فقال: أعاهدك أني أقدم بعدكم من الينبغ إلى الصعيد وإلى 
مصرء فلم أقبل منه بل ذهب معي إلى أبيار علي» ثم فر من هناك إلى 
الان. 


والحالة خرجنا منها مع الخوف والحرامية يتبعون وراءنا إلى أن 
وصلنا إلى الركب . 

ثم بتنا تلك الليلة» وافترقنا عند المغرب لإتيان ما تتعشى به 
الإبلء فصلينا المغرب فى تلك البساتين غلى العشاء فرجعنا إلى 
الأخبية وبتنا خير مبيت إلى طلوع الفجر. 

فسرنا مع العافية والسلامة من كل مكروهء والحالة أني راكب 


على بغلتي مع من ركب على البغال من أصحابنا في شوق ووجد 
وخرق ونحن كذلك إلى أن وصلنا ‏ والله أعلم قبور الشهداء بين الظهر 


)١(‏ الفول كان طعام الإبل. 


'نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار 





9 ع 


والعصرء والركب المصري نازل هناك» إذ سبق من المدينة ونحن 
ركب الجزائر وراءه وإن كان عادة المغربي السبق بي الإياب وإنما 
سبقناه عند الينبع» ثم خلقنا تلك المنزلة وسبقنا وتركنا الركب المصري 
هناك إلى أن تجاوزنا العشاء الأخيرة فنزلنا في الوادي» ثم إن الركب 
المصري سبقنا في الليل وأصبح في الصفراءء وقد بتنا هناك في عافية» 
ثم بكر قبل طلوع الفجر ووصلنا الصفراء عند الزوال» ونزلنا وراء 
المصري لتعذر المرور في وسطه من شدة الضيق» فبتنا هناك خير 
مبيت» واستقينا من العين الكبيرة ورجعنا إلى خيامنا. 


ثم أقام الركب المصري فيها إلى قرب الظهرء ثم ارتحل المصري 
ارتلا بعذه بعل الظهر . 


[1777] ثم إن الشيال الذي اكترينا عليه من مكة الذي هرب لنا 
ببعض الجمال وترك البعض في يديناء ولم أجد له خبراً إلا عند 
الصفراء فوجدته ماراً ومسكته عند الظهر فضاقت حيلته ولم يجد سبيلاً 
وأتي أهله لتسريحه فامتنعت من إطلاقه حتى آخذ ما أعطيت له وهو 
تسعون ريالآء ولما حان وقت الظهر ذهبت للصلاة وخفت أن يهرب 
وتركته في خيمة الفاضل الكامل سيدي عبدالرحمن بن قري وأصحابه 
مسكرة» فلما قاموا إلى الصلاة تركوه في يد شيال آخر فهرب منه فتبعه 
التق قل اثلق اله أدر واحطى فى الركب التضرى» فاردت آنه أغريه 
الذي تفلت من يده ظناً مني أنه هو الذي أفلته فأصابتني شفقة عليه حين 
رأيته يبكي ويحلف أنه ما تفلت منه اختياراً. 


المختار من الرحللات الحجازية 





ثم لما ارتحل الركب المصري ولم يبق منه أحد وتبعه المغربي 
ولم يبق منه شخص وبقي العبد"'؟ وابنه وتخلفنا لكثرة الدَبّش وقلة 
الأصحاب, إذ منهم مريض ومن لا يستطيع الخدمة مع ضعف النساء 
ومرضهن فاحتجنا لكثرة اليدء غير أن الله تبارك وتعالى عصمنا من 
العرب وسلبهم لناء إذ كل من مر منهم يقول لنا شيلوا بسرعة واحفظوا 
أنفسكم . 


[174] فلم يصبنا خوف ولا روع ونحن في جماعة من العرب في 
أطراف القرية فلم تقع لهم عين سوء علينا بل فرحوا بنا فرحاً شديداء 
فمنهم من يطلب الدعاء ومنهم من يقول لا تخافوا فلا بأس عليكم ولا 
ضرر لديكمء وشيعونا إلى أن برزنا عن بساتين العمارة وأرونا الطريق 
التي تسبق فيها الركب - أحسن الله إليهم» وأجزل لهم الثواب ‏ فمشينا 
سويعة من الزمان وإذا الركب قد سَبَقَنا الأكثر منه. 


فكنت أنا أطلب رحلنا فلم يتبين لي غير أنىي وجدت رحل الفاضل 
الأديب سيدي محمد بن القاضي الملقب أبا وغفوش أمير زواوة راكبا 
في محفة مريضاً مرض الإسهال. فلما وقع بصره علي فرح بي ورحب 
وضحك. وسألته عن مرضه وحاله فأخبرني بأنه اشتد مرضه في المدينة 
وبعد خروجه منهاء ثم كذلك استمر عليه الحال بعد أن عزم أن يقيم 
بالمدينة المشرفة لظنه الموت» فضيق عليه بعض الأصحاب بأن أمره 
بالعزم على السفر لعل الشفاء يحصل» فخرج راجياً ذلك ومنتظراً ما 





41 ع 


هنالك» فقلت له: لا يكون معك إلا الخير والعافية إن شاء اللهء فقال 
متأسفاً لا أظن السلامة أو كلاماً يقرب منهء فعاودته الدعاء بالبرء . 


[94؟5] ثم قال أحكي لك رؤيا إني رأيتها. فقلت له: وما هي؟ 
فقال: إني رأيته كَلِةِ وكنت أسأله الشفاعة أو كلاماً هذا معناه وأعيد له 
ذلك المرة بعد المرة حتى قال لي: إني شفعت فيك» أو أنك مغفور 
لك. أو لا تخف مما هو حاصل هذا المعنى» فسرني ما رأى وطمعت 
في البرء لهء بَيْد أني لما أخبرني بأنه يكل بشره بالمغفرة خلت موته. ثم 
إني صحبته كذلك راكباً على بغلتي وهو راكب على جمله إلى بُعيد 
المغرب وأتى علي وقته فارقته" . 

[476] ثم نحن كذلك نسير إلى العشاء بعدها بسويعات وزمان 
نزلنا قرب الاستشراف على المضيق قرب الجبل» إذ لا يمكن سيره 
لصعوبة الطريق وكثرة الأحجار وضيقه بين الجبال فليشكر الله من خرج 
منه على عافيته وسلامة وطيب وقت في نفسه. ومع ذلك تكثر فيه 
فساق العرب ومحاربوهم قل أن يخرج الركب سالمين منهمء فبتنا فيه 

فلما قرب الصباح ظعنا منه ووصلنا المضيق الوعر والركب 
المصري قرب وصوله موضع النزول». فسرنا في ذلك الوعر رويداً 
رويداً وخرجنا منه على سلامة وعافية» ومع ذلك دارت العرب يبنادقها 
مع ضرب البارود في أطراف الركب» فعلا النداء والصياح فانحجم أول 


)1١(‏ يريد أنه دخل وقت المغرب ففارقه لأداء الصلاة» وفى السياق ركاكة. 





م 


الركب وربضوا إلى أن وصل سلطان فزان في تخته مع أصحابه فسلم 
الحجاج» وركبنا والحمد لله؛ نعم كل من مر على هذا المضيق قَلَ أن 


فلما اجتمع الركب سرنا على بركة الله وحسن عونه إلى أن بلغنا 
المنزلة التي بعد نقب علي وهي مشهورة؛ ولما أن استقر بنا القرار في 
يوم حر لا قر''؛ وفي تلك المنزلة شجر كثير وفيها بئر عظيمة بعث لنا 
الفاضل سيدي محمد السابق ذكره» وهو ابن القاضي, أنا والمحب في 
الله سيدي أحمد بن حمود وسيدي احمد الطيب لكونه أشرف على 
الموت فأوصى الجميع على حوائجه وحسبنا ماله وعَلمنا به أين كان. 


المغربي من حيث هوء فانفصل الجميع عن المنزلة . 
[51] نعم تخلفنا آخر الركب حسبما عادتي أنا وسيدي أحمد 


ضعفاء الحجاج ممن ليس له مركوب كالدراوشةء فربما يقع لهم 


فسرنا آخر الركب رويداً رويداً إلى أن صلينا المغرب» ثم كذلك 
إلى أن صلينا العشاءء ثم كذلك إلى أن سرنا سويعة بعدها فأخبرونا 


)١١‏ الْمّر: البرد. 


نزهة الأنظار فى فضل علم التاريخ والأخبار 

بموت ابن القاضي المذكورء فاجتمعنا لتجهيزه ليل وهي مقمرة» فنزل 
الركب ذلك الوقت فحفرنا له وكفناه وصلينا عليه أي جميع من كان من 
الفضلاء في الركب وعَلْمنا قبره وهو بين تلك المرحلة ومنزلة الينبع» 
وأصابنا بموته مصيبة عظيمة لم أنسها إلى الآن؛ لأن ظننا أن يرجع إلى 
بيته سالماً ينتفع به العامة والخاصة غير أنه لما تاب وقبلت توبته مات 
بمرض البطن فهو شهيدء وفي طريق الحج» وإنه غريب فكل واحد من 
هذه الثلاثة تقتضى الشهادة . 


[41] ثم ارتحلنا آخر الليل وظعنا من ذلك المحل وتبعنا 
المصري». وعند صلاة الصبح أشرفنا على الغيضة الملتفة بشجر أم 
غيلان القريبة من الينبع» بعد صلاة الصبح جماعة وما فاتثني ركعة والله 
أعلم في جماعة منذ خرجنا من بلادنا إلى أن رجعنا إلى بيوتنا وذلك 
مع الفضلاء في أكثر الأوقات» والحمد لله. . 





[477] وبعد ذلك اليوم بعت تلك الجمال دينئاً إلى وصولنا إلى 
مصرء فسرني بيعها لأنها نعمة عظيمة وكأني بعدها متجرد فلم يشغلني 
شيء ولا همني أمر سوى ما أحمل عليه شؤوننا وحوائجناء فطلبت 
الكراء فلم أجده فنويت الإقامة في الينبع بأهلي؛ إذ ذهبت إلى شيخ 
الركب ليلاً ليمهل بالرحيل من الينبع إلى طلوع الشمس ولعلنا نجد ما 
نحمل عليه بالبيع أو الكراء فرضي هو بالإمهال» فلما سمع أكثر الركب 
بانتظاره إيانا تحزبوا أحزاباً إليه وحركوه إلى السفر ليلا قاصدين سبق 
المصري؛ إحياء لعادة الركب المغربي لأنه يتقدم في الرجعة فأجمعوا 
على ذلك ولو أداهم إلى القتال زعماً منهم أنهم يستطيعون محاربته: 


المختار من الرحللات الحجازية 





وم 


وذلك سخافة عقل وتصرف ببضاعة وَهم. 


نعم وافق الشيخ رأيهم فسافر معهمء فبقيت أنا وأهل بلادي ممن 
شغله أمري بأن تخلف معي ؛ كسيدي أحمد الطيب وجملة أهل بلادناء 
وسيدي محمد الشريف الطرابلسي وأصحابه» وسلطان فزان وركبه إلى 
طلوع الشمس على أن شيخ سيدي محمد المسعود نجل الشيخ البركة 
سيدي محمد الحاج الدكالي المعلوم بعث لي جملاً في الليل أحمل 
عليه جازاه الله خيراً ووقاه ضراًء وجعل البركة في أولاده ‏ أعانني به . 


[571] فلما أصبح الله بخير الصباح وقع بيننا وبين ركب فزان 
0 لأن أهل وطننل'"' فيهم الجفاء والغلظة وسوء الأدب وعدم 
إذعانهم للحكم. وسلطان فزان رجل عدل قائم بالأحكام لا سيما أمور 
السياسة؛ فثقل عليهم المشي جميعاً وربما صرحوا بالقول لما يجدونه 
مما ذكرناه في أهل وطنناء ومع ذلك فيه رغبة لصحبة الفضلاء منا فلم 
يكترث بما وقع من سوء الأدب من أصحابنا مع أصحابهم . 


[575] وأما الركب الجزائري فلا حكم عندهم أصلاً ولا يقفون 
عند الأمر والنهي لا سيما أهل عامر. فما فارقهم أحد في هواهم إلا 
أبغضوه وجعلواه عدوا وقل أصابتني منهم عداوة عظيمة من أجل أني 
أمرهم بالسنة والقيام بالأحكام الشرعية لا سيما السير بسير الشيخ 
والنزول بنزوله» وستر نسائهم لأنهن يذهبن مكشوفات العورات فيبدين 


نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار 





وكات 


زينتهن لكل الناس» فأردت إقامة الحد عليهن وعلى أزواجهن فصارت 
لي فتنة عظيمة غير أني من عاداني منهم ببركة السنة لم يرجع إلى بيته 
فأظهر الله أمري» فتطيروا وتشاءموا بعد ذلك”'' وتاب من بقي منهم 
00 والحمد لله على إظهار السنة النبوية» وقد 
قال تعالى: ##إن تصروا الله يصركم ويثت أقَدَامَي 7#" وقال أيضاً: 
( كشوك الس ش04 


قد قال تعالى في مثل أهل عامر ممن يريد الوصول إلى الله 
بالدعاوي الكاذبة والزخارف البينة والأباطيل المزينة #ومن يرد أللَهُ 
ِتَنَتَمُ هّن تدك لَمُ وح ألَهِ سيك 2474 وقال أيضاً في شأن مثلهم : 
# ومن مين أللَهُ هَمَا لم من مُكْرِم 2*4 وقال أيضا: #سَكمّمُوت إِلْكَذِبٍ 
ألكاار ل 4 - لشت 204 , | 


[4”757] وقد سمعنا أن بعض الفاسقات ‏ ممن يزعم الأحوال 
الربانية والمواجد الإلهية» ممن استولى الشيطان عليهن وسولت 
أنفسهن لهن ‏ تتعرض بنفسها للرجال» وتزعم أن من لم يوافقها في 
رسيت ساي اح و ل 00 تقول إن لم توافقنيى فى غرضي 


. أي تشاءموا لأن بعض من اعترض على الشيخ مات كما سيأتي‎ )١( 
(؟) سورة محمل: أية لا.‎ 

() سورة الحج: آية .5١‏ 

() سورة الماتدة: آية ..58١‏ 

(5) سورة الحج: آية .١8‏ 

(0) سورة المائدة: آية 57. 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 1و6 
أصابك كذا وكذا بأن تعيّنه فيصير ذلك. ويظن الجاهل المغرور 
المخدوع المخذول الشقي - والعياذ بالله - أن ذلك أمر رباني وكرامة 
منه - 2 لهاء وما هو إلا استدراج بهاء وقد قال تعالى: 
سَتسْتَرركق يَنْ حك لا يتلئوة © تأمل لَه إِتَ كبرى َنم 0104 أي 
نأخذهم. إن كيدي قوي تحقيقا أنه إذا أخذ الظالم لم يفلته طرفة عين: 
وقد سمعنا مثل هذا ممن يوثق بهء وكثير من الناس يحكيه فمنهم من 
يؤمن به ومنهم من يكفر به . 


[57] وأما التزين بالملابس الفاخرة والكحل والخضب بالحناء 
ولبس الحلي من الفضة وغيرها مع المشي في الأسواق واجتماع 
الشبان معهن ومن لا خير فيه والله يقول: ولا مرب زينتهن إِلَّا 
لبعولتهريج #"'' فأمر مشهور لا يكاد يخفى على أوباش العامة فضلا 
عن الخاصة. أما الجهال فيعتقدون أن ذلك من الدين» معاذ الله ويأبى 
بابق بود لبوا و بوداي يد 
مخالطة أهل العلم» ومباعدتهم إياهم فجمحت عن الاجتماع بهم فضلاً 


(1) سورة الأعراف: أية 1١417‏ - 187. 

)1 عضورة النورة إن 1 

() بمثل هذا وغيره من المذاهب الرديئة ضعف العالم الإسلامي آنذاك» وانتشرت 
فيه هذه ار لغلبة الجهل وقلة المشايخ الدالين على الحق علماً وعملاً. 
ولا حول ولا قوة إلا بالله . 


نزهة الأنظار فى فضل علم التاريخ والأخبار 








عن الامتثال لأوامرهم ولحاي نوأهيهم». والله يقول: وم ادم 
الرسولٌ فَخل ار 0 دوم تبتك عَْهُ َانتهوأ 10 . ش 


[47] وأما العلماء ممن فيه رائحة خير وحسن اعتقاد يقول فيمن 
هذا شأنه إذا اجتمع معهم ورأى المخالفة منهم أنهم من أهل التخريق 
والتلبيس عن أنفسهم إظهاراً منهم للقبيح وإخفاء للحسن ‏ كما يُحكى 
ذلك عن بعض الصديقين ممن سلف من أولياء الله تعالى”'2 - فحاشاهم 
أن يكونوا كذلك بل هم زنادقة أباحوا المحرمات» فهذا أمر لا يليق 
بالعلماء لمعيف ووو بو التي 0 
تعالى : « كُكُمْ حير أَمَةِ ِجَتْ إلكّاس تَأممُود ِالْمَعَرُوفٍ وَتنْهَوَْ عن 
لْمنبكَر 74" والعلماء خيار من خيارء وأمته يكل خير الأمم والعلماء 
هم خيار الأمة ولذا كانوا خياراً من خيار. 


وأما السلاطين فيجب عليهم النكير والتغيير . باليد؟ إد وظيفة 


في الدع واتسع الخرق على الراقع 
[574] نعم فإن من يقتدى به من أهل العصر ممن يُنسب إلى 


.1/ سورة الحشر: أآية‎ )١( 

)١(‏ هذا المذهب - هو إيتان المعاصي والفواحش ثم القول بأن ذلك غطاء وستر 
للتدين - وهو فعل بعض المتصوفة المسمين بالملامتية ولا يجوز التلبس به إخفاء 
للأحوال كما يقول المصنف. والصديق الحق هو من اتبع و الله تعالى 
واجتنب نواهيه. 


22 سورة آل عمران: آية 114 


المختار من الرحلات الحجازية 





وم 


العلم بل إلى الصلاح يجلس معهن ويظهر للناس ودهن, ويُعلم الناس 
أنهن صالحات قانتات - يعني اللاتي ذكرهن في القرآن العظيم” 2‏ بل 
يزعمون أنهن من أهل الحضرة في اعتقادهه”"': وبعضهن في غاية 
الجمال والحسن فيخاف على نفسه من زارهن من غير شك». ومع ذلك 
تبقى هذه المزورة مكشوفة البدن؛ بل تظهر محاسنها للشبان ومن لا 
خير فيه» بل قصد أكثر الناس الغرض الفاسد إن وصل إليه حتى صار 
بعضهن مرصاداً للزيارة. 





]11٠[‏ فلما أتاني بعضهن لام على من حيث إن أفضل العلماء 
خالطهن ليلاً ونهاراء وأظهر صلاحهن في مجالس العامة والخاصةء 
وكيف بك يا قليل النية ويا كثير الحيلة أن لا تأتي إلينا وتكون معنا؟ 
فقلت لهن: لا يحل لكن الاجتماع بالأجانب والاختلاء بهم لقوله كله 
«ما اختلى رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)”" . 


قلن في الجواب: القلوب مع الله فلا علينا من الصور الظاهرة 


)١(‏ أي أنهن في صفاتهن متشابهات مع من ورد ذكرهن من الصالحات في القرآن 
العظيم» وهذا بهتان واضح وإفك عظيمء والعياذ بالله . 

0( أي ممن يحضر معهن أرواح الصالحين بل الأنبياء» وهذا بهتان عظيم . 

(١‏ أخرج الحديث الإمام أحمد في مسندهء ونصه: «ألا لا يخلون رجل بامرأة لا 
تحل له فإن ثالثهما الشيطان». وهذا عن عامر بن ربيعة رضى الله عنه» وعن 
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله كلِ: «لا يخلون أحدكم 
بامرأة فإن الشيطان ثالثئهما...». وأخرجه الإمام أحمد أيضاء والحديث الأول 
ضعيف. والحديث الآخر صححه الحافظ العراقي . انظر «انظر الفتح الرباني» : 
/١/‏ /الا. 


نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأشيار 





لقوله يَكِِ: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وإنما ينظر إلى قلوبكم»”''. 


فقلت لهن: فإن لم يكن لكن فتنة كانت الفتنة لمن اجتمع معكن» 
فقالوا: اللهم أهلكه. 

فيجب أن نثني القلم إلى ما كنا بصدده وهو أنه لما أصبح الله بخير 
الصباح ظعن الجميع ممن كان في وطننا وأخذ في السفرء والركب 
الغزاني لم يتحرك من موضعه., يريد أن يضحي النهار ليقضي كل واحد 
حاجته من سوق الينبع» فلم يذهبوا مع ركبنا الجزائري ولا بقينا مع 
الفزاني ولا مع المصري؛ بل انفردنا وحدناء فظعنا عند طلوع الشمس 
وانفصلناء وتخلف أخونا في الله سيدي محمد الشريف وأصحابه مع 
الفزاني لأنه لا يليق به الجزائري» لما فيه من الغلظة وسوء الأدب . 

فلما غبنا عن الأركاب استقللنا أنفسنا ثم اجتمعنا وتقوى بعضنا 
ببعض فسرنا كذلك في يوم حر لا قرء وإن رأينا العرب انضم بعضنا 
إلى بعض فلم يستطيعوا الكرة علينا أبداً إلى أن وصلنا الخضيرة بأمن 
وعافية وسلامة» فوجدنا الجزائري نازلاً فيها فتعجبوا منا إذ بلغنا إليه 
قرب المغرب. 

فظعنا منه بكرة وهذا الموضع لا ماء فيه أصلاً . 


[541] فسرنا مع الركب إلى أن وصلنا إلى النبط بعد الزوال» في 
يوم شديد الحر كادت النفوس أن تذهب من شدة العطش؛ بل مات 


)١(‏ أخرج الحديث الإمام مسلم في صحيحه: كتاب البر والصلة والآداب. 


المختار من الرحلات الحجازية 





6. 


بعض الناس به» ولما قربنا منزل النبط تحركت علينا ريح شديدة الحر 
مع حرارة الشمس بحيث من ذهب إلى رحله كاد أن يموت» وأما من 

[441] نعم تخلفنا فى جماعة من الفضلاء في آخر الركب فأصابنا 
عطش شديد» ونحن كذلك إلى أن أشرفنا على النبط فزاد بنا شدة الحر 
وقوة العطش» وإذا بواحد من العرب لقينا بقربة من الماء فأسقى 
جميعنا ظناً منا أن هذا الشخص لم يرد منا إلا الفلوس» فشربنا الماء 
أحلى من العسل وأبرد من الثلج» فلا نعلم أنه من ماء المطر أو من 
العيون التي في الجبال» فلما أتى عن آخرنا ارتقبنا منه أن يتكلم ويسأل 
الدراهم كما هي عادة عرب الحجاز فلم يطلب من أحد دعاء» ولا سأل 
شيئاً منه» بل رفع قربته ولم يلتفت إلى أحد منا فعجب جميعنا منه. 
ووقع في قلوبنا أن هذا الرجل من أهل الله» وأنه من عباد الله الصالحة 
إذ يعلوه جلال وهيبة ونورء فندم الكل من حيث إنهم لم يسألوا منه 
الدعاء؛ ومع ذلك آثر بماته العلماء من الركب وفضلاءه فزال ما بنا من 
العطش . 

[555] فنزل الركب قرب الآبار وازدحموا عليها لسقي الإبل 
وملء السقاية زحمة عظيمة حتى ظننا أنه لا يبقى فيها قطرة ماءء» بل 
بفضل الله يتزايد فاستقينا وسقينا وملأنا السقاية؛ لأن ماء الحوراء ليس 
بطيب» وبعده الدركين المسمى الآن بالحنك لا ماء فيه» وبعده الأكره 
فماؤه أقبح وأقبح مرارة» فمن شربه ربما آذاه وأوجب له المرض» 
وعنده تتغير الوجوه وتسود قَلَ أن يسلم الناس منه من الوخم ‏ أي 


نزهة الأنظار في فضل علم رخ د والأخبار 





المرض - ومع ذلك إنه لا يحصل إلا بمشقة عظيمة من الحفر 
والاستسقاء بالأواني الصغار كالقدح ؤغيره . 


[:5؛] فلا ينبغي للحاج أن يكثر الأكل في هذه المنازل؛ لأن 
كثرته تستدعي الشرب الكثير» والشرب الكثير من هذه المعاطن يؤذي 
كثيراً وربما أهلك وذلك مجرب صحيح» وقلة الأكل تشد العصب 
وثاقآء وتقوي الأعضاءء فلا يظمأ صاحبها أبداً» وضدها يُرخي 
الأعضاء ويضعف البدن بل ربما أمرضه . 


[51] وبعده الوجه ماؤه عذب غير أنه قليل جداً فلا يكفي ماؤه 
عامة الركب أصلاً. وإنما يفترقون في الوادي الذي فوقه فيحفرون فيه 
حفائرء وماؤه قليل فلا يحصل منه نفع إلا بطول المدة كعامة الليل 
والنهارء بل ربما تشاجروا عليه» فضعيف النفس أو الخدام أو الرفقة 
رجع منه خائباً فيكون ذلك سبب هلاكهء وقد شاهدنا ذلك كله ولولا 
فضل الله علينا ما ملأنا السقاية ولا استقينا أصلاً. ولقد أحسن الله إلينا 
فلله الحمد والمنة. 


ثم ارتحلنا من النبط ليلا وقد اجتمع فيه الركب الجزائري والفزاني 
والفلالى» فلما ارتحل الكل اختلطت الأركاب» فلا يعرف أحد صاحبه 
من كثرة الخلق. ومن عادتي مع سيدي أحمد الطيب وسيدي محمد 
الشريف وأصحابه ممن يركب على البغال أو الخيل إذا انفصل الركب 
فذهب جميعاً لتحصل لنا الصلاة في الجماعة» وليستعين بعضنا ببعض 





- .6 
[157] فانتظر بعضنا بعضاًء فلم يوافق ذلك اليوم إلا سيدي 

أحمد الطيب فتخلفنا عن الركب» فإذا برجل من الفضلاء من ركبنا 
تخلف رحله وهو مريض على جملء» والله أعلم أن زوجة ابنه راكبة 
أيضاًء فوقع الجمع في الأرض وأزال عنه الحوائح. فلما عرفتاه 
انتظرناه إلى أن استوى رحله وقام على جادة الطريق» وإذا بالحجاج 
فاتونا فلم يقع لنا بصر على أحد ومع ذلك ضل علينا الطريق» ثم ذهبنا 
مع سفح الجبل كذلك إلى أن سمعنا نباح الكلاب» فقلت لسيدي 
أحمد: يا حسرتنا قد هلكناء فقال: فكيف الفعل؟ قلت له: ها هي 
عمارة العرب. ثم إني نزلت عن بغلتي وانثنيت إلى الجبل وتبعني 
سيدي أحمد ومن معه وأنا كذلك أتحسس من الركب فلم أسمع صوتاً 
ولأ تخا ثم كذلك إلى قرب انقطاع الجبل» فتحسست منه أيضاً 
فسمعت صوت سائقة الإبل وراء الجبل ففرحت غاية الفرح» وبينما أنا 
كذلك إذ رأيت الركب يمشي فكان مشي الحجاج عن يمين الجبل 
ونحن عن يسارهء #8 وهو عل جَمْعِهِمَ إدَا يمه قَرِيرٌ 6374: فرجعت إلى 
سيدي أحمد الطيب فذكرت له الخبر بعد أن أيس من لحوق الركب» 
وكل هذا من بركة الصالحين» لأن المنقطع عن الركب ما وصل قط 
سالماً أبداً إلا من عصمه الله وصانه وذلك من الغرائب» ونحن كذلك 


إلى أن نزلنا الحوراء بين الظهر والعصر. 


[51:] فلما استقر بنا القرار وإذا بخبر عال أن الفاضل الكامل 


غ2 شضورة التووئ اه 8. 


نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار 





0 
الحسيب النسيب شيخ الركب الفلالي سيدي محمداً جرحه العرب في 
النبط في اخر الركب» وقالوا ما ضربوا إلا بندقة واحدة فجاءت فيه» 
وهو رجل جميل شجاع حسن الهيئة راكب على فرس حمراء»ء قال 
أصحابه: لا يخاف أصلاء فلم نذهب إليه ليلتنا تلك فسقينا ليلا 
واستقينا ظناً منا الرحلة ليلا كما هي عادتهم» فلما سمعنا بالشيخ 
المذكور أنه في السياق''' انتظروه لطلوع الشمس ليدفنوه فلم يمت 
صبيحة ذلك اليوم» فذهبت إليه فوجدته قوي التَمّس كثير النهج فعلمت 
أنه قريب الموت غير أنه لايموت عن قرب» فرجعنا فظعنا عن الضحى 
فنزلنا الدركين قرب الاصفرار وقد علمت أنه لا ماء فيه» فبعد ذلك 
لحقهم الفزالي وظعنا منه إلى الأكره فنزلنا عند الظهر وإذا بخبر موت 
الشريف في الدركين» ثم إنه لما لحق الركب الفزاني استطال العرب 
في آخره فسلموا منه وظننت أنهم قتلوا منه ونهبوه فطعنًا منه إلى 
الوجهء ووصلنا إليه والله أعلم بين الظهر والعصرء فنزلنا تحت البرج 

وهو خال من العسكر وإنما يحفظه العرب فقط . 


ثم إن الناس افترقوا على المياه في الوادي الذي أعلى البرج وأظنه 
المسمى بالزعفران» فتبعه الناس إلى أعلى الوادي غير أنهم يخافون 
منهم خوفاً شديدا لكن الناس طلعوا إليه بأسلحتهم وطلعت أنا وولدي 
محمد إلى أن هيأنا موضعاً للسقي فرجعت إلى الخيمة قرب العشاءء 
فلما ملا أسقيتهم رجعوا إلينا ليلاًء وإن الفقيه الفاضل سيدي ' 


)١(‏ أي في سياق الموت. 


المختار من الرحلات الحجازية 





6. - 


عبدالرحمن بن الزيعم العمري كان يسقي بغلته من البئر التي قرب 
الطريق فإذا بالحراميين أخذوا بغلته وذهبوا فأراد أن يمسك العرب 
فيهاء وأنا أريد إعانته فامتنع الشيخ من إعانته» وكذا الكثير من الركب 
إِد خافوا منهم فذلواء وإن الفسقية التي تحت البرج مملوءة ماء فتركناها 


[: :5] هذا وإنا ظعنا من الوجه صبيحة عند الإسفار فخاف الناس 
من العرب. وإن العرب فى بلاد الحجاز من عسفان إلى الينبع بلاد 
حرب» ومن الينبع إلى الأكره بلاد جهينة» ومن الأكره إلى ظبه - واد 
دون المويلح 5 بلاد بلى . ومنه إلى مصر بلاد الحويطات ومفازة 
والأعلوين وبني عقبة . 

ثم ظعنا من الوجه إلى أن نؤلنا الأزلم. وماؤه مر لاا يصلح ولو 
لسقى الدواب . 

ثم سرنا كذلك إلى أن نزلنا آبار دار أم السلطان والله أعلم عند 
العصر وبعدل الظهر بسويعة » وماوه طيب من أحسن المياه فلا يكاد 
يوجد مثله فى الدرب» إذ هو محل طيب والأعراب كثيرة المكر فيه 
والخديعة قَلّ أن يسلم الركب منهم . 

ثم ظعنا منه في آخر الليل على خير وعافية إلى أن نزلنا بندر 
المويلح وأظنه قرب العصر وبتنا فيه ليلتين ووجدنا فيه ملاقية''* من 


)1١(‏ الملاقية هي قافلة يرسلها سلطان مصر لتلاقي الحجاج بالطعام والشراب. 


نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار 








وبا كذلك. ودقيق كذلك». وفول أكثر الجميع”''. وفد رخص 
يوم دخولنا البندر كثير ا وبعل ذلك قد ارتفع غلاؤٌه فكأنه لم تكن 
ملاقية من مصرء فاشترينا منه ما نحتاج إليه من دقيق وفول وبشماط . 


[554] ثم إن أكثر الشيالين هربوا على الحجاج» فمنهم من فرّ 
بإيله. ومنهم من تركها لغلاء العلف وقلة دراهم الكراء. فهرب شيال 
سيدي أحمد الطيب بإبله» فكان ما كان من قدر الله تعالى ‏ من 
احتياجنا إلى الكراءء فأنا أريد الكراء لحمل النساءء وهو يريد الكراء له 
ولأصحابه» فأتانا بعض الأعراب قد قدم مع تلك الملاقية, فاكترينا 
مصر »ء فرأينا الفضل من الله تعالى ‏ والمنةء فاكتريت منهم جملين 
بأربعة عشر محبوبا”". فأحدهما ركب عليه امرأتان في المهيأء والآخر 
ركب عليه ولدي مع زوجته في المهيأ أيضاء وأحسنوا إلينا أحسن الله 
إليهمء وجعل البركة لديهم فلم يقع منهم نفور ولا مشاجرة إلى أن 
وصلنا مصرء فوفوا بالعهد. أكرمهم بمنه وكرمه”؟. 


)1١(‏ البشماط هو البقسماط المعروف بمصر اليوم وهو شبيه ب«الشابورة». 
(؟) يريد أن الفول أكثر ما أتت به تلك القافلة الملاقية. 

(*) المحبوب هو الدينار الذهبى فى مصر. 

(5) إلى هنا انتهى المراد من التهذيب» والله الموفق. 


الحَسَارصَ 


ا 


الامحة 
كَدَءٌ المدكمَةًا له 
الى دسَةالسوية 





١‏ ف 
عمسا 2 
دك 
5 سم © 


و 0 


ناد الذاقتى 


كارا لأنكلس 
| ]1 6 
لخكمراة 


رحلة بيرتون 





الرحلة التاسعة 
20065 . 
رحلة بيرتون"'' إلى مصر والحجاز 


ترجمة د. عبدالرحمن عبدالله الشيخ 


قام بيرتون برحلته إلى مصر عن طريق البحر من بريطانياء ثم 
انتقل من الإسكندرية إلى القاهرة» ثم رحل إلى السويس”“ الذي 
غادرها بحرا إلى الحجاز. ثم وصل إلى ينبع - وكان ذلك سنة ١779‏ - 
فقال: 


[5050] لقد حاق الضرر بقدمي بسبب حرارة الشمس والرطوبة 
العالية وابتلالها تباعاً بميأه البحر» لدرجة أنني عندمأ وصلت لون يسبع 


لم أكن بمستطيع ‏ إلا بالكاد ‏ أن أضعها على الأرضء» إلا أن واجب 
الرحالة هو أن يتجول ويرى». ولذا فقد اتكأت على كتف عبدي» 


)١(‏ رحالة إيرلندي ولد سنة :187١‏ وجاب كثيراً من بلاد آسياء وادعى الإسلام 
للوصول إلى مآربه الاستخرابية البغيضة» وليصل إلى السياحة في الحرمين خاصة 
وشبه جزيرة العرب عامة» وقد نشر من رحلاته “4 مجلداًء وترجم إلى 
الإنجليزية من العربية والفارسية ثلاثين كتابء وأتقن وعرف 75 لغة وأربعين 
لهجةء وعمل ضابطأ في الجيش البريطاني في الهند. انظر مقدمة المترجم . 

(0) لقد ذكر بيرتون تفصيلات شيقة عن مصر وأحوالها الاجتماعية» وكان في كثير 
منها عبر وعظات مهمةء فليرجع إلى الأصل من كان مهتماً باستقاء العبر 
والعظات ومعرفة أحوال المجتمعات أنذاك . 


المختار من الرحلات الحجازية 





6». - 


وشرعت ذات مرة في رؤية ينبع بينما اتخذ آخرون من رفاقنا سبيلهم 
إلى الجمارك . 


وينبع البحر - ينبع تعني ينبوعاً أو نافورة - لها موقع ذو أهمية 
كبيرة» وتشترك مع مواقم أخرى في أنها بوابة للديار المقدسة» وتقع 
ينبع البحر عند ثلاثة أرباع المسافة من القاهرة إلى مكة المكرمة بطريق 
القوافل . 


]501١[‏ وفي ينبع - كما في بدر ‏ يترك الحجاج بضائعهم 
وحاجاتهم الثقيلة جداً التي يصعب نقلها في عجلة في مخازن 
يستأجرونهاء كما يتركون أيضاً حاجياتهم الثمينة التي يصعب المخاطرة 
بنقلها معهم في الفترات التي ينعدم فيها الأمن. 


ولكون ينبع ميناء المدينة المنورة ‏ كجدة التي هي ميناء لمكة 
المكرمة ‏ فإن بها تجارة نقل معتبرة» وتجارة استيراد كبيرة من مواني 
غرب البحر الأحمرء وتزود مدن الحجاز الرئيسية بالغلال والتمور 
والحناء» وهنا في ينبع يفترض أن تبدأ هيمنة سيادة السلطان''' وتنتهي 
عسلكلة وكيا مصنن: 


الشريف أو أحد الشيوخ العرب». وقد قابلته في السوق الكبير»ء وهو 
شاب وسيم خفيف الظل ذو لباس جميل وعمامة كشميرية . ومسلح 


)١(‏ أي السلطان العثماني. 


رحلة بيرتول 





سيف وخنجرهء ويتبعه عبدان زنجيان ذوا بنيتين ضخمتين» ولهما 
نظرات نارية قاسية ويحمل كل واحد منهما نبوت'' رهيباً. 


[151] وخارج أسوار ينبع توجد قباب قليلة وقبور تلفت النظرء 
أما داخل المدينة فالشوارع عريضة والمساكن متباعدة إلا بالقرب من 
الميناء والأسواق حيث يزداد سعر الأرض» وقد شيدت المساكن بشكل 
بدائى من الحجر الجيري والأحجار ذوات اللون المرجاني» وأسوارها 
مليئة بالأحافير ومثقبة كفطيرة اللوزء ولهذه البيوت نوافذ ضخمة 
مرتفعة» لا تقل سقماً عن نوافذ أحياء المسلمين في القاهرة» وفي ينبع 
شارع السوق حيث يتخذ شكله المعتاد فهو عبارة عن شارع ضيق 
مسقوف بسعف النخيل» وبضعة دكاكين قليلة على جانبي الطريق» 
وهذه الدكاكين تمثل جزءاً من بيوت أصحابهاء وقد وصفت في الفصل 
الأخير مقاه شبيهة بما هو موجود هنا؛ فقد تحولت هذه المقاهي إلى 
كتل من القذارة بفعل المسافرين المترددين عليهاء ومن المحال أن 
تجلس في إحداها دون أن يكون معك مروحة أو مذبة لتذب الذباب 
بعيداً عنك . 


وتواجه مصلحة الجمارك موضع رسو السفن في الميناء» ويديرها 
مسئولون أتراك يضعون الطرابيش على رؤوسهم يقضون نهارهم كاملا 
متكئين على الأرائك إلى جوار النوافذ» وبالنسبة لنا نحن المسافرين 
فإن مسئولي الجمارك الترك. الآنف ذكرهمء لم يبذلوا إلا جهداً 


10( هي العصا المعروفة ‏ عندنا ‏ بالمشعاب . 


المختار من الرحللات الحجازية 





ردم 
يسيراً؛ إذ فرضوا على كل صندوق كبير ثلاثة قروش». وإن لم يعفوا 
أنفسهم من العبث في محتوياته . 

وتفخر ينبع - أيضاً - بحمامها وهو مجرد ظلة من سعف النخيل 
يستأجره تركي عجوزء يتعيش هو ومساعده الألباني الفظ من غسل 
الحجاج والمسافرين وتنظيفهم» أما بقية المباني العامة فتتمثل في بعض 
العيناتعة:ذاك المعماز اللسيط نمظاءة باللون الايقى» وبركالة أو كالقيد 
لاستقبال التجارء وقبر أحد الأولياء. 


ولينبع أن تتباهى على معظم مدن شمال الحجاز في أمر واحد؛ إذ 
يمكن لأهل ينبع أن يقدموا ماء المطر العذب الفاخر الذي يجمعونه من 
بين التلال حيث يتجمع في خزانات ويحملونه على ظهور الإبل إلى 
البلدة» وتحظى مياه عين البركة وعين علي" بثناء الناس هناء 
ومياههما تكفيان كل أهل ينبع أما مياه الآبار التي تعتريها الملوحة 
فتستخدم لأغراض أخرى غير الشرب . 

[*15] وبعض العجائز هنا كما في السويس - يقال إنهم 
يفضلون الشرب من مياه الأبار المالحة بحكم تعودهم عليهاء حتى إنه 
ليقال على سبيل الفكاهة أنهم إذا ذهبوا للقاهرة أضافوا لماء النيل ملحاً 


[:6:] وسكان ينبع يماجئون عيون المسافر القادم من مصر» 


)١(‏ قال المترجم: رغم استخدام كلمة «عين» هناء إلا أن المعنى ‏ كما هو واضح 
من السياق ‏ أنها أماكن أو مواضع أو خزانات لتجميع مياه الأمطار. 


رحلة بيرتون 





-© 


لأنهم يمثلون ظاهرة جديدة بالنسبة له بالتأكيد؛ فهم أحد أكثر أجناس 
شمال الحجاز تعصباً ورغبة في المشاكسة والعراك» فالشيخ (الوجيه) 
منهم مسلح تسليحاً زائداً عن الحدء وملتحف بثياب كثيرة وفقاً 
للعادات المتبعة» أما شيخ العرب (طاغية الصحراء) فيملي أوامره على 
أي شخص تابع له» والمسافر المتمدين من المدينة المنورة يغرز في 
جراد وساف يديا معي ريا شري زعوي برزن كان ريح القارت 
الغليظ لمسدسه تحت عباءته أو معطفهء والجندي غير النظامي يسير 
مختالاً في الشارع وهو مدجج بالسلاح» فنظرة واحدة لهيئة الرجل 
تنبئك من هو وهنا وهناك تجد البدو يمشون باختيال متجهمين» على 
وجوههم سيماء التوجس كسائر أهل الصحراءء تنطق هيأتهم بالفخر 
وادعاء العظمة والسفالة» وهم أيضاً مدججون بالسلاح» ولا يستطيعون 
الإبقاء على سيوفهم في أغمادهاء حتى في حضور الشرطة المدججة 
بالنبابيت» وحتى المسالمون من أهل ينبع لا يخرج الواحد منهم من 
بيته إلا وقد حمل نبوته على كتفه اليمنى» فالنبوت هو أثقل الأسلحة 
وأطولها وأسمكهاء وأهل ينبع متمرسون في استخدام النبابيت بإتقان. 
وقد أصبحوا خبراء في تلقى ضربات الرأس العنيفة» وهم يحسمون 
عراكهم العادي دائماً بهذه النبابيت . 

ولا يختلف لباس نساء ينبع عن لباس نساء مصر إلا قليلاء اللهم 
إلا فى الحجاب» فحجاب الينبعيات أبيض بشكل عام . 


وثمة ملمح يميز رجال ينبع عن سواهم وهو ملمح غريب عن اهل 
الشرق» فهم فخورولن بأنفسهم دول تبجح أو ادعاء» ويبدون شجعات 





61 - 


شرفاء دون غرورء وفي مشيتهم شيء من الاخحتيال ربما يشبه الاعتزاز 
بالذات الذي يتحلى به المقاتلون» دون عدوانية . 


وأكثر من هذاء فسكان ينبع يبدون في صحة جيدة» ولأنني قادم 


وأطفال ينبع يبدون كذلك لشيطم: 


وقد وجدني رفاقي في أحد المقاهى حيث كنت جالساً لأستجم 
مما ألمّ بي من إرهاق إثر تجوالي في ينبع بقدمي الجريحة» لقد كان 
رفاقي قد مروا بصناديقهم على الجمارك وبعد ذلك راحوا يسألون عني 
في كل مكان قائلين: أين الأفندي؟ وبعد الجلوس لمدة نصف الساعة 
نهضنا لنترحل. عندما دخل تاجر عربي عجوز كنت قد قابلته في 
السويس » وأصر هذا التاجر بأد على دفع ثمن قهوتى» دلالة على 
اهتمامه بي» وكانت هذه العادة تحمل الدلالة نفسها في فرنسا في الأيام 
الخوالى: 

لقد ذهبنا بعد ذلك للوكالة بالقرب من السوق حيث كان رفاقنا قد 
هيأوا لنا غرفة علوية منعشة الهواء» لها شرفة في مواجهة البحر وخالية - 
على نحو مقبول ‏ من الذباب الذي يعد بمثابة طاعون في ينبع . 


وبعد ظهيرة يوم وصولناء أرسلنا نطلب المخَرّج » وهر مور 
الدواب» وبدأنا بهىء الجمال. فعم جمل”'' كان رجلة محترماً من أهل 


. لعل بيرتون أطلق عليه هذا الاسم لمناسبة المهنة‎ )١( 


رحلة بيرتول 





-©9 


المدينة المنورة جعل من نفسه متحدثاً رسمياً» وبعد جدال طويل تمت 
الصفقة بالنسبة لشيخ الجمال ومرافقه البدوي فقد كانا من نوع الرجال 
الذين يثيرون المتاعب من أجل مبلغ تافه» لقد كانا على استعداد 
للحرب من أجل ربع بنس ولم نكن أقل منهم حرصاء وقد وافقنا أن 
ندفع ثلاثة دولارات لقاء استئجار الدابة الواحدة» على أن ندفع دولاراً 
ونصف الدولار”'؟ مقدماً والنصف الآخر بعد الوصول إلى هدفنا وعلى 
أن نبدأ السفر في مساء اليوم التالى مع قافلة الغلال التي يحرسها حرس 
من خيالة غير نظاميين» لقد استأجرت دابتين» دابة لمتاعيى وخادمي 
وأخرى لأركبها ومعي الولد محمد””'» واشترطت أن تكون الدابة التي 
أركبها أنا والولد محمد أحسن الدواب» وأنه إذا خرّت الدابة في 
الطريق أعطوني بديلاً عنهاء ولم يستطع أصدقائي إخفاء اضطرابهم 
عندما أخبرهم المخرّج أن قبيلة الحازمي كانت خارج مضاربها وأنه. 
لذلك» يتحتم على المسافرين أن يحاربو كل يوم دفاعاً عن أنفسهم . 
لقد جلسنا في فترة ما بعد الظهيرة في غرفة صغيرة تطل على 
الشرفة كان ما تعكسه علينا من حرارة بالإضافة للرياح الملتهبة التي 
تهب علينا من المناطق المقفرة المحيطة بنا تشكل أمراً مزعجاً حتى 
بالنسبة لرفاقيى» وبعد غروب الشمس تناولنا عشاءنا في الهواء الطلق. 
وكنا جماعة تبلغ العشرين من سادة وخدم وأطفال وغرباء» وتم تجميع 
ما أتيح من وسائد وحواش في دائرة لتشكيل مجلس» وتحلق الجميع 


)01( الدولار يساوي ربع جنيه استرليني آنذاك . 
6 هو أحد من استأجرهم بيرتون من القاهرة لمرافقته. 





- 611 
حول قدراً كبيرة مليئة بالأرز المسلوق الذي يحوي قطعاً كبيرة من لحم 
الضأن وقد غطي بالزبد المقدوح . 

واستمر السمر بعد ذلك» أثناء تدخين الشيشة واحتساء القهوة 
حتى العاشرة مساء وهو وقت متأخر في هذه الأنحاءء ثم صلينا 
العشاءء ثم فرشنا الحصير في الشرفة ونمنا في الهواء الطلق . 

وقضينا صدر نهار اليوم التالى في شراء أشياء مختلفة» وتزودنا 
بما يكفينا سبعة أيام تحسباً لرحلتنا المقبلة وأعدنا حزم أمتعتناء وصقلنا 
أسلحتنا وأعدنا حشوهاء وارتدينا ملابس تلائم الطريق الذي سنسلكه. 
فقد لبست لباساً عربياً بناء على نصيحة عم جمل لأتجنب دفع ضريبة 
الرأس التي تفرضها القبائل المستقرة على جانبي الطريق على 
المسافرين الغرباء» وحذر عم جمل من الحديث بأية لغة غير العربية 
حتى مع خادمي عندما نكون قريبين من إحدى القرى» وقد اشتريت 
شقدوفك'“ بدولارين لأحقق الراحة لنفسي» والشقدوف وسيلة مناسبة 
للنساء والأطفال وكبار السنء والفرسان أو الرجال المتأنقين» 
والأشخاص ذوي البنية الرقيقة التي تجعل ركوب الدواب أمراً شاقاً 
بالنسبة لهم. ويرجع سبب استئجاري شقدوفاً إلى أن تسجيل 
الملاحظات وأنا داخله أيسر من تسجيلها وأنا على ظهر الجمل مباشرة 


نار شوق 


لقد تناولت جماعتنا غداءها مبكراً في ذلك اليوم بسبب إيقاف 


. يشبه الهودج في تحقيق الراحة للمسافر فكأنه على سرير فوق الجمل‎ )١( 


رحلة بيرتون 





الجمال عند البوابة قَيَل الظهيرة. وعانينا كالمعتاد فى تحميلها. 
فأصحاب الجمال راحوا يصيحون ويصخبون بسبب الأحمال الزائدة 
تحمل مثل هذه الأحمال. في حين أن الجمال قد انحازت لرأي 
أصحابها فراحت تتئن أنيئاً يبعث على الشفقة» وراحت ترغي وتزبد 
باذلة محاولاات عنيقة لعض محمليهاء منتهزة الفرص بلماحية وذكاء 
الساعة الثالثة بعد الظهر كنا جميعاً جاهزين» فالجمال صفت فى 
طابور»ء كل جمل خلف الآخرء ووقفت مستعدة في الطرقات» لكن 
كما هي العادة مع المسافرين الشرقيين فقد انتشر كل الرجال حول 
المدينة. ينبع ) لذا فلم نستطع امتطاء دوابنا للرحيل إلا في وقت متأخر 

ويحمل الحجاج» خاصة الأتراك منهم» ما يسمى الحمايل لتقوم 
بأداء مهمة مقدسة» والحمايل عبارة عن كيس لحفظ المصحف, وهذا 
الكيس مصنوع من مخمل قرمزي مطرز بالذهب تطريزاً جميلاً» وقد 
حمراء فوق الكتف اليسرى» وإن كان يجب أن يتدلى في الجانب 

وقد استعضت عن هذا الاستخدام للحمايل» باستخدام آخر ذي 
فائدة جمةء فالحمايل من الداخل مقسمة إلى ثلاثة أقسام» جعلت 
كفا منها لساعتي وبوصلتي» والقسم الثاني للنقود التي أحتاج إليها 


المختار من الرحلات الحجازية 








- 611 
سريعاً» والقسم الثالث لسكينتي وأقلامي وقصاصات من ورق كان في 
إمكاني أن أحتفظ بها مطوية في يدي . 

[156] إلا أن الاحتفاظ بأوراق الكتابة والرسم التي تشكل نسخة 
واضحة من اليوميات من الأمور التي لا تليق بالرحالة الحذرء وعلى أية 
حال ينبغي على المسافر أن يحذر رسم المخططات وغيرها أمام البدوء 
فمن المؤكد أنهم سيتخذون إزاءه إجراء متطرفاء لأنهم سيشكون في 
كونه جاسوساً أو ساحراء فلا شيء أكثر إثارة وإرباكاً للبدو من العادة 
الأوروبية المتمثلة في تسجيل كل شيء على الورق؛ إذ سرعان ما 
يشتغل خيالهم مما يجعل المرء يتوقع أسوأ الشرور منهم» والطريقة 
الامنة الوحيدة للكتابة فى حضور البدو هي كتابة خريطة البروج لكشف 
الطالع أو كتابة الأحجبة» كما أن البدوي لا يعترض على الكتابة إذا 
استطعت إثارة حماسته فيما يتعلق بالإنسان كأن تبدأ معه قائلاً: «وأنتم 
يا رجال حرب لأي عرق يرجع فخركم؟»» وبينما المتسمعون منشغلين 
بفيض حديثه عن قبيلته» يمكنك أن تكتب ما تشاء من ملاحظات في 
هامش أوراقك. أما أهل المدن فأكثر تحرراًء فمنذ سنوات خلت قام 
الرسامون الشرقيون برسم الأضرحة المقدسة ومسحهاء بل وحتى 
طباعة رسومها على الحجرء وإلى الآن»ء فإنك إن أردت ألا تكون 
موضع ريبة فتجنب أن ثرى وفي يدك قلم حبر أو قلم رصاص إلا 
لمافا : 

وفي الساعة السادسة مساءً وجدنا ‏ أثناء نزولنا من فوق درج 
الوكالة ‏ الجمال واقفة ومحملة في الشارع. وراحت تتبادل أماكنها في 


رحلة بيرتون 





-© 


ملل؛ وقد وضع الشقدوف الخاص بي فوق جمل مرتفع وقوي» ومع 
هذا فقد كان الشقدوف يميل ويكاد يجثم في كل حركة مما أعطاني 
انطباعاً أنه سيُّقذف مع أول خطوة صوب كتفي الجمل أو صوب 
مؤخرته» وقد أخبرني الجمال أنه يتعين علي أن أتسلق رقبة الجمل ثم 
أزحف عليها إلى الشقدوف» ولكن قدمي لم تساعدني على ذلك لفرط 
الإجهاد فأصررت على أن يجثم الجمل» ففعلوا مستاثين . 


ثم غربت الشمس وحان ميعاد صلاة المغرب» وتلاشى الشفق 
الأحمر في غالبه قبل أن يمتطي الجمع الجميع دوابهم» وشققنا طريقنا 
في طرقات طويلة ومتربة وضيقة يحيط بجوانبها مساكن متباعدة ومطلية 
بالطلاء الأبيض» وأكوام هائلة من القمامة» بعضها أعلى من المساكن 
بينما تتعالى الصيحات: سر في الوسط يا هوه.. ! وجَنُبٍ يا جمال» 
أي سر إلى الجنب يا جمال» وأوقفونا عند البوابة للتأكد مما إذا كنا 
غرباء؛ فإذا ثبت هذا فإن الحارس سيبذل قصارى جهده للحصول على 
قروش قليلة قبل السماح لأمتعتنا بالمرور لكنه تيقن من رفاقي أنهم من 
أبناء الديار المقدسة. فخاب أمله في الحصول على القروش . 

وتوسط القمر كبد السماء واضحاً متلألئاً وغمرنا بنوره بعد 
خروجنا من الشوارع المظلمة» ولما دخلنا الصحراء هبت علينا نسائم 
عليلة» لا تقارن رقتها بالجو الخانق داخل ينبع» وشرع رفاقي في الغناء 
كما يفعل العرب في مثل هذه المناسبات . 





- رد 
من يدبع إلى بير عباس 

وفي حوالي الساعة السابعة من مساء اليوم الثامن عشر من شهر 
يوليو عبرنا بوابة ينبع» واتخذنا اتجاهاً شرقياً مباشرأًء وكان طريقنا 
يمتد على سهل بين جبل رضوى عن شمائلنا والبحر عن أيامنناء 
وكانت الأرض صحراوية تناثرت فوقها كتل الجرانيت» كما تناثرت هنا 
وهناك أشجار أكاسيا متقزمة» وبعض الأعشاب النامية التي تتناولها 
الجمال. وكان في إمكاني أن أرى المنطقة على نحو مقبول في ضوء 
القمر الرائع ؛ إذ كان في تمامه تقريباً. 


كل أفراد القافلة» تقريبء كانت عليهم علامات الفقرء يرتدون 
أقذر الأسمال وأخشنهاء وقد كان اللباس الشائع بينهم يتكون من 
قميص ممزق في مواضع مختلفة» وخرقة بالية ملفوفة حول الرأس . 

[4517] وصلنا إلى محطة التوقف (الاستراحة) في الساعة الثالثة 
صباحاً بعد مسيرة قصيرة لا تزيد عن ستة عشر ميلاً قطعناها في ثماني 
ساعات» وأنخنا الجمال وكومنا الصناديق حذراً من الذين يسرقون 
خحلسة. ونصبت خيمتي الصغيرة وهي الخيمة الوحيدة في القافلة. 
وفرشنا بسطنا على الأرض واستلقينا لننام . 

واستيقظنا حوالي الساعة التاسعة من صباح اليوم التاسع عشر من 
شهر يوليو» وسرعان ما أنهينا تناول إفطارنا المكون من البسكويت 
وقليل من الأرز وكوب من الشاي بدون حليب» وبعد ذلك شرعت في 





وبعل أن جمعت هذه الملاحظات القليلة حذدوت حذدو رفافي 
وعدت للنوم . 
بساطة طعام الإفطارء فقد كانت القائمة لا تشتمل إلا على الأرز 
المسلوق الذي سكبوا عليه كمية كبيرة من الزبد المقدوح الذي يحبه 
الشرقيون كثيراً وبعض الكعك». وخبر قديم غير جيد المذاق. وفبضة 
من العجوة. أما عن شرابناء فقد بدأنا قبل تناول الغداء نحتسى شراباً 
عير مستساع وإن كان مفيدا للصحة. يسمونه أقط . وهو عبارة عن 
رائحة الجلد «(القرّب)» وأنهينا وجبتنا بملء فنجان كبير من شاي 
ساخن» لقد استهلكنا كميات كبيرة من السوائل فقد بدا أن الشمس قد 
اخترقت حلوقناء وسال العرق منا فأغرقنا كما لو كنا تعرضنا لوابل من 

[551] وبينما كنا نأكل مرت امرأة بدوية بجوار الخيمة وكانت 
تقود قطيعاً من الخراف والماعزء ورأت تعبيراتي التي تنم عن رغبتي 
في أن أشرب حليباً»ء وأرسل رفاقي لها قطعة خبز عن طريق أحد 
الجمالة طالبين منها كوب لبن مقابلهاء ولم أعرف إلا الآن أن العرب - 
حتى في هذه المنطقة الفاسدة التى تقبل الرشوة ‏ لا زالوا يتمسكون 
بعادة أجدادهم السقيمة التي ترى في اللبان أو بائع اللبن كل معاني 
الخسة والوضاعة» وربما كان أصل هذا الرأي المنطوي على الظلم 
والإجحاف هو الاعتراف بحق المسافر في الضيافة بأن يُدعى لشرب 





الحليب مجاناًء وعلى أية حال فإن بيع اللبن أمر معيب حتى في مكة 
المتحضرة . 


وبشكل عام فالحليب يكثر بالحجاز في الربيع» ويعز بقية العام 
وعلى أية حال فإن المرأة البدوية قد أعادت لي الكوب مليئاً باللبن. 


وفي الساعة الثالثة بعد الظهر كنا مستعدين للرحيل» ورأينا جميعاً 
- دون أن نعبر عن سعادتنا بالكلمات ‏ سحابة سوداء مشبعة ترتفع من 
كتف جبل رضوىء وتتحرك لتعيد تشكيل نفسهاء وأملنا أن تكون 
ممطرة» إلا أنه سرعان ما عصفت بالسهل ريح ساخنة كأنها زفير 
البراكين وأصبح الهواء مشبعاً بذرات الرمال» إنها عجاج'' شبه 
الجزيرة العربية. 

[454] وعندما حملنا جمالنا وركبنا أتى إلي اثنان من الجمالة وأنا 
في الشقدوف وطلبا البقشيشء» ويبدو الآن أنها عادة اعتادوا عليها كلما 
شرعت القافلة في المسيرء وقد اعترتني الدهشة في بداية الأمر فلم 
أجد الكلمات المناسبة للتعبير عن هذا التصرف - طلب البقشيش - لكن 
بعد مكوثي في المجتمع البدوي أياماً قلائل تناقص عجبي» لقد كان 
هؤلاء الرجال» طالبوا البقشيش» من بني حرب إحدى قبائل الحجاز 
الكبيرة التي احتفظت بنقاء دمها خلال الثلاثة عشر قرناً الأخيرة. 
يالكثرة الأمور التى لا نعرفها! فهذه القبيلة العريقه قد أفسدها التعامل 


)1١(‏ قال المترجم : وتسمى في الخليج العربي باسم (الطوز). وفي وسط الجزيرة 
العربية (العجاج) وهي (كالخماسين) في مصر . 


رحلة بيرتول 





-© 


مع الحجاج» فلم يعودوا يحتفظون بشي من تراث أجدادهم إلا الجشع 
في جمع الأموال» والحقدء وحب المشاكسة والاقتتال» ونوع من 
الشجاعة الفائقة التى تتجلى فى مناسبات نادرة. 


وكان كلا الرجلين مسلحاً أحدهما ببندقية فتيل وشنتيان”'' في 
غمد جلدي معلق على كتفهء أما الثاني فكان مسلحاً بنبوت» وكلا 
الرجلين كان يضع في وسطه جنبية» فالجنبية رفيق العربي» وعلى أية 
حال فقد كانا معتزين بنفسيهما رغم لباسهما الزري» لقد كانا يأكلان 
معي» ولم يكونا يأنفان من طلب المزيد ‏ كما يفعل بعض السادة» أو 
الفرسان الأسبان ‏ لكنهما إذا حان وقت العمل لا يفعلان شيئأء فلا 
الوعد بدفع البقشيش سيحثهما على مساعدتي في نصب خيمتي» لقد 
كانا يتوقعان أن يعد لهما حتى طعامهماء وكان علي - في معظم 
الأحوال - أن أستخدم الشدةء» فحتى عذري. المتجلي في قدمي 
المعطوبة كان غير كاف لأن يدبروا أمر وضع الشقدوف الخاص بي 
على ظهر جملي وهو مناخ» ويقولون إنها عادة قديمة منذ زمن سحيق 
في هذه المنطقة أن يستخدموا السلم إذا كانت أقدام الراكب يلم بها 
الألم» ووافقتهم على قولهم. لكنني ذكرت لهم أنه ليس لدي سلمء 
وأخيرأء وقد تعبت من عنادهم» نزعت لجام الجمل وأجبرته» بالقوة 
نفسهاء على الإناخة . 
)١(‏ قال المترجم: اسم محلي لنوع من السيوف يبلغ ثمنه من سبعة جنيهات استرلينية 


إلى ثمانية. والأنواع التي صنعت حديثاً منه يبلغ سعرها حوالي عشرة جنيهات 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 617 
[04:] لقد ظللنا مسافرين في اتجاه الجنوب الشرقي طوال ثلاث 
ساعات في سهل قاس ومسطح رملي» وبالتدريج كنا نقترب نحو 
الجبال» وعندما غربت الشمس لاحظت أننا قد اقتربنا منها بشكل 
ملحوظء وترجلنا لاستراحة قصيرة» وعندما أوغل المساء اتخذنا 
سبيلنا في الاتجاه الشرقي مباشرة» وعبرنا منطقة مكشوفة ونحن نسير 
صعداء ترتفع بنا الأرض تديجياًء بشكل ملحوظء وبعد أن أطلمت 
الدنيا بالكاد انطلقت صرخة مدوية من مؤخرة القافلة: حرامي» فتسبب 
ذلك في إحداث فوضى؛ فكل الجمالة لوحوا بهرواتهم الغليظة. 
وانطلقوا راجعين صوب اللصوص وهم يصيحون مهددين متوعدين» 
وتبعهم الفرسان». والحقيقة أنه كان لدى اللصوص من الحدة والشدة 
والمكر وغيرها من الصفات التي يتصف بها من يتخذ من اللصوصية 
مهنة» فربما يكونون قد ساقوا جمال جناح قافلتنا بعيداً بأمان 
واطمئنان» لكن هؤلاء التافهين الجديرين بالازدراء كانوا ستة أشخاص 
فقط.ء وقد أطلقوا قذيفة أو قذيفتين من بنادقهم ذوات الفتائل في 
اتجاههم. ومن ثم فقد ولوا الأدبار» وأثارت هذه الحادثة دهشة غير 
قليلة فقد بدت نذيراً بأمور أكثر سوءاً على وشك أن نواجهها. 


فلمدة تسع ساعات ظللنا نشق طريقنا في ضوء القمر المتألق» 
حتى دخلنا فنا ضيقاً مكتسوا بالحصى والأحجار المكورة. يبلغ 
عرضه زهاء نصف ميل وتحيط به تلال متعامدة تقريباً ذات تكوينات 


فيب 


بدائية . 


وبعد أن سرنا ساعتين في قاع هذا المسيل في اتجاه الشرق» 


رحلة بيرتون 





-© 


وعبور بعضص الحرات والعقبات وأراض صخرية مستوية وجدنا أتفييننا 
في حوالي الساعة الثانية صباحاً بعد مسيرة حوالي أربعة وثلاثين ميلا 


[5] لقد أحرقت الشمس أقدامنا ونحن ننصب الخيمة» وبعد 
تناول الإفطار أمضينا يوماً عادياً في مسح العرق» والنعاس» وعندما 
يكون المرء مرهقاً من الطبيعي أن يأمل في التغيير حتى لو كان تغييراً 
لما هو أسوأء. وعندما بدأ عدونا يميل نحو الغرب» يقصد الشمس» 
شعرنا بأن لدينا الاستعداد الكافي للاستمرار في رحلتناء فبعد الساعة 
الثالئة من اليوم العشرين من شهر يوليو حَمّلنا الجمال بسرعة وبدأنا ‏ 
وقلل الماء في أيدينا ‏ الرحلة خلال عواصف السموم . 

لقد سافرنا طوال خمس ساعات في اتجاه الشمال الشرقي عبر 
سهول جرداءء وأودية صحراوية . 

وبين الساعة العاشرة والساعة الحادية عشرة ليلاً» وصلنا إلى 
مجموعة مساكن» وكانت هذه المساكن تتخذ شكل قرية تنتشر مبانيها 
بغير نظام» واسمها الحمراء» نظراً لحمرة الرمال القريبة منهاء كما 
تسمى الوسيطة”'". لأنها في منتصف المسافة من ينبع إلى المدينة 
المنورة. 


لقد جلنا قرابة الساعة بحثاً عن مكان نعسكر فيه؛ لأن أهل هذه 


. قال المترجم : تنطق عادة (الواسطة). وقد سمعت ذلك من بعض الحجازيين‎ )1١( 





- 611 
القرية كانوا غلاظأاً فشوشوا علينا طالبين منا عدم الإقامة في أية قطعة 
أرض مستوية» دون أن يتكرموا بدلنا عن موضع ننيخ فيه دوابنا 
المرهقة» وأخيراً وجدنا بقعة مناسبة بعد مشاحنات كثيرة» فأنزلنا 
أحمال الإبل ونشرنا الصناديق وبقية الأمتعة على شكل دائرة لمزيد من 
الأمان اتقاء لشر اللصوص الذين يغص بهم هذا الجزء من الطريق» 
وافترش رفاقي سجاجيدهم وناموا فوق أمتعتهم ذات القيمة» وحذوت 
حذوهمء لكن الإزعاج أصابني» بكل ما في كلمة الإزعاج من معنى. 
بسبب قربي من غطيطهم وشخيرهم» فابتعدت عنهم» واعترت الدهشة 
بعضهم بسبب عناد هذا الحاج الأفغاني وطيشهء. لكن مقاومة هؤلاء 
الناس» رفاقه» أحياناً تكون من الأمور المطلوبة» كما أن رجلاً من 
كابول''' له أن يقول ما يشاءء وأن يأتي بأمور غريبة» وكرد على 
تحذيراتهم من مخاطر الليل وضعت سيفي المعقوف بجانبي وحشوت 
مسدسي ووضعته تحت وسادتي» أعني خرج جملي» وبسطت السجادة 
فوق الرمال الباردة المتحركة لأجعل منها سريراً غير مريح بلا شك. 

ومع هذا فقد تمتعت بنوم عميق حتى طلع النهار. 


وفي الحمراء دكاكين قليلة يمكن للمرء أن يشتري منها الغلال» 
وموز الهند بحجمه الكبير»ء والخبزء. والأرزء والسمن» وغير ذلك مما 
هو صالح للأكل» وتمد بساتين النخيل الواسعة القرية بالتمور» والسوق 
هنا عبارة عن طريق طويل مغطى بالحصير هناء ومكشوف للشمس 


22310 قال المترجم : يقصد نفسه ., 





رحلة بيرتون 





3 
هناك» والشوارع الضيقة ‏ إن جاز لنا تسميتها شوارع - مليئة بالتراب» 
ومعرضة لوهج الشمسء» بالقرب من مكان تخييم القافلة توجد قلعة 
للقائد العسكري الذي يرأس فرقة من الخيالة الألبان الذين يقع على 
عاتقهم الدفاع عن القرية وضبط النظام في المنطقة وحراسة التجار 

السافرين: 


وحول قلعة - الحمرا - توجد مجموعة من العرائش من جريد 
النخل يستجم فيها العسكر ويدخنون» وبالقرب منها مقهى معتادة وهي 
ظلة يحتفظ بها الألبان» وهذه العرائش وهذه المقهى يرتادهما العسكر 
بشكل متتابع نظراً لحرارة الجو داخل القلعة. 

]١75[‏ لقد أمضينا يوماً لا راحة فيه في قرية الحمراء وكان الرعاة 
يرعون قطعاناً كبيرة من الخراف والماعزء داخلين القرية وخارجين 
منهاء إلا أن هؤلاء الرعاة كانوا غلاظ الأكباد فلم يعطونا لبنأ ولا حتى 
مقابل الخبز واللحم . 

[577] وأمضينا النهار في ملاحظة البدو الذين يحملون البنادق 
ذوات الفتائل وهم يتسلقون التلال إثر مجموعات الكركي» ولم يسقط 
طائر واحدء. رغم الطلقات الكثيرة التي أطلقت عليه» وهو ما يتناقض 
مع القول المعتاد عن براعتهم في الرماية . 

[577] وقبل الإفطار اشتريت خروفاً متوسط الحجم بدولارء 
وسرعان ما أعد رفاقي إفطاراً من لحم ضأن مسلوقء إلا أن هذا 
الخروف كان سببا للنزاع؛ فالولد محمد باع رأسه لأحد البدو بثلاثة 





المختار من الرحلات الحجازية 





قروش» فهاج الآأخرون لضياع نصيبهم في هذه الصفقة» ووجدت 
بعض الصعوبة في إحلال السلام بينهم فلم يكن من مصلحتي أن 
يتعاركواء إلا أنه لتطبيق العدالة وفقاً لعادات العربس» فلا أيسر على من 
يعرفهم من العزف على مشاعرهم الطيبة فقولك لهم (إنه غريب في 
بلادكم ء إنه ضيف) عبارة تفعل مفعول التعويذة» فاستمعوا بصبر 
لشتائم محمد الفاحشة. ووعدوا بألا يردوا عليه إلا في بلده التي يقال 
إنها بالقرب من مكة المكرمة . 


غير أن ما عكر علينا يومنا على نحو خاصء هو ما قيل من أن 
سعدا شيخ المنسر (رئيس اللصوص الكبير) وأخاه كانا في حالة نشاطء 
وعلى هذا فإن مسيرتنا ستتأخر لبعض الوقت». وكان بعض القيل والقال 
يأتينا كل نصف ساعة من المخيم أو المقهى» فيضيف وقوداً إلى نار 
صبرنا النافد. 


[574] إنه أمر لا يحتمل ألا يسمع السلطان عبدالمجيد"'' كلمة 
صدق واحدة عن الحجاز» فحاشيته البغيضة تصور له أن أهل الحجاز 
يرتعدون من ذكر اسمهء وعلى أية حال. فإن حكومة السلطان 
عبدالمجيد راغبة» إن كانت التقارير التي تصلها صادقة في جعل 


)010( هو السلطان عبدالمجيد بن محمود خان» ولد سنة 0١1727‏ وتولي الخلافة 
وعمره سبعة عشر عامء وكانت الدولة في غاية الاضطراب». وجرت في عهده 
حوونية كترة بيو الدولة» الكتمانة ومحمد علي باشاء وبين الدولة العثمانية 
وبعض دول أوربا. توفي سنة 151/7 رحمة الله تعالى. انظر تاريخ الدولة العلية 
العثمانية» 5060 - 60759., 


رحلة بيرتون 





ل 
الحجاز على عاتق الحكومة المصرية التي ستدفع عن طواعية ورغبة 
مبلغاً كبيراً لتجنب مثل هذه الكوارث» فالأرض المقدسة تستنزف 
الذهب التركي والدماء التركية بشدة» ومشايخ العرب يقومون بدور 
وضيع . 

[5:74] وفي ظل الحكم المطلق قوي اليد والقلب» كحكم محمد 
على» فإن الحجاز في خلال جيل واحد قد يتخلص من هذا الطاعون”'' 
فتلك الآلاف القليلة من اللصوص وقطاع الطرق أنصاف العراة الذين 
يجعلون البلاد ديار حرب سيختفون حالاً ويطويهم النسيان إذا طبق 
بحزم مبدأ الأخذ بالثأرء وإذا قدمت المساعدات الفعالة للطبقات 
الضعيفة ضد الطبقات الأقوى. وإذا أوقفنا كل بدوي عند حده. 
فالبدوي يعتبر البداوة فخراً له» وفوق كل هذا إذا طبقنا العدالة بشكل 
صارمء ولتحقيق ذلك فإنه يلزم الترك استعادة الحكومة العسكرية 
القديمة ذات الطابع الدموي . 


[5"55] فلسنا في حاجة إلى غبوان تتلا لنتوقع اليوم الذي يحرر 
الوهابيون أو البدو البلاد من الفاتحين الضعفاء”'' . 


والحمراء هي المحطة الثالثة من المدينة المنورة في الدرب 
السلطانى أو الطريق العالى7؟» والخط الغربى يؤدي إلى مكة المكرمة 


. قال المترجم: المقصود الفوضى وانعدام الأمن. . . إلخ‎ )١( 

(؟) قال المترجم: لقد انتصر السلفيون فعلاً» ووحدوا جانبا كبيراً من شبه الجزيرة 
العربية بعد ذلك» وأسسوا مملكة شاسعة هى المملكة العربية السعودية. 

0 .مضه بالذزت العالى السلطاتق طريق احاح .دن تركنا إلى الحرفنين: 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 611 
على طول ساحل البحر» وإذا أذن اللصوص فإن الحجاج يفضلون هذا 
الطريق لاعتدال مناخه وتيسر الماء به وقربه من البحر ولمروره ببدر 
التي شهدت أولى غزوات الرسول كَل في السنة الثانية للهجرة . 

وبعد منتصف النهار في اليوم الواحد والعشرين من شهر يوليو بعد 
أن رتبنا أمورنا وصلت من مكة المكرمة قافلة» وكان هؤلاء المسافرون 
الجدد حريصين على اصطحاب حرس معهم وأن يتخذوا طريقهم 
بسرعة ودون تأخير للمدينة المنورة» وقد ملأتنا هذه الأخبار الطيبة 
بالسرورء وبعد الساعة الرابعة مساءً بقليل حثثنا جمالنا اللاهئة على 
المسير فوق الرمال الملتهبة للحاق بالمكيين الذين كانوا متأهبين 
للمسير في الجانب الآخر من بطن السيل» وبعد ذلك بساعة اتخذنا 
اتجاهاً شرقياً. 

وقد وجد رفاقي في قافلة المكيين أصدقاء وأقارب . 

ولما غربت الشمس أدوا صلاة المغرب باستمتاع وحماسة . 

ثم تناولنا عشاءنا وامتطينا خيولناء وبدأنا السفر مرة أخرى . 

[5717] وبعد أن هبط الليل بقليل كان علينا أن نتوقف فجأة إذ 
سمعنا اثني عشر تقريراً ‏ رواية ‏ في هذه الظروف». ذلك أن جماعة من 
البدو تحصنوا في ممر ضيق وأرسلوا لنا وفداً ليأمرنا بالتوقف». لقد 
شور فى اعجار اميحر لكا والمروي الكل أعير ا يسدر ا ناميه 
أبثاء التديعين اليك سعين مكة والملنة» فتسيهوا لكا بالمرود قرذا فردا 
حتى يعود المسلحون منهم من حيث أتواء فهم يكرهون ويخافون 





19 ل 


كفلاحي أيرلنداء وفوق هذا فإن حرسنا أداروا خيولهم وعادوا 

وفى الساعة الرابعة صباحاً وصلنا إلى بير عباس. بعد أن قطعنا 
أربعة وعشرين ميلا في اتجاه الشرق . 

بين بئر عباس إلى المدينة المنورة 

كان اليوم الثاني والعشرين من شهر يوليو محنة كبيرة لقافلتنا 
الصغيرة» فموقع بير عباس يشبه تماماً موقع الحمرا. 

وتوجد هنا القلاع الحجرية المعتادة والعرائش المشيدة من جريد 
النخل للعسكر المقيمين هنا لحراسة المكان والمسافرين» كما توجل 
مقهى في ظلة» وكوخ ‏ عريش - أو كوخان يطلقون عليه اسم السوق. 

[514] ولا توجد قرية هناء لقد كان الموضع الذي خيمنا فيه 
عبارة عن أرض ذات رمل هش. عصفت به رياح السموم» فعبأت 
الهواء به ولم ثر العين شجرة أو حتى شسجيرة ١‏ أما عن الحياة 
الحيوانية . فلم يبق منها سوق أنواع من جراد شديد الاحتمال» 
و سير نت من ذبابف» لقد كان المشهيد صورة مشوهه تشويهاً بالغاً لما 
ذلك بانحدار مقسمات المياه ‏ إلا أن شمس منتصف التهار كانت 
تحرقنا حتى ونحن داخل الخيمة» التى سقطت أكثر من مرة» وكانت 
إعادة نصبها مؤلمة بسبب حرارة الرمال» وهرع زملائي مرة أخرى بعد 


المختار من الرحلاات الحجازية 





م6 


تناول الإفطار إلى المقهى وعادوا واحداً إثر واحد بحكايات وتقارير 
تدعو للكآبة» وانخرطوا بعد ذلك إما في عراك لا معنى له» أو ألقوا 
بأنفسهم على أبسطتهم متظاهرين بالنوم» وهم في جهامة وعبوس 
كاملي 

وقبل الظهر وصلت قافلة صغيرة كانت تتبعنا»ء وكانت تحمل 
حثتين» إحداهما لجندي حراسة أطلق البدو عليه النارء وثانيهما 
لآلباني مات بضربة الشمسء» أو بفعل الرياح الملتهبة . 

وبعد منتصف النهار بوقت قليل غادزتنا هذه القافلة متجهة في 
اتجاه معاكس» وكانت تتكون بشكل أساسي من حجاج هنود يرتدون 
ملابس الإحرام ويسرعون صوب مكة بشوق حارء وقد سمح لهم 
بالمرور دون إزعاج. وذلك لأنه قد لا يمكن جمع جنيه استرليني من 
جيوب مائة منهم» كما أن لسعدٍ قاطع الطريق بعض المآثر الهينة في 
أحيان» لكن جماعتنا ‏ قافلتنا - بدت غير قادرة على استعادة رباطة 
جأشها بسبب هذه الحادثة رغم رغبتنا في الوصول سريعاً للأماكن 
المقدسة:. 


الذين كانوا ذاهبين إلى بير عباس لاستلام رواتبهم - أعطياتهم '''. 
وبدون هذه الرشاوى ‏ يقصد الرواتب - فإن القلاع والأسوار لن تمكن 
اليَرك من الاحتفاظ بالحجاز والدفاع عنه ضد هؤلاء الجبليين» وهو 


. يقصد ما يأتيهم من الدولة العثمانية‎ )١( 


رحلة بيرتون 





سس 
قول شائع وأعتقد أنه صحيح» وبالإضافة لهذا فإن هؤلاء الشيوخ الذين 
يتقاضون رشاو ‏ أعطيات ‏ كبيرة لا يقومون بعمل طيب» فعندما تنشب 
الحرب. أو يقطع الطريق فإنهم يدعون عجزهم عن كبح جماح 
عشائرهم» وهؤلاء الشيوخ أغنى من غيرهم» وبالتالي فقد أصبحوا أكثر 
خطورة وقدرة على البطش» ونظرت قافلتنا جيداً» فوجدت أن هؤلاء 
الشيوخ كانوا من قبيلة حرب. وكان كبار السن عليهم سيماء الوقار 
ويلبسون الزي العربي التقليدي كأبهى ما يكونء وكانوا منتصبين» ذوي 
ملامح نحيلة وحادة» ولحى بيضاء؛ ومسلحين تسليحاً جيداً» ويمتطون 
جمالاً أصيلة من الشرق» مجهزة تجهيزاً جميلاً» يتبعهم رجال من 
عشائرهم نصف عراة» يحملون رماحاًء يبلغ طول الرمح منها اثني عشر 
قدماً أو ثلاثة عشر قدمأء ومزينين بريشة نعام قصيرة سوداء أو ريشتين» 
ويحملون بنادق ثقيلة ذوات فتائل» أطلقوها عند اقترابهم من القلعة. 
ولم يكن تصرفهم يخلو من طابع الخيلاء المتبريرء وبعد استقبال 
الشيوخ». سرعان ما أقيم استعراض عسكري قام به الفرسان 


الأرناؤوط”'' غير النظاميين» وكانو خمسماثة. 


[470] وفي تلك الليلة دخل شقدوفي فمن الحمق أن أنام في 
ذلك مجرد حذر بائس إن كان قريباً من وكر اللصوص.» فإذأ جرحت 
رجلا أثناء عملية سلبك فلا بد أن تدفع مبلغا باهظاً ثمنآً لدمه, وإذا 


)١(‏ قال المترجم: أي الألبان. 


المختار من الرحللات الحجازية 





600 


قتلته ‏ حتى لو كان ذلك دفاعاً عن النفس - فقل وداعاً لحياتك». ولما 
استيقظت ثلاث مرات أو أربع ليلاٌ بسبب حركة الكلاب وأبناء أوى 
التي كانت تتسكع حول معسكرنا الصغيرء لاحظت أن رفاقي الذين 
كانوا قد وافقوا أن يتناوبوا الحراسة قد استغرقوا جميعاً في نوم عميق» 
وعلى أية حال فعندما استيقظنا صباحاً لم تسفر مراجعتنا للبضائع 
والممتلكات عن ضياع شيء. 





[81] وفي اليوم التالي 7 يوليو توقفنا توقفاً إجبارياء فالألم 
يثير في المسافر حدة الطبع» والشمس والرمل والغبار ورياح السموم 
البشعة ونقص بعض المؤن القليلة ضاعف من غضبناء وكانت قدمي 
المتقرحة قد زاد التهابها بسبب قشر البصل الذي وضعته عليهاء وقد 
دفعت عشرة دولارات للحصول على جمل جديد ليحملني إلى 
المدينة ؛ لأني وجدت أن حل ما نحن فيه من مشاكل يكمن في التقدم 
مستمرين في السفر بأية وسيلة يمكن تدبيرها للمدينة المنورة . 

وقد أمضينا اليوم كالمعتاد؛ فقد ازدحم الجميع تحت الخيمة 
لتكون لهم وقاءء وبينما جماعتنا - بشكل عام يختبئون من النظرات 
النارية للشمسء» كان آخرون إما يأكلون» وإما يدخنون» أو كانوا 
مشغولين بشرب الماء والتبرد به» وعند غروب الشمس تقريباً وصلنا 
خبر بأن علينا أن نبدأ المسير هذه الليلة» ولم يكن أحد ليتصور أن 
القدر قد ادخر لنا هذا النبأ الطيب». وعلى أية حال فقبل النوم وضعنا 
حمولة كل جمل على حدة لتكون جاهزين لتحميله في اللحظة المناسبة. 
واتتقلقا حدوناسه أن باحن البو المضالعيون لتاذواينا يعدا . 


رحلة بيرتون - 

وأخيراً في حوالي الساعة الحادية عشرة ليلآء عندما بدأ القمر 
يظهر الجوانب الشرقية للصخورء سمعنا الصوت البهيج للطبلة داعياً 
الفرقة الألبانية. لامتطاء جيادها لبدء المسيرء وفي أقصر وقت ممكن 
كان الجميع مستعدين» وبسرعة عبرنا السهل الرمليى» وسرعان ما 
وجدنا أنفسنا بصحبة ثلاث قوافل أو أربع» فكونا قافلة كبيرة مما يهيء 
لنا فرصة أفضل. لمواجهة الحوامد المرعبين» وفي مثل هذه الظروف 
يندفع الجميع للأمام بطيش - كالغوغاء الإنجليز الذين يتزاحمون لرؤية 
مشهد ‏ ومؤخرة القافلة» لكونها بدون حراسة» كانت تعد هي المنطقة 
الموضحة للخطرء ولم يحاول أحد أن يحظى بشرف شغلها. 

[4"7] وعند الفجر تقريباً في اليوم الرابع والعشرين من شهر 
يوليو وجدنا أنفسنا في شعب سيء السمعة يسمى شعب الحجء وكلما 
اقتربنا منه خرست أصوات ذوي الحناجر القوية» ونطقت وجوههم 
بالخوف والجبن الواضح في تكوينهم» ومن منحدر صخري شاهق عن 
يسارنا سرعان ما ظهر خيط دخان أزرق ملتف. جذب إليه كل العيون 
بشكل أو بآخر ‏ لقد ارتفع هذا الخيط الدخاني في الهواء وسرعان ما 
دوت فرقعات حادة صادرة عن البنادق ذوات الفتائل لرجال التلال» 
ورددت الصخور صداها عن أيماننا. 





وبدا عدد من البدو يحتشدون كالدبابير على قمم التلال أولاداً 
ورجالاً يحملون أسلحة ضخمة ويتسلقون بخفة القططء واتخذوا لهم 
مواقع مريحة على رواب صغيرة» وبدأوا يطلقون النار علينا بارتياح 
كامل» لقد منعني ارتفاع التلال ووهج الشمس المرتفعة من رؤية 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 62 
الأشياء بوضوح. إلا أن رفاقي قد أشاروا لي إلى المكان حيث كانت 
الصخور تنحدر بشكل شبه عمودي» وحيث كان يوجد متراس حجري 
سميك وقد أعدت لتكون وسيلة للدفاع ولتبرز من ورائها الماسورة 
الطويلة للبندقية ذات الفتيل» ولا جدوى من هذا المتراس في حالة 
هبوط البدو وشروعهم في مقاتلتنا كما يتقاتل الرجال في السهول؛» لكن 

ذلك قلما يحدث في الحجاز. 


[477] ولم يكن موائماً لحراسنا ‏ أيضاً ‏ أن يطلق النار على عدو 
كامن خلف الصخورء وبالإضافة لهذا فإنه إذا تم قتل لصء فإن 
المنطقة كلها ستقوم قومة رجل واحد لتنتقم مناء بقوة قوامها 7٠٠١‏ أو 
٠‏ وقد يكون لديهم من الشجاعة ما يجعلهم يهزمون قافلة» وفي 
هذه الحالة فلن ينجو من أفرادها أحدء وقد وجه البدو نيرانهم - بشكل 
رئيسي - نحو الألبان. 


وقد طلب هؤلاء مساعدة جماعة شيوخ العرب الذين اصطحبونا 
من بير عباس» لكن الشيوخ الوقورين ترجلوا وجلسوا في حلقة حول 
شيشهم وذكروا أنه ربما لا يصيخ اللصوص السمع لهم» لذا فمن 
الأفضل عدم تجشم عناء الكلام . 

ولم يكن لدينا ما نفعله سوى أن نتلمظ غضباً كلما اشتعل 
البارود» وأن نحجب أنفسنا كلما أمكئنا ذلك» ولقد كان نتيجة الأمر 
أن فقدنا اثني عشر رجلاء بالإضافة لجمال وغيرها من دواب التحميل» 
ورغم أن اللصوص لم يبدوا علامات الشجاعة من موقعهم فوق قمة 


رحلة بيرتولن 








التل» إلا أن رفاقي رأوا أن يعتبروا هذا الأمر المشكوك فيه عملا فائق 
الجرأة . 


وبعد ساعة أخرى أرهقنا فيها دوابنا من الجري خلال وادي 
السيالة ظهرت لنا قرية الشهداء التى اندفعنا إليهاء وهذا الوادي الذي 
كان اهلاً بالسكان خرب الآن. 


وبعد نصف ساعة أخرى وصلنا إلى محطة توقف أخرى ملائمة» 
إنها بير الهندي التي حملت اسمها نسبة لبعض الهنود الذين حفروا بثراً 
في هذا المكان. ولكننا تركنا البئر خلفنا رغبة في الابتعاد قدر الإمكان 
عن وكر حميده''' ومن ثم اتجهنا صوب الشمال في طريق مطروق في 
أرض حجرية مرتفعة» لقد أصبحت الحرارة مسببة للمرض هناء 
فالشمس أكثر لهيباً وخطورة بعد الفترة من الثامنة إلى التاسعة» ولا زلنا 
نسرعء ولم نصل إلى مقصدنا إلآ في حوالي الساعة الحادية عشرة. 

وكان علينا أن نقطع في ذلك اليوم حوالي اثنين وعشرين ميلا 
وكان الطريق يتخذ اتجاهاً شرقياً مباشرأء والملاحظة الوحيدة على 
مظاهر السطح أن الأرض كانت ترتفع بشكل مستمر. 

وفي الساعة الرابعة بعد الظهر في الرابع والعشرين من شهر يوليو 
غادرنا (السويقة). وتبادلنا جميعاً الفكاهات المرحة» واتخذنا اتجاهاً 
شمالياً شرقياً. 





6 


[471] وقلما رأيت مثل هذه المباراة - المعروفة بين الأطفال 
الأشقياء - تمارس حتى بين الرجال الشرقيين» فالولد محمد لفت نظري 
بشكل خاص أن لحى الجمالة كانت الآن في قبضة يده بمعنى أنهم الآن 
بعيدون عن قبيلتهم ‏ قبيلة حرب - وسرعان ما افتعل سبباً ليتعارك 
معهم. فلمجرد أنهم لم يردوا على أحد أسئلته بسرعة حتى انهال 
عليهم بالسباب المقذع الذي جعلهم يمدون أيديهم في اتجاه سيوفهم. 
وعلى أية حال فرغم هذا المسلك التهديدي فإن الفتى كان يعرف أنه 
يستطيع أن يتمادى كما يشاء دون خطر يحيق به فاستمر في سبابه . 


ونظر الذين يشاركون الجمالة في طابعهم البدوي إلى الفتى 
بكراهية وازدراءء وتمتموا قائلين: بالله بالله وبالله يا ولد إننا سوف 
نجلدك ككلب الصيد عندما نمسك بك في الصحراء؛» وطلب كل رفاقنا 
من الولد محمد أن يكف. لكن انفعالاته قد طغت تماماً على حذره. 
فعبر عن نفسه بتعبير عربي تقليدي» وبلهجة حجازية» حتى أنني لم 
أكن راغباً فى إسكاته . 


لقد أشرقت الشمس صبيحة الخامس والعشرين من شهر يوليوء 
قبل أن أتخلص من إرهاق هذه الليلة تمامأء وكان كل من حولي يحثون 
جمالهم على المسير رغم الأرض الصخرية» ولم يكن أحد لينبس ببنت 
شفة مع جاره»ء وكان من الطبيعي أن أسأل: «أئمة لصوص؟» فأجاب 
الولد محمد: «لا2 إنهم يسيرون بأعينهم» فسوف يرون منازلهم حالاًء 
وبسرعة اجتزنا وادي العقيق الذي وصفه الشعراء العرب وصفاً جميلا . 


رحلة بيرتود 





-© 


وبعل نصف الساعة من مغادرة هذا الوادي وصلنا إلى مدرجات 





طويلة فسيحة نحتت بخشونة في بازلت بركاني أسود وتسمى المدرّج 
وتقع على الحرف الغربي لما يسمى (الحرتين)» وهي أرض مقدسة 
لأن الرسول يَكَةِ قد ذكرها بخير”؟» ولما وصلنا للقمة مررنا عبر مجاز 
(ممر ضيق) من الحمم البركانية (اللافا) الداكنة على جانبيه منحدرات 
عميقة» وبعد دقائق قليلة ظهرت لنا ‏ فجأة ‏ المدينة المنورة بكاملها. 


فأوقفنا دوابناء وكأنما صدر أمر حاكم بذلك» وترجل جميعنا 
تأسياً بما كان يفعله الأتقياء من السلف». وجلسنا منهكين جوعى كما 
كنا نمتع أعيننا بمنظر المدينة المنورة : 

[1576 يا الله : هذا حرم نبيك » اجعله لنا درءاً من نار جنهم 2 
ونجنا من عذابك يوم القيامة» يا الله : افتح لنا أبواب رحمتك» وأدخلنا 
البحارء»ء ورمال الصحراء» ياذا الجلال والإكرام صل عليه ما نبتت 
حقول القمح وما أثمرت النخيل . 

بمثل هذا الوجد الشعري الذي أحاطني من كل جانب يتجلى مدى 
اصطباغ لغة العرب بالخيال العميق» بسبب عاطفتهم الدينية الجياشة . 
المنورة. لم يكن هناك ما يلفت النظر بعد المناطق المقفرة التي مررنا 


. وذلك لأن النبي كله حرّم ما بين حرّتي المدينة‎ )١( 


المختار من الرحلات الحجازية 





ع 
بهاء ولم يكن ممكناً ألا أتغلغل في مشاعر رفاقي. وفي حقيقة الأمر 
فإنني أعتقد أن حماسي وتعاطفي مع مشهد المدينة المنورة قد ارتفع 
بقدر حماسهم وتعاطفهم لبضع دقائق» إلا أننا بعد أن ركبنا دوابنا مرة 
أخرى استعدنا رباطة جأشناء ورسمت مخططاً مبدئياً للمدينة المنورة» 
صورة على البعد»ء ووضعت أسئلة عن المباني المهمة» وؤخصصت 
الفصول التالية لما جمعته من معلومات عن المدينة المنورة. 

لقد كانت المسافة التي قطعناها هذه الليلة حوالي اثنين وعشرين 
ماك في اتجاهات تتراوح بين الشرق والشمال الشرقي» وقد وصلنا 
المدينة المنورة في الخامس والعشرين من شهر يوليو» وبذلك تكون 
رحلتنا قد استغرقت حوالي ثمانية أيام» وأكثر قليلاً من مائة وثلاثين 
ميلاً» وهذه الرحلة تنجز في أربعة أيام بالجمال» ويمكن لجمل قوي 
أن يتمها بدون صعوبة في نصف هذا الوقت. 


المرور خلال ضاحية المدينة المنورة إلى منزل حامد(© 


تقع المدينة المنورة على بعد ميلين تقريباً» وتبدو كبيرة رحبة عند 
النظر إليها على البعد. فإذا ما اقترب المرء منها وتمعن تبين له مدى 
وثمة طريق متعرج من الحرة إلى المدينة المنورة يتلوى عبر 
السهل؛ ويفضي إلى بوابة مرتفعة ذات شكل مستطيل في السور الطيني 


رحلة بيرتون 





- 9 


الذي يسور الحي إنها بوابة العنبرية» وإلى اليسار منها مبنى جميل على 
الطراز التركى عليه قباب ومآذنء إنه التكية التى أقامها الراحل محمد 
علي لتأوي المسافرين من الدراويش» وإلى اليمين منها صف طويل 
من مبان منخفضات مطليات باللون الأبيض» لها نوافذ مربعة أشكالهاء 
ويُعُوزها الجمال رغم أنها تمثل محاولة لتقليد نوافذ الثكنات 
المتحضرة . 


وفيى حي المناخة (ومعناها مكان إناخة الإبل) تبرز - متألقة - 
القباب ومآذن المساجد الخمسة بين كتل المنازل الرمادية والأرض 
الجرداء ذوات المنظر غير المشرق» وإلى الخلف في أقصى شرق 
المدينة المنورة يشاهد المرء على البعد جوهرة المدينة ودرتها إنها 
الأبراج (المآذن أو المنارات) الأربعة المرتفعة» ذوات البناء المكين. 
والقبة الخضراء المتألقة التي دفن الرسول كَل تحتها . 


[471] وبعد أن استرحنا لخمس دقائق ركبت دابتي ثانية» 
واتجهنا الهوينى إلى البوابة» لقد كان الطريق غاصاً ‏ حتى في هذا 
الوقت الباكر ‏ بالجموع المشتاقة التي خرجت للقاء القافلة» أما رفاقي 
فقد فضلوا أن يكونوا راجلين لسبب واضح.» وهو أن يتمكنوا من لقاء 
الأقارب والأصدقاء بتبادل القبلات والأحضان وبالمصافحة» حقيقة أن 
العرب يظهرون حرارة ودفئاً في مثل هذه المناسبات أكثر مما يظهره أي 
شعب شرقي آخر عرفته» فهم ذوو عواطف جياشة تفوق كثيراً عواطف 


)١(‏ هو محمد علي باشا والي مصر المشهور. 





- :6 
الفرسء كما أن طباعهم أكثر تعبيراً ووضوحاً من طباع الهنود. 
وكظاهرة عامة فإن نوافير العيون تفيض بالدمع عند الالتقاء بالأقرباء 
المقربين د الحميمين وزملاء الدراسة» ويحيي الأصدقاء 
ورفاق السلاح بعضهم البعض الآخر بصرف النظر عن الرتبة أو حظهم 
في الحياة وي حميمة وباستفسارات كثيرة لا تتيح فرصة للإجابة 
إلا قليلاً» والأسلوب العام للتحية هو أن يلقي الواحد منهم ذراعه على 
كتف الآخرء فيقوم الآخر بلف ذراعه على وسطه. ويضع ذقنه على 
عظام ترقوته اليسرى. ثم على عظام ترقوته اليمنى» ويتم تبديل 
موضعي القبلات والربت على الكتفين في كلا الجانبين الأيمن والأيسر 


بسرعة . 


وأفراد الطبقات الدنيا يحيون أفراد الطبقات الأعلى بمحاولة تقبيل 
يعرفون بعضهم البعض الآخر معرفة سطحية ‏ فتحيتهم إشارة حارة» ثم 
يرفع الواحد منهم أطراف أصابعه إلى شفتيه» ويقبلها (أي يقبل أطراف 
أضاعه هو) بتلةذ ظاهر 4 ويعك مرورثا سوابة العديرية + سير نا بط أرتالا 
في طريق عريض مترب» واجتزنا حي العنبرية ومعظم حي المناخة. 
وهذا الطريق يلى فى جودته طرق القاهرة» إلا أنه أكثر اتساعاً وأكثر 
انتظاماً من تلك الطرق التى تعود عليها المسافرون فى المدن الآسيوية. 
وقد اعترتني الدهشة وأنا أرى على جانبي الطريق ‏ وفي مساحة صغيرة 
كهذه ‏ هذا العذد الكبير جداً من المنازل المهدمة والتى لحقها الخراب 
فلم تعد تصلح للسكنى» ثم عبرنا جسراً مقاماً على بطن سيل السيح 


رحلة بيرتون 








440 سب 
يبدو في , بعض المواضع أن عرضه يبلغ خمساً وخمسين قدمآء كما كما أن 
شاطئيه يظهران علامات مائية تؤكد المستوى المرتفع والعميق للمياه 
في هذا السيل. وكان الجسر الذي عبرناه من حجارة مقطعة غير 
مصقولة ومقنطراً (مقوسا) قليلاً» والطريق هنا يمر ببر المناخة (البر هنا 
بمعنى سهل) ويؤدي طريق مستقيم إلى الباب المصري للمدينة المنورة 
لكننا استدرنا ناحية اليمين» وبعد أن قطعنا ياردات قليلات وجدنا 
أنفسنا عند مدخل دار صديقنا حامد. 


لقد كان الشيخ حامد ‏ قد سبقنا في الصباح الباكر لتجهيز مكان 
لضيوفه» وليتلقى التهاني الأولويات والأحضان الحارة من أمه وابنة 
عمهء وكان من الواضح أنه لم يكن قد أنهى هذا الواجب الباعث على 
السرور وعندما وصلناء لأن إبلنا بركت ما لا يقل عن خمس دقائق أمام 
باب داره قبل أن يخرج إلينا لتقديم التحيات الكريمة المعتادة . 


[41] وقد رحت أحملق مندهشاً من التغيير الذي اعترى منظره 
هذا الصباح. فقد مرت شفرة الحلاقة على رأسه ووجهه”''. أما رأسه 
فقد أصبحت الان مغطاة بعمامة من الموسلين (الموصلي) بحجم كبيرء 
ملفوفة حول طاقية جديدة مطرزة» أما وجهه فبالإضافة إلى أنه أصبح . 


)١(‏ قال المترجم: الحلاق في بلاد الشرق لا يكتفي بإمرار الموسى ‏ الشفرة - على 
المواذ ضع التي ينبت بها الشعر وإنما لا بد أن يكشط الجبهة. ويشذب 
الحواجب. وينتف الخدودء ويمر بنصل الشفرة سريعاً على الأنف ويصحح 
خطوط الشارب العلوية والسفلية؛ ويفصل بين جناحي الشارب من الوسط»ء وما 
إلى ذلك (موجز تعليق بيرتون) . ظ 





6:5 > 


حليقاً نظيفآء فقد كان يزدان بشارب صغير ارتفع طرفاه كفاصلتين» أما 
لحيته فكانت كلحية العنز إلا أنها مسحوبة أو مدببة الطرف حتى غدت 
شبيهة بما يسميه النحويون علامة تعجب! وقد استبدل بقميصه القذر 
المهترىء والحبل الملفوف حول خاصرته جبة حمراء وردية من صوف 
نفيس» فوق قطفان من قماش مزركش بالزهورء وصدرية جميلة من 
فماش حريري وقطني. وتمنطق بحزام من نسيج مربع نقشهء له 
شراريب متقنة عند طرفيه» ولفه حول وسطه عند ثلثي قامته»ء وأحسن 
عرضه بفتح جبتهء أما سرواله الطويل فكان ‏ أيضاً ‏ من القماش 
الهلالي» وكانت أطرافه التي تصل إلى كاحلي قدميه موشاة بطريقة تنم 
عن ذوق راقء أما قدماه اللتان كانتا حافيتين قد سفعتهما الشمس. فقد 
أصبحتا نظيفتين بفعل الغسل الجيدء وقد دسهما في مسد (خف 
داخلي) وببش (خف خارجي) من جلد ذي لون ليموني على أحدث 
طوز (مودات) التفصيل في استانبول» وفى إحدى يديه التي أصنيفة 
الآن رقيقة نظيفة كان الشيخ يحمل مسباحاً من عرق اللؤلؤ دلالة 
التقوى. وفي يده الأخرى بعض الغلايين وعود ياسمين وقطعة عنبر 
غالية الثمنء وكان كيس التمباك الخاص به يتدلى من خصرهء كما 
يتدلى كيس نقوده الصغير من جيب صدر قفطانه الذي كان كسائر ثيابه 
من قماش ثمين موشى بالذهب . 

وفي الوقت نفسه رأيت كل رفاقي قد تغيرت هيآتهم بشكل 


إدراك فإنهم يظهرون في ثياب خلقة كما كانوا أو عندما يرغبون أن 


رحلة بيرتول 





:6 سس 
يكونوا مجهولين لا يعرفهم أحد. ويرتدون الملابس الكتانية الجميلة 
وو وا معو ا فيه من رخخاء أو في الأماكن 
التي يريدون أن يأخذ الناس عنهم هذا الانطباع من خلال ملابسهم 
الفخمة؛ وعلى هذا فملابسهم الغالية الثمينة لا يلبسونها إلا لأيام قلائل 
بعد عودتهم من الرحلة ليقدموا بها البرهان أنهم كانوا في مهام أو 
يسعون لتحقيق بعض الأهداف. وبعد ذلك يدخرونها ويضعون معها 
عطر الخزامى. ويحفظونها لاستخدامها في المناسبات» تماماً كما 
تفعل العجائز في أوربا اللاتي يحتفظن بثياب المناسبات . 

وأخذ الشيخ حامد ‏ الذي تغيرت حاله بعباءته هذهء من رجل 
سوقي فظ إلى رجل كيس رزين - بيدي وصعد بي إلى المجلس الذي 
كان قد كنس وزين وزود بالأدوات المطلوبة للاستقبال المرتقب» 
وخلفنا كان الولد محمد يتبعنا وقد بدا أكثر دونية» خجلاً من منظره 
بشكل لا يمكنني وصفه. فقد كان لا يزال في ثيابه الرئة وكان يشعر ‏ 
بشكل حاد ‏ أن كل زائر يحدق فيه» وقد يقول في سريرة نفسه: من 
هذا الدَعِيّ؟ 

ومن الأمور المعتادة لكل الأقارب والأصدقاء أن يزوروا المسافر 
زيارة قصيرة في اليوم نفسه الذي يعود فيه حتى تدوم الصداقة. وكانت 
النارجيللات معدة ومعمرة» والديوان ممتد كما ينبغي» وكانت القهوة 
تعد على مجمرة في الممرء ونادراً ما كنت أتخذ مكاني عند عتبة 
النافذة الباردة ‏ لقد كان هذا المكان هو أفضل مكان في الغرفة ‏ عندما 
يبدأ الزوار في التدفق ويهب الشيخ للترحيب بهم ومعانقتهم» وقد 


المختار من الرحلات الحجازية 





- :6 
جلس هؤلاء الزوار ودخنواء وتحدثوا بلباقة» وسألوا كل ما يخطر على 
البال من الأسئلة عن عابري السبيل وعن الأصدقاء الغائبين» وشربوا 
القهوة» وبعد انقضاء نصف ساعة على الزيارة هبوا فجأة وتبادلوا 
العناق» ثم غادرواء وكان الشباب يدخلون بهدوء بعد أن يتعانقوا عند 
الباب ويجلسون بأدب على أسوأ المقاعد بعد إلقاء تحية خجولة على 
جمع الحاضرين» ويدخنون ويتناولون قهوتهم بعد تمنع ويخرجون من 

الغرفة بهدوء كما دخلوها. 


أما العظماء فهم مشغولون ومغرورونء وبالإضافة إلى رزانتهم 
فإن لسان حالهم يقول: (حسناً فعلنا في هذا العام) وظهورهم يكون 
مصحوباً بالضوضاء المصاحبة لوقوف كل الحاضرين على أقدامهم. 
توقيراً لهمء وإذا جلسوا (أي هؤلاء العظماء) جلسوا بطريقة توحي 
بالأهمية» واحتكروا النقاش» ويغادرون المكان بطريقة تنم عن الأهمية 
مصحوبين بالتبجيل» متوقعين أن يهب الجمع وقوفاً بهذه المناسبة . 


[] والجهاد كما هي العادة ‏ هو الموضوع الرئيسي في 
النقاش» فقد أمر السلطان القيصر أن يتحول للإسلام"''» لكن القيصر 
طلب السلام وقدم الجزية والطاعة» لكن السلطان رد شارحاً: (لا 


)١(‏ قال المترجم: زار بيرتون مصر والحجاز ١865 1١467“‏ وتركيا (الدولة 
العثمانية) في حرب مع روسيا 148607 - 21805 واشتركت مصر في هذه الحرب 
إلى جوار الدولة العثمانية» وقد سبق أن أشار بيرتون في الجزء الأول عن مصر 
لحماسة المصريين ورغبتهم في الجهاد ضد الروس». وهاهم الحجازيون يبدون 
الشتعغون انفسة:: 


رحلة بيرتود 





:6 -_- 
والله! لا بد من الإسلام)» إن القيصر لا يستطيع اتخاذ خطوة كهذه دون 
بعض التردد» لكن الله يضرب وجوه الكفارء إن عبدالمجيد سيلتهم 
الموسكوف”'' في وقت يسير» وبعد ذلك سيستدير بجيشه المنتصر ضد 

الفرنجة الكفارء بادثاً بالإنجليز والفرنسيين والأروام. 

[9ا5] ومن بين كثير من هذا الهراء ‏ إذا قارنته برأي - فقد 
سمعت أخباراً تنذرني بالشر فيما يتعلق برحلتي إلى مسقط”"'“» فقد قرر 
البدو أنه يجب تكوين فريق عربي طمعاً في الحصول على أسلاب 
أورباء وقد سبب هذا خلافات ومعارك فكل الرجال كانوا راغبين في 
الذهاب مع هذا الفريق (التجريدة) وحتى الذين بلغوا سن العاشرة لن 
يتخلفواء ونخلص من هذا بأن هؤلاء الرجال الظرفاء كانوا يحاربون في 
كل اتجاهء أو على الأقل هذا ما سمعته من الزوار» وقد وجدت بعد 
ذلك أنهم لم يكونوا بعيدين تمامأ عن الصواب . 

[480] وأخيراً فقد اخترقت قواعد اللياقة العربية وتجاوزتها كثيراً 
فقلت لمضيفي بكلمات واضحة - بطريقة التذلل التي كان الولد محمد 
يستعملها ليذيب بها القلوب - إنني جائع وعطشان وفي حاجة للنوم. 
وأود أن أكون بمفردي قبل زيارة الحرم النبوي» فقام الشيخ .الطيب 
بإحضار طعام الإفطار لي وإشعال النرجلية» وفرش الوسادة» وإظلام 
الغرفة» وطرد الأطفال خارجها وتركني في الجو الذي أريده. مع 
)١(‏ قال المترجم: يسمي المصريون والحجازيون الروس باسم (الموسكوف)ء أو 


(الموسكو) (بيزتون). 
(؟) كان بيرتون يرغب بالذهاب إلى مسقط لكنه لم يستطع . 


المختار من الرحلات الحجازية 





- :6 
نفسي » وقد فعل الشيخ الطيب كل هذا رغم أنه كان يستعد للخروج 
إلى قبر والده ليدعو الله له بالرحمة. 

وبعد أن نلت قسطأ من النوم خرجنا جماعة إلى الحرم» فزيارة 
الحرم واجب يجب أن لا يتأخر عنه الاتقياء وكانت الروح المعنوية 
للولد محمد أفضل مما سبق بتأثير ما أعاره حامد له من ملابس من بينها 
عباءة موشاة ذات ألوان مبهرجة بشكل يزيد عن الحدء وقام الولد 
محمد بصقل طربوشه واستعان ببعض ملابسي التى تخلصت منها 
بإعطائها لهء فهيأ نفسه ليبدو كعبد حبشي محترم بثياب غريبة نصفها 
تركي» ونصفها الآخر هندي» وإني أوثر أن أحتفظ بحديثئي عن شعائر 
الزيارة لفصل آخرء وأن انهي هذا الفصل بحديث موجز عن طريقتنا في 
العيش ببيت الشيخ حامد الذي أحسن وفادتنا. 

]48١[‏ إن الشيخ حامداً يسكن في مبنى صغير يقع في ركن» وهو 
أي المبنى - يفتح تجاه الشمال والشرق إلى بر المناخحة» والطابق 
الأرضي ليس أكثر من مجاز أو ردهة ليس به إلا أشياء خشنة مثل 
الشقاديف والحُصر وقطع من أكياس» متناثرة هنا وهناك» فإذا صعدت 
سلما مظلمآً متمعجاً من أحجار غير مستوية مغطى بتراب أسود كثيف 
متماسك وصلت الطابق الأول من المنزل حيث يعيش أهل البيت»: 
ويتكون الطابق الثاني من غرفتين في واجهة البيت» إحداهما هي غرفة 
المجلس والأخرى تحولت إلى مخزنء وخلفهما ممر مظلم تطل 
الأبواب عليه» أما الجانب الخلفي من الطابق الأول فيتكون من غرفة 
طويلة ليس لها نوافذ تشتمل على حنفية ‏ وهي وعاء نحاس كبير لحفظ 


رحلة بيرتون 





-© 


الماء ‏ وأشياء أخرى تستخدم عند الوضوء أو الاستحمامء وفي الطابق 


الثاني يوجد المطبخ حيث يوجد الحريم عادة. ولم أدخل المطبخ . 


وفيى المجلس نوافذ صغيرة أقرب إلى الطاقات في الجدار 
الشمالي والجدار الشرقي» ولها مغاليق خشبية ومصاريعها من قصب. 
وهناك تجويفات في الحوائط بها حواش (وسائد) لتجلس عليها صباحاً 
ومساء لتستمتع بالجو البارد» أما السقف فمن جريد النخيل المصفوف 
على عوارض من سوق النخيل» وقد دهن باللون الأحمرء أما الجدران 
فمشيدة من طين وطوب أحمر بالاضافة إلى خط من الخشب مثبت 
بالجبس» وليس هناك في المجلس ما يمكن أن يطلق عليه أثاث سوى 
الديوان حول الجوانب وسجادة في الوسطء وثمة صندوق خشبي 
ضخم مثل صندوق البحّار يشغل أحد الأركان» ويوجد في الجدار 
الجنوبي صفة - وهي رف صغير من أحجار تحت قوس معماري - 
وعلى هذا الرف (الصفة) تصف الأشياء التى تستخدم باستمرارء 
كزجاجات العطر وفناجين القهوة» وكتاب أو كتابين ضلا طريقهما إلى 
هذا المكان» وأحياناً توضع العمامة هنا لإبعادها عن أيدي الأطفال» 
وثمة خطافان (شمعتان) على الحائط الغربي مثبتتان على ارتفاع ينم عن 
حذرء وقد علق عليها زوج من المسدسات. وسروالان قرمزيان 
جميلان» وشرابات وستة غلايين ذوات أنابيب من خشب أحمر فاتح 
(كرَزى) ولا يخلو وسط الغرفة من شيشة أو شيشتين» وفي الركن 
مجمرة نحاسية كبيرة بها نار» كما أن كل أدوات عمل القهوة موجودة 
إما على حافة المحجرة العريضة أو ملقاة حولها على اللأرض» والممر - 





مثله مثل السلم -. مغطى يتراب أسواة متماسك.» وخلال موسم الحر 
يرشونه بالماء مرتين يومياً. 


وتتكون الأسرة من أم حامد وزوجته وبعض أبناء الإخوة أو 
الأخوات. أطفال صغار يجرون نصف متوحشين وأكثر من نصف 
عراةء وجاريتين أفريقيتين» وعندما وصلت القافلة الدمشقية ازدحم 
المنزل بوصول إخوته الثلاثة الشبان. 


ورغم أن منزل الشيخ حامد لم يكن واسعاآ إلا أن المناظر المتباينة 
التي تبدو من نوافذ المجلس تجعل منه مكاناً حيويأء فمن ناحية الشرق 
تشرف على ميدان البر وسور المدينة وما خلفه من منازلء والباب 
المصري والأدوار العليا من مآذن الحرم النبوي وشيء من جبل أحد 
البعيد» ومن ناحية الشمال ترى جزءاً من جدار الحصن» وعند وصول 
القافلة الدمشقية ترى منظراً مبهجاًء وكان المجلس يتميز ببرودة منعشة 
خلال فترة الصباحء أما بعد الظهيرة فإن الشمس تصب أشعتها عليه 
بقسوة وقد وصفت - بشيء من التفصيل - مثالاً عن كيفية سكن الطبقة 
الرسطى في المدينة المنورة» أما الطبقات العليا فتأثرت بالفخامة 
التركية والمصرية في السكنى» وفي هذه المناطق نجد أن مساكن 
الفقراء متشابهة في كل مكان . 


[54487] لقد كانت معيشتنا في بيت الشيخ حامد هادئة ومقبولة إلى 


حد ما ولم تفع عيني ولو مرة واحدة على وجه امرأة حلا الجاريتين 
الأفريقيتين» وحتى هاتان فقد حاولتا أن تسحبا خماريهما المهترئتين 


رحلة بيرتون 





6:9 


على مفاتنهما السوداء» ولم تكونا لتجيبا عن أبسط سؤال» لكن شيئاً 
فشيئاً سمحتا لي أن أراهما وغامرتا برفع أصواتهما لإجابتي إلا أنهما لم 
تتخليا أبداً عن مظهر الخجل والحشمة»؛ ولم أر ‏ بل حتى لم أسمع - 
شابات الأسرة اللائي كن يقمن دوماً في الغرف العليا من البيت» إلا أن 
أم حامد ‏ المرأة المسنة - كانت تقف على السلم» وتتناقش بصوت 
عال مع ابنهاء وكانت تتجاذب معي أطراف الحديث؛» عندما يقل عدد 
الناس في البيت» وعلى أية حال فلم يحدث أبداً أن أتت وجلست إلى 
جواري» وإن حدث بعد ذلك في مكة المكرمة أن أتت عجوز شمطاء 
وجلست إلى جواري . 

14173 وعندما أكون مستلقياً في وسط النهار بالممرء غالباً ما 
كنت أرى جماعات من النسوة يصعدن السلم إلى غرفة الحريم» وفي 
بعض الأحيان قد تقف امرأة لتصافح بيدها المغطاة حامداء ويتهامسان 
لفترة» وتسأله عن أخبار أصداقاء غائبين» وغالباً ما ينهيان حديثهما 
دون أن تكشف المرأة حتى عن بوصة واحدة من وجتتيها وإنما تبدان 
حديثهما وتنهيانه باحتشام . 

وعندما يطلع الفجر فإننا نغتسل ونصلي ونتناول إفطارنا من قشرة 
خبز (وجه الرغيف) يابس قبل تدخين النارجيلة» ثم نشرب فنجاناً من 
القهوة» وبعد القهوة يحين ارتداء الملابس والركوب لزيارة الحرم 
النبوي أو أي من الأماكن ذوات القداسة خارج المدينة المنورة» ثم 
لنعود قبل أن تحمى الشمس لنجلس معاً ونتجاذب أطراف الحديث 
ونتداول الشيش (جمع شيشة) والقهوة والماء البارد المعطر بدخان 





المصطقى (المستكة). وهكذا نقضي الوقت حتى يحين ميعاد الغداء 
الذي يبدو أن له وقتاً محدداً هو الساعة الحادية عشرة صباحاً» وتقدم 
هذه الوجبة في المجلس في صينية نحاسية كبيرة قادمة من الطابق 
العلوي» ونبدأ بقول بسم الله ونتحلق حول الصينية ونغمس أيدينا على 
قدم المساواة في الصحون القابعة أمامناء وعادة ما لا نغادر طعاماً على 
المائدة إلا تناولنا منه: الخبزء ومختلف أنواع اللحوم» ويخنة 
الخضروات» وأخيراً نتناول بالملاعق الأرز المسلوق ثم تأتي الفاكهة 
والرطب الطازج والأعناب والرمان. 


وبعد الغداء تعودت أن أتعلل ببعض الأعذار كالقول بأنني متعود 
على قضاء فترة قيلولة أو أنني سوداوي (متوعك المزاج) وذلك كي 
آخذ بساطي وأفرشه في الممر المظلم خلف المجلس حيث أستلقي 
لأقرأ أو أستمتع بالنعاس أو التدخين أو كتابة مذكرات موجزة . 

وكنا نصلي صلاة العشاء في الحرم أو في المنزل ويعقبها تناول 
وجبة العشاء وهي ثاني وجبة أساسية مثلها في ذلك مثل الغداء وإن 
كانت المائدة أكثر امتلاء بالخبز واللحوم والخضروات وحساء الأرزء 
والفاكهة. وتنتهي الوجبة بتدخين النرجيلة وتناول القهوة . 


وكي نقضي سهرتنا فإننا عادة رتدي ملابس معتادة. ويضع كل 
واحد منا على كتفه نبوتاً ونذهب للمقهى» وفى بعض الأحيان - فى 
المناسنات الاحتفالية ندمج في تناول الحلوى والرمان والفواكه 
المجففة. وذلك بعد تناول العشاء بوقت كاف» وعادة ما نجلس على 


رحلة بيرتون 





امع 


حصر مفروشة فوق الأرض ة في الهواء الطلق عند باب منزل الشيخ حامد 
نستقبل زوار المساء ونتجاذب أطراف الحديث». ونقص القصص. 
ونضفي جواً من المرح على الجلسة؛ء فإذا ما أحس أحدنا باقتراب 
سلطان النعاس خر في مكانه نائماً. 


وبسبب حرارة النهار فإن ليل المدينة المنورة - كما أظن ‏ يتسم 
بالمرح ويكون محبباً منعشاً. ولتحاشي الغبار يقومون برس 0 
أمام منزل الشيخ بالماء كل مساء . 


وكان ما يسبب لنا إزعاجاً فائقاً ليلا هو العراك بين الحيوانات» 
وما تحدثه من أصوات وجلبة» فخيول الجند المربوطة في بر المناخة 
كانكه عميقيناً - مطلقة العنان لاثنتى عشرة ساعة» وكلاب المدينة 
المنورة ليست أقل شراسة من الخيول فهي أضخم وأشرس من الكلاب 
التي تتلكأ في شوارع القاهرة» وأهل المدينة ‏ مثلهم في ذلك مثل 
المصريين - لديهم تنظيمات شرطة مكلفة بالقبض على الكلاب الضالة 
التعيسة» إلا أن الكلاب كانت تجتمع في بر المناخة . 


وعندما تدخل القافلة الدمشقية المدينة المنورة يصبح يومنا نوعاً ما 
أكثر تشويقاء فعبر نوافذ منزل الشيخ حامد تتوالى تباعاً المشاهد 
الغريبة» فقد نصب وجيه فارسي أيضاً خيامه بالقرب القريب من الباب 
لدرجة أن أسلوب حياته الخاصة أصبح مشاهداً ومعروفاً للولد محمد 
الذي كان يسلي زملاءه بأن يقص عليهم كل المشاهد الغريبة أو المثيرة 
للضحك» لقد كانت زوجة هذا الفارسي امرأة جميلة للغاية وقد أثارت 


المختار من الرحلات الحجازية 





ولد لأنها رأت أن لحيته لم تنم بعد. وقال الولد محمد: (سأطلب منها 

وقد طلب منها بالفعل ذلك لكن لسوء حظه فإن الفارسية الجميلة 
لم تتوقف أبداً حتى عن تحريك مروحتهاء وحاق الخزي بالولد 
محمد . 

زيارة لقبر النبي وَكةِ 

بعل أن: اسعحهمنا ب تظهرنا: الطهازة: الكبزئ <.. وتظفنا أسناننا 
بالسواك كما أمرناء وارتدينا الملابس البيض التى كان الرسول يحبهاء 
أصبحنا مستعدين لبدء رحلتنا المقدسة» ولما كانت قدمى ما تزال 
تسبب لي ألمآ فائقاًء فقد أرسل الشيخ حامد فى طلب حمارء حيوان 
هزيل بائس بادي عظام الظهرء مصاب بالعرج في إحدى سوقه» تعوزه 
أذن» أما عدته فتجاريه سا وهزالاً فسرجه بلا ركاب» وحل حبل 
محل لجامه» وكان يتعين على أن أركبه مهما كانت حاله لأمر من الباب 
المصري بين البدو الذين يحتقرون الحمار مثلهم في ذلك مثل الهنود . 
يطلق عليه مصطلح (الزيارة) . 

[585] وقد وصلت فجأة للمسجد النبوي بعد أن مررت بشوارع 
موحلة لأنهم رشوها بالماء قبل حلول المساءء وكما هو الحال في مكة 
المكرمة فإن الزائر عندما يقترب من المسجد يصدم بالمبانى القبيحة » 


رحلة بيرتول 





مات 


بل إن بعض هذه المباني تلامس بالفعل سور المسجد» وبعضها يفصل 
بينها وبين سور المسجد ممر ضيق يمكن مقارنته بالممر المحيط بكنيسة 
القديس بول في ميدان الفاتيكان» وليس للمسجد النبوي واجهة 
خارجية» ولا يمكن للمرء أن يلقي عليه نظرة شاملة» لذا فإن مبنى 
المسجد لا يوحي بالجمال أو الجلال'''» وعند دخولي من باب 
الرحمة صعدت بضع درجات صغيرة واعترتني الدهشة بسبب المظهر 
المتواضع الخالي من الذوق”' لهذا المكان الذي يحظى بالتبجيل 
والتوقير في مختلف أنحاء .العالم الإسلامي» فمبنى المسجد ليس 
كالمسجد الحرام بمكة المكرمة» فهذا المسجد الأخير يتسم بالعظمة 
والبساطة» أما المسجد النبوي فقد نظرت إليه طويلاً» إنه أشبه بمتتحف 
فنون من الدرجة الثانية أو ذكان للتحف مليء بالزينات الثانوية وزخارفه 
تدل على فخامة الفقراء. 


[585] لكن هذا ليس وقت التفرج؛ فقد نبهني الشيخ حامد برفق 
إلى ما هو متوقع من الزائر؛ فقد قادني إلى باب السلام» وشق طريقه 
بصعوبة وسط جحافل المتسولين وسألني إن كنت طاهراً ومتوضتاء ثم 
وضعنا أيدينا بحيث تغطي كف اليد اليمنى ظاهر اليد اليسرى» وعقدنا 


)١(‏ قال المترجم: هذا رغم المبالغ الطائلة والأوقاف الهائلة في مختلف أنحاء الدولة 
العثمانية ومصر خاصة. ولكن مشايخ العرب والفراشين والأشراف كانوا يستولون 
على كل هذا ولا يتركون لصيانة المسجد إلا أقل القليل . 

(؟) سيتحدث بيرتون وهو خلُو من المشاعر العاطفية الدينية» لكننا نراه على هيئة 
جليلة عظيمة» والحمد لله . 





> زه 


اليدين إلى الأسفل قليلاً وإلى يسار الوسط كما كنا في وضع 
الصلاة"''» وبدأنا الدخول بالقدم اليمنى وخطونا ببطء للأمام لنصبح 
أمام خط يسمونه المواجهة الشريفة» وكان الشيخ حامد يمشي عن 
يميني» وكان يردد الدعوات بصوت عالٍ وأنا أردد ما يقول. وأتبع ذلك 
بالصلاة على النبي كله وتبع ذلك بقوله: افتح لي أبواب رحمتك». 
وهبني الدخول في رحمتك» واحمني من الشيطان الرجيم» وقد دخلت 
الروضة بصحبة مزوري فأجلسني أمام المكبرية ووجهي صوب مكة 
المكرمة» وكتفي اليمنى قباله العمود الأيمن للمنبر النبوي» وعلى بعد 
حوالي عشرين قدماً منه» وبعد أن أدينا صلاة العصرء أديت الركعتين 
المعتادتين تحية للمسجد وبعد إتمامهما رتلت مائة وتسعا ومائة واثنتي 
مرة سورتين من القرآن الكريم: قل يا أيها الكافرون وسورة 
الإخلاص”''. 


[585] وبعد ذلك سعحدت سجدة شكر لله - سبحانه ‏ أن جعل من 


نصيبى زيارة هذه البقعة الطاهرة» وبعد سجدة الشكر يحل الوقت 


)١(‏ قال المترجم: لا يفضل السلفيون والمثقفون اتخاذ هذا الوضع أمام قبر الرسول 
عليه الصلاة والسلام» يقول أحد السلفيين: (ما يفعله بعض الزوار من وضع 
يمينه على شماله فوق صدره أو تحته كهيئة المصلي ‏ أمر لا يجوز عند السلام 
على الرسول يكلِةٍ ولا عند السلام على غيره من الملوك.. لأنها هيئة عبادة لا 
تصلح إلا لله - جل جلاله ‏ وحده. .) ابن باز: التحقيق والإيضاح لكثير من 
مسائل الحج . . . الرياض 9٠5١ه.‏ 

(؟) لا أعرف أصلاً لهذه القراءة» والله أعلم. 





-_ 9 


مناديلهم على الأرض أمامناء وقد نثروا عليها قليلاً من القطع النقدية 
النحاسية الصغيرة لإثارة نوازع الكرم والسخاء لدي. ولأنني كنت 
حريصاً على ألا يشغلوني فقد كنت قد أعددت للأمر عدتهء فقبل 
مغادرتي منزل الشيخ حامد كنت قد صرفت مبلغ دولارين إلى قطع 
نقدية صغيرة» وأعطيتها للولد محمد الذي صحبنيء وكلفته أن يوزع 
هذه المبلغ في المسجد . 

أما الملمح الوحيد الذي يثير الإعجاب ليلاً فهو الأنوار المنبعثة 
من الزجاج الملون في الجدار الجنوبي الذي يوجد عنده سور القبر 
والأشغال المشبكة من النحاس الأصفر اللامع والنحاس المطلي باللون 
الأخضرء والأشغال الذهبية ‏ أو المطلية بالذهب - تبدو أكثر جمالاً 
عن قريب منها من البعدء أما في الليل فالعين تنبهر من جراء أضواء 
المصابيح الزيتية المدلاة من السقف وأضواء الشموع الضخام وبالأنوار 
الصغيرة الساقطة فوق جموع الزائرين وهم في أبهى حللهم . 

وفي داخل الضريح ثلاثة قبور ‏ أو هذا هو المتفرض - تواجه 
الجنوب محاطة بجدران حجرية دون أية فتحات أو منافذ» وقيل إن 
جدرانها من الأخشاب المتينة» ومهما كانت هذه المادة خشباً أم حجراً 
فإنها مستورة من الخارج بستارة تشبه على نحو ما ستارة السرير الكبير 
المرتفع ذي أربعة القوائم» ويفصل السور المعنى الخارجي عن داخل 
الحجرة ممر ضيق مظلم وهو أي السور المعدنى ‏ من الحديد 
المشبك ويحيط إحاطة كاملة بالقبر ومزخرف بعشب أخضر فيه حيوية 
مما يعطي الرائي منظر روضة» وهنا يتداخل في الخضرة - بدقة شديدة 


المختار من الرحلات الحجازية 





> ره 
وبلون فاتح ليبرز بالتناقض مع اللون الأخضر ‏ كتابات بالخط النسخ 
مشغولة بالنحاس أو المعادن المذهبة تشير إلى عقيدة التوحيد عند 
المسلمين (لا إله إلا الله) وغيرها من العبادات الدينية . 

وفي الجانب الجنوبي غطى السور المعدني المشبك بالفضة 
تشريفاً للمكان واحتراماًء» وتتشابك الحروف الفضية معه» وهذا السياج - 
الذي يصل ما بين الأعمدة ويمنع مرور أي إنسان - يمكن مقارنته 
بالمظلات المعدنية في الكنائس الرومانية . 


ولما وصلنا لشباك النبي وقف حامد على بعد ستة أقدام أو نحوها من 
السور وواجه ‏ الحضرة - ورفع بيده كهيئة الصلاة وراح يردد الدعوات 
والتسبيحات بصوت خفيض. وقال لى همسا أن أرددها خلفه بخشية 

ثم سحبنا أكفنا إلى وجوهناء ثم وزعنا الصدقات ‏ وهي جزء 
حيوي من هذه الشعيرة - وهكذا انتهى الجزء الأول من شعيرة زيارة قبر 
الرسول 345. 

ثم خطا حامد حوالي خحطوة ونصف الخطوة إلى جهة اليمين» 
فحذوت حلوه لأكون في مواجهة الشباك الثاني بالضبط المسمى بشباك 

وبعد ذلك اقتربنا خطوة أخرى في اتجاه اليمين وواجهنا شباك قبر 
عمر ‏ رضى الله عنه ‏ وهو أكثر الشبابيك اتجاهاً نحو الشرق . 


رحلة بيرتود 





وبعدل أن أزاح الشيخ حامد لا أو متسولين بعيداً عن كتفي 
من خلاله فرحت أتمعن بعينين مت الل 701 


[87] وفي بعض الأحيان كان الفرس"'* يلوثون المواضع القريبة 
من قبري أبي بكر وعمر ‏ رضي الله عنه ‏ بأن يلقوا من خلال الشباكين 
بشيلان كبيرة كهدية للقبرين» وبعد أن أجهدت عيني عبر - الشباك - 
رأيت ستارة عليها كتابات بأحرف ذهبية طويلة تشير إلى أن خلف 
الستارة يوجد قبر رسول الله كه وخليفتيه - أبوبكر وعمر رضي الله 
عنهما - ويمكن الاستدلال على قبر الرسول كِ بالكوكب الدري 
الشهير وهو مجموعة متألقة من اللآلي معلقة. 

ولم أر من الملائم دفع مبلغ كبير للتمتع بامتياز الولوج إلى الممر 
الداخلي بالقرب من القبر. 

وأخيراً عدنا للروضة وأدينا ركعتين أخريين» وهكذا انتهينا كما 


بدأنا سو جيه تعبدنا للّه سبححانه . 


وفي نهاية الزيارة تجمع أغرات - طواشية ‏ المسجد النبوي في 
الروضة لتهتئتي بإتمام الزيارة قائلين: زيارتك مباركةء» وليطلبوا 
الأعطيات» والأغوات أناس محترمون بحكم عملهم في المسجدء كما 
أنهم يميلون إلى فرض احترامهم على الناس باستخدام القوة والعنف 


)١(‏ قال المترجم: يقصد الشيعة. 


المختار من الرحلات الحجازية 





> (ره) 


فى إصدار الأوامر المتعلقة بالانضباط فى المسجد. 


[484] وأخيراً حاصرني المتسولون» لقد كان بعضهم متسولين 
غير لحوحين يدعون للتأمل» ويثيرون العطف؛ إذ جلسوا على الأرض 
وغرقوا في تأمل مناديلهم المبسوطة. وآخرون متسولون غاضبون إذ 
يسبون ويلعنون إذا لم يُعطواء وآخرون مزعجون وقحونء وبالإضافة 
لهؤلاء. وأولعتك» هناك شحاذون صغار ظرفاء» يتمثلون في الصبية 
الذين يمدون أيديهم اليمنى بأعداد لا حصر لها فيبدو منظرهم ظريفاء 
وهناك الشحاذون بشعوا المنظر أوغاد هازلون بشعورهم الطويلة القذرة 
ونحالتهم التي تدفع المرء للإحسان إليهم.: وأخيراً هناك العميان 
والعرجان وذوو الأسقام يطلبون الإعانة من المسلمين باعتبارهم من 
أهل المدينة المنورة» وقد أجبرني رفاقي أن أبدو رجلاً مهما ذا مرتبة 
اجتماعية عالية - وكان ذلك ضد رغبتي - لذلك فقد كنت مضطراً لأن 
أدفع ما يتناسب مع ذلك» لقد كلفتني زيارتي الأولى للمسجد النبوي 
مبلغاً يزيد عما كنت أعتزم إنفاقه بمقدار الضعف: جنيهاً استرلينياً كاملا 
أو أربعة دولارات» ولم أكن بمستطيع بعد ذلك أن أدفع أقل من نصف 
هذا المبلغ؛ والآن بعد أن أنهيت كل واجبات زيارة طيبة» سمح لي 
الشيخ حامد بالتجول وإلقاء نظرة» وبعد هذه الجولة بدأت ظلال الليل 
تلفناء فغادرنا المسجد النبوي مراعين الخروج بالقدم اليسرى. 


[484] المدينة المنورة 


يشعل الناس النار داخل بيوتهم خلال فصل الشتاءء» فالشلل 


رحلة بيرتون 





وا 


يصيب كل من أقدم على الاستحمام بماء غير دافىء طيشاً منه ورعونة» 
والرياح الباردة والعاصفة التي تهب من الصحراء الشرقية تحدث في 
المدينة المنورة أذى وإزعاجاًء ورغم أن جبل أحد يحمي المدينة 
المنورة من ناحية الشمال والشمال الشرقي» إلا أن الفجوات بين 
الجبال إلى الشمال الغربي تملا الهواء في أحيان بالزوابع الفجة والباعثة 
على الضيق . 


وتبدأ الأمطار في شهر أكتوبر» وتستمر ستة أشهرء تتخللها فترات 
انقطاع للمطر غير قليلة» وتمطر السحب المتجمعة بالقرب من قمم 
التلال والأشجار القريبة من المدينة المنورة بعنف». وفي فترة 
الاعتدالين تصبح العواصف البرقية أمراً مألوفاً. 

وعلى أية حال. فلا أحد هنا ينظر للأمطار نظرة كارهة» فهم 
يتوقعونها بسرورء على عكس أهل مكة والقاهرة» فأهل المدينة 
ينتتظرون الأمطار التي تجعل محصول التمور والفاكهة طيباً وفيراء 
وعادة ما يهطل المطر ليلاً في موسم الشتاءء أما في الربيع فيكون 
هطوله صباحأء أما في الصيف فيهطل مساءء هذا بالنسبة لمنطقة 
الحجاز . 


وسيلاحظ القارىء الأوربي أن العرب ‏ بشكل عام - ينظرون 
للفصول على انها ثلاثة؛ إذ يدمجون فصل الخريف عندنا في فصل 
الصيف عندهم» والطقس الحار في المدينة المنورة بدا لي متطرفاً كبرد 
الشتاء كما وصفته أنفاًء إلا أن الهواء كان جافاًء ولأن السهل مكشوف 


المختار من الرحلات الحجازية 





6 
فقد جنب المدينة الجو الراكد الخانق المشبع بالرطوبة الذي يعد من 
خصائص مناخ مكة المكرمة» بل وأكثر من هذاء فرغم أن فترات ما 
بعد الظهيرة كانت راكدة إلا أن فترات الليل والصباح كانت باردة 
ومنعشةء وفي هذا الفصل ينام أهل المديئة على الأسطح أو أمام 
منازلهم على الأرض» ويحذو الغرباء حذو أهل المدينة مع قدر كبير 
من الحذرء فإن كان النوم في الجو المكشوف في الصحراء آمناً لا 
خوف منه» فإن النوم في الهواء المكشوف داخل المدن يسبب للشخص 
الذي لم يتعود عليه نزلة والتهابات حادة في الأغشية المخاطية وحمى . 
وتتكون المدينة المنورة من ثلاثة أجزاء: المدينة ذاتهاء والقلعة. 
وضاحية» والمدينة ذاتها أكبر من السويس بحوالي الثلث. أو نصف 
مساحة مكة تقريبء وللمدينة سور بيضاوي غير منتظم» به أربع بوابات 
فالباب الشامي في الجانب الشمالي الغربي للسور يفضي إلى جبل أحد 
وقبر حمزة - رضي الله عنه ‏ والجبال . 


وباب الجمعة في السور الشرقي يفضي إلى الدرب النجدي 
المؤدي لنجد» ومقبرة البقيع . وبين الياب الشامى وباب الجمعة تجاه 

أما الباب المصري فيقع إلى الغرب ويفضي إلى سهل يسمونه بر 
المناخة . 


والبابان: الشرقى باب الجمعة» والمصري قد شيد عليهما مبنيان 
ضخمان جميلان» لكل منهما برجان متقاربان دهنا على شكل أشرطة 


رحلة بيرتولن 





د سل 
عريضة حمراء وصفراء وألوان أخرىء وهذان البابان لا يبعدان في 
شكلهما عن المدخل القديم لقلعة صلاح الدين في مصر التي تفضي أي 
القلعة إلى سهل الرميلة ويمكن مقارنة هذه البوابات بأبواب القلاع 
النورماندية ذوات الأبراج كبوابة قلعة أركز على سبيل المثال ويقيم 
العسكر داخل هذه الأبراج حيث الظل والماء الوافرء وداخل هذه 
الأبراج أيضاً يتسامر الجمالة قادة الجمال» ويتجمع الذين لا عمل لهم 
ليستمتعوا بالجو البارد والصحبة الأنيسة» وخلف هذه البوابة توجد 
سوق كبيرة في الشارع المؤدي للمسجد النبوي. وخارج هذا الشارع 
توجد سوق الخضرية: باعة الخضروات» وسوق الحبابة: باعة 
الحبوب» وتتناثر المقاهي الجميلة» وهذه الأسواق عبارة عن صفوف 
طويلة من أكواخ شادوها من الجريدء وقد اسودت لطول تعرضها 
للشمس والريح. 

وفي الداخل نجد الشوارع كما هو متوقع دائماً في هذه البلاد الحارة 
مظلمة وضيقة» وليست مرصوفة إلا في مواضع قليلة» وهو أمر يبعث 
على الاستنكارء وهي مغطاة» بشكل عام. بأتربة سوداء قد رشت بالماء 
جيداً ودكت بعناية لتكون صلبة» وأفضل الطرقات وأكثرها تلألؤاً هي 
التي تؤدي للمسجد النبوي» ولا يوجد إلا القليل من المباني العامة . 

والوكالات الرئيسية"'' أربع» إحداها وكالة باب السلام بالقرب 
من الحرم النبوي» والأخرى هي وكالة جبرتي وكلتاهما داخل الباب 


)١(‏ هي بمثابة الفنادق. 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 61 
المصري ويمتلكهما عرب من أهل المدينة» وخانات القوافل هذه 
تستخدم بشكل أساسي كمخازن.ء ونادراً ما تستخدم كمقر للإقامة كما 
في خانات القاهرة» لذلك فلا بد أن يستأجر المسافرون منازل بمبالغ 
باهظة أو ينصبوا خياماً ويتحملوا عناء الإرهاق والإزعاج البالغ. 
والمباني العامة الأخرى عبارة عن مقاه قليلة بائسة» وحمام رائع داخل 
المدينة المنورة يتفوق كثيراً على منشآت القاهرة غير النظيفة» ففيها من 

فخامة وترف منشآت اسطنبول بعض الشيء . 


والمنازل في الناحية الشرقية حسنة البناء مسقوفة بسقوف مستوية» 
ومن طابقين» والمواد المستخدمة في البناء عادة هي خام البازلت 
والطوب الأحمر وجذوع النخل» وأفضل المنازل تلك التي تحيط بها 
باحات وحدائق صغيرة بها ابارء حيث تسر عيون ملاكها بمناظر 
أحواض الماء والنخيل» والمشربيات التى وقعت عليها عيون سكان 
البر الأوربي لأول مرة في مالطة ‏ شائعة هناء أما النوافذ فمجرد 
فتحات في الجدران مزخرفة بالزخارف العربية المعتادة في المدن 
العربية» ولها ضلف خشبية لإغلاقها. 


فيها ما بين خمسين إلى ستين شارعاً بما فيها المجازات الضيقة» 
وفي المدينة المنورة حوالي هذا العدد نفسه من الأحياء إلا أنني لم 
أدون أسماءهاء ويوجد داخل المدينة المنورة قليل من المنازل 
المتهدمة. الخربة . 

وقد ذكر الكابتن سدلر في سنة 1814م أن الأتراك الذين كانوا قد 


اك - 


رحلة بيرتون 





-© 


أجروا نوعاً من الإحصاء قد قدروا عدد المنازل بستة آلاف منزل» وعدد 
السكان بثمانية عشر ألفاء منهم 40٠١‏ يقطنون المديئة ذاتهاء و١٠٠7‏ 2 
في الضواحي والقلعة» فمعنى هذا أن في كل منزل ما يزيد قليلاً عن 
1 ينها وهو قققير تقول بالسية المديية عرية بحي المساكن وانيدة 
والعبيد كثيرون”''. 


ولا بد من التنويه هنا إلى أن العرب ليس لديهم إلا فكرة بسيطة 
عن الفخامة والأبهة في مجال العمارة سواء بالنسبة للمباني العامة أو 
الخاصة» فما يستلفت نظر المسافر في الحجاز هو دائماً إما مستورد أو 
من عمل فنانين أجانب» ويبدو هذا من ذوق الناس الذي تتجلى في 
البساطة بالإضافة إلى تميزهم ‏ بدون شك - بالتدبير والتوفيرء فإذا 
طلب منهم الغرباء أن يشيدوا لهم المباني» جادلوا قائلين: ولم لا نبني 
نحن لأنفسنا؟ وأكثر من هذاء فإن وازع الشح يجعلهم يبددون أموالهم 
التي أنفقوها على القصور الكبيرة» إذ سرعان ما يلحق بها الخراب» 2 
فالمناخ غير ملائم لبقائها؛ فالتربة في المدينة المنورة ‏ كما في مكة 


)١(‏ قال المترجم: تلقيت بعد ذلك من شارلز كول مساعد القنصل في جدة هذه 
المعلومات: عدد سكان المدينة يتراوح بين ١660٠‏ و٠٠٠18١ء‏ عدد أفراد 
الكتائب النظامية: .5٠٠‏ عدد سكان مكة حوالي: .»46٠٠١‏ عدد سكان ينبع 
حوالي ٠٠٠١‏ إلى :,٠٠١‏ عدد سكان جدة حوالي: 2755٠١‏ وأظن أن التقدير 
منخفض جداً والطائف: 28٠١‏ ومعظم الحاميات العسكرية في مكة وجدة 
هو في الحجاز كله خمس كتائب تضم كل كتيبة ١٠8غ‏ وبذلك يبلغ عدد 
الرجال المقاتلين حوالي ٠‏ مزودين بخمسمائة مدفع و 160٠٠١‏ جندي غير 








- د 
المكرمة - رطبة وحاوية على النترات في الشتاء» وجافة وملتهبة صيفاء 
والكلس من نوع غير جيد» وجذوع النخل المستخدمة في البناء يعتريها 
الفساد بسرعة» وحتى الأخشاب المستوردة تعاني من التعرض للتلف. 
وبذلك تصبح عدة سنوات قلائل من الإهمال كافية لجعل المبنى 
الشامخ في مستوى التراب . 


والأحياء إلى جنوب المدينة المنورة عبارة عن تجمعات من القرى 
المسورة تتحللها المزارع والبساتين» وقد خططت هذه القرى على 
شكل أحواش - وهو الاسم نفسه الذي يطلق في مصر ‏ ويضم الحوش 
عدة شقق ‏ مساكن ‏ من طابق واحد تفتح على ساحة مكشوفة» وتضم 
هذه الأحواش جماعات من السكان؛ ولكل حوش باب خشبي متين 
يغلق ليلاً لمنع السرقة ولتمكين سكان الحوش من الدفاع ببسالة» 
ومعظم سكان هذه الأحواش من البدو المستقرين ومن المنشقين"''. 
وخلف هذه الأحياء إلى الجنوب وإلى الشمال والشمال الشرقي توجد 
البساتين ومزارع نخيل واسعة. 

يوجد هنا الذرة وافر النموء والقمح والشعير وإن كان القمح 
والشعير لا يوجدان إلا بكميات قليلة» ويوجد هنا بعض المساحات 
منزرعة برسيماً مصرياً تتلألأ زهوره جميلة بهية تحت أشعة الشمس» 
أما أهم الخضروات فهي الباذنجان والبامية والملوخية وهي كالسبانخ 
إلا أنها لزجة يشيع تناولها في هذا الجزء من بلاد الشرق. ويتناول أفراد 


)١(‏ قال المترجم: يقصد الشيعة. 


رحلة بيرتون 





مختلف الطبقات من أهل البلاد البطاطس وسائر خضر شبه الجزيرة 
العربية» وقد لاحظت - أيضاً ‏ وجود البصل والكرات بكميات كبيرة 
كما توجد قلة من سلال الجزر والفاصوليا الخضراءء وبعض الفجل 
واللفت والقرع والخيارء وخضروات أخرى شبيهة» أما أشجار الفاكهة 
فكثيرة» فهناك خمسة أنواع من العنب» أفضلها هو النوع المعروف 
باسم ‏ الشريفي ‏ وحبته بيضاء طويلة: وتوجد هنا أشجار النبق 
وأكجاز العناب» ويوجد قليل من الخوخ - الدراق - وهو يابس 
كالخوخ المصري. وهو بلا طعم تقريباً ولا يصبح ملائماً للأكل إلا 
بطهيه في ماء ساخن. إلا أنهم يأكلونه بنهم نصف ناضج» ويوجد أيضاً 
موز كبير الحجم ولكنه رديء» وأشجار الليمون وقليل من البطيخ 
والتين والتفاح. ولا يوجد المشمش ولا الكمثرى» ويوجد ثلاثة أنواع 
من الرمان أفضلها هو الشامي وقشرته حمراءء وهو فائق الحلاوة» 
ويصل سعر الواحدة إلى قرش» والنوع التركي وحبته كبيرة وحبوبه 
بيضاء» والنوع المصري وقشرته خضراء وهو مِزْ حمضي إلى حد ما- 
ومذاقه غير مستساغ» وثمنه ربع ثمن الرمان الشامي» ولم أر أبداً في 
الشرق ‏ باستثناء مكة ‏ أفضل من الفاكهة الشامية» فهي غالباً بلا بذور 
تماماً - كفاكهة مسقط ‏ فرائحتها زكية» ويبلغ حجم الواحدة منها حجم 
راس الطفل». .وتحظى «العدقة المتورةى بسعلهناة مكل الظاتفا نه يختهرة 
بسبب رب الرمان وشراب الرمان المركز الذي يشرب مع الماء خلال 
الصيف» ويعد شراباً مبرداً ومفيداً للصحة . 


]:5١[‏ وفي صباح يوم الأحد الثالث والعشرين من شهر ذي 





- 6 
القعدة الموافق الثامن والعشرين من شهر أغسطس سنة ١867‏ وصلت 
من دمشق القافلة الكبيرة» وقافلة الشام بمثابة النهر الرئيسي الذي تصب 
فيه كل الروافد الصغيرة» ففي هذا الموسم الحافل بالحركة تنساب 
الجموع من آسيا الوسطى قاصدة القلب النابض للعالم الإسلامي» ففي 
سنة ١867‏ بلغ عدد القادمين لأداء الفريضة زهاء سبعة الاف نسمة. 
وكان الناس في هذا العالم يترقبون وصول القافلة بقلق» لعدة أسباب» 
أهمها أن القافلة كانت تحمل معها كسوة جديدة للحجرة النبوية» فقد 
بليت الكسوة القديمة واهترأت» والسبب الثاني أن القافلة كانت تحمل 
الإعاشات السنوية والمنح المالية لأهل المدينة» والسبب الثالث أن 
أسرات كثيرة كانت تتوقع أن تستضيف أفراداً من القافلة في منازلهاء 
وكان القلق العام يزداد بسبب الأوضاع غير المستقرة في المناطق 
المحيطة بالمديئة المنورة» وزاد من القلق أن القافلة الكبيرة تأخرت 
يومأ عن ميعاد وصولها المعتاد» وهو صبيحة اليوم الثاني والعشرين من 
شهر ذي القعدة. 
وأثناء الليل» أتى إلى المنزل فجأة ثلاثة من إخوة الشيخ حامد 
كانوا قد التحقوا بقافلة الحج كمزورين وسرعان ما قفزوا من فوق 
جمالهم» ولم يضيعوا لحظة واحدة من الانخراط في التقبيل والعناق 
والبكاء بحرارة فرحاًء وهي حالة معتادة ومألوفة يندمج فيها الكثيرون. 
وقد استيقظت في الصباح وتطلعت عبر نوافذ المجلس: لقد كان 
بر المناخة تتنائر فيه بعض خيام الشعر البدوية القليلة» وكان بر المناخة 
باتساعه قد اتخذ كل الأشكال وحفى بكل الألوان» ولقد كانت العين 


رحلة بيرتون 





0 -_- 
حيرى ذاهلة لفرط تنقلها بين ما لا يحصى من التفاصيل» ففي هذا 
الموضع الصغير تجد كل شيء مختلطاً معا.ء وعلى أية حال فقد 
انهمكت في هذا المنظر الجدير بالمشاهدة؛ إن المكان عاج بالبهجة 
لما فيه من التباين والحيوية إنه منظر في حاجة إلى ريشة فنان؟ ففي ليلة 
واحدة انشقت الأرض عن مديئة الخيام من كل حجم ولون وشكل» 
منها المستدير والمربع والمستطيل ومنها المفتوح والمغلق» ومنها ما 
كان مجرد شيلان - جمع شال حفت بموضع» ومنها صوان الباشا 
والذي ألحقت به صوانات فخمة للحريم»ء وغير بعيد عنها توجد 
النصبات - جمع نصبة - الخضراء القذرة لبائع التمباك» لقد صفت 
الخيام في نظام عجيبء فهنا نجدها قد اصطفت في خط طولي طويل ؛ 
إذ أن وجود شارع هنا يعد أمراً ضرورياًء وهناك تكأكأت الخيام 
وتزاحمت حيث وجود الممرات والشوارع غير ضروري» لكن كيف 
يمكنني أن أصف الفوضى التي لا نهاية لها في هذا الزحام؟ وكيف 

يمكنني أن أصف كم الأصوات المتباينة تباينآ شديدا؟ 


والجمال السورية بيضاء وضخمة. إذا قورنت بالجمال الحجازية 
التي تبدو ‏ بالمقارنة - مجرد أقزام . 


والبدوي يتعلق كالقرد بشعر سنام البعير» ويبدو منظر الأرناؤوط - 
الألبان ‏ والأكراد. والفرسان الترك غير النظاميين» في حالة مرحهم 
ومزاحهم مخيفين أكثر من منظر الفلاحين الرومان في حال سخطهم 
وهياجهم . ظ 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 6 
والحجاج الفرس الضعفاء ينيخون جمالهم العنيدة قسراً أو يقفزون 

من فوق حميرهم الخائرة» مدمدمين بكلمات تنم عن الإجهاد والتعب 
الذي لاقوهء والقهوجية وبائعوا الشربات وبائعو التمباك الجوالون كل 
أولئك يصيحون معلنين عن بضائعهمء ويرعى أهل البلاد قطعان 
الأغنام والماعز بصخب لا نهاية له بين صفوف الخيول التي تصهل 
حورتو يعفى الترينان بتكيها كديا وجول أشرى ارين 
وترتد وتتراجع»ء وأخرى تنتصب على قوائمها الخلفية» ويبحث أهل 
المدينة عن أصدقائهم» ويتبادل المسافرون العائدون التحيات الحرى. 
والحجاج الذين حسن اعتقادهم يتدافعون ويجرون بين قوائم الجمال 
ويقفزون فوق حبال الخيام مسرعين ليصلوا إلى الحرمء كل ذلك 
والمدفع يعوي مطلقاً قذائفه من القلعةء وأصحاب الحوانيت 
والسقاؤون وبائعو الفاكهة يتشاحنون لعقد الصفقاتء والأولاد 
بصراخهم العالي يتنمرون ويستأسدون بطريقة مخالفة للدين» وثمة 
رهط من شيوخ عرب عشيرة حميدة العريقة وقد تقدمهم خدمهم. 
راحوا يمارسون رقصة العرضة أو رقصة الحرب مطلقين نيران بنادقهم 
البدائية في الفضاءء وملوحين بسيوفهم» وهم يقفزون قمزات سريعة 
بهياح شديد» بينما تحلق أعلامهم الملونة المشرقة وترفرف في الهواء. 
ويقذفون برماحهم الطويلة المحلاة بريش النعام عالياً في الفضاء غير 
مبالين بمواضع سقوطهاء والخدم يبحثون عن سادتهمء والسادة 
يبحئون عن خيامهمء ويركب الأثرياء - النبلاء - البغال أو يمشون 
شامخين على أقدامهم خلف خدمهم الذين يصيحون لإفساح الطريق 


رحلة بيرتون 





69 - 
لسادتهم»ء وتجد هنا الصرخات العالية للنسوة والأطفال حيث تحتك 
شقاديفهم محدثة صريراً مزعجاء وهناك تسمع أنين بعض البائسين 
الفقراء الذين يبحثون عن ركن ظليل ليسلموا الروح به» أضف لكل هذا 
طبقة كثيفة من الأتربة تلطخ المنظر العام وكأنها ضباب لندن» ولا 
أنسى الشمس الحارقة التى تعكس شرراً من النار منعكساً من الأسلحة 
اللامعة التي يحملها هذا الجمع المزدحم» ومن الأجراس النحاسية 
للخيام والشقاديف والتختروانات» وإنني لا أشك ‏ عزيزي القارىء - 
أنه رغم طول هذا الوصف الذي قدمته وتضاربه أو كثرة متناقضاته» وما 

ينم عنه من فوضى لا نظير لها إلا أنه وصف دقيق مطابق للواقع . 


[41] وقد وبخت الولد محمداً توبيخاً شديداً؛ لأنني لاحظت 
منه سلوكاً مرحاً ممتزجاً بعدم الاهتمام بالشعائر فحييته وأنا عابس» 
وغمغمت مذكراً إياه بقداسة البلاد التي ولد بها ذاكراً له أنه ليس منحطأ 
ولا هابط المستوى؛ فقد كان قد ظهر في الحرم بدون جبة» وكانت 
عورته ظاهرة» وكان يلبس صدرية وقميصاً بأكمام» وأكثر من هذا فقد 
سبق أن تصرف تصرفاً غير محتشم بوكزه جانبي الشيخ حامد بينما كان 
يؤدي مهمته المقدسة بإرشادي للشعائرء ولإحساسي بأن الشاب 
مشروع رجل فكما سينمو جسمه ليصبح رجلا كامل البدن فلا بد أن 
تنمو أخلاق الرجولة فيهء لذلك قررت أن أخد هذا الأمر على عاتقي 
وقررت أن أسيطر على سلوك الشاب وأحكمه مما يجعلني في نهاية 
الأمر السيد المطاع. فأبديت إصراري على أن يصلي هذا الولد معنا 
بشكل منتظمء وقد وجد الشاب أنه من الضروري أن ينصاع لذلك . 





> 60 
[؟59] وفي المساء ذهبت مع أصدقائي للحرم النبوي» حيث كان 
رواق المئذنة قد علقت عليه المصابيح» وكان المسجد من الداخل 
مضاءء وكان غاصاً بالحجاج وكان من بينهم نسوة كثيرات» مما 
أخرجني من حالة الملل التي اعترتني ي» لقد كان بعض الحجاج الأتقياء ‏ 
الذي سبق لهم أن دفعوا مبالغ مرضية للحصول على هذا الامتياز - 
جائمين على السلالم وقد أوقدوا شموعاً كبيرة الحجمء بينما كان 
آخرون يدخرون لأنفسهم ثوابأً في الفردوس بإشعال مصابيح المسجدء. 
بينما انهمك كثيرون في تأدية شعائر الزيارة» وجلست أعداد غير قليلة 
في أجزاء مختلفة من المسجد النبوي وقد غلبتهم عواطفهم الدينية تماماًء 
وكان الصبية والشحاذون مفعمين بالحيوية والحركةء أما الأغوات فقد 
كانوا أكثر غلظة وفظاظة عن ذي قبل» وكان شباب المدينة يتجولون 
ويتحدثون بطريقة أكثر تحرراً وبسلوك أكثر بساطة من المعتاد. 





[497] وكان أصدقائي القدماء من الفرس”' يجذبون انتباهي 
(ضمت قافلة الحج حوالي ٠٠٠١‏ منهم) فقد كان حراس الأبواب 
يالهم من تعساءء لقَد تدلت شواربهم الطويلة بطريقة تثير الشفقة. ول 
يكونوا قادرين على رفع عيونهم لوجه أي إنسان» 5 تكن رؤوسهم 
مغطاة بأغطية الرأس التى كانوا يلوونها كبراً وزهوا. فإذا وجد عجمى ‏ 


)1١(‏ يقصد الشيعة. 


رحلة بيرتول 





مهما كانت مرتبته - واقفاً في طريق عربي أو تركي فإنه يحتم عليه أن 
على السب والاحتقار بنبرات مر تفعة يسمعها كل المحيطين . فكل 
العيون تلاحقهم وهو يؤدون مراسم الزيارة خاصة عندما يقتربون من 
قبري أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب» رضي الله عنهما . 

يجلسون في جماعات بعد الصلاة أمام شباك النبى كه ويقرأ 
واحد منهم من كتاب لديه حكاية محزنة عن حياة السيدة فاطمة وعن 
مأساتها وموتها والحداد عليهاء بينما يصغي الآخرون لاهثين من فرط 
التأثر وبعضهم كان اتفعاله العاطفي 2 1 يصعب كبحه آم يا 
فاطمة! آه يا مسلمة.. آه! .. آه!!آه يا فاطمة.. هل آذيت أحداً يا 
فاطمة؟!.. ياللأسف! باللأسف!» وتندفع الكلمات والصرخات من 
شفاههم بطريقة تلقائية لا إرادية» وتجري الدموع على خدودهم 
المشعرة (المليئة بالشعر). وت رتفع صذدورهم القوية بمعل التنهد 
والنشيج» يا له من منظر غريب أن ترى الرفاق الأجلاف ‏ وقد يكونون 
جبليين أو من مقاتلى السهول ‏ يبكون أحياناً بصمت كالأطفال» بل 
المروعة الفظة لكنها فى الحقيقة أحزان صادقة وحقيقية» وبعبوسهم 
الشيطاني الذي حملوه معهم تظاهروا بالصلاة عند قبر عمر ‏ رضي الله 
عنه - الذي يمقتونه» وبقدر اللعنات التو ترتلها قلوبهم له كانت 
أفوههم تفيض بالدعوات له . ظ 


كيف يستطيع هؤلاء الفرس تقديس فيروز في باطن نفوسهم - 


المختار من الرحلات الحجازية 





> 607 
فيروز هو العبد الفارسي الذي طعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه 
ويدعون له بالسعادة الأبدية في حضرة رجل مقتول - يقصد عمر رضي 
الله عنه - وعلى أية حال فإن العصي والأحجارء ولا مانع من سكين 
وسيف. كل أولئك قد لقنهم درساً قاسياً ليضبطوا مشاعرهم. ولم تكن 
ردود أفعالهم إزاء هذه الحملة التأديبية سوى جباه غاضبة فيها السخط»ء 
وشرر ينبعث من العيون.» وكظم وحشي وانتفاض في عضلاتهم 
المحيطة بأفواههم مما ينم عن عاصفة مكتومة من الحنق الدفين» وهم 
بشكل عام - مدربون على تفريغ بعض انفعالاتهم وعواطفهم في 
كلمات. لقد هتف بعض أهل المدينة عند مرورهم بهؤلاء الفرس 
المخرفين: «المجد لعمر أما أنتم فخنازير» وهو قول أكثر إهانة من أن 
تطلب من بروتستنطي متحمس أن يدعو للبابا الكاثوليكي» لذلك فقد 
رد أحد الفرس منفعلاً: (الله يجحمه) أي يقذف به أي عمر رضي الله 
عنه وأرضاه ‏ في الجحيم وهكذا حول الفارسي الدعوات إلى لعنات 

كانت أكثر وضوحاً وأشهى نغماً في آذان رفاقه الفرس . 


[444] أهل المدينة المنورة 


لا تضم المدينة المنورة سوى أسرات قليلات تعود في أصولها 
للأنصار. 

[595] وثمة جماعة أخرى يقال لها النخاولة - جمع نخولي - 
وعدد التخاولة كبر وهم محبولن للقفتال. ويم ذلك فأهل المدن 


رحلة بيرتون 





ولمرتبتهم الاجتماعية المتدنية» وللدخاولة علماء دين خاصون بهمء 
ولهم تعاليمهم التي لا يشاركهم فيها أهل السنة رغم خضوعهم لأحكام 
القاضي السني ء ويتزاوج بعضهم من بعضهم الآخر تزاوجاً داخل أفراد 
الطائفة أو الجماعة ولا يمارسون إلا الأعمال الدنيا - كالجزارة» وكنس 
للصلاة عليهم ‏ إذ تحمل جثة الواحد منهم بعد الوفاة ليمروا بها في 
شارع خارجي يسمى درب الجنازة ليدفن في مقبرة خاصة بهم بالقرب 
من البقيع» وهم يتحدثون العربية بلهجة أهل المدن» ويلبسون على 
شاكلتهم» ولكن العرب يزعمون أنهم قادرون على التعرف عليهم من 
نظرتهم التي تنم عن انحطاطهم . 


3 وتتواتر الأخباز عن ممارسات النخاولة وعن نظام شيوع 
النساء بينهم وبين الحجاج الفرس الذين يمرون بالمدينة”'"» وقلما يقال 
إن هذه الحكايات حيكت بألسن أعداء النخاولة وإني اسف أن الفرصة 
لم تنح لي كي أصارح أحد النخاولة» فربما انتزعت منه الحقيقة. ولا 
يحب المسلمون السنة الخوض في هذه الموضوعات البغيضة» وعندما 
حاولت أن أعرف شيئاً من أحد معارفي ‏ وهو الشيخ علاء الدين وهو 
من أسرة كردية استقرت في المدينة المنورة وسافر إلى بلاد الشرق 
ويجيد إجادة كاملة الحديث بخمس لغات ‏ أجاب ببرود أنه لم يختلط 
أبداً بهؤلاء الهراطقة . 





601 - 

ويكثر السادات والأشراف ‏ وهم سلالة الرسول تكله هناء وفيما 
مضى كانوا أكثر عدداً وأشد نفوذا. 

وبالنسبة للخليفية - أو سلالة العباس - فقد أخبروني أنه لم يعد 
منهم إلا بيت واحدء هو بيت الخليفة ويعمل أفراده كأئمة في الحرم 
النبوي» ويتولون أمور قبر حمزة» وقلة من الناس تذكر أنه يوجد عدد 
قليل من الصديقية وهم سلالة أبي بكر الصديق ‏ رضي الله عنه -. 

أما بقية أهل المدينة فأخلاط من سائر الأمم الإسلامية» فقد 
جذبت قداستها الغرباء الذين كانوا في البداية يودون الإقامة فيها لفترة 
وعيرة»' لكتهم سرهان ما "استقزوا بهناء ,وبعد أن ازتيظوا. يأغمال تزوجوا 
وكونوا أسراً وماتوا ودفنوا آملين في أن يطولهم من قداسة المكان 
نصيب» وقد ألح علي كثيرون لأقيم في المدينة المنورة» والطبيب 
الوحيد المعروف في المدينة كان أحد الشيوخ ويسمى عبدالله صاحب» 
وهو هندي متعلم لكنه سوداوي المزاج ومتقشف غاية التقشف. حتى 
أنه يبذل معلوماته للعامة دون مقابل . 

وبالإضافة للعناصر التركية نجد أيضاً أسرات من المغرب 
والتكارنة» كما نجد أسرات مصرية بأعداد كبيرة» بالإضافة 
للمستوطنين من اليمن وغيره من أنحاء شبه الجزيرة العربية» كما نجد 
سوريين وأكراداً وأفغان وداغستان من القوقاز وعدداً قليلاً من 
الجاويين . 


ونسبة الهنود هنا ليست مرتفعة ‏ كما هو الحال فى مكة المكرمة ‏ 


رحلة بيرتون 





و0 سس 


فاللغة الهندوستانية ليست شائعة هنا إطلاقاً ولا يسمعها المرء فى 
شوارع المدينة المنورة. وهو يحتفظون بعاداتهم الخاصة فنساؤهم 
كاشفات وجوههن بإصرارء ولازلن يرتدين سراويل ضيقة غاية في 
الضيق» وهذا سبب ‏ من جملة أسباب أخرى ‏ تجعل العرب 
يحتقرونهم » وهم في المدينة أصحاب محلات صغيرة وخاصة محلات 
العطارة ومحلات بيع القماش» وهم يشكلون مجتمعاً مغلقاً قصراً 
عليهم» ونادراً ما يرى المرء هنا حالات البؤس والجوع الشديدين بين 
الهنود مما ينتشر فى جدة ومكة . ظ 


ويحتل الأحناف المرتبة الأولى فى المدينة المنورة ‏ كما هو 
الحال في معظم أنحاء العالم الإسلامي ‏ رغم أن معظم أهل المدن 
وكل البدو غالباً من أتباع المذهب الشافعي. ظ 


[591] وعندما يرغب المدينى ‏ أحد أبناء المدينة ‏ فى السفر فإنه 
يتلقى من مدير الحرم أوراقاً تخوله تلقي مبلغ لا بأس به من المال في 
اسطانبول» ويختلف مبلغ الإكرام حسب رتبة المتلقى . 


وعندما يصل المديني إلى اسطانبول يسجل وصوله لدى قنصل 
بلاده وهو وكيل الحرمين» فيحيله إلى ناظر الأوقاف الذي يحيل 
الطلب لعدد من موظفي الخزانة» فيتم إرسال المبلغ لوكيل الحرمين 
الذي يسلمه بدوره للطالب» وفي بعض الأحيان ينفق المتلقي هذه الهبة 
في المسرات. وفي الغالب ما ينفقها في شراء البضائع والأدوات 
اللازمة لمنزله كالهدايا والحلي للنساء والأسلحة المزينة والشراريب 





60 > 


الحريرية والصنادل والأكياس المزخرفة» ويضع كل مشترياته في 
سحارة كبيرة - صندوق - أو سحارتين» ثم يتخذ سبيله عائداً للمدينة 
مجاناً - دون أن يدفع أجرة السفر ‏ وبالإضافة للإكرام فإن المديني» 
أثناء رحلات التسول هذهء ينزل ضيفاً على علية القوم في اسطانبول . 


[594] أما أهل المدينة الذين لم يأت دورهم للسفرء فينتظرون 
الأوقاف والصدقات التي تأتيهم كل عام مع قافلة الحج الشامي. 
فيستفيد أهل المدينة حتى أولئك الذين لا يشغلون وظائف في الحرم 
من الصدقات الكثيرة التى يتم توزيعهاء وبدون هذه المزايا التي يحظى 
بها أهل المدينة فإنهم لا يزيدون عن كونهم فلاحين وبدواً. 

[544] ورغم أن التجارة هنا حرفة محترمة ‏ كما هو الحال في 
سائر أنحاء الشرق - إلا أن الحركة التجارية خامدة لأن علية القوم 
يفضلون الكسل؛ فيكتفون بإدارة أراضيهم وعقاراتهمء» وأن يكونوا 
خدماً في المسجد النبوي» فلم أسمع إلا عن أربع أسر محترمة تعمل 
في التجارة . 

وكل هذه الأسر تتاجر في الغلال والأقمشة والمؤن» وربما كان 
رأسمال أغناها عشرين ألف دولار. 


وفى فصل الشتاء تستمر القوافل بلا توقف بين المدينة المنورة 
ومصر لكنها غالباً تضم المسافرين الذين يقصدون زيارة اسطانبول أكثر 
مما تضم التجارالباحثين عن الربح» ويصل القمح للمدينة من جدة برأ 
كما يرد إلى ينبع أو عن طريق ميناء الرايس على البحر الأحمرء ويبعد 
عن الصفراء يوماً ونصف . 


رعحلة بيرتول 








-© 


وثمة تجارة نشطة في المؤن مع البدو المجاورين للمدينة» وتمد 
قافلة الحج الشامي أهل المدينة بأدوات الزينة ومواد الرفاهية كالتمباك 
والفواكه المجففة والمربات أو الحلويات والسكاكين وغيرهاء ويوجد 
عدد قليل من أصحاب المخازن الذين يتداولون بضائع قليلة؟ لأن 
البضائع من مختلف الأنواع ترد من مصر وسوريا واسطائبول» وكقاعدة 
عامة فإن أجور العمال مرتفعة جداً؛ ففي موسم الزيارة قد يطلب 
العامل خمسة عشر قرشاً أو عشرين لأداء عمل بسيط كإصلاح المظلة. 
والحرفيون والصناع المهرة كالنجارين والبنائين والحدادين وصانعي 
الأواني الفخارية. . . إلخ إما عبيد وإما أجانب» ومعظمهم من مصر . 


[5060] وأهل المدينة يعتبرون العمل ضعة ولا يليق إلا بالعبيد. 


[001] والمدينة المنورة ليست بلدا رخخيصاًء وفى الحاشية ما يؤكد 
ذلك”'2, فحتى أهل المدينة رغم أنهم بشكل عام مدينون فإنهم يدبرون 


)١‏ قال المترجم: يشرف المحتسب على السوق» وهو تابع للمحافظ أو الباشا 
الحاكم وفيما يلي قائمة بأسعار المؤن في سوق المدينة في أول أغسطس ١807‏ 
خلال موسم الزيارة حيث تتضاعف أسعار كل شيء: رطل لحم ضأن بقرشين» 
أما لحم الأبقار والجواميس فبقرش واحدء ونادراً ما يأكله الناس» أما لحم 
الجمال فلا يمسه إلا البدوء والدجاجة بخمسة قروشء» أما البيض فثمانية بقرش 
صيفاً وأربعة بقرش شتاء» ورطل السمن بأربعة قروش» وفي حالة رخص الثمن 
يصبح بقرش ونصفء ويصنع الزبد في البيوت» وأحياناً يعده المصريون للبيع» 
ورطل الحليب بقرش» ورطل الجبن بقرشين وإذا رخص ثمنه أصبح بقرش» وإن 
شح في السوق أصبح بثلاثة» ورغيف خبز القمح بنصف قرش» ورطل البقسماط 
المستورد بثلاثئة قروش» ورطل الخضروات بنصف قرش» ومد التمور يختلف 
حسب النوعية من 5 قروش إلى ٠٠١‏ قرش.». ورطل العنب بقرش ونصف» > 


المختار من الرحلات الحجازية 





وأهل المديتة - ككل الترقيين ب مغرمون غراماً فائقا بالسمن + واقد 
رأيت الولد محمداً يشرب قرابة ملء قدح من السمن رغم تحذيرات 


وبيت المديني - في الظروف الجيدة ‏ بيت مريح؛ لأن بناءه متين» 


واستخدم فى تشييده مواد كثيرة . 


]5١٠5[‏ وتؤدي الجواري السوداوات هنا مهام كثيرة معقدة» كما 
بالاقيافة لكنين الذار وضلب العا لامكل افالك :الوه 1 


والجاريه الحسنة وهو استخدام مغلوط عن سبق إصرار» فلا هى 


والبطيخة يتراوح ثمنها بين ” قروش وستةء ورطل الخوخ بقرشين» ورطل البن 
بأربعة قروش» ولا يشرب هنا إلا البن اليمني» ورطل الشاي بخمسة عشر قرشأ 
يستورد الشاي الأسود من الهند.ء ورطل السكر الأوربي بستة قروش» والسكر 
المصري الأبيض بخمسة قروشء والسكر المصري البني بثلاثئة قروش» والسكر 
الهندي البني الذي يستخدم في الطبخ والحفظ بثلاثة قروش» ورطل الشمع 
الوارد من مصر بثلاثة قروش؛. وإردب القمح 715 قرشاًء وإردب البصل 7" 
قرشاً وإردب الشعير ١١٠١‏ قرشاء وإردب الأرز الهندي ١”‏ قرشء والذرة - 
غالبا ما يكون علفاً للحيوان - رخيصاً جداًء وسعر العدس كسعر الأرزء ورطل 
التمباك من نوع اللانيكا ١١‏ قرشاًء والتمباك الشامي 4 قروشء والتمباك العجمي 
1 فروش» ورطل زيت الزيتون 5 قروش» وقربة الماء نصف قرش» وغرارة 
الفحم التي تضم مائة أقة - ٠١‏ قروش (بيرتون). 


رحلة بيرتون 








-© 


حسنة ولا جميلة» تساوي ما بين :١٠‏ دولاراً إلى »5٠‏ وإن كانت أمأ قل 
سعرهاء لكن إن كانت تجيد استخدام يديها وتتصرف بكياسة» وتتسم 
بالبراعة في الإنجازات الأنثوية ارتفع ثمنها إلى مائة دولار وهو مبلغ 
يساوي خمسة وعشرين جنيهاً استرلينياء والولد الأسود الصغير كامل 
الأوصاف والذي يتمتع بذكاء مقبول يبلغ ثمنه حوالي ألف قرش» 
والبنات الصغيرات أغلى» أما الطواشي الخصي فيبلغ ثمنه ضعف 
المبلغ المذكور آنفآء أي يبلغ ثمنه ألفي قرشء, والصبية الذين تجاوزوا 
مرحلة الطفولة يقل ثمنهم فلا أحد يرغب في شرائهم إلا في حالات 
استثنائية ؟ لأن صاحبه لم يتخل عنه إلا لعيب جسيم فيه» والجواري 
الحبشيات غاليات جداً؛ لأن جلودهن تكون دائماً باردة في أشد مواسم 
الصيف حرارة» وهن نادرات هناء ونادراً ما تباع الجارية منهن بأقل من 
عشرين جنيهاً استرلينياً» وفي بعض الأحيان يبلغ ثمن الجارية من هذا 
النوع مع 5 جنيهاً استرلينياً» ولم أسمع أبداً عن جارية بيضاء في سوق 
المدينة» لكنها في القوقاز تساوي ما بين ٠٠١‏ إلى 5٠٠‏ جنيه 
استرليني» وقلة من الرجال في الحجاز يمكنهم تحمل هذه الرفاهية 
الغالية» وسوق المدينة سوق بائسة فغالبا ما يأتي الجلابون بالعبيد من 
مكة بعد أن يكونوا قد صدروا أفضلهم للقاهرة» فلا يتبقى للمدينة إلا 
الذين بارت سوقهم . [ 

[5037] ويوجد في المدينة أنواع كثيرة من الملابس الجميلة تصل 


إليها من إسطانبول التي تعتبر بارنس الشرق» ويلبس الناس المحترمون 
الجبّب ‏ جمع جبة ‏ هنا كما في مكة. عادة ما يكون لونها فاتحاً خاطفاً 


المختار من الرحللات الحجازية 





للبصر. مبهر جا : أصفر فاتحر. أصفر غامق . أخضر فاتح . أحمر 
وردي» قرنفلي. فتلك علامات الرجل الذي يحسن اختيار الملابس . 
وإذا كان لديك جبة واحدة فيجب أن يكون لونها محتشماً غامقاً لتبدو 
دائماً نظيفة حتى لا تثير السخرية والاستهزاء» لكن الحجازيين ‏ فقراء 
وأثرياء - يفضلون دائماً الألوان الفاتحة» والعباءة الطويلة التي لا أكمام 
لها لا يلبسها هنا إلا أفراد الطبقات الدنياء رغم أن الناس لا زالوا 
يلبسونها قن المناطق العربية الخالصة» ويستخدم هنا بكثرة غطاء 
الرأس التونسي الأحمر الذي أعده أسوأ غطاء رأس ويطلقون عليه اسم 
الطربوش» ويتطلع العرب وحدهم بشغف للبس الطربوش» دون عمامة 
أو دون لفة بشال» كما يفعل الأتراك» ومما يؤسف له أن يرى المرء 
الكوفية والعقال وهى أكثر أغطية الرأس ملاءمة يتخذان سبيلهما 


[:050] ولباس النسوة في المديئة أنيق كلباس الرجال» فقد 
أخبرني بعضهم أن النسوة ترتدي الواحدة منهن داخل بيتها صديرية. 
والصديرية تدعم أو تسند ثديي المرأة» وفوق الصديرية ترتدي المرأة 
وباً بأكمام واسعة وينساب طويلاً إلى القدمين» أما السروال فليس 
واسعاً كسراويل المصريات» لكنه أكثر إحكاماً وهو قريب من السروال 
الهندي”''» دون مبالغة في تضييقه» وإذا خرجت المرأة طرحت على 


)١(‏ قال المترجم : في الهند ‏ كما في السند ‏ قد تقضي السيدة التي تتبع أصول المودة ربع 
ْ ساعة لمحاولة تمرير منطقة الكاحل (رسغ القدم) في سروالها . (بيرتون). 
عادت مودة البلومر هذه في السنوات الأخيرة في العالم العربي ومناطق أخرى 


رحلة بيرتون 





1ه سس 
رأسها ملاءة حريرية أو قطنية مصبوغة بالأبيض والأزرق على شكل 
مربعات كمربعات الشطرنج» أما البرقع فهو أبيض في سائر أنحاء 
الحجاز؛ والنسوة من كل الطبقات يصبغن أقدامهن وأكفهن باللون 
الأاسوة. 





أما عن الحلي وأدوات الزينة فهي مختلفة إختلافاً شديداً كما هو 
المعتاد لدى الشرقيين فهي تتراوح بين الأساور النحاسية والترتر من 
ناحية إلى الذهب والأحجار الكريمة من ناحية أخرى» وهن شغوفات 
بالعطور القوية: كالمسك والعنبر وعطر الورد وزيت الياسمين والصبار 
ومستخلص القرفة . 

وفي مناسبات الحداد لا يختلف لباس الرجال عما هو عليه الحال 
في المناسبات الأخحرى المعتادة وهم في هذا يتصرفونف تصرف 
المسلمين الحقيقيين الذين لا يجزعون عند الموت» أما النساء فهن 
اللائي لا يستطعن السيطرة على قلوبهن» لذا فإنهن يبرهن على حزنهن 
وأساهن بارتداء ملابس بيضاء والتخلى عن زينتهن» هذا هو المعتاد 
على أيامي . ْ 

ويظهر المدني خارج بيته دائماً سائراً على قدميه» فالدواب هنا 
قليلة لتكاليف تغذيتها المرتفعة على ما أظن» والفرسان هنا يمتطون 

ويسمى أحيانا «البنطلون الصابونة» لأنه .لا يلبس إلا بعد معاناة شديدة» أي أنه 


في حاجة إلى صابونة (مجازاً) للمساعدة في انزلاق الساقين داخله؛ وهو تعبير 
شعبي على أية حال . 


المختار من الرحلات الحجازية 





> رومع 
أفراساً مصرية هزيلة» ولا يركب الخيول هنا إلا الأثرياء» وهي خيول 
نجدية بشكل عامء وثمن الواحد منها ما بين ٠٠١‏ دولار و "٠٠‏ 
دولار. 

أما الجمال هنا فكثيرة» لكن التي تناسلت في الحجاز ضثيلة 
ضعيفة ومن ثم فأسعارها زهيدة» وليس في المدينة بغال» ويجلبون 
المي فر مضو رمك 

[505] وبالنسبة للحيوانات التي تعد مصدراً للغذاء فالغنم هي 
وحدها الشائعة في هذا الجزء من الحجاز . 

والأبقار نادرة في المدينة» فلحومها غير مفضلة في بلاد الشرق» 
ولا يشرب البدوي حليب الأبقارء ويفضل عليه حليب النوق والنعاج 
والماعز. 

وقلما يؤكل لحم الماعز في المدينة إلا يأكله غلا أفراد الطبقات 
الممعنة في الفقر. 

[007] وتصرفات أهل المدينة أكثر وقاراً ورزانة» كما أنهم 
شييون بالعووق اكتر عن سائر العرب الذين اختلطت بهم» ويبدو أنهم 
تعلموا الغرور من حكامهم الترك» لكن صرامة أهل المدينة وتمسكهم 
بالشكليات ليس خلقاً عميقاً أصيلا فيهم» ففي حالة المودة والألفة أو 
الغضب سرعان ما يتخلصون من قشرة الأدب واللياقة ليعودوا إلى 


طبيعتهم وتتجلى كل عيوبهم : الصوت العربي الصارخ, الشتائم الوافرة 
المتبادلة المشددة» والهوس الشديد الذي يتجلى في الإشارات 





- 


والتعبيرات والإيماءات» وهم نقوكون رارهون 1 كليو 1 


ومن غير المعقول أن يجد المرء الفضائل العربية الخالصة في 
مديئة تحرسها حامية تركية» وتعج بالتجار المسافرين» ويحصل أهلها 
على أرزاقهم بابتزاز الحجاج . 


[007] ولا يوجد في المدينة المنورة أماكن للبغاء كما في مكة 
والقاهرة وجدة» وهناك من أخبرني أن هذه الفضائح قلما تحدث هنا؛ 
فالنسوة يتصرفن باحتشام شديد» فإن خرجن تمتعن بحضور حفلات 
الزواج البهيجة» وشهدن النسوة وهن يلدن» وحضرن حفلات الختان» 
وتبادلن الزيارات في الأعياد والمناسبات الدينية ومناسبات العزاء» أما 
داخل البيوت فهن ينشغلن بالأعمال المنزلية» وفي هذا فهن يفقن حتى 
مدبرات المنازل الإنجليزيات الشهيرات في الطبقة الوسطى. فهذه 
الأخيرة سجينة عبوديتهاء بينما السيدة العربية مسموح لها أن تستخدم - 
بغير حدود ‏ ما يحلو لها من كلمات . 

[204] ولا تصنع الخمور في المدينة إلا بواسطة الأتراك» ونادراً 
ما يورط أهل المدينة أنفسهم بصنع الخمور في بيوتهن؛ إذ سرعان ما 
ينكشف الأمر بسبب الرائحة التي يميزها السكارى» وخلال فترة إقامتي 
بالمدينة كان يتعين علي أن أدبر نفسي بأن أجعل زجاجة كونياك واحدة 
تكفيني» وقد أضفت إليها بعض المواد ليبدو لونها كلون الدواء. 


)١(‏ لا شك أن بيرتون يعمم هنا؛ إذ أن كثيراً من أهل المديئة مؤدبون ظاهراً وباطناً 


والله أعلم . 





00001 


[1504] فالمدينى قد يتورط فى الاستدانة معتمداً على حلول 
موسم يكثر فيه الزوار المؤمنون ليسدد ديونه» أو معتمداً على رحلة 
تسول يقوم بها لتركيا وهو لا يتعرض للنقد من الرأي العام في العالم 
الإسلامي بسبب رحلة كهذه؛ وأهم صفة من صفات أهل المدينة والتي 
تظهر بوضوح أكثر من الصفات الأخرى هي الغرور الشخصي أو 
الاعتداد الزائد بالنفس"'". ويتجلى ذلك في اختيالهم وفي نظراتهم 
وفي كل كلمة ينطقون بهاء لكن غالباً ما يؤدي التنافس بينهم إلى عقد 
المأدب والاستضافة وعير ذلك من أمور التباهى والخيلاء . 


151١[‏ والتعبير الذي يصدم الآذان الانجليزية هو ذلك التعبير 
الذي يعني تأجيل ما يتحتم عمله اليوم إلى وقت لاحق وهو تعبير: إن 
شاء الله بكرة» وهو تعبير يستخدم بالمعنى نفسه التأجيل أو التسويف. 
في مصر والهندء وهذه المماطلة وعدم أداء الأعمال في أوقاتها سمة 
سائدة على نحو أو آخر في كل أنحاء الشرق؛ لكن في الجزيرة العربية 
فإن التسويف يرتبط أكثر بعبارة» توكل على الله يا شيخ! وتعني ألا 
يعتمد الإنسان على جهده الشخصي . 

ظ ]511١[‏ وعلى أية حال فرغم وجود بعض النقائص في شخصية 
المديني فإنني أعتقد أن في هؤلاء الناس أكثر من جانب يستحق الإشادة 
فهم أكثر رجولة وشهامة من معظم البشر في الأمم الشرقية التي تعاملت 
معها. 


(5): .“عاد بيرتول 9 التعميم الممجوج مرة أشخررف.. 


رحلة بيرتول 





1 


[011] والعرب كالمصريين» كلهم متزوجون. مع أنهم كالعادة 
يتناولون موضوع الزواج بقسوة وتندرء فالحديث في هذا الموضوع 
تتجلى فيه طرفهم وفكاهاتهم وحكمتهم. 

وإجراءات الزواج طويلة مملة ومكلفة» وهي تبدأ بالخطبة» حيث 
يذهب والد الشاب إلى والد البنت أو وليهاء وفي نهاية الزيارة يقول : 
الفاتحة» إنني أطلب كرمكم في أن تكون ابنتكم عروساً لابني» فإن 
كان والد العروس أو وليها مرحباً بالفكرة قال: أهلا بكم. لكن لا بد 
أن نصلي صلاة الاستخارة» وإذا تم القبول قرأ الطرفان الفاتحة» ثم 
تبدأ المفاوضات عن المهرء وبعد تجاوز صعوبات تحديد المهر تتم 
دعوة الأصدقاء والأقارب ذكوراً وإناثاً. 


ويجهز والد العريس وليمة في بيته» ويدعو القاضي المأذون لعقد 
القرانء ويتم معرفة رأي الفتاة وأخذ موافقتها عن طريق وكيلها ‏ وهو 
أي رجل قريب لها تفوضه في نقل رأيها والنيابة عنها في عقد القران - 
ثم يزور العريس مصحوباً بزفة كبيرة عروسه في بيت أبيهاء وبعد أفراح 
كثيرة تذهب العروس لبيتها الجديد. 


[*١ه2)]‏ وإذا كانت إجراءات الزواج عند العرب معقذلة فإن 
إجراءات الجنائز بسيطة للغاية» فليس ثمة ندابة ولا تحضر حتى النسوة 
من قريبات المتوفى إجراءات الجنازة كما في أنحاء أخرى من العالم ‏ 
الإسلامي. ومن الأمور المعيبة عند العرب أن يبكي الرجل بصوت 
مرتفع» وقد حرم النبي يَكةٍ المبالغة في إظهار الحزن والأسى عند 





المختار من الرحلات الحجازية 





من أهل مكةء. ومع هذا يغادر عدد كبير من الطلاب المدينة المنورة 
طلبأ للعلم في دمشق. وفي القاهرة حيث يرى المرء رواف الحرمين في 
جامع الجامعة الأزهرية مزدحماً دائماً لكن أحداً ممن تحدثوا إلى لم 
يذكر لي أي تسهيلات أو وسائل لدراسة العلوم غير الدينية؛ فلا يمكن 
تعلم الفلسفة والطب والحساب والجبر هناء المديني لا يحبذ تعليماً 
غير التعليم الديني»؛ ومع ذلك فلا بد من القول إن سرعة بديهتهم 
وذاكرتهم القوية قد زودتهم بكثير من المعلومات السطحية الملتقطة 


امد 


فهم ‏ أهل مكة ‏ يفوقون سائر أمم الشرق في هذا المضمار فيما عدا 
الأرمن» ونادراً ما يعرف المدينى اللغة التركية» أما من يعرف الفارسية 
أو اللغات الهإندية فأقل من النادر . 

[017] ولا يستطيع تجويد القرآن الكريم تجويداً جيداً إلا من 
درسوا في مصرّء ويعلن أهل المدينة أن لغتهم هي العربية الخالصة . 

وعلى أية' حال» ففى الحجاز يعتبرون أنه من اللباقة فى كبار السن 
أن يتحدثوا بالعرية التصحى :خاضة إذا كانوا تحاؤوون يشكل. على 
أمام الجمهوزة وعلى العكس فإن الشباب لو فعلوا ذلك لاتهموا 
بالافعاء و قله الخيرة وتعرضيووا لليجاء. 


محيعو 


رحلة بيرتول 





قافلة الحج الشامي 
كان مقرراً أن تنطلق قافلة الحج الشامي في 57 ذي القعدة 
(الموافق للأول من سبتمبر)» وقد كنت أنوي أن أمكث في المدينة 
حتى آخر لحظة وأن ألتحق بالقافلة الطيارة التى تغادر المدينة عادة فى 


اليوم الثاني من ذي الحجة أي بعد يومين من رحيل قافلة الحج 
الشامى . 


وفجأة ثار لَغط مؤداه أنه ربما لا تكون هناك قافلة طيارة20 وأن 
على كل الحجاج أن يلتحقوا بالقافلة الدمشقية» أو أن ينتظروا قافلة 
الركب وهي قافلة جمال يتحتم على الملتحق بها ألا يحمل معه سوى 
خرجيه» وتهبط هذه القافلة عادة في طريق يسمى الخبط وتصل مكة 
المكرمة في اليوم الخامس» وقد تلقى سعد شيخ المنسر (زعيم 
اللصوص) زيارة لم تحقق أهدافها من صديقه الوحيد الشريف زيد. 
فقد طلب الشيخ سعد عودة المشيخة (الشيخة) إليه مرة أخرى مقابل 
السماح بالمرور الآمن في المنطقة التى يسيطر عليهاء وإلا فإنه كما 
قال: «سأقطع رقبة كل دجاجة أو امرأة تدخل الطريق التى تمر 
بمنطقتى) . 


وعاد الشريف زيد للمدينة فى ٠١‏ ذي القعدة الموافق "٠‏ 
من السوق» وقال منفعلاً: يجب أن تكون مستعداً للسفر يا أفندي! لن 


المختار من الرحلات الحجازية 








> ود 
تكون هناك قافلة طيارة» كل الحجاج سيغادرون غداء الله يسهل 
عليك! هل قربتك عامرة بالماء؟! إنك ستسافر عن طريق الدرب 
الشرقي ولن تصادف فيه ماء طوال ثلاثة أيام . 
كان لا بد ألا نضيع لحظة واحدة فقد توقعنا أن نبدأ السفر في 
بكور صباح اليوم التالي» فذهب الولد محمد واشترى شقدوفاً بمبلغ 
ثمانين قرشاً وقد استمر معنا هذا الشقدوف فترة الحج . 


لقد كان الولد محمد مشغولاً طوال النهار» مشمراً أكمامه؛ يعمل 
بجد كحمال في تغطية الشقدوف بالحصير والأبسطة وفي إصلاح 
الأجزاء المعطوبة» وبتزويده بجيوب كبيرة لوضع المؤن في الداخل 
والخارج» وجيوب أخرى لوضع زمزميات الماء المبرد فيها. 


وقد أخذت معي - بناء على نصيحة أصحابي - دقيق قمح وأرزاً 
وكركم وبصلاً وتموراً ونوعين من الخبز غير المخمر» وجبناً وليموتاً 
وتمباكاً وسكراً وشاياً وبنا. 
الطريق عامر باللصوص الذين يطعنون المسافرين بأسلحتهم في بعض 
المناسبات فليس من قانون يمنعهم أو يحد من طلباتهم المفرطة» وبعد 
فترة عاد الشيخ حامد ومعه صبي وبدوي قصير نحيل كبير السن حسن 
التكوين متنتظم الملامح أبيض اللحية وأطرافه ‏ كما هي العادة ‏ بها 
ندب من أثر الجروح. إنه مسعود الرحاح». والرحاح أحد فروع 


رحلة بيرتون 





1س 


الحمايدة الذين هم بدورهم من بنيى حرب» وقد قدم إلينا مسعود وهو 
يتصرف بوقارء فقد وضع كفه في أكفنا دون أن يحرك أصابعه ليقبض 
على أكفنا وجلس ورفض التدخين وقبل القهوة» وبعد أن شربها نظر 
إلينا وعيناه تقولان إنه مستعد للتفاوض» وافتتحنا الحديث قائلين : 
نريد رجالاً لا جمالاً» وكان الحديث بيننا يجري بلهجة حجازية 
خالضة). وعد مناففات طويلة تم الاتفاق على أنه إذا اضطررنا للسفر 
بالدرب الشرقي أن ندفع عشرين دولاراً مقابل جملين وأن ندفع عربوناً 
عشر دولارات» قد وعد الشيخ بأن يقدم لنا جمالاً جيدة وتعهد بإمدادنا 
بغيرها إن أصيبت» كما تعهد بأن يقدم لها الماء وأن يصحبنا إلى 
عرفات ثم يعودء لكنه رفض بإصرار أن يحمل صندوقي الكبير ذاكراً أن 
ما هو موجود تحت الشقدوف يكفي كحمولة لجمل» وأن صندوق 
الأدوية الأخضر والخُرجين وحقائب المؤن تكفي كحمولة للجمل 
الآخرء ومن جانبنا فقد تعهدنا بإطعام الشيخ مسعود وابنه وأن نزودهما 
بطعام جاف أو مطبوخ», وعند عودتنا لمكة المكرمة ‏ من جبل عرفات - 
ندفع ما تبقى من الأجر مع هدية تقدم لهما في كتمان. 

ثم نهض واقفاً ونبهنا إلى أن نكون جاهزين عند سماع صوت 
المدفع» وحيّانا ومشى ببطء خارجاً من الغرفة يتبعه ابن الذي تباطأ 
تباطؤاً متعمداً ليتفحص كل شيء في الغرفة وليتفحصنا أيضاً. 

وبعد غروب الشمس بساعة تقريباً كنا قد أكملنا استعدادنا ما عدا 
الشقدوف الذي لا زال الولد محمد يعده بحماسة بالغة» فقد تذكر 
بحكمة أن عليه أن يقضي فيه أفضل الأوقات طوال أسبوع ونصف 








الأسبوعء لقد كان المساء حاراً لذا فقد تناولناعشاءنا خارج البيت. 
وهناك من أخبرنى أن على أن أعود للحرم النبوي لآداء زيارة الوداعء 


أن أودع من مكاني هذا تماماً كما لو كنت فى المسجد النبوي . 


الحرم النبوي وأن أتلو الابتهالات . 


[0117] ثم بدأت الإجراءات غير المريحة لدفع الحساب وهو 
قليل» فالمدين الشرقي دائماً - لأسباب مختلفة ‏ لا يسدد دينه إلا في 
اللحظة الأخيرة» لقد كان الشيخ حامد يلمح باستمرار للصعوبات التي 
يواجههاء والتي لم يحاول التخلص منها إلا بالاعتماد على الله» لقد 
عاملني بكرم بالغ الدرجة أنني ما كنت لأسترد أي جزء من الخمسة 
جنيهات الاسترلينية التي كنت قد أقرضتها له في السويس» وقد أخذ 
مني كل واحد من إخوته الثلاثة دولاراً أو دولارين» كما ألمح واحد أو 
اثنان من أبناء عمومته بأن تصرفي هذا التغاضي عن الدين - يلاقي 
استحساناً منهم . 


لقد تم إنزال أمتعة السفر ووضعت أمام المنزل استعداداً لتحميلها 
في اللحظة المناسبة» لقد بدأت جماعات كثيرة من المسافرين سفرها ‏ 
غالباً - مستخدمة الطريق العالى» وفي وقت متأخر من المساء وصلنا 
تقرير جديد أن القافلة سترحل في حوالي منتصف الليل» لقد جاسنا 
حتى الساعة الثانية صباحاً ولما لم نسمع صوت بندقية الانطلاق ولم نر 


رحلة بيرتون 





جمالاً رقدنا لننام ما تبقى من ساعات الظلام المضطربة» هكذا ‏ عزيز 
القارىء ‏ قضيت ليلتى الأخيرة فى المدينة المنورة. 


[514] إن لدي سبباً يجعلني أهنىء نفسي لاجتيازي الخطر 
الأول» فمكة المكرمة قريبة جداً من ساحل البحر الأحمرء ففي حالة 
افتضاح أمري يمكنني أن أهب في غضون ساعات قلائل إلى جدة حيث 
أجد نائب القنصل ليحميني من السلطات التركية» لكن افتضاح أمري 
في المدينة المنورة لو حدث لأدى لعواقب أكثر خطورة» والمغامرة 
التالية كانت الانتقال بين المديئتين المقدستين من المديئة إلى مكة وهي 
مغامرة يسيرة لأن المسئولين المحليين قد رتبوا أمورهم بحيث يقدمون 
لكل بدوي يمكن أن يثير الاضطراب دولاراً. 


من المدينة المنورة إلى السويرقية 


وفي الثامنة من صباح يوم الأربعاء السادس والعشرين من شهر 
ذي القعدة ١‏ أغسطس 1807.» بينما كنا جالسين عند النافذة في منزل 
حامد بعد تناول وجبة الإفطار ظهر فجأة جمالنا مسعود في عجلة 
شديدة» وكان يصحيه ابنه وصبي جسور فى حوالي الرابعة عشر من 
عمرهء وكان يكافح ببسالة لضبط توازن الأحمال فوق ظهر الجمل. 
كما كان معه ابن أخيه وهو صبي قبيح الشكل بفعل آثار الجدري» كما 
أنه كسول جداً يكسل حتى عن الدخول في معركةء وقد طلب منا 
الشيخ ألا نضيع وقتاً في التحميل فبدأ الجميع بنشاطء وفي الساعة 
التاسعة صباحاً وجدت نفسي واقفاً في مواجهة الباب المصري يحيط 





617 > 


بي الأصدقاء الذين صحبونى فنا على الأقدام لتوديعى» وبعد العناق 
المؤثر ركبنا: أنا والولد محمد فى شقدوف . 





]20١69[‏ وبعد مسير بطيء لمدة ساعة ترجل كل الحجاج»ء وراحوا 
يحملقون في المآذن الجليلة والقبة الخضراءء التى تمثل معالم تعلق 
بذاكرتهم مرتبطة دوماً بالحنين والشوق . 


[07] وبعد فترة ما بعد ظهيرة مملة تتسم بالحرارة والرطوبة 
بدأت أعداد كبيرة من دواب التحميل تهمدء وجثث الحمير والخيل 
والجمال التي لم تتحلل بعد تتناثر على جانبي الطريق» ويقوم البائسون 
الذين يكادون يموتون جوعاً بقطع شرائح كبيرة من أجزاء مختارة 
ويحملونها على أكتافهم حتى تسنح فرصة فيطبخوهاء إنني لم أر أبدأً 
من هم أشد بؤساً من هؤلاءء إنهم يحملون أواني خشبية يملأونها 
بالماء الذي يتسولونه» وسلاحهم الوحيد يتمثل في سكينة صغيرة في 
غمد صغير يربطونه فوق المرفق» ويضعون فوق رؤوسهم طاقية 
كالمكدانفه .وعدلوة تل حلك #الضعدل» وللسون تعضا كذرا 
وأحياناً وأحياناً مجرد خرقة تغطي العورة» وبعضهم متوحش تماماء 
وآخرون منهم ذوو منظر رقيق» وأكتافهم عريضة وخصورهم نحيلة 
وأطرافهم طويلة» وكثيرون منهم مقعدون بسبب الإرهاق والأشواك 
التى تدخل في أقدامهم. وعندما أمعن النظر أمعن النظر أتخيل الموت 
يحوم حول أشكال معظمهم وقسمات وجوههم. 


سرعان ما حل الليل» وانقضت ساعة على أية حال قبل أن نرى 


رحلة بيرتون 





على البعد نيراناً وسمعنا صيحات ملاحظ قافلتنا"'؟» لقد نصبت خيام 
تحت التلال وفى حضنها بنظام يديم وأحيط سرادق الباشا بالجنود 
والحراس في خيام يخفرها الخفراء لحراسة المعسكر ومراقبة ما حوله. 

وكان أحد رجالنا ‏ كنا قد أرسلناه ليسبقنا مستطلعاً ‏ قد قابلنا في 
طريق عودته وقادنا إلى مكان مكشوف فأنزلنا عشاءنا واستعددنا لقضاء ‏ 
ليل مريح . 

وفي ساعات معينة يقدم بائعون كثيرون لمن يريد الشربات وعصير 
الليمون والقهوة الساخنة والجوزة أو الشيشة المعدة إعذاداً جيدا. 

وأول ما يطلبه المرء ‏ على أية حال عند التوقف هو الشيشة. 
ويعقب ذلك فنجان قهوة» ثم يغفو غفوة قصيرة على الرمال» وخلال 
فترة التوقف الليلى يتم إعداد الطعام : الأرز أو الكشري وهو خليط من 
الأرز والحبوب الأخرى مع الصلصلة والليمون المخلل» وبين الحين 
والآخر يستعاض عنه بالضأن ولحم الماعز وهما عسرا الهضم . 
بمجرد سماع صوت إطلاق بندقية الرحيل . 

لقد عاينت بعينى على الأقل سبعة الآف ما بين راجل وراكب خيلا 
في شقاديف أو مستمتع بركوب جمال سوريا الفاخرة. 


وكان ثمة طبقات من الحجاج أدناها تمثل حجاجاً يتوكأون على 


)١(‏ إعلاناً بحلول وقت الراحة. 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 1و6 
عصيّ غلاظ» ويلي ذلك حجاج يمتطون حميراًء وبعدهم من يمتطون 
جمالاً وبغالأء أما المحترمون من البدو فيركبون جمالاً» ويعتلي 
الجنود صهوات الجياد» وقد هيئت دواب المقدمة لتلائم الشيوخ 
النبلاء الذين يمتطونهاء ويجلس أفراد أكثر الطبقات فقراً من النساء 
والأطفال والمعاقين فوق حمل مسطح وهو عبارة عن أسمال وقماش 
مفروش فوق صندوقين كبيرين يمثلان حمل بعيرء ويشغل كثيرون 
شبريات» وقليلون يشغلون شقاديف . 


وفي الساعة الثانية بعد الظهر من يوم الجمعة الثاني من سبتمبر 
استدرنا نحو الجنوب الغربى وانحدرنا للأرض صخرية ووجدنا أنفسنا 
بعد ساعة في مسطح صخري منعزل . 


851 ]وعد أن تيا الضيرة أخذنا استضادنا الوه بالماءه: لأ 
مسعوداً نبهني إلى أن الجمال لم تشرب منذ تسعين ساعة وأنها تهوي 
من العطش» وذهب الولد محمد راكباً جملاً مع الشيخ ومعهم كثير من 
القرب مما أتاح لي الفرصة لكتابة يومياتي» ولم يعودا إلا بعد حلول 
الليل بسبب كثير من المغامرات خاضاهاء لقد كانت الآبار في المسيل 
على بعد حوالي ميلين من مكان توقفناء وكان العساكر النظاميون وغير 
النظاميين يحيطون بالآبار ويبتزون عنوة بعض المبالغ لقاء الماء» وخاض 
الولد محمد في شجار كثير» لكن بعد أن طقطق مسدسه فوق رأس 
حاج فارسي عاد منتصراً بقربتين من الماء العذب لقاء عشرة قروش . 


وفي هذا المساء شرب كثيراً من السمن» وأكل تمراً مهروساً في 


رحلة بيرتول 





و1 سه 


العجين ‏ فطائر العجوة ‏ بكميات هائلة فبدا في الليل على وشك إسلام 
الروح . 

[077] وأمضينا ساعة أو ساعتين في سعادة قبل النوم» لقد بدأت 
أحب الشيخ مسعود الذي أمتعني بالحديث عن نسبه ومعاركه وأمور 
عائلته» ولم تَخْفٍ بقية جماعتنا استياءها عندما سمعوني أوجه أسئلة 
متتابعة عن السيول والتلال والبدو وأماكن المواضعء فقال الرجل 
العجوز: دع أبو الشوارب يسأل ويتعلم» إنه صديق البدو ويعرف أكثر 
منكم جميعاً. 


وفي يوم السبت الموافق للثالث من سبتمبر» أيقظنا صوت بندقية 
الانطلاق الكرية في الساعة الواحدة صباحاء ولا شيء أشد كراهة لدى 
العرب من السرية أو السفر ليلا مع أن النبي كله قد أوصى بالسفر في 
الدُلَجَة وهي الظلام المبكر؛ لأن الحيات والحيوانات الضارة لا تظهر 
ليلاآً» ولا أجد الكلمات المعبرة عن الفزع الذي اعترى الناس من السفر 
الطويل ليلاء كما أنه يضيع على الأوربي فرصة رؤية المنطقة» ما أبشع 
أن يضطر المرء لركوب جمل مرهق يمشي الهويني» أما نوم النهار فهو 
بدوره نوع من الخمول والكسل؛ إذ لا يستطيع المرء أن ينام نوما 
حقيقياً» كما لا يستطيع الإنسان أن يحتفظ بشهيته في الساعات الحارة . 


وخلال فترة ما قبل الظهر أزعجتنا رياح السموم التي جففت 


جلودناء ويشكو العرب مرا لشكوى من ضراوتها فى هذه الطريق» وقد 
أدركت هنا للمرة الأولى معنى تحمل البدو للكلماء أنهم يهتمون بين 





- 61 
الحين والآخر: يا لطيف!! ومع هذا يتصرفون كرجال» وقد طلبت 
منهم أن يجعلوا جمل الماء ‏ الجمل الذي يحمل الماء ‏ في المقدمة 
لإحكام المراقبة عليه» ولم يكن الشيخ مسعود وابنه يترددان على 
القت الكتريت إلا فى أزئاك حدودة» أما ابن هبي :و كان قضييرا 
نحيلاً به آثار الجدري يقترب من الثانية عشرة» ويدل جلده الأسود 
وشعره الصوفي أنه نصف إفريقي ومن أصل غير نبيل ‏ فكان يتردد على 
القرّب دائماً للشرب ولا يكف إلا عندما يركب الجمل ويغفو فوق 
حمله هنالك فقط ينسى عطشهء وعبثاً أمرنا له وتوبيخنا إياه فقد كان 


يشرب دوماً وينام دوماً ولا يعمل أبدا. 


وبعد الظهر بقليل وصلنا مسطحاً صغيراً على جانب المسيل تقع 
وراءه أرض صخرية ) ولكوننا وصلنا قبل الناشا فلم 06 نعرف أين 
ننصب خيامناء وكان من رأي كثيرين أن القافلة ستتجاوز المحجر 
وتعسكر وراءه»ء وعلى أية حال فإننا سرعان ما توقفنا ونصبنا خيامنا 
تحت الشمس المحرقة وحذا الآخرون حذونا. 


المسيل . وسرعان ما عاد الفتى بقربتين مليئتين لقاء تسعة قروش . 


وفي يوم السبت الموافق للرابع من سبتمبر تلكأنا رغم أن الشيخ 
مسعود حذرنا مسبقاً من السير الطويل» ففى هذه القوافل الكبيرة ثمة 
نوع من النظام. فصوت طلقة البندقية الأولى يعني أن نطوي خيامناء 
وأما الطلقة الثانية فتعني أن نتحرك على وجه السرعة . 


رحلة بيرتون 





_- 
وثمة فترات راحة أو توقف تستغرق في كل مرة نصف ساعة أو 
ساعة: في الفجر وفي الظهر وفي العصر وفي المغرب لأداء الصلاة» 
ويتم الإعلان عن التوقف بإطلاق طلقة من بندقية قديمة الطراز أو 
مدفع. وأثناء توقفنا في استراحات قصيرة يقوم الخدم السوريون 
والفرس بنصب خيام كبيرة خضراء في أعاليها أهلة مذهبة ليقيم فيها 
علية القوم وحريمهمء ويهرع هؤلاء الفراشون أو ناصبوا الخيام في 
محطة التوقف الأخيرة لحجز أفضل مكان في الموقع بالقرب من البثر» 
وتعرف القافلة الموقع عند إطلاق النار من ثلاثة بنادق» وأثناء تحرك 
القافلة ليلا فإن انطلاق المدفع يعني التوقف للراحة» على فترات 
متباعدة وغير متساوية ثلاث مرات أو أربع . 


ويلي أمير الحج في المرتبة الوكيل ويتولى الأمور التنفيذية» أما 
أمير الصرة فيطلق عليه الناس الصرة ويحمل معه الأموال والتحويلات 
الخاصة بالمدينتين المقدستين» وأخيراً هناك باشا العسكر ويتبعه 
حوالي ألف من الخيالة غير النظاميين والباش بوزوق وهم أنصاف 
لصوص . وأنصاف عسكر» يلبس كل واحد منهم كما يحلو له ويتسلح 
بما يروق له» قذرين في الغاية من القذارة يستحق منظرهم أن يسجل في 
لوحات فنية» وهم شجعانء ولا فائدة منهم البتة في منطقة كالحجاز”'' . 


(1) لأنهم متدربون على المواجهات العسكرية» والبدو المقاتلون يرهقونهم بأساليبهم 
غير المعهو دة عندهم. 





611 - 


ولما غادرنا في السابعة مررنا فوق مساحة حجرية مؤذية من خلال 
ممر متعب وكريه» وفي الساعة التاسعة اندفعنا في مسيل عريض يجري 
من الشرق إلى الشمال الغربي» ظللنا مسافرين في هذه المنطقة (في 
خط السير هذا) طوال النهارء وفي حوالي الثالثة بعد الظهر وصلنا إلى 
حوض (واد) يبلغ عرضه على الأقل اثنى عشر ميلا تنصرف إليه مياه 


التلال القريبة فيتشربها. 
وعلى أية حال» فإننا لم ندخل حدود السويرقية قبل الساعة الحاية 
عشرة مساء . 


[077] بدو الحجاز 

على حربته بيده ويشترك في غزوة أو معركة» فيتغنى ببعض الأهازيج 
المرحة . 
الحربس محتفظاً بالصفات الغريزية التى كبتتها الحضارةء والبدوي 
رياضي يثير الإعجاب؛ فالأطفال هم في الواقع رجال صغار يبدأون في 
ممارسة نظام رياضي بمجرد مقدرتهم على المشي فعندما قدمت بعض 
اللعب المصرية لطفل بدوي من جهينة - جهيني - قال: إن أولادي 
يلعبون على ظهور الجمال. 

ويقضي الرجال أوقات فراغهم في القنص - مستعينين بالصقور - 
وفي إطلاق النارء وفي امتطاء الجمال أو الخيول. والصقر ‏ كما 


رحلة بيرتولن 





19 


أخبروني - الذي يستخدم في الصيد من نوع مخصوص وهم يدربونه 
لملاحقة الغزال» في الوقت الذي ينهك فيه كلب الصيد السلوقي تعبا 
عند ملاحقتهاء وقد سمعت كثيراً عن مهارتهم الشديدة في الرماية 
لكنني لم أر إلا إطلق نار من البنادق القديمة التي يثبتونها ويطلقونها 
على أهداف ثابتة» وكان مستوى الرماية عادياًء والبندقية ذات 
الماسورتين نادرة بينهم» وسلاحهم الأساسي هو البندقية قديمة الطراز 
والبندقية ذات الفتيل والمسدسات» والرماح (ذوات عصي من جريد 
النخل) والرماح المعتادة والسيوف والخناجر التي يسمى الواحد منها 
جنبية» أما القوس والمقلاع فلم يعودا يستخدمان منذ فترة طويلة . 


وترد البنادق إلى هنا من مصر وسوريا وتركياء فالبدوي لا يستطيع 
صنعها وإن كان يستطيع إصلاحهاء وهو يقدر بشكل خاص البندقية 
القديمة الجيدة ذات الماسورة التي يبلغ طولها سبعة أشبار ويحافظ 
عليها أكثر من حفاظه على عباءتهء لذا فإن الأسرة غالباً ما تفخر 
بامتلاكها أربعة بنادق أو خمس توارثتها جيلاً بعد جيل» ويتراوح ثمن 
البندقية من دولارين إلى ستين دولاراً ويجمع البدوي النترات ويصنع 
فحماً نباتياً ممتازء ويستورد الكبريت من مصر والهندء إلا أن البارود 
المستخدم على أية حال ضعيف المفعول» وهم شغوفون بتدريبات 
إطلاق النار ومولعون بالرماية - كما يولع كل رجل فطن ‏ على مسافات 
قريبة» ويبذلون قصارى جهدهم في إحكام التصويب» وهم يراهنون 
في الرماية على خروف ويقوم الخاسر بدعوة أصدقائه إلى وليمة» وفي 
المناسبات يسلقون رأس الخروف ويستخدمونها كهدف للرماية يحصل 








عليها من يصيبهاء ويقال: إن البارعين في الرماية يصيبون كرة معلقة 
فى خيطء وعلى أية حال فالغريب أن بدو الحجاز ‏ كما يحكى ‏ لم 
يعرفوا إطلاق النار من فوق ظهور الخيل وهي تعدو بأقصى سرعتها إلا 
حديثاًء مع أن هذا الفن معروف بشكل عام في بلاد فارس وبلاد 
المغرب . 

وقد وصلت المسدسات مؤخراً إلى الحجاز لكن استخدامها غير 
شائع بين البدوء ويميل أهل المدن لاقتنائها ويجلبونها من إستانبول» 
بصوان أو قداحه قد يساويان ثلاثين دولاراً وهو ما يقابل عشرة أمثال 
تمنهما في إنجلترا . 

ولا تصنع سيوف جيدة بالحجاز»ء ويستوردون السيوف من مصر 
وفارس والهند. لكنني لم أر سيوفاً ذوات قيمة . 

والدرفاكب آى التزوس د تكلب أنقا من الهفد» بوالمتعرضن :أنه 
مصنوعة من جلود الكركدن ‏ وحيد القرن ‏ المدبوغةء» وهي مذهبة 
ومحلاة بحليات نحاسية . 

أما الخناجر فتصنع في اليمن وأماكن أخرى» وتختلف أشكالها 
اختلافاً كبيرًء ولكل نوع منها كالعادة اسم خاص» وهي معقوفة بشكل 
عام إلا القليل منها. 

ويفخر البدوي كثيراً باللعب بالسيف - العرضة - وإن كان من 
الواضح أنه يقفز بعيداً عن الضربة المرتدة بدلاً من تفاديها بالسيف أو 


رحلة بيرتود 





601 بس 
الترس. وقد تعلم أهل المدن في الحجاز اللعب بالسيوف التركية 
المعقوفة المزركشة. 

وموسيقى بدو الحجاز بدائية وأهم أدوات موسيقاهم الطبل وهي 
على نوعين: الصغيرة وتستخدم في الاحتفالات والمناسبات». والكبيرة 
وتستخدم للأغراض الحربية وهي من نحاس مغطى بالجلد ويدق عليها 
بقبضة اليد لا بالعصاء وبالإضافة لذلك فلديهم الربابة ذات الوتر 
الواحد وهي آلة رتيبة مملة لكنها ذات جاذبية في الصحراءء وقد 
وصفت في موضع غير هذا رقصهم وهو من مستوى غير راق . 

ولدى بدو الحجاز كل المعلومات الضرورية للحفاظ على ثراء 
الحياة البدوية؛ فهم بارعون في استيلاد الخيول والجمال وتدريبها 
وبيعهاء ويعرفون معلومات فلكية كافية يسترشدون بها ليلآء كما أنهم 
ملمون بأسماء النجوم الرئيسية» وذاكرتهم مدهشة» ولهم موهبة في 
قص الأثر. 


ويعرف البدو نوعاً من البيطرة وأسلوباً في الجراحة» وقد اكتسبوا 
هذه الخبرة بحكم تجاربهم وتنقلهمء وفىي حالات الكسور والتمزق 
يقومون بوضع المراهم وربط موضع الكسر أو التمزق» ويسقون 
المصاب حليب النوق والسمن حتى يشفىء أما الجروح التي سببها 
إطلاق النار فيغطونها بلحم الوبل . 


وفي حالة عض الأفاعي أو لسع العقارب فإنهم يشر حول العجرحم 
بالموسى ويتلون الرُقى ويغطونه بالثوم» والأثرياء منهم يستخدمون 


المختار من الرحالات الحجازية 





لذلك حجراً على هيئة حلقة مجلوب من الهند يستنزفون به السم وهم 
يرتلون الدعوات» ولدى قليلين منهم ترياق العراق وهو مضاد قوي 
للسموم في الشرق يستخدم من الخارج ومن الداخل أيضاًء بمعنى 
إمكان ابتلاعه . 

ومعلومات البدوي الطبية - على غير المعتاد ‏ محدودة في هذا 
الجزء من شبه الجزيرة العربية» فحتى أبسط أنواع العلاج غير مطلوبة 
هنا غالباً؛ فالناس يستيقظون مع الفجرء ولا يأكلون حتى يجوعوا وإذا 
أكلوا لم يشبعواء ويتنفسون دائمأ هواء الصحراء النقى» منشطهم 
السمن» وعلاجهم الكي ‏ حتى في حالات الروماتيزم - والكي 
بالإضافة للفصد الذي يتم بطريقة متقنة - كما يفعل الإيطاليون - حيث 
يتم نزف الدم من أصابع اليدين أو القدمين ومن أجزاء أخرى من 
الجسم يعتبره العرب دواء لكل داءء ويعالجون سفع الشمس للجلد 
بالدهن والكبريت» أما القرح المنتشرة هنا فتعالج بالكي وينثرون عليها 
الزنجار (صدأ النحاس) . 


وثمة مرضص يقاومونه بالأدوية التي تعوق تطورهء وبالمراهم 
المكونة من زيت وكبريب وبحمامات الرمال على نحو خاص» حيث 
يدفن المريض في الرمال حتى رقبته ويبقى على هذه الحال صائماً في 
الشمس طوال النهارء وفي المساء يسمحون له بتناول قليل من الطعام» 
وتستمر هذه الطريقة القاسية في العلاج حوالي الشهرء وهذه الطريقة 
تلائم بعض الأجسام. ولكن آخرين ‏ خاصة من الأوربيين - جربوا 
حمامات الرمال فماتوا بالحمى. 


رحلة بيرتون 





ويخلعون أسنانهم بكمّاشة البيطارء وإذا عانى البدن من البرد يعد 
عناء شديد دهئوه بالسمن وأكثروا وعرضوه لوهج النار . 


[074] لم يهزم محمد يك وأتباعه إلا أكثر البدو تحضراًء فلا زال 
يوجد حتى هذه الأيام بين البدو من لا دين له أو من يتسم دينه بالرقة 
الشديدة» ولا يستثنى من ذلك إلا سكان السواحل أو القريبون من 
المدن» فيما يتعلق بالعادات والتقاليد والنظم والاحتياجات» فلا زالت 
الطبيعة هي طبيعة أجداده . 


وبدو الحجاز يعتبرون أنفسهم من أتباع المذهب الشافعي لكن ما 
ينطبق على إخوانهم في الغرب ينطبق عليهم» فهم يقولون: إنهم لا 
يصلون لأنهم يحتاجون لماء الوضوء في الشرب» ولا يتصدقون لأنهم 
يستجدون الصدقات» ولا يصومون شهر رمضان لأنهم يموتون جوعاً 
طوال العام؛ ولا يحجون لأن العالم كله هو بيت الله» وأخطاؤهم في 
الأمور الدينية وأمورهم التي تدعو للسخرية تزود أهل المدن بكثير من 
الحكايات المضحكة. ويجب أن نلاحظ أنهم لا يراعون المبادىء 
الدينية فيما يسلبونه وينهبونه فهم لا يقدمون نذوراً ويتجنبون بعناية 
تقديم القرابين. 


والمناسبات الاحتفالية في حياة البدوي قليلة وبسيطة لا تتعدى 
مناسبات الختان والزواج والموتء وبالنسبة للختان فإنه يتخذ شكلين : 
الطهارة ‏ وفقاً لشعائر الإسلام -» والسلخ وفقاً للطريقة الجاهلية» وأيام 
الحكم السلفي الوهابي تم منع طريقة السلخ لكن الناس عادوا لها الآن. 





وتتم الطهارة بين الخامسة والسادسة من العمرء وعلى أية حال 
فإن بعض الطبقات تؤخرها للعاشرة» وفي مثل هذه المناسبات تقام 
الولائم ونسود البهجة . 


[075] والمرأة سلعة لدى البدائيين كما هي لدى المتحضرين» ‏ 
ولا يتزوج الشاب في الحجاز حتى يكون أبوه قادراً على شراء عروس 
له؛ وقلما توجد مناسبة من المناسبات آنفة الذكر لا يتم فيها إطلاق 
النار والرقص والغناء وتناول الضأن». وعادة ما يكون مهر العروس 
حوالي ثلاثين دولاراً إسبانيً» وتأخذ بعض القبائل ماشية - كمهر - 
عوضاً عن النقودء وإذا حنق الرجل على زوجته تخلى عنها مرة 
واحدة» ويشيع الطلاق بين البدوء ولا ينتج عن ذلك مشاكل ما دام 
المهر كان قد تم دفعه في حينه . 


[07] وجنائز البدائيين تشبه جنائز المتمدينين وإن كانت أكثر 
ساطة فالميت يتم دفنه حيث مات». وتوارى الجثة الثرى بعد غسلها 
وتكفينها بما يتاح من قماش ». ويتم منع النساء والنائحات من الحضورء. 
فالرجال وحدهم يحملون الميت إلى قبره» حيث تحفر حفرة وفقاً 
لعادة المسلمين» وتغطى الجثة بفروع الأشجار الجافة المتوفرة» 
ويوضع فوق القبر حجرء لمنع الثعالب وابن أوى من نبش القبر 
وليكون علامة دالة عليه» وليس لدى البدو مقابر فخمة ينقلون إليها 
موتاهم من مناطق بعيدة كما هو الحال عند أهل السند والبلوش . 


ولا يجد الرحالة صعوية فى العيش بين بدو الحجاز. لكن على 


رحلة بيرتون 








الرحالة أو المسافر أن يتحلى بأعصاب هادئة» وأن يتحمل المتاعب 
والمشاق» وأن يكون لديه معلومات عن العقاقيرء وأن يجيد الرماية 
والركوب» وأن يتحدث العربية التركية» وأن يعرف عاداتهم وتقاليدهم 
من خلال القراءة» وأن يتجنب انتقاد أحكامهم المسبقة» وإذا أنفق 
مبلغاً يسيراً ضمن وجود رفيق له وهذا الرفيق أو الصديق سيكون 
مخلصاً صدوقاً بمجرد تناوله الطعام معك فلا زالت عبارة: لقد أكلنا 
الملح معا. 

وعلى أية حال» فهناك بعض القبائل التي تحتاج لتجديد رابطة 
المودة كل اثنتين وعشرين ساعة مستخدمين عبارة : لم بيعل الملح في 
معداتناء ويجب الحذر عند اختيار صديق أو رفيق بحيث لا يكون له 
ثارات دموية كثيرة (غير مطلوب أو طالب للثأر)» وليس ثمة مانع من 
حملك ساعة نحاسية أو بوصلة جيب ومصحفاً في جيب سري مع قلم 
ومذكرة» وعلى الرحالة أو المسافر أن يتجنب حمل الأسلحة الثمينة 
فهي تثير طمع البدوي أكثر مما يثيره الذهب؛. ومن ناحية أخرى فليس 
من داع لتكرار القول بأن الرحالة أو المسافر يجب أن يكون حريصاً فلا 
يراه البدو وهو يكتب إلا التعاويذ أو أن يرسم في مكان عامء وعليه ألا 
يوجه أسئلة بشكل مباشرء وإنما يستدرج محدثه للحصول على 
المعلومة . 

ومما يزعج بعض البدو أن تسألهم عن أسمائهم أو عشائرهم 
بالإضافة إلى أن مثل هذه الأسئلة تكشف عن جهلك وفضولك؛ 
فالبدوي قد يعيش باسم مستعارء كما أن بدوي قبيلة ما يتغرف على 


المختار من الرحلات الحجازية 





بدو القبائل الأخرى من خلال اللباس والمظهر والصوت واللهجة 
والنبرة . 


ويمكن وصف - حكومة العرب - بأنها حكومة مستقلة أو حكومة 
تتمتع بالحكم الذاتي» فالقبائل لا تعصي شيوخها أبداًء إلا في حالات 
فردية ولاعتبارات شخصية» كما يحدث تماماً في الجيوش المتمدنة؛ 
إذ يحدث أن يكون هناك أفراد يتمتعون بالذكاء المتوقد والصفافه 
فتكون أصواتهم أعلى من أصوات قادتهم. وفي مجتمع البدو ‏ مجتمع 
الأسود ‏ يعتبر السيف هو الذي يفرض القانون. 

[07171] يمكنك إذا دفعت لرجل أو طفل أو امرأة مبلغاً صغيراً 
يختلف وفقاً لمواردك المالية من بنسات قليلة إلى دولارين ‏ تكون قد 
شاركت القبيلة الخبز والملح (العيش والملح) - فيمكنك بذلك أن 
تكون أنت وحصانك «دخيل» أي في حماية القبيلة» ويتحتم على كل 
فرد من أفرادها أن يساعدك كأخيهء وإذا حاول مسافر أو تاجر أن يمر 
خلال الأرض دون دفع الأخوة أو الرفقة فلا بد أن يتعرض للسلب». 
وإن قاوم قتل» وليس في دفع الأخوة أو الرفقة عارء فمخطىء من لا 
يراعي العادات . 


لفك أسهدت الضريبة ابتزازاً لكنها أخذت اسما أفضل . وأصبحت 
شكلاً من أشكال رسوم العبور أو رسوم الدخول» وأهل البيت - البيت 
جمع بيوت ويقصد بها خيام البدو ‏ يجبون الضريبة من أهل الحائط 
المحيط أي القرى والمدن الذين صودر حقهم في أن يكونوا بدوا. 


رحلة بيرتون 





وتطلب هذه الضريبة من العرب المهجنين غير الأصلاءء ومن القبائل 
الوضيعة» فهؤلاء مضطرون لدفعها قعدوأ في ديارهم أم خرجوا منهاء 
ومن هنا فإن دفعها فى هذه الحالة يلحق الخزي بدافعها. 


وبالإضافة لرواتب شيوخ القبائل والعشائر التي يدفعها الباب 
العالى. فإن ثروة البدوي تتكون من قطعان أغنامه وماشيته وفرسه 
وأسلحتهء وبعض العشائر ثرية بما تمتلكه من خيول» وأخرى مشهورة 
باقتنائها للجمال» وعشائر أخرى ليست قليلة معروفة باقتنائها للأغنام 
والحمير وكلاب الصيد. 


والاحتياجات الرئيسية للمنطقة تتمثل في الكبريت والرصاص 
والملابس بمختلف أنواعها والسكر والبهارات والبن والقمح والارت 
وثمن الرجال السلاح ويعرفون قيمته» ومما ينصح به أن يحمل الرحالة 
معه شيئاً من جواهر بيرمنجهام لاسترضاء صنف النساء» وفي المقابل 
فإن البدو يقدمون الأغنام والماشية والسمن والحليب والصوف 
والجلود التي يصنعون منها القرّب لحفظ الماء» كما يصنع المصريون 
وغيرهم من أهل الشرق الأواني الفخارية ‏ القلل والأزيار - للغرض 
نفسهء ولوفرة الدولارات في المنطقة الآن فقلما تلزم الضرورة 
استخدام نظام المقايضة. 


وتتميز الملابس العربية ببساطتها التى تمائل البدوي وهي تميز 


شخصيته كما تميز السراويل الطويلة الواسعة أهل سويسراء وملابس 
جديرة بأن يرسمها فنان» ومما يؤسف له أننا لم نعد نراها إلا على 


المختار من الرحلات الحجازية 





البدو الجفاة وعدد قليل من الأشراف» ويبدو الحجازي ‏ للعين 
الخبيرة ‏ إذا لبس طربوشاً وقفطاناً مثيراً للضحك . 

واللباس الضروري للرجل يتمثل في ثوب وقميص أزرق يصل من 
الرقبة إلى الكاحل له أكمام محكمة أو واسعة. ومفتوح من ناحية 
الصدر من الأمام ثم يضيق أسفل الصدر بحيث إن مرتديه ‏ إن أراد 
الجري ‏ كان عليه أن يخلعه أو يشمره من أسفل» وثالث عناصر 
حول الوسط ليشد من أزر الظهر. 


وفي الشتاء يلبس الشيوخ فوق قمصانهم عباءات» وهي تصنع في 
نجد والمنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية» وأفضلها ما كان من 
وبر الإبل فقد يبلغ ثمنها حمسة عشر دولاراء وأقلها قيمة من صوف 
الغنم وتساوي ثلاثة دولارات فقطء ويعتبر كلاهما رخيصاً إذا قيسا 
بمدة بقائهماء فالعباءة تظل تستخدم لعدة سنوات, أما المَخْرّمة ‏ غطاء 
الرأس - فتأتي من سورياء كما تزود سوريا ونجد هذه المنطقة 
بالكوفيات» أما العقال الذي يلف حول الكوفية ويثبتها فعلى أنواع 
كتير 

ولا يخرج البدوي للناس إلا مسلحاً. 


والنساء يلبسن ‏ كالرجال - أثواباً زرقاء داكنة» لكنها أكبر وأكثر 
اتساعاء فإذا خرجن غطين رؤوسهن باليَشمّك وهو من قماش أسودء 


أو برقع على نسق البرقع المصرية» ولا يلبسن سراويل طويلة» وقلما 


رحلة بيرتون 
يولعون بالصنادل أو الأخفاف. ويجعلن شعورهن في ضفائر دهنها 
بكثير من السمن, والثريات منهن يدهن أجسادهن بزيت الورد» وزيت 
له أريج القرفة» ويزين شعورهن بالشيح - أجمل أعشاب الصحراء - 
وحليهن هي الأساور والقلائد وحلقات للأذن والأنف». وكلها من 
ذهب أو فضة أو فضة مطلية بالذهب» والفقيرات يضعن عقوداً من 
عملات فضية حول الرقبة. 





والبدوي الحقيقي معتدل غير مسرف, قادر على أن يعيش شهوراً 
ستة على عشر أو نصات طعام في الوجبة» وحليب النوق وقبضة من 
تمر أو رطب في السمن تكفي حاجته للغذاءء وهو يزدري البدين 
والنهم الذي يأكل بانتظام وبكثرة» وينام البدوي على الحصير ولا 
يعرف الرفاهية أو الراحة وهو يتجمد من البرد ربع السنة» وتشويه 
الحرارة ثلاثة أرباعهاء ويمكنه - كسائر البدائيين - تحمل الجوعء فإذا 
ما أتيحت الفرصة التهم طعامه التهاماً. 

وعندما لا يكون لديهم محاصيل فإنهم يمتنون لسقوط الجراد. 
وفي الحجاز لا تعتبر أسرابه مؤكدة فلم تر خلال الأعوام الخمسة 
الأخيرة إلا قليلاًء والبدو يعدون الجراد للأكل بغليه في ماء مالح 
وتجفيفه في الشمس أربعة أيام أو خمسة» والجراد الطازج بالنسبة 
للعربي كالقواقع للبريطاني» وهم أي العرب يقطعون رأس الجراد 
ويسحبون أمعاءه وينزعون أجنحته وأرجلهء وبذلك يكون جاهزاً 
للمائدة» ولا يأكلون الجراد مصحوباً بأي شيء حلو وإلا أصبح مقرفاً 
باعثاً للغثيان» ويقدم طبق الجراد ساخناً مع الملح والفلفل والبصل 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 1م 
المقليى في السمن» وعندما تتذوق طبق الجراد تجد طعمه قريباً من 
طعم الربيان ‏ الجمبري ‏ غير الجيد. 

والطعام الأثير أثناء الرحلة هو القديد أو شرائح اللحم المجففة 
في الشمسء فاللحم المجفف بالإضافة للأقط ‏ كرات من لبن حامض - 
وقليل من البن تكفي لرحلة أو معركة. 

ولا يعرف البدوي المشروبات المخمرة أو الكحولية. 

وبعض العشائر ‏ وليس كل العشائر أو كل أفراد العشيرة الواحدة ‏ 
تدخن التمباك. والتمباك الذي يدخنونه محلىي - بشكل عام - ويسمى 
الحجازي أو الكاظمية وهو عشب أخضر ذو رائحة نفاذة سيئة» ويباع 
الرطل منه بقرش» ولا يستسيغ البدوي التمباك الفارسي ولا يستطيع 
الحصول على اللاتاكيا (نوع من التمباك) وربما كانت خرافة النوع 
الوطني» الذي ينمو أو يزرع محلياً التي تثير تقزز رجال الصحراء 
الحساسين. هي التي جعلت السلفيين الوهابيين يحرمونه. فراحوا 
يحون فننه أتزالآ ميجورة لاعس ل 

من السويرقية إلى مكة المكرمة 

لقد غادرنا الآن حدود المدينة المنورة السويرقية التي تتبع شريف 
مكة. وهي تتكون من حوالي مائة منزل . 
)١(‏ قال المترجم: حرم السلفيون (الوهابيون) النتن أو شرب الدخان باعتباره (بدعة) 


وباعتباره مضراء ولا غرابة أن يدافع نيزتواق عه التساك 6< فهؤ.د: أى: نيرتوناد 
مدخن كبير ومدمن للأفيون. ظ 


رحلة بيرتون 





- سصصه 
وداخل البلدة سوق تتوافر فيها اللحوم - خاصة الضأن ‏ جلبها 
البدو المجاورون. ويزرع القمح والشعير والنخيل بالقرب من البلدة. 
وليس هناك الكثير مما يمكن وصفه داخل شوارعها الضيقة وبيوتها 
الطينية» أما الحقول المحيطة بالبلدة فمقسمة إلى مساحات صغيرة 
مربعة يفصل بينها أسوار حجرية أو حيود طينية» وتبدو الأبار كثيرة: 
وبعض النخيل ريانة باسقة» والمياه قريبة من السطح ومتوفرة وإن كان 
طعمها يميل للملوحة وتصبح غير مستساغة بعد شرب الإنسان منها 
لأيام قليلة . 


وأهل البلدة من بي حسين وهم من الشيعة. ويزعمون ولاءهم 
للقبائل البدوية المحيطة ‏ خاصة قبيلة مطير - وهناك من أخبرني أن 


ولاءهم لأمير مكة مجرد ولاء اسمي شكلي . 


وقد شهد صباح يوم وصولنا للسويرقية فوضى عمت مجموعتنا 
الصغيرة بعد أن كانوا قبل اليوم متماسكين متآزرين خوفاً من الطريق» 
فقد كان من بيننا شخص اسمه علي بن يس وهو بحار قديم بكل معنى 
الكلمة”") ومهنته زمزمي - أي جالب للمياه من بئر زمزم - ويمتلك 
مأواق صغيراً عند سفح جبل أبي قبيس في مكة المكرمةء ومع أنه 
تجاوز الستين ومقعد لا يكاد يقوم وضعضعته السنون فغدا منحنياً 
أشيب اللحية متساقط الأسنان إلا أنه ما زال دليلاً للحجاج ويسافر مرة 
كل عام لهذا الغرض إلى المدينة المنورة» وقد أكسبته رحلاته هذه مكر 


)١(‏ يقصد أن أخلاقه كأخلاق البحار القديم ولا يعني أنه كان بحاراً. 


المختار من الرحلات الحجازية 





الرحالة المحنك» وقد عاش حياة طيبة وبتكلفة يسيرة» فشقدوفه قد 
صنعه بنفسه وقد زوده بأثاث مريح: مرتبة ناعمة ووسادة» وتتدلى من 
أخراجه أوان حجرية وغير ذلك من أدوات الرفاهية فهو يصحب معه 
الشيشة التي يستخدمها أثناء السفرء ويترفعم عن الاندماج مع الآخرين 
في مواضع التوقف. فيمكث في خيمته ويعبقها بدخان شيشته؛ وله 
وسائله الخاصة لتحويل ما لديه إلى مسكن» نموذج نمطي للعربي 
العجوزء وهو يغمغم دائماً طوال النهار وثلاثة أرباع الليل فهو يعاني 
من قلة النوم» وله أعصاب مرهفة للغاية فإذا اعتلى أحد شقدوفه كان 
سيء الحظ إذ يتعرض لإهانة تجعله يجمد كتمثال» وهو قلق تماماً 
ومتمسك بالأصول إلى حد مزعج» معتز بنفسه ومزدر للاخرين» لا 
شيء يزعجه أكثر من لحظة تأخير أو وجود شيء في غير موضعه. 
فليس على زمزميته أي خرق» وقد استنتجت حرصه الشديد ‏ جشعه - 
من أنه يلتقط الحبات المتناثرة من الرمان الذي نأكلهء ويقوم يتناولها 
قائلاً : إنها حبات الجنة . وهو قول من ضمن الخرافات العربية. 


فاشترينا بعض الرطب الطازج كما اشترينا خروفاً بدولار ونصف 
الدولاة: 

لقد بدأنا مسيرنا في الساعة العاشرة صباحاً يوم الأحد الخامس من 
سبتمبر في الاتجاه الجنوبي الشرقي . 


[؟7ه] وكانت رياح السموم - كالمعتاد - تهب بقسوة وراحت 


رحلة بيرتود 





9 






تؤثر فى أمزجة المسافرين» ففى أحد الأماكن رأيت تركيا لا د 00 


النطق بكلمة عربية واحدة يتجادل بعنف مع عربي لا يستطيع أن يفهم 
كلمة تركية واحدة» والحاج يصر على تحميل الجمل - بالإضافة لحمله 
- بضعة أعواد من الحطب لاستخدامها كوقود للطبخ» ويقوم الجمال 
بقذفها تخلصاً من الحمل الزائدء فيتعاركان يعنف ويدفع أحدهما 
الآخرء وأخيراً وجه التركي لطمة قوية للعربي» وقد سمعت بعد ذلك 
أن الحاج قد جرح جرحاً مميتاً في تلك الليلة فقد شق بطنه بخنجرء 
ولما سألت عن مصيره علمت أنه كفن بارتياح كامل ودفن في قبر لم 
يحفر جيداًء» وهو ما يحدث - بشكل عام للبؤساء» والذين يسافرون 
فرادى, والذين يحول المرض والحوادث الطارئة بينهم وبين الاستمرار 
في السفرء ومن المحال أن يفكر المرء في هذا المصير دون أن يعتريه 
الرعب؛ فعصف الريح والعطشء» والشمس المحرقة تقدح الرأس حتى 
الجنون. والأسوأ من كل هذا فإنهم لا يتتظرون الشخص حتى يموت». 
وسرعان ما تهاجمه ثعالب البرية ونسورها وغربانها. 

وفي الساعة السادسة ليلا وقبل أن يتلاشى نور النهار هبطنا في 

وفي الساعة الثامنة مساء بدأت الجمال تتعثر في الممرات الضيقة 
التي تفصل بين حقول القمح والشعيرء وسرعان ما وصلنا لمكان توقفنا 
وهو قرية كبيرة تسمى السافايناء فامتلأ السهل بالخيام والنيران التي 
أشعلها المسافرون» وقد وجدنا قافلة حجاج بغداد التي تتخذ طريقها 
فيما يسمى الدرب الشرقي» وتتكون قافلة حجاج بغداد من عدد قليل 





المختار من الرحلات الحجازية 





- 11م 
من الفرس والأكراد وخليط من قاطني الشمال الشرقي. لشبه الجزيرة 
العربية بالإضافة للسلفيين الوهابيين وغيرهم» وكان يرافق هذه القافلة 
قبيلة عقيل وجبليو جبل شمر الشرسون. 

[574] وماكدنا ننصب خيمتنا حتى سمعنا صوت إطلاق الأسلحة 
النارية الصغيرة فتشتت رفاقي في كل اتجاه لمعرفة سبب المعركة» لقد 
كانت قافلة بغداد ‏ رغم أن عددها لا يزيد عن ألفين بما فيهم النساء 
والأطفال ‏ قد سبقت قافلة دمشق في اختيار الموقع الأفضل» وكانت 
قافلة دمشق على استعداد للاقتتال» ولم تتنازل قافلة بغداد عن أي جزء 
من حقها في السبق» ومنذ ذلك الوقت عسكرت كلتا القافلتين في 
مكانين مختلفين» ولم أر أبداً من هم أكثر حباً للمشاكسة والعراك من 
أفراد هاتين القافلتين» فمجرد نظرة كان كافياً لقيام معركة. 

[070] وذات مرة جلس واحد من السلفيين الوهابيين في 
مواجهتناء وأظهر كراهيته للشيبوك''' الذي ندخنه بإشارة من إصبعه 
وإيماءات وإشارات أخرى تدل على الازدراء والاحتقار» وكان من 
المحال أن أمسك نفسي عن عقابه وكف غطرسته بأن أقدم له بأدب - 
الشيبوك مشفوعاً بابتسامة» فقد سحب خنجره دون تفكير» لكنه سرعان 
ما أغمده لأننا وضعنا أيدينا على زنود مسدساتناء فلا يفل الحديد إلا 
الحديد. 


[51] ورغم أننا توقفنا في الليل إلا أن الشيخ مسعوداً أعلن عن 


رحلة بيرتون 





619 سب 
حاجة جماله المرهقة للشرب لأنها لم تطفىء ظمأها منذ ثلاثة أيام. 
وقد عاد محبطأ فقد منعه الجنود من الحصول على الماء إلا إذا دفع 
أربعين قرشاً. 

وبعد العشاء فرشنا أسطتنا وتهيأنا للراحة» وقد لاحظت هنا - 
للمرة الأولى - رودة الليل» وحدوث هذا في هذا الموسم من العام 
يدل على ارتفاع ملحوظ عن سطح البحرء والجو يركد ‏ كقاعدة عامة - 
في الفترة من شروق الشمس إلى العاشرة صباحاً حيث تهب رياح 
خفيفة» وقبل الظهر يشتد النسيم» ويخف تدريجياً حتى بعد الظهر. 
وغالباً ما تهب عاصفة ترابية عند غروب الشمس تقريباء وفي السفاينا 
لا بد من التدثر بدثار رغم عدم وجود نسائم باردة أو ندى» فساعات 
الليل تبعث على النشاط وتزيل آثار الرمال والرياح السموم التي عانينا 
منها في النهار. 

[7اه] وقبل النوم تعرفت بشخص له نفس اسمي وهو الشيخ 
عبداه من مكة». وكان الشيخ عبدالله هذا قد ترك شقدوفه لابنه - وهو 
صبي في الرابعة عشرة - وركب هو في المقدمة على الجمل فمرض 
فجأة. فقصد للتعرف بي للحصول على بعض الدواء وليهيء لنفسه 
مكاناً مريحاً في شقدوفي. وقد سمحت له بذلك بسرور لأن الولد 
محمد كان باستمرار يركب الجمل» أما عن مرضه فلم يكن سوى 
إرهاق بسبب وعثاء السفرء لقد مرض بفعل الرياح الحارة» وثقل 
أكياس الدولارات التي يلفها حول وسطهء لقد كان في حوالي الأربعين 
طويلاً نحيلاً شاحباً ذا مزاج عصبي تمامآء وقد استنتجت من خلال 


المقعار بين الرهلات اللسجادية ' 





الأسئلة أنه لم يتناول حبة الأفيون اليومية'' وأنه انقطع عن تناولها فجأة 
ومنذ وقت قريب» فقمت بتجهيز حبة له وتركته مستريحاً في شقّدوفي 
وحثثته على التخلص من حمله (حزام الدولارات حول وسطه) في 
مكان آخر حتى يستريح» ولقد ظل صديقاً لي طوال مرحلتين وأخيراً 
استقر في شقدوفهء ولم أر بين أهل المدن من هو أفضل معلومات 
وأحسن تجربة منه» فقد تعلم في إستانبول قليلاً من الفرنسية والإيطالية 
واليونانية ولديه معلومات مختلفة ابتداء من المشروبات حتى أنواع 
عسل النحل» إنه مخزن للمعلومات المفيدة كما أنه منفتح لا يخفي 
معلوماته كأنه قاموس» ولقد افترقنا قرب مكة المكرمة ولم أقابله بعد 
ذلك إلا مرة واحدة في وادي منى . 


وفي الساعة الخامسة والنصف من يوم الثلاثاء الموافق للسادس 
من سبتمبر نهضنا وقد أنعشتنا البرودة والراحة التي تمتعنا بها ليلا 
وحملنا جمالناء وأيتحت لي فرصة لتفقد السفانيا: إنها قريبة من 
خسيق أو :سكين مدرلا شيدت جدرانها من الطين» وأسقفها مسطحة 
حولها سور معتاد وخارجه توجد النخيل وحقول القمح والشعير 
والذرة» وكانت سوقها في هذا الموسم عامرة» فحتى الدواجن كانت 
متوفرة فيها . 


وقد اتخذنا مسيرنا فى الاتجاه الجنوبى الشرقى» وبعد ميلين من 


)١(‏ كان كثير من الناس في زمان بيرتون وقبله وبعده يقدمون على هذه الآفة جهلةٌ 
بمخاطرها وطاعة لشهواتهم» نسأل الله - تعالى ‏ العافية . 





6 


المسير صعدت جمالنا منحدراً شديداً ثم هبطت في سهل عريض مكسو 
بالحصىء» وكان طريقنا من الساعة العاشرة إلى الحادية عشرة صباحاً 
يتخذ اتجاهاً جنوبياً على سطح مرتفع» وبعد ذلك عبرنا لمدة خمس 
ساعات ونصف الساعة سهلاً تشير الدلائل لوجود ماء به» وكان 
لمسيرنا في هذا النهار خصوصية تجعله نمطا للسفر في شبه الجزيرة 
العربية؛ فقد كانت المنطقة التي نتجاوزها خالية إلا من الصدى ‏ منطقة 
الموت». فكل شيء هنا يموت - إنها البرية حيث لا شيء إلا هو سبحانه 
وتعالى وفقاً لتعبير رفيق سفري» فالطبيعة هنا قد تعرت وكشفت عن 
هيكلها العظمي للرائي . 

وقد لاحظت صخرة لا يقل ارتفاعها عن ثلاثين قدمأء لقد كنا 
نسافر بين هذه الصخور حتى حوالي الساعة الرابعة والنصف بعد 
الظهر.ء حين سمعنا فجأة طلقات البنادق مؤذنة بالتوقف. ولم يكن ثمة 
أثر لحياة بشرية حولنا خلا شجيرات قليلة يابسة وأكوام الجرانيت» وقد 
استنتج مسعود استنتاجآً صحيحاً سبب توقفنا في هذا المكان غير الأهل 
التابع لقبيلة مطير فقال الشيخ العجوز: أعد خبزك واصنع قهوتك 
فستستريح الجمال لفترة ولن تنطلق بنادق الرحيل إلا عند جلول الليل . 


لقد قطعنا حوالى ثمانية عشر ميلاً. واتجاهنا الحالي هو إلى 
الجنوب الغربي . 

وفي العاشرة والنصف من مساء ذلك اليوم سمعنا إشارة الرحيل» 
وكان القمر ما زال شاباً فأعددنا أنفسنا لسفر ليلي شاق . 


المختار من الرحلات الحجازية 





> رودم 


فاتخذنا اتجاهاً غربياً خلال ما يسمى بالوعر ‏ وهو ما يطلقه 
العرب على الأرض الخشنة الجرداء -» وهبطت الظلمة فوقنا كغطاء 
النعش . وتعئرت الجمال وارتبكت» وتقاذفت الشقاديف كسمن في 
بحر عاصف.». ولما وصلنا إلى حيد أكثر وعورة من المألوف أميدلف 
مسعود رسّن جملي وحمل هو وابنه وابن أخيه المشاعل وراحوا يحثون 

وفي مثل هذه الظروف يكون شعار كل إنسان : «ليتحمل كل 
شخص مسؤولية نفسه»؛ فكل مسافر يعمل على شغل أفضل جزء من 
الممر ولا يفكر إلا في أن يسبق جاره . 

وطلع صباح الأربعاء السابع من سبتمبر» والعزيمة هامدة» وهبت 
الريح الحارة فكان إحساسنا بالألم حاداً. 

وفي الساعة العاشة صباحاً نصبنا خيامنا في أول بقعة ملائمة» ولم 
نضع وقتاً فمددنا أطرافنا المرهقة على صدر أمنا اللأرض . 


وفى الساعة السادسة مساء ركبنا دوابنا مرة أخرى واستدرنا إلى 


اللعهل الشركن. 
وكانت جمال القافلة الدمشقية قد أصبحت الآن تكاد تخر من 
الإرهاق فقد أنهكتها الشمس . 


دخلنا سهلاً عريضاً يعج بالشجيرات الشوكية التى نزعت أشواكها كثير 


رحلة بيرتون 





ا 


من أغطية الشقاديف؛. وانسحب عدد ليس بالقليل ليسقط على الأرض 
مما أثار ضحكاً ساخرا. 

وفي الساعة الحادية عشرة صباحاً كنا قد وصلنا لمحطتناء وتسم 
البركة؛ نسبة إلى حوض خزان ماء كبير أضحى الآن مهدماً. 

وقد سمح لنا الباشا أن نمكث في البركة خمس ساعات . 

ولما كنا قد أصبحنا الآن على مقربة من مكة فقد انشغل أهل مكة 
الذين برفقتنا بالحديث عن الإسكان والإقامة وراحوا يعرضون خدماتهم 
على الحجاج . 

[07] وكان يدور شجاراً أيضاً كل ساعة. وكان في جماعتنا 
شخص ألباني عجوز أشيب اللحية لا يستطيع أن يقوم من مقامه إلا 
بجهد جهيد» ومع هذا فإنه عنيف لا يستطيع أحد التعامل معه إلا عبده 
الإفريقي البائس. وهو صبي صغير وقح في الرابعة عشرة من عمره. 
وقد حدث تراشق بالكلمات بين هذا السيد العجوز الغاضب والشيخ 
مسعود عندما ألمح الشيخ مسعود إلى أن هذا الألباني لو كانت له 
أسنان لكان أكثر اتزانآء فقام الألباني برفع عمود ووجه ضربة أخطأت 
الجمال (الشيخ مسعود)» وانطرح الضارب «الألباني) أرضاء واندهمش 
مسعود صارخاً: «أوصل بنا الحال ليهزأ بنا هذا (المرأة العجوز). . 
هذا التركي؟» وبذلت جماعتنا غاية جهدها لتهدئة المتعاركين» وقد 
سمعنا العرب ونحن نهدده بالباشاء ولكن الألباني الذي بلغ به الغضب 
كل مبلغ وأصبح كالحديد المحمى لم يبال بتهديداتنا إلا عندما قلنا له : 





إنه إذا لم يتصرف كحاج فإننا سوف نتركه هو وعبده وراءنا ونرحل . 
وفى الساعة الرابعة عصراً غادرنا البركة وسرنا فى اتجاه الشرق . 
وفي الساعة السادسة صباحاًء التاسع من سبتمبر» اتخذنا اتجاهاً 

غربيً حيث وصلنا في غضون حوالي نصف ساعة إلى محطة توقعنا أنها 

الزريبة وهي سهل متموج فوق تلال جرانيتية مرتفعة» وفي كثير من 
أنحائه خضرة وأهنة . والمياه قريبة من السطح. وتحتفظ الأرض بمياه 

الأمطار فوقهاء وكنا قد قطعنا خلال الليل حوالي ثلاث وعشرين ميلا . 

الإحرام». فالزريبة هى الميقات. وبين صلاتى الظهر والعصر أحضرنا 

الحلاق لحلق رؤوسنا وقص أذظفارنا وتسوية شورابناء ثم استحممنا 

وتطيبناء ولبسنا ملابس الإحرام . 
ثم شرعنا في التلبية» وطلب منا أن نظل مرددين لكلمات التلبية 

كلما أمكننا ذلك حتى انتهاء المشاعر» ونبهنا الشيخ عبدالله - مرشدنا 

في الحج - أنه لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج» وأن نحترم كل 

مظاهر الحياة فلا نقتل طيراً ولا نزعجه». ولا نؤذي حيواناً ولا نقتله. 

وألا نحك أنفسناء ولا ننزع من أبداننا تعر ولا نقطع شجراء ولا 

نقطف عشبأ»ء وألا نستخدم عطراً. 
وفى الساعة الثالثة عصراً غادرنا الزريبة واتخذنا اتجاهاً جنوبياً 

غربياً فقابلت عينا المرء مناظر جديرة بالتصويرء فالجموع تهرول 


رحلة بيرثولن 





جلودهم السمراء» ورؤوسهم الحليقة مؤخراً تلمع في الشمس بعد أن 
ذهبت شعورهم السوداء الطويلة مع الريح وكانت تلبيتهم : (لبلك: 1 


وفي حوالي الساعة الخامسة والنصف دخلنا منطقة ذات منظر 
غريب» فعن أيامننا نتواءات حجرية يمتد عند قاعدتها (سفحها) مجرى 
يمتلىء ماء بعد المطرء وكان طريقنا في هذا المنخفض محفوفاً 
بالصخور من ناحية وبالأشجار الشوكية التي ملأت النصف الآخر من 
المجرى من ناحية أخرى . 


[571] وبدت الكآبة تغلف أرواحنا كلما تقدمنا في هذا الوادي 
الخطرء وقد لاحظنا أن أصوات النساء والأطفال تتلاشى في بحار 
الصمت والسكونء كما أن تلبية الحجاج تهمد تدريجياً» بينما كنت 
منشغلاً في تأمل سبب هذه الظاهرة التي تجلت واضحة لا حظت 
لفائف دخان صغيرة كأنها خواتم النساء (حلقات صغيرة) تتصاعد على 
قمة الجرف» تزامن ظهورها مع صدى إطلاق رصاص من بندقية قديمة 
الطراز (ذات فتيل)» وتدحرج الجمل الذ كان. يجري خبباً أمامي فوق 
الرمال» لقد أصابت الرصاصة قلبه فطاح راكب الجمل على بعد خمس 
ياردات أو ست». وهو يتشقلب . 


لقد أعقبت ذلك فوضى هائلة فصرخت النسوة. وصاح الأطفال» 


وعم الصخب بين الرجال» وراح كل واحد منهم يجاهد بكل قواه ليقود 
بعيره بعيداً عن منطقة الموت». ولأن الطريق كان ضيقاً فقد كان كل ما 


المختار من الرحلات الحجازية 





61 > 


فعلوه هو أنهم سببوا زحاماً شديداً سد الطريق» وعند كل طلقة رصاص 
كان الخائف المرتعد يجري ليندس بين الجموع المزدحمة» كما لو كان 
الجراح قد مس في جسده أشد أعصابه حساسية» ولم يكن للخيالة غير 
النظاميين أدنى فائدة في هذه الظروفء» فقد كانوا يقفزون على الصخور 
ويأمر كل منهم الآخر ويصيح فيه دون جدوىء أما باشا العسكر فأخذ 
سجادته وذهب عند سفح الجرف الواقع تجاه شمائلنا وراح يناقش - 
وهو يدخن شيشته - مع ضباطه ما يجب عليه عمله فلم يشر عليه أحد 
بارتقاء المرتفعات . 


[575] وأتى دور الوهابيين (السلفيين) الذي أثار تصرفهم 
إعجابى . فل هبوا وأخذوا الصدارة. وبدأ أحدهم يطلق النار على 
لصوص عتيبة» بينما ترجل ماثتان أو ثلاثمائة منهم واندفعوا صاعدين 
التل بإرشاد الشريف زيد. وكنت قد رحظت هذا الشريف فى المدينة 
المنورة»ء واعتبرته نموذجاً للعربي الخالص» لقد كان اوور 
بالشجاعة» وقد قتل فى هذه المناسبة كثيرين بيديه. 

وسرعان مأ أصبح صوت وقذائف عتيية يعبدأ وولوا الأدبار. 
فتقدمت مقدمة القافلة وأصبح الطريق لبقيتها مفتوحاًء وأشرعيت القافلة 
بعد هذا التوقف الاضطراريء لقد كان الأمر يتطلب جهداً للتخلص من 
الشعور بالخطر. ولكن الشيخ فسبعوذا كان على سكوف الحدث» ومن 
الطبيعي أن يكون عدد من الرجال قد لاقوا حتفهم أو جرحواء وقد 
تناقضت الأقوال فى هذا الشأن وكانت المبالغة هى السائدة؛ لقد قيل : 
إن عدد اللصوص كان مائة وخمسين » وكان هدفهم سلب القافلة وأكل 


رحلة بيرتون 





-_ / 


الجمال التي أصابها الرصاصء, لكن طموحهم الرئيسي يتمثل في الفخر 
والتباهي . 


[577] وفي بداية التراشق كنت قد جلست مع بقية القافلة وقد 
أعددت مسدسي ليكون جاهزاً لإطلاق النار» لكنني سرعان ما أدركت 
أنه لا شيء يمكنني عمله. ولرغبتي في لفت النظر لي فقد رحت 
أتحرك في كل مكان. محدثاً جبلة» ومرة أصعد وأخرى أهبط ‏ كما 
هو الحال في الشرق - وقد طلبت إحضار عشائي بصوت عال» وصرخ 
الواد محمد قائلاً: «ما هذا يا سيدي؟!» وعبر الناس من حولي عن 
دهشتهم قائلين: «يا الله. .. إنه يأكل!» أما الشيخ عبدالله المكي فقد 
كان مرحاً فسألني من شقدوفه الذي كان خلفي: «أهذه عادات الأفغان 
يا أفندم؟» فقلت له بصوت عال: «نعم» ففي بلادي يأكلون قبل 
مواجهة اللصوص.» فمن غير اللائق أن يموت الشخص جوعان». 
فضحك الشيخ بصوت عال» بينما الرجال المحيطون به يشجبون 
تصرفي» وقد ظننت أن تظاهري بالشجاعة في هذه الموقف كان تصرفاً 
فى غير موضعه لكن قليلاً من الأحداث التي حدثت بعد ذلك وأنا في 
طريقي إلى جدة أثبتت أنني لم أكن مخطتا تماماً. 


وكانت حشودنا تسرع قد اختلط صياحها بطلقات البنادق» 


وراحت الجمال تتعثر مرة إثر مرة» ففي مواضع تنزلج فوق منحدر 
شديد» وفي مواضع أخرى تنزلق أخفافها على مساحات من طين . 


المختار من الرحلات الحجازية 





611 - 


[07] وحدث شجار ضار وسباب متبادل بين أصحاب الجمال 
ومستأجريهاء وتقاذف رفاق الطريق بعبارات التهديد والوعيد. 
والحقيقة أننا كنا جميعاً فى حالة تنافر يعوزها الانسجام . 


[578] وقد توقفنا وقمات فصيرة للراحة أربع مرات أو تحفيبيا : 
حيثث كنا نتناول القهوة وبدخن الشيشة 6 ومع هذا فقد كان البشر 


[99؟5] وفي فجر السبت» العاشر من سبتمبر» وجدت أننا لا زلنا 
نسافر في بطن المسيل الذي بلغ عرضه هنا زهاء مائة ياردة. وكان بطن 
العون رجا برام اشر رتسي المرافم زيجت كما هر 
المعتاد ‏ في وقوع حوادث,. فعندما كنت أنظر خلفي للشيخ عبدالله 
الذي كان يركب - وقتئذ ‏ في الشقدوف الجميل للعجوز على بن يس 
وجدت أن سيقان الجمل الأربع قد اختفت من تحته فجأة» ومال بجنبه 
الأيمن على الأرض» وطرح الراكبان (عبدالله وعلي بن يس) الذي لم 
يكن حاضراً - بهمة بالغة» لكنني لاحظت أنه بمجرد حضور البدوي 
(الشيخ مسعود) حتى أصبح عبدالله (الحضري) أبكم لا ينطق . 


ثم اتخذنا اتجاهاً شمالياً فرأينا المضيق ‏ وهو مشهور بوادي 
ليمون ‏ وعند الحد الأيمن للوادي (المسيل) أقيم سرادق شريف مكة 
ذو اللونين الأخضر والذهبي وأحاط رجال الشريف به في انتظار 
استقبال باشا القافلة» وتقدمنا نصف ميل وعسكرنا على نتوء يطوق 
تلأء وقد امتد ‏ أي النتوء ‏ في بطن المسيل (الوادي)» وعند الساعة 


رحلة بيرتول 





الثامنة صباحاً كنا قد قطعنا حوالي أربعة وعشرين ميلاً من الزريبة حتى 
ميحطة تو فقن البعالية قن اتسداه تو رين . 


ولم يسمح لنا الشيخ مسعود إلا بأربع ساعات راحة فهو يرغب في 
أن يسبق بقية القافلة» وبعد أن أفطرنا ليموناً ورماناً وبلحاً طازجاًء رحنا 
ننطلق لنتذوق نواحي الجمال في المكان. إننا الآن في أرض عربية 
تقليدية» تلك الأرض التي عشقها الشعراء العرب القدامى . 
وهذا الوادي مشهور بنقاء هوائه» لذا فهو منذ الجاهلية مكان أثير 
لا نتجاع أهل مكة. فلا شيء يمككن أن يكون أكثر إراحة للنفس والعقل 
من الأوراق الخضراء الداكنة لأشجار الليمون والرمان» ومن عند سفح 
التل كان ينساب جدول ماء رقراق خلال البساتين فيمدها بالحياة 
ويصدح في أرجائها بالخرير الذي تعرفه الطبيعة في هذه الأرجاء . 


وعند الظهر تماماً أمسك مسعود برَسَّن جمل المقدمة وبدأنا 
المسير في المسيل (الوادي)» وكانت جماعات الفتيات البدويات 
ينظرن من فوق أسوار البساتين ضاحكاتء» وأقبل الأطفال علينا يقدمن 
الفاكهة الطازجة والماء العذب» وفي الساعة الثانية ظهراً ‏ وكنا نتخذ 
اتجاهاً جنوبياً غربياً - وصلنا إلى نقطة استدار فيها بطن السيل تجاه 
اليمين» فغدرناه بعد مشقةء وبعد انقضاء ثلاث ساعات دخلنا سهاة 
تحفه التلال . 


[1040] وفي بعض المواضع وجدنا مجموعات أشجار وقرى 
متناثرة مما يشير لاقترابنا من مكة. وبعيداً ‏ عن شمائلنا - بدت قمم 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 611 
الطائف الزرقاءء» كما بدأ الطريق الجبلي يمتد كخط أبيض فوق 
المرتفعات الأكثر قرباً مناء وقد رأيت هنا لأول مرة شجرة البلسم 
المكي ‏ أو شجيرة البلسم وهو الأقرب للصحة ‏ وهو مشهور جدا 
لخواصه المنشطة والمساعدة على الهضمء وسألت الشيخ مسعود أن 
يقطع منها غصناً فقطعه باستهتار مما أثار ضحك مجموعتناء وتلبه 
الشيخ المذهول أنه وقع في أحد المحرمات وأن عليه كفارة» وكان 
طبيعياً أن يتهمني بأنني المحرض وأنني السبب في ارتكابه أحد 
محظورات الإحرام مما سيكلفه ذبح أضحية» وقد قبلت مساعدته عن 

طيب خاطر . 


وفي الساعة الرابعة وصلنا لممر صخري منحدر صعدناه بشق 
الأنشفس فتجلت المنطقة واضحة» ولما سرنا الهوينى مرّ بنا موكب 
شريف مكة عبدالمطلب بن غالب”'؛ وهو رجل كبير السن داكن اللون 
لا لحية له له ملامح أفريقية ورثها عن أمه. وقد أظهره لباسه الأبيض 
وعمامته البيضاء أسود فاحم السواد» بسبب التناقض بين بياض ثيابه 
ولون بشرتهء وكان يركب بغلة تسير بتمهل وليس من شيء يدل على 


)١(‏ هو عبدالمطلب بن غالب بن مساعد الحسينى» من أمراء مكة. ولد بها سنة 
84 وولي إمارتها سنة 1747: وعزل منها بعد خمسة أشهر فتوجه إلى 
الأستانة فأقام بها إلى سنة 2١777‏ فأعيد إلى إمارة مكة فاستمر بها إلى سنة 
»؛ فوقعت فتنة بمكة كان سببها منع بيع الرقيق فعزلته الحكومة العثمانية» 
فقصد الأستانة ومكث إلى سنة ١١797‏ فأعيد إلى الإمارة فمكث بها إلى سنة 
68», ثم فصل عنهاء توفي سنة 211707 رحمه الله تعالى. انظر «الأعلام» : 
8/8 . 


رحلة بيرتود 





0 
مكانته الرفيعة سوى مظلة كبيرة من ساتان أخضر يحملها أشخاص 
مترجلون. ويسير حوله حوالي عشرون رجلا مسلحين بالبنادق القديمة 
ذوات الفتائل» معظمهم عبيدء وبعد الشريف بمسافة غير قصيرة أتى 
أولاده الأربعة: رضا بك وعبدالله وعلي وأحمدء وكان أحمد ما يزال 
طفلاً» وكان الإخوة الثلاثة الكبار يركبون جمالاً أصيلة مسرعةء وكانوا 
شباباً ذوي طبيعة مرحة لهم ملامح أهل مكة يلبسون ملابس حريرية 
فاتحة الألوان» أما سلاحهم فيدل على طبقتهم الاجتماعية: السيوف 

والخناجر ذوات المقابض الذهبية . 


ولما اقترب المساء توقفناء ورحنا جميعاً نحملق - عبثاً - لنرى 
مكة المكرمة التي تقع في واد ملتوء ورحت - بتوجيهات من الشيخ 
عبدالله - أردد الابتهالات التي سأوردها فيما يلي بعد الدعوات المعتادة 
وأنبه القارىء اليك ا 00 إلى 
لساننا اللأوربي : 


«اللهم اجعل حرمك هذا امنا أمين » اللهم حرم بدني ولحمي 
وعظامي على النارء ونجني من عذابك يوم العرض عليكء فأنت الله 
الرحمن الرحيم لا شريك لك. وصلّ اللهم وسلم على سيدنا محمد 
وعلى أصحابه أجمعين»: وبعد ذلك رحت أردد التلبية وأدعو لنفسي . 


[041] ثم ركبنا مرة أخرى وأصابنا قدوم الليل بخيبة أمل» وفي 
حوالي اساعة الواحدة استيقظت على أصوات هتاف عام: فقد كان 








61 - 


وانخرط الجميع في عاصفة من التلبية الحارة بتخللها بكاء الشوق 
الحار. 
رو 


ثم مررنا داخل المعابدة وهو الضاحية الشمالية (الحي الشمالي) 
وفيه قصر الشريف. وبعد ذلك عن شمائلنا - وجدنا المسكن 
المعزول للشريف ابن عونء» ويقال إنه الآن آهل بالسكان» وفي 
مواجهته توجد جنة المَعْلا وهي مقبرة مكة التي تحظى بالتبجيل . 

[041] ثم استدرنا ناحية اليمين فدخلنا السليمانية أو الحي 
الأفغاني» وهنا كان على الولد محمد أن يظهر بعض التحايل والذكاء 
فهو من سكان حي الشامية» والعلاقات بين الحيين (السليمانية 
والشامية) علاقات سيئة؛ فالأطفال لا يتقابلون دون تبادل القذف 
بالأحجار» ويتقاتل الرجال بضراوة بالنبابيت» وفي بعض الأحيان فإنه ‏ 
رغم المحاذير الدينية - يسحبون سيوفهم وسكاكينهم» لكن لعداواتهم 
تقاليد يراعونهاء فالدية تدفع لأهل المقتول» وإذا مر أحد أبناء حي 
بمفرده فى الحى الآخر كان بمثابة ضيف؛ لكن قد يحدث أن يتعرض 
للقرفب بلاعهياة على نيه أعنناته المظيفن: 

وفي السليمانية تخلينا عن الطريق الرئيسي ودخلنا طريقآ فرعياء 
وصعدنا في أزقة ضيقة في مرتفعات جبل هندي الذي يوجد فوقه مبنى 
أبيض به شرفات لإطلاق النار يسمونه قلعة. 

ثم هبطنا خلال شوارع مظلمة متعرجة إلى أماكن مزدحمة بأكواخ 
بدائية وبشر ذوي ملامح معتمة» وأخيراً وصلنا في الساعة الثانية صباحاً 


رحلة بيرتون 








-©9 


وقد وصلنا لمكة المكرمة في صبيحة السبت السابع من ذي 
الحجة ١١‏ سبتمبر ١807”‏ قبل بداية الحج بيوم وذلك للراحة ولزيارة 
الحرم. 


أول زيارة لبيت الله الحرام 


ع 
٠.‏ 


لقد تركني الولد محمد في عرض الطريق؛ وراح - أخيراً - يحث 
الخادم الهندي النائم والمر هق بركلات عنيفة وإجابات استنكارية وضع 
هو نفسه أسئلتها ليهب (أي الهندي) ويفتح البوابة الضخمة» وصعد 
الولد محمد السلم ركضاً ليحتضن أمه؛ وبعد دقيقة سمعت زغرودة 
وهو صوت يبعث البهجة في نفس العائد لبيته ووطنه» ويكون في حلق 


الخريي قف 


وسرعان ما عاد الشاب (الولد محمد) بعد أن تبدل حاله فأصبح 
وقوراً مجاملاً بعد أن كان صخاباً مهرجاً؛ لقد أصبحت ضيفهء 
فاصطحبني إلى بهو معتم وأجلسني على سجادة فوق مصطبة وطلب 
من الخادم الهندي أن يحضر ضواءاًء وفي هذه الأثناء سمعت أذني 
الجائعة للسماع(المتنصتة) صوت قرقعة متثاقلة لشبشب أو (قبقاب) في 
الدور العلوي» فعرفت أن (الست الكبيرة) كانت منشغلة في إعداد 
واجبات الضيافة» فعندما أنزلت الجمال أحمالها ظهر طبق من 
(الكنافة) مرشوش عليه السكرء ولم أضع وقتاً لا أنا ولا الولد محمد 
في دس أيدينا الأيامن» والحق أقول لكم: لقد وجدنا الكنافة لذيذة - 


المختار من الرحلات الحجازية 








(600) 
خاصة بعد هذه الرحلة التي تعرضنا خلالها للجوع ‏ وبعد الوجبة دبرنا 
حشيات وإغطية من المقهى المجاور وانطرحنا قلقين متعبين نريد انتزاع 
ساعة أو ساعتين للراحة» ففي الفجر كان علينا أن نؤدي شعيرة (طواف 

القدوم) في الحرم المكي . 


وبمجرد ابتسام شعاع الصباح فوق قمة جبل أبي قبيس الوعرة. 
نهضنا واغتسلنا وذهبنا بملابس الإحرام للحرم. 


وأخيراً تحقق هدف آمالي ومخططاتي التي استغرقت أعواماً 
كثيرة» وهدف رحلتي الطويلة الشاقة لأداء الحج» ولا شك أن الوسط 
السرابي والوجد الديني يعطيان لهذا المبنى وما عليه من ستارة 
كالطيلسان ‏ جاذبية خاصة» فالكعبة المشرفة لا تمثل أثراً عملاقاً أشيب 
كما فى مصرء ولا أثراً يتسم بالتناسق والجاذبية الفنية كما في اليونان 
إيطالياء ولا هي أثر يتسم بالروعة البربرية كما في مباني الهندء لقد 
كان منظر الكعبة المشرفة غريباً متفرداء وقليلون هم الذين وضعوا 
المبنى في اعتبارهم عند النظر إليهاء ويمكنني أن أقول بصدق: إنه من 
بين كل المؤمنين العابدين المتعلقين بأستار الكعبة باكين» والضاغطين 
بقلوبهم على الحجر الأسودء لا أحد أعمق مشاعر من الحاج القادم من 
الشمال المعيد» لقد بدا الأمر كما لو أن الحكايات الشعرية العربية تنطق 
بالصدق». وأن أجنحة الملائكة ‏ لا نسائم الصباح ‏ هي التي تحرم 
أستار الكعبة السوداء» إن المشاعر الدينية الفياضة والمتحمسة تؤدي 
لهذا التصورء أما بالنسبة لي فقد أحسست بانجذاب صوفي وإحساس 


بالرضى . 


رحلة بيرثون 





وقليل من المسلمين هم الذين يتأملون الكعبة للمرة الأولى دون 


أن يعتريهم خوف وخشيةء فثمة فكاهة شائعة عن القادمين للحرم 
المكي للمرة الأولى أنهم يسألون عن اتجاههم أثناء الصلاة (القبلة) 
ففي الحرم المكي يمكن للمصلي أن يستقبل الكعبة من أي اتجاه 
ويصلي» وهذا لا يحدث في أي موضع آخر إلا في الحرم المكي» لقد 
تركني الولد محمد أخلو لنفسي لدقائق قليلة لكنه سرعان ما نبهني إلى 
أنه قد حان البدءء فتقدمنا ودخلنا باب (بنو شيبة) حيث رفعنا أيدينا 
ولبينا وكبرنا وهللنا وتلونا ابتهالات ودعوات مخصصة ومسحنا 
وجوهنا ‏ بعد ذلك - بأيديناء ثم اتجهنا إلى مقام الشافعية» وهو مساحة 
مكشوفة بين مقام إبراهيم وبئر زمزم فصلينا الركعتين التقليديتين تحية 
للمسجد. وأعقب ذلك تناولنا كوبا من ماء زمزم المبارك» وقدمت. 
هدية للسقائين الذين وزعوا بأسمي جرة ماء فخارية كبيرة على الحجاج 
الفقراء . 


[:0] ويتم نقل ماء زمزم لمناطق بعيدة في جرار فخارية 
موضوعة في سلال ومغلقة ومختومة بخاتم الزمازمة (المسؤولين عن 
بئر زمزم)» والمتدينون يحرصون على أن يكون ماء زمزم هو أول ما 
يتناولونه عند إفطارهم في رمضان. ويضعونه في عيونهم لتقوية 
أبصارهم . 





565 وبطيعة الحال» فإن المبالغات الحديثئة عن ماء زمزم 
ليست بغير أساس» فأهل مكة يعدون وفرة ماء البئر أمراً إعجازياً» وفى 
المناطق البعيدة يعتبر الناس شرب ماء زمزم معيناً للطالب على نطق 


المختار من الرحلات الحجازية 





6 


اللغة العربية» وفي كل مكان تعد قطرات من هذا الماء غير المستساغ 


هدية ثمينة من وجهة نظر دينية”' . 


ثم تقدمنا صوب الزاوية الشرقية للكعبة المشرفة التي ثبت فيها 
الحجر الأسود. ووقفنا على بعد عشر ياردات منه» ثم رحنا نردد 
وأكفنا مرفوعة للسماء: «لا إله إلا الله وحدهء» صدق وعدهء. ونصر 
عبده» لا إله إلا أنت» لا شريك لكء لك الملك ولك الحمد وأنت 
على كل شيء قدير»ء وبعد ذلك اقتربنا بقدر استطاعتنا للحجر 
الأسودء ولم نستطع لمس الحجر هذه المرة بسبب زحام الحجاج 
فرفعنا أيدينا كما نرفعها عند التكبير لأول ركعة ثم قلنا: «يا رب 
العالمين» أنا أفعل ذلك إيماناً بك وتصديقاً لكتابك واقتداء برسولك 
كلذ إلهي إني أمد يدي إليك رغبة فيك» اللهم أقبل دعائي» وذلل لي 
كل العقبات» وارحم ذلي» واغفر ذنوبي». ولأننا كبا لا زلنا-غين 
قادرين على لمس الحجرء فقد رفعنا أيدينا إلى آذانناء وواجهنا بأكفنا 
الحجر الأسود كما لو كنا نلمسهء وتلونا بعض الدعوات الدينية. 
وكبرنا وهللنا وحمدنا الله» وصلينا على النبي مَك . 





ثم بدأنا شعيرة الطواف حول الكعبة في المطاف . 

ثم بدأنا الدعاء: «اللهم إنى آمنت بكتابك الذي أنزلت» وبنبيك 
الذي أرسلت يِه حتى وصلنا لموضع الملتزم بين الحجر الأسود 
وباب الكعبة فرحنا نردد: «اللهم تجاوز عن أخطائنا» وفى مواجهة باب 


)١(‏ لا ننسى أن بيرتون رجل غربي كافر ينظر إلى هذا الماء نظرته لأي ماء آخر. 





9- 
الكعبة رحنا نردد: «اللهم إن البيت بيتك» والحرم حرمكء والأمن 
أمنك» إنا نفر إليك ونعوذ بك من عذاب النار»» وعند مبنى صغير 
يسمى مقام إبراهيم قلنا: «اللهم إني في مقام الذي لجأ إليك واستعاذ 

بك من النأر. اللهم حرم دمي ولحمي وجلدي على النار» . 


وبينما كنا نخطو ببطء حول الركن الشمالي أو العراقي للكعبة 
المشرفة قلنا: «نعوذ بك من الشرك والعصيان والنفاق واللجاجء 
واحفظ أهلنا وأموالنا وذرياتنا». 


وعند مواجهتنا للميزاب قلنا: «اللهم إني أسألك إيماناً لا يتحول. 
ويقينآً لا يزول» وآت محمد يَكلِدِ الوسيلة والفضيلة» وأظلني في ظلك 
يوم لا ظل إلا ظلك. واسقنا من حوض نبيك شربة لا نظمأ بعدها 
أبدا» . 

واستدرنا إلى الركن الغربي أو الركن الشاميء وقلنا: «اللهم 
اجعله حجاً مقبولاًء وذتبآ مغفوراًء وسعياً مشكوراء وتقبل عملناء 
فأنت غفور رحيم». ورحنا نكرر ذلك ثلاث مرات . 

ولما وصلنا للركن اليماني في الجنوب حيث كان الزحام أقل 
إزعاجاً لمسنا الجدار بأيامننا وقبلنا أطراف أصابعناء وأخيراً بين الركن 
الجنوبي والحجر الأسودء حيث يكون أحد أشواط الطواف قد انتهى 
قلنا: «اللهم إني أعوذ بك من الشركء وأعوذ بك من العِوز”'“: وأعوذ 


)22322 أي الغقر. 


المختار من الرحلات الحجازية 





م6 


بك من عذاب القبرء وأعوذ بك من هم الدنيا» ومن العذاب بعد 
الموتء, اللهم إني أعوذ بك من خزي الدنيا والاخرة واغفر لنا واعف 
عناء اللهم اتنا في الدنيا حسنة» وفي الآاخرة حسنةء وقنا عذاب النار/ 
وبذلك انتهى شوط من أشواط الطواف» وقد أتممنا الأشواط الثلاثة 
الأولى ونحن نهرول أو نرمل . 

أما الأشواط الأربعة الأخرى فقد كنا نسير أثناءها في تأمل» أي 
ببطءء وبعد كل شوط كنا لا نستطيع لمس الحجر الأسود أو تقبيله 
بسبب الزحام لذا فقد كنا نشير إليه قائلين «بسم الله الله أكبر» ثم 
واضل: 

[545] وفي نهاية الطواف يستحسن تقبيل الحجرء وقد وقفت 
لفترة أنظر بيأس لجموع البدو وغيرهم الذين يحاصرون الحجر 
ويتزاحمون عنده» لكن الولد محمداً كان مفيداً في هذه الظروف» ففي 
أثناء طوافنا أظهر حماسة منقطعة النظير في سب الفرس وأهل البدع بأن 
يقحم في دعواته حول الكعبة كلمات قاسية تجعلهم مضطربين» وكان 
يقول مثلآ عندما يرى خراسانياً طويل اللحية» مومئاً إليه: «أعوذ بك من 
الخزي في هذه الدنيا»» «وأعوذ بك من الرفضي ابن الرفضي» » أحياناً 
يقول: «يا خنزير يا أخو الخنزيرة». وهكذا البقم فك عحيف أن أحدا 
لم يجسر على تعنيفهء وبعد أن حاولنا عبثاً إزاحة الحجاج الذين لم 
نكن نر منهم إلا عظام أكتافهم» قام الولد محمد بجمع حوالي اثني 
عشر مكياً أقوياء البنية استطعنا بمساعدتهم شق طريقنا بين زحام ذوي 
السيقان الدقيقة فالتف البدو حولنا كالقطط البرية لكن دون خناجرء لقد 


رحلة بيرتون 





-© 


كنا في فصل الخريف فلم يكن هؤلاء البدو قد غذوا أنفسهم بالحليب 
لستة أشهر لذا فقد كانوا كالموميات حتى أنني كنت أستطيع إزاحة ستة 
منهم بيد واحدة» وبعد ذلك وصلت للحجر الأسودء وقد احتكرنا 
التعامل معه ‏ الحجر الأسود ‏ لعشر دقائق على الأقل رغم صيحات 
الساخطين» وقد تفحصته عن قرب بينما كنت أقبله وأحك جبهتي به 
وأمسحه بيدي. وفي كل هذه الأثناء حتى ابتعادي عنه كنت أتابعه 
كحجر نيزكي» ومن المثير للدهشة أن كل الرحالة أجمعوا على نقطة 
واحدة وهي أنه حجر بركاني . 

وبعد التمسح في الملتزم عدنا إلى مقام الشافعية بالقرب من مقام 
إبراهيم» وصلينا ركعتين سنة الطواف. قرأنا فيهما لفل يأيها 
المكَيدرورت © لآ عبد ما سَبَدُوا. إلخ 4" وسورة الإخللاص: 
9 مُلْهْوَآمّهُ حدٌ. . إلخ4”". ثم ذهبنا إلى باب مبنى بثر زمزم» حيث 
تجرعت شربة أخرى منهء» وصببت فوق رأسي قربتين منه فهذا يسقط 
الخطايا عن الروح كما يسقط الغبار عن الجسدء وعند شرب ماء زمزم 
كنا نقول: «اللهم ارزقنا وعلمنا واشفنا»» ثم عدنا تجاه الحجر الأسود 
ووقفنا في مواجهته لعدم إمكاننا الاقتراب منه وهللنا وكبرنا وحمدنا 
اللهء لقد كانت أقدامنا ملتهبة ‏ تذكر أننا حفاة - وكانت رؤوسنا محترقة - 
تذكر أن رؤوسنا غير مغطاة ‏ ولم أغادر المسجد الحرام إلا الساعة 
العاشرة بسبب أمور تسببت في تأخرنا. 


)غ2 سورة الكافرون. 
,»2 سورة الإخلاص . 





6 - 


لقد أخطأ الولد محمد في حساب إمكانية إقامتنا في بيته أمه؛ 
فلأنها امرأة بلا بعل وتعيش وحيدة فقد عهدت بغرف بيتها في هذا 
الموسم إلى أخيهاء وهو مكي عجوز نحيل يعتبر نموذجاً نمطياً للجيل 
القديم» ذو براثن كالحدأة» وله ابتسامة ضبع» وقد رمقني بعيوني غير 
ودودة عندما اعتبرت نفسي ضيفاً في بعض الغرف التي أعدها 
للاستئجارء لكنه وعد أنه بعد عودتنا من عرفات سيخلي لي غرفة 
مخزن صغيرة» لذا فقد اضطررت للاكتفاء بالنوم في غرفة الاستقبال 
الخاصة بالرجال في الطابق الأرضي . 


وقد كومت نفسي بالكاد على المصطبة المغطاة بسجادة بعد أن 
شغل الجزء الباقي منها ‏ فجأة ‏ بالحجاج الترك» أو الأتراك السلاف”'' 
وهو الأقرب للصحة. الذين يسكنون البيت والذين استضافوا زوارهم. 
لقد كانوا ضخاماًء طوال الشعرء غلاظ الأصواتء» مربعي البنية» ولم 
يلتفتوا إلي البتة» ورغم شعوري باقتحامهم المصطبة فقد مددت ساقي 
بطريقة مزعجة تعبر عن الاستهتارء وأخيراً وجه لي أحدهم حديثاً 
بالتركية فرددت عليه بهز رأسي» فترجموا لي سؤاله للعربية فأجبت: 
(إنني من خراسان»» وقد أدى قولي هذا إلى حملقتهم في حملقات 


)١(‏ قال المترجم: وهذا يعني أن المسلمين في شرق أوروبا كان يطلق عليهم الترك 
السلاف مما يؤكد أنهم ليسوا أتراكاً مهاجرين وإنما سلاف تحولوا للإسلام» وقد 
استخدم بيرتون هنا التعبير الدقيق المفرغ من المضامين السياسيةء انظر أيضاً 
ترجمتنا لكتاب «العثمانيون في أوربا» تأليف بول كولز (سلسلة الألف كتاب 
الثاني - .)١57‏ ْ 


رحلة بيرتول 





ظ 3-5 


حجريه قاسية.») ورحت أسمع بكثرة : أغ - بمعنى : اخ ! : «أنت إذن 
شيعى ضار»ء وقد أدرت عيني فيهم بابتسامة متكلفة كابتساماتهم. 
وزدت في مد قدمي بمقدار ضئيل» ورحت أتناقش مع شيشتي (أنشغل 
عنهم بها) وعندل مغادرتهم لفترة ‏ قام الولد ميحمد») بناء على طلبي» 
برفع صندوق أدويتي الأخضر ووضعه على المصطية . وقل أدى هذا 
إلى وضع حد بيني وبينهم وأكد حقي في المكان الذي شغلته قبل 
الترك. وكان معظم هؤلاء الرجال يشكلون مجموعة واحدة يرأسهم 
كولونيل نظام يسمونه البك» وبدأت معرفتي بهم غير ودية بشكل كاف». 
ولكن بعد ذلك اتضح أنهم ذوو قلوب طيبة ويحبون التعامل مع 
الآخرين» وذلك باستثناء أفراد قليلين منهم كانوا كالجزار الإنجليزي 
عندما يبادره أحد الغرباء الفقراء بالكلام - بمعنى اتسامهم بالنفور أو 
الفظاظة ‏ إنه يحدث - غالباً ‏ للرحالة أن يستمتع بصحبة من أحس 
إزاءهم بشيء من النفور في البداية . 

وفي المساء اتجهت مرة أخرى إلى مركز الكرة الأرضية (الكعبة 
المشرفة) بصحبة بصحبة الولد محمد» لقد ذهبت للكعبة هذه المرة 
لأستمتع بجمال المكان ولأبتهج لساعات . 

إن القمر ‏ الآن ‏ يقترب من التمام يميل فوق حاجب جبل أبي 
قبيس مبدداً الظلام حول المشهد بنوره الوقور» ووسط النور القمري 
تجد الكعبة المشرفة مبنى كبيراً كتابوت . 


[557] إن النظر إليها يريح العين» أما المباني والقباب الصغيرة» 


المختار من الرحلات الحجازية 





م 
كالهياكل» والمحيطة بها فتتلاشى أمام هذا الهدف الواحد ‏ المتوحد 
في مظهره ‏ إنه بيت الله رب إبراهيم وإسماعيل وذرياتهماء سامية هي». 
معبرة بكل بلاغة وفصاحة عن الهوى والولوع بفكرة واحدة عظيمة 
ونبيلة هي التي بثئت الحيوية في الإسلام وبثت القوة والثبات في نفوس 
أتباعه . 


لقد كان الصحن المحيط بالكعبة مزدحماً بالرجال والنساءء 
والأطفال في مجموعات» كل مجموعة تتبع مطوفأء بعضهم يمشي 
برزانة» وآخرون يجرونء» وطائفة أخرى وقف أفرادها يصلون جماعة». 
إنه منظر يعج بالمتناقضات» فهنا تمشي بعزة امرأة بدوية في ثوبها 
الأسود الطويل الذي يشبه رداء الراهبات الصوفي الخشن» وقد غطت 
وجهها بحجاب أحمر فاتح لونه تطل منه عينان لا معتان حادتان. 
وهناك امرأة هندية بملامح شبه مغولية (تترية)» شبه عارية بسيقانها 
النحيلة المغطاة بسروال ضيق. تهرول حول الكعبة.» وبين الحين 
والآخر يدخل أناس حاملين جثة في نعش فيطوفون بها حول الكعبة» 
ويعاونهم فى حملها المسلمون الآخرون» كما هو متبع في مثل هذه 
الحالات» وقلة من الأتراك مصقولي الجلود يتكاسلون وينظرون ببرود 
وازدراء كما هي عادتهم . 


كل جزء من أجسادهم الكعبة المشرفة» ويتعلقون بأستار الكعبة» 
ويبكون ويتنهدون حتى يظن المرء أن قلب الواحد منهم سينفطر. 


رحلة بيرتون 





6 

وقبل الغروب قام الولد محمد لإطعام حمام المسجد الحرام» 
وكان قد اشترى لهذا الغرض ملء كيس صغير من شعير» وذهب حيث 
تتجمع هذه الحمائم» وهو الجزء من الصحن الذي يؤدي من قوس 
معزول إلى الأروقة الشرقية» وأثناء النهار يرى المرء نسوة وأطفالاً 
جالسين في هذا المكان وأمامهم أكوام من حبوب في مشنات أو سلال 
ويبيعون الكوم بمبلغ يسير (عملة نحاسية)» ويعتبر الحجاج الصالحون 
أن من واجبهم تقديم وجبة ثرية لهذه الطيور المبجلة . 

لقد مكئت تلك الليلة في الحرم المكي حتى الساعة الثانية صباحاً 
لأرى ما إذا كان سيخلو من الزحام» لكن صباح اليوم كان سيشهد 
النفرة إلى عرفات لذا فقد أمضى كثيرون ساعات الليل هنا في الحرم 
- لقد جلست جماعات كثيرة من الحجاج فوق سجاجيد أحضروها 
معهم. وأمامهم مصابيحهم وراحوا يتجاذبون أطراف الحديث ويصلون 
ويتأملون الكعبة» وكانت الأروقة غاصة بالتجار الذين راحوا يعرضون 
بضاعتهم التي تخدم أغراضاً دينية كالأمشاط والسواك والمسابيح. 
وقبل الساعة العاشرة مساء لم أجد فرصة لأداء الركعتين المعتادتين في 
الحكن. 

وبعد انتظار طويل صبور خطوت - أخيراً - إلى المكان الشاغر في 
الوقت الذي اندفع فيه حاج آخر لشغله إلا أن الولد محمد حاصره - 
فوراً - بمساعدتي وعلمه كيف ينتظر رغم صيحاته وعراكه» وحتى 
منتصف الليل جلسنا نثرثر مع المطوفين الذين أتوا لعرض خدماتهم. 
ولم أكن أطيق ثيابهم القذرة الرثة» وقد قيل لي إنهم أثناء الحج» عندما 


المختار من الرحلات الحجازية 





تكون الملابس الغالية عرضة للتلف. فإنهم يلبسون الملابس القديمة 
لكنهم يعودون فيلبسون أفضل ما لديهم لاستقبال شهر محرم عندما 
يكون معظم الحجاج قد غادروا مكة المكرمة. 

سرت إلى الكعبة بغية قطع قطعة من كسوتها لكن عيوناً كثيرة 
كانت تحدق. وفي هذا الموسم من العام تكون الكسوة بالية لكثرة 
لمس أصابع الحجاج لها وبسبب هبوب الرياح» ويعتبر اختلاس قطعة 
من هذه الأستار المبجلة مجرد زلة أو إثم طفيف» ولكن لأن المسئولين 
في المسجد يجمعون النقود من بيعها فإنهم ‏ بالتأكيد ‏ سيعاقبون من 
يكتشفونه بالنبوت». وقد أعطاني الولد محمد قطعة من الكسوة قبل 
مغادرتي مكةء ولا تزال الصدرية المعدة من كسوة الكعبة تعد لباساً 
ملائماً للمقاتل تحصنه وتمنع إصابته بجروح”'“2» وتعد هدية مناسبة 
للأمراء»ء ويحاول المسلمون بشكل عام الحصول على قصاصة من هذه 
الكسوة لاستخدامها كشريط يضعونه في المصحف لتبيان المواضع التي 
وصلوا عندها في القراءة» ولأغراض أخرى شبيهة» وعلى أية حال فقد 
لاحت الفرصة فحصلت على ما أريد. 

وبمجرد وصولنا للبيت تأهبنا لانتهاز فرصة النوم لساعات قلائل 
فوق المصطبة التى ما كنت لأنام عليها لولا فرط تعبي وإنهاكي» فهي 
موضع غير مريح للنوم . 


)١(‏ يعني يتبرك بها. 


رحلة بيرتولن 





شعائر يوم التروية 

في الساعة العاشرة صباح الثامن من ذي الحجة سنة 174١ه‏ 
(الموافق ليوم الأحد ١١‏ سبتمبر 18061) ركبنا في الشقدوف ونحن 
بملابس الإحرام» وكنا قد أوقفنا الشيخ مسعود عند الباب منذ الفجر. 
وكان الرجل تواقاً للبدء في المسير قبل أن يصبح الطريق خطراً بسبب 
الزحام الذي تسببه القافلتان الشامية والمصرية» ويرجع سبب تأخرنا 
للسلوك الاستبدادي للولد محمد الذي أصر على ترك ابن أخيه وعدم 
ذهابه معناء ومضى وقت طويل قبل أن يرضخ .الولد محمد لطلبات 
الصغيرء فأجلست الطفل المسكين ‏ الذي كان يصرخ بمرارة - في 
الشقدوف بينناء وأخيراً بدأنا المسير. 

لقد سلكنا الطريق الذي تدخل منه القوافل إلى مكة المكرمة» 
وكان الطريق مغطى بالحجاج بملابس إحرامهم البيض» وكان بعضهم 
يشق طريقه سيراً على الأقدام وكان آخرون راكبين» لكن الرجال 
جميعهم حفاة ورءوسهم عارية» ومعظم حجاج الطبقات الأكثر ثراء 
يركبون حميراًء لقد كان المنظر ‏ كما هي العادة ‏ يمثل أحد المناظر 
الغاصة بالتناقض: بدو يركبون جمالاً سريعة» وأصحاب المقام الرفيع 
من الترك يركبون خيولاً جميلة» ومتسولون بائسون يحفز منظرهم 
الرسامين على رسم لوحات غريبة» وعساكر منظرهم لا يسر وغير قليل 
من المشاحنات المختلطة بأصوا طلقات وأصوات التلبية» والحيوانات 
النافقة متنائرة على الأرض» وبعضها مكوم في بركة جافة هي بركة 
الشامي . 


المختار من الرحلات الحجازية 





6: > 

وهنا ناحية أيامننا - يجد المرء أفقر الحجاج الذين لم يستطيعوا 
تدبير مسكنقد أقام كل واحد منهم عريشاً ونصب خيمة مهترئة» ولما 
اجتزنا حي المعابدة»؛ استدرنا تجاه الشمال الشرقي» مخلفين وراءنا عن 
شمائلنا بعض الثكنات للعسكر الترك بالإضافة للعسكر الزنوج 
النظاميين المتمركزين في هذا المكان. 

وفي الساعة الحادية عشر صباحاً صعدنا المدرج الذي يبلغ عرضه 
ثلاثين ياردة» وقد مررنا بدون مشاكل لأننا كنا سابقين القافلتين فوق 
العقبة» كما عبرنا المدخل الضيق المحاط بالتلال إلى حوض حصبائي 

وأثناء فترة الحج يقدم أصحاب المنازل منازلهم مقابل مبالغ 
باهظة لتصبح سوقاً عالمية للتجار المسلمين» أما في بقية العام فإن هذه 
المساكن ‏ في الغالب الأعم ‏ تظل مهجورة . 

إنها تقع على بعد حوالي ثلاثة أميال من مكة المكرمة؛ إنها قرية 
طويلة وضيقة وغير منتظمة» وتتكون من مساكن طينية أو حجرية من 
طابق أو طابقين» مصممة وفقا للنسق العربي الشائع» ولما اجتزنا 
شارعاً ضيقاً مررنا بالشيطان الأكبر إلى الشمال مناء وبعد توقف دام 
ربع ساعة قضيناها في تدخين الشيشة وشرب القهوة وصلنا لباحة 
واسعة حيث يوجد مسجد الخيف» وكانت الاستعدادات تجري في هذه 


وعند الظهر وصلنا للمزدلفة التي تسمى ‏ أيضاً ‏ المشعر الحرام» 


رحلة بيرتون 





0: 


في منتصف الطريق بين منى وعرفات ‏ بمعنى أنها على بعد حوالي 
ثلانة أميال تقريباً من منى . وعلى بعد ثلاثة أميال تقريباً من عرفات . 


وقد فاجأتنا قافلة الحج الشامي هنا بينما كنا متوقفين لأداء صلاة 
الظهرء لقد كان المشهد عظيماً؛ فالمحمل الذي كان عارياً أصبح 
يتلألأً في ضوء الشمس باللون الأخضر والذهب؛. وحول هذا الموكب 
المتحرك من الحجاج ذوي الأردية البيض تزاحم البدو رجالاً ونساء. 
يركبون جميعاً جمالاً سريعة وكثيرون منهم مسلحون تسليحاً كاملاًء 


بلثام» لذا كان من الصعب أن يتبين المرء إن كان الملثم رجلا أم 
امرأة» وكانوا يحثون جمالهم على الإسراع» وهؤلاء الناس ‏ كما قيل 
لي - غالبا ما يأتون إلى عرفات بحثاً عن غرمائهم للثأر منهم وهم (أي 
الغرماء) غير مهيئين للدفاع» ولا شيء أكثر إثماً في الإسلام من فعلهم 
هذا إنه انتهاك لحرمة الأماكن المقدسة. والسلوك السائد بين هؤلاء 
البدو يؤكد أن رباطهم بالدين وأهن ضعيف ونساءهم لا يقللن عن 
رجالهم قسوة وفظاظة. فكثيرات منهن ‏ كما لاحظت - يضارعن 
الرجال في طريقة الركوب المستهترة» وكن يضربن بعصيهن كل 
الدواب التي يصادفنها في الطريق. 


وأخيراً في حوالي الساعة الثالثة عصراً وجدنا مكاناً غير مشغول 
بالقرب من المطبخ الذي كان فيما مضى ملحقاً بقصر الشريف,» لكنه 
أصبح الآن مخرباً لم يبق منه إلا هياكل عقود قليلة . 





6: - 


وتقع عرفات على طريق الطائف إلى الشرق من مكة» ويستغرق 
الوصول إليها حوالي ست ساعات من المسير البطيء جداً؛ إذ المسافة 
لا تزيد عن اثني عشر ميلا . 

[041] وقد وصلنا هناك في وقت أقل لكن جمالنا المنهكة 
تساقطت على الأرض الواحد إثر الآخر في الثلث الأخير من الطريق» 
أما البشر فقد كانت معاناتهم أشد. وقد رأيت بين منى وعرفات ما لا 
يقل عن خمسة رجال سقطوا ميتين على الطريق» وكان الواحد منهم إذا 
أحس بدنو أجله وقرب ساعة احتضاره انسحب متخلفاً عن ركبه ليسلم 
الروح إلى بارئها حيث السعادة الأبدية» ويبين المشهد كم هو أمر يسير 
أن تموت في هذه المناطق ففجأة يترنح الإنسان ويسقط كما لو أصيب 
بطلق ناري» وبعد تشنجات لا تطول يصبح بلا حراك ككتلة رخام. 
وعندئذ ترفع جثته بعناية» وتدفن بغير عناية في مساء يوم وفاته في أي 
مكان شاغر بين الجموع المزدحمة والمعسكرة في سهل عرفات . 

لقد عقد الولد محمد الذي طالما أثار عنادي ‏ العزم على أن 
يكون له شأن في هذه المناسبة» فلكي يزداد عدد مجموعتنا اصطحب 
معه اثنين من أبناء عمهء وهما شابان سمينان يبلغ عمر أولهما ست 
عشرة سنةء أما الثاني ففي السابعة عشرة من عمره» كما اصطحب معه 
خدم أمه وهم أربعة هنود: رجل عجوز وزوجته - وهي امرأة في 
منتصف العمر وغير جميلة ‏ وابنهما وهو ولد حاد يتحدث العربية 
بطلاقة» وصديق للأسرة وهو شاب قوي في حوالي الثلاثين من عمره. 
لقد كانوا من البنجاب . 


رحلة بيرتون 





(61:0 سس 

[554] وقد كان رب الأسرة ينعم بحياة آمنة طيبة في بلده عندما 
رأى في منامه ذات ليلة حضرة علي في ثياب خضراء راكباً ذلوله ‏ على 
الأقل وفقاً لما يقوله الراوي - وصرخ فيه بصوت حاسم: «إلى متى 
بقاؤك في هذا العالم؟ وإلى متى تتمسك بهذه الحياة؟» ومن هذه 
اللحظة لم يعرف السلام» وكيف يجده وقد تردد عليه حضرة علي؟ 
وكيف يجده وضميره يحثه على الاستجابة لنداء حضرة علي» فوجد أن 
الحياة في وطنه لا تحتمل فباع كل ما يملك» ولما بلغ ما معه عشرين 
جنيهاً اتخذ سبيله للديار المقدسة» ووصل جدة وليس في جيبه إلا 
روبيات قليلة» ووصل مكة المكرمة حيث كان كل شيء نادراً باهظ 
الثمن» وكان من المحال في هذه الظروف أن يتصدق عليه أحدء وكان 
من الممكن أن يموت جوعاً إذا لم يستقبله صديق قديم» فاتخذتهم أم 
الولد محمد خدماً عندها وأتاحت لهم (الزوجة والابن) المأوى. 
ورطلاً من الأرز لكل واحد منهم» لكنها لم تقدم لهم نقوداً مهما قَلت» 
فكان عليهم أن يدبروا بأنفسهم الكركم والبصل اللازمين للأرز» وحتى 
هؤلاء البؤساء كانوا قلقين في انتظار أن تتاح لهم الفرصة لزيارة المدينة 
المنورة. لاعتقادهم أن حجهم لا يتم إلا بزيارتهاء لذا فهم سيلتمسون 
طريقهم إليها عبر الصحراء المرعبة وبدوها - تصوروا! رجل عجوز 
وطفل وامرأة! فما هي فرصة عودتهم سالمين لوطنهم؟ 

[55] وأعتقد أن أمثال هؤلاء البؤساء كثيرون إذ يدفعهم 
حماسهم الديني ‏ بجنون - لشد الرحال سراعاً إلى الديار المقدسة» 
إنني أوصي بشدة أن تضع حكومتنا في الهند ذلك في اعتبارها وأطلب ‏ 





- 6:7 
بشدة ‏ منها أن تتدخل» فليس من حاكم شرقي يفرق بين رعاياه كما 
تفعل» إننا لن نجني سوى فقدان القوى المنتجة» فلهذه الهجرة كثير 
من العواقب الوخيمة لامبراطوريتناء فهي تؤدي إلى خروج أفواج من 
الساخطين الذين يترعرعون في أحضان التعصبء. كما أنها ‏ أي هذه 
الهجرة ‏ تعلم الأمم الأخرى احتقار حكمنا وتكشف ما وصل إليه حال 
الهند التي كانت ثرية من فقرء ونحن الإنجليز الذين نقبض بأيدينا على 

مقدرات الهند منعاً وعطاء . 


فكل الذين يستقلون السفن من موانيء الهند المختلفة قاصدين 
الديار المقدسة لا بد من إجبارهم على إثبات قدرتهم المالية على الوفاء 
بتكاليف الحج قبل السماح لهم بالمغادرة» وعند وصولهم إلى جدة لا 
بد من إبراز أوراقهم لمقر نائب القنصل البريطاني حتى يتلقوا المساعدة 
عند الضروري»؛ كما يجب على نائب القنصل في جدة - أيضاً ‏ أن 
يكون ستعدا لمساعدة حاجنا الهنوة. 


[000] وقد أخبرني السيد كول عندما أثرت هذه المسألة - أنه 
برغم موت الكثيرين في الطرقات من المجاعة إلا أنه كان غير قادر على 
تقديم العون لهم؛ فالطرقات المؤدية إلى مكةء والطرقات العامة فيها 
مليئة بالمتسولين الهنود البائسين ذوي الأجساد الهزيلة والأصوات 
المغيرة عن الاليره» والذيق تهون بك سسمات البؤسن . 


وهناك ما لا يقل عن ألف وخمسمائة هندي في مكة وجدة 
بالإضافة إلى سبعمائة أو ثمانمائة في اليمن» ومثل هذه الأعداد في 


رحلة بيرتون. 





-9 


حاجة إلى قنصل""2»2 إننا نضع أنفسنا - باختيارنا - في وضع دوني 
عندما يكون تمثيلنا في الحجاز لا يتعدى نائب قنصل في الوقت الذي 
ترسل القوى الأخرى مسئولاً على درجة رفيعة لتمثيلها . 

وقد نقل الولد محمد بمساعدة الهنود ‏ السجاجيد العجمية 
الجميلة التي كان يغطى بها الشقدوف» ونصب الخيمة وفرش الأرض 
بالسجاد وهيأ مجلساً من حواش (مخدات) من حرير وساتان في 
الداخل» وجعل في الوسط شيشاً لامعة براقة» وفي المدخل وضعنا أنية 
نحاسية ضخمة لإشعال النار فيهاء ومعها دلات القهوة وكأنها تغني 
أغاني الترحيب بالضيوف» وأمامنا الشقاديف ورتبنا أشياءنا الأخرى 
لتكون في نظام بديع» وقد أصر الولد محمد على أن أغير ردائي الذي 
اتسخ وأبدلني به قطعة قماش كشميرية غالية كان قد تركها معه منذ 
بضع سنين ابن ملك دلهي» لقد اعترانى هاجس أن أبهة اللباس هذه 
ستفقدني معنى خطبة عرفات في اليوم التالي» وليس هناك منظر أجدر 
بريشة الفنان من القمم الزرقاء القائمة خلف سهل منخفض أصفر 
وأجرد تنتشر عليه خيام الحجاج» وإلى ناحية الشرق يوجد معسكر 
الشريف والمحمل البهيج وسرادقات ذوي المكانة بحليها المذهبة» أما 
إلى الجنوب وإلى الغرب فتتكاثر خيام العامة على شكل دوائرء وبعد 
حسابات كثيرة» قدرت العدد بما لا يقل عن 660.6٠٠‏ من كل الأعمار 
ذكوراً وإناثاً» ومن بين هذا العدد ٠١,٠٠١‏ على الأقل من أهل مكة؛ 


' لكنه حتى عهد قريب كان بدوق‎ )١1414( قال المترجم: هناك قنصل لجدة الآن‎ )١( 
راتب (بيرتون).‎ 





> :م6 
فكل من يستطيع مغادرتها يغادرها بالفعل في موسم الحج . 

وقد هبطت من جبل الرحمة لتأمل تجمعات الخيام» لقد كان 
الطريق الرئيسي بين الخيام والسقائف والأكواخ والدكاكين يتلألاً بأنوار 
المصابيح» وكانت الأسواق عامرة بالناس مترعة بالأطعمة الشهية التي 
ترضي أذواق الشرقيين» وكان ثمة شجار متتابع وفوضى هائلة» فثمة 
رجال كثيرون فقدوا رفاقهم فراحوا ينادون بصوت عالٍ للوصول 
لزوجاتهم أو أصدقائهم فاختلط صياحهم بأصوات الملبين . 

]00١[‏ وأثار اندهاشي أن أسماء النساء تتردد مباشرة دون كناية 
عنهاء وأن الزوج ينادي على زوجته غير الحاضرة باسمها وبصوت عال 
مما يتناقض بشكل حاد مع العادات المتبعة في العالم الإسلامي» لكن 
الولد محمد وضح لي ذلك بالتفصيل» فالنساء المصريات وغيرهن من 
النساء عندما تكون الواحدة منهن غير قادرة على الانضمام للحج.» فإنها 
تدفع لأحد معارفها كي يصيح باسمها عند جبل الرحمة في عرفات» 
وقد لا تدفع له وإنما تتوسل إليه أن يفعل» وذلك لأن ترديد اسمها عند 
جبل الرحمة يضمن لها أن تكون في المكان ذاته في العام التالي؛ 
لذلك فإن أجواء عرفات تعج بنداءات غير محتشمة: يا فاطمةء يا 
زينب» يا خيزران”'' . 

واللصوص أيضاً منتشرون» فقد وجدنا أثناء عودتنا لخيمتنا زحاماً 
بالقرب منهاء فقد حاصرت امرأة لصا وهو يهم بالسرقة وقد وجدت 


)1١(‏ وقد كان ذلك من الخرافات الشائعة. 


رحلة بيرتود 





(6:9 م 
المرأة لديها شجاعة كافية للقبض علي لحيته قبل أن يسارع الرجال 
بمساعدتهاء وكنا مضطرين للدفاع عن موقع خيمتنا بالقوة إزاء مجموعة ‏ 
من حفاري القبور الذين شرعوا في دفن كومة صغيرة من الجئث على 
بعد ياردة أو ياردتين من خيمتنا . 

وأخيراً أقبل الليل فألقينا بأنفسنا على السجاجيد لكن دون أن 
ننام» فبالقرب منا - لسوء حظنا - كان رجل عجوز كثير الدعاء 
والصلاة» وقد بدأ ابتهالاته في ساعة متأخرة ولم ينهها إلا فى الفجر. 
لقد ذكرني بجاري في كلية التثليث في أكسفورد ‏ قبل التخرج ‏ الذي 
كان ينطلق في قراءة «ايخلوس» في الساعة الثانية صباحاًء» وفي بعض 
الأحيان كانت ترانيمه توقظ النائم» وكانت أذني تسمع رجع صدى 
صوته الممل» وإذا ما أحس بوخز الضمير (الذنوب التي ارتكبها) رفع 
صوته فجأة بشكل حاد ثلاثة أضعاف ما كان عليه» واستمر في الدعاء 
بشكل مزعج» وفي جوف الليل سمعت تصفيقا بالأيدي مصحوباً بأغان 
عربية مرحة وتعالت ضحكات المصريين» ولم يكن حراس معسكرات 
الحجاج ساهرين . 


شعائر يوم عرفات 


في صباح اليوم التاسع من ذي الحجة الثلاثاء ١١‏ سبتمبر بشرنا 
صوت قذيفة مدفع عالية بحلول يوم عرفات» ونبهنا للنهوض استعداداً 
لأداء شعائر هذا اليوم المهم . 


شققنا طريقنا عبر كثير من العوائق من خيام وصخور. وصعدنا 


المختار من الرحلاات الحجازية 





درجات عريضة وعرة تنتهي إلى الوجه الجنوبي للتل الصخري (جبل 
الرحمة)» ورغم هذه الساعة الباكرة فقد كان درفحما بالعطاء خاصة 
من البدو والسلفيين (الوهابيين) الذين كانوا قد استعدوا بحجز أماكن 
مميزة لهم لسماع خطبة عرفات» وسرعان ما رفعوا رايتهم الخضراء 
فوق قمة الجبل. 

وبالقرب من سهل عرفات رأينا موضع وقوف المحمل المصري 
والمحمل الشامي أثناء إلقاء خطبة عرفات . 

وقد أدى تجوالنا في هذه المواضع إلى تأخرنا فقد وصلنا السهل 
بعد الساعة التاسعة» لقد كان الجميع في حالة استثارة؛ فالمدافع تطلق 
قذائفها دون توقف» وراكبو الخيول وراكبو الجمال يتحركون هنا 
وهناك دون هدف واضح» وحتى النساء والأطفال يقفون ويسيرون وهم 
في غاية الاضطراب . 

لما وصلنا لخيمتنا لم أكن سعيدا برؤية زائر جديد وهو علي بن 
يس الزمزمي» وكنت قد تعرفت عليه قبل ذلك» لقد كان علي بن يس 
فقد بغله فراح يتجول بحثاً عمن يكون عندهء ولسوء حظي فإنه قد 
التقى بمجموعتناء لقد كان علي بن يس محباً للاستطلاع فضولياً بدرجة 
كبيرة تجعلني لا أحب صحبته» وكان في هذه المناسبة قلقاً غير مرتاح 
وجعلنا أيضاً قلقين غير مرتاحين» وكان يكفي أن يتسبب في بعض البقع 
على السجاد وأن يسقط بعض جمرات الشيشة على الأرض حتى واجهناه 
بانتقاد عنيف عصبي» وكأننا ننتظر هذه المناسبة بفارغ صبر» وكنا في هذا 
كالعانس البريطانية على استعداد لإثارة المشاكل في أية مناسبة . 


رحلة بيرتون 





لقد أفطرنا في هذا اليوم متأخرين لأننا لن نستطيع تناول طعامنا مرة , 
أخرى إلا عند حلول الليل» وبعد الظهر توضأ بعضنا واستحم بعضنا 
الآخر استعداداً للوقوف بعرفة» ومن الظهر فصاعداً بدأت تتزايد أصوات 
تلبية الحشود ودعواتهاء وبدأت جموع الحجاج تحتشد في كل اتجاه . 


وأعلنت طلقة ثانية من المدفع في حوالي الساعة الثالئة والربع 
اقتراب موعد صلاة العصرء وسرعان ما سمعنا صوت الجوقة 
المصاحبة لموكب الشريف وهو يشق طريقه للتل (جبل الرحمة). 
ولحسن الحظ فإن خيمتي كانت قريبة من الطريق لذا فقد تابعت 
المشهد بشكل كامل دون إزعاج . ظ 


في البداية قادت جماعة من حرس الشريف من حاملي القضبان 
بتو سيع الطريق بإجراءات بسيطة غير معقدة ‏ وهو ما يحدث عادة في 
مثل هذه المناسبات - وتبعهم خيالة الصحراء حاملين رماحاً طوالاً 
وأخرى قصارأء وخلفهم مباشرة خيول الشريف التي ركزت ناظري 
عليهاء لقد كانت هذه الخيول جميعاً من سلالات ممتازة وكان أحدها 
نجدياً ذا لون بنى غامق وبه شامات بيض» وقد اعتبرته نموذجاً كاملا 
للحصان العربي الأصيل» لقد كانت أحجامها صغيرة وبدت ‏ جميعاً ‏ 
بشكل واضح من سلالات خيل الشمال. 


وأقبل فرقة من العبيد السود مترجلة يحمل كل واحد منها بندقية 
ضخمة قديمة الطرازء بعد انطلاق قذيفة مدفع» وسرعان ما ظهر 


الشريف راكباً فى مقدمة أسرته وحاشيته مصحوباً بثغلاث رايات خضر 


المختار من الرحلات الحجازية 





> (7ه6) 


ورايتين حمراوين» وكان الشريف يرتددي ملايس الإحرام.البسيطة عاري 
الرأس زاكيا بغلة. وليبس من شيء يدل على مكانته سوى مظلة كبيرة 
مشغولة بخيوط ذهبية وأخرى خضراء يظلله بها أحد العبيد. 


وخلف الشريف وأسرته وحاشيته توجد كتيبة أخرى من البدو من 
راكبي الخيول وراكبي الجمال» وخلف الموكب ظهرت الخيام التي لا 
تكاد ترى مداخلها وقواعدها من فرط الزحامء وخلفية المشهد تل 
جرانيتي مغطى بالحجاج ذوي الملابس البيض يصيحون: «لبيك اللهم 
لبيك» ويحركون أطراف أرديتهم بشدة فوق رءوسهم . 


وتقدم موكب الشريف بتؤدة ووقار نحو التل (جبل الرحمة) 
وساعة العصر تماماً كان المحملان قد اتخذا موقعيهما جنباً إلى جنب 
فوق منصة حجرية عند المنحدر المنخفضء, وكان يمكن تمييز المحمل 
الدمشقي بأنه أضيق وأكثر زينة» واتخذ الشريف مع حاشيته مكاناً يرتفع 
عن مكان المحملين بقليل عند سماع خطبة الوقفة» وتزاحم الحجاج 
عند سفح جبل الرحمةء» وشقت تلبية البدو والسلفيين (الوهابيين) 
الصمت الوقورء وتوقف الحجاج عن تحريك أرديتهم فوق رؤسهم 
إشارة إلى أن الخطيب قد بدأ خطبته (خطبة الوقفة)» ومن خيمتي كان 
يمكنني تمييز هيئة رجل عجوز راكباً فوق جمله (يقصد الخطيب) ولكن 
المسافة الكبيرة بيني وبينه حالت بيني وبين سماعهء فكيف تأتيني 
عظاته وأنا فى خيمتي . 


[:00] وخطبة الوقفة تستغرق دائماً حوالى ثلاث ساعات إذ 


رحلة بيرتون 

صمت: عميق ١‏ ثم يرفع صوته ويؤمن الحاضرون» ثم يكثر من التلبية 
دول فاصل بين تلبية وأخرى. وأخكن ا تصل إلى مسامعنا صيحات 
مطالبة بالرحمة والتطهر من الأاثام والبكاء والصراخ» وحتى رفاقي بدوا 
متأثرين فعلي العجوز راح يعتصر عينيه ويذرف الدموع» ولم تكن 
دموعه فى هذا الموقف مرتبطة بالدولارات» فأية كمية منها لم تكن 
قادرة على إنزال الدموع من عينيه حتى لو كانت دموع التماسيح. أما 
الولد محمد فقد غطى وجهه بطرف ردائه بحكمة وسرعان ما استنفد 
الانفعال طاقات الحجاج فشرعوا يهبطون جبل الرحمة في جماعات 
صغيرة» أما الذين كانوا على السهل فشرعوا في هدم خيامهم وتحميل 
جمالهم رغم أن الخطبة لم تنته إذ مازال باقياً على نهايتها ساعة على 
الأقل» وفي هذه المناسبة - يسعى الجميع ‏ على أية حال ليكونوا 
السابقين في النفرة (الخروج) من عرفات . 





ورغم أننا بذلنا كل جهدنا إلا أن دوابنا لم تكن جاهزة للحركة 
قبل الغروب عندما أعطى الخطيب أمره بالنفرة» فاختلط الحابل 
بالنابل»ء وماجت عرفات كالبحر يعلوه الزبد الأبيض» وراح الجميع 
يجيئون ويروحون ويربك كل واحد طريق الآخرء وراح الجميع 
يهبطون من فوق جبل الرحمة ملبين: «لبيك اللهم لبيك» في هدير 
شديدء واتخذ الجميع طريقهم صوب منى لقد رأيت المشهد الذي يدل 
على هذه المرحلة من المشاعر المقدسة وعرفت لم اتخذ اسم (الدفع 
من عرفات)»؛ فكل إنسان يحث دابته بالشدة واللين» ولما حل الغروب 


المختار من الرحلات الحجازية 





> هم 


نزعت أوتاد الخيام من السهل واندفعت الشقاديف». وأسرع السائرون 
على الأقدام وانتشرت الجمال ونشبت بعض المعارك بالعصي 
والأسلحة الأخرى». وتجد هنا امرأة» وتجد هناك طفلاًء ترى دابة 
هائمة ضاعت من صاحبهاء وباختصار فإن المشهد يمثل اضطراباً 
مشوشاً غامضاً. 


وقد أصابني الاشمئزاز لأن الرجل العجوز علي أصر على 
مصاحبتى» فقد أعطى بغله الجديد للولد محمد وأمره أن يراعيه ويهتم 
به» وركب هو معي في الشقدوف . 


وعند الأخشبين تصادم صفان من الجمال المحملة بالشقاديف 
فأحدث التصادم صوتاً أشد من صوت تلاقي سيلين» لقد كان الظلام 
قد حل بالفعل ولم يكن أي شخص يدري ما يفعل» لقد انطلقت 
المدافع وتردد صداها طولاً وعرضاً بين التلال وأحدث هذا فزعاً بين 
جماعات النساء والأطفال» وفي الوقت نفسه فإن الموسيقى قد ارتفعت 
من الأت الجنود «(النظام) ولم يكن صوت الموسيقى محبباً لدى 
الحجاج» فسماع التلبية أفضل» وكذلك سماع عبارة «عيدكم مبارك» . 


[5054] وبعد مرورنا من الأخشبين اتسع الطريق» واستعاد علي 
العجوز روحه المعنوية العاليه» كما استعاد رغبته في الكلام بعد أن 
كان حدوث التصادم صامتاً مضطرباًء وكان معنى استعادة رغبته في 
الحديث بداية تعكير مزاجي مرة أخرى» ومرة أخرى قررت أن أكون 
مزعجاً مثلهء فتعجبت قائلاً: «إن عيني صارت صفراء من الجوع» 


رحلة بيرتول 





دياع 


وحاصرت أنية مليئة باللحم المتبل كان الرجل العجوز قد ادخرها 
للعشاء ورحت اكل منها بنهم دون مقدمات» وكنت على استعداد 
للانفجار ضاحكاً عند سماع أية غمغمة أو تذمر يصدر - في ظلام 
الشقدوف ‏ من الشيخ العجوزء لقد مكثنا في الطريق - على الأقل - 
ثلاث ساعات قبل الوصول إلى المزدلفة» ولما كنا متعبين فقد قررنا 
قضاء الليل هناك. لقد كان المسجد يتلألاً بالضوء ولكن رفاقي 
الجوعى اهتموا بالأكل والنوم أكثر من اهتمامهم بالعبادة» وبينما كنا 
ننصب الخيام راح الهنود يعدون طعامنا وقهوتنا ويعمرون الشيش 
ويفرشون السجاجيد» وقبل النوم جمع كل واحد منا سبع حصوات 
(جمرات) كل حصوة في حجم حبة الفول الصغيرة؛ ثم استلقينا 
لنستريح خوفاً من الإجهاد. لقد استلقينا جميعاً ما عدا الولد محمد 
الذي سبقنا ليدبر مكاناً لخيامنا فى منى» أما علي العجوز فعند تأجير 
بغلته للولد محمد فرض عليه ترتيبات مملة عن مكان مقابلته ووقت 
مقابلته ولم أملك نفسي فابتسمت لسذاجة هذه الترتيبات» لقد قضينا 
الليل بهدوء وسلام» فصفوف الجمال كانت تمر بنا كل عشر دقائق. 
واستمر صياح العابرين حتى قرب الفجرء ولا بد أن يقضي الحجاج 
ليلة في مسجد المزدلفة» ولكن الأمتعة تكون غير آمنة عند تركها خارج 
المسجد لذلك فإن الحجاج يقضون الليلة فوق صناديقهم» تماماً كما 


يوم الحخر 


فى فجر عيد القربان العاشر من ذي الحجة الموافق ١5‏ سبتمبرء 


المختار من الرحلات الحجازية 





> (1ه6 
نبهنا صوت المدفع ألا نضيع وقتأء فنهضنا سريعاً وعبرنا بطن مُحَسْر 
إلى منى» وقد فاتتنا صلاة العيد التي صلتها جموع المسلمين في 
المزدلفة» وكان رفيقي متلهفاً للوصول إلى مكة المكرمة وكأنه لم 
يسمع عن مناسك الحجء. وفي حوالي الساعة الثامنة دخلنا قرية 
المزدلفة وبحثنا عن الولد محمد عبثاً» وكان علي العجوز مرتبكاً 
محتاراً؛ فقد قال إن الحجاج الأتراك ذوي الأصول الراقية يتوقعون 
وصوله فإن ضاعت بغلته تأخر عن حجاجه وقد لا يستطيع الوصول 
لمكة حيث ينتظرونه» فكيف السبيل لحل المشكلة؟ وقد بدأت أستعيد 
ذكرياتي في عقلىي المنهك. ولما فشلت في الانهماك فيها رحت أسلي 
نفسي بتأمل العالم من شقدوفي تاركاً توجيه الجمل للزمزمي (الشيخ 
علي العجوز) الذي راح يوقف الجمل طوراً ويحثه على المسير طوراً 
آخرء وراح مرة يظن أنه شاهد الولد محمداًء ومرة أخرى يظن أنه وجد 
خيمتناء ومرة يعتزم إيقاف الجمل والإنتظار» ومرة أخرى يعتريه نوبة 
هياج عصبي تجعله نصف مجنون فيزعج الشيخ مسعود ‏ وهو رجل 
ممتاز ‏ باستفسارات لا جدوى منهاء وأخيراً - لحسن الحظ ‏ وجدنا 
واحدا من أبناء عمومة الولد محمد الذي قادنا إلى موضع في الجزء 
الجنوبي من بطن منى» وفي هذا الموضع نصبنا خيامنا وأنعشنا أنفسناء 
وانتظرنا عودة الغائب . 


تدبير حميرء وكان علينا الآن أن نركب لأداء شعيرة رمى الجمرات 


السبع . 


رحلة بيرتول 





607 ب 

وقد ازدحم الحجاج ازدحاماً خطيراً لأن شعيرة الرمي يجب أن 
تتم في اليوم الأول فيما بين شروق الشمس وغرويبها. 

لقد بدا لي أنه يمكن لشخص ما أن يجري فوق رؤوس هؤلاء 
الحجاج المزدحمين» وبين جموع الحجاج الحاشدة كان يوجد خيالة 
يركبون أفراساً شرسة تصهلء أما البدو ففوق جمالهم الشرسة» وعلية 
القوم فوق بغالهم وحميرهمء والمرافقون لهم يسيرون على الأقدام 
فيشقون طريقهم وسط الزحام بالعنف والضرب . 

ويؤكد بعض المسافرين المسلمين ‏ دلالة على قداسة هذا المكان - 
أن أياً من المسلمين لم يقتل هناء وأكد لي أهل مكة أن الحوادث هنا 
نادرة بكل المقاييس . 

وسرعان ما شق الولد محمد طريقه خارج الزحام بأنف دام 
فجلسنا معاً على دكة (مركاز) أمام سقيفة حلاق» وأجبرتنا هذه المحنة 
على التذرع بالصبر حتى تتاح لنا فرصة أخرى» ولما وجدنا فسحة بين 
الزحام اقتربنا حتى صرنا على بعد خمسة أذرع من المكان وأمسك كل 
واحد منا بالحصوة تلو الحصوة في يده اليمنى بين إبهامه وسبايته 
ورمينا بها على العمود قائلين: «بسم الله والله أكبرء اللهم اخز 
الشيطان» وبعد ذلك نهلل ونثني على الله تعالى» ولما رمينا الحصوات 
السبع عدنا ودخلنا سقيفة الحلاق وجلسنا على إحدى المصاطب 
الطينية» لقد حان وقت خلع ملابس الإحرام والعودة إلى الإحلال ‏ أي 
الوضع المعتاد في الحياة الإسلامية ‏ وحلق الحلاق رؤوسناء وبعد أن 
هذب لحانا وقص أظافرنا طلب منا أن نكرر هذه الكلمات: (إنتر 


المختار من الرحلات الحجازية 





> (ره6) 
اتحلل من إحرامي أسوة برسول الله يله فاجعل لي مقابل كل شعرة 
نوراً وطهارة وأجرآاء بسم الله والله أكبر» وبعد أن أنهى الحلاق عمله 
قال لنا بأدب: «نعيماً» والإجابة التقليدية منا هي «أنعم الله عليك»» ولم 
يكن معنا ملابس غير ملابس الإحرام» لكن هذا لم يمنعنا من التوسع 
فى استخدام ملابس الإحرام بتغطية رؤوسنا كما استخدمنا صنادل 
لحماية أقدامنا من حرارة الشمس» وأصبح يمكننا الآن أن نبرم شواربنا 
ونلاطف لحانا بأمان. 


وبعد أن استرحنا زهاء ساعة فى سقيفة الحلاق التى كانت باردة 
نسبياً رغم زحام الزبائن داخلها ‏ إذا قارناها بالحرارة المحرقة في 
الطريق ‏ وقد امتطينا حميرنا فى اتجاه مكة المكرمة فى الساعة الحادية 


<- 2 


عكسيرة . 


والعودة من منى إلى مكة تسمى التفرء ولم تَحبْ جهودنا في 
جعل حميرنا تتخذ أقصى سرعة لها فلم نتوقف إلا مرات قليلة لإنعاش 
أنفسنا بشرب الماءء ولم يكن 5 المشاهد أمامنا ما هو جدير 
بالملاحظة» فطريقنا عند خروجنا من مكة هو طريقنا في العودة لهاء 
وفيى غضون نصف ساعة تقريباً دخلنا مكة. وعدنا لبيت الولد محمد 
لنستحم ونستعد لزيارة الكعبة المشرفة . 


استنفار: «هيا يا أفندي» قم يا أفندي! البس ملابسك واتبعني! فالكعبة 
المشرفة رغم أنها مفتوحة إلا أنها ستظل فارغة لفترة وبعد ذلك 


رحلة بيرتول 





69 


ستزدحم ونحن نريد تجنب الزحام»؛ لقد كانت ثياب إحرامي الذي لم 
أكن قد غيرته قد صمم بشكل أنيق» كما كان له طابع هندي إلى حد 
ماء فاندفعت وأنا والولد محمد للكعبة المشرفة دون إضاعة وقت. 

[007] لقد كان الزحام حول الكعبة شديداً ولم أكن راغباً في 
الوقوف عاري الرأس حافي القدمين في شمس ظهيرة شهر سبتمبرء 
فكانت صرخة قوية «وسع الطريق للحاج الذي سيدخل بيت الله» جعلت 
المحملقين يوسعون الطريق» فرفعنى مكيان سمينان يقفان عند باب 
الكعبة بأذرعهماء ينما جلبني ثالث من أعلى إلى داخل الكعبة» وعند 
المدخل بادرني بالكلام بعض الموظفين وهم مكيون ذوو منظر مظلم. 
كان من بينهم شاب من بني شيبة هو أكثرهم سواداً وأكثرهم دماثة 
وأمسك شاب بني شيبة هذا في يده مفتاح الكعبة الضخم المصنوع من 
الفضة المطلية بالذهب» وسرعان ما جلس على مقعد خشبي في ركن 
الكعبة وسألني بشكل رسمي عن اسمي وجنسيتي وغير ذلك» وكانت 
إجاباتي مرضية فسمح للولد محمد بالطواف بي داخل الكعبة وترتيل 
الدعوات» ولا أنكر أن النظر إلى جدارن الكعبة من الداخل حيث لا 
نوافذ»ء وزحام المسلمين المتحمسين في الساحة المحيطة بالكعبة» 
والإحساس بالرهبة داخل الكعبة» وحقيقة أمري كل ذلك جعلني أحس 
أنني قد وقعت في فخ. وعلى أية حال فإن ذلك لم يحل بيني وبين 
. ملاحظة المنظر بعناية أثناء دعواتنا الطويلة وصلواتناء فقمت برسم 
مخطط سريع بالقلم الرصاص فوق ملابس إحرامي البيضاء . 


ورغم أنه لم يكن بالكعبة إلا عدد محدود من المسئولين الذين 


المختار من الرحلات الحجازية 





يعملون على تهيئتها استعداداً لدخول الحجاج إلا أن الجدران الخالية 
من التوافذ والباب المسدودء جعلت جو الكعبة من الداخل خانقاً جداً 
فتساقط العرق مني بشدة» ورحت أتصور ‏ بفزع - ماذا يكون عليه 
الحال لو امتلأت بجموع الحجاج يحتشدون داخلها متدافعين 
متحمسين» لقد صليت ركعتين وأتبعتهما بدعوات طويلة عند كل من 
الركن الشامي والركن العراقي والركن اليماني وأخيراً في مواجهة الثلث 
الجنوبي للجدار الخلفي» ولما انتهيت كل ذلك عدت إلى الباب حيث 
مكان الدفعء» وأخبرني الولد محمد أن إجمالي التكاليف سبعة 
دولارات» وفي الوقت نفسه فقد أطلق العنان لصوته مادحا كرم مََحْتِدي 
وأهمية مكانتي» وذكر أنني حاج هندي». ولا زال أهل مكة يظنون أن 
الحاج الهندي (المهراجا الحاج) من جنس مصنوع من الذهب» لذلك 
فنقد رفضوا قبول الدولارات السبعة عند تقديمها متوقعين ما هو أكثر 
بما يتناسب مع مقامي» لكنني كنت حريصاً على ألا أحضر معي أكثر 
من ثمانية دولارات» لقد حاصرني ستة أشخاص وأمطروني بالأسئلة 
ولم يكن أمامي من طريق إلا التظاهر بالغباء والتظاهر بعدم فهمي 
اللغة» وسرعان ما تفتق عقل شاب بني شيبة عن حيلة فسحب مفتاح 
الكعبة وأخرجه جزئياً من جرابه الحريري الأخضر المزركش بالذهب. 
وفرك العقدة الذهبية فوق عيني لزيادة نورهماء ورددت على هذه 
النعمة الإلهية بإضافة دولار ‏ هو آخر ما معي - للدولارات السبعة 
السابقة» فتلقاه الشريف (يقصد فتى بني شيبة) بنظرة فاقدة للأمل» ولم 
يقدم يده لي كي أقبلهاء وكان هذا من خسن حظيء, وبدأ الحضور 
الآخرون يطلبون الإكراميات فرددت على طلباتهم بفتح كيس نقودي 





رحلة بيرتون 





- 


الفارغ؛ وعندما رفعني اثنان من أهل مكة الأشداء لإنزالي من الباب 
توقعت أن أدفع لهما مقابل ذلك فواعدتهما للالتقاء بي في بيت الولد 
محمدء وقد وافقا على ذلك مغمغمين» ولما خلصت من هذه المشاكل 
حياني رفاقي بشدة قائلين: «والله يا أفندي لقد فزت» فغيرك ربما ترك 
جلده خلفه». 


وظلت مصر تقدم الكسوة منذ قام السلطان قلاوون('2 بوقف ريع 
قريتين مصريتين هما بيسون وسندبيس لتكلفة الكسوة السوداء الخارجية 
والستائر الحمراء الداخلية للكعبة وستائر قبر الرسول كه بالمدينة 
المنورة”''» وعندما أصبحت الأراضي المقدسة تحت سلطة العثمانيين 
أمر السلطان سليه”" أن :تكون الكسوة سوداءء وقد خصص سليمان 
القانوني”؟' في القرن السادس عشر مبلغاً كبيراً لهذا الغرض» وكانت 
الكسوة بعد ذلك تجدد عند ارتقاء كل سلكان سدة السلطنة» وأثناء فتح 


)1١(‏ هو قلاوون الألفي العلائي الصالحي النجميّ . أنه المعالي. سيف الدين. 
السلطان الملك المنصورء أول ملوك الدولة القلاوونية بمصر والشام»ء والسابع 
من ملوك الترك بمصر. ولد سنة .”7١‏ وكان من المماليك نأعتقه الملك 
الصالح نجم الدين أيوب. وجرت عليه أمورء تولى السلطنة بعدها بمصر سنة 
. وكان من أجل ملوك المماليك قدراً ومن أكثرهم شجاعة؛ توفي سئة 149 
رحمه الله تعالى. انظر «الأعلام»: .7١1/0‏ 

(60) ستر القبر بستائر يعد من البدع . 

00 هو السلطان سليم بن بايزيد» الذي قهر المماليك ودخل بلاد مصر والشام سنة 
45 . وقد توفي سنة 175 . انظر ”تاريخ الدولة العثمانية العلية؛: 94/!ا ‏ 8060. 

(5) هو ابن السلطان سليم المذكورء وهو من أعظم سلاطين آل عثمان». وقد توفي 
سنة 914 بعد أن تولى السلطة خمسين سنة. انظر ا لمرجع السابق: لالم - 15. 


المختار من الرحلات الحجازية 





615 - 


السلفيين (الوهابيين) كسوا الكعبة في العام الأول بكسوة حمراء من 
نفس قماش العباءات العربية الجميلة المصنوعة في الأكيناء: 





وتصنع الكسوة الآن في مصنع غزل القطن ونسجه المسمى مصنع 
الخرنفش في باب الشعرية بالقاهرة» وتقوم على صنعها أسرة تتوارث 
هذا العمل أب عن جد هي أسرة أو بيت السادي. وكانت تصنعها من 
خليط من والحرير كما تدل على ذلك العينة التي في حوزتي» وتتكون 
الكسوة من ثماني قطع. وعندما تكون الكسوة جاهزة في حي الخرنفش 
بالقاهرة فإنها تحمل في موكب إلى مسجد الحسين حيث تخاط قطعها 
رود سيان رعلة الى الأراضي الجوتدي 0 


[0017] وبعد أن غادرت الكعبة المشرفة وصلت للبيت منهكا 
تمامء واغتسلت بالحناء والماء الدافىء لأخفف من الالام التي سببتها 
حروق الشمس في ذراعى وكتفى وصدريء لقد كان البيت فارغاً فلا 
زال كل الحجاج الترك في منىء. وأولتني الست الكبيرة (أم محمد) 
عناية خاصة. فقد بشرتني بدخول الغرفة العلوية المكسوة جدرانها 
بخشب الساج المزين بخطوط كوفية وخطوط أخرى» والمغطاة 
أرضيتها بسجادة كبيرة وبها كنب فسيح وكان يتجلى فيها بقايا عز غابرء 
الام تك كنيدت: أنانا طبة» وقد جاور الشريت» غالك""“ ؤلانة من 


. هو الذي يسمونه المحمل‎ )1١( 

0( غالب بن مساعد بن سعيد الحسنىّ من أمراء مكة. وليها بعد وفاة أخيه سرور 
ينف 7 15 جره عليه بخواونه النى بعدها إلى متلانيك: وتواقن فنها سي ١11‏ 
رحمه الله تعالى. انظر «الأعلام» : 70. 


رحلة بيرتون 








م 
منازلهاء ومع هذا فلا زالت الأسرة فخورة بنفسها ومن غرفة الاستقبال- 
التي كان المسئولون الترك يشغلونها عندما يكونون في مكة - زودتني 
الست الكبيرة بشيشة وقهوة وماء بارداً وطعام إفطارء وقد توددت إليها 
بمديحي لسماجة الولد محمدء فهي ككل الأمهات تحب وغد الأسرة 
(الولد الشقي في الأسرة). ولما دخل الولد محمد ورأى أمه جالسة 
بالقرب مني وحجابها مرخي فقط على فمها بدأ يوبخ أمه بتلميحات 
وغمزات مختلفة؛ لقد صاح قائلاً «سرعان ما جلست بين الرجال في 
الصالة» فقالت الكبيرة: «أه يا ابني» خاف الله فأمك عجوز!» وكان 
قولها حقيقياً فهي في الخمسين من عمرها على الأقل» فسخر الولد من 
قولها: (أه.. أآه. .2 فهو ككل من في سنه في العالم يجب ألا يهتم - 
أو يتظاهر بأنه لا يهتم ‏ بأمور الجنسء» وقد فهمت الست الكبيرة ما 
يرمي إليه فغادرت المكان بابتسامة باهتة قائلة: «الله يجازيك!» وعلى 
أية حال» فإنها سرعان ما عادت وقد أحضرت معها ماء لوضوئي» ولما 
سمعت أنني لم أضح بخروف في منى حثتني على العودة وتقديم 
الأضحية بدون تأخير. 

وبعد أن توضأنا وارتدينا الملابس البهيجة احتفالاً بالعيد الكبير 
ركبنا حميرنا بعد الظهر وعدنا إلى منى . 

[504] وإنه لأمر يدعو للتقدير أنهم يذبحون الأضحية دون أن 
يأكلوا ينها شما ويرى المرء جماعات التكارنة (التكروريين) وهم 
جالسون كالنسور يراقبون الخراف والماعز حتى إذا حانت اللحظة 
المناسبة انقضوا عليها وقطعوها قطعاً دون نقلها من مكانهاء وسرعان 


المختار من الرحلات الحجازية 








ما تحول سطح الوادي إلى مسلخ كبير. 

لقد قضينا فترة شديدة الحرارة بعد الظهر في بطن منى التي لا 
تبعد عن كونها حفرة بركانية . 

[554] ولما حل الظلام أسرع الحجاج إلى الساحة الواقعة أمام 
مسجد منى ليتمتعوا بمشاهدة الألعاب النارية ويشاهدوا المدفع وهو 
يطلق قذيفتهء لكن أثناء مراقبة المشهد هبت عاصفة فطغى نور البرق 
على نور الأسهم النارية» وطغى صوت الرعد الذي رددت التلال صداه 
على صوت قذيفة المدفع وأخرسهاء لقد كنا قد فقدنا الأمل في سقوط 
المطرء لكن زخات شديدة وقصيرة هطلت على السهل وتغلغلت في 
والعواصف . 

أيام القديد”'' الثلاثة 

كان كل شىء فاتراً كليلاً بعد بهجة العيد الكبيرء فحرارة الليلة 
التالية حالت بيني وبين النومء فقضيت معظم الليلة جالساً فى ضوء 
القمر الذي كان قوياً يتيح الرؤية» فمعسكرنا الصغير يحتاج لحراسة في 
هذا المكان المعروف بكثرة لصوصه. 

وبعد منتصف الليل» عدنا مرة أخرى لرجم الجمرات . 


وفي يوم الخميس المواقف ١5‏ سبتمير ١867‏ استيقظنا قبل الفجر 


. قال المترجم: القديد هو اللحم المجفف‎ )١( 





وجهزنا إفطاراً خفيفاً يعيننا على متاعب المشي قافزين من حجر إلى 
حجرء بعد نصف ساعة وصلنا مجر الكبش وهو مبنى مربع صغيرء 


وحذونا حذو إبراهيم الخليل فصلينا ركعتين في كل قسم فون المت 7 
وبعد توزيع الإكراميات المعتادة غادرنا المكان. 


فعدنا إلى الخيمة قبل أن يشتد حر الشمس تجنباً لنهار مفزع» ولم 

بعيدين عن الصواب» فبالؤضافة للحرارة وجدنا حشودا من 
الذبياس. كما أن التربة المشبعة بدماء الأضحيات بدأت تعيق الجو 
بروائح نتنة» وراحت الحَدَّات"''؟ والنسور وحدها تحلق في الجوء لقد 
بدا أهل الأرض وكأنهم مشلولون بسبب الحرارة القاسية الهابطة من 
السماء» وقد قضيت الوقت بين الإفطار وحلول المساء متبطحاً نصف 
عار فوق حصيرة» متقلباً حول عمود الخيمة؛ هارباً من الوهجح» ورحت 
أراقب جيراني العديدين رجالاً ونساءء لقد كان الهنود منهم خاصة 
لطيفين» فقد ملأوا شيشتي وقدموا لي الماء الباردء وقاموا ببعض 
الأعمال الخفيفة» وقد ا ااي بتقديم المؤن التي لم يكن 
من السهل تدبيرها ‏ لسوء الحظ ‏ من سوق منى . 


ولما ارتفع القمر سرت أ نا والولد محمد في البلدة. ورجمنا لثاني 
مرةء وارتدينا المقاهىء أما المحلات التجارية فقد أغلقت مبكراء لكن 
الأعمال التجارية ظلت دائرة الرحى حتى منتصف الليل فى بعض 


)١(‏ لم يثبت تاريخياً أن إبراهيم الخليل صنم ذلك. والله أعلم. 
براهيم الخليل صنع غلم 
ف جمع حَدّأة) وهو طائر معروف بأكله الجيف . 


المختار من الرحلات الحجازية 





الأماكن العامة» ودخلنا مساكن معارف كثيرين ممن بادروني بالود 
ورحبوا بي بكرم وقدموا الشيشة والقهوة» وكان أول سؤال يتبادر إلى 
أذهانهم هو: «من هو هذا الحاج؟» وكانت الإجابة أكثر من مرة: 
«أفغاني» مع أنني لم اكن أستطيع الحديث بلغة وطني» وعلى أية حال 
فإن هذه الظاهرة لم تكن تسبب مشكلة؛ فكثير من الأفغان المقيمين في 
الهند لا يعرفون كلمة واحدة من لغة الباشتو بل إن كثيرين من أهل 
المدن لا يعرفونها بشكل مرض في المنطقة الواقعة شمال الممرات . 


[501] وأهل مكة المكرمة ‏ نتيجة احتكاكهم بالغرباء على نطاق 
واسع. واعتيادهم على السفر ‏ قد أصبحوا بشكل مدهش يتحدثون عدة 
لغات. وهم أي أهل مكة ‏ يتحدثون اللغة العربية بشكل جيد وبذرابة 
تفوق ذرابة ألسنة أية أمة في قارتنا الأوربية» وأهل مكة ‏ بشكل عام - 
يعرفون الفارسية والتركية والهندوستانية» والمطوفون الذين كرسوا 
أنفسهم لأداء خدمات الطوافة للأجناس المختلفة سرعان ما يصبحون 

[05] وأثناء عودتنا في الطريق إلى البيت دعانا صوت تصفيق 
بالأيدي وغناء عال» فلما دخلنا وجدنا زحاماً من بدو حول مجموعة 
مندمجة في الرقص الوحشي العنيف بطريقة تجعل المرء يظنه أبعد ما 
يكون عن روح الرقص الحقيقي بما فيها من خيال وإبداع» وقد راح 
المتفرجون يشتركون في أداء أغنية مصاحبة» وكالعادة تخلل الرقص 
تراتيل طويلة» بمقام موسيقي منخفض ومتوحد بحيث يصبح صوت 
المجموع وكأنه صوت واحدء على النسق الذي يعجب الشرقيين. 


رحلة بيرتولن 





ولم يستطع أحد أن يدلني على معنى هذه الكلمات» وفى بعض 
الأحيان كانوا يغنون كلمات مفهومة. 


ويرفع كل راقص من الراقصين ذراعيه لمر فوق رأسه وهو 
يلوح بخنجره أو مسدسه أو أي سلاح صغير آخرء ويتبع كل راقص 
الآخر واثبآ على قدم واحدة أو قدمينء وأحياناً ينخرطون في قفزات 
مخبولة فاقدة العقل. بينما يصفق المشاهدون بأكفهم تصفيقات مفعمة 
بالحيوية» إنها رقصة الحرب لديهم كما أخبروني» ولديهم رقصات 
أخرى لم تتح لي الظروف أن أشاهدهاء ولا تختلط النساء بالرجال في 
الرقص عند البدو - على عكس الحال عند الصومال والعناصر الأفريقية 
الأخرى ‏ وإن كان يمكن للفتيات البدويات أن يرقصن معاً ومن العار 
أن يشاركن الرجال في ذلك . 


وفي يوم الجمعة الثاني عشر من ذي الحجة ظهرت الجمال - 
حسب الأوامر - قبيل الفجرء وتم تحميلها بعد قليل من التأخيرء لقد 
كنا قلقين أن ندخل مكة المكرمة وقت إلقاء الخطبة . 


[571] وقد كنت تواقاً لمغادرة هذا الجو الموبوء في منى» لقد 
أنتنت الأرض في منى إنتاناً بمعنى الكلمة» ولا غرو فقد تم ذبح خمسة 
آلاف أو ستة آلاف أضحية» وفي وسع القارىء أن يتخيل ما يمكن أن 
يحدث نتيجة ذلك» وكان يمكن تجنب هذا الوباء ببناء مسلخ أو مذبح 
أو حتى حفر خنادق طويلة وإصدار الأوامر للحجاج بالذبح في الأماكن 
المخصصة لذلك وإلا تعرضوا للعقاب . 


المختار من الرحلات الحجازية 





- بردم 


وركبنا جمالنا التي قادها مسعودء ودخلنا منى من طرفها الشرقي 
ورجمناء ونحن في شقاديفناء ويمكنني الآن أن أرى الصفوف الرئيسية 
للدكاكين»: :وكنت أتوقع أن أرى عرضاً هائلا للبضائع لكنني دهشت 
عندما لم أر إلا سقائف من حصير وظللاً» وكان مخرج منى مزدحماً 
فقد كان كثيرون يسرعون بالخروج منها هرباً من حالتها المقززة تماماً 
كما فعلنا نحن» ولا أستطيع إلا أن أحس بالشفقة على هؤلاء الذين 
دفعهم الوّجد الديني للبقاء في منى بوضعها الراهن البشع يوم آخر 


[077] وبعد أن دخلنا مكة المكرمة اغتسلناء» وعندما اقترب 
الظهر ذهبنا للحرم لسماع الخطبة» وعند هبوطنا للمبنى أسفل باب 
الزيادة وقفت في غاية الدهشة من المنظر الماثل أمامي. فقد كان 
المبنى رباعي الزوايا المتسع مزدحماً بالعابدين وقد جلسوا في صفوف 
طويلة يواجهون جميعاً الكعبة المشرفة وألوان ملابسهم البهيجة تفوق 
ألوان أزهار حديقة يانعة» وربما لا يرى المرء مثل هذا المنظر في أي 
مكان آخر على ظهر البسيطة» وكانت النسوة بملابسهن الداكنة 
جالسات في المكان المخصص لهن» ووقف الباشا على سقف زمزم 
محاطاً بحرسه في زيهم الرسمي (زي النظام) وكان الزحام أشد حيث 
يوجد العلماء الرئيسيون» وفي المواضع المباركة (الأكثر قداسة) لا 
يرى المرء إلا زحاماً متصلاً من رؤوس وأكتاف. ولا شيء يتحرك 
اللهم إلا قلة من الدراويش يحملون المباخر في أيديهم ويمرون على 
استحياء بين الصفوف ويتلقون الصدقات من المؤمنين» وثمة منبر في 


رحلة بيرتون 





013 سب 
الوسط يرتفع عن مستوى الحشود ومزخرف» وفوق المنبر جلس 
الخطيب وهو رجل هرم بلحية بيضاء كالثلجح. وكان يغطي عمامته 
بطيلسان أبيض كسائر لباسهء وثمة عصا قصيرة في يده اليسرى. 
وسرعان ما وقف الخطيب وأمسك بالعصا في يده اليمنى وتلفظ بألفاظ 
قليلة كان من المتعذر سماعهاء ثم جلس مرة أخرى على إحدى 
درجات المثبر الدنياء» بينما وقف المؤذن الذي كان مقامه دون مستوى 
المنبر وأذن» وهنا وقف الخطيب مرة أخرى وبدأ يخطب وشمل 
الجميع صمت عميق» وسرعان ما تعالت أصوات الجميع مرددة كلمة 
(آمين) عقب بعض الجمل الطويلة التي يقولها الخطيب» وأخيراً وقرب 
نهاية الخطبة كانت أصوات الألاف تؤمن على ما يقوله الخطيب . 

لقد رأيت شعائر دينية في بقاع كثيرة» لكنني لم أر أبداً ما هو أكثر 
وقاراً وتأثيراً مما رأيته هنا! "١‏ . 

الحياة في مكة, وأداء العمرة 

لقد كانت أيامي القليلة الباقية في مكة المكرمة مبهجة بما فيه 

الكفاية . 


8 مي 


واخيرا أصبح العترل يكل شهدا هد مشاهد الاستعداد للرحيل ؟؛ 
صفوف» وشغل. الحجاج أنفسهم بالحصول على أشياء تذكرهم بمكة 


)١(‏ هذا الذي قاله بيرتون يعد شهادة واضحة جميلة من رجل لا يدين بدين الإسلامء 
شهادة على جمال الإسلام وعظمة شعائره وقوة تأثيرهاء فلله الحمد. 





المكرمة: الأمشاطء. المراهم المكية» الحناءء السواك.ء أخشاب 
الصبرء التركواز (الفيروز الأززق المخضر)» والمرجان» والمسابح 
ذوات الحبات من أم اللؤلؤ (عرق اللؤلؤ)» قطع من كسوة الكعبة» 
وأقمشة وعباءات جميلة» ولم يعد من الممكن أن يصعد المرء السلم 
دون أن يصيح عند كل درجة من درجات السلم: طريق! طريق! وذلك 
خوفاً من أن يلتقى بإحدى الإناث وجهاً لوجهء. وكان الطابق الأدنى 
مزدحماً بباعة المؤن» وبدأ موضوع النقاش الأساسي يدور حول 
إمكانية استقلال باخرة من جدة إلى السويس . 

وخوفاً من المشاحنات والمساومات في الصالة السفلى فقد حثشت 
مضيفتي الطيبة - رغم فظاظة أخيها إن تخلى لي غرفة المخزن الصغيرة 
في الطابق الأول وأن تجعلها مهيأة لى فى الفترة من الساعة العاشرة 
صباحاً حتى الساعة الرابعة عصراٌ ا الصعب أن يحتفظ المرء 
بملابسه فوق بدنه في حر نهار مكة التى تحيطها التلال فيستحيل حتى 
على رياح السموم أن تتغلغل إليها إلا قليلً» فالصخور الجرداء تعكس 
الحرارة» والمناخ العام للمدن الشرقية يبعث الوهن والكسل في البدن. 
والتهيج والإثارة في العقل. والبيوت على غير العادة متينة جيدة البناء 
مما يجعلها علاجاً للحرارة إذ تكون باردة بما فيه الكفاية عندما يكون 
الجو أشد ما يكون حرارة خارجهاء إلا أن هذه البيوت ‏ رغم هذا قد 
أصبحت الأن كالأفران. 

[57] لقد كان من عادتي أن أنسحب سريعاً بمجرد تناولي 
الإفطار متأخراً إلى غرفة صغيرة علوية فأرشها بالماء» ثم أنطرح على 


رحلة بيرتون 





حصيرة وكنت أكتب في لحظات قليلة نفيسة مذكراتي» لكنني كنت 
أفعل ذلك وإحدى عيني تراقب الباب» وكان بعض المرضى يزعجونني 
أحياناً» وإن كان الطبيب في الحجاز ليس شخصية مألوفة يعتاد الناس 
عليها كما هو الحال في مصرء فلكون الناس أكثر صحة فهم أقل إيماناً 
بالطب. فالشيخ مسعود وابنه لم يعرفا في حياتهما دواء سوى البلح 
الأضر وحليب النوق» وبين الحين والآخر كانت الجواري 
السوداوات تترددن على الغرفة سائلات إن كان الحاج يريد شيشة أو 
قهوة» وكن عادة يعدن من حيث أتين مبتهجات محاولات - عبثا ‏ أن 
يخفين وراء أسمال أحجبتهن ألوان وجوههن العاجية» وكانت تبدو 
عليهن سيماء البراءة واللطف . 


وكان أكثر المترددين علي عبدالله أكبر أبناء الست الكبيرة» لقد 
التحق هذا الكئيب بقافلتنا في الحمرا في طريق ينبع وصحبنا إلى 
المدينة المنورة ومكث هناك» وسافر إلى مكة مع قافلة الحج الشامي. 
ومع هذا فلم يأت طوال هذه الفترة لزيارتي أو لرؤية أخيه الولد محمد. 
ولما ذكرناه بلا مبالاته هذه صرح أن هذه هي طريقته فهو لا يزور 
الغرباء حتى يبعثوا في طلبه» إنه شخص سوداوي بكل معنى الكلمة في 
عقله وفي سلوكه وفي مظهرهء وقد كنت مضطراً في مناسبات كثيرة 
لتناول: الوجباتك: معه. لأن: أمه رقم أنيا تعائل 'الآخرين كانهم: آبناءة.ب 
بالإضافة لسهولة تراجعها ‏ إلا أنها لم تكن تقبل أن تقدم له الإفطار بعد 
وقته المحدد بساعتين أو أن تقدم له الغداء قبل موعد راحتها بأربعين 
دقيقة» وكان علي أنا أيضاً أن أكبح ‏ باستنكار مؤدب ‏ شراسة لسان 


المختار من الرحلات الحجازية 





- م6 


الست الكبيرة» وهكذا أصبحت أنا وعبدالله أصدقاء» فاشترى بعض 2 
المواد البسيطة المختلفة التى نحتاجهاء ولم يعدم حيلة في قضاء 
ساعات في غرفتي الصغيرة» وعرفت منه معلومات كثيرة عن المنطقة. 
وكان يعيب على أهل مكة انحلالهم» ويعيب على أهل بلده ‏ نائحاً - 
أنهم في هذه الأيام السيئة قد خسروا طباعهم الأصلية في القاهرة 
وإستانبول» وكان محباً لاستطلاع أخبار الانجليز في الهند بشكل كبير» 
وقد أرضيته بمدح سياستهم في الهند وتحقيقهم للعدالة» وارتفاع 
شأنهم هناك . 

لقد تعودت أن أقوم متأخراً بعد الظهر فأتوضا وأذهب للحرم» أو 
أتجول في الأسواق حتى المغرب» وبعد ذلك كان من الضروري أن 
أعود للبيت لإعداد العشاء» وبعد تناول وجبتي اعتدت أن أجلس بوقار 
شديد أمام باب البيت في الشارع.» على كرسي خشبي أسود مكسور 
المسندء يقال: إن أحد أمراء دلهي سبق أن تركه في المنزل» وأدخن 
الشيشة وأشرب مشروبات متعددة كفنجان شاي أخضر قوي المذاق مع 
فص ليمون» وإضافة الليمون للشاي تغنى عن إضافة الحليب إليه. 
وفي هذه الساعة يكون مقعدي كما لو كان مقعداً فى مسرح» وبعد 
هبوط الليل إما أن نعود للحرم أو إلى أماكننا في المنزل للراحة» وكان 
مهجعنا الجماعي هو سطح المنزل . 

ويمنع الحاج من البقاء في مكة بعد أداء النسك. أو بالأحرى 
يحثونه على مغادرتهاء فالماكث في مكة لشهور قلائل بعد أداء النسك 
يعتاد على منظر الكعبة المشرفة . 


رحلة بيرتولن 





ات 


وعلى أية حال فليس في مكة المكرمة ‏ إلا القليل - مما يؤذي 
العين . 


[554] والمكي أكثر دكانة من المديني (مستوطن المدينة 
المنورة)» ويعلل الناس ذلك بحرارة الجو في مكة لكنني أعتقد أن هذا 
يعود في الأساس لعدد الجواري السود اللائي يصلن إلى السوق». 
فالجواري ترسو بهن السفن في سواكن وزيلع وبربره» وينقلن إلى جدة 
بالألاف. ويكون نصيب مكة المكرمة من كل صنف منهن عدد (تأخذ 
مكة من كل صحن لقمة)» ويقل سيل الجواري كلما اتجهنا شمالاً 
وبذلك يكون نصيب المديئة المنورة منهن أقل» ويقل نصيب مصر 
وتركيا عن نصيب المدينة» أي يقل عددهن كلما اتجهنا شمالاً . 

ومعظم أهل مكة لديهم محظيات سوداواتء لذا فكما يقال» فإن 
مظهر الشريف أقرب إلى الزنوج . 


أربعين يوماً من أعمارهم إلى الكعبة للصلاة عليهم. ثم يحملونهم إلى 
البيت حيث يقوم الحلاق بإحداث ثلاث شرطات موازية على كل خد 
(في الجزء المكتنز لحماأ) ابتداء من الزاويتين الخارجيتين للعين إلى - 
غالباً ‏ ركني الفم . 

[هكه)] والمكي - إلى حد ما 9 خشن وكسول. والشاب المكي 
أكثر شجاعة ونشاطاً لكنه في منتصف العمر يميل للبدانة حيث يضخم 
بدنه نتيجة الإسراف في الطعام والشراب . 


المختار من الرحللات الحجازية 





والمكي مبذرء فهو ينفق بسهولة ثروته التي جمعها بسهولة» فالدفع 
والراتب والمعاش والهدايا والإكراميات تجعل الناس هنا كما هو 
الحال 2 المدينة المنورة - يميلون للبطالة والكسل. وهو ينمق بسخاء 
على زواجه وشعائره الدينية ومنزله الذي يؤئثه بالأثاث الفاخر. وضيوفه 
كثيرون» وولائم نسائه تكون ‏ فى نهاية العام قد كلفت مبالغ طائلة . 


[577] ومن الشائع بالنسبة للمكي أن يستبق تنفيذ رغباته قبل 
حلول موسم الحج مما يوقعه في أيدي المرابين» وإن كان محظوظاً 
استطاع اقتناص واحد أو أكثر من الحجاج الأكثر ثراء» ومن ناحية 
أخرى فإنه إن جانبه الحظ قد يؤدي به التأخر في سداد ديونه إلى دفع 
فوائد تصل إلى خمسين في المائة على الأقل» فالفائدة البسيطة 
والمركبة نظامان معروفان ‏ على سواء ‏ لدى الصرافين المخادعين . 


إن أقصى درجة من أدنى كلمة تمس مكة المكرمة وأهلها. إنهم 
يتباهون بأنهم سلالة مقدسة وَيَشاهون: نان الكفرة لا وجود لهم بينهم. 
ويتباهون بصحة صيامهم وعظمة علمائهم ونقاء لغتهم . والحقيقة أن 
فخرهم وتباهيهم يتجليان في كل لحظة» ولكنه ليس من ذلك النوع من 
الفخر الذي يدفع صاحبه للقيام بأعمال قذرة. 


ومن الجوانب الطيبة في شخصية المكي أنه أواب بمعنى تقبله 
للمنطق واعترافه بخطئه ولا يظهر تنطعاً وتمسكاً بعيوبهة) وهو الأمر 


رحلة بيرتون 





ا 
الذي يتسم به الخطاة من الأجناس الأكثر غباء وبلادة . 

والسامي ‏ كأهل جنوب أوروبا ‏ يتذوق النكتة رغم جديته وميله 
للتفكير» وهو يفتقد ما نسميه روح الفكاهة. وتتناقض كلماته الوقورة 
الجادة ‏ بشكل طريف - مع أفكاره» فهو يلبس الموضوعات البسيطة 
لبوساً فضفاضاً من الألفاظ الفخمة». وكان محمد يك يترفع عن النكات 
إلا فى حالات نادرة كما حدث في حالة المرأة العجوز التي لن تدخل 
الجنة (إلا إذا ردت لشبابها) . 

والصفات التي استعادها المكي هي: شجاعته» وطيبته» ولطفه. 
وارتباطاته الأسرية القوية» وحبه لبلده» ومعلوماته العامة» أما الجانب 
السيىء المقابل فيتمائل في المباهاة» والتعصبء ورقة الدين» 
والجشع» والتفسخ الخلقي» والفخر المسرف. 

ولا أستطيع أن أتحدث عن مناسك الحج بعداء فقد يقال بحق 
إن الشعائر المتعلقة بالكعبة تقلل كثيراً من كل ميل للوثنية التي لا تزال 
تلوث فكرة التوحيد الإسلامي'''؛ لكن أين هي الأمة سواء في الشرق 
أو الغرب التى استطاعت أن تخلص شعائرها وعقائدها من بقايا الوثنية 
القديمة؟! ْ 

وأهل مكة ملومون ‏ وهذا حقيقي ‏ لحبهم الشديد للمال مع أنهم 
في أكثر البقاع تبجيلاً وقداسة مما يثير اشمئزاز الحجاج . 


)١(‏ كلامه حسن وإن خلط فيه الحى بالباطل إذ أين مظاهر الوثنية المزعومة الملابسة 
للتوحيد» لكن كلامه القادم جيد . 


المختار من الرحلات الحجازية 





[077] وأخيراً إننا لا نرى فى مكة شيئاً مسرحياً مصطنعاًء بل إن 


[014] ولا زالت المخاطرة غير قليلة بالنسبة للحاج الغريب عند 
أدائه المناسك» حقيقة أن الأوروبي (الإفرنجي) لم يعد يوقف عند 
تجرؤه على عبور بوابة مكة في جدةء وأن نواب قناصلنا والرحالة 
يسمح لهم بزيارة الطائف والمناطق الواقعة شرق مكة المكرمة حتى لا 
تلوث نظرتهم الكعبة» ولم يعد الباشا ولا الشريف في هذه الأيام 
يجرؤون على تطبيق القانون القديم على الرجل الإنجليزي (إذا تخطى 
بوابة مكة) والقاضي بقبول الختان (الإسلام) أو القتل» لكن أول بدوي 
سيلمح قبعة أوروبية لن يعتبر نفسه رجلاً إذا لم يصوب للرأس ذي 
القبعة طلقة من بندقيته» والتنكر أثناء موسم الحج مسألة سهلة بالنظر 
إلى الأعداد الهائلة والمختلفة التى تزور مكة» لكن الويل له إذا حدث 
لسوء حظه أن عرفت الجموع أنه كافر إلا إذا استطاع أن يضع نفسه 
تحت حماية الحكومة. 


وفي الرابع عشر من ذي الحجة بدأنا نؤدي مناسك العمرة» فبعد 
أن استحممنا ولبسنا ملابس الإحرام المعتادة خرجت ومعي الولد 
محمد وأخوه عبدالله وركبنا الحمير التي تشبه البغال في سرعتها 
وأحجامهاء. واتجهنا للحرم وصليناء ثم ركبنا مرة أخرى ومررنا عبر 
باب الصفا إلى منطقة فسيحة في الشمال الشرقي من مكة المكرمة كانت 


)١(‏ هذه شهادة أخرى جيدة من هذا الرحالة غير المسلم. 


رحلة بيرتون 





با 


مزدحمة بالحجاج المعتمرين الراكسن والراجلين وعم يلبون. وهذه 
التلبية في ذلك الوقت تميز بين المنخرطين في أداء العمرة وغيرهم من 
الملتحقين بقافلة الحج الشامي . 


ثم واصلنا السيرء ورأينا طريق جدة يقطع السهل كالشريط 
الأبيض» وكان أمامنا الطريق الرئيسى الذي تحفه الآن خيام المقاهي 
التي يرقص أمامها صبية مختثون» وإلى اليسار قصر أمير الحج وحوله 
أميال وصلنا للعلمين اللذين يحددان المنطقة المقدسة (مكة وما 
حولها) ووراء العلمين بقليل يوجد تجمع صغير يسميه العامة العمرة» 
ونزلنا عن حميرنا هنا وجلسنا على سجاجيدنا خارج إحدى الخيام التي 
تستخدم كمقهى ورحنا نستمتع بضوء القمر وقضاء ساعة الكيف في 
المصلى الرئيسي وهو مبنى متواضع سيىء الإضاءة مفر وش بسجاجيد 
غير نظيفة» وكان مزدحماً تماماً بالحجاج» وفي هذا المصلى صلينا 
العشاء وصلينا ركعتين سنة الإحرام» ثم وزعنا الأعطيات على الحرس 
والصدقات على المتسولين اللحوحين» ولقد فهمت الأن هدف عبدالله 
من صحبته لى» لقد أكد لى هذا الرجل السوداوي أنه صحبني حباً منه 
لشخصيء ولرغبته ليقوم بدور الوكيل لأداء العمرة نيابة عن والدي. 





وعبثاً حاولت إثناءه فأدركت أن حبه 5 يعنى حبه لدولاراتى» وقل 
يونس فى أداء العو 


وكان من المحال أن أمنع نفسي من الابتسام من هذا التناقض فقد 
رفع عبد الله يديه بوقار ووجه وجهه صوب الكعبة» وتمتم قائلاً: «نويت 
الإحرام بالعمرة باسم يوسف بن أحمدء وفاطمة بنت يونسء» اللهم 
يسرها لهماء وتقبلها منهما. . ! بسم الله! الله أكبر!». 


وركبنا مرة أخرى وأسرعنا تجاه مكة المكرمة ونحن نهتف : 
«لبيك اللهم لبيك».» وكنا نتوقف كل نصف ميل لشرب القهوة 
والتدخين» ودخلنا مكة المكرمة بعد وقت يسير» واتجهنا للحرم من 
بوابة الصفا وطفنا حول الكعبة طواف العمرة» ثم غادرنا الحرم من 
البوابة نفسهاء وركبنا مرة أخرى واتجهنا للصفا الذي يقع على بعد 
حوالى مائة ياردة إلى الجنوب الشرقي من المسجد الحرام. . . وعلى 
مقربة من نهاية الصفا (طرف الصفا) مبنى متواضع يتكون من ثلاثة عقود 
دائرية ودرجات سلم تؤدي لهذه العقود خارج الطريق الضيق. 
واستدرنا بحميرنا دون أن ننزل عنها وأكتافنا اليسرى للأمام فلا شيء 
سهل وسط الزحام. وبذلنا كل الجهد لرؤية الكعبة من خلال باب 
الصفا ونوينا نية السعي». وبعد التهليل والتكبير والتلبية رفعنا أيدينا 
وكررنا مرتين ما يلى: ١لا‏ إله إلا الله وحدهء لا شريك لهء. له الملك. 


. هذه ا متنا مزورة ل نواه المزعومين‎ )١( 


رحلة بيرتول 





ا 


وله الحمد» يحيى ويميث » لا إله إلا هو وحده. حى لا يموت. بيذه 
الخيرء وهو على كل شيء قدير» ثم هبطنا من الصفا والحمارة الصغار 
يقودون حميرنا ورفاقنا الشجعان يسبقوننا ومعهم الفوانيس والنبابيت 
ليبعدوا عنا البدو المهرولين والجمالة وراكبى الحمير» وهبطنا في 
شارع المسعى نحو المروة. وعلدل نَدولبا كنا ترذد: «اللهم يسر لي أداء 
العمرة وفقاً لسنة نبيك وأمتنى على دينه وباعد بينى وبين الخطيئة 
والمعصية برحمتك يا أرحم الراحمين». 

وصلنا للمروة وهي مرتفعة قليلاً كالصفا عند منحدر جبل أبي 
فبيس »2 ونتجمع المنازل في مدرجات فوق منحدر الجبل . ومن 
المسعى يمكن صعود درجات فصيرة لمن فابشظ محاط من جوانب 
ثلاثة بجدران عالية بدون عقودء ويبدو الطريق (المسعى) من أعلى 
وتحفه المساكن المرتفعة من الجانبين وتخرج منه أزقة صغيرة» وعند 
قاعدة المسطح (أنف الذكر) جعلنا أكتافنا اليمنى للأمام لمواجهة الكعبة 
ورفعنا أيدينا إلى آاذاننا ثلاث مرات». لنقول عقب كل مرة «الله أكبر) 
بداية لتنفيذ شعيرة السعى سبعة أشواط . 

لقد. انتهى 'سعينا غتد جبل المروة حيث نزلنا من فوق. خميرنا 
وجلسنا أمام دكان حلاق إلى يمين الطريق» لقد بدأ الحلاق برؤوسنا 
وجعلنا نردد الآتي: «ربنا هذه نواصينا بين يديك» فهبني مقابل كل 
شعرة نوراً في الحياة الأخرىء يا أرحم الراحمين» وبهذا العمل الرابع 
(الجزء الرابع)» وبعد أن دفعنا للحلاق» نكون قد أنهينا العمرة . 





وطرحنا ملابس الإحرام فوق رؤوسنا دلالة على أننا أصبحنا الآن 
فى حالة إحلال. ودخلنا الحرم وصلينا ركعتين» ثم عدنا للبيت وقد 
شملنا إرهاق غير قليل . 

المواضع التي يقصدها الزائرون للتبرك في مكة المكرمة 

لبسدة كناك مواضع كثيرة يتعين على الرحالة مشاهدتها في مكة 
المكرمة» فباستثناء جبل النور وجبل ثورء نجد أن كل المواضع التي 
يقصدها الزائرون للتبرك تقع داخل مكة أو بالقرب منها. 

لقَد شرع الولد محمد فى ممارسة التجارة بدأب بعل العودة 
يبرضاي على الاستعانة بأخيه عبدالله بدلا منه» وفى صبيحة الخامس 
كدليل لي - للأماكن التي يتبرك بها الزائرون. 

ولما ركبنا دوابنا سلكنا الطريق الذي سبق أن وصفناه إلى جنة 
المعلا وهى مقبرة مكة المبجلة» لقد كان لها أسوار خشنة غير جميلة 
وبوابة بائسة. فإذا دخلتها وجدت أرضاً قاحلة كالحة. 

وبعد دعاء طويل عند البوابة دخلنا وسرنا الهوينى على أرض 


المقبرة» وعن يسار الطريق يوجد حوش (مكان مسور) يخص أسرة 
عبدالله (وفقاً لما قاله هو). 


وقد قرأ عبدالله الفاتحة على أرواح أجداده وذرفت عيناه الدموع 


رحلة بيرتون 





[574] ثم ركبنا مرة أخرى عائدين للبيت» وفي الطريق مررنا عبر 
سوق الرقيق وهو شارع كبير مسقوف بالحصير ومزدحم بالمقاهي. 
وجلست البضائع (الجواري والعبيد) في صفوف موازية للجدران. 
وكانت الجواري الحسان يشغلن مصاطب عالية» ودونهن (على 
مصاطب أقل ارتفاعاً) تجلس الجواري الأدنى منزلة» وأدنى منهن 
يجلس العبيد الصبية» وكان الجميع ‏ عبيداً وجواري - يلبسون ملابس 
مبهجة من موسلين قرنفلي» أو ذي ألوان فاتحة مرحة أخرى» وتضع 
الجواري - على رؤوسهن - أقمشة تغطية الرأس لا يعقدنهاء وقد بدا 
جميع العبيد والجواري سعداء تمامأً» ويضحكون بصوت عال 
ويتحدثون لغات غير معروفة ويداعبون المشترين حتى أثناء المساومة 
على الشراءء» وقد تكون هذه السعادة البادية للمعيشة الرغدة الجديدة 
التي لم يألفوها قبل ذلك». أو قد تكون نتيجة وصولهم لمكان امن بعد 
أن قطع بهم تجار الرقيق رحلات برية مفزعة واجتازوا بهم البحرء لقد 
كان من بين الجواري بعض الحبشيات الجميلات» وإفريقيات على 
درجات متفاوتة من البشاعة من الصوماليات (وهو جنس نصف عربي) 
إلى السواحيليات الشبيهات بالقرود قبيحة المنظر وأعلى سعر سمعته 
لجارية هو ستون جنيهاً استرلينياً» وهنا تأملت فكرة توجيه ضربة قاضية - 
إذا أسعف الحظ ‏ لهذه التجارة التي تنخر في مؤسسات شرق إفريقيا 
وتلحق بها الضررء وأسعدتني هذه الفكرة ‏ فكرة أن يفكر حاج 
متواضع يتأمل المشهد من فوق ظهر حماره في فكرة كهذه قد تكون 
بداية لإلغاء هذه التجارة الضارة إلغاء تاماً. 


المختار من الرحلات الحجازية 





ترى ماذا كان سيكون مصير .ذلك الحاج إذا عرفت جموع 
المزدحمين في سوق الرقيق نواياه؟ ! 


[١7٠ه]‏ وقبل مغادرة مكة المكرمة دعاني على بن يس الزمزمي - 
قسراً ‏ لأتناول الغداء عنده» ليدلل على أنه يستضيف علية القوم. 
وكانت هذه الدعوة ‏ فيما يرى الولد محمد لهدف واحد هو إثبات 
علو شأنه. لقد دعينا على عجل ذات يوم في حوالي الساعة الثالثة 
عضرا لمكزل الشيخ علي وهو مبنى كبير في زقاق الحجر. فوجدناه 
غاصاً بالحجاج الذين لم نجد صعوبة في أن نتعرف ‏ من بينهم - على 
رفاق السفر: الألباني العجوز المشاكس وعبده الأحمق» وقد قابلنا 
على بن يس على درجة السلم وقادنا إلى غرفة علوية حيث جلسنا على 
الكنب (الديوان) واستعددنا للغداء بتناول القهوة وتدخين الشيشة . 


لقد تم تقديم العشاء لنا في أطباق صينية وصينيات نحاسية كبيرة 
يبلغ محيطها قرابة الأقدام الستة» مزخرفة بزخارف ونقوش عربية فوق 
كرسي معتاد مزين السطح وقوائمه من خشب الصندل» وأدوات المائدة 
من مادة كالصيني لها منظر نظيف» وقد بدأنا بتناول مسلوقات مختلفة : 
مسلوق السبانخ» مسلوق البامية» وحساء خضروات مغذء ولما جمعت 
أطباق هذا النوع من الطعام غمسنا أيدينا في أطباق البرياني: شرائح 
اللحم المقلية بالزبد» ومحشي أوراق العنب بلحم الضأن» والكباب أو 
اللحم المشويء» بالإضافة للسلطات من الخيار المنعش. ثم تم تقديم 


أطباق البطيخ المقطع . 


رحلة بيرتول 





0 - 
أما الخبز فكان مدوراً على النسق الشرقي لكن مذاقه كان رائعاً 
وأفضل كثيراً من الخبز الهندي المعروف بالشباتي» أما الماء فكان 
معطراً بالمصطقى (مستكة)». وبعد ذلك أتت الكنافة المحلاة بعسل 
النحل وقد رش فوقها مسحوق السكرء والتفاح والسفرجل والمهلبية 
المضاف لها راحة الحلقوم غالي الثمن لأنه يجلب من إستانبول» وقد 
وضعت الفاكهة فوق المنضدة: أطباق مليئة بحبوب الرمان والتمور 
ذات المذاق الرائع» وانتهى العشاء بأطباق الأرز والزيد وقد تناولناه 
بملاعق خشبية . 


ويجيد العرب الفن الفرنسي المبهج المتمثل في إطالة فترة 
العشاء؛ فبعد أن تغسل يديك تجلس وتطرح فوطة مزخرفة على ركبتيك 
وتغمس يدك في طبقك المفضل بعد أن تقول: «بسم الله» وتغير 
الأطباق كما تشاءء ولك أن تمص أصابعك بين الحين والآخر كما 
يفعل الصبية (بالمصاصة)» ويمكنك أن تدس لقمة دسمة في فم 
صديقك» وبعد أن تشبع لا تجلس وإنما عليك أن تقول: الحمد لله 
وتتنحى جانباً وتغسل يديك وفمك بالصابون وتبدي انطباعاً أنك 
امتلأت وإلا عرضوا عليك أن تأكل المزيد» ثم تدخن شيشتك وتشرب 
قهورتك وتصبح في حالة كيف"''. 


وليس من عادة الناس فى هذه البلاد أن يجلسوا معاً بعد تناول 


)١(‏ كان بيرتون مدمناً على التدخين بل كان يدخن الأفيونء نسأل الله العافية 
والسلامة . 


المختار من الرحلات الحجازية 





- دم 
الطعام فسرعان ما تنهي صلاة العشاء كل تجمع» وقبل أن ننهض 
لاستئذان علي بن يس في الانصراف جرى ولد في الغرفة وأبدى كياسة 
طفولية - تعني في الشرق طلب هدية ‏ فدسست دولاراً في يده» فلم 
يستطع إخفاء فرحه عند رؤيته» حقاً إنه مكيى صغير! لقد راح يصيح: 
«ريال! انظر ياجدي. . هذا الأفندي الطيب أعطاني ريالاً» فلمعت عينا 
الرجل العجوز بالعاطفة» لقد رأى مدى السهولة التي سلمت بها النقود 
للولدء وراح يأمل ألا تكون هذه القطعة النقدية هي الأخيرة التي تفلت 
من يديء. فقال صائحاً: «حقاً إنك طيب أيها الشاب»»: وراح يدعو 
بحماس : «الله يحقق كل آمالك!» وربت على ظهري دلالة قبوله 
الدولار الذي أعطيته لابن ابنه. 


ولم أر علي بن يس أبداً بعد تلك الأمسية لكنني أعطيت للولد 


إلى جدة 
[071] لقد أعلن الانغماس في أمور الدنيا والتنعم بمسراتها عن 
نهاية شعائر الحج» فقد عاد كل المؤمنين الآن مبرئين من الذنوب كيوم 
ولدتهم أمهاتهم» فعمد كثيرون منهم إلى الرحيل صوب الجنوب وإلى 
فتح حسابات جديدة"''» فالإيمان لا يعني بالضرورة الانضباط الكامل» 
وربما كان المسلمون في هذه الحالة متساوين مع الكلفنييه”'2 الذين 


)١(‏ قال المترجم: يقصد ارتكاب آثام جديدة مادامت الآثام القديمة قد غفرت. 
(؟) قال المترجم: أتباع كلفن ‏ مذهب بروتستنطي -. 


رحلة بيرتون 
يرتكبون الآثام بحماسة شديدة يوم الاثنين بعد أن يكونوا قدا استغرقوا 
في آثام جديذلة معتمدين على 55 الاعتراف ومبدأ الأعمال 
التكفيرد ا" فالأمر لا يختلف بالنسبة للمسلم الذي يطهر روحجة 
بالطواف والسعي ثم يعود لارتكاب الأثام”'' لكن لايد أن نللاحظ أنه 
بين المسلمين ‏ كما هو بين المسيحيين - هناك استثناءات كثيرة 
ملحوظة من هذه القاعدة. فكثيرون من أصدقائي ومعارفي يعتبرون أن 
بداية إلقائهم أول نظرة على الكعبة المشرفة» بداية لصلاحهم 
أما وقد انتهى أسبوع المسلمين المقدس» فلا حاجة لي للبقاء في 
مكة المكرمة فقد اتخذت قراراً بالعودة للقاهرة. 





ودعتنى الت الكبيرة وداعاً حاراً وأوصتنى بابنها الذي كان عليه 
مرافقتي إلى جدة» ووضعت يديها بمودة ‏ لكن بحزم ‏ على يد الهاون 
النحاسية والهاون اللذين طالما حملقت فيهما بعيئين راغبتين في 
اقتنائهما . 


)١(‏ قال المترجم: أي ارتكاب آثام جديدة بعد الاعتراف بنية الاعتراف من جديد. 
مادام الاعتراف يكفر الذنوب. 
قلت: كلام بيرتون يدل على تبييت نية العصيان أثناء أداء الشعائرء:. وهذا لا 
يجوز قطعاء لكن لو زلَ يعد تأدية الشعائر وأخطأ فإنه يتوب ويرجع ويغفر الله 
له.ء إن شاء جل جلاله . 

(؟) للأسف إن كثيراً من المسلمين يعتقدون هذا لكن ليس بهذا 58 الذي عممه 
بيرتون حيث جعل الأصل هو الفاسدء والصالح إنما هو استثناء. 





وودعت كل أصدقائي وداعاً حاراء وعانقت الحجاج الأتراك. 
وغاقوف أنا:والولك محمد النف» .وتغنا عبدالله المكتس» شائرا عل 
قدميه خلال شوارع مكة المكرمة وودعني ‏ بدون عناق - في حي 
الشبيكة . 


ولما وصلنا لسهل رحب شعرت بفيض من السعادة كأنني سجين 
خرج من زنزانته» فحرارة الشمس جددت حياتي وملأتني نشاطاًء وكان 
هواء الصحراء عطراًء وكان وجه الطبيعة الودود كابتسامة صديق قديم 
عزيز على نفسي» وتأملت قافلة الحج الشامي عن يمين طريقنا دون 
أسف على فراقهاء ذلك الأسف الذي يقترن عادة بالفراق . 

لقد التحق بجماعتنا - بعد مغادرتنا مكة المكرمة بفترة يسيرة - 
مسافرون آخرون» وحتى المساء وجدنا أنفسنا بحكم النظام لا نسير 
فرادى في الطريق» وكانت المقاهي وأماكن الاستجمام كثيرة على 
الطريق» فكنا نتوقف كل خمسة أميال لنريح أنفسنا وحميرنا . 


وعند غعروب الشمس صليئا صلاة المغرب بالقرب من مقر حراسة 
تركى» حيث أمدنى أحد العساكر ‏ كرما منه ‏ بماء للوضوء . 


[0171] وقبل حلول الليل بادرني بالحديث رفيق عجوز أعور» ذو 
جبين ذابل يحصن نفسه خلف عبوسه وتقطيبه ولحيته المدببة» وكان 
يرتدي ثياباً قذرة» وكان يركب - مباعداً ما بين رجليه ‏ حماراً ذابلاً 
مثله» لقد حدثني بالفارسية» فلما هززت رأسي حدثني بالعربية» ولما 


لم يتلق رداً نطق الهندوستانية السليمة» ولما فشل في الحصول على 


رحلة بيرتول 





استجابة مني نطق بلغة الباشتوء فاللغة الأرمنية» فالإنجليزية. 
فالفرنسية» فالإيطالية» وأخيراً لم أستطع أن أظل مطبق الشفتين أكثر 
من هذا فحاورته. وعند كل منعطف في الحوار كان يركز على سؤال 
رددت عليه بالفارسية. ومن خلال الحوار عرفت أنه مرسد ومرافق 
وخادم للسياح الشرقيين» وأنه زار إنجلترا وفرنسا وإيطاليا ورأس 
الرجاء الصالح والهند وآسيا الوسطى والصين» ومن ثم فقد رحنا 
نتحدث بالإنجليزية التى سيتحدث الحاج عاكف ‏ وهذا هو اسمه ‏ بها 
جيداً لكن مستخدماً عبارات المرشدين. 


وفي حوالي الساعة الثامنة مساء عبرنا العلمين؛ وهو الموضع 
الذي يحدد الأراضي المقدسة في هذا الاتجاه» ويقع (العلمين) على 
بعد حوالي تسعة أميال من مكة المكرمة وبالقرب منها يوجد مقهى 
ومصلى صغير . 

وفي الطريق - كلما توغل الليل بنا - كنا نقابل قوافل جمال بعضها 
يحمل شقاديف وأخرى تحمل عوارض خشبية ضخمة» وغيرها تحمل 
أكياس بن وغلال وبضائع » لقد بدأ النوم يداعب جفون رفاقي بشدة» وكان 
الولد محمد قد تعلق على خاصرة حماره في وضع مثير للضحك تماما . 


وعند منتصف الليل تقريباً وصلنا إلى مجموعة أكواخ تسمى حَدَة . 


لقد كانت حَدَة مجرد مجموعة من الأكواخ والعرائش من جريد 
وبوص وفروع اسان وهي تمل الحجاج بالقهوة والماء. ويتحدث 


المختار من الرحلات الحجازية 





> ريدم 
المسافرون ‏ بفزع ‏ عن شدة حرارتها نهاراً. 

لقد توقفنا للراحة فى جدة مدة ساعة وحصلنا على حصير وماء 
للشيشة وغير ذلك من الضروريات من مقهى وأعددنا سلة ملأناها 
بالمؤن كهدية للكبيرة» وبمجرد انتهائنا من تناول هذا العشاء الفاخر 
انطرحنا لنأخذ قسطأ من نوم غير عميق . 

[051] وبعد انقضاء نصف ساعة وضعت البرادع على الحمير» 
وهززت الولد محمداً بصعوبة وحئثته على الركوب» وكان معتاداً في 
مثل هذه المواقف أن يقول قولته الأثيرة: «ميت من النوم»» وتقدمنا - 
بالكاد - ساعة» ثم وصلنا لمقهى صغير آخر فطرح الولد محمد نفسه 
على الأرض» وأعلن أنه من المستحيل أن نتقدم أكثر من ذلك» وقد 
سبب هذا بعض الاضطراب ؛ فقد كان صاحب الحمار فتى بدوياً سليطأً 
عدواني السلوك» فقد خاطبني عدة مرات بصفاقة آمراً إياي بألا أضرب 
حمارهء وألا أدق بعقبيى قدمي على جانبيهء» فعنفناه بازدراء فلزم 
الصمتء. لكنه ‏ الآن - وقد ظن أننا في قبضته فقد أقسم أن يأخذ 
حميره بعيداً ويتركنا عرضة للسلب والقتل» لكن ضغطة على رقبته 
وطرحه على الأرض جعلتاه لا ينفذ خططه. فعض يده بغيظ عاجز 
وذهب بعيداً مهدداً إيانا بأن يشكونا لمحافظ جدة في الصباح» وعندئذ 
اعترض أحد المصريين في جماعتنا على التهديد واستعان بقول اللغوي 
القديم بالإنجليزية: «بالله هيا تحرك فأنت لن تغنم شيئاً هنا» وقال 
بأسلوبه فكاهة: «يالله قوم واركب» إنت بتضيع وقتناء إنت حتنام في 
الصحراء وإلا إيه!» فقلت له: «ياعم لا تزود الكلام.» هذا فضول». 


رحلة بيرتون 





قم 
ورحت للجانب الآخر متثاقلاً وتظاهرت بالنوم بينما المصري المهدد 
يحث الآخرين على جعلنا نتحركء والمسألة التي تبلورت في ذهن 
الولد محمد الذي قام من نومه على صوت النزاع ‏ هي أنه همس بلهجة 
تنم عن الفزع: «أتعرف من يكون هذا الشخص؟» وأشار إلي فأجاب 
الآخرون: لا؟ فقال الولد محمد: «حسناء ذات يوم كان رجال عتيبة 
سيقتلوننا في ممر الزريبة» فماذا تظنون أنه فعل؟!» فاندهش المصري 
قائلاً: «والله لا نعرف!؟ ماذا فعل» فقال الولد محمد بصوت خفيض 
ساخر: «لقد طلب غداءه». وكان في هذه الإشارة الساخرة ما فيه 
الكفاية» فقد ركب الأخرون وتركونا لننام بهدوء. 


لقد أسهبت في ذكر هذه المغامرة الصغيرة لأبين أن التبجح أو 
التظاهر بالشجاعة يمكن أن يؤتي ثماره في شبه جزيرة العرب» كما أن 
هذه الحكاية تعد درساً يتعين على كل مسافر في هذه المنطقة أن يضعه 
في اعتباره» فالناس على استعداد دائما لإرهابه بقصص مخيفة ليست 
أكثر من مجرد أشباح للجبن . 


قائلة نيت ميت على لالع ريق 00000 وقد انتهت 
فترة نعاسنا القصيرة. فقد ركبنا وتابعنا و المتعب هابطين في 
الوادي الرملى حيث كانت الحمير البائسة. تغوص إلى ما فوق الحافر» 
ال ووو 





وبعد مغادرتنا (قهوة تركي) بوقت قصير وجدنا آخر نتوء صخري 
للمرتفعات التى تبدأ فى الانخفاض نحو سهل جدة . 


لكن الأسوار البيضاء البعيدة التي يكمن خلفها البحر الحبيب قد 
خففت من حدة المنظر وجملته. ولم تر العين شجرة ولا بقعة خضراء. 
ولم يكن ثمة ما يشغلنا عن تأملنا لهذا الصفحة الفيروزية على البعد. 
وسرعان ما تبينا ملامح جدة . 


لقد بدأت الشمس تسطع بقوة» ولم نكن أسفين عند دخولنا باب 
مكة في حوالي الساعة الثامنة صباحاًء بعد أن مررنا بمجموعة من 
العرائش والأكواخ والمقاهي والقبور والتلال الرملية التي تشكل 
المناطق الواقعة شرق جدة» لقد قطعت هذه الحمير المدهشة مسافة 
تتراوح بين أربعة وأربعين وأربعة وستين ميلاً» وكنا قد سرنا إحدى 
عشر ساعة سيراً فعلياً» وتوقفنا حوالي ثلاث مرات» وكان مسيرنا ذات 
ليلة ‏ بشكل عام في رمال عميقة» لقد عبرت هذه الحمير مدخل جدة 
المقنطر. وهي تجري برشاقة تكاد تماثل رشاقتها ساعة مغادرتها مكة. 

وقد شعرت وأنا في جدة أنني قد عدت لوطني مرة أخرى؛ فقد 
كان منظر البحر باعثاً على النشاط . 

[51/5] وبعد أن استرحنا في الوكالة يومآء طالب الجمال . 
وصاحب الحمار بما لهما من نقودء ولم يكن معي أكثر من عشرة 
بنسات فكان من الضروري صرف الحوالة التي قدمتها لي الجمعية 
الجغرافية الملكية من نائب القنصل البريطاني في جم وافورارانيت 


رحلة بيرتولن 





السيد كول وكان يعاني من الحمى» ولم تعجب نظراتي - بأية حال - 
مترجمه» وفي الحقيقة لقد كان كل من في المبنى ضدي» وبعد بعض 
المراسلات غير المجدية أرسلت بخطاب عاجل للسيد كول الذي قرر- 
إثر ذلك مقابلة الأفغاني المزعج”''. وبعد أن قدمت نفسي باعتباري 
ضابطأً في الجيش الهندي استقبلني استقبالاً كريماًء وعلت أمارات 
الدهشة وجههء وقد أخبرني نائب القنصل ‏ من بين أمور أخرى - أنه 
خلال مناقشاته مع الأتراك عن إمكانية قيام رجل انجليزي بالتسلل إلى 
مكة المكرمة كالقطة. قال لهم إن مواطنيه قادرون على كل شيء» بما 
في ذلك الحج إلى مكة المكرمة» وقد وافق المسلمون أدبا منهم على 
أن الإنجليز قادرون على فعل كل شيء لكنهم أنكروا احتمال قيام 
أحدهم بالحج إلى مكة خفية» وقد كان السيد كول سعيداً أنه ضحك 
على ذقون الأتراك» لكن بعد مغادرتي كتب لي يقول إنه لن يعود 
لتناول الحديث الذي خضنا فيه مرة أخرى لأن المسلمين ينظرون إليه 
بجدية كاملة باعتباره موضوعاً خطيراً. 


[10175 حقا إنه لأمر يرضى الكبرياء الإنجليزية أن يستمر وضعنا 
الرسمي قوياً في جدة» فالسيد كول - مثل مثل زميله في القاهرة - لم 
يقلل من شأن نفسه بانخراطه في أعمال تجارية ومصالح مع السلطات 
المحلية؛ فقد صمد بثبات أمام إغراءات شريف مكة وعلمه كيف يحترم 
اسم بريطانياء فشرف الهدف (طهارة اليد) لا تضيع هباء بين هؤلاء 


)١(‏ قال المترجم: المقصود بيرتون نفسه. 


المختار من الرحلات الحجازية 





الناس (العرب)» إن التناقض العام بين إجراءاتنا القنصلية في القاهرة 
وجدة يقدم لنا برهاناً آخر على ضرورة التدقيق في اختيار المسئولين 
الهنود لشغل الوظائف التي تتطلب أمانة في الدوائر الشرقية» فهم 
يعيشون بين شرقيين ويعرفون لغة آسيوية واحدة وعادات أسيوية كثيرة؛ 
فالرئيس في الشرق هو الكل في الكل» وقد تعلموا أن يتخذوا لهجة 
الأمر التي بدونها لا يستطيعون أخذ زمام المبادرة في الشرق - وهو أمر 
قد لا يكون موضع تفكير في إنجلترا ‏ فهذا الدبلوماسي الذي تربى في 
أحضان البلد الذي يعمل به لا يكون مدركاً لالاف الحيل والمكائد 
المنصوبة له في كل مكانء لذا فغالبآ ما يقع في أيدي خصومه الماهرين 
الذين يغطون مكرهم بشكليات الأدب واللياقة التي يفسرونها بأنها 
نتيجة الخوف أو أنها نوع من الخداع» مع مراعاة أن هذا التفسير ينتشر 
اعشارا واسها : 

لقد كانت جدة عندما زرتها في حالة مضطربة بسبب العبور 
المستمر للحجاج. وكانت المؤن للسبب نفسه ‏ وهو كثرة عبور 
الحجاج ‏ نادرة شحيحة» والوكالتان الكبيرتان اللتان تفخر بهما جدة. 
كانتا مزدحمتين بالمسافرين فلم يجد كثيرون مناصاً من الإقامة في 
الميادين . 

[65/7] وكان ثمة سبب آخر للفوضى وهو حالة الجند» فالنظام أو 
الجند النظاميون لم يتقاضوا أجورهم منذ سبعة أشهرء وقلما استطاع 
الجنود الألبان التمييز بين ما يحق لهم امتلاكه وما لا يحق» وأهل 
الشرق ينساقون ‏ بشكل مدهش - للنظام (للعسكر)؛ لكن الباشا يعلم 


رحلة بيرتون 





0 


أن للصبر حدوداً فراح يبحث - بقلق ‏ عن بعض المخارج للأزمة لملء 
جيوب جنوده بالمال» لقد كان الأسلوب الشرقي لحل مشكلة متأخرات 
الجند هو أن يقوم الباشا صاحب المقام الزفيع - الذي اعتراه الخوف 
من جنوده ‏ بالويعاز لجنوده باطلاق النار على المدينة وسلبها ولا شك 
أن باشا جدة كان ينظر لهذه الأيام الجميلة بحسرة. 


[/ا/51] وتظهر في جدة كل سمات الموانيى ومدن الحاميات 
العسكرية»ء فغير بعيد من الكراكون (مركز الحراسة أو الحامية 
العسكرية) توجد أماكن التهتك والخلاعة ‏ دلالة على تراخي السلطات 
وانحلالها - فالمفروض أن يعاقب كل خروج عن النظام بالضرب 
وبالحبس» وقد تعود حراسي ورفاقي في الوكالة أن يجلبوا العرق في 
زجاجات شفافة دون أن يفكروا حتى في تغطيتها بخرقة» وقد عاد 
المراسل مرتين من مهمات قصيرة وهو سكران, والأكثر مدعاة للدهشة 
أن النامن يبدون غير مهتمين بذلق7, 


وكان الولد محمد قد ادخر كثيراً جداً من الحبوب اشتراها بمالي 
واحتفظ لنفسه بكل ما كنت قد استغنيت عنه» وألمح إلي أن أرسل له 
بعد عودتي للهند عشرين دولاراً هدية» واستأذن في الرحيل ورحل 
ببرود لم أتوقعه» وبعد ذلك ببضعة أيام شرح لي الشيخ نور”'' سبب 
بروده هذا؛ فقد اعتراه الشك في شخصيتي» فقال للشيخ نور: «الآن 


() عاد بيرتون إلى تعميمه المج . 
»)0 هو خادم هندي لبيرتون كان قد اصطحبه معه طوال الرحلة. 





فهمت إن سيدك صاحب من بلاد الهند» لقد ضحك على ذقوننا» وقد 
ودع الولد محمد الشيخ نور بالبرود نفسه الذي ودعني به. 

[0/4] لقد سكر هذان الشابان ‏ اللذان يتسمان بالكفاءة ‏ معاًء 
فقام الولد محمد (بدب) أصابعه الخمس في عيني الشيخ نورء وكان 
الولد محمد قد تعلم شرب المسكر في اسطانبول» وقد اعتبر نور - 
خطأ منه ‏ مثل هذا التصرف بمثابة رغبة في إصابته بالعمى» فشكا إلي 
لكنني تعاطفت تماماً مع الطرف الآخر (الولد محمد) وسألت الهندي 
لم لم يرد التحية. 

ولم يكن سهلاً أن يمضي المرء الوقت في جدة» ففي الميدان 
المواجه لنا كان ثمة شخص أبله أثارنا لدرجة أصابتنا بالاكتئاب 
والقرف» وفقد كان مبتهجاً بتجواله عاري المؤخرة في الوضع الذي 
يتخذه الإنسان في بداية قضائه حاجته ‏ كما يفعل سائر البؤساء ‏ ولما 
كان أهل جدة متحضرين جداً بحيث لا يكنون احتراماً للجنون كما 
يفعل بعض المسلمين الآخرين'''» فقد أجبروه ‏ رغم صراخه وعراكه ‏ 
على لبس قميص» ولما خلعه ضربوه. 

وفي أوقات أخرى كانت الساحة الواسعة الواقعة أمامنا تشهد 
وصول حجاج ومغادرة آخرين لكن ذلك كان بمثابة طعام برد (فقد 
نكهته) فموسم الحح قد انتهى . 


وفي الوقت الذي بقى فيه الولد محمد كان معتاداً أن يقضي وقته 


. يقصد احترام الدروشة وأهل الجذب وأمثالهم‎ )١( 


رحلة بيرتون 





في التشاحن مع بعض الهنود الذين كانوا يقيمون في المكان المجاور 
لمكاننا - وكانوا خليطاً من رجال ونساء وأطفال - وبعد رحيله (أي 
الولد محمد) تعودت أن أقضي نهاري في مقر نائب القنصل» وهو 
تصرف قد لا يكون أمنا لكن إغراء مقابلة أهل وطنيء» والثرثرة 
(الدردشة) عن العمل كان إغراء لا يمكن مقاومته . 


وقد قابلت هناك كبار تجار جدة» ومنهم الخواجا سوير اليوناني 


وأنتون وهو مسيحي من بغداد وغيرهما. 


إنني أشرع الآن في القيام بآخر زياراتي» فخارج مديئة جدة ليس 
ثمة ما هو أجدر بالزيارة من أم البشر (ستنا حواء) فلقد ركبت أنا والولد 
محمد ذات مساء حمارين وعبرنا بوابة مكة واتخذنا اتجاهاً شمالياً 
شرقياً في سهل رملي. وبعد نصف ساعة وصلنا للمقام» ووجدنا بابه 
مغلقاً وكل مقام ستنا حواء يقع بين عرائش وأكواخ قذرة ومقام بائسة 
طرية» وحالما وصلنا للمقام أقبل رجل يجري - ربما كان يتابعنا منذ 
خرجنا من جدة -.وكان يتبعه رجلان آخران» وقد لحق بي هذا الرجل 
عند المقام في الوقت المناسب وأدار المفتاح في الباب بعناية خاصة» 
ولما دخلنا المبنى المطلي باللون الأبيض راح يتلكأ احتراماً للمكان 
لكن بشكل مبالغ فيه . 

والمقام ‏ بوصفه البسيط ‏ صدمة للرحالة القادم منبعيد فهو مجرد 


قبة صغيرة لها فتحة نحو الغرب وهي - القبة - مصممة على النسق 
المعتاد فى الحجاز . 





- 611 
وقد قدمت دولاراً للحارس عند مغادرتي مقبرة حواء» وقد تقبل 
الحارس المبلغ بامتعاض لأن شخصاً وقوراً مثلي لا يجب أن يدفع 
مبلغا تافهاً كهذاء ولم يقتنع أبداً بقولنا له ألا يتوقع من درويش أفغاني - 
مهما كان تقياً ‏ أكثر من هذا. 


وفي اليوم التالي شرح الولد محمد سبب صراحة الرجل وعدم 
رضاه فقد اختلط عليه الأمر وظننى باشا المدينة المنورة. 


وهكذا انتهت رحلاتي إلى حين فركبت في السادس والعشرين 
من سبتمبر السفينة (الدورقة) وقد أرهقني التعب وأنهكتني الحرارة 
الشديدة ‏ وكنت ممتناً للكرم واللطف الذين شملني بهما السيدان: ولي 
(القائد) وتايلور (كبير الضباط)» واندهشت - للحظة ‏ كيف أن 
الحجاج الأتراك المتزاحمين في السفينة لم يقذفوا بي إلى البحرء وفي 
الوقفت المحدد وصلت للسويس . 


وهنا نفترق - عزيزي القارىء ‏ فلتضغ إليّ بأناة''' وأنا أنهي هذه 
الرواية الشخصية لرحلتي للحجاز بكلمات الرحالة فا هيان فهذا الأخ 
الذي مضت عليه حقب طويلة لا يزال حيا في ذاكرة الإنسانية» يقول فا 
هيان: «لقد تعرضت للأخطار ونجوت منهاء وعبرت البحار ولم 
أستسلم لأشد أنواع بود وسو ب يو بن 
الظروف أتاحت لي تحقيق أهدافي التى كنت أطمح لتحقيقها»”''. 


. في الأصل: مأناة» ولعل ما حاولته هو الصواب, والله أعلم‎ )1١( 
إلى هنا : تم المراد من الاختصار» ولله الحمد.‎ (0,0 


الرحلة الحجازية 








6 


الرحلة العاشرة 
الرحلة الحجازية 
تاليف محمد بن عثمان السنوسي''' 


تحقيق الأستاذ علي الشنوفي 


كان قد ارتحل من مصبر بحرا بعد رحلاات متعددة في أوروبا 
وغيرها ‏ من هيناء السويس » وكان ذلك فى دي القعدة سنة »١1599‏ 
فقال : 


[19] قد سافرنا في البحر الأحمر بأكرة يوم الثلاثاء الحادي 
والعشرين من ذي القعدة الحرام سنة 91789" فسافرنا فيه أربع أيام من 


217537 هحمد بن عثمان بن محمد السنوسئّء أبو عبدالله. ولد بتونس سنة‎ )١( 
أديب» له اشتغال بالتاريخ» ونظم. كان يحرر جريدة «الرائد التونسيّ» الرسمية»‎ 
وعين حاكماً في القسم الجنائي بمحكمة الوزارة بتونس. ومدرساً بالجامع‎ 
الباشي فيهاء له «مجمع الدواوين التونسية» جمع به دواوين الشعراء التونسيين‎ 
المتأخرين في عدة مجلدات طبع بعضهاء وله «مسامرة الظريف بحسن التعريف»‎ 
وهو تاريخ لقضأة تونس وأئمة جامعها «الزيتونة» والمفثين» و«مطلع الدراري»‎ 
شرح به القانون للتونسيء وقد طبع و«الاستطلاغات الباريسية»: رحلة إلى‎ 
باريس. وقد طبعء وقد زار بيروت فاجتمع بمؤلفي دائرة المعارف البستانية‎ 
فطلبوا هنه أن يككتب لهم تاريخ أهراء الدولة الحسينية بتونس فأملاه وأدرجوه‎ 
رحمه الله‎ 2١78 بنضة. وله ولد أديب 00 زين العابدين» نو في بتو نس سنة‎ 
. 577/5 تعالى . انظر «الأعلام»:‎ 

(؟) قال المحقق: يوافق: 7/5 .١8877/١١‏ 





61 - 


السويس إلى جدة. واشتد علينا الحر هنالك شدة اضطرتنا إلى خلع 
الثياب قبل الإحرام؛ إذ قد تبلغ الحرارة في البحر المذكور إلى مائة 
واثنتين وثلاثين درجة"'' عندما تهب ريح السموم» وعند هبوب الريح 
الجنوبية نهاية ما تبلغه الحرارة مائة وسبع درجات». وهكذا تتدرج 
الحرارة من تلك الدرجات إلى ست وسبعين درجة في الأقل . 

وحيث إن الدليل الذي استصحبناه من بورت سعيد لقطع الخليجح 
والبحر الأحمر اعتراه ضعف ليلة الخميس أصبحنا ضالين عن الطريق» 
وعند وضوح النهار تبين له أنا قد سرنا في غير الطريق نحو الأربعين 
ميلا فاضطر إلى الرجوع تلك المسافة إلا أن النهار كان موافقاً والهواء 
مساعداً حتى أعانه ذلك على مزيد السير وبلغنا إلى مسامتة رابغ بعد 
الزوال بنحو ساعتين . 

إحرام المؤلف 

[5860] وحيث إن ذلك المحل هو محل الإحرام استعد لذلك 
جميع الحجاج من باكرة ذلك اليوم؛ فأصبحوا مزدحمين على 
استحصال سنة الاغتسال في فيضطرون إلى كشف عوارتهم. وهو 
محرم لا يقاوم فعل السنةء مع ما يرتكبونه لذلك من أذية بعضهم 
بالازدحام والمشاجرة والشتم. وكلها محرمة. 


وبما أن هذا الاغتسال هو أول سنة من أفعال الحج عزّ على تركه. 


)١(‏ أي بمقياس فهرنهايت. 


الرحلة الحجازية 








ظ 5-6 


ولم يمكني تعمد تلك المحرّمات فبقيت في حيرة من أمري» وتطلبت 
استئجار بيت فلم يسمح به صاحب الفابورة'''؛ لكن من بركة الحرص 
في تحصيل السئّة لما علم القبطان بحاجتي أرسل إلي سراً بأن له حَمَّاماً 
تامّ الحرارة يختص به ولا يمكن له الإعلان به إلى ركاب الغمرة خشية 
تهافتهم عليهء وأنه آذن مستخدم الغمرة بأن يهيئه لي في الوقت الذي 
أريده» فأعطيت ثياب إحرامي للمستخدم المذكور ليضعها فيه سرأ 
وعينت له وقت إحضاره» فإذا هو حمّام تامّ الموجبات أمكن لي فيه 
الجمع بين الغسل بالصابون للنظافة والاغتسال بالماء. 


[21] ولبست هنالك ثياب إحرامي» وصليت خارجه» وأعلنت 
هنالك تلبية الإحرام» وقد رأيت من إقبال المسلمين في ذلك اليوم على 
بياض ثيابهم التي ذكرتنا حالة الاشتمال بالأكفان» والتجرد الذي 
تساوي به الرفيع والوضيع» والإعلان بالتلبية للمجيب السميع ما يدل 
أزناب اعبار علن حظمة مشروية هله النيافة اتن اساي الأدبينا 
عباده . 


ده 


[؟058] بلدة من الحجاز في جزيرة العرب على نحو النصف من 
البحر الأحمر تبعد 55 ميلاً من مكة المشرفة. 


وقد صارت محطاأً للمراكب البحرية سنة 6؟ من الهجرة. 


0010 أي الباخرة . 


المختار من الرحلات الحجازية 





ونشأت فيها التجارة بمقدار كثرة مرور السفن على مرساها التي 
هي الطريق الوحيد إلى آسيا من أوربا أو أفريقياء وقد كان وصولنا إلى 
مرساها بعد زوال يوم الجمعة الرابع والعشرين من ذي القعدة الحرام 
سنة »١17944‏ وكان موقف فابورنا بعيداً عن الشاطىء بمسافة أكثر من ميل 
حيث لا يمكن للفابورة الدحول إلى تلك الميناء بسبب وجود الصخور 
المرجانية. وجزر الماء في تلك المسافة حتى كان في بعض الجهات 
منها لا يزيد على الثلاثة أقدام, وأكثرة لآ يجاوز الثمائية عشر قدما. 

وللمرسى هنالك مراكب شراعية يسمونها السنابك تنقل الأمتعة 
والراكبين من الفوابير إلى البلد بكراء زهيد لا يتجاوز قدره العشر 
قروش عن الرجل وأمتعته» مع أنها في المواضع القليلة الماء يحتاج 
ملاحوها للنزول منها ليتولوا جرّها بأيديهم» والبلد مما يلي البحر 
جميل البناء بالحجارة معجصص كله. 

وعند نزولنا دخلنا إلى محل القمرق”"''. واطلعوا على تذاكر 
جوازنا وكتبوا لنا فيها بالقلم التركي كتابة أخذوا عنها عشرة قروش» 
وعند دخولنا من البلد عرضنا التذاكر المذكورة فأعطونا هنالك تذاكر 
صغيرة مختومة أخذوا عن الواحدة ثلاثة قروش . 

فد خلنا البلد فإذا هي ذات سور حصين تحيط به خنادق وتتخلله 
يلي البحر. . 


الرحلة الحجازية 








6:1 سس 

وأزقة البلد أغلبها متسع. وكلها طبيعية؛ وفيها عدة جوامع 
وسرايات جميلة المنظر من ظاهرها وربما كان داخلها متسعاء ومن 
أحسن أبنيتها الجديدة ديار القناصل وبعض ديار أعيان تجارهاء وفيها ' 
مركز تلغرافي وبوسطة عمومية إلا أنها غير منتظمة وكلاهما بيد الولاية 
العثمانية» وأسواقها عامرة بالمتجر لا سيما في موسم الحج» وأعمال 
أهلها صيد السمك والغوص عن المرجان الأسود يصطنعون منه سبحا 
وغيرها. 


وترد إليها كثير من أنواع المتاجر الأورباوية والآسياوية» ومنها 
تصدر جميع ضروريات أهل الحجازء وفيها كثير من التجار الهنود 
والمصريين» وعدد سكانها نحو الثمانية عشر ألفأء وفي أيام الحج 
يكثرون بسبب التجارة حتى إنهم ربما بلغوا إلى الأربعين ألف» ويمر 
بها من الحجاج في كل سنة نحواً من المائة والعشرين ألف نفسأًء وقد 
خرجنا صبيحة يوم السبت لمزاراتنا فزرنا داخل البلد مدفناً لبعض آل 
البيت» وخرج بنا المزورون إلى المقبرة خارج البلدة وفي مبداها قبة 
منسوبة لأمنا حواء» يقولون إنها على مدفن رأسها . [ 


أعمال المزورين بجدة 
[87ه0] أما أعمال المزورين هنالك مع مارة الحجاج 5 وعلى 
الخصوص مغفليهم ‏ فإنها فوق ما يعقل من وجوه الزورء فتراهم 
يتجاذبون الحاج المسكين من ثياب إحرامه إلى أحد أمواتهم بعد أن 
يوقفوا عندها من شيعتهم من يُشاركونه في محصول الزيارة» ويقولون 





فيغريه بإعطائهم . وربما تمالوؤوا عليه واغتصبوا منه ما يسمويه له 


صذدفه . 


وأعجب من ذلك انتصاب بعضهم على حافة الطريق يبسطون 
منديلاً مستطيلاً على مكان مرتفع من الأرض وربما كان مزبلة ويقولون 
لمارة الحجاج أعط الزيارة لصاحب هذا القبرء إلى غير ذلك من حيل 
الصناعة» وعلى كل حال قد خلصنا الله من أيديهم مخلصاً حسنا. 

واكترينا هنالك الإبل واكترينا لها محاملنا المسماة بالشقووف"'', 
وكان اكتراؤنا في معية رفقائي من الترك . 

وكان خروجنا من جدة بعد أن صلينا بها صلاة العشاءء وممن 
اجتمعت بهم في جدة من خاصة أعيان تجارها وأزكياء أخيارها السيد 
أحمد المشاط وهو شيخ فاضل واسع التجارة حسن الإدارة مشارك في 
الآداب والسياسة صادفته معه أثر فالجح أصابه فعطل بعض حركاته. 
ودعاني للنزول في بيته فاعتذرت له. 


مكة المكرمة 

٠.‏ د 28 5 ا 
هذه أم المرىء ومهبط الوجي. ومحل و11 حير الوجود. 
ومظهر الشريفة الإسلامية»ء وبها كعبة العرب.» وموضع اجتماع 


)غ2 هكذا وردت والصحيح: الشقدوف. 
3( أي محل ولادة. 


الرحلة الحجازية 





©- 
قبائلهم» وهي محل حكومتهم العظمى ومقرّ أشرافهم . 

[58] وقد اختلف العلماء فى حكم المجاورة بمكة فمذهب أبي 
حنيفة وبعض أصحاب الشافعي كراهة ذلك لخوف ضعف الاحترام 
للبيت العتيق» ولذلك كان عمر ‏ رضي الله عنه ‏ يدور على الحاج بعد 
قضاء النسك بالدِرة”'' ويقول: يا أهل اليمن يمنكمء ويا أهل الشام 
شامكم» ويا أهل العراق عراقكم فإنه أبقى لحرمة ربكم في قلوبكم . 

وسئل مالك: هل الحج والجوار أحب إليك أو الحج والرجوع؟ 
فقال: ما كان الناس إلا على الحج والرجوع . 

وذهب صاحبا أبي حنيفة والشافعي وأحمد إلى استحباب 
المجاورة أي مع المحافظة على واجب الاحترام للبيت الحرام . 

وصول المؤلف إلى مكة المكرمة 

أشرفنا على مكة المشرفة فجر يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من 
ذي القعدة» وبعد أداء فريضة الصبح التزمنا السير رجالاً ونحن حفاة 
محرمون ثُلبَى داعي الله رجاء غفرانه» وتلقانا المطوفون فأعلمتهم بأن 
مرادي الدخول على طريق كدا فأخبروني أنه لم يبق طريقاً مسلوكا. 
وطريق القوافل إنما هو الطريق المسلوك» فطلبت الاستقلال بالسير 
على طريق كُدا واتفردت فيه مع المطوف حسن صباغ. 


)2230 أي العصا. 





- .م6 


[1084] ودخلنا للمسجد الحرام من باب السلام» وأدينا - بمنة 
الله - هنالك أحسن المناسك بطواف القدوم ومستتبعاته» وقد رأيت 
المطوفين يحملون القادمين على المناسك بمقدار معرفتهم لها مع أنهم 
لا تبعد حالتهم عن الجهل؛ حتى أني كنت مضطبع”'2 في ثوب 
الإحرام فتجاسر المطوف عند شروعي في الطواف وأخذ ثوبي وستر به 
كتفي كما رأيت غيره يفعل مع غيري» وبعد فراغه من عمله أرجعت 
الاضطباع وأمرته بالشروع في الطواف . 

وبعد الفراغ أعلمته بحكم المسألة فقّهاًء ثم إنه دعا إلي أفراداً في 
المسجد عند حجر إبراهيم وذكر أن موضوعهم تلقى الصدقات في ذلك 
المسجد الحرام من الوافدين فصرحت له ولهم بكراهة الصدقة داخل 
المسجد في مذهبنا وأتممت نسك القدوم» ودخلت بيت كبير المطوفين 
التونسيين السيد علي الكافي وهو في سن الهرم . 

ثم اشتغلت باستئجار بيت» وعينت مقدار نفقتي اليومية ونوع 
طعامي هنالك مع مراعاة الحمية» فكنت بمنة الله مدة إقامتيى بمكة 
متمتعاً بكمال الراحة . 

وقد متعني الله من فضله بملازمة المسجد الحرام في أكثر 
الأوقات . 


)1١(‏ قال المحقق: اضطبع: أبدى أحد ضبعيه: أدخل الرداء تحت إبطه الأيمن وغطى 


الرحلة الحجازية 





6:9 -- 
حضور المؤلف غسل داخل الكعبة 


وقد تشرفت بالدعوة لحضور غسل داخل الكعبة المشرفة صبيحة 
يوم الأربعاء التاسع والعشرين من ذي القعدة سئنة 2١599‏ فحضر 
هنالك الشريف عبدالله”''» وعصمان باشا والي الحجازء والسيد 
الشيبي» وقاضي مكة السابق» وقاضيها الجديدء وبعض الأفراد من 
خاصة الوافدين» وائتزر أولئك المتوظفون بطيالسة من الكشمير وابتدأ 
العمل جناب الشريف وكنت من الخادمين في ذلك الغسل إلى منتهاه 
والمنة لله» وصليت داخل الكعبة للجهات الأربع ثم صليت للجهات 
التي بينها فصليت لثماني جهات». وأعددت ذلك من سعادة الحياة» 
نسأل الله أن يجعل ذلك العمل مقبولاً بمنه وفضله. 


[587] النشاط العلمي بمكة المكرمة 


ووجدت الحرم المكي فيه كثير من العلماء يقرىء الدروس من 
الفقه والتوحيد والنحوء ومن المبتدئين من يُقرىء مناسك الحج. 
ووجدت مفتي مكة يومئذ وشيخ شيوخها العلامة المحصّل الشيخ أحمد 
دخلان”"' يُقرىء تفسير البيضاوي بعد صلاة الصبح ويحضر درسه كبار 
العلماء؛ بحيث إنهم بعد انفصالهم من درسه يتفرقون في جهات الحرم 


(؟) هو امد بن زيني دحلان» ولد سنة ١777‏ بمكةء فقيه مؤرخ : تولى بمكة 
الإفتاء والتدريس». وفى أيامه أنشئت بمكة أول مطبعة فطبعت بعض كتبه فيها له 
عدة مصنفات» مات في المدينة سنة ١7١5‏ رحمه الله تعالى. انظر «الأعلام»: 
ل" 





6. - 

للتدريس بهاء فتخرج من بحر درسه تلك الجداول التي تستمر بقية 
البوم: 

وطريقة تدريسه لا تبعد عن الطريقة التونسية في إلقاء المسألة أولاً 

ثم تطبيقها على الكتاب» وهكذا رأيت بقية اله على اختلاف 

طبقاتهم في العلو والتوسط والابتداء»ء وأكثرهم وافدون من مصر 


وغيرها. 
وكثير من علماء مكة وأدبائها يشتغل بتجارته ويتخذ للعلم وقتأ من 
بياض يومه . 


[517] رواج سوق التجارة بمكة 

وقد رأيت أثناء إقامتيى بمكة المشرفة من رواج سوق التجارة بها 
ما علمت به حسن حالة التجار في تلك الديار. ولكن رأيت من 
الواردين للحج تهافتاً على شراء ما لا يحتاجون إليه ما تعللوا فيه بأنهم 
يريدون منه التجارة لما وجدوا عليه من تنازل الأسعارء وربما هذا 
الشره حملهم على التفريط فيما بين أيديهم من المال وتعويضه بتلك 
العروض التي لا تغنى في حالة السفر شيئاً» وقد نصحت لبعضهم فكان 
سريان الدّاء بحيث لا تنجع معه الأدواء» ولكن لما فشا المرض 
وضربت الكرنتينة ظهر على بعض أولئك المفرطين ما اقتضى لهم 
التطلب لما لم يجدوا وانقطع بعضهمء وفيهم من تردّدوا على بعض 
قنصلاة دولة الحماية في بعض البلدان . 


ورأت الدولة التونسية بعد ذلك أن صنيعهم مخل بشرفها فصدر 


الرحلة الحجازية 





| 
أمر عَلِنٌ بعد الإياب باشتراط إعطاء ضمان في المال الكافي للذهاب 
والأنات أو ما يستدين به الحاج في الخارج» وصار ذلك الشرط سبة 
مضروبة على كل حاجّ في البلاد التونسية خاصة لما رأت الدولة 
حصوله من بعض حجاجها . 
زيارات المؤلف بمكة 
وفي أثناء إقامتنا بمكة خرجنا لزيارة غار حراء . 


وفي اليوم الثامن من ذي الحجة خرجنا عشية إلى عرفة وأقمنا 
اليوم التاسع وَجَرْءاً من ليلة العاشر فتمت فريضة الحج بذلك الموقف 
الأعظم» وهنالك وردت الأخبار تؤذن بقدوم الشريف عون الرفيق من 
الأستانة مثولياً إمارة مكة التي تلقّاها أخوه عبدالله قبله. 

ورجع الحج صبيحة العيد الأكبر وتمت جميع النسك» وكانت 
هنالك جموع الوافدين في أفخر الخيام لا بسين جميل اللباس بعد فك 
الإحرام» ومظهرين للمسرة بما تفضل عليهم به رب الأنام . 

[584] أسباب ظهورالمرض على الحجاج 

وهنالك تحققت أسباب طروٌ المرض على الحجاج؛ وذلك أن 
أغلب الحجاج يتعود في مدة سفره للحج على أكل المجففات من 
الخبز وغيره فتحصل لأبدانهم رياضة مع ضعف تفضي إليه المجففات 
وحالة السفرء فإذا كانوا في يوم العيد بمنى ذبحوا ضحاياهم وتناولوا 
لحومها بشره زائد» وربما تساهلوا في شأن طبخها فتؤثر فيهم آثاراً غير 
ملائمة للصحة . 


المختار من الرحللات الحجازية 





وقد شاهدت من ذلك كثيراً زيادة على كون جميع تلك الذبائح 
النازلين, مع شدة حر المكان. وبذلك يحصل تعفن في الهواء واضح 
موكب تحية العيد بمنى 
وكان أعظم المواكب في منى موكب جلوس شريف مكة لقبول 
وحوله مواقف المتوظفين وأصحاب الرتب ومجلس لجلوس الأشراف 
والعلماء» وقد دخلت على الشريف عون الرفيق فى هذا الموكب» 
وبعد تقديم التهتئة وتقبيل يده الشريفة أمرني بالجلوس هنالك فجلست 
برهة دخل فيها الواردون على اختللاف طبقاتهم . وخحرجت لزيارة أخيه 
الشريف عبدالله وغيره من الأشراف . 
عبدالمطلب واعتقاله بالطائف وإسناد الإمارة إل الشريف عبداللّه بن 
الملك». ووفد الوفود لتهنثئته . 
تهنئة المؤلف لأمدير مكة 
وقد انتهزت هاته الفرصة لتحلية شعري بمدح شريف مكة 
فاستأذنت عليه وعين لي وقت التشريف» وزرته في مجلسه الخاص 
فوقف وأجلسنى إلى جانبه وقبل منى الهناء والإفصاح عما وجدت عليه 


الربحلة الحيحادية 





أهل مكة من السرور بعود الإمارة إلى فرعهم الطاهر . 


ثم استأذنته فى سرد ما سمح به الخاطر في تهنئته فهش رضي الله 


ولاية عون الرفيق إمارة مكة مكان أخيه 


وبعد أن انقضت العشر الأوائل من ذي الحجة في نشر علائم 
إمارة الشريف عبدالله دار الخبر في أواخرها بأن الإمارة وليها أخوه 
الأكبر الشريف عون الرفيق» وأن ولاية عبدالله كانت للمحافظة على 
الإمارة إلى قدوم أخنيه» وفي يوم عرفة نُشرت علائم اقتبال الشريف في 
موقف عرفة» وأدرك الشريف ذلك الموقف وصبح العيد معيداً لتلك 
الولاية وتلقاها أخوه عبدالله أيضاً بالبشر والسرور حيث إن الإمارة 
طالت مدة خروجها من بيتهم بولاية ابن عمهم الأبعد الشريف 
عبدالمطلب»؛ وكان مجرد رجوعها إلى بيتهم كافياً في جلب السرور 
سيّما وأخوه عون الرفيق أكبر منه وهو الذي كان يناضل عنها في أبواب 
الخلافة . 

[084] أما أهل مكة فكان سرورهم بولاية عبدالله أعظم من 
سرورهم بولاية عون لما في طبع عبدالله من اللطف واللين وحسن 
المعاملة» مع أن لأخيه عون شدة وحدة يتقيها أهل مكة. وقد كشف 
الغيب عن صدق ما حدسوه؛ فإنه في يوم الثالث من قدومه وضع يد 
القبض على كبير بنى شيبة الذي بيده سدانة البيت وحمله الضبطية 
مسجوناً للقلعة» وكان لذلك تأثير عظيم؛ وكان ذلك بمجرد صحبته مع ظ 


المختار من الرحالات الحجازية 





-20 
الشريف عبدالمطلب . 


وقد بادر بعض الأشراف من آل عبدالمطلب إلى الخروج». 
وظهرت شدة الشريف عون على العلماء والخاصة بعد ذلك» وانتصر 
على شدته بمن أعانوه من أخلاط البلاط السلطاني يسوق إليهم 
المنهوب ويكتفي لنفسه بما وصل إليه من المطلوب» هذا ما أفضى إليه 
حال ولايته . 


تهنئة المؤلف لعون الرفيق أمير مكة الجديد 
وعلى كل حال فإني عند تهنئته بالعيد لاقيت منه ما سرّني» 
وأعدت التهنئة بالإمارة وأذن لى بزيارته فى بيته» فدخلت عليه فى قاعة 
جلوسه العام وبعد تقديم التحية أمرني بالجلوس برهة إلى أن قضى ما 
بين يديهء فاستأذنته في تقديم قصيدة التهنئة له بالإمارة فأمرني 
بإنشادهاء فوقفت فى موكبه وأنشدتها بين يديه وتلقاها منى بسرورء 
وقد ضمنتها ما سبق للشعراء من تهنئة أخيه بالإمارة المذكورة مع حسن 
تأهب المؤلف لمغادرة مكة المكرمة 


وقد تأر خروج القوافل من مكة بسبب حدوث ولاية الشريف مع 
طروء المرض في الحج». وعلى كل حال فقد ترافقت مع قاضي المدينة 
الجديد عصمت أفندي في قافلة» وتعجلنا الخروج إلى ظاهر مكة. 
وقابلت الشريف عبدالله لأداء تحية الوداع» وسألني عمن اكتريت منه 
من زعماء القوافل» فأحضره وأوصاه بي وصاية حمدت أثرها فكنت 


الرحلة الحجازية 





بحمد الله فى ذلك السفر مستريحاً آمناً» وقد قدمت إلى شرفه أبياتاً فى 
التهنئة بالعيد وفيها من حسن الاعتذار عن شأن الإمارة ما استحجاده 
مراحل السفر إلى المدينة المنورة 
وهنا نذكر من مراحل السفر إلى المدينة المنورة على ساكنها 
أفضل الصلاة وأزكى السلام . 
فهد 
قد خرجنا من مكة المشرفة لزيارة المدينة المنورة صحية البدو فى 
قافلة تخصنا فى رفقة الترك عشية يوم السبت الثانى والعشرين من ذي 
الحجة الحرام. ونزلنا خارج مكة بفهد المعروف بالشهداء جوار ضريح 
سيدنا عبدالله بن عمر ‏ رضى الله عنه -. 
وادي فاطمة 
قد بلغناه في الساعة الثامنة من الليل» ونزلنا على أحسن حالة. 
وقضينا ليلتنا في أمان» وأصبحنا ننتظر قفول القوافل» غير أنى اشتدت 
بي حمّى رأيت مبادئها عند الشهداء» فارتحلنا منه فى الساعة الرابعة من 
ل فان 
قد بلغناه فى الساعة التاسعة من الليل . 


وبما أني في هاته المرحلة الطويلة كنت أعاني ألم الحمّى 


المختار من الرحلات الحجازية 








61 - 


وحسبت أن المرحلة قريبة ندركها أول الليل لم ننزل عند الغروب» 
وانثمر العسمير والحتن اتناوزتي» .ولمعا طال علق التظار, الترول 
وسألت عن المنزلة وسموها لي باسمها اعتراني اشمئزاز وفهمت من 
اسمها تثنية العسشّف». حتى نزلناها. 


[١ؤه]‏ محاولة أحد الصعاليك 
الاعتداء بالقتل على المؤلف لنهب ماله 


وبمجرد النزول بادرت إلى قصد التوضىء لأداء الصلاة فتعمدت 
الخروج من دائرة الشقادف”''» وكان حولها بعض أتباعنا على المشعل 
فابتعدت على سمته وجلست للوضوع مسكقيلا المكياع من لعن + وبينما 
كنت جالساً حدثتني نفسي أن هؤلاء البدو إن ظفروا بأحد الحجاج 
مسكوا على فيه وأخذوه لصحرائهم لأخذ سلبه» وكان وقتئذ معي مبلغ 
من المال يستحيل استبقاء الحياة على حامله فخشيت أن يأتي عليّ أحد 
من وراءء ولما التفت رأيت صعلوكاً ليس عليه غير إزار يستر العورة 
المغلظة وهو أسود وبيده قطعة رافع بها علي رأسي لينزل بها عند 
قيامي» فانقدح فيّ خاطر: «من فاز برأسه فقد أفلح»» وأنزلت رأسي 
إلى أسفل وتقدمت به إلى أمام حتى تحققت خروجه من تحت ضربته. 
كل ذلك وظلام الليل هو الستارء ولكن أعظم منه عناية اللطيف الستار 


ه»* 


)000 هي دائرة يحوط بها الحجاج أنفسهم وقفت نزولهم وراحتهم بالشمادف التي 
توضع فوق الجمال. وغرضهم في ذلك حماية أنفسهم ووضع حدود للحركة 


امنة . 


الرحلة الحجازية 





9 - 
وعند قيامي وأخذي في الفرار نزل بضربته فأصابت عضدي الأيمن 
وأيست من سلامة يدي وحمدت الله على سلامة الرأس» وناديت 
أتباعنا فما تلاقينا إلا والرجل لحق برؤوس الجبال» ورأيت أن السلامة 

منه غنيمة تلك الليال. 


غير أني وقعت مغشياً على عندما أحست بوصولي للأمن فما 
أفقت إلا بعد حين» وعدت ثانية من صداع ما أصابني» ولما أفقت 
ثانية وجدت يدي اخضرت من انحباس الدم مع شدة الانتفاخ» فطلبت 
بدوية من نساء تلك الحي لمداواتها وامتنعت من استعمال شيء مما 
أشار به الناس علي» فلم يكن منها إلا أن أوقدت ناراً عظيمة وأتت 
بخرقة زرقاء أحكمت لفها وقابلتها بالنار إلى أن اشتد حميها وصارت 
في أقصى درجات الحرارة» فباشرت زندي ولم تزل بها كذلك كلما 
بردت أعادتها للنار إلى أن لان الانتفاخح بعد شدة اليبس فجرت عليه 


بزيت ولفته ومضت . 


وكانت العافية بحمد الله على ذلك بحيث إني عند دخولي للمدينة 
المنورة لم يبق من أثر ذلك إلا القليل» ومع ذلك عوفيت من الحمى 
بسبب الفجع الذي أصابني عند الضربة» وعلى كل حال نشكر الله 
سبحانه على كمال لطفه الخفي». ولولاه لما كان من المعقول للبدوي 
أنه يجدني بين يديه منفرداً ويبقى ينتظر قيامي؛ إذ لا محل لهذا الانتظار 
إلا محض لطف العزيز الجبار» ولذلك كنت بعد هاته الواقعة في سرور 
مع رفقائي وربما أعددتها من مشاق الزيارة . 


المختار من الرحلات الحجازية 





61 - 


وكان ترحالنا من هاته البقعة المباركة في الساعة الرابعة من يوم 
الأربعاء السادس والعشرين من الشهر . 
رابع 

هذا ميقات إحرام أهل المدينة المنورة» وكل من جاء على 
طريقهاء وقد بلغناها فى الساعة التاسعة من ليلة الجمعة وأصبحنا 
يبيعون فيه الدقيق والشعير والسمن والدجاج والبيض والتمر وبعض 

وعادة الراحلين إذا وصلوا إلى هذا الموضع أخذوا فيه راحة 
لوجود شبه عمران واستقوا منةه واشتروا علف الوبل وسقوهاء وريما 
الجمعة الثامن والعشرين. 

بلغناها في الساعة السابعة من ليلة السبت» فكان مسير المرحلة 
اثنتي عشرة ساعة» وارتحلنا في الساعة الرابعة من يوم السبت التاسع 
والعشرين . 

هو موضع بئر فوارة كثيرة الماء حسنة الموقع يقع النزول إليها 
للاستقاء بحدو الوبل. وقل بلغناه فى الساعة الحادية عسر من يوم 


الحجلة الححانة . 





الأحد وارتحلنا فى الساعة السابعة من ليلة الاثنين. 


[591] بثر خراص 

لما كانت هذه البئر عند قرب الفراء والجديدة مواضع سكان أهل 
الإبل من أصحاب القوافل يطلبون الراحة فيها وربما ذهب بعض 
الجمالين لعيادة أهله» وإنما كان قليل الأمن ذلك لأن البدو أصحاب 
الإبل إن كانت للواحدة منهم عداوة مع بعض حيّه يترصدون وصول 
قافلته ليأتوا عليها حتى يوقعوه بذلك في شغبء ولذلك كان أحسن 
الجمالين من يُعرف بمسالمة أهل حيه ليأمن من يصاحبه في الركوب, 
وقد يكون الجمال نفسه سبب هلاك القوم؛ وهذا في الغالب ينشأ عن 
سوء معاملة بعض الناس للجمّال في أثناء الطريق فيريد الجمّال منه 
الانتقام بيد قومه فيقع ذلك». فالعاقل من سالمهم وأحسن إليهم سيّما 
في هاته المواقع الوعرة لأنهم فيها تعتري رؤوسهم خنزوانة"'' البداوة 
والمنعة التي لا تنالهم معها الدولة» وهذا أمر عظيم يلزم أن يلاحظه 
المسافر بينهم . 

وقد وصلنا لهذا البئر في الساعة التاسعة من يوم الاثنين غرة 
المحرم» وتوجه زعيم القافلة ليأتى من أهله بما شاءء وتبعه على ذلك 
أكثر الجمّالين وأتوا لنا ببعض أهل قبيلهم ليحرسوناء فأصبحنا في 
مكان خوف يحيط بنا حراس لا نعرف حالهم معنا والنفوس ذاهبة فيهم 
إلى كل مذهب ممكنء إلى أن رجع إلينا أولئك الصعاليك فارتحلنا في 


غ2 الخنزوانة : الكير: 





الساعة الرابعة من يوم الغلاثاء الثانى من المحرم الحرام لسنة ثلاثمائة 
وألف . 
بئر قريش 

بلغناه في الساعة الثامنة من ليلة الأربعاء بعد أن مررنا بين جبال 
تلك الجهات المستطيلة. وارتحلنا يوم الأربعاء فسرنا يحدونا حادي 
الاشتياق إلى لذيذ التلاقى» نستشرف بإعمال الأحداق إلى طيبة دار 
هجرة المصطفى ومأوى آل بيته وأنصاره أهل الوفاءء وأقبل علينا الليل 
ونحن بين موقع النخيل إلى أن امتن الله علينا بالدخول إليها بعد أن 
اعترضنا من أهلها من وجدناهم من كرام أهاليها. 

وأكملنا ليلتنا على فراش الأمن نائمين » وبمزيد الطرب هائمين, 
واستيقظت بعد الفجر فوجد الماء اللازم للاغتسال» فنزعت أثواب 
التعب وتجملت للزيارة التي قرت بها العين صباح يوم الخميس الرابع 
من المحرم الحرام» والحمد لله على ما أولانا به من مزيد الإنعام بزيارة 
نبيه عليه الصلاة والسلام . 

المدينة المنورة 


هذه طيبة محل هجرة سيد المرسلين»ء ومسكن الذين أووه 
ونصروه مير الأنصار والمهاجرين. وأحب البلاد لرب العالمين» وبها 
أشرف بقاع الأرض بمضجع سيد الأولين والاخرين ‏ عليه أفضل صلاة 
المصلين وأزكى سلام المسلمين ‏ دخلتها آخر ليلة الخميس الرابع من 
المحرم الحرامء وأدركت صلاة الصبح بالمسجد النبوى,. ورأيت من 


الرحلة الحجازية 





0 
فضل المواجهة والسلام ما تردد سره على ممر الأيام» ويعد الحصول 
على شرف الزيارة اجتمعت هنالك بأفاضل العلماء» ولازمت المجاورة 
بقدر الاستطاعة» وزرت ضريح إمام دار الهجرة مالك بن أنس - رضي 
الله عنه ‏ وغيره من مزارات المدينة . 

[09417] ورأيت من حسن أخلاق أهل المدينة ولطف شمائلهم ما 
اقتضاه الأدب في جوارهم لذلك المقام . 


موكب قدوم المحمل الشريف إلى المدينة المنورة 


وأعظم المواكب في المدينة المنورة يوم قدوم المحمل الشريف 
صحبة الركب الشامي» يخرج فيه جميع المتوظفين والرؤساء والأعيان 
والعامة إلى ظاهر المدينة لتلقي المحمل الشريف». وقد كان اجتماع 
الخاصة في بيت هنالك حضرته بالاستدعاء فكان به شيخ الحرم 
والقاضي والمفتي وكبار الآئمة. 


[547] وقد اتفق في هذا المجلس المجتمع لانتظار قدوم 
المحمل أن شيخ الحرم عرض علي استعمال التدخين» وقد التزمت في 
جميع سفري بالبلاد الأورباوية والبلاد التركية والبلاد الحجازية أن لا 
أغير شيئاً من عادتي» وأنا أكره التدخين والنشوق فلم أستعمل شيئاً من 
ذلك» وكنت أعتذر بما لا يحتاج إلى إقامة برهان بتعلل بأني أكره 
ذلك . 

[:54] وقد بلغني عن أحد الشيوخ التونسيين بالاستانة أنه قبل في 
مجلس مشيخة الإسلام استعمال التدخين فحصل له منه سعال في ذلك 


المختار من الرحلات الحجازية 





دم 


المجلس اختل به أدب الاجتماع بسبب تحمل ما لم يقع به الاعتياد. 
ولكني لما اعتذر لشيخ الحرم ألح علي المفتي في استعمال النشوق. 
واحتج علي باستعمال التونسيين له وأفاض الجمع في تعليل حسن 
الاستعمال والتطلب لوجه ما أنا عليه من عدم استعمال شيء من ذلك»؛ 
وعند ذلك أظهرت لهم ما يخالجني كثيراً فى سائر بلاد الترك وبلاد 
الحجاز حيث رأيت التدخين يستعمله النساء والولدان كما يستعمله 
الرجال من غير أدنى تسترء فرأيت أن مصيبة البلاد الشرقية والتركية من 
التدخين أعظم من بلاد أورباء ورأيت أن ما عليه التونسيون من كون 
الصغير لا يستعمل التدخين بمحضر الكبير. والجاهل لا يستعمله 
بمحضر العالم؛ بل إن ملوك تونس لا يستعملونه في مجلس علمائهم 
حتى إن محمد باشا باي الرشيد”'' كان يسامر العلماء ويخرج 
لاستعمال التدخين» وعندما طلبوا البقاء منه معهم على تدخينه قال إنه 
يفعل ذلك لتعظيم جانب العلم فلا يخشى بذلك ضرراً. 


[515] وفي هاته الأحوال التونسية ما يدل كل جاهل على أن 
التدخين ليس حكمه في الشرع كحكم أكل الخبز وشرب الماء. 
التستر منه لا تفيد شيئآ إن لم نقل إنها قاضية بأنه من أنواع المباح 


)١(‏ هو محمد بن حسين بن محمود الرشيدء أبو عبدالله» أمير تونس» ولد سنة 
6 بتونس» وبويع بإمارتها سنة .211717/١‏ وحمدت سيرته إلى أن توفي» وكان 
عهده عهد رخاءء وكان شجاعاً حازمآء مولعاً بدقائق الصنائع» وهو أول من 
أدخل المطبعة إلى تونس» وأول من ضرب النقود باسمه وباسم السلطان 
العثماني» توفي سنة ١775‏ رحمه الله تعالى. انظر (الأعلام»: 5/5 .٠١‏ 


الرحلة الحجازية 





بإجماع, وليمس كذلك» وقد استحسن تفريري #ميع الحاضرين » 
وحيث إنهم يسمون الدخان بالتتن وهو لا محالة نتن قلت: 
إن أهل الشرق طرا”'" وَلَعُوا بدخان ذي البخار النتن 
واكتفوا من نقطة زيدت على نتن لستره بالتتن 
مصاجبة المؤلف للركب الشامي في طريق الإياب 

وبما رأيت عليه انتظام الركب الشامي مع فشو المرض وخطر 
طريق البدو اخترت مصاحبة الركب الشامي للإياب» وترافقت مع 
قاضي المدينة السابق حيث أراد الرجوع بعد أن استكمل سنة 
و 

وأخذت من المدينة ما يقتضيه سفر الصحراء من ضروري الطعام 
خدمة الركب الشامي إلى سوء المعاملة مع طول السفرء ولكني بعد 
سفري رأيت الأمر على خلاف ما هرف به غير العارفين ولا سبب لسوء 
ولى الامتنان. 

بئر عثمان 
هذه أول مرحلة تنقل إليها ركاب المحمل الشريف» ووصلناه بعد 


000( أي كلهم . 
(؟) في الأصل: وظيفة» ولعل الصواب ما حاولت» والله تعالى أعلم. 





- م6 


العصر بعد أن سبقتنا أمتعتنا وما تستتبعه وذلك عشية يوم الاثنين 
السادس عشر من المحرم الحرام» فإذا بالخيام مضروبة على اختلاف 
ألوانها وأوضاعهاء والإبل مصطفة حولهاء والناس في ارتجاج فكان 
أمير الركب سعيد باشا وهو رجل شهم حازم يحسن اللسان العربي 
بسبب كثرة إمرته على الحج في نحو العشرين سنة؛ وهو صاحب 
الإمارة العسكرية هنالك» وأمين الصرة في هاته السنة هو آصف باشاء 
وهو رجل خيّر ولي قيادة كثير من أعمال الترك . 


خير الصرة المجعولة لإقامة شعائر الحرمين 


واسم الصرة عبارة عن المال الخارج من دار الخلافة لإقامة شعائر 
الحرمين الشريفين من شموع وزيت وقناديل ولازم الإيقاد والفرش». 
وجراية المستحقين من أهلها وعوائد جميع أهل الأراضي الحجازية في 
أثناء مرور الركب . 


أخبرني أمين الصرة أن مبلغ ذلك نحو خمسة ملايين ونصف 
قروش.». وذلك نحو إحدى عشرة مائة ألف فرنك من خصوص المال 
عدا القفاطين''' العوائد وأدوات الإيقاد وغيره؛ ومجموع مبلغ الصادر 
نحو المليونين ونصف من الفرنكات» والقفاطين تخرج لجميع خطباء 
الأراضي الحجازية» ولخصوص شريف مكة قفطان مجوهر تبلغ قيمته 
نحو الستين ألف قرش أي اثني عشر ألف فرنك . 


000( جمع مَفْطاث وهو الرداء . 


الرحلة الحجازية 





أما مرتب أمين الصرة فهو ستة آلاف ليرة يقوم منها بجميع لوازم 
أبهته من أتباع ومراكب وخيام ومطابخ وغير ذلك» أما مخروج مال 
الصرة كلها فهو من نظارة الأوقاف بالدولة العلية. 
[95ه] لطيفة 


بلغني عن الشريف المشير الشيخ السيد سلمان الجبلي أحد ذرية 
الشيخ عبدالقادر"'' نقيب الأشراف ونقيب زاوية جده ببغداد أنه لمّا قدم 
إلى الحج منذ ثلاثة أعوام ‏ وقد بلغت قيمة ما أهداه للسلطان من 
الخيل والمجوهرات إلى المليونين فرنكاً - وكان مع الركب فسأل أمين 
الصرة عن مبلغ مصاريف الدولة العلية على الحرمين الشريفين» ولما 
علمه استصغره جدآا وقال له: إن خطباء المسلمين في جميع الدنيا 
ينادون بأن السلطان خادم الحرمين الشريفين» وهذا المبلغ إذا اعتبرنا 
منه مصاريف الركب ونظرنا لخصوص ما ينال أهالي الحرمين ‏ مع كون 
أوقاف المسلمين على الحرمين من الممالك العثمانية بيد نظارة 
الأوقاف ‏ لا نجد فيه نسبة معتبرة» وإني أنا بموجب نظارتي على زاوية 
جدي في بغداد يصلني كل سنة من زيارات أهل الأقطار مبلغ أكثر مما 
يصل للحرمين من الدولة فضلاً عن مداخيل وقف الزاوية في سائر 
الجهات. وهي أيضاً في نفسها أكثر من هذا المبلغ تصل إلى النقباء 
والعلماء والمجاورين وتصرف في الإيقاد والتحصير والإطعام العام 


)١(‏ هو الشيخ عبدالقادر بن عبدالله بن جنكي دوست. أبو محمد الجيلاني 
تعالى. انظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء»: 479/7١‏ وما بعدها. ْ 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 6 
على ممر الأيام . 

[091] ملاحظة تتعلق بأمر العلم في الحجاز والشام 

لقد عجبت كل العجب من أمر العلم في الحجاز والشام مع وجود 
فحول العلماء هنالك» كلهم يقرىء العلوم الدينية والآلية احتساباً لربه 
وليس لواحد منهم معاش عن ذلك من أموال بيت المسلمين ولا من 
إذارة الأوقاف؟؛ بحيق إنه لا جراية على التدريس. ولا للمدرس أصلا 
مع أن صنف العلماء لا محالة مستحق من بيت مال المسلمين» وإن 
هذا الأمر عجيب بالنظر إلى أمثال هاته الجهات التى هي منبت أصل 
الدين» وذلك من أعظم ما ينبغي للدولة أن تهتم بشأنه» والأموال 
الصادرة إلى الحرمين هي مرتبات أئمة ومفتيين وحفظة وصدقات جزئية 
ربما دخل فيها بعض العلماء . 

[54] تفاصيل أحوال الركب الشامي 

وبما أن أمر هذا الركب في غاية الانتظام أذكر هنا تفاصيل أحواله 
إذ عسكرية حراسته مؤلفة من أربعمائة عسكر على الخيل» ومائة 
)00 ا لوي 1 معهم مدقفانة بوبائن بوسطجق 
اميك أفندي من أبناء الترك بيده إمرة المكاتيب الواردة والصادرة» 


جندرامى 


ونائب القضاء محمود أفندي هو رجل خيل يؤم من يحضر معه في محلته 
عند الصلاة» والطبيب ذئب أفندي» هذا من جهة انتظامه الدولى . 


)1١(‏ هو مشاة الجند. 
(0) هم من يتولون أمر المدافع. 


الرحلة الحجازية ظ 





0 م 

وأما تقومه فكان في هاته السنة يحتوي على أكثر من ألفيى جمل» 
وعدد النفوس فيه بين رجال وركبان يناهز الخمسة ألاف شخصء وهم 
مقسمون إلى أقسام على حسب المقومين» والمقوم رجل يملك عدداً 
وافراً من الإبل الصالحة بأدواتها وخيامهاء ويقوم بجميع لوازم 
مستخدميها ويستعد لاستئجار ذلك على حسب الحاجة والمال» فمن 
الناس من يكتري مِحَفة وهي عبارة عن اصطفتين ذاتي جنبين تحملان 
على الجمل» وعلى مجتمعهما خيمة ملونة وتدها يوضع على سنام 
الجمل» ويركبها رجلان يلزم تعادلهما في الجسم ولا يحملها إلا عظيم 
الجمال يسير براكبيها نصف مرحلة والنصف الثاني تنقل فيه إلى جمل 
تان مستريح . 

وهاته المحفة إذا حسن وضعها وربطها تبقى على ظهر الجمل 
ثابتة لا حركة لها وراكبها في راحة تامة ينام ما شاء ويجلس ما شاءء 
وله بين الركاب اعتبار زائد» وبالجملة فهو بمثابة من يكتري في قمراء 
فابور البحر وفي الرتبة الأولى مع سكة الحديد. 

ومن يكن له أمتعة يكتري لها ظهراً آخر على حسبه. ومن الناس 
من يكتري جملا واحداً يضع عليه أمتعته ويركب عليها تارة وبشبرية من 
خزم”'' يستظل بها على شدة حركتهاء والأكثرون يستظلون من الشمس 
بأثوابهم أو شمسيات» وقليل من الناس من يركب فرساً أو حماراً. 


)١(‏ قال المحقق: الخزم: شجر كالدوم يفتل من لحائه الحبال. 


المختار من الرحلات الحجازية 





61 
وأما خيام السكنى فمعظمها على المقومين» وقَلّ من يملك خيمة 
لنفسه. وأما مؤنة السفر فمن الناس من يكتري على أن يطعمه المقوم 
ويسقيه حتى يكون بمثابة النازل في أوتيل يسكن ويأكل؛ ومن الناس 
من لا يرضى ذلك الطعام فيلتزم القيام بطبخه ويكتري من المقوم على 
أن يأتيه بالماء والحطب خاصة لقلتهما في كثير من الجهات؛ ولهذا لزم 
السقاؤون بكثرة من خدمة الإبل ولهم في الركب زعيم وهو في هاته 
السكة يوسفيه بالل قات 





ويسمون خدمة الإبل عكامين» وأعلاهم قادة أصحاب المحفات؛ 
لأن الجمل إذا كان حاملاً للمحفة بثقلها تحمل رجلين مضطرٌ لرفع 
رأسه رفعاً لا يتحرى معه موطىء رجليه فيأخذ بخطامه عكام يقوده في 
جميع المرحلة» وللعكامين في الركب زعيم يرجعون إليه» وكان باش 
عكام في هاته السنة أبو قاسم . 

وأكرية'2 جميع ذلك مختلفة وليس لها حد معين بل هي على 
حسب حال الراغب وكثرة الراكبين وقلتهم» فربما تجاوز كراء المحفة 
وما تستتبعه بغير أكل الستمائة فرنك وربما كان أقل» وهكذا كراء 
الجمل المنفرد ربما كان مائة فرنك أو أكثر أو أقل . 

ومن عادة الركب إذا وصل إلى نصف المرحلة أذن لحاملي الخيام 
ويسمون المهاترية» وكان باش مهاتري إبراهيم أحمد في هاته السنة. 
فيتقدمون إلى محل النزول ويضربون به الخيام على معتاد وضعها 


. أي أجرة‎ 2١) 


الرحلة الحجازية 





بد 


بحيت إن اركب يقبم على الجيات الآرع من القبلة والبيوك والكرة 
والغرب». وكل جهة معينة لأربابها توضع فيها الخيام بوضع هندسي 
فتصير المنزلة ذات محجات عامة وحومات صعيرة وسوق يحيط 


بجميعهم المعسكر. 


بحيث إن الرجل في كل منزلة يجد نسبته من جميع جيرانه واحدة 
وعليها نسبة المسير. ‏ 

ومن العوائد المستحسنة أنه بعد رحيل الركب تتأخر رسله من 
الإبل تتألف من ماثئة ناقة نحو الساعة أو أكثر ليعيدوا نظرهم على 
المنزلة هل تخلف فيها شيء أو أحد ويأتون على الطريق وراء الركنت 
فينزلون بعد نزول الركب بزمن» ويسمى ذلك الحج العقيلي وكبيره 
هاته السنة حسن الشبل» وفى الغالب يأتون باللقطات وينادون عليها 
فيأخذها أهلها. 

ومن العادة أيضاً إطلاق المدفع عند النزول وعند أوقات الصلوات 
وأما عند الرحيل فيطلق مدفعان بينهما نصف ساعة أحدهما للتهيؤء 
فإذا زم الناس جمالهم وشدوا رحالهم وأطلق المدفع الثاني تنهض 
الجمال من عند أنفسها بقيام واحد. وفى بعض المسالك يكون الركب 
كله قطاراً واحدا. 

[544] وفي كل ليلة تترنم الموسيقى العسكرية بالألحان التركية . 


وفي ليلة مبيتنا في بئر عثمان حضر عندنا بعض أحبابنا من أهل 








61 


المدكة للمشايفة:: 


وكان ارتحالنا من بئر عثمان قبل طلوع الشمس من يوم الثلاثاء 


بثر جابر 


قد تولنابيه قبل الغروب.ساعنين: .وراق: لنا التوول :واقبنا اعتالاك 
الليلة» وكان ارتحالنا قبل طلوع الشمس من يوم الأربعاء الثامن عشر 
من المحرم . 


]٠0[‏ نزلنا في هاته المرحلة في الساعة التاسعة ونصف قبل 
الغروب بساعتين ونصفء وبعد استقرار نزولنا أخذت أمشي بين 
الخيام فاجتمعت هنالك بالعالم الجركسي الشيخ الصالح الأصمء وهو 
من أفاضلهم يحسن اللسان العربي والتركي زيادة على لسان قومهء وهو 
ممن هاجر من بلاده حين تملكتها الروسيا في الحرب الأخيرة؛ 
وأخبرني أن الروس لما تملكوا أرضهم استأصلوا أموالهم واستخدموا 
أبناءهم في العسكرية» وكان ذلك سبب هجرة كل من قدر على 
الخروج» وأما من تثاقل وأراد بعد ذلك خروجاً فقد منع . 

[101] وعند ذلك سألته عن حالة إقامتهم الأن في بلاد الترك 
فشكا عُمُوم الرشوة عند قضاتهم وسائر حكامهم حتى كان ذلك سبب 
محنة كثيرة من علماء الجراكسة بالنظر إلى العامة والحكام . 


الرحلة الحجازية 

اجتماع المؤلف بالشيخ صالح الأربيلي مجتهد الشيعة 

ثم اجتمعت بالشيخ صالح الأربيلى مجتهد الشيعة» وهذا الرجل 
قل سالحينا أولا هن ركوينا من الابعانة إلى سحدة افن. .كوت السر 
واتفق أن كان ركوبه أولاً في بيت ركوبي من القُمراء”", ولما سألته 
عن بلاده وحاله أوضح لي أنه علوي وأنه في خطة مجتهد. فباحثته في 
معئى الاجتهاد الأصولى فلم يكن كذلك» وغاية الأمر أن لفظ مجتهد 
يُعطى للعالم عندهم في معنى مُقْت لا غير 
النمانماثة نفس منهم أكثر من ستماثة من الإيرانيين 22008 
والقوم يعتقدونه ويعتقدون به. 








أما حالة الرجل العلمية فله مشاركة علمية مع معرفة اللسان العربي 

غير أنه ينطق بالكلمات العربية من مخارج الحروف الفارسية» ويقرأ بها 
اران ييزية علي الال ملازنة اللعن التارسي فزي الالارة بد ا كال 
كلمة كيفما كانت . 

ولما علم أني سني مالكي المذهب تردد على بمسائل فقهية 
فكنت أقتصر في جوابه قدر الحاجة.ء فإن رأيت منه الاسترسال 
للمباحثة تعللت له بأن هذا يفضي إلى جدال لا يناسب حالة الحاج» 
ومع ذلك ربما أجبته بغير الواقع لما نرى عليه من قصد الاعتراض . 





)١(‏ أي مقصورة الباخرة. 


المختار من الرحلات الحجازية 








61 


ولما رأى منى ذلك التجافى أراد أن يتظاهر بجهله فتفصيت عنه 
بالتنقل من البيت الذي نجتمع فيه» فما لبث أن صار يحضر لبيتي الثاني 
للمسائل» وربما أتاني ببعض الكتب الفقهية معترضاً على بعض 
المسائل من مذهبى مالك وألى حنيفة فنقتصر على قدر الحاجة في 
إجابته . 


[10] وقد حضر عندي في بعض الليالي فراني أصلي العشاء. 
وبعد الفراغ أنتكر على صفة التشهد وقال لي : «ما مستندكم في تحريك 
الإصبع؟ وماذا تقولون في أثناء ذلك؟؟ . 

فقلت له: «أما التحريك فنحن مقلدون فيه لأصحاب المذهب» 
وأما ما نقوله فهو أني أقول: رضي الله عن الخلفاء الراشدين أبي بكر 
وعمر وعثمان وعلي. أكررهاء فاسترحت منه بسبب ذلك أياما» . 

: ثم أتاني يوماً في لمة من جماعته وهو يضحك فقال لي‎ ٠[ 
«مذهب مالك يرى أنه يجوز للمصلي أن يحمل كلباً في حالة الصلاة».‎ 
: فلم أتمالك أن قلت له: «إن مالكاً لم يقل ذلك بغير تعليل؟» فقال لي‎ 
«وكيف كان التعليل؟؟» فقلت له: (إن مالكاً يرى طهارة كل حيء.‎ 
وحيث إن الحياة الموجودة في الإنسان هي الموجودة في الكلب.‎ 
ونحكم بطهارة مثل سيادتك فأنت والكلب سواء في الطهارة المترتبة‎ 
على الحياة»» فلم يجد لذلك جواباً.‎ 

واسترحت منه بقية مدة السفر إلى أن اجتمعت به في هاته المرحلة 
(مرحلة آبار نصيف) فوجدته في مجلس يحيط به كثير من علمائهم» 


الأكلة الححائية 








6:9 - 
ولما جلست بينهم سألني عن أحوالي في السفر فقلت له: انحن بعد أن 
امتن الله علينا بحج بيته الحرام وزيارة قبر نبيه - عليه الصلاة والسلام - 
والفوز بالسلام عليه وعلى صاحبيه أبي بكر وعمر ‏ رضي الله عنهما - 
نرى كل شيء دون ذلك هيناء» والحمد لله على كل حال" . 

فقال لي : «صدقتء» ولا شك أن زيارة الشيخين وبقية الصحابة - 
رضي الله عنهم ‏ من المهم»», ومع اعتقادي بأن ضمير عنهم في كلامه 
لا يقصد به إلا من عدا الشيخين تغاضيت عن ذلك وتنقلت بالحديث 
عن أحوال الركب» وقضينا تلك الليلة وارتحلنا باكرة يوم الخميس 
التاسع عشر من المحره'''. 


)000 إلى هنا تم المراد من اختصار الكتاب» والحمد لله رب العالمين . 








رحلة كوكب الحج 


الرحلة الحادية عشر 


رحلة كوكب الحج 
لمحمد صادق باش7(١)‏ 


كان قد خرج للحج من السويس مبحراً إلى جدة سنة 21707 فلما 


قارب ميناء حدة قال: 


في صباح يوم الثلاثاء 74 ذي القعدة لم تمكن مشاهدة الجبال من 


بعد خمسة أميال لتراكم الضباب مع أنها تشاهد في الصحو من بعد مائة 
ميل» ووصلت الحرارة قبيل الشروق ١‏ سنتجرادء وفي نصف الساعة 
السادسة من هذا اليوم رسا الوابور أمام بوغاز''“ جدة؛ فضربت 
الموسيقى والطبول والمدافع فرحا بالوصول» ونقل ما في الوابور إلى 
البر في القطاير”” لعدم أسكلة”*2 هنالك» فيقف بعيداً عن البر بميلين - 


(010 


030 
فر 
0 


هو محمد صادق باشاء فاضل مصري من العسكريين» ولد بالقاهرة سنة 158؟١.‏ 
وتعلم بها وبباريس» وكان من أعضاء الجمعية الجغرافية» قام برحلة استكشافية 
عسكرية إلى الحجاز برا عن طريق الوجه إلى المدينة ووضع خريطة لذلك 
الطريق» ثم كان أمين صرة المحمل المصري سنتي »1١88٠‏ 214805 له رسائل 
وضع فيها تحقيقاته» وألقى محاضرات عن البلاد الحجازية» وله نظم» توفي 
بالقاهرة سنة ١7١‏ رحمه الله تعالى. انظر «الأعلام»: ١61١/5‏ . 

أي ميناء . 

يعني في القوارب. 

يعني الرصيف . 





مم6 


أعني ربع ساعة ‏ وأقبل الليل والحجاج مقيمون أمام الكمرك"'' إلى 
الصباح . 


وفي نصف الساعة الرابعة من يوم الأربعاء ركب المحمل من أمام 
ديوان الكمرك في محفل عظيمء ودخل من باب البلدة المسمى بباب 
الكمرك. ولعدم .كفاية ارتفاعه لمرور المحمل هدم منه ما لزم هدمه 
ومر من طريق ببحريّ البلد عرضها من خمسة عشر مترأ إلى عشرين - 
والسور عن يساره - حتى وصل بعد الساعة الرابعة وخمس وأربعين 
دقيقة إلى المعسكر بعيداً عن القشلاق”'' بمسافة يسيرة فنزل أمام صوان 
الأمير 


[] وحضر الضباط والأعيان في الصوان ليهنوا الأمير ومن 
معه بالسلامة. وكان حضرته منحرف المزاج؛ لعدم تعوده على ثياب 
الإحرام ولانكشاف رأسه فأثر ذلك فيه حتى ألزمه الفراش عدة أيام بعد 
الإحلال من الإحرام» بل استمر به إلى الخروج من المدينة . 


[107] ومنازل البلد نحو ألفى منزل مبنية بالديش المحمول من 
خارج باب السور من الأرض ومن البحرء والمُوّن من طينة البحر فقط 
لأنهم يبنون بها بعد عجنها جيداً بيوم فتصير أجود وأمتن» وبيوتهم 
تجارية ليس لها حيشان ذات دورين وتارة ثلاثة. أدوار بل أربعة 


)»0 هو مساكن العسكرء ونسمى عند العامة «القشلة»). وهي كلمة تركية . 


رحلة كوكب الحج 





- 0 


وخمسة» وسمك جدران الدور الأرضي ثمانون سنتمتر وارتفاعها أربعة 
أمتار ونصف بها ميّدء والواجهة عندهم مركبة من رواشن - أعني 
شبابيك ومشربيات - في غاية الظرافة وحسن المنظر مع قلة أثمانهاء 
وحاراتها غير منظمة متران فأكثرء وشوارعها من عشرة أمتار إلى خمسة 
عشرء وأرضها مستوية غير محجرة. 


1[ وبها مجاري لتصريف مياه الأمطار التي تستمر فيها نحو 
شهرين أو ثلاثة . 
]٠08[‏ وفي خارج البلد وفي بيوتها صهاريج مبنية نحو ثمانمائة 
تجتمع فيها مياه المطر وتغلق إلى وقت الحج للتجارة فيربحون فيها 
ريسا سينا وان أل ابلك #ضيروة.على القرب: عي لبقا 
المتكونة من اجتماع مياه الأمطار التي تتعطن بطول المكث ولذا يتسلط 
فيهم داء الحمى» ويقل في أيام الحر وجود ماء بارد في هذا البلد» وقد 
عثر في العام الماضي في مكان يسمى بالرغامة بعيد عن البلد بنحو 
ساعتين ونصف بسير الجمل على عين ماء عذب جار العمل في صنع 
مجرى يوصل منها الماء إلى البلد وبذا يتحسن حال الصحة . 


0 وبخارج السور حمام مستجد معد للرجال خاصية وبها جوامع 
أربعة يخطب فيها سوى بعض زواياه. 
]”>٠ .6[‏ وتجارتها أنواع الحرير والثياب» ويحمل 1 لقنم 


فالارة والشعير ونحوها سن الهند والبصرة ة والشام ومصبر ويستولي 
الكمرك منها سنوياً على خمسة ملايبين من القروش. 


المختار من الرحلات الحجازية 





اس 

وخضرواتها وفواكهها ولحومها تحمل إليها من وادي فاطمة ومكة 
وضواحيها رخيصة الأثمانء وأما البطيخ والقاوون''' فيزرعان بماء 
السيل في البراح الفاصل بينها وبين الجبال البعيدة عنها بنحو الساعتين 
أو الثلاث . 


وفي هذه البلدة محل للصحة وللكرنتينة» وبها من الحكام مأمور 
إسلامبولي برتبة قائمقام تحت أوامر سعادة والي الحجاز المقيم بمكة 
وبيكباشي”'' واحد مأمور الضبطية» وبها مجلس للتجارة مكون من 
التجار الأهالي» ومجلس بلدي أعضاؤه من الأهالي - أيضاً - ومجلس 
أحكام من القاضي والتجار وضباط الجهادية» وبها من العساكر نحو 
تلثمائة نفر. 


[١٠١”ا)‏ وتعداد سكانها نحو عشرين ألفاً من أهالي وهلود 
وحضارمة ومصريين وبعص من الأتراك ومن الأعجام. ونحو خمسين 
من أورباويين. 

]1١١[‏ وبها يباع الرقيق بلا حرج - كمكة في وقت الحج - في 
أمكنة يتوجه الشاري إليها يشتري مأ يعجبه» والثمن من سبعين ريالاً 
فما فوقها. 

[]] ومن عادات أهاليها في الزواج أن لا يخرج النساء للزفاف 
بل يتوجه الزوج في الساعة الرابعة من الليل”' مع بعض أصدقائه إلى 


0,30( هي رتبة في الجيش» والكلمة عثمانية . 
(0) أي بالتوقيت الغروبي العربي الذي ما زال يستعمل بقلة اليوم. 


رحلة كوكب الحج 





-9 


المسجد ثم يأتي إلى بيت عرسه فيشاهدها ويتحفها بالهدايا في مقابلة 
كشف الوجهء ثم يرجع إلى منزله ويتبعه النساء من أقارب زوجته إلى 
بيته في خفية فينتظرنها إلى أن تأتى في الساعة السادسة من الليل في 
الخفية مع بعض محارمها أمامها مشعل فتدخل منزل بعلهاء وفي الليلة 
الثانية يدعو الزوج أصدقاءه للوليمة. 

[113] وعندهم من أنواع المطربات آلات الطرب المعروفة 
للرجال فقط والمغنيات للنساء فقط . 

. ويشرب في بعض مجالسهم المسكرات‎ ]1١:[ 

[115] ويتغنون على آلة صغيرة شبيهة بالعود ويسمونها القبوس 
يرقص عليها شبانهم وشيوخهم . 

[73] وأغلب النساء بها وبمكة يتعاطون التنباك» كما وأنهن 
يأتلفن مع بعض دون الرجال» ولا يتبعن الجنائز. 

[117] وأغلب الأهالي فقراء ينتسبون إلى الطريقة الميرغانية 
وباقيهم مع أكثر أهل مكة وما حولها ينتسبون إلى الطريقة السنوسية» 
وأهل البلد منقسمون خمسة أقسام يتعصب بعض هذه الأقسام أحياناً 
على قسم اخر ويتضاربون بالنبابيت. 

[114] وفي يوم الخميس صر التنبيه على الشريف مُهنى المعين 

من طرف مولانا سعادة شريف مكة لإحضار الجمال اللازمة لمشال 
المحمل العضري ومن معه من جدة إلى مكة يآن يحضر تخو أربعماءة 
جمل بكرة يوم الجمعة. وفي يوم الجمعة انتظرنا حضور الجمال فلم 





6 
يحضر منها إلا البعض بعد الظهر والبعض الباقي حضر بكل مشقة بعد 
العصر بحيث إن .الشريف مهنى المذكور صار يرسل العساكر للقبض 
على جمال العربان بالقوة الجبرية» فكان أغلبها مهزولاً جداً من عدم 
القوت وألقت أحمالها أثناء الطريق وأتعبت ركابها من كثرة الحط 
والتحميل» ووجدت ثلاثة منها عند التحميل واقفة أمام حمل لبعض 
المستخدمين عاجزة عن حمله» فأخبرت بذلك مهنى المذكور ليحضر 
غيرهاء فأمر أحد أتباعه بالتوجه معي ليرى ذلك» فأبيتِ وزجرته أمام 
الأمير والحاضرين بكلام عنيف قائلاً له: ذهاب غيرك معي عدم اعتناء 
واحترام لمتوظفي الحكومة المصرية» وما كان ينبغي حضورك لهذه 
الخدمة الجليلة بهذه الصفة التي يعامل بها أتباعهم فإن ذلك يخل بمقام 
سعادة الشريف الذي وكلك براحة الركب المصري» وسنعرض ذلك 
على سعادته وولاة الأمر وما لنا بك حاجةء. فعند ذلك تنازل عن 
معرضه الأول واعتذر وأراد أن يتوجه معى بنفسه فأبيت أن أصحبه 
رمات مع ساحيا التتدل تنر:] الدكرءة القاايرية المصرة: 

وفى نصف الساعة الثانية عشرة من يوم الجمعة ثاني الحجة سار 
المحمل ومن معه قاصداً مكة المكرمة متجهاً إلى الشرق في طريق 
متسعء وجميع الأهالي على طرفي هذا الطريق خارجين عن البلد 
للتفرج على سير المحمل . 

[119] وفي الساعة الواحدة من يوم السبت مررنا بنخيل على 
اليسار»ء وبعد عشرة دقائق نزل المحمل ببلدة الحَدّة بالحاء والدال 
المشددة بجانب جامع له مأذنة ببقعة في وسط الوادي محدقة بها 


رحلة كوكب الحج 
الجبال من بعدء وفيها سوق للبطيخ والبلح والقاوون الذي يسمى 
عندهم بالخربز ومياه هذه البلد وسط نخيل عذبة باردة لا سيما وقت 
الظهر وهناك محل في وسط بستان من شجر الكادي الذكي الرائحة» 
وقد بلغت الحرارة 47 درجة سنتجراد مع استمرار الهواء تارة حاراً 
وأخرى رطباًء وهناك عشرون من العساكر الشاهانية''' مخيمون» ونحو 
ألف من الأهالي مقيمون في عشش صغيرة»؛ شيخهم الشريف مساعد. 
وقوتهم الذرة والدّخن والسمن» وحرفتهم تأجير جمالهم من جدة إلى 
مكة. وبعضهم أهل زراعة» وطريقتهم سنوسيةء ونساؤهم يسترود 
وجوههن ببراقع صغيرة سوداء وتلبس الواحدة منهن قميصاً أسود 
وتأتزر بإزار أسودء وقد أقمنا بهذه المحطة بقية اليوم . 





[570] وفي هذه المحطة حضر عندي صباحاً شاب محرم سنه 
نحو ١7‏ سنة وأخبرني أنه خرج من مصر مع حاج من الأغراب الذين 
معنا وأودع عند هذا الحاج أربع جنيهات وأنه فقده في هذه المحطة. 
فأرسلت من يأتي به فلم يقع له على أثر لا في الخيام ولا في السوق 
فتردد إلينا صاحب الوديعة مراراً باكياً حزينا على ماله طول يومهء ومن 
شدة الحر وانكشاف رأسه لأجل الإحرام اختل عقله» وعند قيام الركب 
وجدنا الذي عنده الوديعة واعتذر بأنه كان عند النهر لأجل غسل ثيابه 
ولم يمكني أخذ الوديعة منه وتسليمها لصاحبها لاختلال عقله» وما زال 
مختل العقل حتى خرجنا من مكة قاصدين المدينة فرأينا الذي عنده 


)010( أي العثمانية . 


الوفيغة:قاضذا الحديةة أنض] بؤناركا ضاتحبها بمكة عاريا من القبات وه 
العقل. فمنعته من السفر وقلت له: يجب عليك أن تعيد هذا المصاب 
إلى والدته بمصر فإنك تسببت في خروجه منها بإغوائك له» وأرسلته 
بكتاب إلى سعادة والي مكة ليرسله وصاحبه إلى جدة ثم منها إلى 
مصرء وقد حصل.». وسبب ذلك ظنه ضياع ماله من جهة ومن شدة 
حرارة الشمس اختلاله من الجهة الأخرى فإن حرارتها في تلك البقاع 
مشهورة حتى أن المرحوم إسماعيل باشا راتب لما حل بها قبلنا بشهر 
حم من شدة الحرّ فمات بعد دخوله مكة بيومين ‏ رحمه الله تعالى -. 

وفى الساعة الحادي عشر وثلاثون دقيقة سار الركب متجهاً إلى 

وفى الساعة التاسعة نزل الركب بالبقعة المجاورة للشيخ محمود 
ومن بعده الجرول». ثم باب مكة المكرمة وحواريها. 

وفي وقت الظهر دعاني سعادة أمير مكة الشريف عون الرفيق باشا 
وجهه سيما الشرف والشهامة وقد قلت فيه : 





نعم عون من الإله تجلى لأهالى الحجاز حيث أقاموا 
ْ الع فسا اء 0010 
هو يمن وحاتم ثم يسر ورفيق في حبه الكل هاموا' 


رحلة كوكب الحج 





- 3 


وفي يوم الاثنين جرى صرف أجرة الجمال من جدة إلى مكة 
للجمل ثلاثة ريالات إلا ربعاً وذلك لكثرة الحجاج في هذا العام وغلو 
الأثمان» وجرى صرف مرتبات التكية المصرية . 

[171] وقابلت سعادة المشير عثمان باشا نوري والي وقومندان'" 
عموم ولاية الحجاز وشيخ الحرم المكيى ‏ وهو مقيم بمكة ‏ فوجدته 
من أفضل الكبراء العظامء مهيباً عند الخاص والعامء ذا همة عالية 
وسطوة بادية يخشاه جميع أهل الحجازء مع أخلاقه الحميدة ومآثره 
العديدة التى منها إنشاؤه مكاناً لديوان متوظفى الحكومة الشاهانية 
وأحواضاً وصهاريج في الحارات لنفع الأهالي تأتي إليها المياه من قناة 
عين زبيدة» وها هو مجتهد في إجراء ما يلزم من التنظيمات ونشر 
المنافع العموميات». وقد قلت فيه : 


إن والي الحجاز عثمان نوري عمه الخير بالهنا والسرور 
زاده الله رفهة لم عز| ووقاه من العنا والشرور 

[5711] وفي يوم الثلاثاء كانت الحرارة صباحاً ”7 سنتجراد ثم 
صارت وقت العصر 77 سنتجرادء وفيه توجهت بعد الظهر إلى الوالي 
لقضاء بعض شؤون متعلقة بالوظيفة فرأيت اثنين من حجاج الأتراك 
الواردين من طريق المدينة يشكوان من الجمالة؛ فإنهم أتوا بهما مع 


ح- مرأة الحرمين» ‏ ذماً واسعاً لهذا الشريف المذكور. 
000( أي قائد. 





- ع6 
الواردين من المدينة لأداء الحج. ولما وصلوا بهما إلى ما بين رابغ 
ومكة انفردوا بهما وضربوهما وسلبوهما وتركوهما عاريين حافيين 
وشجوا رأس أحدهماء فما وصلا إلى مكة إلا بعد كل مشقةء ولما 
عرضا حالهما على سعادة الوالي تأسف عليهما ورفق بهما ووعدهما 
بالنظر في أمرهما بعد النزول من عرفات» ولم أعلم بعد ذلك ما تم في 
أمرهما فإن أغلب حجاج القوافل توجهوا في هذا اليوم إلى عرفات . 


وبعد أن صلى الإمام ظهر هذا اليوم ‏ الذي هو سابع الحجة سنة 
منه يبلغ» وبعد انتهاء الخطبة ألبس خلعة من طرف الشريف وأخرى من 
الوالي وشالاً من الشيخ الشيبي. ‏ .. 


[17] ومن العجائب أن رجاه المطاف صار حاراً جداً من شدة 
حرارة الشمس بحيث لا يمكنني أن أضع قدمي عليه ثانيتين مع أن 
أغلب الحجاج كانوا يمشون عليه بغير مبالاة رغبة في تادية الطواف. 
وعند إقامة الصلاة وقفوا عليه حفاة والشمس ساطعة على رؤسهم 
وصلوا بها كأنهم واقفون على أبسطة ومظللون بسقف حتى انتهت 
الصلاة . 


[5؟1] ومن ابتداء الصلاة إلى قرب إنتهائها كان الازدحام على 
الحجر الأسود لأجل تقبيله لا يوصف؛ فمن الناس من كان يدفع من 
حوله بالعنف بل وبالضرب وإن كان حرامًء ومنهم من يصعد على 
أعناق المزدحمين ليقبله ولا يبالون بما ينالهم من الأذى والمشقة. 


رحلة كوكب الحج 





4 م 
وكانت الأغرات تجتهد في منعهم عند إقامة الصلاة فلا يمكنهم لا 
بالزجر ولا بالرب» وقد كنت إذ ذاك واقفاً بجانب سعادة الوالي لأداء 
صلاة الظهر واستماع الخطبة في المحل المعد لشيخ المؤذنين فوق بثر 
زمزم . 00 

وفي يوم الخميس والساعة واحدة وربع ركب المحمل المصري 
من محله أمام التكية المصرية وشوارع مكة حتى وصل إلى منى فنزل 
فى آخرها والساعة الثالثة وخمس وأربعين دقيقة بجوار الخيمة المعدة 
لحلول سعادة الشريف عند نزوله من عرفات» وبعد نصف ساعة لحقة 
المحمل الشامي فنزل بالقرب منه أمام مسجد الخيف» ثم بعد ساعة قام 
المحمل المصريء» وفي الساعة السابعة وعشر دقائق نزل بعرفات أمام 
جبل الرحمة وكانت الحرارة 47 سنتجراد وانخفضت في المساء إلى 77 . 

وفي يوم الجمعة صباحاً كانت الحرارة ١‏ سنتجراد . 


[776] وبعد الزوال بساعة من هذا اليوم بلغت الحرارة 47 
سنتجراد» وقبل الغروب ساعة ونتصف منه ركب المحمل المصري 
ووقف بمحله المعتاد أسفل جبل الرحمة» ثم بعد ذلك بربع ساعة أتى 
المحمل الشامى فوقف عن يمينه وحولهما الأمراء والعساكر ونحو مائة 
وخمسين ألف إنسان بل أزيد يلبون ويبتهلون ويتضرعون مع البكاء 
والنحيب حتى غربت الشمس فأطلق ساروخ''' إعلاماً للحاضرين بتمام 
المناجاة» ولويت أعنة الجمال للنزول إلى منى . 


)١(‏ أي صاروخ. 


المختار من الرحلات الحجازية 





6 - 

73 وسار المحمل الشامي عن يسار المصري وهما يتبختران 
في موكب عظيم ومحفل جسيم بين طبل وزمر وموسيقى وسواريخ 
ومدافع وتهليل وتكبير وصلوات وتسليمات على طه البشير النذير حتى 
وصلا إلى المزدلفة في الساعة الثانية وخمس وعشرون دقيقة من الليل 
وبتنا جميعاً في غير خيام عطاشاً من إهمال الفراشين والسقائين 
الموظفين . 

وفي صبح يوم السبت مع طلوع الفجر أتى المحملان إلى المشعر 
الحرام للتلبية» والخطيب يخطب حتى أتم الخطبة - وكانت الساعة 
الحادي عشر وخمساً وعشرين دقيقة''؟ - واتجهت الأحمال إلى منى 
وسارت حتى نزلت بها والساعة واحدة وؤنصف». فدخل كل أحد إلى 
خيمته» وتوجهت إلى العقبة الأولى المشهورة بإبليس الأكبر فرميت 
سبع حصيات واحدة بعد واحدة مع التكبير من حصى المزدلفة . 

ثم عدت إلى خيمتي فحلقت ولبست ثيابي المعتادة وضحيت» 
وحصل تأخر من السقائين عن إحضار المياه للمتوظفين حتى انتصف 
النهار وذلك لبعد المياه من جهة ولإهمالهم من جهة حتى اشترى 
أغلب الناس مياهاً . 

وفي ثاني أيام العيد ‏ أعني يوم الأحد ١١‏ الحجة سنة ١٠١١5‏ 
كانت الحرارة عند الشروق 5١‏ سنتجراد»ء وفي الساعة الثانية عشر 
والنصف توجهت مع أمير الحج إلى خيمة سعادة الشريف لتهنئته بالعيد 


. أي بالتوقيت الغروبي العربي‎ )١( 


رحلة كوكب الحج 





7 م 
وبفرمان الولاية» وثلي أمامه هذا الفرمان بحضور والي الأقطار 
الحجازية سعادتلو عثمان باشا المشير وسعادتلو عمر باشا قومندان 
العساكر وعدة من الضباط والأمراء والشرفاء والعلماء وأمير وأمين 
الحج الشامي» وعلى الجميع ملابس التشريفات: والنياشين» ثم بعد 
التلاوة والدعاء لمولانا السلطان ووزرائه ولخذيو مصر وضع على 
سعادة الشريف خلعة شاهانية مزركشة» وشربوا الشربات وانصرفوا من 
عنده فرحين شاكرين. وتوجه كل من الذوات إلى الآخر في خيمته 
يهنيه بالعيد على حسب مراتبهم . 

وبعد العشاء ضربت المدافع والسواريخ من جهة الإمارة والولاية 
والمصري والشامي . 

[5717] وصارت لحوم الأضاحي ملقاة على الطرق مع اجتهاد 
مأموري الصحة في منع ذلك وطبعها للمنشورات وإعدادها عربانات”" 
لحمل القذارات أولاً فأولاً لكن لم يتيسر ذلك . 

وقد بلغني أن رجلين وامرأة حاملاً ماتوا بعد مغرب هذا اليوم في 
المطاف تحت أرجل الناس من شدة الازدحام» وخرجت أمعاؤهم 
وانتشرت دماؤهم . 

وفي يوم السبت ١7‏ الحجة توجهت إلى سعادة الشريف فوجدته 
جالساً على كرسي بين اثنين من أعيان مكة في محل سماوي في الدور 


000 أي عربات . 


المختار من الرحلات الحجازية 





6 - 


الثاني طوله ١8‏ متراً وعرضه 8 أمتار وفيه شبابيك مطلة على حوش 


[174] وفي نصف الساعة الرابعة حضرت آلات الطرب ‏ أي 
الموسيقى - بأيدي عشرة أشخاص قد أحضرهم من مصرء فوقفوا أمام 
سعادة الشريف حذاء الحائط بحيث كانت المسافة بيئه وبينهم أربعة 
أمتارء ثم أتى الفرايحية وهم من مصر - أيضاً - عددهم خمسة من 
الزمارة والطبالة وصار كل من هؤلاء المطربين يلحنون ويزمرون 
بالنوبة» وصار الجليس لا يمكنه سماع كلام جليسه من ارتفاع أصوات 
هذه الالات المطربات والزمرء وتضايق المكان بمن حضر. 


وفى نصف الساعة الخامسة أمروا جميعاً بالانصراف» وعاينت فى 
ليلة أخرى بعد العشاء الآلاتية والفرايحية والنقرزانية يضربون سوية أمام 
منزل سعادته . 


وفي يوم الثلاثاء ٠١‏ الحجة وفي الثامنة منه توجهت مع الأمير إلى 
منزل سعادة الشريف لنحضر المجلس المنعقد في شأن تعيين الطريق 
التي تمر المحامل منها كما هو العادة في كل عام» وكان هذا المجلس 
مشتملاً على سعادة الوالي وبعض من الضباطء وعلى أمير الحج 
الشامي وأمين صرتهء واستقرت الآراء على المرور من الطريق الشرقي 
والسير في التاسع والعشرين من الشهرء فسّقى الحاضرون ماء مثلجاً 
بواسطة آلة"فتاعظة:فيها: مظن كتريتيف:: ‏ وعتد الخروي. أحضر لهم 


رحلة كوكب الحج 





الطعام فتناولوه مع ترنم الموسيقى والمزمار أمام منزل سعادة الشريف » 
بكل نغم لطيف. وسقوا بعد الطعام الشربات على استماع الألات من 


وبعد صلاة المغرب استأذن في الانصراف بعض هؤلاء الحضورء 
وبعضهم أقام ليستكمل حظه من هذا السرور. 

[579] وفي يوم الثلاثاء 17 منه توجهت صباحاً إلى سعادة 
الشريف فوجدته جالساً في روشن لمحل الدور الأول يقضي حوائج 
العربان وغيرهم ويسعى في مصالحهم» ومنهم من يقبل يده ولا يتركها 
ما دام يشكو حاله إليه.؛ والاخر يكلم سعادته بصوت عال» واخرون 
يعرضون شؤونهم معاً في آن واحد بأصوات مرتفعة» وآخر يحكي له 
حكاية طويلة مع هزه لركبته لظنه أنه لا يصغي إليه إلا بذلك» هذا كله 
وهو يحكم عليهم مع الرزانة والحكم بينهم بالعدل2'0 مع البشاشة التي 
هي شيمته» وعنده الفقير والغنى سيان» ويدعونه سيد الجميع» ومنهم 
من يقبل ركبته ومن يقبل يده على حسب مراتبهم . 


نبذة تتعلق بمكة وسكانها 


اعلم أن مكة يقطع الماشي طولها في نحو نصف ساعة وأن 
عرضها أقل من طولها. 


)١(‏ ذكرت قبل ذلك أن طرفاً من سوء سيرته وظلمه سيأتي في بعض الرحلات 
القادمة . 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 60 
[770] سكانها أخلاط من الجاوا والهنود والمصريين والأتراك 
والتكارنة وأهل اليمن والعربان» وأن الأقوات والتجارات تأتي إليهم 
من الخارج وليس هناك ما يتجرون فيه إلا ماء زمزم والحناء والأراك 
الذي يستعمل في السواك . 


711 ] ومنهم من يخرج ماله بالربح بأن يعطي عشرة دراك سندآ 
باثني عشر أو أكثر”'“ واكتسابهم من الحجاج وخصوصاً من الجاوا 
لغناهم وتدينهم» وأغلب سكانها ما بين مطوف وسقاء وبناء ونجار. 


إلى النزهة بالطائف وبالسيدة ميمونة (في ١١‏ صفر) وبالزهراءء 
الزواج»ء وفي رجب يسافرون للزيارة بالمدينة وفي هذه الأشياء 
يصرفون كل ما اكتسبوه فى سائر عامهم. ومنهم من يحفظ شيئا من هذا 
الجاوا ليتعارفوا مع من يريد الحج في العام الأتي» فهم بهذه الأسباب 
على الدوام فقراء ترتكبهم الديون. ولولا وجود عين زبيدذة عندهم 
لهلكوا عطشاً. 

[77] واعلم أن سكان هذه الولاية”"' قبائل متنوعة» وعامة هذه 


القبائل تسمى بنى حرب »© وهم بمنزلة قبيلة واحدة ‏ ما عدا الحوازم - 


. وهذا عين الرباء والعياذ بالله‎ )1١( 
أي ولاية الحجاز.‎ )0( 


رحلة كوكب الحج 





ولجميعهم مرتبات وعوائد من الدولة العلية ومصر تصل إل في كل 
وء] )١(,‏ 
عام مع المَحْمَلين0 . 

[:77] وأما من حيث طبائع ومعايش ومذاهب هذه القبائل فمنهم 
من يسكنون بيوتأ كالعشش يسمونها بلدة» ولهم زروع ونخيل» ومنهم 
من يسكنون بيوتاً من الخيش ويتخذون الجمال والغنم للتعيش منها. 

[775] ويصاهر بعضهم بعضاً برضا والد الزوجة أو غيره من 
أوليائها عند عدم وجوده بدون استشارة المتزوجة في ذلك وبدون أن 
تخرج من بيتها . 

[153] ولا يشربون الخمر وإنما يشرب الرجل منهم قهوة البن 
والدخان دون الإناث . 

[/57] ولهم مساجد وفقهاء يعلمون أولادهم الكتابة وقراءة 
القرآن العظيم» ولا يجتمعون للذكره وطريقتهم سنوسية . 
< ظ [7"] ويعملون في أفراحهم الولائم. ولا يختلط الرجال منهم 
بالنساء» ويزفون عرائسهم بالجواري السود ليلاً إلى بيت الزوج من غير 
أن يبصرها الرجال» وهذله هى العادة عند الأحامدة. وما عداهم من 
القبائل لا حرج عندهم في اختلاط النساء بالرجال إلا أن جميعهم 
يذبحون كلا من الزاني والزانية . 


ولا تخرج نساؤهم لتشييع الجنائزء ويتصدقون على قدر حالهم 


. أي المحمل المصري والشامي‎ )١( 





ويضعون الولائم في الأعراس مع الطبول. 

الحنطة مع القلة. وذبائحهم من الجمال والأغنام. ولا يوجد عندهم 
بقر ولا جاموس ولا دجاج رومي بل قليل من الدجاج البلدي» ولا 
يأكلون الخضارات لاعتقادهم أنها تسبب رخاوة الأجسام . 

[771] ومتى تشاجر أحد من قبيلة - ولو طفلاً ‏ مع أحد من قبيلة 
أخرى واستغاث أحدهما بقبيلته قامت الحرب بين القبيلتين بدون 
استشارة رئيس». ولا يتكفون عن ذلك إلا مدة الليل» ومتى جاء النهار 

وفي يوم السبت أول المحرم سنة ١7١7‏ (4 أكتوبر سنة 80) 
كانت الحرارة عند الشروق ١9‏ سنتجرادء» وركب المحمل من باب علي 
والساعة الثانية» وكان سعادة الوالى في انتظار أمام منزله فلما دنا منه 
أخذ زمام الجمل فدار بالموكب ثلاث دورات أمام المنزل ثم سلم 
الزمام» فسار المحمل إلى أن وصل أمام خيمة الأمير خارجاً عن الشيخ 
محمود فنزل هناك للمبيت» وعدت إلى مكة لطواف الوداع ووداع كل 
من سعادة الشريف والوالي وبتنا مع المحمل. وفي هذا اليوم قام 
الشامى”'' إلى المدينة» وكان سبق التنبه في يوم الجمعة على المقومين 
بإحضار الجمال اللازمة» وكان الهواء معتدلاً بتلك البقعة» وبلغت 


. أي المحمل الشامي‎ )١( 


رحلة كوكب الحج 





-9 


الحرارة قبيل الشروق ١0‏ سنتجراد. وفي صباح يوم الأحد لم يكن عدد 
الجمال المطلوبة تم بالنظر لكثرة الحجاج وتوجه القوافل وعدم تعود 
المقومين على مشال المحمل» مع أنا صرفنا لهم نصف الأجرة مقدماً 
على حسب شروطهمء ومع هذا انتظرنا تمام الجمال إلى الساعة 
خمسة؛ وسار الركب إلى جهة الشمال الغربي في طريق العمرة . 


[540] وفي يوم الأآثنين ” منهء من الساعة الواحدة وخمس 
وأربعين دقيقة سار مُبْحرا"'' مشرقاء وفي الساعة التاسعة وخمس 
وأربعين دقيقة شرع في وادي الليمون عن يسار أرض مرتفة محاطة 
بسور ذي حجارة مرصوصة ارتفاعه نحو مترين متسعة فيها نخيل 
وأشجار وبيوت مبنية فى سفل الجبل» وعن يمينه في أسفل الجبل 
بعض نخيل وهناك يباع النازنج والليمون والفجل والفقوس وغير 
ذلك». وعن يساره جنات ممتدات على الطريق فيها أشجار ليمون 
كثيرة» وكذا تين شوكي تنصب إليها المياه من جبل بعيد وتجري في 
وسطها فكأنها روضة من الجنة . 

وفي الساعة العاشرة والربع اتجه شمالياً ومرّ على قناة كبيرة ماؤها 
جار إلى جنان وهو عذب جداً» وبعد خمسمائة متر اتجه إلى الشرق» 
وبعد ألف متر انتهى الزرع ومرّ على ماء منصب من الجبل يمينا إلى 
قناة مبنية» ثم منها إلى الأرض ليدخل في الجنان» ثم يجري إلى مسافة 
بعيدة» ونزل الركب بوادي الليمون قريباً من هذه العين في الساعة 


)١(‏ أي إلى جهة البحر. 


المختار من الرحلات الحجازية 





العاشرة وأربعين دقيقة في مكان متسع مرتفع. عنذه سوق فيها يباع 
وفي يوم الثلاثاء كانت الحرارة عند الشروق 5 ؟ سنتجراد. وبعدل 
الساعة الواحدة وخمس وأربعين دقيقة سار الركب مشرقاً مبحراً في 
وفى الساعة العاشرة والثلث نزل الركب للمبيت . 
وفي يوم الأربعاء 5 محرم الساعة الثانية عشر والنصف سار مبحراً 
وكانت الحرارة "١‏ درجة والبرد شديد. 
أرض الحفائر بين الجبال ليأخذ منها المياه إلى المحطة التي تليها لعدم 
وجود ماء فيهاء وأما هذه الأرض فبمجرد حفرها قليلاً ينبع منها الماء . 
وعربان هذه الجهة لا تؤمن. 
وفي يوم الخميس السادس منه الساعة الثانية عشرة والثلث سارء 
وفي يوم الجمعة بعد الساعة الثانية عسرة سار والجو بارد 
والحرارة /ا١‏ سنتجراد» فشرق مغرّباً نحو نصف دائرة» ثم اعتدل 


مبحراًء وبعد اثنى عشر دقيقة أشرقت الشمس واتجه إلى الشمال» إلى 
محطة «حاذا» فنزل بها الركب بعد الساعة الثانية وخمس وأربعين دقيقة 


رحلة كوكب الحج 





مياهها عذبة» وهناك جبل فى أعلاه بناء شبيه بالمرقب» أي المنظرة . 
وفي يوم السبت قبل الشروق كانت الحرارة /ا١‏ سنتجراد. وفي 
نهاية الساعة الأولى سار فى أرضص خصبة جيدة للزراعة» وبعد الساعة 
الثانية عشر والثلث نزل للمبيت بواد متسع ذي أرض صلبة . 
وفى يوم الأحد العاشر من محرم سنة ١١٠٠١7‏ سار بعل الساعة 
العاشرة. وكانت الحرارة 55 درجة» ثم انخفضت بعد الساعة الثانية 
عشرة إلى ١9‏ درجةء واتجه من الشمال إلى الشمال الغربى فى فلاة 


131 | وكانت مسافة السير نحو 1٠٠٠‏ متر فى الساعة. 
بجوار نخيل وابار عذبة الماء ومزارع وعشش وسوق معد للبيع 
والشراء. 

وفي يوم الأثنين الحادي عشر منه سار الساعة الثانية عشرة والربع 
والحرارة /ا١‏ سنتجراد متجهاً إلى الشمال الغربى . 

[5557] وبعد الساعة العاشرة وخمسين دقيقة نزل للراضة» وبعد 
الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق سار. 

[143] وبعد الساعة الثانية والثلث نزل الركب فى أرض متسعة 
بها على يسير من البعد جبال ولا ماء بها تسمى أرض السويرجية وقد 


المختار من الرحلات الحجازية 





ناله تعب شديد من العربان الجمالة لهزال جمالهم من قلة العلف 
وفقدهم الحبال الكافية لشد الأحمال» ومن كون العشرة من الجمال بل 
والأزيد ليس لها إلا جمال واحد يتعسر عليه تحميلها وحده؛ فأصحاب 
الأحمال من عساكر وفراشين يحملون جمالهم بأنفسهم وجمال سائر 
المتوظفين ولولاهم لكان المتوظفون يحملون جمالهم بأيديهم؛ ومع 
هذا يغضب الجمال من أدنى شيء ويسل سيفه على الخدمة فيجتمعون 
عليه ويأخذون منه السيف قهراً ويأتوني به فكنت إطفاء للفتنة 
أسترضيهم للاحتياج إلى أباعيرهم التي لا وجود لغيرها في هذه 
الأراضي المنقطعة عملاً بقول بعض البلغاء: «دارهم ما دمت في 
دارعع» :وارضهم ماندمت:في أرضهم؛»: ولم يمريو إلا وترفع إلي 
منهم شكوى على أدنى سبب» ومتى أراد أحد من الخدمة الركوب على 
الجمل الذي عليه متاع قليل تشاجر معه الجمال ومنعه من الركوب. 
وركب هو وترك هذا الخدام ماشيأًء ويقول الجمال إن الجمل جملي 
وأنا أحق بأن أركب على المتاع من الخدام. ولم يرض الجمالون 
بركوب الخدامين إلا بشق الأنفس وبشرط أن يتناوبوا معهم في 
الركوب» وما زالوا ينغصون على الراكب والماشي فلا يبلغ أحد من 
الحجاج إربه منهم إلا بعد كل مشقة ومع الانقياد لأغراضهم الفظيعة» 
فيندم الحاج على السفر للحج الذي أحوجه إليهم؛ فكلهم جاعة حفاة 
عراة ليس عليهم ثياب إلا القمص الرثة والإكمار والأردية الحمرء 
وترى الأمراء منهم يتجملون إذا دخلوا البلدان بأفخر الملبوس من 
مقصب ومزركش وحريرء وفي الطريق تراه صعلوكا حافياً أسوأ حالاً 


رحلة كوكب الحج 





-© 


من الفقراء. وما منهم إلا من معه سلاح من سيف أو خنجر أو طبنجات 
ليخيفوا بذلك الركاب ويثبوا على الضعيف ووب الكلاب» وعندهم 
السرقة شطارة والخيانة إمارة» قاتلهم الله أنّى يؤفكون. 

وفي يوم الغلاثاء ١”‏ مجرم سنة ١١١7‏ سار الركب بعل الساعة 
الثانية وأربعين دقيقة والحرارة ١9‏ سنتجراد في واد متسع . 


وبعد الساعة السابعة نزل الركب للاستراحة بجوار فحائر ماؤها 
عذب والحرارة 55 سنتجراد. وبعلد الساعة السابعة وخمسين دقيقة 


سار» وبعد الساعة الثامنة وتسع دقائق مرّ في محجر يسير. 


[:14] وبعد عشر دقائق هاج الجمالة والعساكر وشاع في الركب 
أن العربان نزلت من الجبال على أواخر الحجاج فنهبوا جملاً وقتلوا 
مقوماً وعسكرياً فتقهقر أحد المدافعين إلى وراءء ثم انكشف عن أن 
الشريف الذي ندبه سعادة شريف مكة ليحمينا ويمنعنا من إيذا العريان 
إلى أن نصل المدينة بقى جالساً بجانب إحدى الحفائر حتى سار الركب 
وغاب عن العيون. فنزلت عليه العربان من الجبل المجاور لهذه 
الحفائر ‏ الذين من دأبهم اتباع القوافل والمحامل في الخفية مدة خمسة 
ماتت ليسلخوا جلودها ‏ وحالاً أطلقوا الرصاص على هجين لهذا 
الشريف فقتلوها وسلبوا أخرى مع حملهاء ففر إلى جهة الركب على 
هجين أخرى وتلاحق به أتباعه وعدوا السلامة غنيمة فحمدوا الله على 
نجاتهم . وحكوا ما جرى لهم مع أن وظيفة هذا الشريف هي حفظ 


المختار من الرحللات الحجازية 





الركب من هؤلاء الأعراب وحراسته من هذه الذئاب . 


زلط كبير كثير . 
الكثيرة الحجارة أسفل جبل بعيد عن الآبار بربع ساعة . 

وفي يوم الأربعاء ١7‏ منه سار الساعة الثانية عشرة وخمسين دقيقة 
مبحراً. 

وبعد الساعة العاشرة والنصف نزل للفينية عن يسار وتلال 
بمحطة «غرابة» في واد متسع مجرد عن المياه. ومياه هذه الطريق باردة 
كلها تحمل الشارب على تناول مقدار كبير منها لاحتوائها على أملاح 
عاوية #الضواذا وكترهات الباركاك. وه (رجة وله تردي السابون جا 
عدا مياه وادي الليمون ومياه الحجرية . 

وبعد الساعة التاسعة والنصف من الليل سارء وبعد الساعة 
الواحدة وأربعين دقيقة نزل للمبيت بمحطة «الغدير) بواد متسع بين 
جبالء وهناك على بعد ستة دقائق”'' بركة من ماء المطر فى سفل جبل 
من الصخر طولها مائة متر وعرضها عشرة أمتار تمتلىء من قناة بين 
جبلين ماؤها عذب يرغي الصابون. 


وفي يوم الجمعة ١٠‏ محرم بعل الساعة الواحدة وخمس دقائق 


60 كذا وردت » والقياس : سيلا . 


رحلة كوكب الحج 





اتجه بين الغربي والقبلي الغربي» وبعد الساعة العاشرة والثلث إلى 
القبلي الغربي عن يمين جبال بعيدة» وظهرت لنا قبة الحرم النبوي 
ومناراته» وبعد الساعة الحادية عشرة وثمان عشرة دقيقة سار بين تلال» 
وبعد ربع ساعة بين جبل أحد عن اليمين وجبل صغير عن اليسار» وبعد 
الساعة الثانية عشرة وعشر دقائق مر على عدة أبار متجهاً إلى الجنوب 
الغربي» وبعد خمس دقائق نزل للمبيت بعيداً عن مسجد سيدنا حمزة . 


[145] وفي يوم السبت الساعة الواحدة والثلث وصل إلى قريب 
منهء ثم انعطف إلى اليسار حتى بلغ أمام باب المدينة المسمى بالعنبرية 
الساعة الثالثة» والربع» ونزل بمكانه المعتاد والعساكر الشاهانية"' 
مصطفة على جانبي الطريق خارج الباب لاستقبال المحمل وموسيقاها 
تتغنى بكل الألحان والأنغام فرحاً بالوصول إلى أرفع مقام . 


وفي صبيحة يوم الأحد الساعة الثانية دخل المحمل المدينة النبوية 
من باب العنبرية محاطاً بالخيالة» وأمامه العساكر الشاهانية وعساكر 
المحمل وموسيقاها في غاية الانتظام» وأهل المدينة فرحون بذلك 
ومسرورون السرور التام»ء والمحمل يتبختر تبختر العروس فيشرح 
بمرآه الصدور ويسر النفوس» حتى وصل المناخة كما هي عادته في كل 
عام» فأطلق أحد عشر مدفعاً للسلام» وعند دخوله من الباب المصري 
ترجل كل راكب إجلالاً وقام كل قاعد. ومرّ في شارع المديئة والبخور 
أمامه صاعد حتى وصل إلى باب السلام» فاستلم شيخ الحرم سعادة 


)١(‏ أي العساكر العثمانية. 


المختار من الرحلات الحجازية 








عادل باشا من المحاملي الزمام وأناخه أمام العتبة التي تحيًّا بالقبّل» 
فرفع المحمل من على الجمل» وأدخل الحرم الشريف إلى محله 
المعتاد في كل عامء فرفع عنه متوظفوه كسوته وحملوها وعليهم 
الجبب البيض والعمائم مع غاية التأدب والاحتشام حتى أدخلوها 
حجرة المصطفى''' فتكاملت لهم بزيارة قبره ‏ عليه الصلاة والسلام - 
المسرة وعمهم الصفاء وخرجوا بعد زيارة سيد الأنام حامدين شاكرين 
للملك العلام على ما منْ عليهم به من جزيل هذا الإنعام . 

وفي يوم الأثنين والثلاثاء جرى صرف المرتبات بتكية المدينة. 
وهي مجاورة لباب العنبرية عن يسار الداخل من هذا الباب . 

[145] وبلغني أن المتوجهين من مكة إلى المدينة مع جَمّالة 
الحوازم والأحامدة بلغهم لما وصلوا إلى وادي فاطمة أن الطريق 
بالأشقياء من العربان مقطوعء فأرادوا إلى مكة الرجوعء فمنعهم 
المقومون وخيلوا لهم أن الأمر بخلاف ما يظنون» وأشاعوا أن الطريق 
قد سلكت وأن العربان قد اصطلحت». وخدعوهم بهذا المقال لثلا 
يطالبوهم متى رجعوا بما دفعوه إليهم مقدماً من أجر الجمال فتخيب 
آمالهم وتتعطل عن المكاسب جمالهم» ولما اطمأن الركاب إلى هذه 
الأقاويل» ساروا حتى وصلوا إلى وادي فاطمة. وأوقعهم الحصر بين 
هاتيك الجبال في مخالب الأمة الظالمة تواترت الأخبار بأن الطريق 


)١(‏ لا أرى وجهاً شرعياً لصنيعهم هذاء فهم يدخلون الحجرة ليضعوا فيها قماشاً 
بالآثار النبوية خاصة كما تبرك الصحابة ‏ رضي الله عنهم ‏ بهاء والله أعلم . 


رحلة كوكب الحج 





م 
قطعة الشيخ محسن. وأن التأخر والتقدم صار غير ممكن. فعند ذلك 
تشوشت من الركب الأفكارء وتوقعوا حلول الأخطارء وودوا لو 
أمكنهم الفرار من هؤلاء الفجار ‏ ولو مع سلب أحمالهم. ونهب سائر 
أموالهم - ولم يجدوا من يخاطبونه في هذا الشأن من هؤلاء اللثام؛ 
ومكثوا على هذه الحالة ثلاثة أيام ثم سمحوا لهم بالمرور بشرط أخل 
ريال عن كل جمل مما معهم من الجمال. وكانت هذه الجمال غير 
يسيرة فتحضلوا بذلك على أموال كثيرة» وكذا حصل منهم عند 
الوصول إلى عَسّْفان إلا أنهم لم يأخذوا عن الجمل الواحد إلا نصف 
ريال في هذا المكان وقد غصبوا فضلاً عن ذلك من الأغنياء الذين في 
الركب نحو ستمائة ريال مع ما كانوا فيه من الرعب وتشتت الأحمال» 
وفقدهم لغالب أمتعتهم وتأخرهم نحو أربعة أيام عن المواقيت» 
وإتلاف الأنفس. وتحكم الجمالة» وسلب الذخائرء وتطاول هؤلاء 
السفلة على من في الركب من الأكابر الذين وقعوا تحت أسر هؤلاء 
العربان بل الغربان» وبعد الوصول إلى المدينة شاع هناك هذا الخبرء 
فكم كتبوا فى شأن ذلك من محضر وما أفاد ولا أثمر. - 


[157] وقد بلغني أنه قبل الحج حضر من الآستانة مفتش عن 
أحوال العساكر والأهالي بمكة والمدينة» ومعه ماهيات العساكر ثلاثة 
أشهرء وصرف لعساكر مكة. وتوجه إلى المدينة من الطريق الشرقي 
ويصحبته أربعة من العساكرء فسلبوا منه ماهيات عساكر المدينة 
بالطريق» ثم عاد من المدينة مع القافلة المتجهة إلى مكة للحج» وقبل 
وصوله إليها بمرحلتين تباعد عن خيمته لإزالة ضرورة قبل العشاء فوقع 


المختار من الرحلات الحجازية 








ميتاً برصاصة ولم يعلم قاتله. فاتهموا مَن معه من العساكر وسجنوهم 


[554] وأما أهل المدينة فهم الأخيارء وأهل الانكسار» وناهيك 
بتلك المنقبة التى هي بهم خاصة . 


[154] ومن العوائد الجارية عندهم في الضيافات والولائم أن 
الضيف يعرف مجلسه المختص به على حسب مقامه المعلوم ورتبته 
فلكل قاعة ليونان2'0 يجلس الضيف في ركن أحدهما أو صدره على 
حبس خلال :ريك ولافة اتدريه بولا بحاي لضف إلى لذلا 
والتعريف؛ حيث إن ذلك بينهم معلوم لدى أهل الخصوص والعموم . 


[5690] وفى المدينة الخضارات والفواكه اللذيذة جناهاء وأنواع 
التمر التي لا توجد في بلد سواها. 


وفي يوم الأحد 15 في الساعة الثالثة أخرج المحمل من الحجرة 
النبوية حتى أتى العنبرية وحضر أهل المدينة ليلا إلى الخيام للتفرج 
على الشّك”'؟ والصواريخ» فشربوا الشربات» ثم عادوا ممنونين 
متشكرين للحضرة الخديوية المصرية . 


وفى يوم الاثنين 6 منه كانت الحرارة صباحاً 717 سنتجراد» وفى 
الزوال ستتجراد» وفى الساعة التاسعة ركب المحمل وسار محفولاً 


)01 لم أقف على معناهاء وإن كان السياق واضحاً. 
(؟) هي ألعاب نارية. 


رحلة كوكب الحج 





' بعساكره ماراً أمام باب العنبرية والعساكر الشاهانية مصطفة على 
الجانبين تشريفاً لقيامه. والموسيقا تضرب بالألحان المطربة إلى أن 
انعطف على اليمين عن يسار سور المدينة في طريق صبخة غير صالحة 
للزراعة» وفي الساعة العاشرة وصل إلى بئر رومة أي بئر سيدنا عثمان - 
رضوان الله عليه وعلى الصحابة أجمعين - التي وقفها صدقة على 
المسلمين فنزل هناك للمبيت» وماء هذه البئر عذب جداًء والأراضي 
المجاورة لها مزروعة. 


وفي يوم الثلاثاء 17 منه سار صباحاً بعد الساعة الواحدة والربع 
وكانت الحرارة ١/8‏ درجة متجهاً إلى الشمال الغربى. 

561 ]نويحة السسافنة الواجنة فول اركب البية بسح 
«الضعيني» بجوار بئر مالح. فبلغني من شخص يسمى أحمد ناجي من 
تجار خان الخليلي صحبنا من المدينة ليتوجه من هذه المحطة إلى ينبع 
مع اثنين من العرب كان استأجرهما من ينبع ليحضرانه إلى المدينة 
ليزور ثم يوصلانه"'' إلى ينبع ثانيآ وأخذ منها الضمانات على ذلك؛ 
لأنه قد كان توجه في ا محرم من مكة إلى جدة مع قافلة من الجاوا 
وغيرهم تحتوي على مائتي جمل ومعها نحو خمسون نفراً من العساكر 
خوفا من العربان» فلما وصلوا لجدة بلغهم أن العربان هجموا فى الليلة 
الماضية على قافلة قريباً من بحرة فنهبت منها نحو عشرين جملا وقتلت 
منها شخصين» فلم يصدهم هذا القول وتقدموا بالنظر لوجود العساكر 


)003 كذا وردتاء والصحيح : ليحضراه» ويوصلاه. 


المختار من الرحلات الحجازية 








6 
معهم ولكثرتهم. ولما أتوا بحرة لم يجدوا بها أحداً من العربان فجدّوا 
في المسير حتى صاروا بين بحرة وقهوة العبد في الساعة الثالثئة من 
الليل فلم يشعروا إلا والعربان قد هجمت على مقدم القافلة بالويل. 
وارتفع من القافلة الضجيج» وصارت الجمالة يدافعون النهابة بالعصي 
والسكاكين» ولولا العساكر وإطلاقهم السلاح الناري منعاً لهم من 
التقدم إلى الركب لأتوا على سائر القافلة بالقتل والنهب» وصار هؤلاء 
اللصوص يطلقون على العساكر أسلحة نارية ليمنعوهم من التقدم إليهم 
ليتمكنوا من توزيع ما نهبوه من الجمال والأحمال فوق رؤوس هاتيك 
الجبال» ثم انصرفوا عن القافلة المنهوبة بعد حوزهم الأموال 
المسلوبة» فانكشف الغبار عن ثمانية من الحجاج ومثلهم من الجمالة 

مقتولين سوى من وجد بعد هذه المعركة من المجروحين . 

[101] وقد قطع الأشقياء التلغراف الموصل من جدة إلى مكة 
لقصد الفساد. ومكث من كان في القافلة بجدة بعد وصولهم إليها نحو 
عشرة أيام حتى جاء وابور وحملهم إلى ينبع وأنزلهم بها ليكمل هناك 
حمولته. 

[7067] وكان فيها وابورات متعددة» ومن متأخري الحجاج نحو 
ثلاثة آلاف منعهم من ركوبها غلو الأجرة وعدم المقدرة؛ فقد ارتفعت 
أجرة الشخص الواحد من جدة إلى السويس فبلغت ثلاثة جنيهات 
رصنا يود أن كانت نمطة لونتاكافن اموس إلى عند ةو ولا قنك أن 
هذا من الظلم الذي تجاوز في الأذى حدهء فحصل لهم عطل كثير؛ 
وضرر من التأخر كبير» وكاد أغلبهم من المشقة يموت» وباعوا أمتعهم 


رحلة كوكب الحج 








لأجل القوت متنتظرين أن يرحمهم قابودانات الوابورات”'2 ولا يأخذوا 
منهم في مقابلة الأجرة هذا المبلغ الكبير الذي كان طلبه منهم سبباً في 
التأخير . 

[501] وقد تيسر لي العودة إلى جدة ومكة سنة ١107‏ وسألت 
عن هذا الخبر فقيل: إن العربان قد سطوا على قافلة بالقرب من بحرة 
فأرسل من مكة عساكر لتأديبهم وتشتيتهم فاقتفوا أثر هؤلاء الأشرار. 
وأسقوهم كؤوس الدمارء وأتوا برأسي اثنين منهم إلى مكة عبرة 

وفي يوم الأربعاء لا" منه سبار الركب بعل الساعة الواحدة من 
النهار. 

وبعد الساعة التاسعة وخمس وأربعين دقيقة نزل بمحطة «الملليح» 
في بقعة متسعة سهلة فيها فحائر عذبة الماء عمقها عن سطح الأرض 
نحو مترين . 

[545] وعند غروب شمس هذا اليوم شكا حريمي مغصاً شديداً 
فسهرت معها طول ليلي في معالجتها. ظ 

وفي يوم الخميس 78 محرم الساعة الثانية عشرد سار الركب». 
تعب » ولم يتأت لنا المكث لمسير الركب. 


)١(‏ أي قائدوا البواخر. 





6 - 


ولم أزل أتردد على حريمي لأنظر في حالها وما يلزم لصحتها من 
العلاج . 


وبت طول الليل متكدراً مشغولاً بأمر حرمتي؛ وبعد السابعة 
والنصف توفاها الله إلى رحمته» ونقلها إلى فسيح جنته» وقد كانت - 
أفاض الله عليها سجال الرضوان وعاملها بالإحسان وكساها حلل 
الغفران ‏ تقية صالحة محسنة عشنا معاً في أرغد عيشاً نحو أربع 
وثلاثين سنة» وبعد تجهيزها والصلاة عليها وضعت في صندوق صنع 
لها في الحال» وسيّر نعشها إلى المدينة الشريفة على بعض الجمال مع 
خمسة من العربان والخدام للدفن هناك في البقيع الذي دفنها به كان لها 
غاية المرام فإنها وصلت إلى المدينة يوم السبت بعد العصر الذي هو 
ثاني يوم وفاتها. 

ومن فوط حزني على فقدها وأسفي على بعدها نظمت أثناء 


الطريق بعضا من الأببات: غلن سيا +الرثاء ليا .واللتحسر على :ما فزخ 
حسن عشرتها فات» فمن ذلك قولى وكان اسمها ألفاء رحمة الله عليها 


وعلى والديها: 
فيا ألفا التى حجت وزارت رقيت لغاية الدرج الرفيع 


ويا مولاي جد بالعود حتى أزور ضريح من كانت ضجيعي 


رحلة كوكب الحج 


-© 





غيره : 
الوجد يزداد يا ألفا بذكراك 
لولاك ما ناح جفني اليوم لولاك 
فارقت دار الفناء في عفة وتقى 
وارحمتاه لقلبي ليس يسلاك 
أبكي عليك بكاء ليس أقطعه 
مادمت حياً أعز الله مثواك 
قد فزت بالدفن في أرض البقيع كما 
قد حزت عفواً من الرحمن مولاك”"' 
[157] وفي يوم السبت السابع منه وبعد الساعة السابعة وأربعين 
دقيقة نزل بجوار مينة الوجهء وكان بها الوابور المسمى بالمنصورة 
منتظر الركب ليوصله إلى السويس.». وهذه المينة المذكورة عبارة عن 
سوق مستطيلة على يسارها دكاكين وقهاوي على البحر. 
وعدد الأهالي نحو ألف نفس من القصير وينبع والوجه والصعيد. 
وبها مُحافظ» وبها من الصهاريج خمسة يملؤها السيل يحمل الماء منها 
إلى محطة ضبا وإلى القصير. 


[لاه"|ا وفي صباح يوم الأحد تو جهت مع الأمير إلى وأبور 


)١(‏ هذا على سبيل الرجاء لا على سبيل القطع؛ فإنه لا يجوز. 


المنصورة لرؤية أماكنه وترتيبها للمتوظفين على حسب درجاتهم. 
وعندما عدنا وجدنا شاباً من الحجاج السائرين صحبة المحمل قتل 
5 و 1 
ملوث بدم القتيل» ومعه سكين ماضية ملوثة بالدم أيضاء فكتب بذلك 
محضراً بعد إقرار القتلء» وتحفظ على القاتل حتى يصير تسليمه إلى 





وأصل هذا القاتل مسيحي من أقباط مصر اسمه بخوم مخائيل 
وسنه نحو اثنين وعشرين سنة» وعلى ما قيل أسلم وخرج للحج خادماً 
لإحدى المحَدَّات المشهورات تعر وتنوى بأحمة. امي وكان مع 
هذه الست بنتاها وجاريتها ووكيلها وولده الذي قتل وسنه نحو اثنتي 
عشرة سنة» وكان أخرج لهذا القاتل في مكة إعلام شرعي بإسلامه. 
ولما توجه المحمل إلى المدينة رافقوه فحصلت بين القاتل والوكيل 
أثناء الطريق مشاجرة» وقبل الوصول إلى المدينة بيومين حضر الوكيل 
عند الأمير متشكياً من هذا الخادم ومخبراً بدينه الأصلي» وبأن بينه 
وبين الست اتحاداً وبأن ادعاءه الإسلام غش» فأمر الأمير بمنعه من 
دخول المدينة لزيارة الرسول - عليه الصلاة والسلام - وقد حصل» 
وبعد قيام المحمل من المدينة إلى طريق الوجه أمر الأمير تخلية سبيله 
وأن يمنع من مخالطة خيمة سيدته» فلما وصلوا إلى الوجه أراد القبطي 
الانتقام من الوكيل فاغتال ولده خلف إحدى الخيم في الساعة الثالثة 
من النهار فكفاه على الأرض واحتز رأسه بالسكين فقطع على الفور 
نصف عنقه فمات حالاًء وكان بالقرب منهما شخصان سمعا صرخة 


رحلة كوكب الحج 





القتيل فأقبلا لإغاثته فوجداه قد مات» فشدوا وثاق القاتل إلى أن عدنا 
من الوابور وعمل المحضر كما ذكرناء وقد اتهم هذا القاتل سيدته بأنها 
هي التي أغرته بذلك. وأن إحدى بنتيها أعطته السكين وجاريتها 
أمسكته له من يده ورجله ليقتله ذبحاً لكن ظهر كذب دعواه في مساعدة 
الجارية له على ذلك؛ لأن الشخصين الشاهدين المذكورين شهدا بأنه 
قتله وحدهء ولما وصلوا إلى مصر سلم القاتل إلى محكمة مصر 
ليحاكم فيها . 


[104] وفي يوم الثلاثاء ٠١‏ صفر بعد الساعة الثانية سار الوابور 
من الوجه قاصداً الطورء وكان يقطع في الساعة الواحدة ثمانية أميال» 
وفي الطور على شاطىء البحر جامع وكنيسة ونحو خمس وعشرين بيت 
سكانها أروام» وأربعة أبيات للمسلمين»؛ وحمام معدني على مسافة 
نصف ساعة محاط بالنخيل» وفي زمن الحج يحجزون الحجاج عند 
عودتهم في هذه المينة لأجل الكرنتيناء ويحضر إليها من مصر حكيم''' 
ليقيم بها مدة الحج» ومحل الكرنتينا في أرض براح مرملة بعيدة عن 
شاطىء البحر فيه ألف خيمة مضروبة قبابها سليمة ودوائرها بالية ممزقة 
من جميع جوانبهاء يمرض الصحيح إن بات بها في ليال الشتاء لا سيما 
إن نزل المطر. 


وفي العام الماضي لما أتى وابور المحمل إلى هذه المينة لم ينزل 
من ركابه أحدء ومكث المدة وأخحذ الشهاأة من الحكيم . وتوجه إل 


المختار من الرحلات الحجازية 





السويس» وأما في هذا العام فحكيم الكرنتينا أمر بإنزال جميع الحجاج 
من أمير وفقير حنّى الحريمء ولم ترك بالوابور إلا عساكره ونحو 
خمسة عشر نفساً لخدمة الخيول» فترجاه الأمير أن يبقيه مع حريمه 
وبعض المتوظفين النازلين في الدرجة الأولى - فإنه أبقى به بعضاً من 
الحجاج لخدمة الخيول» وأيضاً عند محافظ السويس أوامر بإبقاء نحو 
جميعاًء فيا ليت شعري ما فائدة الكرنتينا إذا اختلط بعد انتهاء مدتها من 
نزلوا إلى البر بمن بقي في الوابورء ثم عادوا معاً إلى السويس”"'*. 


)١(‏ إلى هنا تم المراد من الاختصارء ولله الحمد. 


رحلة مرأة الحرمين 





الرحلة الثانية عشر 
مرآة الحرمين 


اللواء إبراهيم رفعت باش"') 


كان قد حج أربع مرات» وتولى في الحجة الأولى سنة ١7١8‏ 
قيادة عسكر الحملة» ثم في المرات الثلاث الأخيرة كان أميراً للحج. 
وسلك الطريق البحري المعتاد من السويس إلى جدة فقال رحمه الله 
تعالى : 

قطعنا المسافة بين السويس وجدة فى ست وستين ساعة وهي 
7 ميلااء وقد كان البحر هادئاً من وقت القيام إلى مساء اليوم التالي 
ثم اشتدت الرياح وهاج البحرء واستمر ذلك حتى جدة . 


وقبل الوصول إليها بما يقرب من ست ساعات مررنا برابغ على 


)١(‏ إبراهيم رفعت باشا بن سويفي بن عبدالجواد المليجي»؛ مؤرخ مصريء من أمراء 
الحج العسكريين» ولد في أسيوط سنة 017177 ونشأ يتيماً فعنيت به أمهء 
وتخرج في المدرسة الحربية بالقاهرة» وحضر بعض المواقع الحربية في 
السودان» وتتلمذ في أوقات فراغه لبعض علماء الأزهرء ومنح رتبة اللواء 
العسكريةء وله اطلاع واسع. توفي بالقاهرة سنة 21767 رحمه الله تعالى. انظر 
«الأعلام»: ."9/١‏ 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 61 
اغتسلوا وحلقوا وقصوا الأظفار ولبسوا لباس المحرمين فرفعوا 
أصواتهم بالتلبية . 

[154] وقد جرت العادة بأن السقائين والفراشين لا يحرمون ولا 
يؤدون شيئاً من مناسك الحج فأمرهم الأمير بالإحرام» فأطاعوا مرغمين 
وأخذوا مما عندنا ما يرتدون به للإحرام» وكانوا قد خرجوا من مصر 
غير متأهبين له دأبهم في كل مرة» ولهذا كان الناس معجبين بنا هذه 
المرة إذ رأوا فينا خطة جديدة هي عين ما رسمه الشرع الشريف وندب 
إليه . 


عو 


وصول المحمل إلى ميناء جُدة 

لما وصلت الباخرة مرفأ جدة لم يحضر الحاكم ولا أحد من قبَله 
لتهنئة الأمير بالوصول ‏ حسب العادات المتبعة ‏ ولا سيما أن الباخرة 
بها أمير الحجح وقسم عسكري ينبغي احترامه ومساعدته في نقل أمتعته 
وإرشاده إلى المعسكر الذي ينزل به إنما حضر طبيب الحجر الصحي 
للكشف على راكبي الباخرة وأصحاب السفن الشراعية (السنابك) 
لينقلوا المسافرين وأمتعتهم إلى البر» وعند رسو الباخرة أطلقنا سبعة 
مدافع إيذاناً بالوصول» ولم ترد علينا التحية الباخرة العثمانية الحربية 
الراسية بالميناء بإطلاق المدافع كما هو المعتاد # وَإِدَاحْيَيمُ يجيت سيوأ 
أَحْسَنّ مها أو رذ 04 ؛ فكررنا التحية بإطلاق واحد وعشرين مدفعاً 
وعزفت الموسيقى بسلام جلالة السلطان وأعقبته بالدعاء له ثلاثاً ثم 


2230 سورة القيناف” الآية كثق. 


رحلة مرآة الحرمين 








بسلام الخذيو”'؟ والدعاء له كذلك» وبعد تلكؤ ردت التحية بإطلاق 
المدافع من قَلْعَد حدق 


[17] نقلت الأمتعة من الباخرة إلى البر ووضعت في الطريق 
أمام بناء الجمرك» وأحيطت بسور من عساكرناء ثم أخذ الحمالون في 
نقلها إلى المعسكر بجوار القبر المكذوب على أمنا حواء على مسافة 
ميل : تقريباً» ولما كان نقل المتاع على ظهورهم يستنفد يومين أو ثلاثة 
قصدت رئيس البلدية في مكانه القريب منا ورجوته مساعدتنا في نقل 
الأشياء الثقيلة التي منها كسوة الكعبة» وساعتئذ حضر «القائمقام» خالد 
بك (قومندان)”'' العساكر فرجوته أيضاً فبعثا مندوبين من قبلهما للتجار 
أصحاب العربات» وبعد ساعة أحضروا سبع عربات صغيرة أشبه 
بعربات نقل الرمل عندنا ولكنها دونها فساعدتنا كثيراً» ولما جنّ الليل 
واقترب غلق أبواب الجمرك. وخفت أن يبيت بعض الأمتعة بالميناء 
ويتعطل لديها قسم من العساكر لحراسته رجوت رئيس الشرطة 
(الحكيمدار) في تأخير الغلق مدة وجيزة فلبى الرجاء» فلم تأت الساعة 
الثالثة ليلاً إلا وقد تم نقل جميع الأمتعة إلى المعسكرء ومع أن النقل 
كان في الظلام الحالك والزحام بالغ أشذه: و الفشافة تحندة: 


الإقامة فى حُدة 
أق: مار » إأواء. » -70) الى لي : 
قمنا بجدة من الساعة الثانية العربية من يوم | حد ١4‏ دي 
(؟) هو قائد العسكر. 


() كانت الساعة العربية هي السائدة في الحجاز إلى وقت قريب» وتسمى بالتوقيت 
الغروبي» ومن أراد المقارنة فليرجع إلى تقويم أم القرى ففيه ذكر للتوقيتين معا. 


المختار من الرحلاات الحجازية 





القعدة سنة ١7١4‏ إلى الساعة الحادية عشرة نهاراً من يوم الخميس 77 
منه وذلك لفقدان الجمال التي تقلنا إلى مكة» وقد احتفل بالمحمل في 
جدة في اليوم الثاني احتفالاً رسمياً. 


[151] وقد انتهت الحفلة برجوع المحمل حيث بدأ سيره بعد أن 
صدحت الموسيقى بالسلام السلطاني فالسلام الخديوي وبعد الهتاف 
لهما بالعز والبقاء . 


[577] وقد كان أهالي جدة صغيرهم وكبيرهم يتواردون علينا 
عصر كل يوم لمشاهدة المحمل وسماع الموسيقى والمزمار البلدي 
عن ترب العسمي .وده .زنة العفناة. إلى التاعة العالتة بعد القروت» 
وأيام وجود المحمل بجدة تعتبر عند أهاليها مواسم فرح وسرور وإنهم 
ليحبون سماع الألحان حباً جماً؛ وكأن ذلك مركوز في طبيعتهم 
مفطورة عليه نفوسهم . 

[55] وصف جدة بشكلها الحاضر 

جدة بلدة كبيرة وميناء مكة العظيمة على الشاطىء الشرقي 
للبحر الأحمرء يحيط بها سور ذو خمسة أضلاع». يقطعها راكب 
الحصان بالسير المعتاد في خمس وأربعين دقيقة وارتفاع السور أربعة 
أمتار وبه تسعة أبواب» ستة في الجهة البحرية وثلاثة في الجهات 
الأخرى . 


وبها حوالي 772٠١‏ منزل مبنية بالحجر الأبيض المستخرج من 
البحر» ويتكون المنزل من طبقتين إلى خمس» والواجهات الأمامية من 


رحلة مرأة الحرمين 





-© 


البيوت بها الرواشن (الخارجات المسقوفة) المصنوعة من الخشب 
الهندي الأحمر المخروطء. والبيوت العالية ذات الموقع الجميل 
والمنظر البهيج يسكنها أكابر البلد ووكلاء الدول التجاريون (القناصل) 
من روس وإنجليز وفرنسيين ونمساويين ونروجيين . 


وبجدة محل للحكومة وثكنات للعساكر. ومكتب للإشارات 
البرقية وبناء فخم للمجلس البلدي والحجر الصحي . 


وبها خمسة جوامع» وثلاثون مسجداً مفروشة بالحصر الناعمة 
الجميلة النظيفة إلا أنها تكون مبللة عند رطوبة الجوء وهي مرتفعة 
عن مستوى الشوارع بنحو ثلاثة أمتار. يصعد إليها بدرج منتظم من 
الحجر وليس بها بيوت خلاء ولا ميضأآت » وبها حمام واحد» ونزلان 
(لوكاندتان). وأربعون فهوة. وصيدلية » ومكتب تعليم راق » وتسعة 
للصبيان» ومستشهى » عمجم للجير. ومذبح. وأربعون مخزناً 
تعاوياكء وتسعمائة دكان» وآلةّ بخارية لطحن الحبوب» م وأربعون 
طاحونة» ومثلها مخابزء» وعشرة مطابخ» وسوق لبيع السمك» وآخر 


وقنؤارعيا شكانة الشعة نهد كجانة اتاد إلى ,خهبة عثر مدر اء 
وحاراتها ضيقة وغير منتظمة» وبجدة مجار لتصريف مياه المطر إلى 
البضين + كها بها تناضانا وريم وال اليلد وخا ريهي ا دة لخزن 
مياه المطر وبيعها في موسم الححج ‏ ولكنها الآن معطلة إذ ترد المياه 
إلى جدة من غين تبعد عنها مسيرة ساعتين ونصف» وتسير في مجار 


المختار من الرحلات الحجازية 





مبنية تحت الأرض حفرها المصلح عثمان نوري باشا والي مكة سابقاًء 
وخارج البلد أيضاً ابار محمورة وأنابيب في الأرض مركوزة تخرج منها 
المياه بالآلات الماصة (آبار ارتوازية) وبعض المياه عذب وبعضها به 
ال 
والمحمل يستورد مياه الشرب من أعذب الآبار بواسطة سقائين من 
حدة يتقاضون أجرة . وبقرب معسكره صهاريج مفعمة بالمياه يو خذ 
منها عند الحاجة. وبالمدينة مجلس بلدي أعضاؤه من الأهالى ومجلس 
[174] وجميع الأهالي مغرمون بشرب التبغ و(التنباك) والشاي 
والقهوة. 
[565""] سكان جدة 
أهالي جدة خليط من أجناس شتى مكيين» ويمسيين » وحضرميين » 
وهنلود. وترك. وشوام. ومصريين » وعددهم حواليى خمسة وعشرون 
. السفر من جدة إلى مكة 
قبل المغرب بساعة من يوم 77 ذي القعدة سنة ١0( ١71١48‏ مارس 
سنة )١190١‏ تحرك ركب المحمل من جدة ميمماً مكة» وقد حيته فرقة 
من الجند العثمانى برآسة «القائمقام) خالد بك وشيعه أهل 0 إلى 
أبعد من ميل» وقد جَدَ بنا السير حتى بلغنا بحرة لتمام الساعة العاشرة 


رحلة مرآة الحرمين 





©- 
العربية ليلاً» وبتنا بها على مقربة من قلعتها التي يرابط بها بعض 
الجنودء وفي منتصف الساعة التاسعة من يوم 4؟ تابع المحمل سيره 
إلى أن وصلنا إلى قهوة البوغاز أو البستان في الساعة السابعة ليلا 
فاسترحنا بها إلى منتصف الساعة الثانية عشرةء ثم ارتحلنا فوصلنا مكة 

لتمام الساعة الأولى من صباح يوم 75 ذي القعدة. 





[155] وبالطريق بضع عشرة قهوة لراحة الحجاج وتقديم الشاي 
والقهوة لهمء وبه جملة قلاع ذات اليمين وذات الشمال يقيم بها جنود 
أتراك» وبه أماكن أخرى يقطنها عساكر الشريف غير النظامية» وهؤلاء 
الحراس وجدوا للمحافظة على الأمن بالطريق» ولكنهم كما سمعت لا 
يفارقون أماكنهم لرد الغارات والضرب على أيدي اللصوص وقطاع 
الطريق - ولو كان ذلك بمرأى منهم ومسمع - إلا إذا أمرهم الوالي وأين 
هو منهم؟ وكثيراً ما سلب الحجاج أمتعتهم إذا تأخروا عن القافلة 
لإصلاح الأحمال أو قضاء بعض الضرورات» وإذا ما سثل هؤلاء 
الحراس: لماذا لا تقومون بالواجب؟ قالوا: (أمر يوك) أي ليس عندنا 
أمرء فما أقبح العذر. 


وقد كانت العساكر تؤدي للمحمل التحية العسكرية عند مروره 
بهاء وتنير له الطريق بحرق كومات من الأخشاب تباعاً وضعت فوق 


ع 


المحمل وصل إلى المضيفة في الساعة الواحدة صباحاً من يوم 


المختار من الرحلات الحجازية 








50 ذي القعدة سنة 2١7١8‏ وهناك وجدنا المطوفين ينتظروننا وقدموا 
لنا هدايا من البطيخ والرمان وماء رمزم. فأكلنا وشرينا حامدين الله 
شاكرين» ووجدنا على مقربة من المضيفة مندوبين من قبل الشريف 
والوالي أحدهما ضابط والآخر ملكي حضرا لتهنئة الأمير وركبه بالقدوم 
من السفرء وكان يصحبهما شرذمة من الجنود. 

[/111] وقد تحرك المحمل من هذا المكان بعد أن خلع لباس 
السفر وارتدى حلته القصبية يتقدمه ثلة من الفرسان والموسيقى 
والمزمار البلدي يطربان بنغمهما الحضور والمستقبلين إلى أن وصل 
الرفيق باشاء وهنالك نصبت الخيام بعد إزالة ما بالأرض من حجر 
ومدر. وعرف كل مكانه. وعين الجنود الذين يقومون بالحراسة . 

دخلنا المسجد من باب بني شيبة المعروف بباب السلام وهو في 
البغهة الشتمالية الشرقية. 

وبدأنا من عند الحجر بطواف القدوم (طواف التحية) بعد أن قبله 
من قدر ولمسه من لم يقدر وأشار إليه من لم يتمكن من أحدهماء وقال 
الجميع : بسم الله والله أكبر . 

ولا بأس من أن نذكر لك في هذا الموطن ما يصدر من العربان 
ونساءهم وقت الطواف فإن فيه تفكهة : 

[114] إحرام العربان عبارة عن كشف أذرعهم ورؤوسهم. وباقى 
جس لهم مسكثور وشعرهم منثور غير منتظم ‏ وأكثرهم طويل الشعر 


رحلة مرأة الحرمين 





مضفوره أشبه بشعور النساء عندناء أما نساؤهم فمحتجبات لا يكاد 
يبدو منهن شيء» والرجل يقول في طوافه: يارب البيت اشهد أني 
جيت لا تقول ما جيت, اغفر لي ولوالدي وإلا تغفر لي» غصبا تغفر 
لي» تراني حجيت» يقول ذلك بصوت جهُوري مزعج ويسرع في مشيه 
في الطواف والسعي» ويأخذ الرجل بيد زوجته أو أخته أو أمه ويسرع 
بها في السير وعندما يصل بها إلى الحجر الأسود يرفعها ويضع رأسها 
في تجويف الحجر وإذ ذاك تمسح وجهها وشعرها ويقول لها: (حجي 
يامره حجي)» وتقبيل الحجر عندهم فريضة لازبة"'2 لا يتركونه ولو 
ماتوا دونه» ومن كثرة زحام هؤلاء العربان على الحجر وإدخالهم 
الرؤوس في تجويفه حصل به خدش أصلح فيما بعدء ومات أحد 
الحجاج أثناء الطواف من شدة الزحام» ومما سمعته محاورة بين اثنتين 
من نساء العربان قالت إحداهما للكعبة: «ياست ليلة ‏ لعل تسميتها ليلة 
لأنها سوداء وكسوتها سوداف إن كان جاتنا المطر فى .ديارنا وجانا الخير 
أجيب لك عَكيّةَ سمن (قربة صغيرة) تدهني بها شوشتك - لأن العربان 
يزعمون أن الكعبة امرأة تدهن رأسها ‏ فقالت الثانية: حقيقة تجيبي 
لهاء فقالت لها: اسكتي أنا عمال أكذب عليها إذا جاتنا المطر ما 
أجيب» فانظر كيف بلغ أدب العربان في خطاب الرب حداً سيئاً وكيف 
بلغت من نفوسهم الاعتقادات الفاسدة» ما ذلك إلا من فرط جهلهم 
بالدين فهل لأولئك من مرشدين! 


المختار من الرحلاات الحجازية 





-2 
إلى عرفات ومنى 


ذي الحجةء ولما كانت ليلة الثامن من ذي الحجة تحرك لتمام الساعة 
الحادية عشرة العربية ركب المحمل من معسكره بمكة ميمماً عرفة. 


وحينما وصلنا إلى عرفة نزل الركب في محله المعد له سنوياً. 
وكانت الخيام والأمتعة والمؤن قد سبقتنا إلى هنالك فإنها أرسلت ليلا 
بصحبة بعض العساكر والفراشين ومعهم ضابط» فأعدت قبل وصولنا. 


[179] وقد بتنا بها ليلة التاسع من ذي الحجةء وقبل المغرب 
بساعة من يوم عرفة تحرك المحملان المصري والشامي أولهما يسار 
ثانيهما يتقدمهما أميراهما وأمين الصرة». والجند يحيطون بهما حتى 
وصلا إلى سفح جبل الرحمة في مكان صلب مرتفع قليلاً عن سطح 
الأرض» ووقف الخطيب على جمل بجبل الرحمة قريباً من سفحه 
يحيط به العساكر لمنع التزاحم عليه؛ ووقف بجواره مبلغان مصري 
وشامي بيد كل منديل يلوح به للحجاج كلما سكت الخطيب» وساعة 
يلوحان ترى الآلاف المؤلفة من الأجناس المختلفة - وقد كشفت منهم 
الرؤوس وعريت منهم الأقدام إلا القليل» وارتدوا ملابس الإحرام - 
تراهم يستغيثون ومما أسلفوا يستغفرون» رافعين عقيرتهم بالئدية (لبيك 
اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك» إن الحمد والنعمة لك 
والملكء لا شريك لك). 


رحلة مرآة الحرمين 





-© 


ألسنة مختلفة من أجناس متباينة جأرت إلى الله بالدعاء فشق 
صوتها أجواز الفضاءء فاهت بكلمات انبعثت عن قلوب مخلصة وأفئدة 
طاهرة ونفوس نسيت كل شيء إلا ربهاء إنها ‏ وأيم الله - لتترك في 
النفس أثراً لا يحيط به الوصف ولا تحدده العبارة بل لا يعرفه إلا من 
سمع وأبصر لوَلَاِتُكَ لخر ©. - 

وما أظرف ما قاله أبو نواس في التلبية : 


إلهفاماأعدلك 
والملك لا شريك لك 
ايف امه هييف سلتات 
ليك أن الحميك لننك 
والليل لما أن حلك 
على مجاري المنسلك 
وكل من أهل لك 
يا مخطعا ما أغفلك 
اختم بخير عملك 
والعلك لآ شدرينك لاك 


مليك كل من ملك 
ليك أن السعتك لبك 
فيا يات عبيدة بالك 
لولاك يارب هلك 
والملك لا شريك لك 
والسابحات في الفلك 
الك ١‏ كا 7 اك 
ودار و نفيك 
عجل وبادر أجلك 
لبيك أن الحمد لك 


والحمد والنعمة لك 


"17١ [‏ ] وقد استمر الخطيب يخطب والناس وقوف حتى مغرب 





6 
الشمس وإذ ذاك أشعل أحد رجال المدفعية من المحملين شهباً 
(صواريخ) إيذاناً بالانصراف من الموقفء. فأفاض الناس مهللين 
ومكبرين ورحل المحملان المصري في ميمنة الشامي» والجند يسيرون 
صفين» ومن بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم 
الحجاج» والموسيقى والمزمار يعزفان بالألحان المشجية» وأخذت 
مدافع الشريف والوالي والمحملين تتناوب طلقات البشر والسرور. 
وقد سرنا نحو المزدلفة من حيث أتينا فبلغناها بعد ساعتين» ووقت 
الوصول ضرب 75١‏ مدفعاً إعلاماً ببلوغ القصد ونزل كل محمل في 
مكانه المعتادء وبتنا ليلتنا بالمزدلفة اقتداء بالرسول هله ولنقف في 
الصباح عند المشعر الحرام . 

وقد استيقظنا حوالي الفجر وأدينا صلاته في أول وقته» وارتحل 
المحملان إلى موضع مسجد قديم ارتفاعه متران وبجنبه سلم وقف 
عليه الخطيب والتف الحجيج حوله ركباناً ومشاة» وأخذ الخطيب 
يخطب من الساعة الحادية عشرة حتى قرب مطلع الشمس في منتصف 
الساعة الثانية عشرة» وقد كان الناس فى خلال ذلك يدعون ويلبون كلما 
دعا الخطيب ولبى» وموقفنا هذا كان 0 «المشعر الحرام» وهو جبل 
بالمزدلفة يسمى بذلك لأن الجاهلية كانت تشعر عنده هداياها ‏ والإشعار 
ضرب الإبل في صفحة سنامها حتى يسيل منها الدم - ووصف بالحرام 
لحرمة الصيد فيه لأنه من جملة أراضي الحرم التي يحرم فيها الاصطياد . 

وقد ارتحل المحملان إلى منى قبيل طلوع الشمس في منتصف 
الساعة الأولى من صباح يوم العيد الأكبر من سنة ١7١8‏ واقتفاهما 


رحلة مرآة الحرمين 





0/1 ست 
الحجيج ووصلنا منى بعد ساعة فتوجه الناس لرمي الجمرة الأولى 
«جمرة العقبة» وهي بأول منى من جهة مكة على يمين القاصد لها. 

وبعد ذلك أفاض الحجاج من منى إلى مكةء وطافوا طواف 
الإفاضة وسعى من عليه سعي وحلق أو قصرء ثم انقلبوا إلى منى فباتوا 
بها ليلة الحادي عشر وبعد الزوال من صباحه رموا الجمار الثلاث كل 
جمرة بسبع حصيات بادثين بالجمرة الصغرى . 

[71"] ومن فكاهات الحجاج عند رمي الجمرات أن بعضهم كان 
يرمي الحصيات السبع دفعة واحدة ويخاطب إبليس بلفظة «يلعن 
دينك» . وبعضهم كان يرمي حصاة حصةة ويقول العبارة السابقة عقب 
كل واحدة أو يقول «في عين دينك»» وبعض الحجاج لا يكتفي 
بالحصيات الصغيرة بل يأتي بأحجار كبيرة ويرمي بها الجمرة (العمود 
القائم) بل لا يرتاح له بال إلا إذا هدم جزءاً من البناء» ومنهم من يقف 
على البناء ويرمي» ومنهم من يلصق به جسده ويرمي؛ وقد كان من 
الضباط الذين معنا «اليوزباشى» عبدالوهاب حبيب أفندي فلما جاء 
وقت رمي جمرة العقبة أخذ عساكر الحرس ورجموا إبليس (الجمرة) 
دفعة واحدة بهيئة هجوم على عدو وانتقام منه . 


ذبائح منى وسوقها 
[57] كان الحجاج في هذا العام يقاربون مائة وخمسين ألفاًء 


وكان أكثرهم ينحر الهدايا بمنى في ساعة واحدة من يوم النحر» وكان 
الناس في الأعوام السالفة ينحرون بالقرب من منازل الحجاج وفي ذلك 





ر6 


تلويث الأماكن بالدماء وإثارة الروائح الكريهة التي تجعل الهواء موانوعا 
والأجسام معتلة» ولكن في هذا العام عملت حفر كثيرة بعيدة عن 
منازل الحجاج بألف متر أريقت فيها الدماء فلم يلوث الهواء بمنى ولم 
نشم الروائح البشعة» وكان الجو معتدلاً ‏ ولكنه بالليل بارد - من أجل 
هذا كانت صحة الحجاج حسنة ولم يمرض أحد منا. 


[7"] وكان ثمن الشاة من ريالين ونصف إلى ثلاثة ونصف» 
وكان يؤخذ للشريف على كل رأس من الغنم تباع للحجاج خمسة 
قروش من البائع . 
وسجاجيد وطنافس ومرجان وخرزء والمبيعات معظمها بالطريق وقليل 
بالحوانيت» والعربى”'' يشتري من هذه السوق ما يلزمه طول السنة . 

الرجوع من منى إلى مكة 

وفى الساعة الثامنة العربية من يوم ؟١‏ ذي الحجة سنة ١١١8‏ 
مثيلاً؛ إذ قطع المحمل المسافة بين الجمرة الصغرى وجمرة العقبة في 
ساعة بينما هي لا تزيد على 7٠٠١‏ مترء ثم تابعنا السير فوصلنا مكة في 
منتصف الساعة الحادية عشرة وأدخلنا المحمل إلى فناء المسجد 
الحرام من باب النبي يكل حسب المعتاد وتركنا لحراسته بعض الجنود. 


)١(‏ يقصد الأعراب ومن فى حكمهم. 


رحلة مرأة الحرمين 
وبقى بالمسجد حتى يوم الاثنين 6” ذي الحجة حيث احتفل بسفره من 
مكة إلى المدينة بعد أن ورد لنا كتاب تركي من دولة الوالي بتعيين 





[0 ا" ] الاحتفال بفتح «المسافرخانة» السلطانية 


في يوم الخميس ١60‏ ذي الحجة احتفل بفتح المضيفة (المسافرخانة) 
التي شيدها لفقراء الحجاج جلالة السلطان عبدالحميد''؟ من ماله 
الخاص» وقد أقيم بناؤها في فضاء واسع جنوبي مكة الغربي» وقد 
حضرت مع ضباط المحمل وحرسه هذا الاحتفال بدعوة من الوالي. 


[177>] عادات المكيين بعد موسم الحج 


بعد انقضاء الموسم يقيمون الأفراح» ويزوجون الأولاد. 
ويتروضون جهة الطائف والزاهر والأماكن التي بها بساتين» 
ويستصحبون معهم المغنين وآلات الطرب لأنهم ولعون بالأغاني» وفي 
شهر رجب يقصدون المدينة للزيارة وفى ذلك ينفقون ما جمعوا في 
الموسم إلا قليل منهم يستبقي بعض كسبه لينفقه في السفر إلى البلاد 
التي يفد منها الحجاج ليتعرف بمريدي الحج في العام القابل وليتفق 
معهم على أن يكونوا من مطوفيه» وأكثرهم يقترض النقود بفائدة 
كبيرة”"' لينفق منها في تلك الرحلات على أمل أن يسددها في الموسم 
)١(‏ آخر سلاطين الدولة العثمانية الأقوياءء عزل سنة »١404‏ وقد افتري عليه كثيراً 


واتهم باتهامات شتى غالبها هو منها براء رحمه الله تعالى. 
(؟) أي ربآء والعياذ بالله. 





مم6 


وقلما يسددها فيطوق بالديون» وقد كدَّبٍ ظنَّهم في هذا العام دولة 
الشريف ؟ فقل قسم مصر وجاوة والهند والمغرب وبلاد الأناضول 
وغيرها أقساماً تسابق المطوفون إلى شرائها بأثمان ظنوها متناسبة مع 
أهمية المركز وثئروة حجاجه. ولكن كثيراً منهم خسر في ذلك خسارة 
فادحة؛ إذ دفعوا في الأقسام أثماناً باهظة بلغت الخمسين جنيهاً 
وزادت» ولما حان الموسم لم يحصلوا مقدار ما دفعوا ولكن قليلاً 
منهم سعد جَذَّهِ فربح أرباحاً عظيمة» وقد نشأت خسارة من خسر من 
علو ثمن الأقسام ومن أنه كان سافر إلى بعض الجهات وأنفق في ذلك 
وفي الهدايا التي كان يأخذها لمريدي الحج النفقات الطائلة» ثم ظهر 
بعد ذلك أن كثيراً منهم لم يأت في القسم الذي اشتراه» ولما رأى بعض 
المطوفين أن حجاج قسمه فقراء وما يدفعونه بخس اشتد عليهم وأغلظ 
لهم القول. وحصل من جراء ذلك تشاحن وتساب بين الفريقين. 


[711] وكانت العادة المتبعة قبل هذا التقسيم أنه يجبى من كل 
مطوف ريال للشريف عن كل حاج ينزل عنده» وبالضرورة يأخذ المطوف 
من الحاج أمثال هذه الضريبة ولو كان في فقر مدقع» وإن كانت لديه 
شفقة تجاوز عنه وحَصّل أضعافه من الموسرين» والشريف لا يقيل أي 
مطوف من الضريبة مهما قدم من الأعذار فإما أن يدفع وإما أن يزج به 


.١79 سورة الأنعام: آية‎ )١( 


رحلة مرأة الحرمين 





[5078] دولة الشريف عون الرفيق وسلطته بمكة 


يلقب شريف مكة بسيد الجميع تمييزاً له عن بقية الأشراف وهو 
الحاكم الذي لا ينازع في أمر ولا يرد له قول؛ ينفي من شاء ويحبس 
من شاء ويعاقب من شاءء بيده عقد الأمور وحلها وكل الحكام بمكة 
طوع إشارته من كبيرهم أحمد راتب باشا المشير إلى صغيرهم» فإن 
عارضه واحد منهم عزل في الحال لأن الشريف له يد قوية في الدولة 
فأي الأمور طلب أجيب إليه؛ بل غالب الشكايات منه ترد إليه ليفصل 
فيها بما شاء من شرع أو هوى., ولا معقب لحكمه. فالويل كل الويل 
لمن شكاء نعم هذه اليد المستبدة تناسب حال الأعراب الأشرار الذين 
لا ترغمهم إلا القوة ولا يقومهم إلا البطش بهم» ولكن لو ضمت إلى 
القوة العدالة لكبح الأشرار عن سيئاتهم والتف الناس حوله بأجسامهم 
وقلوبهم لأن للعدل من السلطان على النفوس ما ليس للقوة الغاشمة. 


[509] أجر الجمال والمكوس 


كان يؤخذ في جدة على كل شقْدف يباع ستة قروش مصرية 
ونصف روبية» وهي وإن كانت تؤخذ من البائع لكنها في الحقيقة 
يدفعها المشتري إذ يلاحظها البائع في تقدير الشمن» ويؤخذ من أجرة 
الجمل الذي يقل الحاج من جدة إلى مكة ريالان للشريف وخمسة 
قروش عثمانية (5 قروش مصرية) للحكومة وريال آخر لوكيل المطوف 
بجدة ولمتعهد الجمال (المقوم)» ضرائب ما أنزل الله بها من سلطان» 
وقد كانت أجرة الجمل من جدة إلى مكة 5 ريالات 'ابُرُم (وهو عشرة 





61 


قروش مصرية تقريباً) في بدء الموسم هذا العام فإذا نقصنا تلك 
الضرائب من هذه الأجرة كان الباقي للجمال أجرة له ولجمله دون " 
ريالات أي أقل من نصف الأجرة» وإن ذلك لظلم بين يحمل الجمال 
على أن يسلب من الحاج ما استطاع. والأجرة وإن كانت في أول 
الموسم ؟ ريالات «برّم» لكن عند وصول المحمل إلى جدة بلغت ١١‏ 
ريال ثم أخذت تزداد حتى بلغت "١‏ ريالاء ثم تناقصت إلى 1 
ريالات كما كانت أولاًء وكان آخر نقص لها يوم ٠‏ ذي الحجةء 
والسبب في ارتفاع الأجرة إلى "١‏ ريالاً أن الحجاج كثر ورودهم من 
جهات جدة والمدينة والجهات الشرقية بحال لم يسبق لها مثيل حتى 
كانت الطريق لا تخلو لحظة واحدة ليلا ونهاراً من مرور الحجاج بهاء 
وفي يوم السبت " ذي الحجة قدم من جدة إلى مكة ١6١١‏ حاج مشاة 
على أقدامهم لقلة الجمال. 


وكان يؤخذ بمكة على كل رأس يباع من الغنم خمسة قروش 
مصرية وعلى كل جمل خمسون قرشاً» وقد كانت الأجرة من مكة إلى 
عرفات ذهاباً وإياباً للجمل ذي الشقدف 7 ريالات ١بَرُم»‏ وذي الرحل 
الذي يركبه شخص واحد "© ريالات؛ منها ريال للشريف واخر 
للمطوف والمقوم فيبقى للجمال 4 ريالات أو خمسة. وأجرة الجمل من 
مكة إلى المدينة إلى ينبع كانت لذي الشقدف “7” ريالاً مجيدياً ويتبع ذلك 
نصف جمل لحمل المتاع» وكانت لذي الرحل 7" ريالاً منها ؟١‏ ريالا 
للشريف». جنيهان إنكليزيان» وريال ونصف للمخرج"'“. وريالان 


)١(‏ قال المحقق: الذي يتولى إخراج القوافل. 


رحلة مرأة الحرمين 





للمطوف. وريال للمتعهد (المقوم)» وريال للحكومة. وربع ريال 
للرهينة (كل قبيلة تقدم واحداً عنها تحبسه الحكومة حتى يصل الركب 
بسلام إلى الجهة التي يقصدهاء وتأخذ الحكومة ربع الريال في نظير 
ذلك) فيكون الباقي للجمال من ذلك ١6‏ وربع ريالاً أو ١5‏ وربع. 


وأدهى من ذلك وأمر أنه يؤخذ من الجاويين أربعة جنيهات من 
تل جاع التي كاله غجل. وكيم الخاقى فليم ابيع الي 
تقودهم. 1 

وللمتعهدين طريقة في التخلص من الضرائب التي تدفع عن كل 
جمل مؤجر؛ وذلك أنهم يتفقون مع كل حاج على عدد معين ولكن 
عند الخروج من مكة يحملون بعض العدد فقط أحمالاً فوق الطاقة 
والباقي يخرج غير حامل شيئاً فلا تؤخذ عليه الضريبة» إذ يزعم 
المتعهد أنه غير مؤجر وبعد الخروج من مكة توزع الأمتعة على العدد 
المتفق عليه» وكثيراً ما يتفقون مع الحاج على عدد معين يقدمونه في 
أول الأمر له ويتفقون على أجرته حتى إذا ما رحلوا أخذوا منه بعض ما 
اتفقوا عليه وأجروه لآخرين فيؤجرون الجمل مرتين ويتقاضون 
الأجرين - وإنه وربك لظلم بين وطمع مُرْدِ ‏ ثم هل سمعت بمثل هذه 
الضرائب القاسية التي يأباها الإسلام وينكرها أشد الإنكارء إن غاية ما 
قرره الإسلام في نظام الضرائب /٠١‏ لا في مال يكد الإنسان في 
تحصيله ويعرق فيه جبينه ولكن في أموال تقع في يد المرء بلا كد ولا 
تعب كالمعادن وكنوز الجاهلية» ولكن لا تعجب من أعمال هؤلاء 
فالدين لغو على ألسنتهم لم يتمكن بعد من نفوسهم فتراهم: 


المختار من الرحلات الحجازية 





« يفو لوب بوهم مالي في ملُويوم مه أَعَكمْ ايكون 274 . 


[68] ولو علمت دولتا فرنسا والروسيا هذه المظالم التي 
يتكبدها الحجاج لما منعوا رعاياهم المسلمين عن الحج؛ إذ لو حضروا 
ورأوا هذه المظالم بأعينهم لرغبوا عن الحج ولم يحدثوا به أنفسهم تارة 
أخرى بل لبَثُوا في نفوس إخوانهم كراهيته» وإذ ذاك يمتنعون من تلقاء 
أنفسهم عن الحج دون أن يتكلف حكامهم مشققة مشقة المنع ونتائجه ولكن 
(البعيد أعمى) . 


وكل ما قدمنا لك في أجرة الجمال إنما هو للحجاج الذين لا 
يتبعون المحمل» أما ركبه فلهم طريقة أخرى في تقدير الأجرة للجمال 
التى يحتاجون إليها. 


الجمالة 


[581] هؤلاء العريان يحافظون على الحجاج وعلى أمتعتهم متى 
غمروهم بالخيرات من مأكوللات ولحوم ومشروب الشاي. وتزداد 
عنايتهم بالحجاج إذا وعدوا بكسوة يعطونها فى ا لمحطة الختامية ش 
وكسوتهم يسيرة الكلفة فهي ثوب قطني وعقال وكوفية لا تتجاوز قيمتها 
عشرة قروش مصرية» أما من بخل عليهم بماله فيرونه العذاب ألواناًء 
الحزام. وربما انتهزوا فرصة الانفراد به وقتلوه إذدأ لم يبرر لهم 


.١51ا/ سورة آل عمران: آية‎ )١( 


رحلة مرآة الحرمين 





الريالات ويتعهد بالغذاء» وتارة يؤخرون الجمل عن القافلة بحجة أن 
الرحل في حاجة إلى إصلاح وما يريدون بذلك إلا فرصة للفتك به . 


[1487] والعربان مغرمون بشرب الدخان فلو أن الحاج أخذ معه 
قسطأً منه وأعطاه لجماله راعاه أحسن مراعاة ومشى بجانبه يحافظ عليه 
ويهيء له أسباب الراحة؛ ومن عادة العربان أنهم إذا تناولوا الطعام مع 
الحاج لا يخونونه أبدآء وإذا رأوا عرباناً من قبيلة أخرى يريدون الفتك 
به أخبروهم أنه في كنفهم فلا يصلون إليه بسوء وكأنما هو واحد منهم . 

[587] إعانة السكة ا لحديدية الحجازية 


أمر دولة شريف مكة بجمع إعانة للسكة الحديدية» وقدر على كل 
حاج غير معسر ريالاًء فأخذ المطوفون يجمعونها ويوردونها للشريف 
كل يوم وكان بعض الحجاج يمتنع عن الدفع وبعضهم دفع عن نفسه 
وعمن يرافقه في القافلة» ودفع أحمد بك الجمل من أعيان المنصورة 
مائة جنيهء ودفع أحمد بك الضيّ عشرة جنيهات» ودفع سلطان المكلة 
والشحر (ثغران على خليج عدن) عوض بن عمر القعيطي"؛ 5٠٠٠١‏ 
روبية أي ١7,77‏ جنيه إنجليزي» وكثير غيرهم من الأغنياء» لكن 
لم نقف على مقدار ما دفعوا. 


)١(‏ عوض بن محمد بن عمر المَعَيْطى اليافعيّ الحضرميئّ. ولد سنة .١715‏ أول من 
لقب بالسلطان من أمراء العائلة القعيطية بحضر موت . وكان أبوه من كبار 
الحضارمة في الهند وبها ولد عوض. استولى أبوه على مدينة شبام فأضاف إليه 
عوض الشحر سنة .١784‏ توفي بالهند سنة ١778‏ رحمه الله تعالى. انظر 
«الأعلام»: 944/0. 








م6 

[186] وقد أمر دولة الشريف بعدم خروج أحد من الحجاج من 
مكة حتى تجبى الضريبة كلهاء وعلى ذلك حبس الحجاج بمكة بعد 
تأدية الفريضة سبعة أيام كانوا فيها على أحرّ من الجمرء شوقهم لزيارة 
الرسول يهيب بهم أن اسرعوا والشريف يقول: مكانكم حتى تدفعواء 
وقد بلغني أن بعضاً من حجاج المغرب شكا لدولة الوالي حبسهم بمكة 
فأرسل بهم مع مندوب من قبله إلى دولة الشريف ليسمح لهم 
بالخروج» فلما وصلوا إليه تزل عليهم ضرباً بالعصي وإذ ذاك انقض 
عليهم زبانيته أيضاً (الباوردية) فتشتتوا مذعورين ورجعوا بخفي حنين» 
شكوى عادلة جوابها إهانة قاسية في بلد جعله الله حرماً أمنا 9 سواءً 
الْعدكف فيد والباد ومن برد فِيبه بإلحاد طاو ترئهة من عاب لير 2704 
« وَلَاسَحْسَبرك 1 ها عَكَبتَمَلُ قبطو 904 


[186] ولئن دام هذا الظلم لينصرفن الناس عن الحج». وتلك 
الطامة الكبرى ببلاد العرب وأهلها الذين يجدون في الحجاج العيش 
الكفاف بل الرزق الواسع بل ذلك جناية على الإسلام ومعتنقيهء فإن 
هذا البلد واسطة التعارف بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها 
فإذا انقطعت بينهم الأسباب وانفصمت عروة التواد كانوا كالغنم 
القاصية تلتهمها الدول المستعمرة فتستغيث فلا مغيث» فليقلع الظالم 


ور 


عن ظلمه حتى لا يعمنا الله بعذاب من عنده ويغفر لنا ما أسلفنا 8 إِنَ الله 


)0( سورة الحج : آية 0 . 
(؟) سورة إبراهيم: آية 47. 





مضارٌ حبس الحجاج بمكة 


لم يسمح دولة الشريف بخروج الحجاج من مكة إلا بعد أن دفعوأ 
جميعاً ريال الإعانة للسكة الحديدية» فلما أن صدر الإذن بالخروج 
أخذ جميع الحجاج في الرحيل وهم ألوف مؤلفة يسلكون طريقاً ضيقاء 
ولما بلغوا مكاناً مخصوصاً بالطريق أوقفوا حتى يدفعوا ريال الحكومة ‏ 
عوائد ‏ عن كل جمل خال أو محمّل فأخذوا يدفعون ولكن بلغ الزحام 
أشده؛ لأن المحصّل شخص واحد قام بجانبه اثنان من الزبانية لا 
يسمحان لأحد بالمرور حتى يدفع الريال» واستعملا كل غلظة وقساوة 
لا تصدر من الوحوش فضلاً عن الأناسي بل فضلاً عن مسلم يدين 
بالإسلام» وقد أصبحت الطريق - التى كانت معدة لسير جملين 
بشقادفهما متحاذيين فيها ‏ أربعة صفوف فدخلت الشقادف بعضها في 
بعض » وكان الناس يكونون طبقات بعضهم فوق بعضء وهنالك تحطم 
كثير من الشقادف وسقط بعض الراكبين من عليهاء» فتهشمت منهم 
العظام» وبلغت فيهم الجراح. وفقدوا من الأمتعة وتلف كثير منهاء 
وكنت لا تسمع إذ ذاك إلا ولولة النساء وعويل الصبيان واستغاثة 
الضعفاء ومنازعات الرجال». ولا شرطة هناك تحول دون ذلك». وكل 
هذا مغبة حبس الشريف للحجاج وسوء نظام الجباية» وماذا على 
الحكومة لو عينت عدداً من المحصلين وعينت لكل قافلة يومأ تخرج 


(؟1) سورة الحجج: آية 56. 





فيه»ء ومعرفة القوافل من الأمور الهينة لأن المطوفين والمتعهدين 
يعرفونها وأولئتك معروفون لدى الحكومة. وبذلك يسهل التحصيل 
وتسير القافلة بهدوء وسكينة» ويأمن الناس على نفوسهم وأمتعتهم . 
[585] مرتبات الأشراف والعربان والأهالي وطريقة صرفها 
جرت العادة من قديم أن تصرف الحكومة المصرية مرتبات 
للأشراف والعربان والأهالي بمكة والمدينة» وكان المقرر في ميزانية 
المحمل هذا العام للأشراف ١550‏ جنيهاً مصرياء وللعربان 50١١‏ 
جنيهاًء وللأهالي 5474 جنيهاً» وكان يصرف لكل شخص مرتبه 
المقرر بمقتضى إذن يمضيه أمين الصرة وأمير الحج وكذلك الكاتب 
الأول للصرة دلالة على أن الصرف قانوني» والكاتب الأول هو الذي 
يقوم بإعداد إذن الصرف ليكون مطابقاً لما دوّن بالسجل الذي به أسماء 
أصحاب المرتبات (الذين لا وجود لأكثرهم الان)» وساعة البدء في 
الصرف حضر أمام الكاتب عدد عظيم من العربان وكلفوه بتلاوة 
الأسماءء فسألهم: هل أنتم أصحاب المرتبات؟ فقالوا: لا ولكننا 
موكولون في تسلمها سنويآء فقال لهم: أحضروا التوكيلات التي تؤيد 
دعواكمء فقالوا: وممن تكون التوكيلات؟ فقال لهم: من أصحاب 
المرتبات الذين وكلوكم أو وارثيهم» فقالوا: إن أصحابها توفوا من 
زمن مديد ولا أثر لمعظم وارثيهم» وكل سنة نتسلم المرتبات بدون 
معارضة ونحن متفقون فيما بيننا؟ على صرفها إليناء فاضطرٌ الكاتب 
لإجابة طلبهم وأخذ يتلو الأسماء عليهم فأخذ كل منهم يخطف من 
الأذون ما استطاع حتى كان الواحد يتحصل على الخمسين والستين ثم 


رحلة مرأة الحرمين 





والأشر اف المقيدة بأسمائهم المرتبات منهم الحي ومنهم 
المتوفى» وتصرف مرتباتهم إلى من يعينه شريف مكة وكيلاً عنهم بعد 

وللشيخ حذيفة كبير قبيلة الأحامدة مرتب سنوي ينيف على 1٠٠‏ 
ريال» تصرف إليه نظير محافظته على ركب المحمل أثناء مروره 
بالطريق السلطاني الذي يقيم به الشيخ حذيفة» وهذا المرتب يصرف 
إليه سنوياً مرّ المحمل به أو لم يمر وفي هذا العام قدم من قبله وكيل 
عنه يدعى محمد بن عامر ومعه وثيقة التوكيل ممهورة بختم الشيخ 
حذيفة وصريحة في أنه وكيل عنه في قبض مرتبه ولكن أبى الشريف إلا 
أن يصرف المرتب إلى أكبر اولاد الشيخ حذيفة المسمى خليلاً مع أن 
بين الشيخ وابنه عداء شديداً ومخاصمات كبيرة وحروباً طاحنة أهرقت 
فيها الدماء انتصر فيها الولد على أبيه بقوة أعوانه وأنصاره؛ وسبب ذلك 
أجل هذا النفار المستحكم أن يصرف المرتب للوكيل الشرعي لا للابن 
العاق ولكن من يستطيع أن يخالف أمر الشريف الذي نفذ ما أراد 
وصرف المرتب للولد الباغي . 

[54817] الاحتفال بسفر المحمل من مكة 

في منتصف الساعة الثانية عشرة العربية من صباح يوم الاثنين 0” 

ذي الحجة سنة 4١71١ه‏ سارت قوتنا من معسكرها بالشيخ محمود إلى 








المسجد الحرام فوصلت بعد نصف ساعةء وهناك وجدنا في الجهة 
الشرقية العساكر الشاهانية مصطفة قبالة باب على رضي الله عنه. 
واصطف حرسنا في الجهة المقابلة بجوار المسجد بعد أن ألبس محملنا 
كسوته القصبية» وكذلك اصطف موظفوا الحكومة الحجازية بمكة 
بأوسمتهم وملابسهم الرسمية» وبعد فترة أقبل دولة الوالي بركنه ووقف 
بين هذا الجمع المحتشد» فتقدم إليه أمير المحمل الشامي عبدالرحمن 
باشا يقود زمام جمله وسلمه الزمام فدار بالمحمل خمس دورات ثم 
سلمه لأميره بعد أن لثم مقودهء» ولحظتئذ صدحت الموسيقى الشاهانية 
بسلام جلالة السلطان» وهتف العسكر والحضور بالدعاء له ثلاثآ» ثم 
تقدم إليه أمير المحمل المصري بزمام محمله فتسلمه منه ودار به خمس 
دورات كما فعل بسالفه وسلمه للأمير» وصدحت الموسيقى بالسلام 
الملكي». ثم ألقى الشيخ السنباطي خطبة دعا فيها لجلالة السلطان 
ودولتي الشريف والوالي وختمها بالدعاء للجناب الخديوي» وعقب 
ذلك انصرف المحملان يتبع كلاً حرسه إلى مقره بمعسكره. 


السفر من مكة إلى المدينة 
(اليوم الأول): 


فى منتصف الساعة الثانية العربية من يوم الخميس 78 ذي الحجة 
سنة 11714ه قام ركبنا من مكة ميمماً المدينة فسار نحو الشمال الغربي 
“٠‏ دقيقة» ثم نحو الشمال الشرقي مثلهاء ثم أشمل 5: دقيقة؛ ثم سار 
نحو الجنوب الشرقى ساعة و 0١دقيقة.‏ ثم شرق "٠‏ دقيقة» ثم تابع 


رحلة مرأة الحرمين 





السير نحو الشمال الشرقي ساعتين ونصفاً وإذا بنا في المحطة الأولى 
(بئر البرود) . 


[87] وكانت الساعة وقت وصولنا تسعاً وربعاً: سرنا منها 5 
ساعات وأضعنا ساعة وثلاثة أرباعها في إصلاح الأحمال بين لحظة 
وأخرى» وذلك أن مقوم المحمل قدّم لنا كثيراً من الجمال التي لم 
تمرّن على الحمل ولم تتعود رؤية الطرابيش والكسا العسكرية» وكانت 
أقتابها ‏ عدّدها ‏ منفوشة غير مدمجة» فلم تلبث أن هبط علوّها 
فارتخت أحزمتها فسقط أكثر الأحمال وهرول غير المذلل من الجمال» 
أضف إلى ذلك رجوع العربان إلى بيوتهم لقضاء لوازم السفر وتؤط كل 
خمسين جملا بواحد منهم فقلّ من سلم من العثورء ولقينا يوم شديد 
النصب دائب التعب ولكن في سبيل الله ما لقينا. 


[144] ولما بلغنا بئر البرود وجدنا المحمل الشامي سبقنا إليه 
والزحام على البئر شديد فلم نتمكن من أخذ مياه إلا بعد الساعة 
الخامسة العربية ليلاً» ولو لا ما استصحبناه معنا من مكة من المياه 
الكافية لأضر بنا الظمأ إضراراً بليغاً» وكان يرافق الركب الشامي ركب 
الحجاج من أتباع ابن الرشيد وعدده يقارب ٠٠٠٠١‏ نفس» معهم ألوف 
الحيوان» وبالنظر لقلتنا وكثرتهم وسبقهم دائماً إلى الآبار رأيت أن 
نتأخر عنهم يوم فوافقني الأمير والأمين على ما رأيت؛ وذلك لنتمكن 
من أخذ المياه بسهولة؛ فتأخرنا يوماً بعد وادي الليمون. 


وبثر البرود بئر عظيمة مطوية بالحجارة المنحوتة قطرها ” أمتارء 


المختار من الرحلات الحجازية 





وعمقها ؟١‏ متراً وماؤها عذب لا يزيد ارتفاعه فى قاعها عن 0١‏ سنتياً: 
وبالبئر شجرة جميز ضخمة نبتت في أصل البئر واخترقت جدارها 
الشرقي وأظلت فروعها البئر وفناءهاء والناس يجلسون على جذوعها 
لأخذ المياه من البئر بالكيزان إذا ما قلتء. فإن كثرت أخرجوها 
بالدلاء» ولهذه البثر سلم سن خارج جدرها ينتهي إلى بفتحة قاعها 
ولكن بابه العلوي مردوم . 

واليوم القاني): 

]19١[‏ وفى يدا الساعة الأولى من صباح الجمعة احا ذي 


ا لحجة سنة 4+١71١ه‏ رحلنا من بئر البرود واتجهنا نحو الشمال الشرقى 
حتى وصلنا وادي فاطمة في الساعة الرابعة والربع . 


وقد استمر سيرنا بهذا الوادي حتى الساعة الخامسة والنصف وإذ 
ذاك دخلنا وادياً آخر به نخيل وأشجار وبيوت من الجانبين» وما زلنا 
نسير في تعاريجه حتى وصلنا وادي الليمون في الساعة السابعة والربع 
ولم نسترح فى خلال ذلك إلا ١١‏ دقيقة» ويحتوي هذا الوادي على 
بيوت بنيت في أحضان الجبال وحدائق ذات بهجة بها النخيل والليمون 
والبطيخ والخيار والبامية والقطن الذي يرتفع نحو مترين وفتلته 
كالحرير» ولبعض الحدائق أسوار ينيت من الحجارة الصماء ذات اللون 
الأزرق والحجم الكبير غير أنها متهدمة» وتوجد بها آثار أبنية قديمة 
تدل على أنه كان لهذه الجهة شأن في سالف العصور. 


وبوادى الليمون سوق باعته من مكةء فبه اللحوم والأرز مطبوخة 


رحلة مرآة الحرمين 
وغير مطبوخةء وبه الخيار والقثاء والبطيخ والكراث والعيش والجبن 
والبصل الأخضر والجاف, والإبل والغنم وغير ذلك أزواجاً شتى . 

(العوم الثالث): 

وفي الساعة السابعة من نهار السبت أوّل المحرم سنة 1119ه.ء 
سار ركبنا من وادي الليمون نحو الشمال ساعتين و١٠‏ دقيقة» ثم إلى 
الشمال الشرقي ساعة ثم شرّق أخرى فتلك أربع ساعات وثلث ألقينا 
بعدها عصا التسيار للمبيت» وقطعنا فيها وادياً سهلاً تكثر به الحصباء 
وتحفه الجبال الشامخة من حاشيتيه» وقد وجدنا بعد مسير ثلاث 
ساعات ونصف بئراً حجرية على يمينئنا ماؤها العادي به ملوحة وفي 
فصل المطر يكون عذباً. 

(اليوم الرابع): 

وفي الساعة الحادية عشرة الليلية في صباح الأحد ثاني المحرم 
سنة 119١هء‏ سار ركبنا نحو الشمال الشرقي 0 دقيقة» وأشمل 
ساعة ونصفهاء وأبحر مُشرقاً نصفاء ومُغرباً ٠‏ دقيقة» وأشمل ساعتين 
ونصفاً ثم سار نحو الجنوب الشرقي ساعة وربعاء والشمال الشرقي 
ساعة واحدة فتلك ثمان ساعات و7١‏ دقيقة قطعنا في أولها عقبة عوجاء 
استنفدت ساعة ونصفا. 





وفي مبدأ العقبة وجدنا حفائر في أراض رملية بها ماء عذب كماء 
النيل يخرجه النَكْتُ في الأرض باليدء وإنه لماء غزير يكفي الآلاف من 
الناس والحيوان. 


المختار من الرحلات الحجازية 





وقد أتممنا نهارنا وبتنا ليلتنا بمحطة يقال لها الحفائر أو الضريبة 
وصلناها في منتصف الساعة الثامنة نهاراء والماء بها عذب غزير في 
حفائر عمقها 0٠‏ سنتيًء وماؤها يكون مراً في السنين التي يحبس فيها 
ماء المطرء وكان الهواء في يومنا هذا شديد الجفاف غاية في الاعتدال 
وكان الماء وقت الظهيرة بارداً جداً كأنه مثلج أما بالليل فكان الطقس 


باردا. 


[191] وبهذه المحطة لصوص شاهدت منهم رمي الحجيج 
بالحجارة الصغيرة حتى إذا كانوا يقظين وشعروا بالحجارة أجل 
اللصوص سطوهم لفرصة أخرى» وإن كان حارسهم نامت عينه مشوا 
على أيديهم وأرجلهم واستلبوا ما يصلون إليه وعادواء وقد شاهدتهم 
في الصباح حينما سار المحمل يركبون الهجن ويتربصون من يتخلف 
'عن الركب ليسلبوه ماله ولكن بعناية الله وقوته لم يصلوا إلينا بسوء ولم 
يسترقوا شيئاً إلا ما تركه الحجاج من جلود الأنعام ورءوسها وأرجلها 
وأكراشها. 


وقد كان معنا ثلاثة من العريان استأجرناهم بجنيهات عشرة 
ليرشدوا ركبنا إلى مواطن المياه العذبة وليعرفونا منازل اللصوص» وقد 
أحسنوا القيام بما كلفوا به فإن أحدهم كان يرافق دائماً العسس الداوريه 
حيتما يفزؤن:علن المتعسكر لبلة: 

(اليوم الخامس): 


وفي صباح الاثنين ثالث المحرم الساعة ١١‏ والدقيقة م ١‏ الليلة 


رحلة مرأة الحرمين 





قمنا من الضريبة وسرنا نحو الشمال الشرقي» ولتمام الساعة العاشرة 
تغير سيرنا إلى الشمال وبعد نصف ساعة وصلنا «امحطة البركة»» فتلك 
إحدى عشرة ساعة وربع استرحنا منها في أثناء الطريق ساعة واحدة. 
(اليوم السادس): 
دفي صمح الغلاثاء رأ 5ظ الساعة ١١‏ ليلاً غادرنا البركة 
وانتهينا إلى محطة «الغدير أو المكر والمكير؛ في الساعة ١١‏ 
والدقيقة 7٠١‏ نهاراً ولم نسترح من ذلك إلا ساعة وقت الظهر الذي كان 


ش الحر بعده تدك 


(اليوم السابع) : 

< وفى منتصف الساعة الثانية عشرة ليلاً صباح الأربعاء خامس 
المحرم قمنا من «الغدير أو المكر والمكير» فشرقنا ساعتين ونصفاً 

وسرنا إلى الشمال الشرقي ساعة ونصفها ونحو الشمال ست ساعات 

ووصلنا «محطة الهضاب» في منتصف الساعة الحادية عشرة نهاراً وقد 

التكريعنا بالطريق ساعة وقكه اللو فالسير عقر ساعات: 


(اليوم الخامن): 


وفي ليلة الخميس سادس المحرم الساعة 4 والدقيقة 6 قمنا من 
الهضاب وسرنا نحو الشمال خمس ساعات ونصفاً ونحو الشمال 
الغربي سس سبعاً ونصفآ فوصلنا إلى «صفينة) في منتصف الساعة الحادية 


المختار من الرحلات الحجازية 





61 - 


عشرة نهاراً بعد أن استرحنا بالطريق ساعة وربعها. 


[1947] وقد بتنا بها ليلتين في الأولى منها سرق حصان لنا كان 
مريضاً باحتقان في الحنجرة» وكانت تنزل من أنفه مواد مخاطية وكان 
مربوطاً خارج المعسكر للاشتباه في مرضه ولذلك تمكنوا من أخذه. 
وقد بلغنى خبر السرقة في الساعة الثامنة ليلا من الضابط المنوط 
بالحراسة (النوبتجي) فأحضرت في الحال عمدة البلدة المدعو سعداً 
وأخبرته الخبر وأكدت عليه ضرورة رجوع الحصان. فأسرع في الحال 
وركب مع بعض أقربائه هِجناً واقتفوا أثر اللصوص فوافونا به في 
الساعة الرابعة من الليلة التالية وقد أنهكه التعب» فسرني ذلك جد 
السرور وفرح الركب أيما فرح وقد كافأ العمدة أميرُ الحج بجنيهين 
انجليزيين - وكان له مرتب مثلهما - وجبة حمراء وشهادة بأنه (خوي) 
المحمل أي من أمنائه ففرح بذلك فرحاً شديدا. 


[594] وفي الليلة الأولى أيضاً اقترب بعض اللصوص من 
المعسكر زاحفين على أيديهم وأرجلهمء فبادرهم الجندي الخفير 
(الديدة بان) بضرب الرصاص فائثنوا راجعين بعد أن أصيب واحد منهم 
برصاصة في فخذه ‏ كما وردت بذلك الأخبار الأكيدة في الصباح - 
وبلغني أنهم سيحضرون في الليلة التالية ليأخذوا بثأرهم» فأعددت 
لذلك العدة واتخذت الحيطة؛ فعند الغروب أمرت (البروجي) بتزمير 
نوبة”'؟ كبسةء ففي لحظة يسيرة وقف العساكر بشكل مربع محكم 


)ع0 قال المحققى : تكون عند هجوم العدو بغتة . 


رحلة مرآة الحرمين 





-© 


داخله الحجاج وجمالهم» وترأس كل صف ضابط»ء ونصب المدفعان 
في اتجاه البلدة» وأمرهم رئيس المائة (اليوزباشي) أن يتشكلوا بشكل 
ضرب النار ففعلواء وبعد أن مررت بهم ونبهت عليهم بما يلزم زمر 
(البروجي) تزميرة الانفضاض (دستور)». وقد بلغني أن العربان لما 
شاهدوا تمرين العسكر والمدافع وجهت أفواهها نحو البلدة جبنوا عن 
الاقتراب من المعسكرهء وبتنا ليلتنا الثانية في أمان واطمئنان ولم يحدث 
ما يكدر الصفوء. فحمدنا لله رعايته لنا ورده المسلوب إليناء» ولم نسمع 
قبل ذلك أن العربان استلبوا شيئاً وردّوه ولكن رعاية الله فوق كل 


قاد 


(الجوع الفاسع ): 

وأقمنا يوم الجمعة سابع المحرم بصفينة للاستراحة والاستحمام 
إذ المياه بها كثيرة. 

(اليوم العاشر): 

وفي منتصف الساعة الثانية عشرة وقد أصبح صباح السبت ثامن 
المحرم قمنا من صفينة وسرنا إلى الشمال الشرقي ثلاث ساعات 
ونصفاء وإلى الشمال الغربي ستاً ونصفاً فتلك عشر ساعات سير 
واسترحنا ساعة وقت الظهر فكنا فى منتصف الساعة الحادية عشرة 
نهاراً قبالة (السويرجية) في ميسرتنا مسيرة ست ساعات» وأقمنا حيث 


انتهى بنا السير ولم نعرج على محطة السويرجية لأنه كان معنا المياه 
الكافية . ْ 





0 


[:19] وقد وافانا حيث أقمنا الشيخ بريكة الشويب شيخ قبيلة 
مطير وله مرتب سنوي ٠١‏ ريالاً (بطاقة) يأخذها من صرة المحمل عند 
مروره بأرضه نظير محافظته عليه» وقد طلب من الأمير مرتب السنة 
الماضية أيضاً لأن المحمل لم يمرّ فيها من الطريق الشرقي الذي نحن 
بصدد وصفه فلم يتقاض مرتبها - والعادة تثبت عند العرب بمرة 
واحدة ‏ فأبى عليه الأمير فأسرّها في نفسهء وتصادف أنه لما حضر 
الشيخ بريكة كان معه نحو ثلاثين هجاناً مسلحين فأناخوا هجنهم قبالة 
سرادق الأمير فأمر بنقلهم إلى جهة أخرى بلهجة شديدة فامتلأت من 
ذلك نفس الشيخ وصحبه» واستبنت ذلك في وجوههم فتلافيت الأمر 
وأخذتهم إلى خيمتي وذبحت لهم كبشاً وصنعت لهم ثريداً يعلوه الأرز 
فسُّرّي عنهم وأكلوا وشكرواء وازداد فرحهم لما قدمت لهم شاياً 
وقهوة. وأوقدوا ناراً أمام خيمتنا وصنعوا لنا قهوة عربية ودعوني 
فشربت معهم وكان مما قاله لي الشيخ بريكة ساعة حضر إلى خيمتنا 
هذه الجملة : (يابيه الباشا هذا علومه فاسدة يا راجل) وقال بلا خوف: 
نحن كلاب يقول لنا امشوا امشواء ولكن إكرامنا له وحفاوتنا به أزالت 
ما علق بنفسه. وطلب إلي أن أتكلم مع الباشا الأمير بشأن مرتب السنة 
الماضية فكلمته» واتفق الأمير مع أمين الصرة والكاتب الأول على أن 
هرت نناعك :لمي ترقى القو بالاقو رو رسا العرافى أن ركنم 
وس الماتةقى شرف المفي الآح اله :توعد الميناملة :وأعطاء 
نصف رأس من السكر ونحو رطل من البن وبعض من (البقسماط) 
وكذلك أعطيته بعض البن والسكر فزاد فرحه و شكره وعاد إلى قبيلته 


رحلة مرآة الحرمين 





1 
بعد أن رافقنا يوم بعد حدوده التي كان يرافق المحمل إليها كل سنة . 

(اليوم الحادي عشر): 

وفي منتصف الساعة العاشرة ليلا قمنا من (السويرجية) وسرنا 
نحو الشمال الغربي تسع ساعات ونصفاً ونحو الغرب ساعتين ونصفاء 
واسترحنا ساعة وقت الظهر فتلك ثلاث عشرة ساعة وصلنا بعدها إلى 
(محطة الحجرية) قبل المغرب بساعة ونصف . 

[146] وقد وجدنا بالمحطة رجلاً مغربياً مصاباً بالجدري لا 
يستطيع النهوض تركه رفاقه على (شبرية)7١2‏ وسط أشجار سنط كثيفة» 
فأشفقنا عليه واستجدينا له المحسنين» وأجرنا له جملا يركبه ورجلا 
يخدمهء وجعلناه في مؤخرة الركب على بعد ٠٠١‏ متر منه حذر أن 
تنتقل إلينا جراثيم مرضهء وقد أخذت صحته في التقدم من ذلك الحين 
لشدة فرحه برؤية ركبنا ولإشفاقنا عليه» وكان من خبر هذا الرجل مع 
رفقته أنه الذي دفع لهم أجرة الجمال وأنه كان معه 5٠‏ جنيهاً أخذوها 
وتركوه وسط غابة لا يأوي إليها إلا الوحوش الضارية» وقد بلغني من 
أهل المدينة أنه تم شفاؤه وأنه عرف رفاقه بالمدينة فأخذ منهم نقوده 
وتركهم وشأنهم . 


)220 قال المحقق : الشبرية عبارة عن مستطيلين من الخشب طول كل منهما نحو ١6١‏ 
سنتي في عرض 0 وضع أحدهما فوق الآخر على قوائم أربع في الزوايا الأربع 
ووصل بين كل ضلعين متقابلين بأحبال على شكل شيكة ما عدا الجهة العلوية 


ويوضع على ظهر الجمل ويركب فيه شخصان كل في ناحية ويسميها بعض 
العرب سحلية . 





0. - 

(اليوم الثاني عشر): 

وفي صباح الاثنين عاشر المحرم الساعة ١١‏ ليلاً قمنا من الحجرية 
وسرنا نحو الشمال الغربي ساعة ونصفأء وإلى الشمال الشرقي 
ساعتين» ثم إلى الشمال الغربي ثمان ساعات ونصفاً وقد استرحنا 
بالطريق من الساعة الخامسة نهاراً لغاية الساعة الحادية عشرة ثم 
واصلنا السير حتى وصلنا تجاه محطة (غرابة) فعرّسنا هنالك بعد تمام 
الساعة الخامسة ليلا . 

[197] وقد بدأنا من الحجرية في غابة كثيفة ساعتين ونصفاً وبها 
طرق متعدّدة (مدقات) ووجدنا بها بعض حجاج تركهم ركب المحمل 
الشامي؛ كما وجدنا غيرهم بالمحطات السابقة» وكنا نحمل من نجد 
إلى المدينة» ولا ماء حيث عرّسنا . 


(اليوم الثالث عشر): 

ورحلنا عن الغرابة صباح الثلاثاء الساعة ١١‏ ليلا فأشملنا مغربين 
ماني ساعات وسدساً وغربنا ساعة ونصفاً فوصلنا محطة (الغدير) 
الساعة 8 والدقيقة :٠‏ نهاراً. 

[591] وقد وجدنا بالطريق بثئراً ملأتها مياه المطر؛ أما محطة 
الغدير فيها بركة مبنية طولها ٠٠١‏ متر في عرض ٠١‏ وعمق مترين أو 
يزيد» وهي في حجر الجبل وبجوارها مياه أخرى. وقد أطلق أحد 
العربان (بندقيته) على خادم من خدم سلطان المكلة والشحر وهو 
يغترف الماء من البركة ولكن طاش سهمهء وقد بحثنا عن هذا الشقي 





فلم نظفر به. 
(اليوم الرايع عشر): 


وفي الساعة العاشرة من ليلة الأربعاء ثاني عشر المحرم سرنا من 
محطة الغدير نحو الشمال الغربي سبع ساعات ونصفاًء» وغربنا ساعة 
ونصفآء وانتحينا ناحية الجنوب الغربي ثلاث ساعات وإذا بنا في 
(المدينة المنورة) على صاحبها أزكى الصلوات والتسليمات» وكان 
وصولنا إليها في منتصف الساعة الحادية عشرة نهاراً. 


[194] ولا يفوتنا أن نذكر لك أنه عند قيامنا من مكة قام معنا 
مائتا جمل محملة أسلاكاً ومغازل ‏ ما يلف حوله السلك بالعمود - 
لخط الإشارات البرقية الذي شرع في إنشائه بالطريق الشرقي بين مكة 
والمدينة فسارت معنا آمنة مطمئنة»ء ووزعت تلك الأحمال على 
المحطات التي انتخبها الشريف لذلك حتى محطة الحجرية قبل المدينة 
بمحطتين» وقد كان بعض العربان يسألني عن السلك والغرض منه ومن 
توزيعه فكنت أبين له منافعه العامة والخاصة من تسهيل المخابرات 
وتعيين مرتبات لمن يحافظ عليه فكنت أرى فيهم الغيظ والتذمرء 
وكنت أراهم يتحدث بعضهم إلى بعض في شأنه كأنما يأتمرون عليه 
وقد تحقق ذلك؟ فإنه بعد وصولنا إلى المدينة بيومين بلغنا أن العربان 
قطعوا الأسلاك وحرقوا ١١٠١٠١‏ عمود من الخشب كان يحملها 7٠١‏ 
جمل من جدة» فسطا عليها العربان ونهبوها وقثلوا بعض جمالتها ولجأ 
الباقي إلى الجبال والفيافي . 





0 - 

[194] وبعد أن بلغنا الخبر بأسبوع قدم إلى المدينة الفريق صادق 
باشا العظهم"' المنوط به إنشاء الخط البرقي ومعه ركنه ‏ أركان حربه - 
وبعض خدمه فارين من العربان الذين أرادوا بهم سوءاً لما علموا أن 
صادقاً هو القائم بذلك» وكان حضورهم من طريق الساحل إلى ينبع 
ومنها سلكوا إلى المدينة طريقاً غير معتاد يسمى طريق بويط ينتهي 
شمالي المدينة بمحطتين» ولما وصل في مسيره إلى «محطة الملاليح» 
شمالي المدينة أخبر الدولة برقياً بما حصل فعزلته وعينت (فريقاً) بدله 
إرضاء للشريف عون الرفيق باشاء وهكذا تعمل مع كل موظف يخلص 
في عمله فيتصادم حقه بباطل الشريف وهواه فيشي به إلى أولي الأمر 
بالأستانة فيعزلونه ويولون غيره. 

]٠٠١[‏ وقد زارني صادق باشا وزرته مرات فوجدت فيه عاقلا 
نابهاً وعالماً متضلعاً وشهماً مخلصاً يقدّر الأمور حق قدرها ويعمل 
للدولة كل ما فيه إصلاحها ورقيهاء ولكن ذلك لا يعجب الشريف بل 
يريد عاملاً إذا أمره أطاع وإذا أغرض ساعدء وكان من أمره مع صادق 
باشا أنه لما أتم الخط البرقي بين الشام والمدينة وشرع في مده إلى مكة 
قابل الشريف فسأله: أي الطرق يسلكه الخط البرقي؟ فقال: «الطريق 
السلطانى» فامتعض الشريف وقال: بل الطريق الشرقى وخاطب الباب 
العالي 5 ذلك فأيده في قوله وجاء الأمر لصادق باشا بأن يعن لقولهء 


)١(‏ صادق بن صالح المؤيد العظم. قائد عسكري في الجيش العثماني. ولد ونشأ 
بدمشق. انتدبته الدولة العثمانية لعدة مهمات ببلغاريا والحبشة والحجاز. توفي 
بدمشق سنة 11579. انظر «الأعلام»: 9/ 180 . 


ا رحلة مرآة الحرمين 





فلم يسعه إلا التسليم مع أن الطريق السلطاني طريق مأمون عامر البلاد 
والسكان والآبار ولكن الشريف كبر عليه أن لا يمر الخط ببلدته 
(صفينة) بالطريق الشرقي فضرب برأي الباشا عرض الحائط مع أنه 
محض الصواب والمصلحة» وعرّض الخط لسطو اللصوص وعبثهم به 
وبالقائمين بمده» على أني أجزم بأن الشريف هو الذي حرضهم على 
ذلك» وكتب إلى السلطان بأن العربان قطعوا الأسلاك انتقاماً منه 
لإخلاصه لسدتكمء. وأنه أرسل إليهم عساكره فأدبوهم وضربوا على 
أيديهم فأرسل له السلطان مكافأة على ذلك ١5٠١‏ ريال و١٠‏ جبة جوخ 
ليفرقها على عساكره فحرضهم على التخريب ليتوصل إلى هذه 
المكافأة» ومن جهة أخرى فإنه يكره سهولة المخابرة مع الدولة لأنه لو 
خالفها استطاعت في زمن وجيز أن تجلب عليه من خيلها ورجلها مالا 
قبل له به ويؤيد ذلك أني لما حججت في سنة 11270١ه‏ وسلكت 
الطريق السلطانى سمعت مشايخ العربان يقولون إن الشريف عرفنا أن 
مد الخط الحديدي إلى الحجاز يمكن الألمان من بلادهم وينزل الضرر 
بهم وبأرزاقهم لأنه سيحرمهم نقل الحجاج وأمتعتهم وذلك مصدر من 
مصادر عيشهمء وأن ذلك ينشر الحرية بين الناس» فيقف السيد مع 
عبده جنباً إلى جنب في المقاضاة ويخاطبه خطاب الند للند» وترى 
الجارية منزلتها بمنزلة سيدهاء والأعراب قاطبة من أبغض الناس لهذه 
الأمور لأن الخدمة الخارجية على العبيد والمنزلية على الجواري فكيف 





الشريف وتصوب ما ارتأيته فى إغرائه العربان على حرق الأعمدة 


المختار من الرحلات الحجازية 





وتقطيع الأسلاك . 

]2١١[‏ واستقبلنا خارج المدينة بمسيرة ساعة كثير من أغوات 
المحمل الشامي. وحسبوا أن العرب أوقعت بنا حتى لم يفرّ أحد ولكن 
كذب ظنهم وحضرنا جميعاً ‏ بمعونة الله - سالمين ومعنا نحو 84 حاجاً 
حملهم إلى المدينة سلطان المكلة والشحر فإنه ‏ وفقه الله - أجر لنا ٠١‏ 
جملا من ماله الخاص . 
لتحيتنا وتهنئة السلطان"'' وركبه بالقدوم سالمين» وقد رافقونا حيث 
ينزل جندنا كل سنة في غربي المدينة الجنوبيى وذلك بجوار (باب 
الحميدية) الذي شيده سلطاننا الحالي عبدالحميد الثاني ويسمى باب 
العنبرية . 

دخول المدينة المثورة 

وفي يوم الخميس ١7‏ المحرم سنة 9١111ه,‏ اغتسلنا ولبسنا ثياباً 

بيضاء . ويممنا المسجد النبوي لزيارة النبى كَلِيةِ وصاحبيه . 


ثم خرجنا بعد ذلك من المسجد من باب جبريل وزرنا مقبرة البقيع 
فبدأنا بزيارة الخليفة الثالث جامع القرآن عثمان بن عفانء وثنينا 


)١(‏ أي سلطان المكلا والشحر السابق الذكر. 


رحلة مراة الحرمين 
بزوجات الرسول عد وأولاده وأقربائه. وثلثنا بشهداء البقيع . ثم زرنا 
قبر مالك ؛ يو أنسن إمام دار الهجرة والفقيه الورع . 





زرحخمهم رحمة واسعة . 
]7١7[‏ الاحتفال بإدخال المحمل المسجد النبوي 


في صباح السبت ١5‏ المحرم ألبس المحمل كسوته المقصبة 
واحتمله جمله وسار من معسكرنا يتقدّمه أميره وأمين الصرة ففرقه من 
العساكر الشاهانية بضباطها وموسيقاها ويحف به من الجانبين الحرس 
والفرسان. ودخل المدينة من باب العنبرية وسار في شارعها وقطع 
النماخة» ولما وصل إلى الباب المصري ترجل الراكبون أدبا مع 
الرسول كَكةَ وسلكنا طريقاً معوجاً عرضه 5 أمتار إلى أن وصلنا إلى 
9 السلام وهناك وجدنا محافظ المدينة وشيخ المسجد النبوي 
ناء فتسلم مقود الجمل الذي يقل المحمل من يد الأمير وأناخه 

00 المحمل المسجد ووضعناه بجوار المنبر النبوي كما هو 
العادة كل سنة ‏ ثم جلس المحافظ والأمير والأمين ومن حولهم 
الموظفون» وفككنا كسوة المحمل قطعة قطعة ووضعت في وسط 
المحتشدين أو المحتفلين» والغرض من هذا التفكيك أن يحمل كل 
موظف قطعة ويدخل الجميع المقصورة النحاسية لموضع الكسوة بها 
وزيارة الرسول يل وقد حمل كل منا قطعة واشترك المحافظ مع أمير 
الحج في حمل العلم الكبير (البيرق) وسار الجميع يتقدمهم المحافظ 


المختار من الرحلات الحجازية 





1 
والأمين نحو الحجرة وقد ارتدوا الملابس والعمائم البيضاءء وتقدم 
كثيرون واشتركوا معنا في الحمل فكثر العدد وتنبه الأغوات لذلك 
فأقصوا الدخيل» ودخلنا المقصورة''' ودعونا وقد تيسر لي الدخول 

مرتين أخريين مع (الأغوات) لإيقاد المصابيح . 


وقد أقمنا بالمدينة اثني عشر يوماً كنت أودي فيها أكثر الصلوات 
بالمسجد النبوي استزادة للثواب». وكثيراً ما كنت أتلو القران في 
المصاحف التي أبدع تسطيرها مهرة الخطاطين من الأتراك» وإن جمال 
روائها وحسن تنسيقها ليستزيدك من القراءة فيها فالبصر متمتع واللسان 
مرتل والقلب متدبر والمقام كريم والذكرى تهيج» فيا لها من ساعات 
لا يحيط الوصف بأثرهها في النفس . 


وبالمسجد مكتبة مملؤة بالمصاحف الخطية «ودلائل الخيرات)7") 
ذات الكتابة البديعة») وللمكتة رئيس وعمال يجمعول المصاحف 
والدلائل من القارئين عند الصلاة ويوزعونها بعدها على من رغب في 
التلاوة فيها. 


)١(‏ إدخال المحمل داخل المقصورة النبوية بدعة؛ وذلك أن غرضهم بذلك التبرك 
بالحجرة وإكساب المحمل هذه البركة» ومن ثم يوزعون هذا القماش فيما بينهم 
رجاء الاحتفاظ بأثر مسن القبر؛ وهذه الصورة غير مشروعة لناء» وقد كان 
الصحابة - رضي الله عنهم - يتبركون بآثاره الشريفة يك فمن وجد أثراً ثابتا له 
يك حقّ له أن يتبرك بهء وما سوى ذلك فلاء والله أعلم. 

(؟) في هذا الكتاب بعض المخالفات الشرعية فلينتبه إليها. 


رحلة مرأة الحرمين 





زدارة مسجد قباء 


٠1‏ الطريق من المدينة إلى قباء مخوف لكثرة النخيل به على 
الجانبين» فالواجب اتخاذ الرفيق وحمل السلاح؛ إذ هناك أعراب 
أشقياء يترصدون من ينفرد عن ركبه فيسلبونه ماله وربما قتلوه» وقد 
حدث أن أحد ركب المحمل سار مع صاحب له يودعه فبعد عن 
المدينة مسيرة ساعة وعند أوبته اصطاده اللصوص وضربوه على صفحة 
عنقه بعصا ذات رأس كبيرة كروية يسمونها (الدبسة) وسلبوه نقوده 
وتركوه» فلما أفاق رجع إلينا مشحوب اللون ومكث يعالج نفسه عشرة 
أيام حتى عاد إلى طبيعته الأولى . 


إخراج المحمل من المسجد النيوي 


[705] في يوم السبت 5" المحرم سنة 9١١١هه‏ تجمعنا 
بالمسجد النبوي وأخرجنا الكسوة من المقصورة النحاسية كما 
أدخلناهاء ووضعناها على المحمل الذي أقله جمله» وكانت العساكر 
الشاهانية''' والمصرية مصطفة صفين خارج باب السلام ومعهم 
الموسيقان تعزفان بشجي الألحان» وسرنا في موكب من الطريق الذي 
قدمنا منه حتى خرجنا من باب العنبرية» فوضعنا المحمل هناك 
بمعسكرنا قبالة سرادق الأمير» وعينا له من يقوم بحراسته . 


)١(‏ أي العثمانية. 


المختار من الرحلات الحجازية 





اط 
أهالي المدينة 


07 4 يكم 7 اليم خا ار سا ساح 


قال تعالى: # وَالْذِينَ تومو أَلدَارَ وَأَلإِيمُنَ من فَبِلِهمٌ يحبون حار أ 
لاِجحدُونَ فى صدُورِهم ابه يَنَآ ونوا وموه وبروت عَلح أنفسِييج وَلَوَ كن مم 
ار ل ب نولك هْمُ م م ل 


]7١7[‏ يسكن المدينة حوالي 08 ألف”" بينهم من ذرية الأنصار 
الذين نزلت فيهم هذه الآية ما لا يعدو أصابع اليدء وأكثرهم من 
الشاميين والأتراك والهنود والمصريين والمغاربة الذين رحلوا إلى 
المدينة ليجاوروا رسول الله يَلْةٌ وليسكنوا البلد الذي عز فيه الإسلام 
وانتشر منه نوره في قارات الدنيا القديمة . 


]١7[‏ ولا تزال الأخلاق الفاضلة راسخة في نفوس المدنيين» 
فالأخلاق مهذبة والنفوس مكملة والأكناف موطأة. يألفون؟! 
ويؤلفونء أنجاب كرماء؛ أقاموا لنا الولائم الفاخرة ودعونا إليها 
بصدور منشرحة وبشاشة باشة» وما كان ذلك مكافأة لنا على خدمة 
قدمنا ولا انتظاراً لشيء مناء غاية ما في الأمر أنهم كانوا يأتون إلى 


)١(‏ قال المحقق: شدة الفقر. 

(9):: سمورة الحرة ا2 3 

(6) قال المحقق: قد قل عددهم الآن وربما كانوا اثني عشر ألفاً وسبب ذلك هجرة 
أهل المدينة إلى الشام والأناضول والهند لما أن غادر الأتراك بلاد الحجازء 
وأصبحت السيطرة للملك حسين فقطعت المرتبات التي كانت ترد من تركيا 
وكذلك قطعت مرتبات مصر أخيراً وتبرعات كانت تأتي من الهند وبخارى؛ 
وسبب كل هذا توتر العلاقات بين الحجاز وكثير من الممالك الإسلامية . 


رحلة مرآة الحرمين 





سكن ل الس ين لطس ا اسل مه 
العصص دكن شر كن ليم المجاداك وكيد اسهع على الكر انين :وتقلام ليب 
الشاي والقهوة. 


وكانت هذه الولائم في بيوت جميلة وحدائق ذات بهجة تجري 
من تحتها الأنهارء وقد بلغ من كرم أخلاقهم أنهم يستقبلون خارج 
المدينة الوافدين عليها من كل فج عرفوهم أو جهلوهم فيتلقونهم 
ببشاشة وسعة صدر ويدعونهم إلى منازلهم فيجدون بها أهلاً وسهلاً 
وعيشاً رغداً وما فعلوا ذلك طمعاً في مال أو رغبة في أجر ولكنه خلق 
تمكن فيهم فدفعهم إلى إكرام الضيف إرضاء لوازع النفس وإجابة لنداء 
الدد: 


]١[‏ وأكثر أهل المدينة لونهم السمرة الضاربة إلى السواد 
وفيهم ذو السمرة الخالصة أو البياض الناصعء وأجسامهم نحيفة 
وحواشيهم رقيقة» وهم يتعيشون من التجارة والزراعة القليلة. 
والمرتبات التي يتقاضونها من أوقاف أرصدت لهم أو يأخذونها في 
نظير عمل يقومون به في المسجد النبوي» وكثير منهم يرتزق من 
الإرشاد إلى المساجد المأثورة والأماكن والبقع المباركة . 


]7١9[‏ والبساتين والحقول يقوم بحراستها والخدمة فيها ورعي 
مواشيها ‏ بل بالخدمة في البيوت أيضاً - جماعة من ذرية الأعجام 
يسمون النخاولة وهؤلاء بالمدينة أشبه بالفلاحين في مصرنا ولولاهم ما 
قامت الزراعة؛ وهم رافضة يبغضون أبابكر وعمر واحتقاراً لهم وعقاباً 





11 - 


على نزعتهم الباطلة كلفهم رئيس البلدية بأن يقوموا بطرد الكلاب من 
حول المسجد النبوي» ويجتمع بهم الأعجام في مواسم الحج 
ويؤجرون منهم الدور بما فيها! ! 

]"٠١[‏ والتجارة بالمدينة في أصناف كثيرة فيتجر أهلها وأرياب 
البادية في التمر والسمن والجبن ‏ وهو رخيص - وعسل النحل 
والحبوب من قمح وشعير وفول وحمص وذرة وترمس وعدس وأرزء 
وأكثر الحبوب يرد من مصر والشام والهند. والسمن والجبن أكثره يأتي 
به الأعراب من البوادي فيشترون به الحبوب والثياب والنحاس 
ويتجرون في الإبل والغنم والخيل الجيدة التي تأتي من نجد والحمير 
الحساوي. وفي الحرير بأنواعه والثياب القطنية والصوفية - وتأتي إليها 
من تركيا ومصر والهند - ويتجرون في السجادات وتأتي من فارس 
وبغداد والبصرةء ويأتي من الأخيرتين العباءات التي يختلف ثمن 
الواحدة من نصف جنيه إلى عشرين» وتأتي الأبسطة من فارس وتركيا 
وبغداد» والنحاس يرد من مصر . 

[11] وأهم صنف يتجرون فيه التمر الذي خصت المدينة من 
أصنافه بما لم يخص به غيرهاء وقد بلغت أنواعه ١77”‏ نوعاً منها 
الأنواع الحُرّة وتبلغ نحو ؟7/ا صنفاًء وهذه يأكل منها أهل المدينة 
ويهدونء» ومنها الأنواع التي تسمى (لونا) وتقارب المائة» وهذه يأكل 
منها عرب الجبال لرخص ثمنهاء ومن اللون ما له نوى وما ليس له. 
والأبيض والأصفر والأحمر والغليظ والرفيع وذو الحجم الكبير 
والصغيرء أما الأنواع الحرة فأهمها (العنبرة) وطول التمرة منها يقارب 


رحلة مرآة الحرمين 6 
٠‏ سنتميترات في عرض نصفهاء وثمنها أربعة أمثال ثمن غيرها وهذا 
الصنف قليل» ثم (الشلبي) ويُهدّى لكثير من الأمراء والكبراء» ثم 
(الحلوة) وهو أحب الأنواع إلى أهل المدينة بلحه ورطبه وتمره. 7 
(البيض) طوله كعرضه»ء ثم (الشقرى)» ثم (السُكرة) ويتفتت في الفم 
بسهولة بلحه ورطبه وتمره كأنما هو سكرء ثم (الطَبَرْجَلِي) ويكون 
أصفر بلحاً ورطبآء ثم (البَْنِي)» و(العجوة) و (الخضرية) ولونه أخضر 
بلح ورطباً وتمرآء والرباعي) و(المكتومي) ويشبه فنجال القهوة» ثم 
(سكرة الشرق). 8 (الجاوى) وهو أسود اللون بطناً وظهراً رطباً وتمراً 
و(اللبانة) ولونها أبيض ولا تؤكل إلا تمرأ وهي أنواع سبعة (والفند) 
وهو أحمر اللون ذو أنواع» والحرّ كله بارد إلا الشلبي والجاوى فإنهما 
حاران إذا أكل منهما المرء شرب من الماء كثيراً؛ ولذلك لا يأكله أهل 
المدينة إنما يهدونه حيث الأجواء المناسبة لأكله . 





]/١[‏ وأكثر تجار الحبوب والتمر من المصريين» ويليهم الترك 
والشوام والهنودء : ثم أهل المدينة» والأردب عند أهل المدينة ينقسم 
إلى عدا اله كيس الاق بن الست والأقة 1٠١‏ درهم كأقتناء 
والكيلة عندهم ربع المذّء والشطر نصف الكيلة» والرطل المصري 
يستعمل عند العطارين فقط». والأقة تستعمل فى كل شيء. 


والعملة الأصلية في المدينة الجنيه العثماني (8/,1/0 قرشاً 
مصريا) والريال العثماني )١7,75(‏ وكل النقود الذهبية والفضية في 


المختار من الرحلات الحجازية 





1 - 


وأشهر الأسواق بالمدينة سوق «باب السلام» ويمتد من هذا الباب 
بالمسجد النبوي إلى الباب المصري على مسافة تقارب 10٠١‏ متر في 
شارع ضيق لا يعدو عرضه أربعة أمتارء وبهذا السوق الأشياء الثمينة. 
ويليه سوق البلاط على يسار المتجه إلى باب السلام» ثم سوق الساحة 
بعده. ثم سوق المناخة وفيه الحبوب واللحوم والخضروات والفواكه. 
والأشياء القديمة في مكان يقال له سوق «الحراج» . 


عادات أهل المدينة 


[1] من عاداتهم في الزواج أنه إذا رغب فتى في الاقتران بفتاة 
انفق أهله مع أهلهاء ثم تذهب أسرة الزوج إلى منزل آل العروس فيقوم 
خطيب من قبل الأولين يخطب خطبأ نثرية وشعرية يعدّد فيها مفاخر 
الزوجة ويلمح فيها باسم العروس». ثم يقوم خطيب من قبل أهل 
المخطوبة فيعدّد فيها مآثر الزوج ومفاخر أسرته ثم يقبض المهر 
بأكمله.ء وقد يؤخر بعضه في الأسر الفقيرة» ويستحضر المهر في 
صندوق من فضة به ورقة كتب فيها مقدار المهر وقيمة الجارية التي 
يشتريها والد الزوج لتخدمهاء والمهر لا يزيد على مائة جنيه وقيمة 
الجارية من 7١‏ إلى 0١‏ جنيهاً مجيدياً. ويقدم مع المهر ملابس حريرية 
للزوجة مشغولة بالفضة (والثّل) الكثيرين قيمتها من 00 إلى ٠٠١‏ 
جنيه»ء ويبلغ ثمن (التكة) وحدها حوالي عشرة جنيهات في المهور 
الكبيرة» والزفاف يكون بعد سنة من هذه الحفلة ولا يكون قبل ذلك 
حتى يتمكن والد الزوجة من إعداد الأثاث لمنزل زوجها وفرشه - وهم 
يسرفون في الجهاز كما يسرف سكان القاهرة والمدن المصرية ‏ وتقام 


رحلة مرآة الحرمين 
وليمة في منزل الزوج يوم نقل الجهاز يدعى إليها أقارب العروسين 
والأصحاب ويستكثرون من الأشخاص الذين يحملون الجهاز حتى أن 
لكل قطعة صغيرة حاملاً خاصاًء ويدفع الزوج أجر الحمالين» وفي 
حفلة الجهاز يعين يوم الدخول ليلة اثنين أو جمعة ويكون ذلك بعد نقل 
الجهاز بأسبوع ‏ كما هو عادتنا بمصر ‏ وتزف العروس وقت السحر 
إلى منزل زوجها في عربة» وحين تصل تزف مع زوجها داخل المنزل 
بحضور جمع من النساء سافرات يحملن الشموع ثم يدخل بها 
المخدع؛ فإذا ما أشرقت الشمس خرج الزوج إلى منزل العروس 
ليتغدى فيه ثم يرجع إلى زوجه؛ ولا يباح للزوجة أن تخرج من المنزل 
إلا بعد سنة وربما تساهلوا إلى ستة أشهرء وتقام ولائم للرجال والنساء 
ليلة الزفاف وليلتين قبلها وليلة بعدها يبذر فيها المال تبذيراً كما أسرفوا 
في الجهاز والهدية» الشبكة. 





],١:[‏ وكان خليقاً بجيران رسول الله يَكلٍِ أن يتجنبوا الإسراف 
والمخيلة وأن يقفوا عند ما رسمه من الحدود قيقتصدوا في المهور 
والأجهزة والولائم» ولكن الناس أولعوا بالزخارف والمظاهر عن رعاية 
المصالح والشرائع الحقة #ورَيَّنَ لَهُمَ الشَّيطَنٌ أَعْملهُم صَصَدَّهُمْ عَنٍ 
ّمل 374 , 


]١6[‏ وإن تكن هذه سيئة منهم فحسنة كبيرة فيهم أن الميت إذا 
فاضت روحه لا يرفع صوت ولا يشق جيب ولا تنوح نائحة ولكن تبكي 


() سورة النمل: آية 785. 


6 المختار من الرحالات الحجازية 

العين ويحزن القلب ولا يقولون ما يغضب الربء ولا تتبع امرأة 
جنازة» فهم في ذلك كما كان رسول الله يك وقد جرت عادتهم أن 
الميت بعد أن يوارى التراب يقف أهل الميت فيعزيهم الناس ثم 
يعيدون الكرة إذا رجعوا إلى منزله ويحضرون إليه ليالي ثلاث ليقرأوا 
القرآن ويهدوه إلى روح الميت ويستغفروا له» ويقدّم أهل الميت لكل 
قادم إليهم جزءاً يتلو فيه القرآن إن كان يحسن التلاوة» ويسرفون في 
المآتم كما يسرفون في الأفراح» فكل معزية طاعمة» ويزورون المقابر 
رجالاً ونساء ليلة الاثنين وليلة الخميس» ويأخذون معهم الرّيحان 
يضعونه على القبور كما شق رسول الله يَكإْةِ جريدة شقين ووضعها على 
قبرين”''» ويقرأ لهم القراء هنالك القرآن ويأخذون نظير ذلك ما تيسر 
من النقودء ولا يفرقون أطعمة هنالك كما نفعل ولكن يأخذون الماء 
ويبيحونه للراغبين . 





1) ويقيمون مولداً لسيدنا حمزة عند مشهده كل سنة من أول 
رجب إلى منتصفه بحضرة أهل المدينة ‏ رجالاً ونساء - وأهل مكة 
والطائف: وحذة ورابغ وسكان البوادي الذين يزورون المدينة كل عام 
في رجب». ويحضر أرباب الطرق وتذبح هنالك الذبائح ويطعم 
الطعام. ولولا ما في ذلك من اتخاذ القبور أعياداً ودعاء الموتى من 
دون اللهء والجلوس على المقابر وسن شرائع لم يأذن بها الله لدخل 
هذا في حظيرة الجائزء وكذلك يعملون مولداً لسيدنا علي العريضي 


. قد ذكر بعض الفقهاء أن هذا الفعل خاص برسول الله يك‎ )١( 


رحلة مرأة الحرمين 





ا 
عند قبره» ومسجده شرقي المدينة على مسيرة ساعة ونصف منهاء 
والعولد فى لأس بكرن ل اده وهذا المولد يستمر أربعة أيام”'' . 
[7] ومن عادتهم في رمضان أنهم يتناولون فطوراً خفيفاً في 

المسجد النبوي بعد أذان المغرب لا فرق بين غنيهم وفقيرهم» وهذا 
الفطور من الأشياء الحلوة ونحو الزيتون والفطير وما شابه ذلك» ثم 
يصلون المغرب ويذهبون إلى بيوتهم ليتناولوا الفطور الكامل. 
ويأخذون كل من يجدون في الطريق . 

[148/] ويعد الأكل يحضرون إلى المسجد لصلاة العشاء وصلاة 
التراويح» وهذه تقام بأئمة كثيرين ينيفون على الخمسين؛ فكل كبير له 
ولأتباعه إمام» والنساء لهن إمام واحدء والأئمة إما من الشبان الذين 
حفظوا القرآن أو من علمائهم» وأمام كل إمام شمعدانان بكلّ شمعتان 
تضرف من خزينة الدولة» ويتقاضى هؤلاء الأئمة مرتباً من الدولة آخر 
رمضان أجراً لهم على إمامتهم» وسراة البلدة يوزعون الثياب البيض 
على الفقراء والمساكين غب”"' الصيام . 


[19] وعيد الفطر عندهم أربعة أيام يتزاورون فيها جميعاً لكل 
جهة يوم مخصوص يزورون فيه أهالي الجهات الباقية» ويقدم للزائرين 
الحلوى فيأكلون وماء الورد فيتطيبون والعود الهندي فيتبخرون» ويقاد 


)١(‏ هذه الموالد والتعلق بها أدى إلى تأخر المسلمين وغلبة المستعمرين عليهم؛ 
وذلك لأنهم انصرفوا عن معالي الأمور إلى التعلق بصغازها وبما لم يرد به 
الشرع ولم يأذن» والله أعلم . 

030( أي بعد . 


المختار من الرحلات الحجازية 





110 - 


في الحجرة النبوية ليالي رمضان من العشاء إلى إكمال صلاة التراويح 
أربعة عشر شمعداناً ذهبياً زنة الواحدة سبع أقات . 


]7١[‏ وفي 7 ذي القعدة من كل سنة تقدّم كل أسرة هدايا إلى 
حجرة الرسول كله وهي أكياس من «الشاش» بعدد أفراد الأسرة» في 
كل كيس من ٠١‏ إلى 06 درهما من القمح الطيب النظيف» ويضعون 
هذه الأكياس في الحجرة من الشباك فيأخذها الخصيان ‏ الأغوات ‏ 
خدم المسجد ويهادون بها الملوك والأمراء والأكابرء ويبتغي أهل 
المدينة من وراء ذلك بركة أو يقصدون الصدقة ولكن لا أدري على 
من؟٠؛‏ وليست تعطى لصنف من الأصناف الثمانية الذين تقسم فيهم 
الصدقات كما نطق بذلك القرآن. 


ومواعيد سداد الديون عندهم حضور المحمل الشامي أو 
المصريء والأول أحب إلى الدائنين لحضوره أولاً» والثاني أحب إلى 
المدنيين لحضوره آخراً. 

]"1١[‏ ويعملون عقيقة الطفل يوم الولادة وربما كررها الأغنياء 
في اليوم السابع الذي يسمون فيه المولودء ويضعون عليه من الحلي ما 
ينوء به الرجل الكبيرء وبعد التسمية تحرك يد «الهون» داخله حركات 
متوالية إيذاناً بالتسمية فيزغرد النساء إذ ذاك» وإذا ما تم للطفل أربعون 
يوماً على الأقل أثقله أهله بالزينة»ء وذهبت به أمه وقريباته ومعهن 
القابلة تحمله إلى المسجد النبوي قبيل المغرب» فبعد أن ينتتهي النساء 


60 انظر التعليق على فقرة رقم .]7١5[‏ 


رحلة مرآة الحرمين 





من صلاة المغرب بمكانهن الحاضر (التقفيصة) يأتى أحد الخصية - 
الأغرات ‏ فيأخذه ويدخله الحجرة ويضعه تحت السثر الذي هنالك 
عند رأس النبي ككلِِ ويكون بصحبته عيش لت بالسمن يدخل معه 
الحجرة» ثم يوزع بعد ذلك على الأهل والأقارب فيأكلون منه 
ويتبركون”''» ويعطي للخصي نظير ذلك بن وسكر ودراهم معدودة. 


[771] وأكثر البيوت يقوم بالخدمة فيها الجواري وعلى ربة 
المنزل أن تنظم وتشير. 


[1] ومن عاداتهم أنه إذا ضرب شخص آخر ضرباً يكاد يقضي 
عليه والتجأ إلى أحد الأعيان وقال له: أنا فى وجهك - يعني حماك 
وكنفك ‏ فيأخذ هذا من فوره جمعاً من أصحابه وأقرباته ويذهبون إلى 
أسرة المضروب فأي شخص صادفوا منها ألحوا عليه حتى يتكفل لهم 
بتاجيق الالعذ. بالدار .سنة» .ومتى ‏ تكفل أجازه: 'قومة» :وبعف النسنة إما 
صلح على مال يدفعه أهل البلد وقد يتسامح فيه المدنيون ‏ حاشا 
الأعراب ‏ وإما قصاصء» وذلك قليل لأن الحفيظة يخفف أثرها مضي 
الزمن واجتهاد آل الجاني في استرضاء أولياء المجنى عليه . 

[1"] المسجد النبوي 
أما ما فيه من النقوش البديعة والكتابات الجميلة التي بسقف 


المسجد وجدره وأعمدته ومحاريبه فقل فى وصفها ما شئت؛ فإنه ليس 


.]7٠7[ انظر التعليق على فقرة رقم‎ )١( 


المختار من الرحللات الحجازية 





- 0 
في الدنيا مسجد عني به الملوك - خصوصاً ملوك العثمانيين - والأمراء 
والأفراد كالمسجد النبوي الذي به تعاليق نفيسة وهدايا ثمينة أهديت 
للمسجد والحجرة لا تجد لها مثيلاً في مكان آخرء وحسبك أنها قومت 

بسبعة ملايين من الجنيهات . ولا بأس من أن نجملها لك . 


يوجد بالمسجد النبوي» عدا المقصورةء 57١‏ قنديل معلقة في 
العوارض الحديدية التي بين الأعمدة بسلاسل من فضة في المسقف 
القبلى وبسلاسل من صفر”'' في باقي المسجد.ء وفيه نجفات كثيرة من 
البلور»ء ومن ذلك نجفتان كبيرتان على أطرافهما تنانير يوقد فيها 
الشمع . 

وبالمقصورة ٠١6‏ قنديل حول الحجرة الشريفة والباقي قناديل 
كقناديل المسجد معلقة بسلاسل الذهب.» ومن ضمنها الثريتان 
المعلقتان على يمين قبر فاطمة ويسارهء وبأعلى الدائرة التي حول 
الحجرة معاليق من الجواهر الثمينة ومكانس من اللؤلؤ الفاخرء» وقد 
أرسل السلطان عبدالمجيد سنة 5/ا17١ه»‏ شمعدانين عظيمين من 
الذهب الخالص المرصع بالألماس الفاخر طول كل منهما نحو قامة. 
ويقال إن ثمنها "٠٠٠٠٠‏ جنيه مجيدي (الجنيه المجيدي يساوي 
6 قرشاً صحيحاً مصريا) وقد وضعا بالمقصورة أحدهما تجاه 
رأسه الشريف والآخر في محاذاة رجله الكريمة» وقبل ذلك أهدى 
شمعدانين كبيرين من الذهب الخالص وأهدى بعد ذلك عدة مباخر 


رحلة مرأة الحرمين 





وقماقم من الذهب والفضة. 

[771] وقد كان الملوك والأمراء في الأعصار المختلفة يتسابقون 
في الهدايا إلى المسجد. وكثيراً ما سلبها قوم لينتفعوا بها في مصالحهم 
الشخصية . ظ 

ويحسن بنا أن نورد لك في هذا المقام نبذة ذكرها الجبرتي 
المؤلاخ الناقد. 

وهذه الأشياء أرسلها ووضعها من وضعها من الأغنياء والملوك 
والسلاطين الأعاجم وغيرهم إما حرصاً على الدنيا وكراهة أن يأخذها 
من يأتي بعدهم. أو لنوائب الزمان فتكون مدخرة ومحفوظة لوقت 
الاحتياج إليها فيستعان بها على الجهاد ودفع الأعداء. 

فلما تقادمت عليها الأزمنة وتوالت عليها السنون والأعوام وهي 
في الزيادة ارتصدت معنى لا حقيقة» وارتسم في الأذهان حرمة تناولها 
وأنها صارت مالا للنبي كِ فلا يجوز لأحد أخذها ولا إنفاقهاء والنبي 
كِِ منزه عن ذلك لم يدخر شيئاً من عرض الدنيا في حياته» وثبت في 
الصحيحين أنه قال «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً». وكنز المال 
بحجرته وحرمان مستحقيه من الفقراء والمساكين مخالف لشريعته . 

وإن قال المدخر: أكنزها لنوائب الزمان ليستعان بها على مجاهدة 
الكفار والمشركين عند الحاجة إليها قلنا: قد رأينا شدة احتياج ملوك 
زماننا واضطرارهم في مصالحة المتغلبين عليهم من الإفرنج» وخلو 
خزائنهم من الأموال التي أفنوها بسوء تدبيرهم وتفاخرهم» فيصالحون 





- 0 
المتغلبين بالمقادير العظيمة بكفالة إحدى الفرق من الافرنج المسالمين 
لهم. واحتالوا على تحصيل المال من رعاياهم بزيادة المكوس 
والمصادرات والاستيلاء على الأموال بغير حق حتى أفقروا تجارهم 
ورعاياهم. ولم يأخذوا من هذه المدخرات شيئاً ولم ينتفع بها أحد إلا 
ما يختلسه أغوات الحرم تبعاء وأما الفقراء من أولاد الرسول وأهل 
العلم والمحتاجين وأبناء السبيل فيموتون جوعاً. 
السفر من المدينة 
الاحتفال بالسفر من المدينة 

جرت العادة أن يقيم ركب المحمل زينة قبل سفره بليلة» وقد 
أقمنا هذه الزينة مساء يوم الأحد ١7‏ المحرم سنة 19١7١هء‏ وقد هرع 
الأهالي والضباط والعساكر العثمانية لمشاهدتهاء وقد أحيينا هذه الليلة 
بتلاوة المولد النبوي» والقائم بتلاوته جندي من الحرس يحسن إلقاءه 
ويجيد قراءة القران بصوت جميل ويعرف القراءات» وقد اشتد الزحام 
حتى اضطررت لاستحضار جميع كراسي الأمير والأمين» وفرشت 
جميع ما عندنا من السجادات» وشرفنا جمع من الأكابر» وقدمنا لكل 
من حضر الشربات والشاي» ووزعنا عليهم قراطيس صغيرة فيها 
الملبس كعادة أهل المدينة والحجاز»ء واستمرت الحفلة إلى الساعة 
السادسة بعد الغروب. 


[777] التعدي على الحجاج 


في يوم ١7‏ ذي القعدة قبل أن نصل إلى مكة سطا العربان على 


ل مرأة الحرمين 





قافلة كانت ببحرة بين جدة ومكة فقتلوا من رجالها ونسائها وجرحوا 
والسودانيين. 





[/7717] فلما وصلنا مكة في 59 ذي القعدة هرع الحجاج إلينا ‏ 
وبثوا شكواهم وفقد المال من أيديهم. فاستجدينا أهل البر والإحسان 
لهؤلاء الذي انقطع بهم السبيل فجادوا بما قدروا وقد كتبت إلى 
الحكومة تقريراً بهذه الحادثة وبحوادث أخرى في 77 ذي الحجة سنة 
ها 


حرب وهذيل أمام ديوان الحكومة دون أن يبالوا بها وقد قتل فيها 
ثمانية . 


]7١9[‏ وقد كثرت إهانة المطوفين وأعوان الشريف للحجاج 
المصريبن» وأكرهوهم على دفع الإعانة للسكة الحديدية الحجازية بل 
كانوا يحبسون من يمتنع عن دفعهاء وقد أخرجنا من السجن كل من 
علمنا بسجنه» وحبسوا أيضاً مصرياً استأجر جمالاً من المحمل الشامي 
بحجة أن ذلك يضر بمصلحة الشريف؛ إذ ليس له ضرائب على الجمال 
التي تقل ركب المحمل الشامي لأنها تأتي معه من الشام» وقد شكونا 
إلى الشريف والوالى هذه الإهانات فما كان جواب الأول إلا أن قال: 
إنكم كاذبون» فكاتبناه بأننا مستعدون لإثباتها رسمياًء فكتب إلينا أن لا 
تتداخلوا في شؤون الحجاجء أما الوالي فإنه اعترف بحبس المطوفين 


المختار من الرحلات الحجازية 





0 
من لم يدفع الإعانة . 

5١ من جريدة المؤيد الصادرة في‎ 477١ جاء في العدد‎ ]/١[ 
: المحرم سنة 777١هء (9 أبريل سنة 1405١م) ما يأتي‎ 

عريضة مفتوحة 

لحلالة سددنا ومولانا الخليفة لسعادة صاحب الإمضاء 

علا الضجيج يا أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين فملا 
الآفاق من حجاج بيت الله الحرام ومن الذين يتألمون لهم من المسلمين 
وغير المسلمين من أهل الشفقة والمرحمة : 

يا إمام الهدى وظهير الحق إن الأيدي الطاهرة التي بسطها 
الحجاج إلى السماء في بيت الله حول الكعبة للدعاء بنصرك قد قطعها 
الأعراب ورموا بها على الأرض تقطر دما يقرأ منه الغادي والرائح 
حروف (واخليفتاه) بل قطعها يا أمير المؤمنين عون الرفيق”'' وأنصاره 
ممن في دار الخلافة طمعاً في المال من أجرة الجمال. 

يا أمير المؤمنين قد حار الناس وجدير بهم أن يحاروا لأنهم 
يعدون أمير المؤمنين خامس الخلفاء الراشدين تقى وإيماناً» ويعتقدون 
أنه خبير بما في الشرق والغرب ويعلمون أن كلمة ينطق بها جلالته 
تجعل الحجاج يسرون ليلا آمنين بين تلك النجاد والوهادء أفراداً 
وأزواجاً ولهذا قد زاغ بعض الجهال فقالوا: إن هذا مقصود ليشتهر بين 


)١(‏ أي الشريف عون أمير مكة. 


رحلة مرأة الحرمين 











الناس عن المنتسبين إلى بيت الرسالة ما نراه وتسمعه من هذه 
المخزيات فتشمئز منهم النفوس وتعتقد أنهم لا يصلحون لشيء 
فيستريح خاطر جلالة سيدنا ومولانا من تلك الكلمة التي يكررونها انأ 
قآنأء وهي «الأئمة من قريش» ولكن الحقيقة الخالصة هي أن عون 
الرفيق وصاحبه وجدا من تشبث الحكومة المصرية في التشديد على 
الحجاج في السفر إلى الحجاز ينبوعاً لا ينضب في تكذيب ما يرد على 
العتبة العليا من صادق الأخبار في أحوال الحجاج السيئة باستكتابهم 
أشياعهم ما أرادوا من الأراجيف . 


يعود يا أمير المؤمنين حجاج البيت إلى بلادهم وقد فقدت الأم 
ولدهاء والزوج زوجهاء والولد أمة» والزوج زوحه » والغني ماله » 
والمعقير سأية > ويزيد على ذلك كله خحجلهم من الذين كانوا يحذرونهم 
مو هد] السدتب» 


يا أمير المؤمنين: إن الناس يقولون إن أعظم ألقاب الشرف 
والفخر لجلالتكم ولأبائكم خلفاء الإسلام وسلاطين العالم أنكم خدام 
الحرمين الشريفين فكيف تسفك دماء من قصدهما لإكمال قواعد دينه 
وهما من الله في عهدة جلالتكه؟ ظ 


قد أعيتني ‏ يا أمير المؤمنين ‏ الحيلة في هذه الحادثة وأعيت 
غيري هن عبيدكم المخلصين لوجود هذه الأسوار الصينية حول القصر ' 
المعمور التي بناها عون الرفيق وأشياعه» فبعثت بهذه العريضة مفتوحة 


وهو ذنب عظيم ولككن السكوت على هذا الأمر الفظيع أعظم فاخترت 


المختار من الرحلات الحجازية 





أخف الذنبين» وأنا واقف موقف الخضوع ألتمس العفو والمغفرة. 
عبد مملوكلري"'؟: إبراهيم المويلحي”" 
[71] وجاء في العدد 5575 الصادر في 58 المحرم تحت 
عنوان «الخطر على الإسلام» ما يأتى بعد الديباجة : 


خير ما يهدي المسلم لأخيه الدعاءء وقد فعلت وأرجو من الله 
سبحانه أن يعينكم ومن نحا نحوكم من الصحافيين وأرباب الأقلام على ظ 
القيام بالواجب تلقاء ما ألمّ بحجاج بيت الله في هذا العام من خطر 
وأصابهم من ضيم وضرء وإني وغيري من المسلمين لنألم أشدّ الألم 
لما أصاب إخواننا الحجاج» وكيف لا نألم لدماء تسفك وأموال تسلب 
ومصونات تهتك فتنبذ بالعراء»ء وكل ذلك كان أمانة في حمى بيت الله 
الحرام فخاب الأمل في الأمانة ووقعت الخيانة من المؤتمنين عليهاء 
وكانت الشكوى من شريف مكة مثل الشكوى من أعراب أجلاف غلاظ 
الأكباد قساة القلوب يزعمون أنهم مسلمون والإسلام من أعمالهم براء. 

السيد الشريف هو الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويؤدي 
على رغبة منه واختيار ما وجب عليه لدينه وسلطانه وقومه وليس هو 
ذلك الأمر بالفساد وقطع الطريق”". الدافع المسلمين عن زيارة بيت 


)١(‏ هكذا ينسب الأتراك أسماءهم» والمعنى العبد المملوك» والمراد التأدب في 
خطاب السلطان. 

(5) لعله: إبراهيم بن عبدالخالق بن إبراهيم المويلحي. كاتب مصري. رشيق 
الأسلوب قويه» نقادء أصله من. مويلح الحجازء ولد في القاهرة سنة 21551 
وتوفي بها سنة 1777. انظر «الأعلام»: /١‏ 550 . 

() الأسلوب التهكمي واضح. 


رحلة مرأة الحرمين 





0 
ربهم أملاً في نيل ذهب ذاهب وفضة منفضة ومتاع غرورء ولا يدري 
أنه بما أمر يجني على نفسه وعلى ذريته بل وعلى أهل دينه. وأنه بما 
يسلب وينهب وأشياعه وأعوانه كأنما ينادي بتشهير سلطانه ويعلن عجز 
دولته عن تأديب أعرابه وحراسة الأمن في جزيرة العرب» وكأنه يدعو 
بذلك دول أوربا التي لها رعايا مسلمون أن تحتج للتدخل في شؤون 
الجزيرة بحماية رعاياها الحجاج فترسل كل عام جيوشاً تنزل الجزيرة 
تخبر أحوالها وتعمل على اختلاق الأسباب لاحتلالهاء وهناك البلاء 

الطام والداهية المدلهمة للإسلام وأهله . 


فلماذا يصبر المسلمون على الأذى ويرضون بوجود طاغية في ظل 
أنه ابنها الواجب احترامه لماذا يرضى المسلمون أن يكون القائم على 
حراسة الكعبة وحجاجها رئيس طغام طغاة؟ فهلا اتفقفت كلمتهم 
واكتتبوا بالمال واتخذوا لهم جنداً يستنزل هذا الظالم العاتي من سماء 
تلك المفاوز فيبدل خوفها أمناً ويضرب على أيدي العتاة الظالمين . 


وقد يكون هذا الأمر متعسر الحصول أو متعذره ولكن ألا يسهل 
على الخليفة الأعظم وهو خادم الحرمين الشريفين وصاحب الجيوش 
الكثيرة أن يرسل إلى أرض الحجاز كل سنة من جنوده ما يحفظ الحج 
والحجاج ويجعلهم في مأمن من على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم . 


وهل سلطة الخلافة المقدسة تغار على صعاليك الأروام 





1 - 

والبلغاريين القاطئين بمونستير”'؟ أو سلانيك”7؟ ولا تغار على سراة 
المسلمين وعظمائهم الذين يقصدون بيت الله ليؤدوا أقدس الفرائض 
الدينية؟ 

ولا يخفى على الصحافيين أن الجرائد ملاذ الناس في أمثال هذه 
الحوادث المدلهمة وهم أعلم الناس بما ينجم عن الفوضى في أرض 
الحجاز من المضار الجسيمة؛ فاستصرخوا أقلامكم في وجه ذلك 
الطاغية المقيم في مكة. واطلبوا من أمير المؤمنين مولانا السلطان 
توجيه عنايته لبلاد العرب التى هي بمنزلة الشريان فى جسم الدولة 
والقلب من جسد الأمة الإسلامية» ولا أمان لهما من الإصابة فيه إلا 
بتجهيز جيش يمتد على طريق الحج في كل عام ليحفظه ويحفظ 
السكان من عبث العابثين وظلم الظالمين): محمود أنيس . 

[7/17] وجاء في جريدة المؤيد في العدد 55165 الصادر في ١١‏ 
صفر ما يأتي تحت عنوان «الحجاج الهنود» . 

نُعرُبٍ هنا بعض ما نشر في الجرائد الهندية الإسلامية التي تصدر 
باللغة 1ل ورد عم اميا جاع بيك الله التحرام فى هنذا العام ' 

جاء في جريدة (وكيل) التي تنشر في بلدة (امرتيسار) من أعمال 
الهند ما يأتي في رسالة بعث بها أحد الحجاج الهنود من مكة بتاريخ 5 
فبراير سنة 5 95١م:‏ 


)١(‏ مدينة في تونس. 


رحلة مرأة الحرمين 





اعد 


(قد توجد في الجهات البربرية التي لا يزال أهلها في طور 
الهمجية بلاد يظلم فيها الناس ويسامون الخسفء. ولكنا لو فتشنا في 
كل بقاع المعمورة على بقعة يصاب فيها عباد الله بكل أنواع المظالم 
والعنف والاستبداد وسوء المعاملة بمثل ما يصابون به في مكة المكرمة 
حيث بيت الله الحرام ما وجدنا لها نظيراً (واحسرتاه) يهجر الحجاج 
بلادهم ويفارقون بيوتهم وأولادهم ونساءهم وأموالهم ويكابدون ما 
يكابدون من وعثاء السفر ومتاعب المحتجرات الصحية عن طيب نفس 
ورضا خاطر حباً في الثواب وطلباً للأجر من الله» مؤملين أنهم متى 
وصلوا إلى مكة فقد أن لهم أن يستريحوا وتطمئن نفوسهم» ولكنهم 
لايطأون أرض الحرمين حتى ينقض عليهم الأعراب سلباً ونهباً وقتلا 
ويسومونهم سوء العذابء» اللهم إنا نعرف أن التصريح لكل هذا مضرٌ 
بنا مضيع لعزتنا ملوث لشرف آبائنا لأنه يرى العالم الأجنبي كيف 
أصبحت البلاد الإسلامية المقدسة» ولكن ما الحيلة وقد أدلهم الخطب 
وبلغ السيل الزبى وطفح الكيل؟ وقد توجد أمور لا يصح إظهارها 
ولكن لا يمكن إخفاؤها بحال من الأحوال» وكنا نظن ونسمع في الهند 
أن الأعراب هم أصل البلاء وسبب المظالم في بلاد الحجاز فما راعنا 
إلا ما علمنا وعرفناه من أن كبار رؤساء المسلمين الذين بيدهم الحل 
والعقد يساعدون بل يحثون على تلك المظالم وما أدراك بهذا الفرعون 
(هكذا لقب الهنود شريف مكة عون الرفيق) الذي جعل في مكة شركة 
تجارية مشتركة أقام نفسه رئيساً لها واتخذ أعضاءها من عماله ومن 
المطوفين ووكلائهم في جدة وغيرهاء وغرضهم سلب الحجاج 


المختار من الرحلات الحجازية 





أموالهم بكل وسيلة من الوسائل . 

[””/ا] كان للإنجليز قنصل في جدة يهتم براحة الهنود ويمنع 
وقوع الأذى عنهمء والآن يظهر أن القنصل الجديد الذي دعاه الشريف 
إلى مكة وزوده بالهدايا وملا فاه بالنعم يتغاضى عن رعايا دولة بريطانيا 
حتى سلبت أموال الهنود»ء وقطعت أيديهم . وتركوا للجوع والعري 
والموت الزؤام. اللهم رحماك). 

[:"/] وكتبت جريدة المؤيد فى العدد 575054 الصادر فى ١9‏ 
صفر سنة 1177 ما يأتيى تحت عنوان: «الحج في هذا العام». 


(عاد ركب المحمل المصري الشريف بسلام وعاد معه كثيرون من 
فضلاء المصريين الذين رافقوه ذهاباً وإياباًء وقد شرح لنا بعضهم 
النصب الذي قاسوه في سفرهم والتلاعب الذي قام به الوالي 
والشريف». وقد قال لنا أحدهم إن الشريف ليس ملوماً لأنه بدوي لا 
يفهم معنى المسئولية وواجب النظام كما يفهمها رجل تركي عالي 
المقام مثل دولة راتب باشا والي الحجازء. وربما كان الشريف لا يفهم 
إلا أنه من آل البيت وإن كل ما للبيت فهو له؛ لأنه سيد الجميع» فما 
على الذين يحجون البيت إلا أن يخضعوا لأوامره ومشيئته كيفما كان 
الحال) . 


[1] شكوى حجاج جاوة. 
وجاء فى جريدة اللواء الصادرة فى م١‏ شعبان سنة 7577 اه 
"٠0‏ أكتوبر سنة 400١1م)‏ تحت عنوان» شكوى حجاج جاوة من 





المطوفين بالحجازء ما يأتى : 
بعث إلينا أحد الفضلاء فى جاوة المقالة الآتية : 


قال: (إننا معشر الجاويين قد تراكمت علينا المصائب حتى كادت 
قلوبنا تنفطر لما نكابده من المظالم الفادحة والغرامات الباهظة عند 
حجنا إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبينا - عليه أفضل الصلاة والسلام - 
فنرفع شكوانا إلى عالم النجوى ليخلصنا من هذه البلوى طالبين اهل 
الإنصاف وكل من يتصف بالرحمة أن يرأف بنا معشر الجاويين الضعفاء 
القاصدين أداء فريضة الحجء. بعد أن أذهبنا الكثير من عمرنا في 
تحصيل العدة لأدائه؛ ذلك أننا معشر الحجاج من الجاويين تعودنا من 
قديم الزمان إذا وصلنا إلى جدة أن نسأل عن أي شيخ من مشايخ 
الجاويين ليكون دليلاً لنا فيما يتعلق بأمورنا فيقابلنا وكيل ذلك الشيخ 
أو هو بنفسه إن حضرء وينزلنا في منزله ويستأجر لنا الركائب إلى مكة 
بما قسم الله. ويأخذ منا في مقابلة خدمته وسكنى منزله أجرا مناسباًء 
وإذا وصلنا إلى مكة قابلنا ذلك الشيخ وأتباعه وهيئوا لنا منزلاً تحمل 
أمتعتنا إليه وأضافونا يوم دخولنا ويأخذون من كل واحد منا حق 
الضيافة ريالاً ونصفآء ويخدموننا مدة لبثنا بمكة فيما نحتاج إليه . 


ثم يذهب بنا الشيخ إلى المدينة المنورة بنفسه أو وكيله ويقوم 
بخدمتنا نظير أجر يتقاضاه مناء كما أنه يقوم بكرى الجمال اللازمة ولا 
يزال على ذلك إلى أن نرجع إلى مكة على أحسن حال. 


ثم يذهب بنا إلى عرفات ويجهز لنا الطعام والخيام بلوازمها 


المختار من الرحلات الحجازية 





ويطعمنا يوم عرفة وأيام منى ويأخذ على كل شخص منا ريالين للطعاء 
والخيام والخدمة والمنزل في منى أيضاً. 


ثم بعد أداء المناسك ينزل بنا بنفسه أو وكيله إلى جدة وينزلنا إلى 
الباخرة ويأخذ منا صاحبها باسم (البخشيش) بضعة ريالات وأجرة 
الباخرة يومئذ خمسة وعشرون ريالاً تارة وسبعة وعشرون ريالاً تارة 
أخرى» وبقي الأمر على هذا إلى أن تولى الشريف عبدالمطلب بعد 
وفاة الشريف حسين فخرج شقي من أشقياء مشايخ الجاوى يومئذ وهو 
إبراهيم العراقي البنا وسعى عند الشريف عبد المطلب لتقسيم بلادنا بين 
مشايخ الجاوى المقيدة أسماؤهم عنده نظير أجر معلوم يتقاضاه من كل 
منهم وأقل ذلك عشرون ليرة» ومن يومئذ ابتدأت المظالم علينا معشر 
الجاويين خاصة وعلى بقية الحجاج عامة» وكل يوم تنمو نمو ا لزرع 
في الربيع»ء وكان كل حاج مقهوراً على الدخول في حظيرة شيخ 
جهته''' فصارت بلادنا كأنها مباعة لهؤلاء المشايخ» وصاروا يتصرفون 
فينا تصرف الملاك في أملاكهم. وسقطت حرمتنا التي كانت لنا حتى 
إذا أردنا الاجتماع بأصحابنا وأقاربنا المقيمين بمكة نمنع من ذلك إذا 
كان القريب أو الصاحب غير شيخ لجهتناء وإذا أردنا أن تفعل الخير 
بإخواننا وأصحابنا المذكورين لا نقدر عليه إلا خفية كوصية بدل حج أو 
عمرة أو تهليل أو غير ذلك فيأبى إلا اختصاصه بهذا البدل» لذلك 
هِجنا حتى كادت الفتنة تنتشرء وقد رفعنا شكوانا إلى حكام بلادنا 





ةا 


4»١(‏ أي مطوف أهل بلدته. 


رعحلة مرآة الحرمين 





ظ _- 


فخابرو! أولياء الأمور بالأستانة 98 شأن ذلك قأر سل جميل باشا إلى 
اختيار من نشاء من المشايخ . 


وبقي الأمر على ذلك إلى أن تولى راتب باشا فاتفق هو مع 
الشريف عون الرفيق على تأسيس قواعد المظالم وبناء أركانها القوية» 
فكل واحد منهما يبتدع مظلمة ويسكت الآخر عن الإنكار عليه» وهكذا 
في كل عام وكل شهر وكل يومء ورجعت التقسيمات كما كانت نظير 
كر فيد أئله أريدوة سني أنرتها ويونة إلى اللنافين. والدلاف» 
وسرى ذلك إلى جميع المطوفين وإمامهم في ذلك شيخ مشايخ الجاوه 
يوسف القطان الذي تفنن في المظالم وبرع فيها حتى أدخل في حوزته 
كل الأقاليم التي يكثر ورود الحجاج منهاء فكان خمس الحجاج من 
الجاويين في قبضتهء وقل المال من يد المشايخ الآخرين حتى دفع 
بعضهم إلى الشحاذة» ثم أخذ يعمل لأقربائه وأصدقائه مثل ما عمل 
لنفسه وحرم بقية المشايخ» فنهى وأمر وتكبر وتجبر وجمع من ذلك 
القناطير المقنطرة» فأطعم منها الأمير وأتباعه وكل من يخاف من جهته 
الفتنة حتى توطدت له أمور المظالم» ولما امتنعنا عن دفع المكافأة 
للشريف والمشايخ حصلوها من ربان الباخرة التي تقلنا؛ وهذا زادها 
على الأجرة وحصلها منا فأخذ من كل حاج أحد عشر ريالآً» ولما 
خشي الشريف مغية الإجبار على الدخول في حوزة من لا يرغب من 
المشايخ أباح لنا أن نختار أي المشايخ شئنا ولكن ما يؤخذ منا يعطى 
لصاحب الجهة ومن دخلنا في مشيخته يتقاضى ما لصاحب الجهة». 





22 
ويختلق أسباباً يأخذ بها بعض المال لنفسه أيضاء فعظمت المظالم 
وفتحت أبوابها للأمير بعد أن كان غافلاً عنهاء فاندفع في اقتحامها 
وكان أمر المظالم من قبل من كاتب الأمير محمد علي وكان يعطي 
الأمير من الشاة أذنها فبنى منها الدور والقصور للسكنى والاستغلال» 

وصار يفتح لنا كل سنة أبواباً أخرى للمظالم حتى كدنا نترك الحج . 


وعلى الجملة فكل حركة من حركاتنا يجعلونها مغنماً لهم 
وزيادة على ذلك إذا مات واحد منا فأكثر المشايخ يبتلعون ماله إن لم 
يكن له مطالبء» فإن كان اختلقوا طرقاً لاستلاب المال كبدل الحج 
وإسقاط الصلاة وقراءة القرآن له واشتراء عقار يوقف باسمهء ووكلاء 
المشايخ بجدة يأخذون من كل واحد منا خمسة جنيهات باسم دم 
مجاوزة الميقات إن أحرمنا من جدة مع أننا لم نعلم أن أحداً منهم 
ذبحه» هذا حالنا مع هؤلاء الظلمة إذا حججنا إلى بيت الله الحرام الذي 
يلجأ إليه المظلوم. وقد صرنا فيه الأن محط رجال المظالم وتجارة 
تتخذ للمغانم ونحن على يقين من أن جلالة السلطان الأعظم والخاقان 
الأفخم سلطان المسلمين وأمير المؤمنين ملك البرين والبحرين خادم 
الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى مولانا السلطان الغازي عبدالحميد 
خان الثاني إذا اطلع على مظلمتنا أصدر إرادته السنية برفع كل بلية عنا 
أدامه الله. هذا ونقسم عليكم بكل آيات الله أن تبادروا بنشر ذلك عاجلا 
بعد وصول الرقيم اليكم وأن تصدروا بها جريدتكم جريدة الرحمة 
والرضوان جريدة رحمة الأمة المحمدية وناصرة الشريعة النبوية . 


00---- 


مكة في شعبان سنة 771١هء‏ الحاج باجودين الجاوي 


رحلة مرأة الحرمين 





77 
[] ملكة بهويال17) 
حجت ملكة بهوبال بالهند معنا في سنة ١117هء‏ وقد أقامت 
بمكة ١‏ يوماً كانت فيها مورد خير ورزق للفقراء والمساكين» وبلغني 
أنها دفعت في المنزل الذي سكنته المدة السالفة ثلاثة آلاف جنيه» وقد 
دعت أميري المحملين وضباطهما وموظفيهما إلى تناول العشاء على 
مائدتها فلبينا الدعوة واستقبلنا نجلها في ثلة من فرسانهم بباب المنزل 
وبعد أن استرحنا قليلاً قدمت إلينا المرطبات . 
ثم أقبلت الأميرة وحيتنا من وراء حجاب بتحية الإسلام: «السلام 
عليكم» فرددنا التحية وقد امتلأت قلوبنا فرحاً وسروراًء» وحمدنا الله أن 
كان في كبيرات السيدات الشرقيات من يرعى آداب ديننا الحنيف». وقد 
رحبت بنا بعد التحية وشرحت ما في نفسها من الفرح العظيم بوجودها 
في أم القرى تؤدي فريضة الإسلام الاجتماعية» وأنه زاد سرورها تلبية 
رجال المحملين لدعوتها واجتماعهم في دارها فشكرنا لهاء ثم قالت: 
إني أضرع إلى الله أن يمتعنا بنعمة الحج مرة أخرى وأن نعود إلى هذا 
الاجتماع» وطلبت مني أن أبلغ سلامها سم الخديو فقلت: سمعاً 
وطاعة» ثم انصرفت . 
[/"/ا] عون الرفيق 
ليس أدل على سيرة عون الرفيق وفداحة ظلمه وتفاقم شره 


)١(‏ هي مملكة إسلامية في شمال الهندء ثم إن الهندوس استولوا عليها فيما استولوا 
عليه من ممالك الإسلام . 





م 


وتماديه فى غيه من كلمات ثلاث : 


إحداها: رسالة عنوانها «ضجيج الكون من فظائع عون» كتبها في 
8 ذي الحجة سنة 5١١١اه.‏ 3 محمد الباقري بن عبدالرحيم 
العلوي يعدّد فيها مثالبه ويستصرخ إلى خليفة المسلمين السلطان 
عبدالحميد من ظلم هذا الأمير وبغيه. 


وثانيها: رسالة أخرى عنوانها «خبية الكون فيما لحق ابن مهنى من 
عون» خطها قلم الشريف محمد بن مهنى العبدلي وكيل الإمارة بجدة 
وأمير عربانهاء وفيها يذكر ما لقيه من حيف عون وعصابة السوء التي 
كانت تعينه على ظلمه». وترى فيها كيف أن السلطان عبدالحميد كان 
جائماً في قصره حوله حاشية فساد لا تعرف لها معبوداً سوى المال. 
وأنها كانت تحول بين الشكايات العادلة والسلطان. 


وثالئها: قصيدة جادت بها قريحة أمير الشعراء أحمد بك شوقي"١)‏ 
سرت بجريدة اللواء فى العدد ”8م4١7١‏ الصادر في يوم الخميس م" 
المحرم سنة 1777 ه ١8(‏ انا ننه 1 » .)١ ٠‏ 


ولا ننسى مائة وخمسين ألف جنيه يأخذها عون كل سنة ظلما 


الشعراء. ولد بالقاهرة سنة ١780‏ ونشأ في ظل البيت المالك بمصرء وتقلب في 
المناصب الرسمية إلى أن صار من أعضاء مجلس الشيوخ. وعالج أكثر فنون 
الشعر وتناول الأحداث السياسية والاجتماعية» واتسعت ثروته وعاش مترفاً في 
نعمة واسعة. توفي بالقاهرة سنة ١8١‏ رحمه الله تعالى. انظر «الأعلام»: 
0 . 


رحلة مرآة الحرمين 





وعدواناً من حجاج الننةق الحرام . 
الكلمة الأولى 
]/7١[‏ «ضجبج الكون من 3 عون» 
« هنذا بِلدم لِلنّاين وَلمُندددا يد وليعلموا أن هر إِلَهُ ود ويد كر أَوْلوا 
الألبتب»2”4 . 


هذه نفئة مصدور» وصرخة موتور» إلى أسساب النظر والاعتبار 
وأرباب النفوذ والاقتدار من مشهوري العالم الإسلامي وخامليه 
ومعتنقي الدين المحمدي وحامليهء شكايا وأخبار بل إعذار وإنذار 
أوجبته الحوادث التي أذهلت العقول وحيرت العالم والجهول. 
أسور يفك اللجوال نتيا وى مز ضواتبهها التدابيه 

طالما كنا نسمع من الوافدين من بيت الله الحرام على تفارت 
رتبهم ومقاماتهم من أخبار تلك الجهة ما تتفتت له الأكباد ويذوب له 
الجماد من الظلم والاستبداد والعسف والإلحاد» على العاكف والباد. 
منسوب جميع ذلك إلى أمير مكة الحالي الشريف عون الرفيق باشا 
أنقذه الله من مهاوي الظلم» فصعب على العقول تحقيق النتيجة من 


.07 سورة إبراهيم: الآية‎ )١( 





تلك المقدمات التى لا يصدر مثلها عن عاقل وبقينا بين مصدق 
ولم يبق للشك مجال ولا للمنكر مقال في شيء من تلك الفظائع 
المتعددة التى لا تدخل تحت الحصر على أننا سنذكر أنموذجاً منها 
يكون عنوانا لما لم يذكر. 

فمنها خيانة الإسلام والدولة بمكاتباته السرية مع دول النصارى 
لتمشية أغراضهم ثابت بعضها بالبرهان الصحيح وبالخطوط التي تحت 
يذ الشويف تسمان ين ميق الموحوة الآن بالأستانة وتحتبيك غير 

ومنها أكله معظم الجرايات والمعاشات المقرّرة من الدولة 
للبوادي والأهالىي حتى اضطروا إلى العصيان وقطع السبل وبذلك 
أصبح الحجاز من أخوف بلاد الله. 0 

ومنها تسليطه نداماه وموظفيه السفلة على أعراض الرعايا 
وأموالهم حتى صاروا يعبثون عبث الذئاب في الغنم . 

[9؟/!] ومنها إفساده كثيراً من موظفى الدولة فى مكة والآستانة 
واستخدامهم في أغراضه الخسيسة بالرشوة حتى إن أحمد راتب باشا 
والي الحجاز الآن بعك فقزه المشهور صار له رأس مال عظيم فتح به 
محلة عظيماً للتجارة بمصر تحت ظل الاحتلال الإنكليزي ولنا على 
ذلك أدلة نوافى بها عند الاقتضاء . 
إبرام إلا طبق غرضه وبثمن ينقد إلى يده وتركه الشرع الشريف والقانون 


رحلة مرآة الحرمين 





71 م 
ورا ورد 


[40] ومنها بيع المناصب باتحاده مع الوالي لمن يغالي بالثمن 
غير ملتفت إلى لياقة أو عدمها. 


ومنها اغتصايه مهور الأعيان ووضعها على ما شاء من مزوراته 
تغريراً للدولة وغشاً لها. 


ومنها إهانة من عظم الله شأنه من علماء الحرمين وفضلائها إذا لم 
يوافقوه على ترّهاته كحبسه الشريف أحمد بن عبيد الله أمير الوادي 
سنيناً عديدة حتى مات بالسجن مكبلا بالحديد لأمر ما. ‏ 


وكفرشه''؟ الشريف الكلفوت أمير المضيق» وكفرشه الشريف 
أحمد المنديلي وحبسهء وكفرشه السيد العالم عمر بن سالم العطاس 
العلوي المدرس بالحرم لاحتجاجه في واقعة حال بالفرمان الشاهاني 
المعطى للسادة العلويين بمكة ولأتباعهم الحضارم» وكفرشه السيد 
محضار السقاف العلوي المجذوب. وكفرشه السيد بافقيه العلوي 
ثلثمائة عصا لتزوجه بشريفة هو مثلها في الكفاءة» وإكراهه على 
تطليقهاء وكنزعه مفتاح البيت المعظم من سادنه المستحق له بالوراثة : 
مولانا الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله الشيبي وإعطائه لنديمه على 
الشراب الفاسق محمد صالح المشهور بالخلاعة؛ على أن النزع 
المذكور هو الأمر الذي نهى الله عنه في كتابه»ء ووصف النبي يَكةٍ فاعله 


() قال المحقق: طرحه أرضاً. 


المختار من الرحلات الحجازية 





بالظلم في الحديث الصحيح حتى لم يتجرأ عليه قبل هذا الخبيث لا بر 
ولا فاجرء ولم يجر في ولاية خليفة ولا سلطان» من فتح مكة إلى 
الآن. 

ومنها تشريده بالتهديد والوعيد عيون أعيان مكة المكرمة وفاضلي 
فضلائها. 

ومنها إحداثئه العشر على الفواكه والخضروات والحشيش في مكة 
وبيعه التزام ذلك لخواصه حتى عم الغلاء والبلاء ضار ما كمته:واحدا 


# 


عشرة . 

[51] ومنها أخذه من الأغنام المجلوبة إلى مكة خيارها 
وسمانهاء ومن السمن أحسنه ظلماً بلا ثمن حتى قل الجلب وغلت 
الأسعاز. 

ومنها بيعه تقارير مشايخ الحجاج ومطوفيهم والمخرجين 
والزمازمة بأثمان باهظة على أن لهم أن ينهبوا من أموال الحجاج مأ 
خائروا وكنم كناءوا: 





[417/] ومنها أخذه من البدو الجمالة من الكرى ثلثه بعد أن كان 
يؤخذ منهم عن الجمل إلى المدينة ريال واحد وإلى جدة ربع ريال. 
فنتج عن ذلك أن صار كرى الجمل إلى المدينة نحو ستين ريالاً بعد أن 
كان نحو عشرة فقطء وإلى جدة نحو ستة ريالات بعد أن كان نحو ريال 


واحد. 


ومنها أخذه عن كل جمل ورد مكة شيئاً من النقود بدعوى أن 


رحلة مرأة الحرمين 





41 س- 


الدولة محتاجة إلى تسخير البدو حتى يفدوا أنفسهم وجمالهم بالمال. 
ولذلك قل الوارد وغلت الأسعار وغلا الكرى على العموم : 
هذه منه عشر عشر المخازي وعلى هذه فقس ما سواها 
غيره : 
مساوي لو قسمن على الغوائي لما أمهرن إلا بالطلاق 
ثم ما كفى هذا السفيه الأحمق ما ارتكبه من هذه القبائح التي 
سارت بها الركبان» واقشعرت منها الأبدان» وعيبت بها الدولة العلية 
بين الأمم المتمدّنة.ء وزرع بها بغض الأتراك في قلوب شعوب 
المسلمين حتى ارتكب ما اضطربت له أقطار الإسلام شرقا وغرياء 
وغوراً ونجدآء مما له به سوّلت نفسه الخسيسة من محوه اسم السيادة 
عن أبناء الحسنين عموماًء والسادة العلويين خصوصاء ومنعه من 
كتابتها لهم في السجلات الرسمية وغير الرسمية» ومن التخاطب بهاء 
وتهديده من تسمى أو سمى بهاء أمر ما اجترأ عليه بنو حرب ولا بنو 
مروان ولا غيرهم من الجبابرة والظلمة» وليت شعري ما الذي سوّلت 
له نفسه الأمارة» وهجس بفكره الفاسد من هذه الفعلة الفظيعة؟ وماذا 
يؤمله من النتيجة ينفي أبناء الرسول ككلخِ عن انتسابهم إليه؟ أيظن 
الأحمق أن نغمته الذبابية ‏ تزعزع ذلك الجبل الراسخ ؛ أو تهز ذلك 
الطود الشامخ؟ ألم يعلمء لاعلم ولا درى» أن أنساب السادات ليست 
مرتبة على حكمه وهذيانه؟ إن لهم في ضبط ذلك وحفظه دفاتر 
توارثوها أب عن جدّ؛ تلقوها كابراً عن كابرء كل طائفة منهم مهتمة 





بضبط أنسابها . 
أما السادة العلويون فإنهم اعون الطالبين سيرة » وأطهرهم 
سريرة» وأغزرهم حكمة. وأوفاهم ذمة. وأزكاهم حفيقة ) وأقومهم 


طريقة» وإن لهم في نسبهم المؤلفات المفيدة» والمشجرات العديدة» 
يتلقاها نجباء الأولاد والأحفاد عن كرام الآباء والأجداد.» حتى وقع 


الإجماع على ضبط أصوله وفروعه. واتفقت الآمة على جمع أفراده 
ونصحيح جموعه : 


وعيره: 


وصفات ضوء الشمس تذهب باطلاً 


[757] لكن الغرابة والعجب العجابء. والأمر الذي حار في 
تأويله أولو الألباب.» هو سكوت الدولة العلية عن مثل هذه الأمور 
الجارية مراع ومسمع من موظفيها وهي في ذلك بين أمرين: كلاهما 
قبيح وشنيع» فإنها إما غافلة عن ذلك» وتلك مصيبة عظمى» أو راضية 
بما هنالك» فالأمر أدهى وأمرء والمصيبة أعظم وأضر. 

وغ الى الدولة مول آنه بالخرب اكتر .من ات عش مليونا بن 
المسلمين يسوسهم تاج العصابة الحسنية» يأتمون بأمره خاضعين 
لسلطانه» يوالون من والاه» ويعادون من عاداهء وأن باليمن الميمون 


رحلة مرأة الحرمين 2 
والهند وجاوه وأفريقية وما جاور تلك الجهات أكثر من مائة وخمسين 
مليوناً من المسلمين» جلهم ومريدون وتلامذة للسادة العلويين منتشر 
بينهم الآن من نفس السادة العلويين أكثر من خمسة وعشرين ألف 
نفس» على اختلاف طبقاتهم. المشاهد مشاهدهم.ء والمعابد 
معابدهم. والمنابر منابرهم. والمنائر منائرهمء ولهم الكلمة النافذة. 
والقول الفصل بين تلك الملايين المستضيئة بأنوارهمء المقتفية 
لآثارهم» أترى تلك الملايين أو غيرهم ممن يؤمن بالله واليوم الآخر 
ويقر برسالة جدّهم الحبيب الأكرم تلخ ويعرف أنه سبب الهداية 
والإرشاد يرضى بنفي السلالة التى أمرهم الله ورسوله بتعظيمهاء 
والانقياد لهاء والتمسك بهديها لا والله. بل كلهم يعلم علم اليقين أن 
محوها محو للإسلام» واجتثاث لعروق الإيمان» وأن قلوبهم لتضطرم 
ناراً من هذه البدعة الهادمة لأركان الدين» والفعلة التي اجترأ عليها 
رئيس المفسدين» ولئن دام هذا الحال ولم تكبح هذه الدولة مجنونها 
وحَجّاجها وتنقذ أشرافها وحَجّاجها ليتطايرن شرر هذه المفسدة» لا 
سمح الله» إلى محو ما لهذا الخليفة الحالى من الخلافة الدينية والسيادة 
الملية وليصرخن بذلك خطباء المنابر ودعاة المنائر» زياد» وحينئذ 
ترقص أعداء الدولة» لا قدّر الله ذلك» طرباً واستبشاراً وفرحاً بضالتهم 
المنشودة إذ طالما خطبوا بالأصفر الرنان ما هو أقل من هذا. 





ولو لا أن لنا أملاً وطيداً ورجاءً أكيداً فى غيرة وحمية مولانا أمير 
المؤمنين السلطان الغازي عبد الحميد خان». جعل الله التوفيق له رفيقاًء 
لباشرنا ما أشرنا إليه من الانقلاب. وأخذنا فى التأهب لتلك الأسباب» 





ولكنا نتربص وننتظر ريثما يبلغ هذا الكتاب إليه» وتتلى تلك الفظائع 
عليه» فإن أثمر لنا غرس الأماني» وقطع بحسام عدله يد الجاني» 
وعلم ‏ ألهمه الله الرشاد ‏ أن كل من مدح ذلك الطاغي أو ينافح عنه 
ممن اشترى الدنيا بالدين» وغش الإسلام والمسلمين» فذلك الأمر 
المطلوب». والغرض المرغوب.». وإلا فلتبك على الخلافة البواكي. 
وليحك عن بني إسرائيل الحاكي» ويتسع الخرق على الرقع . 


ولقد كان يسيء كثيراً من الناس استيطان بعض السادة العلويين 
تحت سيطرة النصارى» ولكنهم الآن صاروا مغبوطين بذلك» ألا ترى 
أن صديق انكلترا وحبيبها الشريف عون الرفيق المذكور قد أبقى اسم 
السيادة لكل من هو من رعايا الإنكليز من العلويين» ومحا ذلك عمن 
هو من رعايا الدولة العلية منهم . 


صحيحة» كيف لا وقد صرح العلماء بحرمة الذهاب للحج إن عرض 
الحا تنه ذلك الظلدة. 


فأوجه خطابي أولاً للحضرة السلطانية» وفقها الله لكل خصلة 
رضية» ثم إلى أهل الحل والعقد وأرباب الوظائف» ثم إلى ذوي النفوذ 
والكلمة المسموعة» ثم إلى حملة المنقول وصيارفة المعقول» ثم إلى 
أصحاب الصحف والأقلام» ثم إلى عموم أهل الإسلام لينظروا في هذا 
المهم» وليسعوا في كشف البلاء المدلهم فقد بلغ السيل الزبى وضاق 
صدر الإمكان عن الكتمانء والله المستعان.» وعهدنا بدولتنا تحب 


1 رحلة مرأة الحرمين 





قات 
الناصحين وتبل رحم سيد المرسلين . 


[55/] وهنا ربما اندهش القارىء لسكوت جرائد الأجانب عن 
الإشارة إلى شىء مما شر حناه مع وقوفها للدولة العلية بالمرصاد 
ومحاسبتها لها على الأنفاس وترقبها لكل بارقة فإذا صار ببلاد الدولة 
وزمجرت به الخطباء وجسموه بمكبرات أغراضهم حتى يتخيل السامع 
أنه أمر عظيمء» وخطب جسيمء فكيف يسوغ سكوتها طول هذه المذة 
على هذه الفظائع المتكررة الجارية على مرأى ومسمع وجوار من 
قناصل الدول؟ أترى سكوتها عن ذلك محبة للدولة أو ستراً لمساويها؟ 
لا والله! ما غرضها إلا تمادي هذا الأمير الظالم الملحد في هذه 
القبائح متذمرين من هذه الوقائع فيبذرون بذلك البغضاء والكراهية 
لدولتنا بين عوالمهم ولا لوم عليهم في ذلك؛ إذ من المعلوم البديهي 
سياسة وديانة أن أحق بلاد الله من الدولة بالإصلاح والالتفات التام هي 
قبلة المسلمين ومدينة سيد المرسلين» والمسلمون متفرقون في أقطار 
الأرض وجلهم تحت سيطرة الأجانب» وقلوبهم عاكفة على حا 
الدولة وصدورهم ممتلئة بتعظيمهاء وهم لا يعرفون منها إلا الاسم ولا 
يقصدون من ممالكها إلا الحرمين فيقيسون عليهما ما سواهما من 
ممالك الدولة قياساً أولوياً» وتشهد لهم بهذا جراتد الأجانب؟ لأن 
طالما أضجرتنا بأخبار سفر فلان ووصول فلان» ونحو ذلك من 


0 المختار من الرحلات الحجازية 
الهذيان وتسكت عن نصح الدولة وتشارك خونة الملة والدولة بسكوتها 
عنهم إما بأجرة زهيدة أو خوف من وهم لا ظل له من الحقيقة» فجرائد 
الأجانب بسكوتها هذا قد استحصلت على الغرض الوحيد لدولها من 
نفور قلوب عوالم من المسلمين عن ولاء الدولة ورضاهم بما هم فيه 
من حكم الأجانب؛ لأن بعض الشر أهون من بعضء. كما أنها قد 
أفقدت الخليفة نفوذه الديني بين كثير من مسلمي أقطار العالم» وحيث 
إنه ليس لمولانا أمير المؤمنين» حفظه الله» عين يبصر بها ما غاب عنهء 
ولا أذن يسمع بها المنادي من بعيد فأنشد الله كل موحد وقف على هذا 
أن يسعى جهده في إبلاغه إليه أو إلى من يبلغه إليه سائلا له ومقسماً 





عليه أنه يبذل غاية جهده وما في وسعه في إشاعة هذا ورفعه وترجمته 
وتقلة. بو تازه معفنة" الللآنة وتضيها البلطانهاك بورلا الهو عد :به 
ولرسوله» وللعترة الطاهرة وللملة والأمة» غاش للسلطان مشارك لهذا 
الظالم فيما يستحقه» وخصمه غداً محمد يِه وربك يعلم المغرور من 
المعذور. # وسيعار لين ظَلموأ أَىَّ مقاب يَنمَغم 17# وقد بعثت كتابي هذا 
إلى أنحاء المعمورة طالباً للتعاون على البر والتقوى غير قاصد لشيوع 
الفاحشة بل عامل بقوله تعالى : ###لَا يِب أله الْجَهْرَ باْلسْوءِوِنَّ الْقَوَلٍ إلا 
من ظرٌ كان أُّ يما عَلِيمًا 2"”4 وفار من عموم الهلاك الناشىء عن ترك 
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرء وعند انتهاء أربعة أشهر من هذا 
التاريخ لي عودة. أغناني الله عنهاء إن اقتضى الحال يستمر بعدها ما 


020 سورة الشعراء : الأية .7١1/‏ 
هعم سورة النساء : الأية .١5‏ 


رحلة مرأة الحرمين 





-© 


نرجو من الله ألا يحوجنا إليه بمنه وكرمه؛ وحسبنا الله ونعم الوكيل» 


وصلى الله وسلم على خير خلقه سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه ومن 
تبعه ووالاه. ظ 


حرر في 79 ذي الحجة سنة 11715ه خادم الطلبة 
السيد محمد الباقر بن عبدالرحيم العلوي 
سامحه الله آمين 
الكلمة الثالثة7١)‏ 
[741] قصيدة شوقي بك 
صدى الحجيج 
ضج الحجاز وضج البيت والحرم 
واستصرخت ربّها في مكة الأمم 
قد مسها في حماك الضر فاقض لها 
خليفة الله أنت السيد الحكم 
تلك الربوع التي ريع الحجيج بها 
أللشريف عليهاأم لك العَلّمْ 


)1١(‏ لقد حذفت الكلمة الثانية بكاملها لما فيها من تفاصيل لا تهم عامة القراء. 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 1غ 
أهين فيها ضيوف الله واضطهدوا 

إن أنت لم تنتقم فالله منتقم 
أفي الضحى وعيون الجند ناظرة 

تسبى النساء ويؤذى الأهل والحشم 
ويسفك الدم في أرض مقدسة 

وتستباح بها الأعراض والخَرم 
يد الشريف على أيدي الولاة علت 

ونعله دون ركنن البيت تستلم 
(نيرون)”'' إن قيس في باب الطغاة به 

مبالغ فيه (والحجاحج) متهم 
ايه ات انيه السزسيين مها ظ 

في العفو عن فاسق فضل ولا كرم 
لا ترج فيه وقاراً للرسول فما 

بين البغاة وبين المصطفى رحم 
ابن الرسول فتى فيه شمائله 

وفيه نخوته والعهد والشمّم 


)1١(‏ هو الذي أحرق روما قديماً. 


رحلة مرأة الحرمين 





م 


ما كان طه لرهط الفاسقين أبا 

آل النبي بأعلام الهدى ختموا 
خليفة الله شكوى المسلمين رقت 

لسلة الله هل ترقى لك الكلم 
الحج ركن من الإسلام تكبره 

واليوم يوشك هذا الركن ينهدم 
من الشريف ومن أعوانه فعلت 

نعمى الزيارة ما لا تفعل النقم 
عزالسبيل إلى طه وتربته 

فمن أراد سبيلاً فالطريق دم 

وبات مستأمناً في قومه الصنه”) 
وخحان عون الرفيق العهد في بلد ظ 

منه العهود أتت للناس و الذمم 
قد سال بالدم من ذيح ومن بشر 

واحمرّ فيه الحمى والأشهر الحره! 





(0 هذا مئ باب المبالغات الشعرية وإلا فالتبي يَيْلٌْ لا يروع في قبره. 
(5) أي كثر القتل في البلد الحوام. 


المختار من الرحلاات الحجازية 








و 


الداعيات وقرب الله مغتنه"'' 


رجعن تكلى أيامى بعد ما أخذت 

من حولهن النوى والأنيق الرس,'"ا 
خحرمن أنوار خير الخلق من كثب 

فدمعهن من الحرمان منسجم" 
أرى صغائر في الإسلام فاشية 

تودي باسرها البدولات والأمم 
يجيش صدري ولا يجري به قلمي 

ولو جرى لبكى واستضحك القلم 
العيت وجا ير بن انالك به 

وقد يروق العمى للحرٌ والصمم 
َه على الناس أو غالطهمو عبثاً 
)١(‏ الخدور أي البيوت». والمعنى: خافت في البيوت النسوة اللواتي يسعين للحج 

والدعاء في البلد الحرام . 

(؟) أي النوق التي ترسم آثارها في الأرض من شدة وطئها عليها. انظر «الشوقيات» : 


7 . 
(9) أي سائل. وانظر المصدر السابق . 


رحلة مرأة الحرمين 





ا 

من الزيادة في البلوى وإن عظمت 
أن يعلم الشامتون اليوم ما علمو”') 

كل الجراح بالامفمالمست 
يدالعدوّ فم الجرح والألم 

والموت أهون منها وهي دامية 
إذا أسساها لسان للعدى وفقم 

رب الجزيرة أدركها فقد عبثئت 
بها الذئاب وضل الراعيّ الغنم 

إن السذيية توكوا أفحرفا ظلموا 
والظقلم تصحبه الأهوال والظلم 

فى كتسل سوغ اقتبال شير لنة 
ظ وفتنة في ربوع الله تضطرم 

أزرى الشريف وأضراب الشريف بها 


وقسموها كإرث المَيّتَ والتسهوا”؟ 


. يعني بقوله: «أن يعلم الشامتون» أي أعداء الإسلام» والله أعلم‎ )١( 
أزرى أي تهاون: انظر المصدر السابق.‎ )( 


المختار من الرحلات الحجازية 





> ره 
لا تجزهم منك حلماً واجزهم عنتا 

في الحلم ما يسم الأفعال أو يصِم''' 
كفى الجزيرة ما جرّوا لها سفهاً 

وما يحاول من أطرافها العجي”"' 
تلك الثغور عليها وهي زينتها 

ناهل عذبت للقوم فازدحمروا 


وفوق كل مكان يابس قدم 





0 


والاهمو أمراء اللسوء واتفقوا 
مع العداة عليها فالعداة همو 
فجرّد السيفا فى وقت يفيد به 


فإن' للستت روما اق 57 


. يسم أي يجعل لها سمة وعلامة» ويصم: أي يعيب. انظر المصدر السابق‎ )١( 

(؟) يعني بالعجم هناء والمقصود بالخطاب في الأبيات الثلاثة بعد هذا البيت ‏ هم 
الكفار المتربصون بالدولة العثمانية . 

فرة اللج : البحر . 

0( أي ينقضي . 

() إلى هنا تم المراد من الاختصار» ولله الحمد. 


الرحلة الحجازية 








الرحلة الثالثة عشرة 
الرحلة الحجازية 


الأستاذ محمد لبيب البتنوني”") 


كان قد قام برحلته هذه مصاحباً للخذيو عباس حلمىي حاكم 
مصر”"'؛ وأبحر من السويس سنة 1171 فقال: 
سفر الجناب العالي من مصر إلى جدة 
[4171] طالما كانت تتوق نفس مولانا الخديو (عباس باشا حلمي 





.19178 -11601/ فاضل مصريء. له اشتغال بالأدب والتاريخ» توفي بالقاهرة سنة‎ )»١( 
نسبته إلى البتنون من بلاد المنوفية بمصر.‎ 

(؟) عباس حلمي بن توفيق بن إسماعيل» حفيد محمد علي» ولد بالقاهرة سنة 
١‏ وتعلم بمدرسة عابدين ثم في فييناء وولي«الخديوية»؛ ‏ أي حكم مصر- 
بعد وفاة أبيه سنة ١847 - ١7١9‏ بإذن السلطان في اسطنبول» قصد أوروبا 
فاسطتبول مصطافاً سنة ١114‏ فنشبت الحرب العالمية الأولى وهو في اسطنبول 
فتأخرت عودته فخلعته الحكومة البريطانية بهذه الحجة وعينت غيره» وبسطت 
حمايتها على مصرء واستقر عباس في لوزان بسويسرا إلى أن ولي أحمد فؤاد 
فاتصلت بينهما الرسل ونزل له عباس سنة 197١‏ عما كان له من حقٌ في العرش 
وقضى بقية حياته مغتربًا فتوفي بسويسرا سنة 0١19454 ١751‏ ودفن في 
القاهرة. كان فيه دهاء وذكاء ينقصه الكتمان والحزم يستودع أسرار من يحسن به 
الظن من أحرار البلاد فيغشهاء وفيه بخل إلى جانبه سرف في الملذات» بيعت 
الأوسمة والألقاب في أيامه بيع السلع» ويقال إن له مذكرات أملاها في أيامه 
الأخيرة. انظر «الأعلام»: 700/9 -751. 


المختار من الرحلات الحجازية 








الثاني) إلى حج بيت الله الحرام وزيارة نبيه الكريم. وكانت هذه الفكرة 
المقدسة تتردد فى خاطره من سنة إلى أخرى» حتى تأكدت عزيمته 
على أداء هذه الفريضة فى شهر رمضان الماضي سنة ١172717‏ فأصدر 
أمره السامي بتجهيز ما يلزم لسفره إل الأقطار الحجازية. وفى شهر 
ذي القعدة أخذ ‏ حفظه الله في تعيين من يلازمه في هذا السفر 
والذوات الكرام. وبالجملة فقد صدرت إرادته السسة بتشريفي بالسفز 
فى خدمة ركابه العالى» وصدر الأمر إلى بعض الحاشية الخديوية من 
ملكيين وعسكريين بالسفر بعضهم إلى جدة وبعضهم إلى مكة لانتظار 
تشريف جنابه السامي بهما. 


وفي الساعة السابعة والدقيقة الأربعين من صباح يوم 154 ذي 
القعدة سنة ١717‏ - وهو اليوم الذي تقرر فيه رسمياً سفر الجناب 
السامي» تحرك القطار الخصوصي من سراي القبة مقلاا للحضرة 
الفخيمة الخديوية وبعض الحاشية الكريمة» فوصل إلى محطة مصر 
حيث كان في انتظار جنابه العالي أصحاب السعادة النظار الكرام 
والعلماء الأعلام ووكلاء الدول وقناصلها وكل من في مصر من الذوات 
وأصحاب الحيثيات» وبعد أن صافحهم حفظه الله مودعاً من الكل 
بالدعاء الصالح. تشرف حضرات النظارة بالركوب مع سموه» وسافر 
القطار على بركة الله تعالى إلى السويس» وكانت جميع محطات السكة 
الحديدية مزدانة بأفخر الزينات الباهرة» وفيها ما لا يحصى من جموع 
المودعين» لا سيما في محطتي بنها والزقازيق اللتين احتشد فيهما خلق 


الرحلة الحجازية 





كثير يضرعون إلى الله تعالى بأن يرد عليهم أميرهم محمود العودة 
محروساً بالعناية الصمدانية» وما زال القطار سائراً تشيعه القلوب حتى 
وصل بسلامة الله إلى السويس ثم إلى محطة الحوض في الساعة الأولى 
بعد الظهرء وهنالك كانت معالم الزينات في أجمل مظاهرهاء وكان 
المستقبلون من علية المصريين لا يحصون عداً.ء حيث قامت إلى 
السويس قُطر مخصوصة من جميع جهات القطر تقل وفود المودعين من 
عواصم الثغور والمديريات. 





وهنالك صعد الجناب العالى إلى وابور المحروسة. وبعدل أن 
استراح قليلاً ابتدأت التشريفات . 


وفي الساعة الثالئة بعد الظهر تحرك اليخت قاصداً جدة» وكان 
مقلا للجناب العالي» وصاحبة الفخامة والدة سموه الرفيع وصاحبات 
الدولة الأميرات السنيات عطية هانم أفندي وفتحية هانم أفندي كريمتي 
الحضرة الخديوية الفخيمة والبرنسيس فاطمة هانم أفندي عمة جنابه 
السامي؛ وكنّ قد حضرن مع دولة الوالدة على قطار خاص وصل إلى 
السويس قبل تشريف الجناب العالي إليها. 

وما زال البخت سائراً حتى حاذى ثغر رابغ من الشاطىء الشرقي 
وبينه وبين جدة مائة ميل وتسعة» فأحرم الجناب العالي إحراماً كاملا 
هو ومن كان في معيته من الحجاج . 


[744] واستمرت الباخرة فى سيرها حتى إذا صارت على بُعد 
ساعتين من مداق أخذت مبانيها تظهر شيئأ فشيئاً حتى تجلت للعيان 








1ه 
بيضاء ناصعة» وظهرت في جنوبها ضيعة صغيرة يسمونها بالنزلة» 
وكلها أكواخ تسكنها الأعراب وبعض الأهالي ‏ وغالبهم من صيادي 
الأسماك - وفي قبالة هذه الضيعة من جهة البحر جزيرتان صغيرتان : 
إخداهما ‏ وهي الشمالية ‏ تسم جزيرة ستعده. والاتية تسم جزيرة 
سعيدء وفيهما المحجر الصحي لثغر الحجازء وفي الأولى محل 
للتبخير وآلة لتكرير المياه الملحة وبعض أحذية''' مبنية لإقامة 
المحجور عليهم فيهاء فإذا كانت جوازات المراكب القادمة إلى هذا 
الشغر غير نظيفة أخذ الحجاج إليها في سفن شراعية يسمونها سنابك - 
مفردها سنبوك - فتصل إلى الجزيرة الأولى في ثلاث ساعات أو أكثر 
وإلى الثانية في ضعف هذا الزمن» فيقضون في هذه أو تلك مدة الحجر 


[754] وفي الساعة الثانية بعد ظهر الثلاثاء غرة ذي الحجة ألقت 
المحروسة مراسيها على نحو ثلاثة أميال من الشاطىء؛ لأن المراكب 
الكبيرة لا تستطيع الدخول إلى مينائها لقلة عمق المياه فيها: وبقي بها 
الجانب العالي إلى صباح اليوم التالي» وكان يوجد خارج الميناء كثير 
من المراكب التي أتت إلى هذا الثغر بالحجاج من الهند والروسيا 
وتركيا وبلاد المغرب ومصر وبورسودان وغيرهاء وكلها رافعة أعلامها 
ترحيباً بمقدم سموهء كما كانت السنابك التي ظلت تغدو وتروح في 


(49 قال المحقق: مغرده حذاء وهو قسم من أقسام الكورنتينة يوضع فيه أناس على 
حدتهم ليقضوا به أيام الحجر المقررة عليهم» ولا يمكن أحداً منهم أن يغادر 
حدود هذا القسم بأي حال قبل انتهاء المدة. 


الرجلة التحاد: 





مياهها رافعة على سّوارٍ بها العلم العثماني إكراماً لتشريف جنابه العالي . 


[89١؟]‏ مديدة جده 


ويحيط بجدة سور له خمسة أضلع : فالغربيى منها على البحر 
وطوله 5 /أاة متر » والبحري 137/0 مثر . والشرقى 5٠5‏ مثر » والشرقي 
الجنوبى "١١0‏ مترء والجنوبى 8١١‏ متر. 


[51] وفي كل ضلع من أضلاع هذا السور باب» والباب الشرقي 
يسمى باب مكة وعلى جداره من الخارج اسم السلطان الغوري”'' ملك 
مصرء وهو الذي بنى هذا السور سنة 415 لمنع الإفرنج الذين كانوا 
ابتدأوا في استعمار الشرق من طلوعهم إلى جدة» وقد أفاد فائدة تذكر 
في هنع البرتغاليين من الدخول إليها سنة /14. وأصلتهم قلعتها هذه 
الصغيرة ناراً حامية فروا منها إلى مراكبهم تاركين ما كان معهم من 
الذخائر . 


[707] إلا أنها لم تكن تؤدي وظيفتها فى ضرب المراكب 
الإنجليزية لها سنة 71/5١؛‏ وسبب ذلك أن أحد الرعايا الإنجليز كان 
يملك مركب شراعياً بجدة» وكان يرفع عليها العلم الإنجليزي فبدله 
بالعلم'"؟ العثماني» فحنق لذلك قنصل الإنجليز ونزاء إلى المركب 


)١(‏ هو السلطان المملوكي المشهور قانصوه الغوري الذي قصده السلطان سليم 
وقاتله وقتله وأخخذ بلاده سنة 94717 - 9717. 

(؟) هذا خطأ شائعء والصحيح أن الباء تدخل المتروك فيقال هاهنا: دك العلم 
العثماني بالإنجليزي . 





> ره 
وأنزل العلم العثماني بالقوة وأهانهء فلما بلغ الناس هذا الأمر كبر 
عليهم وهاج له الرعاع فقصدوا منزله وقتلوه مع القنصل الفرنساوي 
وبعض الإفرنج ونهبوا دورهم» فأتت مراكب الإنجليز وضربت جدة 
فحضر والي مكة واتفق مع الأميرال على عمل تحقيق كانت نتيجته شنق 
نحو ١5‏ نفراً من الأهالي في سوق جدة» ونفي كثيرين من كبرائهاء 
وغرامة الدولة نظير الأموال التي ادعت رعايا الدول الأجنبية أنها فقدتها 
في هذه الفتنة . 


وفي سنة ١7١١‏ ساق الإنجليز مراكبهم مرة أخرى إلى مياه هذا 
النغر عند ما قتل الأعراب وكيل القنصل الإنجليزي وجرحوا وكيلي 
القنصل الفرنساوي والروسي» وكانوا تجاوزوا الحد المضروب لهم 
خارج البلد» وكلهم مسلمون من الأهالي الذين لم يحسنوا سيرتهم مع 
إخوانهم من مواطنيهم ارتكاناً على الحماية الأجنبية» فحضر الشريف 
عون من مكة لهذا الأمر الذي انتهى بالصلح وسفر المراكب من غير 
ضرب . 


وشوارع جدة لا نظام فيهاء وهي تحتوي على نحو 0٠١‏ منزل 
مبنية بالحجر الجبلي الذي يأتون به من الجبال القريبة» أو الحجر 
المائي الذي يقطعونه من شعاب البحر وهو خفيف جداً وفي غاية 
المتانة إلا أن خطره جسيم وضرره عظيم لأنه قابل للالتهاب بسرعة لما 
يحتويه من المادة الفصفورية التي توجد فيه بكثرة . 


ومساكنها كمساكن مدن الحجاز ‏ مكة والمدينة - وهى أشبه 


الرحلة الحجازية 





0 
بمساكن مصر في عهد المماليك. أعني أن بها غرفا كبيرة ذات سقوف 
عالية» ولها شبابيك طويلة عريضة على شكل المشربيات يسمونها 
الرواشن (مفردها روشن وهي كلمة فارسية)» وشغلها الخشبي يشبه ما 
يسمونه بالمنقور أو المنجورء وأكثرها من النوع المسمى بالشيش» وقد 
رأيت في بعض بيوت هذه المدينة منزلاً وجهته نحو ١9‏ متراً وفيها 
تسعة رواشن كبيرة» ولا شك أن هذه المنافذ الواسعة موافقة جداً للبلاد 
الحارة» ولذلك ترى النظام الجديد في العمارات المصرية يرجع إلى 
هذا النمطء كما نراه في أغلب المباني الحديثة لا سيما في الأحياء 
الإفرنجية وعلى الأخص في مصر الجديدة التي هي شكل مجمل مكمل 
من الأشكال المصرية القديمة. 

[05] ولمحمد علي باشا في هذه المدينة مبان كثيرة: منها دار 
الولاية» ودار البلدية» وثكنات العساكرء وغيرها. 


[04"] وماء الشرب فيها من الصهاريج القديمة التي تملأ من ماء 
المطر أو العيون الموجودة خارد المدينة» وكلما قربت تلك العيون من 
البحر كانت مياهها ملحة غير صالحة للشرب» وفيها مواسير كان. 
وضعها عثمان باشا نوري سنة ١7١7”‏ وسير الماء فيها من عين الرغامة 
التي تبعد عن المدينة شرقاً بنحو عشرة كيلومترات» وهي الآن مهدمة. 
وقد اهتمت بلدية المدينة بإصلاحها ولكن يظهر أن الحكومة لايمكنها 
عمارتها إلا بمعونة الأهالي وهم لايساعدون على ذلك لأن لهم مصلحة 
في بيع مياه صهاريجهم على الحجاج بأثمان باهظة» على أن سواد 
الحجاج لايشربون أثناء وجودهم في هذه المدينة إلا من المياه التي 





يأتون بها إليهم من الحفر والأآبار وفضلاً عن وساختها فإن طعمها يميل 
دائماً إلى الملوحة ولولا فضل الله عليهم لهلكوا منها جميعاً! ! 


وفى هذه المدينة كندانسه لبعض الفرنجة لتكرير مياه البحر وبيعها 
للناس ولكنها تخربت نهائيً» وبلغنا ونحن بجدة أنهم أرسلوا بعض 
عدّدها إلى السويس لإصلاحها فيها. 


[754] وجدة مركز تجاري كبير ويمكنك أن تقول إنها الثغر 
العموميى للحجاز؛ فمنها صادراته وإليها وارداته» وتجارتها تكاد 
تنحصر في أصداف اللؤلؤ والمرجان والسبح والأقمشة الحريرية 
والعطر والعطارة والبقالة الجافة والقرّب والجلود والسجاجيد وجميع 
ما يهم الحاج» وتجارتها الرئيسية في الحبوب خصوصاً القمح والدقيق 
اللذين عليهما مدار حياة أهل البلاد العربية من أدناها إلى أقصاهاء 
وهي تأتي إليها من الهند ومصر والشام والعجم والجاوه وغيرهاء 
وسوق المدينة تمتد على طولها من الجهة الجنوبية إلى الشمالية التي 
تنتهي بمساكن قناصل الدول» وهي أحسن ما في المدينة من الأبنية» 
وأخص منها بالذكر منزل الوكالة الروسية الذي هو على ألطف مثال 
وأجمل هندام لما فيه من المشربيات والطّنّف «البلكونات) التي تمثل 
أبهة الشكل العربي القديم بما يخيل للرائي أنه أمام قصر الرصافة في 
بغداد» وتجاه هذا المنزل نقطة بوليس وبجوارها مكان البوستة» وهو 
غرفة صغيرة يقطعها حاجز خشبي بسيط يفصل بين العمال وأرباب 
الأعمال» وإلى جوارها مكان التلغراف . 


الرحلة الحجازية 





[707] وتجار جدة من أهلين وحضارم وهنود وأعاجم وبخاريين 


الحج . 


ولأحد الأروام فى جنوب المدينة وابور (ماكينه) يدار بالبترول 
لطحن الغلال» وأجرة الكيلة الجداوية (مقدارها ثلاث أقات) ثلاثة 
فروس مجيدية ومع هذا فإن صاحبه على الدوام تراه يصرخ مستغيثاً من 
قلة المكسب وكثرة ما يصرفه فى سبيل إدارته . 


[/اه/ا] وتعداد أهل هذه المدينة لم يحصل بصفة رسمية» وهم 
يبلغون خمسين ألفأ على أضبط تقدير: منهم عشرة آلاف من الأجانب 
المسلمين بين فرس وحضارم وهنود وبخاريين» أما الفرنجة فيبلغ 
عددهم مائة أو يزيدون قليلاً وأغلبهم من الأروام» وثروة البلاد تقريباً 
في أيدي هؤلاء الأغراب وتقدر ثروة بعضهم بنحو مليون من الجنيهات 
لأنهم يجدون ويكدّون ولهم نشاط غريب في بابه» حتى الشيالين 
والفلايكية في هذه المدينة تجدهم في الغالب من الحضارم أو العبيد. 


[754] وفي جدة مدرستان مدرسة الإصلاح وفيها نحو ثمانين 
تلميذاً ويصرف عليها تبرعات الأهالي» والمدرسة الرشدية وهي 
للحكومة وفيها نحو مائة وعشرين تلميذاء ولا يدرس فيهما إلا شيء 
بسيط من الحساب والكتابة والقراءة العربية والتركية»ء وعلى كل حال 
فإنهما أقل في التعليم من مكاتب الأوقاف بمصرء وقد رأيت في سوق 
المدينة لوحة مكتوباً عليها (جريدة الإصلاح ومطبعتها) فسألت عنها 





1 
فعلمت أنها ابتدأت عملها بعد إعلان الدستور العثماني ولكنها لم تجد 
رواجاً فاضطر صاحبها إلى إغلاقهاء وقفل محررها (التركي) راجعاً إلى 
الآستانة» أما المطبعة الآن فليس لها من عمل يذكر. / 

[51,] وسكان جدة خليط ‏ كما أسلفنا ‏ وقد أثرت فيهم طبيعة 
هذا الإقليم فغلبت عليهم حال البداوة فيما يختص بالتعليم الذي ليس 
لهم فيه حظ يذكر اللهم إلا ما كان يوصل إلى كتابة خطاب أو مزاولة 
قليل من الحساب . 

]/١[‏ وفي المدينة أربعة مساجد: المسجد الحنفي» والشافعي. 
والمالكى.» ومسجد سيدي عكاشة وهو أكبرهاء وفيها أجزخانة 
صغيرة”'2» ويقال إن بها نزلاً صغيراً (لوكاندة) في ميدان الجمرك 
ولكني لم أراه. 


وحكومة المدينة محصورة في القائمقام ووكيل الشريف وهو الآن 
حضرة السّريٌّ الوجيه السيد محمد نصيف"'"“'. والأول مختص بأعمال 
الحكومة المالية والمنحصرة في إيراد الجمارك غالباً» وتقدر هذه 
الإيرادات بنحو خمسين ألف جنيه عثماني في السنة على الأكثرء 
والثاني قائم بجميع الأشغال المختصة بالعرب». كما أن أمر القوة 


)١(‏ أي صيدلية. 

(؟) هو الوجيه الحجازي المشهور محمد بن حسين بن عمر نصيف عالم جدة 
وصدرها في عصرهء ولد سنة 2١707‏ ممن كان له الفضل الأكبر في طباعة 
الكتب وترويجها فى الحجازء وكانت له أياد مشكورة وأعمال موفقة. توفي سنة 
0١‏ -_رحمه الله تعالى ‏ بالطائف ودفن بجدة. انظر «الأعلام» : 5/وض١-8١٠.‏ 


الرحلة الحجازية 





العسكرية موكول إلى قومندانها"'' . 


وقد كان والي الحجاز يسكن أولاً في جدة ولكن نقل مركزه في 
نحو سنة ١58٠١‏ إلى مكة لأهميتها. 


[71,] وفي موسم الحج ترى في جدة حركة مستديمة لا تنقطع 
ليلا ولا نهاراً من الحجاج الذين إذا وصلوا إليها وجدوا على أبواب 
جمركها مطوفيهم أو وكلاءهم في انتظارهم وهم ينادون ياحاج فلان 
أو: يا حجاج فلان (يعنون المطوف)». فيعرف الحاج اسم مطوفه 
فينادي عليه وهو في هذه الشدة» فيبادر إلى مساعدته ويأخذ منه ورقة 
جوازه (باسابورت) ليعلم عليها من قلم الجوازات» ثم يسير معه إلى 
منزل يقيم به يوم أو يومين يصلح فيهما من شأنه في نظير أجر يدفعه 
لصاحبه»ء ثم يؤجر حميره أو جماله ويسافر إلى مكة بعد أن يشتري 
شقادفه إن كان لها ضرورة عنده ومتوسط ثمن الشقدف جنيه إنجليزي». 
وأجرة الهجين أو الحمار جنيه إلى مكة. وكذلك جمل الحملء أما 
جمل الشقدف فتصل أجرته في الغالب إلى ضعف ذلك . 


[17] وصول الجناب العالي إلى جدة وسفره منها إلى بحرة 


ومما يذكر في تاريخ جدة تشريف الجناب العالي الخذيو إليها يوم 
الثلاثاء غرة ذي الحجة سنة ١77177‏ قاصداً تأدية فريضة الحج الشريف». 


)١(‏ أي قائدها. 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 0 
زمراً وفي مقدمتهم علية القوم وأعناقهم متطاولة إلى عرض البحر لرؤية 
وابور المحروسة المقل لهذه الذات العباسية'' المحبوبة» وفي نحو 
الساعة الثالثة العربية نهاراً حضر أصحاب السيادة والسعادة أنجال 
سيادة شريف مكة. ومعهم حضرات القاتمقام وقومندان القوة العثمانية 
الموجودة بجدة» وسعادة مكتوبجي الولاية الذي وفد للسلام على 
الحضرة الخديوية بالنيابة عن الدولة العلية والتشرف بمرافقة الجناب 
السامي مدة وجوده ‏ حفظه الله في الأقطار الحجازية» يتلوهم 
حضرات مدير البوستة والتلغرافات ووكيل شركة البواخر الخديوية 
وغيرهم من مستخدمي الحكومة العثمانية» وقبل أن تظهر أي إشارة 
تنبىء بقرب الركاب العالي ركبوا جميعاً الزوارق ونزلوا إلى عرض 
البحر انتظاراً لمقدمه الشريف» وكانوا قبل شروق الشمس قد أرسلوا 
الوابور الحربي العثماني المقيم في مياه جدة لاستقبال المركب 

الخديوية المحروسة على بعد سبع ساعات أو أكثر من مياهها. 


وفي نحو الساعة السابعة العربية نهاراً ظهر دخان المركب في 
الأفق. وما زالت تقرب شيئاً فشيئاً حتى ألقت مراسيها في الساعة 
الثامنة» وهنالك قربت منها الزوارق وصعد الأشراف ورجال الحكومة 
للسلام على مولانا الخديو وتبليغه سلامَ مولانا أمير المؤمنين وتهاني 
الدولة العلية مع تحية سيادة الشريف ودولة الوالي» فقابلهم - حفظه 
الله - بما جبل عليه من البشر والإيناس والحفاوة والإكرام» وبعد ساعة 


60 نسبه إلى أسمه : عباس حلمي . 


الرحلة الحجازية 





رجعوا وألسنتهم كلها شكر وثناء على مكارم أخلاقه وكمال ادأبه. 


وما غربت شمس هذا اليوم حتى بدت دار البلدية تختال في حلل 
زينتها من جهة البرء وتألفت أنوار المراكب البخارية على اختلاف 
جنسياتها من جهة البحرء وذهبت ساريات السنابك في السماء 
بمصابيحها التى كانت كأنها النجوم الزواهر. 

وقبل الشروق ظهر من اليم الزورق البخاري المقل لمولانا 
الخديو ‏ حفظه الله فضرب النفير وأطلقت المدافع» وهنالك انتظمت 
العساكر على شبه دائرة مستطيلة . 


وبعد نصف ساعة شرف الركاب العاليى على سلم الكورنتينة؛ 
وكانت ساحتها مفروشة بالسجاجيد العجمية وقد اصطف على جانبيها 
رجال الدولة العلية من جهة. ومن الأخرى أصحاب السعادة أنجال 
دولة الشريف ومن حضر معهم من الأشراف لأداء واجب التحية فطلع - 
حفظه الله وهو في لباس إحرامه كالبدر في تمامه» وسار وهو يحي 
هذه الجموع بيده الشريفة» وكان جواده على سلم الكورنتينة فركب - 
حفظه الله بين عزف الموسيقات المصرية والتركية ودعاء الجنود 
وهتاف الجمهورء يحيط بهم جميعاً فرقة من الجند» ثم ركب في 
أثرهم أنجال الشريف ومعهم مندوب حكومة الحجاز وجم غفير من 
الأشراف . 

وسار حفظه الله - بهذا الموكب الحافل إلى باب المغاربة ومنه 
إلى الباب الشامي وهنالك كان في انتظاره مشايخ العربان من أشراف 





0 - 


وغيرهم على هجنهه”" وساروا جميعاً في ركابه العالي إلى بحرة . 


[77] وبحرة نزلة بها جملة أكواخ يسكنها بعض الأعراب» وفيها 
عشش عمومية واسعة يسمونها قهاوي». يستريح فيها من أراد من 
الحجاج - وخصوصاً راكبي الحمير والهجن ‏ لوجود ما يلزمهم بها من 
خبز وجبن وبلح وبعض الفاكهة والقهوة والتنباك» وفي جوارها أفنية 
واسعة محاطة بأسوار من الجريد تربط فيها جمال الحجاج ودوابهم. 
وأغلب القوافل تبيت فيها. 


[:"] وهنالك كنت ترى معسكر الجناب العاليى في نظام لم 
يسبق له نظير بالمرة» وإلى شرقيه سرادق حضرات أنجال الشريف التي 
مدت فيه ظهر ذلك اليوم مائدة على النظام الإفرنجي تسع مائة مدعو 
لضيافة سمو الأمير ومّن في معيته»ء وعلى الخصوص في العشاء الذي 
حضره مولانا الخديوء وكان أناب عنه في الغداء دولة الْبرنس”" أحمد 
كمال الدين باشاء أما النظام والزينة في هذه المائدة فقد كانا مدهشين 
جداً لعدم انطباقهما بالمرة على حال هذه البداوة التي رأينا أنفسنا ساعة 
ونحن بين فيافيها كأننا بين جدران البهو الكبير في نزل الكونتينانتال 
بالقاهرة أثناء مأدبة من المآدب الكبرى». نعم كنت تجد الطعام على 
كثرة صنوفه جمع إلى نظافته لذة طعمهء وكانت ثريات النور الأبيض 
تتلألاً منتشرة في أرجاء الصيوان مما كان ينير جو بحرة بأجمعه حتى 


. أي على إبلهم‎ )١( 


() البرنس أي الأميرء وهي لفظة غربية. 


الرحلة الحجازية 





-© 


لكأننا فى رابعة النهارء وكان يزيد فى رواء هذه الحفلة تلك الآداب 
العالية التي كنت تراها في أنجال سيادة الشريف» وبعد العشاء بارح 
الجناب العالي صيوان الأشراف بين صنوف التبجيل والتكريم» 
فاصطفت مشايخ العربان من أشراف وغيرهم فسلم ‏ حفظه الله عليهم 
شاكراً لهم ضيافتهم وهم له شاكرون تفضله بقبولها. . 


[56/] دخول الجناب العالي إلى مكة 
وأيامه بها قبل عرفة - 


بعد تناول العشاء في صيوان أنجال الشريف في بحرة استراح 
الجناب العالي قليلاً فى سرادقه. وفي نحو الساعة الحادية عشرة 
إفرنكي مساء امتطى ‏ حفظه الله جواداً كريماً قاصداً مكة» يتبعه بعض 
الحاشية» وسار الكل حتى وصلوا إلى قهوة البستان ‏ وهي على بعد 
ثلاث ساعات. من مكة ‏ وهنالك كان دولة الشريف حسين باشا أمير 
مكة المكرمة في جمع من علية بيته وأكابر قومه استقبالاً لجنابه 
الفخيم» وأراد الشريف أن يترجل عن جواده احتراماً لجنابه العالي» 
فأقسم عليه سموه بأن لا يفعل» وبعد تبادل التحيات وعبارات التهاني 
ساروا جميعاً حتى وصلوا إلى الصواوين التي أعدتها الحكومة خارج 
مكة احتفالاً بمقدمه الشريف» وكان العلماء والوجهاء والأعيان والتجار 
في انتظار قدومه السعيد بهاء فنزل ‏ حفظه الله - في سرادق مخصص 
لتشريفه» وبعد شرب القهوة قدم له دولة الشريف حضرات أعضاء بلدية 
البلد الحرام: وفي مقدمتهم الشيخ الشيبيى» ثم حضرات قاضي مكة» 





- 1 
ومفتيهاء ونائب الحرمء وغيرهم من العلماء والأشراف والأعيان, 
فأبدى سموه لهم شكرانه وعظيم امتنانه» ثم امتطى جواده قاصداً مكة. 
وسار بمن كان معه من وسط جنود القوة الشاهانية المقيمة بها» وكانت 
قد اصطفت على جانبي الطريق إلى ثكنة (قشلاق) الحميدية لأداء 
واجب التعظيم وأمامها حضرات قومندانه/'؟ وضباطها بالتشريفة 

الكبرى» وفي هذه الفترة كانت الموسيقى تصدح بالسلام الخديوي . 


ودخل مكة ‏ حفظه الله من باب جرول حيث كان حرس المحمل 
واقفآ لأداء واجب السلام» وسار في طريق الشْبَيْكة والناس على جانبيه 
كأنهم البنيان المرصوص والكل يبتهل إلى الله بحفظ هذه الذات 
الس ثم مرّ أمام التكية المصرية ودار الحكومة الحجازية ودار البلدية 
وكانت كلها مزينة بأحسن زينة» ووصل إلى باب الحرم الشريف فجر 
يوم الخميس ثالث ذي الحجة وصلى الصبح مع الإمام المالكي» ثم 
طاف طواف القدوم» وخرج إلى السعي بين الصفا والمروة حيث 
اصطفت الحجاج على اختلاف أجناسهم وفيى مقدمتهم الحجاج 
المصريون على طول المسعى» وكان كلما مرّ عليهم ساعيا لله ارتفعت 
أصواتهم مكبرين مبتهلين وأفئدتهم ترفع الدعاء إلى رب الأرض 
والسماء بحفظ هذه الذات العباسية المحروسة» وأعينهم تذرف دموع 
الفرح لمشاهدة أنوار مليكهم المحبوب» الذي استولى بعدله وفضله 
ووحونةونحةة على القلوفبة قبالها عن مناعة كنت ترض افيا هذا 
المليك الفخيم ولا عرش يقله. ولا تاج يظله. وقد تجرد عن فخامة 


)١(‏ .أي قائدها. 


الرحلة الحجازية 





ا 


الملك بل عن مظاهر الدنيا بأجمعها وسعى بين يدي الله سبعة أشواط 
كانت قلوب الناس في أثنائها تسعى بين يديه الكريمتين! يالها من ساعة 
ما كنت تسمع فيها إلازغردة النساء وآي الدعاء ومظاهرة الرعية الصادقة 
بالإخلاص والولاء» حتى كأنما الكل أهل بيت واحد خرجوا لاستقبال 
والدهم وسيدهم وعائلهم وولي نعمتهم بعد غياب طويل . 





[75] وأحسن ما يذكر في هذا المقام أن سيادة الشريف أشار 
عليه بالسعي راكباً لعدم المحظور شرعاً خصوصاً وهو في تعبه الشديد 
بعد هذا السفر الطويل» فامتنع سموه قائلاً: «ما عليّ لو غبرت قدمي 
ساعة في سبيل الله . 


وبعد السعي قصد ‏ حفظه الله دار الإمارة في سوق الليل» 
وكانت قد أعدت لإقامته مدة وجوده بمكة» وكان دولة الشريف قد 
استأذن جنابة العالى عند دخوله الحرم الشريف وسبق إليها استعداداً 
لمقدمه السعيد». ولما وصل الركاب العالي كان دولته في انتظاره على 
باب السراي العامرة» فرحب به ترحيباً يليق بمقام الزائر وكرم المزور. 
وصعل مع سموه إلى قاعة الاستقبال الكبرى وبعد تكرار ايات التهاني 
انصرف دولته مودعاً بكل شكر واحترام . 

ظ وهذه السراي كان قد بناها الحاج محمد علي باشا والي مصر سنة 
4 © لتكون داراً لحكومة الحجازء ولما ترك ولايتها جعلت مقراً 


: قال الشيخ عثمان الراضي المكي مصححاً هذه المعلومة‎ )١( 
- هذه السراي أو دار الإمارة إنما بناها أمير مكة الشريف محمد بن عونء وقد‎ 





0 


لإمارة مكة إلى الآنء لذلك لم ير دولة الشريف أجمل مناسبة يجدد بها 
الذكرى الطيبة لجد هذه العائلة الكريمة الفخيمة إلا تقديم أثر من اثار 
نابغة القرن الثالث عشر الهجري"''' إلى هذا الحفيد الجليل» ليقرأ في 
عظمة أروقته بعض أيات آبائه الأكرمين؛ وفي هذا إشارة لطيفة إلى عدم 
نسيان دولة الشريف ما كان لمحمد علي باشا على عائلته الكريمة من 
اليد البيضاء» لأنه هو الذي عين في إمارة مكة جدهم محمد بن عون 


سنة 57579'"» ومن نّم وهي في أيدي بنيه إلى اليوم . 


وما بزغت شمس يوم الجمعة رابع ذي الحجة حتى أخذ الألاف 
من الناس يفدون على بأب الدار الخديويه هلا رافع يذه للدعاء وذلك 
بامتعل كقد ا لنطاة.: 


ولما قرب وقت الظهر قصد ‏ حفظه الله الحرم الشريف لصلاة 
الجمعة» وكانت أعدت له القبة التي في أعلى بئر زمزم ففرشت 
بأصناف السجاجيد العجمية والبسط الفاخرة. وكنت فيمن سبق إليها 


ساعده محمد على باشا على البدء بعمارتها بشىء من المال أهداه إياها: انظر 
مقدمة الرحلة الأصل» ضن : نت 

)000 لمحمد علي باشا مساوىء عديدة في طريقة حكمه لمصرء حيث قلل من هيبة 
مشايخ الأزهر ونفوذهمء وساعد على تغريب مصر بوسائل متعددة» وله بعض 
حسنات» انظر فى تفصيل شأنه: «عقبات فى طريق النهضة» للأستاذ أنور 
الجندي : الفصل الثالث : محمد علي : تغريب العلم والقانون: ص ؟١.‏ 

() قال الشيخ عثمان الراضي: | 
إن محمد على كتب إلى حكومة الآستانة - اسطنبول - يرشح محمداً وهو ضيف 
عنده بمصر إذ ذاك ‏ فلبته الحكومة . 


الرضلة الححادة 





-© 


لشرف القيام بخدمة استقباله بهاء فدخل سموه من باب الصفا يحف به 
عدد عظيم من الأشراف وبعض ضباط الحرس الخديوي» فزغردت 
النساء اللاتي كن في محلهن من المسجد على يمين الباب فرحا بمقدمه 
المبعيك. 

[7717] وهنالك علت الأصوات من أرجاء المسجد بالتكبير 
والتهليل بما لم يسبق له مثيل» نعم علت الأصوات إلى رب السموات 
الذي عظم شأنه وتجلى سلطانه وظهرت ربوبيته هنا بأكمل مظاهرهاء 
فإذا قلت إن العالم كله ملكه قلنا ولكن مكة عاصمته ومظهر سلطانه 
وجبروته» والكعبة بيته ومكان عظموته ورحموته» وأي مكان في 
أطراف المسكونة لا يبلغ مسطحه ثمانية عشر ألف متر مربع مع أنه 
يحعفك إلبه رمن الحج افى :رقت واعل تدر لعاف هليوتا من الفوسء 
والكل يدعون الله بقلب واحد ولسان واحدء وهم وإن اختلفت 
جنسياتهم وتباينت لغاتهم يتوجهون إلى قبلة واحدة» ويتحركون في 
صلاتهم بحركة واحدة» وهم لا يرجون غير رحمة الله الواحد الأحدء 
الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. 

ولما صعد الخطيب المنبر صعد معه أحد الأغوات وجلس على 
الدرجة التي تلى قدميهء وهذا بلا شك - عادة قديمة كانت للمحافظة 
على الخطيب أثناء اشتغاله بإلقاء الخطبة حتى لا تتسرب إليه يد أثيمة. 
وأظن أنهم استغنوا عن ذلك فيما بعد بعمل أبواب للمنابر خصوصًا 
وقد صارت الخطبة لغير الأمراء والرؤساء» وعقب هذه الخطبة ‏ التى 





0 - 


العالى على الخطيب بخلعة سنية ألبسه إياها سعادة حسين محرم باشاء 
ثم صلى الخطيب بالناس تحت جدار الكعبة المكرمة . 

وكانت السماء فى أثناء الخطبة قد تلبدت بالغيوم ثم فاضت بغيثها 
المدرار أثناء الصلاة فلم يتزحزح الناس عن مراكزهم واستبشر جميع 
الخلق بهذه الرحمة التي كانت قد انقطعت عن بلاد الحجاز من ست 
سنوات» وكان هذا أحسن فأل لحج الجناب العالي الخديوي . 

وبعد الصلاة خرج ‏ حفظه الله من باب الصفا بين صفوف 
الحرس الخديوي الذي حال بين سموه وبين أولئك الألوف المتزاحمة 
لمشاهدة محياه الشريف . وألسنتهم تلهج بالدعاء له وخصوصا أهل 
جزيرة العرب الذين فرحوا بهذا الغيث الذي أكرم الله به وفادة ضيفه 
الكسر: 

وفي صباح يوم السبت خامس ذي الحجة قصد ‏ حفظه الله زيارة 
الأماكن المباركة فى ركب من حاشيته ملكيين وعسكريين فزارهاء وعاد 
إلى الشرائ العامرة: ظ 

وبعد ظهر هذا اليوم استقبل الجناب العالي كثيرًا من الزائرين من 
علماء وأعيان مكة. 

وفي الساعة الخامسة العربية بعد غروب اليوم المذكور قصد زيارة 
بيت الله الحرام. ففتح بابه ووضع إليه المدرج المنبري». وأوقد ما فيه 
من الشموع حتى صار كأنه قطعة من نور على نورء فصعد ‏ حفظه الله - 
على الدرج. فرجال حاشيته عسكريين وملكيين»؛ وهنالك صلى ركعتين 


الرحلة الحجازية 





-© 


لله تعالى في القبلة التي في مقابلة الباب» ثم اتجه إلى الجدار الشمالي 
فصلى ركعتين أيضاء ثم إلى الجدار الشرقي فصلى مثلهماء وكان 
الجميع يصلي كذلك . 


[8”/ا] والكل في غاية ما يمكن من الخشوع تلقاء هذا الملكوت 
الأعظم والرهبوت الأفخم الذين تصغر أمامهما النفوس الكبيرة حتى 
يكاد يتصل وجودها بالعدم. ولولا ما كنا نشاهده من تحرك الجسوم في 
هيئة الصلاة» ورفع الأيدي بالدعوات» واضطراب الشفاه بالتضرعات». 
وما كنا نسمعه من دقات القلوب أمام هذه العظمة اللامتناهية لحسبنا 
أنفسنا فى حياة غير هذه الحياة» وفى الحقيقة فقد كنا فى هذه الساعة 
في عالم آخرء نعم كنا في بيت الله وفى حضرة الله من غيرما واسطة. 
وليس فينا إلا رأس يخضع» ولسان يضرع. ودعوات ترفع» وعيون 
تدمع ء وقلب يهلع . وإخلااص يشمع ») وبعدأن أقمنا على هذه الحال 
ساعة خرجنا وقلوبنا تقبض أقدامنا عن السعي لحيظات تزيد في تمتع 
النفس بهذه التجليات العظمى. وعاطفة الأدب تدفعها بموجبات 


زار مقام الخليل إبراهيم» ثم عاد إلى مقامه شاكرًا لله على توفيقه لزيارة 
بيته الكريم . 


وقضى جنابه العالى يومه الأحد فى استقبال كثير من الناس على 
اختلااف أجناسهم . وفي المساء أولم وليمة فاخرة لسيادة الشريف 








> 0 
وأصحاب السعادة أنجاله الكرام ووكيل الولاية ونحو عشرين من علية 
القوم والأشراف وكبار المأمورين وحضرات القاضي والمفتي وشيخ 
الحرم ومديره ورجال المعية السنية» وبعد العشاء انتقلوا إلى البهو 
الكبير وكان ‏ حفظه الله - يؤانسهم بلطفه ومكارم أخلاقه؛ وبعد شرب 
القهوة قام عطوفة أمين بك أفندي وكيل الولاية والقائم بأعمالهاء 
وارتجل خطابة غاية في البلاغة» وبعدما انتهى ذلك الخطيب من خطابه 
البليغ شكر له الجناب العالي فصاحته ولطفه وأدبهء ثم أخذوا في 
السمر إلى منتصف الليل» وانفض عقد الجمع وكلهم ألسنة شكر 
للجناب العالي على عظيم كرمهء وحسن لقائه» وجميل ملاطفته. 
وواسع معرفته» وكبير آدابه»ء وقضى ‏ حفظه الله يوم الاثنين سابع ذي 
الحجة في استقبال كثير من الزائرين» ثم تزاور سموه مع دولة 
الشريف. وفي المساء طاف بالكعبة المعظمة» ثم رجع إلى دار 

الإمارة» وأمر حفظه الله بالاستعداد إلى الخروج لعرفة. 


مكة المكرمة 


[778] وهي عاصمة بلاد الحجازء وفيها محل حكومته التي 
تنقسم إلى قسمين: الإداري وهو في يد الشريف أمير مكة ويسمونه 
سيد الجميع» والمالي والعسكري وهو في يد الوالي الذي يكون تركيا 
في الغالب؟؛ وعليه فالشريف ينظر في القضايا الجسيمة ويحكم فيها 
على حسب نظامات أربابها إن كانوا من الأهالي أو من الأعراب» أما 
القضايا الصغيرة فيحكم فيها القاضي الذي يعين من قبل السلطان . 


الرحلة الحجازية 





]/7١[‏ وهذه المدينة تمتد من الغرب إلى الشرق على مسافة نحو 
ثلاثة كيلو مترات طولاًء وما يقرب من نصف ذلك عرضاء في واد 
مائل من الشمال إلى الجنوب منحصر بين سلسلتي جبال تكادان 
تتصلان ببعضهما من جهة الشرق والغرب والجنوبء أعني على أبواب 
مكة الثلاث ولذا لا تشاهد أبنيتها للقادم عليها إلا وهو على أبوابها. 


[7/1] وكل سفوح هذه الجبال من جهة الحرم تراها عامرة 
بالبيرت والمساكن التي تتدرج عليها إلى قلب الوادي» ويبلغ عددها 
نحو سبعة آلاف بيت منها الكبير والصغيرء يحتشد فيها زمن الحج مائتا 
ألف نفس على الأقل» وإذا كان الحج بالجمعة كان الناس أضعاف 
ذلك» ومساكنها على شبه مساكن جدةء ولا حوش لها في الغالب إلا 
ماكان لعظمائها وكبرائهاء وأعظم مساكنها بالقرارة» وأحسن موقع في 
مكة شعب جياد لارتفاعه وسعة طرقه ومساكنهء وفيه بيوت كثيرة 
جميلة على الطراز التركي يسكنها موظفو الولاية من الأتراك» وفيه دار 
عظيمة للشريف عبدالمطليب وداران عظيمتان للسيد محمد السقاف 
الذي له أملاك واسعة في مكة والمدينة . 

ومع ذلك فليس بمكة ‏ على قدم عهدها بالحضارة وعظم مكانتها 
في نفوس الناس من زمن بعيد جدًا - شيء يذكر من آثار العمارة 


القديمة مما هو موجود بكثرة بمصر والشام اللهم إلا بيت الشريف 
ناصر"'* باشا الذي هو في فخامة المنظر وجمال الصناعة العربية بمكان 


- قال المحقق: الشريف ناصر باشا ولى عهد إمارة مكة وهو الآن بالآستانة» وهذا‎ )١( 





-> 00 
عظيم ؛ ويصح أن يكون أحسن بيت في مكة. 

ويتوسط مكة طريق يقطعها من الغرب إلى الشرق وهو أكبر 
شوارعهاء ويختلف اسمه باختلاف الجهات التي يمر عليها: فإذا ابتدأ 
غربًا من جرول يسمى حارة الباب» ثم الشبيكة؛ حتى إذا وصل إلى 
الحرم من جهة الشمال سّمي الشامية» فإذا انعطف إلى الجنوب على 
يمين الحرم سّمي السوق الصغيرء ثم جياد وفيه البوستة والتلغراف 
والتكية المصرية ودار الحكومة العثمانية ويسمونها بالحميدية» وإلى 
جوارها إدارة الصحة وقشلاق الطوبجية والمطبعة الأميرية. فإذا وصل 
إلى الصفا سّمي المسعى» ثم القشيشية» ثم سوق الليل ثم الغزة ومنها 
إلى باب مكة الشرقي أو باب المعلى . 

وليس بمكة على كبرها ميادين عمومية؛ اللهم إلا صحن المسجد 
الحرام الذي بسعته يؤدي وظيفة الميادين الكبرى. وهذه الطرق تختلف 
سعتها من مترين إلى خمسة عشر مترّاء وتراها في زمن الحج غاية في 
الوساخة والقذارة مما يوجب على المجلس البلدي في مكة أن يعتني 
بنظافتها خصوصًا في مدة الموسم. مع عدم إهماله أمرَ النور ليلا خدمة 
للدين والإنسانية . 





[ ١لا/ا]‏ ويقصد مكة زمن الحج أنواع العالم الإسلامي من جميع 
أطراف المسكونة: فترى بها الأزياء المتباينة والسحن المختلفة» حتى 
ليجدر بها أن تسمى بالمعرض الإسلامي» ولقد رأيت فيها رجلا يابانيا 


- الت بنأه الشريف عبدالمطلب . 


الرحلة الحجازية 


-© 





من كبار قوّاد اليابان قد أسلم وقدم إليها لتأدية فريضة الحج . 

وقد اعتاد الشوام والمغاربة سكنى الجهة الشمالية من مكة زمن 
الموسمء والأفغان والسليمانية"'' ‏ أهالي قندهار ‏ في الجهة الشمالية 
الشرقية؛ والهنود والجاوة في الجهة الشمالية الغربية» واليمن 
والتركستان والضاغستان في المسفلة» والعجم فى شعب علي. 
وماسوى ذلك في وسط المديئة. 


[/ا/ا] وأهالى مكة يبلغ عددهي'"ا نحو ٠‏ ألف شخص منهم 
خمسون ألما من الأهالي والباقون من الأغراب كما تراه في الجدول 
الآتى : 


م 


٠5‏ ألفاً أهالى. 


0 ألفاً أعراب وغالبهم حجازيون ويمنيون وحضارم . 
٠5‏ ألفاً بخاريون. 
5١‏ ألفاً هنود. 
6 ألفاً جاوة. 
5 آلاف سليمانية وأفغان. 
() قال المحقق: نسبة إلى رجل: اسمه سليمان صاحب طريقة شائعة في بلادهم . 
(؟) قال المحقق: التعداد في بلاد العرب لم يحصل لحد الآن بصفة رسمية» وكل ما 


يعلم عله إنما هو على و-حه التقريب» وما وضعناه هنا أخذناه من مأموري الدولة 
وغيرهم ممن يوثق بأقوالهم . 


المختار من الرحلات الحجازية 





000/1 


0-0 


ه آلاف مغارية. 


5-8 


6 الاف أجناس مختلفة. 


المجموع ١‏ ألفاً. 


1 ومن اختلاط هذه الأجناس بعضهم ببعض بالمصاهرة أو 
المعاشرة صار سواد أهل مكة خليطًا في خَلقهم. خليطا في خلقهم : 
فتراهم قد جمعوا إلى طبائعهم وداعق الأناضولي» وعظمة إلتركي» 
واستكانة الجاوي. وكبرياء الفارسي. ولين المصري؛ وصلابة 
الشركسي» وسكون الصيني. وحدة المغربي» وبساطة الهندي» ومكر 
اليمني» وحركة السوري؛ وكسل الزنجي» ولون اليحبشي» بل نراهم 
جمعوا بين رفه الحضارة وقشف البداوة؛ فبينما ترى الرجل منهم قد 
انسك برقة حديثه معك وضعته بين يديك إذ هو قد استوحش منك 
وأغلظ في كلامهء حتى كأن طبيعة البداوة تغلبت فيه على طبيعة 
الحضارة فلم يطق ما تكلفه في حضرتك”'' . 


[5//ا] وقد وصل هذا الخلط إلى أزيائهم التي تراها مجموعة 


)1١‏ نقد الشيخ عثمان الراضي هذا الذي ذكره البتنوني عن أهل مكةء انظر مقدمة 
الأصل لهذه الرحلة ص2 ث. 


الرحلة الحجازية 





ذم > 
مختلطة من أزياء البلاد الإسلامية: عمامة هندية» وقفطان مصري» 
وجبة شامية» ومنطقة تركية فيها خنجر تراه على الخصوص في حزام 
الأشراف مفضضا أو مذهبًا بشكل جميل جدًا وكثيرًا مايكون مرصحًا 
بالأحجار الكريمة» ومع هذا فقد ترى الرجل الصانع الفقير يلبس 
القميص وعلى ياقته الظرافة المشغولة بالحريرء وعلى رجل سراويله 
شيء يشبه الركامة وهو حافي الرجل مثلا . 

غير أنك لا تلاحظ ذلك في طبقة الأشراف التي ترفعت عن هذا 
الخليط» فلم يدخل في مادتهم غريب» ولم يتغلب عليهم خلق جديد. 
بل خلقهم هو هو بعينه العربي البحت الذي ورثوه عن أجدادهم وألفوه 
بما فطروا عليه من كريم العنصر وذكاء المَحْتدا'. وعلى العموم 
فأخلاق أهل مكة غاية في الكمال وخصوصا في الطبقة العالية منهم - 
رضي الله عنهم ‏ ولا يؤخذ على مجموعهم خسة بعض السوقة فيهم . 

[1/7] والذي يؤسف له أن هذا الخلط وصل إلى لغتهم؛ فتراهم 
يتكلمون في الغالب بلغة يكثر فيها الحشو من كلمات عربية مشوّهة» أو 
فارسية» أو تركية» أو غيرها”"' . 

[1ال] وغالب أهل مكة يتكلمون بالتركية» ومن المطوفين من 
يتكلم بلغات مختلفة كالهندية والأوردية والجاوية والفارسية والصيئية» 
أما أهل البادية فلغتهم عربية صرفة لا نكاد نفهمها إذا سمعناهم 


200 أي الأصل . 
(5) انظر الهامش قبل السابق . 


المختار من الرحلات الحجازية 





باحتلاف القبائل . 

[4لالا] ومن عادة شريف مكة أن يجلس للحكم في دار الإمارة 
كل يوم من الساعة الخامسة نهار'' إلى قبيل العصرء فتعرض عليه 
المسائل الهامة» وهنالك يستعد إلى التوجه إلى الحرم في ركبة بسيطة 
فيصلي العصرء وكثيراً ما يجلس بالحرم حتى يصلي المغرب ثم يعود 
إلى قصره فيتناول العشاء مع من يريد من بنيه وخاصته وضيوفه . 

ومن عادته أنه يجلس صباح يوم الجمعة في دار الإمارة 
للمقابلاتء فيفد عليه الوالي وكبار الموظفين» ثم أعيان مكة 
ووجوههاء وبعد السلام عليه يذهبون إلى السلام على الوالي . 

ومن عادته أن يصلي الجمعة في الحرم حتى إذا كان في الطائف 
ينزل منها في موكبه فيصليها فيه وبعد العصر يعود إلى مضيفه . 


[79] ومن عادة أهل مكة التأنق في المأكل والمشرب واللباس. 
وتكثر في لباسهم الألوان الزاهية الباهية وخصوصاً الأحمر والأخضر 
والأزرق والوردي» وترى في مساكنهم كثيراً من أدوات الزخرف 
والزينة والرياش الثمينة وخصوصاً البسط العجمية النادرة المثال. 

[78] ومن عادتهم تقديم الشاي في أي وقت تحية للقادم 
عليهم». وإقامة المآدب» ويتفاخرون بكثرة صنوف الطعام المتغايرة في 


)١(‏ أي بالتوقيت الغروبي العربي. 


الرحلة الحجازية 





والعربي والشامي والمصري والتركي». ويقعد المدعوون في هذه 
الولائم على سماط يمد على الأرض وتخدم عليهم الألوان لون بعد 
أشير. 

الأغاني وآلات الطرب كالعود أو القانون أو الرباب ثم ينصرفون» 
وغالباً تكون هذه الحفلات فى ضواحى مكة كالزاهر والشهداء. 
وهنالك يبكرون إليها ويقضون يومهم في سرور وحبور وألعاب رياضية 
كالمسابقة بالجري أو لعب الكرة أو النرد أو الشطرنج مثلاً . 

[787] ولأهل كل حارة من حارات مكة عادة مع أميرها؛ ذلك أن 
يجتمعوا ويدعوا الشريف إلى وليمة يقيمونها له كل سنة في أحد 
منتزهاتهم خارج مكة, فإذا قبل منهم ذلك عيّن يوم الوليمة وفيه يذهب 
مع خاصته الذين يدعوهم للتوجه معه في موكب فخيم تجري أمامه 
خيالة الأعراب والبيشة» والناس يهتفون له بقولهم ‏ دائماً - ١يعيش»»‏ 
حتى إذا وصل مكان الدعوة جلس مع من أراد. 
والعربي ويجلس الشريف ويدعو خاصته للآكل معه. وبعد الطعام 
تلعب الأعراب بألعاب الفروسية؛ تارة بالخناجر وأخرى بالسيوف إلى 
آخر النهارء وبعد فترة من الليل يعود الشريف في موكبه إلى مكة . 

[78] ومن عوائد أهل مكة أنهم يأكلون مرتين في اليوم: واحدة 
في نحو الساعة التاسعة صباحاٌ والأخرى بعل صلاة العصر. وهم 


المختار من الرحلات الحجازية 





يميلون إلى الأبهة والفخفخة كثيراً. 


ويقلد صغيرهم كبيرهم في التظاهر بالكرم والشجاعة خصوصاً في 
[8:5/] وقد كانوا يفطرون فى الحرم بعد صلاة المغرس» فيمدون 
فيه الموائد هنا وهناك. لا سيما فى زمن الحرء ولكن الشريف عون 
الرفيق أبطل هذه العادة وخيراً فعل؛ لأن فضلات الأكل كانت توسخ 


ومن عوائد كثير منهم أنهم يشرطون وجنات صبيانهم ثلاث شرط 

[785] ونساؤهم يدن بالنرجيلة» والزار يفشو فيهن كثيراً. 

[787] وبعضهن يخرجن إلى الأسواق بملاءة واسعة سوداء في 
الغالب» وبرقع كثيف فيه ثقبان صغيران فيما يقابل العينين» وفي 
أرجلهن أخفاف ضخمة لونها أصفر غالباً. 

[717] وأفراحهم ومآتمهم غاية في البساطة» ومن عوائدهم في 
ويجلسون في الأماكن المعدة لهم خارج البيت» ووقت العشاء يمد لهم 
سماط مستطيل يجلسون عليه جميعاً مرة واحدة فيأكلون ثم ينصرفون. 

أما النساء فيدخلن البيت فيجدن على باب قاعة الجلوس قصعة 
كبيرة مملوءة بمعجون الحناء» فتحني المرأة يداً من يديها ثم تدخل إلى 


الرحلة الحجازية 





0 م 
المكان» وبعد السلام تجلس على هذه الحال مع باقي النسوة» ولا 
يزلن يتجاذبن أطراف الحديث إلى منتصف الليل» وهناك يزففن 
العروس إلى بعلهاء ثم يعدن إلى بيوتهن بعد أن يضعن في عنقها عقوداً 
كثيرة من زهر الفل أو ثمر التفاح وهو في قدر البندق . 

[784] أما مآتمهم: فعند موت الميت تصرخ امرأة من أقرب 
الناس إليه صرخة واحدة أو صرختين إعلاناً بالمصيبة فتتوافد عليها 
النساء» فيجدن قصعة الحناء بجوار قاعة الجلوس فتحني كل واحدة 
منهن يدا من يديها ثم يدخلن القاعة» وبعد أن يعزين صاحبة الفقيد 
بكلمات قليلة يجلسن ويأخذن في الحديث في شؤون مؤتلفة ثم 
ينصرفن . 

أما الميت فيأخذه بعض أقاربه ويدفنونه بغير احتفال كبير» وبعد 
دفنه يتوارد الرجال على أهله فيعزونهم وينصرفون لوقتهم . 


< [84,] ومن عوائدهم أنهم يحتفلون احتفالاً كيرا ؛ بختم أولادهم 
للقرآن الكريم» ويسيرون بهم بموكب عظيم في طريق مكة 


],795١[‏ ومن عاداتهم اللاصطياف في الطائف ويرتفع عن سطح 
البحر بمسافة ١66٠‏ مترء والهدى فوق جبال كرا ويرتفع عن سطح 
البحر بمسافة 175٠‏ مترء وفيه جنات كثيرة تجري .من تحتها الأنهار 
فيها ما يشتهون من أثمار وأزهارء وأشهر مصيف في الطائف يسمى 
شبرا وهو لأشراف ذوي عون أنشأه الشريف عبدالله باشا وسماه باسم 
شبرا مصرء ثم حدائق المثناة وهي لذوي غالب» وهي أحسن حدائق 





- 012 
الطائف ومشهورة بخوخها وعنبهاء وماؤها أعذب مياه تلك الجهة. 
وللطائف طريقان: طريق القافلة ويبعد عن مكة بنحو ”7 ساعة» 
وطريق البغال على جبل كرا وهو على نحو نصف هذه المسافة» ومدينة 
الطائف مشهورة بطيب هوائها وليس أحسن منها إلا جبل الهدى الذي 
يبعد عنها بنحو ثلاث ساعات إلى مكة. وأهله مشهورون بجمال 
خلقتهم ونعومة بشرتهم؛ وينسبون ذلك إلى شربهم من نهر هناك 

يسمونه المعسل ويبالغون في حلاوة طعمه. 


ويتخلف عن الحج كثير من أهل مكة ويقيمون فيها للمحافظة على 
دورهم من اللصوص الذين يكثرون في هذه الآونة» فيقطعون ليلهم 
سهراً بين إطلاق بنادقهم من كل الجهات إعلاناً بأنهم يقظون لكل من 
قصدهم بسوء . 


]7/941١[‏ وفى مكة مكان للتلغراف والبوستة بنأه المرحوم عثمان 
باشا نوري عند بنائه لدار الحكومة (الحميدية) وغيرها منذ كان واليا 
عليها لأول مرة سنة ١8487‏ ميلادية» والتلغراف فى هذه المدينة لا نظام 
فيه بالمرة لعدم وصول غالب الإشارات التي ترسل من وإلى أربابها! ! 
ولعل ذلك ناشىء من كثرة الأعمال في زمن الحج» أما البوستة فشيء 
لا نظير له بالمرة فى بوسطات العالم؛ فإن المكاتيب تحضر في زمن 
الموسم من جدة إلى مكة على الجمال في عدة زكايب"''» فتلقى في 
طرقه مكتب البوستة الضيقة» ويأتي المطوفون أو صبيانهم أو الحجاج 


)010( أي حقائب . 


الرحلة الحجازية 





أنفسهم فيفرزونها ويأخذ كل ما يعثر عليه صدفة باسمه أو باسم 
معارفهء وعليه فأغلب الخطابات لا تصل إلى أربابهاء وأظن أن هذا 
النظام أو اللانظام لا مبرر له بالمرة؟ لأن الحكومة العثمانية في 
استطاعتها أن تكثر من عمال البوستة في موسم الحج . 


ولو قلنا: إن الزمن الماضي كان زمن فوضى لا نظام له فإنا لا 
يمكننا أن نقول هذه الكلمة فى الحكومة الحاضرة» وإن أمكنا فلا نحب 
أن نقولهاء وليست هذه الحال خاصة بمكة» بل تراها بالمدينة وينبع 
وجدةء وعليه فئرجو من حكومة الحجاز العناية بتنظيم البوستة قياما 
بواجد رد الأمانات إلى أهلها حتى لا تضيع الفائدة المقصودة منها. 


41 وفي شوارع مكة كثير من القهاوي البلدية التي ترى في 
دوائرها دككاً وكراسي من الخشب مقاعدها مصنوعة من شبكة من 
الليف أو الخوص المجدول وأحسنها في جهة جيادء فيجلس عليها 
الحجاج وخصوصاً فيما كان منها خارج البلد مدة الصيف» ويشربون 
بها الشاي (ويسمونه الشاهي) والقهوة والنرجيلة . 


ولقد رأيت بعض الهنود يمر على هذه القهاوي وهو ينادي قائلا : 
ا(كابوس كابوس» (مكيّساتي)» فإذا استدعاه أحد ممن فيها فرشه على 
دكة وأخذ يكبسه بمهارة فائقة نحو نصف ساعة على الأقل في نظير 
قرش أو قرشين» ويقرب من هذه القهاوي عادة سوامر يقوم فيها بعض 
أناس في الغالب من اليمانيين يتغنون بأغنية جميلة تطرب منها النفوس 
وكلها في مدح النبي يليه وفي بعض الأحيان ترى هؤلاء المغنين 





متنقلين في طرق مكة . 
[9/ا] وفى مكة ثلاث تكايا وأكبرها وأفخرها وأنظمها وأكثرها 


مورداً التكية المصرية. وهى بناء فخيم شيده المرحوم محمد علي باشا 
جد العائلة الكريمة الخديوية. 


وفي هذه التكية مخازن وطاحونة ومخبز ومطبخ ومكان نظيف 
منظم لحضرة مديرها وأمكنة لمستخدميهاء ويطبخ بها يوميا الشوربة 
للفقراء والمُعُوزين الذين يفدون إلى بابها صباحاً لأخذها مع ما هو 
مرتب لهم من الخبز الذي تقوم به حياتهم» ويبلغ عددهم يومياً نحو 


١) ع‎ 9-9-5 ١ 
: خمسمائة شخص أو يزيدون”‎ 


وفي مكة قلعتان”"2 تحكمان على المدينة ويسكن بها عساكر 
الدولة . 


[:74] وبها مطبعة للولاية”'' وتسمى باسمهاء ويصدر فيها 
جريدة بالتركية والعربية اسمها (حجاز) وهي شبيهة بالرسمية» وكل ما 
فيها تقريباً يتعلق بأخبار الحكومة وإعلاناتها . 


)١(‏ قال المحقق: وهذا العدد يزاد حسب شرط الواقف في مدة الحج إلى ثلاثة 
أضعاف» على أنه ربما يقصد التكية من الفقراء في الموسم ما يزيد عن ذلك 
كثيراً لأنها أعظم ملجأ للبائسين في مكةء ولو كانت إدارة أوقاف الحرمين تزيد 
في ميزانية هذه التكية ولو في مدة الحج كان ذلك من خير أعمالها . 

(0) ذكر الشيخ عثمان الراضي أن في مكة ثلاث قلاع. انظر مقدمة «الرحلة 
الحجازية» الأصل: ص: ج. 

(9) ذكر الشيخ عثمان الراضي أن بمكة مطبعتين: المصدر السابق . 


الرحلة الحجازية 





-2 


[74] وليس في مكة كتبخانات"'' تذكر اللهم إلا كتبخانة بسيطة 
في باب أم هاني تسمى كتبخانة شرواني زاده محمد رشدي باشا والي 
الحجاز سابقأء وأخرى في باب الذُّرَيْبَة قرب باب السلام تسمى 
بالكتبخانة السليمانية» أسسها السلطان عبدالمجيد وكونها من شتات 
كمي العدرم وغيرها هنا أرسله لبها :عن الأستانة :رولك كتبيتتانة بيه 
هاتين فهرست بخط اليد ومعيّر يقوم بشؤونهاء والكتب التي بهما 
نحوية وفقهية وأدبية وتاريخية وغالبها باللغة العربية وفيها شيء 
بالفارسية والأوردية (الهندية) والتركية والجاوية (لغة الملايو)» وقد 
كان بمكة كتب كثيرة مهمة وكانت موضوعة في دواليب في دار حائط 
الحرم» سرق بعضهاء والسيول التي أغرقت المسجد صعدت إلى هذه 
الخزائن وأتلفت منها شيئاً كثيراًء وكان في ذلك أكبر مصيبة على العلم 
والعلماء لأنهم فقدوا بها مالا يصلحه الزمان ولا يعوضه الإنسان. 


[كةلا] وفيها مدرستان: المدرسة الصولية. بناهأ المرحوم الشيخ 
رحمة الله الهندي الشهير - صاحب كتاب إظهار الحق”'؟ - ويدرس فيها 
القرآن الشريف وعلم التجويد وشىء من اللغة العربية والأعمال 
الحسابية والهندسية» ويصرف عليها من تبرعات أهل الهندء» وهو أمر 
لآ ثبات له ولا تدوم معه حياة مدرسة نافعة مثلها؛ لذلك أخذت في 


| أي مكتبات. ظ‎ )١( 

030( هو رحمة الله بن خليل الرحمن الحنفي , نزيل الحرمين . باحث» عالم في الدين 
والمناظرة» جاور بمكة وتوفي بهاء له كتب عدة» وله كتاب «إظهار الحق» وهو 
المناظرة أ لمشهورة بينه وبين حل الكفار. وهو من أفضل الكتب في موضوعه ١‏ 
توفي رحمه الله تعالى سنة 17505 . انظر «الأعلام»: 18/7. 


المختار من الرحلات الحجازية 








1 
الانحطاط». والأمل في حكومة الحجاز النهوض بها وبأمثالها. 

ثم المدرسة التي يقوم بها حضرة الأستاذ الفاضل الشيخ يوسف 
محمد الخياطء وهو من علماء مكة الأماثل ويدرس فيها ما يدرس في 
الآولن ببتوسعة :: :وغتاية: ملاتا" الأمير بها كبيرة .بولذلك: فالامل. في 
نجاحها عظيم» ولقد قرأت بعدد مادق | كر د ١101‏ 5 
جريدة المفيد الغراء نقلاً عن جريدة صباح أن الحكومة العثمانية 
افتتحت مدرسة بمكة المكرمة بحضور الوالي والشريف وجمهور من 
الوجهاء والأعيان فعسى أن يكون فيها الخير المرجو لأم القرى بل لآم 
العواصم الإسلامية . 

[791] ولو كان مولانا الأمير يقضي بأن يتخرج المطوفون من 
مدرسة مخصوصة يدرسون فيها ما هو خاص بوظيفتهم لكان في ذلك 
أكبر خدمة دينية؛ لأن جل الموجود منهم الآن يجهل مأموريته الكبرى. 
وليت بعضهم يقف عند هذا الحد بل يلقي في ذهن الحاج ما ليس من 
الدين في شيء . 

[794] والأدهى من ذلك أنهم يحرفون ألفاظ القرآن الكريم عمداً 
أثناء الطواف». بتفخيمهم مالا يجوز تفخيمه أو ترقيقهم ما لاا يصح 
ترقيقه» بل منهم من يقلب الحرف بآخر لتقريبه إلى نطق السامع إن كان 
تركياً أو هندياً أو فارسياًء فيقولون مثلاً: (وكنا عذاب النار) في قوله 
تعالى: # وَقِنَا عَدَابٌ أَلثَارٍ 2١74‏ و(مهمد رسول الله ) في (محمد رسول 


.7١١ سورة البقرة: آية‎ )١( 


الرحلة الحجازية 





ذه - 


الله) وزيا أرهم الراهمين) في (يا أرحم الرحمين) و(اللهم) في (اللهم) 
ونحو ذلك مما لا يجوز شرعاً ولا اجتماعاً. 


[7/464] ويدرس في الحرم الشريف بعض العلوم العربية والتفسير 
على الطريقة القديمة العقيمة» ويقدر عدد الطلبة ببضع مئات جلهم من 
الجاوة الذين يفرون إلى هذه البلاد من المظالم التي تتساقط على 
رؤوسهم من حكومة بلادهو”''. فتراهم يشتغلون وقت الدرس في 
الدراسة ووقت الفضاء منها يعملون فيه عملاً يقوم بحياتهم . 


ويبلغ عدد المدرسين العاملين نحو الثلاثين» وعنايتهم بالتعليم 
قليلة جداً؛ وذلك لقلة موارد الارتزاق ولأن مرتباتهم التي تصرف لهم 
من طرف الدولة لا تقوم بأوّدهم". لأنها تختلف من ماثة إلى 
خمسمائة قرش عثماني سنويآء ولنا في الحكومة الجديدة - حكومة 
الدستور”"؟ ‏ حكومة العلم.؛ حكومة العمل» وفي كبير نعمة دولة 
الشريف عظيم الأمل في انتقال حال العلم بهذه البلاد في زمن قريب 
إلى حال تفيد القوم في دينهم ودنياهم . 


]6٠[‏ وتجارة هذا البلد كلها أو جلها في يد الأغراب خصوصاً 
الهنود» وغالبها من صنف العطريات والسبح والسجاجيد والأقمشة 


)000( وهي حكومة هولنده الاستعمارية. 

(0) الأوّد: العِرّج. انظر «لسان العرب»: أو د. 

(*") هي حكومة الدستور العثماني التي سيطرت عليها جمعية الاتحاد والترفي التي 
كان اليهود مؤثرين فيها أيما تأثيرء وقد خحلعت هذه الحكومة السلطان عبدالحميد 
رححمه الله تعالى . 


المختار من الرحلات الحجازية 





الحريرية الهندية والشامية . 


]8١01١[‏ والصناعة فيها غير مهمة وهي لا تخرج عن صياغة بعض 
قطع ذهبية أو فضية وخصوصاً في عمل الدبل» والحدادة عندهم بسيطة 
جداً ولكنها دقيقة في عمل الأسلحة» وفيها من المصانع فاخورة لعمل 
الدوارق والقلل وكل ذلك في يد الأجانب أيضاًء أما الأهالي فأغلبهم 
يعيش من مهنة التطويف أو التظاهر بالشعار الديني» ولا تروج تجارتهم 
إلا زمن الحجء وما يأتيهم فيه من رزق يعيشون منه طول عامهم» غير 
أن كثيراً منهم يبرحون مكة بعد الموسم إلى الجهات التي بها أناس 
ممن سبقت معرفتهم بهم في الحج» فيفدون عليهم ببعض الهدايا ثم 
يعودون وقد أخحذوا أضعاف ثمنها منهم . 


[805] والنقود التي تستعمل في مكة هي النقود التركية والمصرية 
فضية أو ذهبية» والروبّيّة والقروش الهندية والريال الشينكو وأبو طيرة 
والريال البَرْم'' (الجاوي) وهو على أشكال مختلفة» والجنيه 
الإنجليزي والفرنساوي والروسي» وليس لهذه النقود قيمة ثابتة هناك. 
بل تراهم يستعملونها على الدوام في مصلحتهم» فيأخذونها منك بأقل 
من قيمتها ويعطونها لك بأكثر مما تساوي» وهذا عيب كبير من عيوب 
المعاملات!! ولعل أرباب الأمر والنهي يجتهدون في إزالته قريباً. 


)1١(‏ قال المحقق: هذا الريال ضرب باسم شركة هولاندية ومع عدم استعماله فلا 
يزال ذكره يرد في أقوال بعض الذين يشحذون بنشيدهم: «شرم برم حالي 
غلبان». 


الرحلة الحجازية 





4 
والريال أبو طيرة هو أكثر النقود استعمالاً عند الأعراب وقيمته 
عندهم كالريال الشينكو والمصري» ومما يناسب ذكره هنا أني أعطيت 
مرة قطعة من النقود ممسوحة قليلا إلى طفل صغير أعرابي فردها إليَ 
قائلاً: هذه زلطاء؛ وهي كلمة بدوية صرفة كان لها وقع عظيم على 
سمعي! 
[80] والأعراب لا يعرفون قيمة هذه النقودء وإذا وجد معهم 
شيء منها يتوجهون به إلى التاجر ويقولون له: «سوّ بهذه من الصنف 
الفلاني على أمانتك»» ولا تهمهم جودة الصنف بل تهمهم الكثرة منه . 
[605] وأسواق مكة كثيرة: منها «سوق الشامية» فى شمال الحرم 
وهي أشبه شيء بالأسواق التركية»؛ ولها سقف من الخشب على مثال 
الخان الخليلي بمصر لولا أن شوارعها أضيق» وهذه السوق تضيق 
بالمارين خصوصاً عند مرور الجمال بهاء وفيها يبيعون السبح 
والأقمشة الهندية والتركية وغيرهاء وفيها كثير من الفصوص الفيروز 
والياقوت والعقيق الذي يبيعه على الخصوص حجاج اليمن في شوارع 
المدينة بأثمان رخيصة جدا. 
ثم «السوق الصغير» وهو تجاه باب إبراهيم وأغلب ما فيه للغذاء. 
كالخبز واللحوم والبقول الجافة والخضر التي يؤتى بها من الأودية 
المحيطة بمكة» وكثير من هذه الخضر يأتي مع الفاكهة من جهة الطائف 
وجبال كراء وفي هذه السوق دكاكين كثيرة يبيعون فيها الأسماك المقلية 
التى يؤتى بها من جدة» وهي - في الغالب ‏ مضرة جداً بالصحة لتعفنها 
من الحرارة وطول زمن النقل» وفي شرق المسجد «سوق الليل» وهي 


المختار من الرحلات الحجازية 





-0 
سوق كبيرة مختلطة فيها جميع احتياجات الحاج . 


[605] وفي كل هذه الأسواق ترى مدة الموسم حركة لا تنقطع 
يأتي من ورائها ربح عظيم لأهل البلدء ومدار حركة الأشغال الشاقة في 
مكة على العبيد فمنهم الحمّالون والحطابون والحمارون والجمالون 
والسقاؤون والخدامون. 

[607] ولقد كان للرقيق بمكة سوق كبيرة أخذ أمرها ينمحي شيئاً 
فشيئاً حتى كاد لا يكون له أثر بالمرة» وكانوا يسمون المكان الذي يبيعونه 
فيه بالدكة لأنه كان في حوشه دكة يُجَلِسون عليها ما يراد بيعه منه. 


وجو مكة كثير الحرارة قليل الأمطارء ومع ذلك فقد تحصل فيه 
سيول كثيرة من الأمطار التي تنزل بكثرة في الجبال العالية المحيطة 
بالطائف. ولا تزال لهذه السيول أضرار جسيمة بمكة ومبانيها . 

[807] ويفسد هواء مكة في أيام الحج لكثرة الساكنين فيها وعدم 
العناية بنظافتهاء وتكثر فيها زمن الشتاء أمراض الصدرء ويندر فيها 
التدرن الرئوي. وفي زمن الصيف تكثر الاحتقانات الدماغية وضربات 
الشمس وأمراض العين والكبد والجهاز الهضمي والدوستتاريا خصوصاً 
بين الأطفال» ويسببها عندهم أكل السمك العفن والفواكه الغير 
ناضجة"''» وفي زمن الحر تكثر فيهم الحميات لا سيما عند فساد مياه 
الشرب» ويكثر فيهم مرض الجدري ويموت بسببه سنوياً أكثر من اثنين 
في الألف. ومما يجدر بنا ذكره أن الكوليرا لم تظهر في مكة إلا سنة 


غ2 كذا وردتك» والصحيح : غير الناضجة . 


الرحلة الحجازية 





- 


ست وأربعين ومائتين وألف هجرية أي في نحو سنة 18705 ميلادية. 
وفدت إليها مع حجاج الهند ولا تزال تفد إليها معهم. ولو كانت 
الحكومة تعتني بشدة الحجر على حجاج الهنود والجاوة قبل دخولهم 
إلى جدة لأمكنها الحيلولة بين حجاج بيت الله الحرام وهذا الداء 
الوبيل» والأوبئة الكثيرة التي حصلت بمكة في زمن الحج وفتكت 
بالحجاج فتكاً ذريعاً كانت في سنة 184٠‏ ميلادية وسنة ١897‏ وسنة 
7 وسنة ١84060‏ وسنة 1997. 

[604] وفي مكة مستشفى معروف الآن باسم شفخانة الخاصيكية 
وهو من خيرات خاصكي سلطان زوجة السلطان سليمان القانوني"'', 
وفيها أربع أجزاخانات”'': اثنتان في طريق المسعى» وواحدة في 
مصلحة الصحة بجياد» والرابعة أشبه شيء بدكان عطارة بسيطة فيها من 
الأدوية ما فسد غالبه وأصبح ضرره أكبر من نفعهء وعلى كل حال 
فالعناية بالمسائل الصحية بمكة قليلة جداً؛ لأن ثقتهم بالطب القديم 
الذي مداره على الكي والفصد والحمية الشديدة وبعض أصناف 
العطارة الشرقية كالمر والصبر أكبر من ثقتهم بالطب الحديث . 

وأهل مكة يشربون من ماء الأبار التي فيها مثل زمزم أو التي في 
ضواحيها كالزاهر والعسقلاني والجعرانة وغيرهاء أو من الصهاريج 
التي تملأ من مياه المطر أو ماء الينابيع» أو من عين زبيدة التي يجري 
)١(‏ هو من أعظم سلاطين آل عثمان: سليمان بن سليم» تولى السلطة خمسين عاماً 


من سنة 9715 حتى سنة 91/5 التي توفي فيهاء وقد بلغت في عهده أوج عظمتها. 
(0) هي الصيدليات. 


المختار من الرحلات الحجازية 





ماؤها إلى المدينة فى قنوات تحت الأرض لها خزانات في شوارعها 
يملا منها السقاؤون قربهم. 
[664] الحج 

الحج في اللغة: القصد. ورجل محجوج أي مقصود. 
مخصوص من كل سنة قمرية» وواحدته حجة». وتطلق على السّنة 
ديني محض» وإن كان الاجتماع فيه لا يخلو من فائدة دنيوية»؛ تزيد في 
رفى الأمة أدبياً ومادياً. 

وقد كان المصريون قبل أربعين قرنأً يحجون إلى هيكل معبودهم 
إيزيس بمدينة سايس وفتاح في منفيس» وأمون في طيبة . 

واليونان كانوا يحجون قبل المسيح بخمسين قرناً إلى هيكل ديانا 
في أفسوسء. ثم انتقلوا في مبدأ القرن الثاني قبل المسيح إلى حج معبد 
مينارفا في أثيناء وجوبيتير في أولمبيا. 

واليابان يحجون من عهد بعيد إلى هيكل عظيم مشهور في ولاية 
أسجى» وتجب زيارته عندهم على كل فرد منهم في عمره ولو مرة 
واحدة؛ فيتوجهون إليه باللباس أبيض على شكل مخصوص» 
وسوادهم يقصدونهم عراة ليس عليهم إلا ما يستر عورتهم» ويقطعون 
إليه كل المسافة ركضاً. 


الرسلة الجحادية 





والصينيون يحجون إلى هيكل المعبود تيان من زمن بعيد جداً. 


والهنود لا يزالون يحجون إلى هيكل جاغرنات» أو هيكل الوارا 
في حيدر أباد وهو محفور في الصخر على طول فرسخين» وكذلك 
يحجون إلى هيكل بوذا بجزيرة منا قرب سيلان» وهم يكثرون من 
الطواف حول هياكلهم» ولهم بحيرات مقدسة يتبركون بمياهها . 


واليهود يحجون من القرن الرابع عشر قبل المسيح إلى المكان 
الذي به تابوت العهد. وكانوا يحجون إليه ثلاث مرات في السنة. 
وكان ذلك أكبر سبب لعمار أورشليم ‏ حتى أحرقها الإمبراطور 
طيطوس الروماني وأجلى اليهود عنها سنة 7١‏ مسيحية» وما زالوا 
بعيدين عن مدينة بيت المقدس حتى استولت العرب عليها سنة 111 م 
(سنة 5١ه)»‏ فأقرهم عمر ‏ رضي الله عنه ‏ مع النصارى على ما كان 
لهم في بيت المقدس . 


ولما قامت الحروب الصليبية قطعت عليهم طريق حجهم إلى أن 
استولت دولة بني عثمان على أورشليم في سنة 1011م فأمّنت الطرق 
ومهدت السبل إلى بيت المقدس» وهم يحجون الآن إلى قطعة من 
السور القديم لهيكل سليمان في الجهة الغربية من المسجد الأقصى 
ويسمونها البراق . 

أما النصارى فإنهم يحجون إلى بيت المقدس من سنة ٠١5‏ 


للمسيح» أي منذ سارت هيلانة أم الامبراطور قسطنطين إلى أورشليم 
وابتنت بها كنيسة القبر المقدس المشهور باسم كنيسة القيامة» وكانوا 





- 0 
يخرجون إليه من غرب أوربا باحتفال عظيم» وكان رئيس الجهة الديني 
يزود كل منهم بعصا ورداء من الصوف الخشن فيلبسه لوقته» وكان لهم 
على طول طريقهم تكايا وأديرة يأوون إليها مدة سفرهم» وإذا وصل 
الحاج إلى بيت المقدس يتطهر في نهر الأردن الذي يبعد بنحو عشرين 
كيلومتراً شرقي القدس., ثم يلتحف برداء يحمله معه ليكون له كفنا عند 


مويه . 


لما اندرا البساووقيون !)على بيك القديس أل خجاج انر 
إلى أورشليم وحولوا وجوههم إلى كنيسة القديس بطرس وبولس في 
رومهء وفي تريف بجرامانياء ويزعمون أن بالأخير قميص المسيح 
الذي كان يلبسهء وقد بلغ عدد حجاجها سنة 18١5‏ مليون ومائة ألف 
نفس من الإفرنجح» وهم يحجون أيضاً إلى كنيسة لورده فى جنوب 
فرنسا بعد أن شاع في أوربا أن السيدة مريم العذراء ظهرت لاثنين من 
رعاة هذه المدينة» والزائرون لهذه الكنيسة يشربون من ماء ينبع قريباً 
منها يسمى باسمها ويعتقدون إلى اليوم بأن فيه شفاء للناس» ويرسلون 
منه إلى جميع أقطار المسكونة للتبرك والاستشفاء”'* . 


ولم تكثر حجاج بيت المقدس إلا بعد عمل السكة الحديدية إليها 


)١(‏ هم الذين كانوا مسيطرين على الخلافة العباسية» وسّموا بالسلاطين» وانتزعوا 
السيطرة من البويهيين الشيعة» وكانت السلاجقة من أهل السنة . 

(؟) كثير مما أورده المصنف رحمه الله عن حج الأمم السابقة يُعد من الخرافات 
التي لم ينزل بها دين ولم يقل بها شرعء والله أعلم» لكنه سياق تاريخي جيد 
شك علية: 


الرحلة الحجازية 





-_ 0 


من يافا. 


والعرب كانت تحج إلى الكعبة قبل الإسلام بنحو خمسة وعشرين 
قرناً؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنها بيت الله على ما كانوا عليه من 
اختلاف الالهة وتعدد الديانات وتغاير المذاهب - وكانوا يقصدونها 
سنوياً للطواف بها من غير أن يدّعيها لنفسه فريق منهم دون الآخرين؛ 
لأنها كانت عندهم بيتأ لله الذي هو إله العالمين» ورغماً عن شيوع 
عبادة الأوثان في سواد قبائل العرب فإنه لم يرد عنهم أنهم عبدوا هيكل 
الكعبة» وليس ما ورد في أسمائهم من عبد الكعبة» إلا لزيادة إجلالهم 
إياهاء كما هو الشأن في تسمية عبدالنبي عند المسلمين» مع كراهيته 
في ادينهم . 


احترامهم لهء واحترام الأحجار في الناس قديم جداً؛ فمنهم من كانوا 
يعبدونها لذاتهاء. ومنهم من كان يجعلها رمزاً لآلهتهم كما كان الشأن 
في الدول الراقية في عمرانها كدولة الرومان واليونانيين الذين كانوا 
يرمزون بها لمعبوداتهم من الكواكب وغيره» ولم يكن نبوغهم إلى الان 
فى نحت الأحجار وعمل التماثيل وتبرزهم في التصوير إلا لاحترامهم 
إياه من قديم الزمانء واستعمالهم له في الأزمنة الخالية تمثيلاً 
لمعبوداتهم. والصينيون واليابان والهنود لا يقلون عنهم في هذه 
الصناعة» ولهم فيها دقة غريبة وخصوصاً في الأعمال الخشبية التي 
يتمثلون فيها كثيراً من معبوداتهم مثل بوذا وكونفوشيس وغيرهما. 


المختار من الرحلات الحجازية 





1ه 


وكان المصريون يقيمون الأحجار الجسيمة كالمسلات وغيرها 
تذكاراً للحوادث التاريخية الكبرى» وقد اقتفت آثارهم الدول المتمدنة 
وعلى الخصوص ما يقيمونه منها اعترافاً بفضل من ينبغ من أفراد الأمة. 
وهذه الآثار لا يكاد يخلو منها ميدان من ميادين عواصم أوروبا. 

وجميع الحكومات من قديم الزمان تقيم الأحجار لتعيين 
تخومها"'' وتحديد ممالكهاء وقد عم هذا الاستعمال في تحديد ملكية 
الأفراد حتى أطلق لفظ الحجارة على الحدود. وأجمعت الشرائع كلها 
على احترامها . 

واليهود إلى الآن يقدسون قطعة من حائط سور المسجد الأقصى 
من جهة القبلة يسمونها البراق» ويبلغ طولها نحو ثمانية وأربعين مترأ 
في ارتفاع مترين؟ لزعمهم أنها القطعة الوحيدة التي بقيت من قاعدة 
سور الهيكل الأصلي الذي بناه سليمان ‏ عليه السلام - وهدمه بختنصر 
وسنحاريب وغيرهما من ملوك الاشوريين والرومانيين» وهم يحجون 
إلى هذه القطعة مرتين في كل سنة وخصوصاً في العيد الذي يسمونه 
عيد الدجاج (عيد القربان) . | 

ويهود القدس يجتمعون عند هذا السور كل يوم وعلى الخصوص 
في عصر يوم الجمعة مع رؤسائهم الدينيين» ويستلمون حجارته باكين 
شاكين منتحبين متضرعين إلى الله بأن يرد عليهم ملكهم وأن يعيد إلى 
أورشليم فخامتها وجلالتهاء وقد وصل بهم احترامهم لحجارة ذلك 


)010( أي حدودها. 


الرحلة الحجازية 





-_ 09 


يدخلون من بابه مطلقاً خوفاً من أن تطأ أقدامهم حجراً من الحجارة 
التي تكون ربما تخلفت من هيكلهم القديم» وألقت بها يد الصدفة في 
أرضية هذا المكان» وهم يقدسون َّ أنضنا: . جانباً من سور منارة 
المكفيلة التي بها قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب في حبرون"''. 
ويجتمعون عندها مساء كل يوم جمعة ويصلون ويبتهلون ويستغيثون. 
صارخين إلى الله - تعالى ‏ أن يعيد إليهم ملك بني إسرائيل . 


وللنصارى أحجار كثيرة يقدسونهاء ومنها شيء كثير في بيت 
المقدس» وقد بلغ تقديسها منهم إلى حد لا يمكن تكيفه”"' . 


وقد كان السعي بين الصفا والمروة من لوازم الحج في الجاهلية» 
وكان لهم صنم على الصفا يسمى «إيساف» وآخر على المروة يسمى 
«نائلة» وكان للعرب فيها اعتقاد سخيف كغيره من الاعتقادات الوثنية 
وكانو ينحرون عندهما هِذَيَهمء فلما جاء الإسلام امتنع المسلمون عن 
السعي كيلا يكونوا مثل أهل الجاهلية في وثنيتهم» فنزل قوله تعالى : 
( #إِنَّ ألصّما وَالْمرْوَة من سعَلَرٍ أل 74©. ومن هذا ترى أن الشكل في 
العبادات لا يعول عليه وإنما المدار فيها على النية» وبالجملة فالشعائر 
التي كانت مستعملة في الحج من زمن إبراهيم وإسماعيل» واتخذها 


)١(‏ أي مدينة الخليل. 

(؟) كل هذا التعليق بالأحجار عند الأمم السابقة ‏ على سبيل التعبد ‏ ضلال لم يأت 
به شرع سماويء والله أعلم . 

(9') سورة البقرة: أية .١6/‏ 


المختار من الرحلات الحجازية 





-.6 
الناس بعدهما لمعبوداتهم - على تغايرهم في العقائد ‏ قد أقرها 
الإسلام وجعلها كلها لله تعالى ‏ وحدهء وجعل الحج من قواعد 
الإسلام» ولا يزال المسلمون يحجون على ما شرع لهم من هذه النسك 

إلى اليوم . 


[411] ولكن يظهر للمتأمل في طواف البدو الآن ‏ وعلى 
الخصوص أهل الشروق من عتيبة ومطير ‏ أن حجهم ألصق بالبيت منه 
بعرفة» ذلك لأن هؤلاء القوم يفدون على مكة في الخمس الأول من 
شهر ذي الحجة» فيرتبون مساكنهم شرق المدينة من خارجهاء ثم 
يدخلون المسجد الحرام جماعات جماعات» ويطوفون حول البيت 
طواف القدوم ماسكين بأيدي بعضهمء» لا يوافقهم في طوافهم زحام 
المطاف بغيرهم» بل يأخذون في طريقهم كل من صادفهم فيه وهم 
يقولون: «الله» محمدء لبيك لبيك حجيتء تقبل أو لا تقبل حجيت» 
ألا تقبل)”'؟. وإذا كان معهم نسوة ولا يكن في الغالب إلا من 
المتقدمات في السن تراهم في مؤخرتهم ماسكات بأكتافهم» ولا يظهر 
منهن سوى أعينهن وفي أيديهم القفازات. حتى إذا وصل الكل إلى 
الحجر الأسود تعلق المتقدم منهم بكسوة الكعبة» وأمسك بها بقوة 
بحيث لا يزحزحه عنها أحدء وتبعه إخوانه وأزاحوا غيرهم من 
المستلمين بقوة وصبر لا يعتورهما”'' ملل» محتملين في ذلك ضرب 
)١(‏ في هذا تجاوز واضح من هؤلاء الأعراب لكونهم لا يفقهون أصول الخطاب ولا 


يتحرون الأدب في التعامل» وأرجو أن يعذروا بنياتهم . 
(6) أي لا يخالطهما. 


الزعئلة التحسادية 





:4ت 
الضارب وانتهار الناهرء» حتى إذا كشفوا الناس عنه واستلموه جميعاً 
وقبّلوه أتت نساؤهم لتقبيله» فيضرب الزوج رأس امرأته لتصطدم 
جبهتها في الحجرء فيحصل فيها أثر يكون عندهم علامة الحج. 
وعندها يصرخ الرجل قائلاً لزوجته : «حجيت يا حاجة؟21 فتصيح قائلة : 
«حجيت حجيت» ثم تلتفت إلى الحجر الأسود قائلة: «حجيت» خبر 
ربك"'' إني حجيت» ثم ترفع رأسها إلى السماء قائلة: «تقبل أو لا تقبل 
حجيت» إلا تقبل غصباً تقبل"42»: هذا كله قبل وقوفهم بعرفة» ومنه 
ترى أن اعتبارهم أنفسهم أنهم حجوا بمجرد الطواف والاستلام قبل 
الوقوف إنما هو بعض ما كانت سنته قريش بعد واقعة الفيل ومحاه 
الإسلام . 

[61] وأخلاق هؤلاء الأعراب في الحرم الشريف بخلاف ما هو 
معروف عنهم من شدتها؛ فإنك تراهم فيه على غاية ما يكون من 
السكينة واللين والتسامح» لا يقابلون الإهانة الشخصية إلا بالسكوت 
المطلق عن الإجابة عليهاء وما ذلك إلا لشدة احترامهم حرم الله 
وإجلالهم لبيته المعظم . 

]8١[‏ ولا شك أن قصد الشارع من الوقوف بعرفة إنما هو وحدة 
الوجود في مكان واحدء تجمع أطرافه جميع أولئك الذين وفدوا من 
)1١(‏ هذه العبارة وأمثالها ‏ كما سبق آنفاً ‏ من الأعراب لا يؤاخذون بها إن شاء الله - 

تعالى -: لأنهم لا يقصدون بها إساءة الأدب ولا التعدي على مقام الألوهية 


العظيمة؛ والله أعلم . 
(؟) أستغفر الله. والكلام في هذا كالكلام على سابقه. 


المختار من الرحلات الحجازية 








م 
الأقطار المختلفة» وهم وإن اختلفت أجناسهم وتغايرت لغاتهم فقد 
توحدت وجهتهم وتفرات غايتهم. نعم تجمعهم صحراء عرفة وتضمهم 
إلى فؤاد ذلك الجبل حتى إذا اجتمع الشخص بالآخر عرف كل واحد ما 
يهم من أمر صاحبه. فيمسيان وقد اهتم كلاهما بأمر أخيه مما تنصلح به 
أحوال الأفراد وتستقيم به أمور الأمم» وكيف لا وقد كان هذا الاجتماع 
بين يدي الله - تعالى - وفي حضرتهء في يوم يكون الإنسان فيه بكليته 
عاطفة شريفة هي الإخلاص بحقيقته» لا يشوبه رياء ولا يتطرق إليه 
مراءء وكان موسم الحج موعداً بين الناس يقضون به أشغالهم ويمضون 
فيه أمورهم وذلك لصعوبة المواصلات التي كانت بينهم. قال بعضهم : 
ما أحسنَ الموسم من موعد ‏ وأحسيّ الكعبة من مشهد 

[814] كانت الخلفاء في الغالب يقومون بفريضة الحج في صدر 
الإسلام حتى يقفوا بأنفسهم على حال رعاياهم» وقد أفادهم هذا الأمر 
فى سياسة ملكهم داخله وخارجه سياسة عظمى» ومن كانت مشاغل 
الملك تحول بيئه وبين هذه الفريضة أناب عنه على إمارة الحج رجلا 
من قرابته أو من عظماء أمته» وما زالوا يتراخون في القيام بهذا الأمر 
حتى صار من النادر أن نسمع بخليفة أو ملك أو أمير أو وزير إسلامي 
يقوم بأداء هذه الفريضة». ولعل أمراء المسلمين يعودون إلى ما كان 
عليه سلفهم الصالح من إحياء هذه الفريضة لتحيا بها نفوسهم 
وممالكهم. نعم تحيا بها حياة طيبة؛ لأنهم إذا تنازلوا لحظة إلى منزلة 
الناس في جميع طبقاتهم» واختلطوا مع العامة منهم قريبهم وبعيدهم. 
وسمعوا نداء الفقير وبكاء الضرير»ء وشاهدوا حاجة البائس ومقدار ما 


الرحلة الحجازية 





00 
تعمل الفاقة في أحشاء هؤلاء المساكين الذين يحول سياج الملك بينهم 
وبين معرفتهم بحقيقتهم» هنالك يشعرون بما يجب عليهم لرعاياهم 
ويعملون على إعانة الضعيف وإغاثة اللهيف». ويقلدهم في ذلك الكبراء 
والعظماء مسوقين بطبيعة تقليد الصغير للكبير ‏ والناس على دين 
ملوكهم - فيصبحون وأممهم في أهنأ بال» وأحسن حال. وهذه هي 
سعادة الراعي والرعية على السواءء» نعم يجب على الأمراء والعظماء 
والأغنياء أن يحجواء حتى إذا وقفوا لحظة في صف هؤلاء التعساء 
والبؤساء ترقرقت قلوبهم وتحننت أفئدتهم وأصبحوا بعيدين عن عوامل 
الظلم والاستبداد» قريبين من مؤثرات الرأفة والرحمة» نعم نعم إذا 
وقف أولئك الملوك في سلك هؤلاء الناس اهتموا بحال المظلومين؛ 
فيردون عن هذا ظلامتهء ويخففون عن ذلك محنتهء» ويحولون بين 
برائن القوي ومهجة الضعيف, وبذلك تستقيم أمور الرعية وتعود إلى ما 

كانت عليه في خلافة الراشدين من الحياة الصحيحة. 

[815] ولقد شهدنا في ذلك برهاناً محسوساً؛ فإن الجناب العالي 
الخديوي عندما وقف هذا الموقف أخذ يذكر حال البؤساء من حجاج 
بيت الله الحرام عموماً والمصريين منهم خصوصاء مهتم بأمرهم كل 
الاهتمام» مفكراً في الواسطة التي تخفف من مصائبهم وتسهل من 
مصاعبهم » كنت سيمع يمت علق الذوام سدووجهة تننظ الله مقع 
بدماء الانفعال بعامل الرحمة والحنان ‏ عبارات الأسف على ما يقاسيه 
البؤساء من حجاج بيت الله الحرام» ويبحث على الطريق التي يكون من 
ورائها راحتهم وطمأنينتهم . وهذه الفكرة لا تزال تشغل فكره الشريف 
إلى الآنء كذلك كان الخلفاء والأمراء في صدر الإسلام» وكثيراً ما 





- م 


كانوا يحجونء فلما تقاعد الخلفاء عن تأدية هذا الواجب القومى 
وأهملوا شؤون رعاياهم استهان الناس بهم وما زالوا كذلك حتى 
غلبوا على أمرهم!! نسأل الله أن يعيد إلى الإسلام عظمته ومجده. 


[817] على أن الحج له تأثير كبير في الأخلاق؛ فترى الحاج 
يتوب إلى الله فى حجهء ولا يتم مناسكه إلا وهو على اعتقاد تام 
بمغفرة الله له وتفضله بمحو ذنوبه من صحيفة أعماله» فإذا عاد إلى 
بلاده سار في طريق الفضيلة ويصعب عليه أن يتركه إلى:غيره مهما كان 
شاباً» فإن تمثل له شيطان غوايته» جرد له وازعاً من نفسه يحول فيما 
بينهماء وفي الغالب يكون هذا الوازع أقوى من خصمه الذي ينهزم 
أمامه. وإذاً فليس من مهذب حقيقي للنفس أحسن من تربية الحج» فهو 
نعم المربي للنفوس الشريرة ونعم المهذب لهاء على أن الحاج إن لم 
تردعه نفسه عن اقتراف الرذيلة فإن لا يحرم من الناس مؤنباً عليهاء أو 
معيراً على اقترافهاء فيرجع إذ ذاك عن غيه طوعاً أو كرهاء وهذا أظنه 
حسبك في فضيلة الحج التي لا تماثلها فضيلة» والتي لو فطنت لها 
الحكومات الإسلامية لسهلت طريقه على رعاياهم» حتى إذا كثر سواد 
الحاجين منهم كثرت فيهم الفضيلة التي تؤدي إلى الخير العام والسعادة 
الحقيقية . 


+« عو 


[477] ولقد كانت الحكومة المصرية في الزمن الغابر تخرج إلى 
الشوارع والحارات في أشهر الحج أناساً يتغنون بأناشيد» يسمونها 
تحانين» تحرك عواطف الناس إلى أداء هذه الفريضة» كما كانت خطباء 
المساجد تحث عليها وترغب الناس فيهاء ولا يزالون كذلك إلى الآن. 


الرحلة الحجازية 





:م س- 
الوقوف بيعرفة 

[13] عند وصول الحجاج إلى هذا الوادي ينزل ركب المحملين 
بخيامهم قريباً من جبل الرحمة يليهما مضارب الحجاج على اختلاف 
أجناسهم.ء وعلى سفح عرفة من عاليه إلى جبل الرحمة ترى حجيج 
الأعراب محتشدين إلى جوف الجبل بعضهم فوق بعض كالحجر 
المرصوصء أما باقي الحجيج فإنه ينصب الخيام في بطن الوادي الذي 
يزدحم إليه الناس حتى لا نكاد ترى فيه مكاناً خالياً من واقف أو قاعد. 
وجمالهم وحميرهم مربوطة بجوارهم. وترى الكل في صعيد واحد 
حتى يتعذر على الإنسان السير إلى أي جهة أراد ولو لضرورة في نفسه. 
ولو كان مولانا الشريف يأمر بتقسيم وادي عرفة إلى أحذية أفقية 
يقسمها شارع رأسي». ويخصص كل حذاء لسكنى جماعة من الحجيج 
وجمالهم من ورائهم» وتوضع لذلك علامات من البناء لا يتجاوزها 
الحجاج في وضع مضاربهم ولا الجمّالة في ربط جمالهم» ويعين لهذا 
النظام من يحفظه مع الدقة لكان له شكر الله وملائكته والناس أجمعين. 

وفي سعة الوادي ما يضمن لدولته إقامة الكل على الراحة التامة؛ 
لأن هذا التزاحم إنما سببه التقرب من مجرى الماء» ومن السوق الذي 
تراه بجوار مسجد الصخرات» ويباع فيه بعض الأغذية الضرورية». 
وربما كان لتزاحمهم سبب آخر وهو خوفهم من الأعراب الذين يكون 
لهم من سعة هذا الرحاب عون على النهب والسلب» وبسبب هذا 
التزاحم يضل الناس عن أمكنتهم إذا تركوها لأمر ماء ولذلك تراهم 
ينادون على بعضهم إما بأسمائهم» أو بألفاظ اصطلح عليها أهل كل 
جهة حتى إذا سمعها واحد منهم أجاب بصوت عال وقصد مصدر 





- م 
الصوت». وهذه الحركة لا تكاد تنقطع مدة الإقامة بعرفة. 

[61] ويجدر بدولة مولانا الشريف إصدار أمره الكريم بالعناية 
التامة بملاحظة فتحات مجرى عين زبيدة» وتعيين خدمة مخصوصين 
لها لا يدعون أحداً من الحجاج يعبث بها أو يغتسل فيهاء خصوصاً 
أولئك المجذومين زاعمين أن فيه شفاءهم. وهم بعملهم هذا إنما 
يضرون إخوانهم المسلمين بنقل العدوى إليهم. ولا يعزب عن فكره 
السامي أن علماء البكتريولوجيا ذهبوا إلى أن الماء هو أكبر موصل 
للعدوى وخصوصاً في وباء الكوليراء نسأل الله تعالى ‏ السلامة لعباده. 

يوم الوقوف هو التاسع من ذي الحجة مع قليل من ليلة العاشر 
باتفاق المسلمين» فإذا ثبت هذا اليوم عند القاضي بالصفة الشرعية 
وقف جميع المسلمين على اختلافهم في الجنسيات والمذاهب من غير 
أن يكون للشك تأثير عليهم. إلا الشيعة من الأعاجم فإنهم لو حصل 
عندهم أدنى شك في رؤية هلال ذي الحجة» بمعنى أنه لم يشاهده 
منهم الجم الغفير» وقفوا يوم التاسع والعاشر احتياطاً. 

]87١[‏ وفي عرفة ترى الناس مشتغلين كل بشأنهء وهم وإن 
انفصلوا في هياكلهم» فإن قلوبهم مرتبطة ارتباط ذرّات الجسم الواحد 
ببعضهاء وبعد صلاة العصر يتحرك المحملان بحرسهما إلى منحدر 
جبل الرحمة وينهض خطيب عرفة وهو في الغالب قاضي مكة الذي 
يتعين من قبل السلطان» فيصعد بناقته من طريق حلزوني إلى صخرة في 
صدر هذا الجبل» »يخطب نيابة عن خليفة رسول الله خطبة يعلم الناس 
فيها مناسك الحج ويكثر فيها من الدعاء والتلبية» ومن دونه مبلغون 


الرحلة الحجازية 





-© 


بأيديهم مناديل يشيرون بها في كل تلبية إلى الواقفين دون الصخرة 
فيقول الكل: «لبيك اللهم لبيك» بصوت يكاد يصعد بالأحشاء إلى عنان 
السماءء فيالها من ساعة ترى الناس فيها قد تجردوا بالمرة عن 
أنفسهم» فلا يكادون يشعرون بما يحيط بهم من معالم الحياة» وتغليب 
وجدانهم على وجودهم وظهرت روحانيتهم على جسمانيتهم» حتى 
كأنهم في لباسهم الأبيض الطاهر النقي ملائكة لله في هذا الوادي الذي 
يردد أصواتهم وابتهالاتهم إلى الملك المعبود» إلى الواحد الأحد الفرد 
الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحدء فإذا تراجع إليهم 
صدى هذا الصوت أحدث في نفوسهم هزة تدق لها قلوبهم وتضطرب 
منها أفئدتهم خشية من رب الأرباب ومالك الرقاب» هنالك تسوخ 
النفوس في ظروفها وتنكمش الجسوم على هياكلها من رهبوت هذا 
الملكوت؛. وحشاشات القلوب تتصبب من آماق عيونهم أسفأ على ما 
اقترفوه من ذنوب وعيوب!! وتتلاحق الأرواح إلى التعلق بأستار 
رحموت رحمانهاء تابة مستغفرة ضارعة إليه تعالى بقبولها في ساحة 
غفرانه» مؤملة في عظيم كرمه وإحسانه. ولا تلبث أن تتراجع وهي 
على يقين من قبولها في ساحة الرحيم الرحمن» وقد وقر في نفوس 
ذويها حب الفضيلة وبغض الرذيلة» وحسب الإنسان من فضيلة الحج 
هذه الحسنة الجميلة . 


[84751) ويسدثمر الناس على هذه الحال حتى إذا غابت الشمس في 
الأفق أطلق صاروخ من قبل الخطيب إعلاناً بتمام الموقف؛ عندها 
تتحرك المحامل بين ضروب المدافع وعزف الموسيقات.» وأصوات 


المختار من الرحلات الحجازية 





- م 


الابتهالات» وكثرة الدعوات» وانهمال العبرات» ويكون كل حاج قبل 
ذلك قد حمّل حموله واستعد للإفاضة» فتنفر الناس مرة واحدة من 
عرفات مسرورين هاتفين بهتاف الفرح والحبور حتى إذا وصلوا إلى 
ينك الفلمين زمر تمن بيتهيها,ويعناك ترس الزحياء ل يورضيفع و النا 
في حركة هائلة إلى المزدلفة» فإذا وصلوها نزلوا بها. 


وبمجرد وصول الحجاج إلى منى يقصدون من فورهم جمرة 
العقبة فيرمونها وينحرون ويحلقون أو يقصرون ثم يلبسون ملابسهم. 


عو ب _ 


[471] وذبائح القربان تذبح في شرقي منى وتلقى في هرة تحمر 
هناك لهذا الغرضء وكلما امتللأآت حفرة بجثث القرابين ردمت وحفرت 
غيرها وهكذاء ويكون لها بعد الحج رائحة كريهة جداًء ولو كانت 
الحكومة تعتني بجمع ما يتراكم فيها من العظام مع ما يتخلف منها حول 
مكة. وتبيعه لإحدى الشركات بجدة» وتصرفه ثمنه في تحسين طرق 
الحجاج ونظافة شوارع مكة لكان فيه فائدة كبيرة. وقد طلبت شركات 
كثيرة التزام ذلك من الحكومة السابقة فلم يقبل طلبهاء أما الحكومة 
الحالية فأظن أنها لا ترى مانعاً فى ذلك ما دام فى مصلحة البلاد. 

[87] ومكان الجمرات تراه على الدوام غاصاً بالرامين فلا تصل 
إليه إلا بمشقة عظيمة» وكثيراً ما تشاهد بين هؤلاء الرماة أناساً يرجمون 
بتشف شديدء ومنهم من يغلو في ذلك فيرمي هذا الغرض برصاص 
طيتحته 17) كأنما يرمى عدوا ألد. والكل يتخيل أنه إنما يرمي ذلك 


000 أي دل عع 


الرحلة الحجازية 





الشيطان الرجيم الذي لا تخفى عداوته لبني الإنسان» فكأنما هم بهذا 
الرمي يشهرون عليه حرباً عواناً لما سبق من إغوائه لهم» ويقطعون كل 


والعرب كانوا يرجمون في الجاهلية من سخطوا عليه حياً وميتأء 
كاتوا .بردو الزاق. السبحصن نينا العناقة! عملهه: .وتالعتهد غليه" 
الشريعة الغراء» كما كانوا يرجمون قبور من ينقمون عليهم: وهم 
يرجمون من القرن الأول قبل الهجرة إلى الآن قبر ابي رغال في 
المغمس بين مكة والطائف. لأنه كان يقود جيش أبرهة إلى مكة. 
فمات في هذا المكان قبل وصوله إليها . 

سفر الحجيج من مكة 

بعد النزول من عرفة ينتظر الحاج في مكة صدور أمر الشريف 
بسفر الحجاج منهاء ولا يكون ذلك في الغالب إلا في الأسبوع التالي 
لنزولهم من حجهمء. والغرض من هذا التأخير رواج تجارة هذا البلد. 
فإذا جهز الإنسان نفسه سافر إلى المدينة المنورة» أو إلى بلده إن كان 
سبق بالزيارة قبل الحج أو شغله عنها شاغل» فينزل مع القافلة إلى جدة 
ومنها إلى حيث يريد. 

[:87] وعلى كل حال فإنك ترى مكة ‏ إذ ذاك ‏ في حركة هائلة 
بالجمّالة وجمالهم وهي مجهزة للحمل غادية رائحة ليلاً ونهاراً في 
طرق مكة. ولأن هذا هو الموسم الوحيد الذي يستمد منه هؤلاء 
الأعراب حياتهم بواسطة هذه الإبل التي هي رأس مالهم الوحيد» بل 





هي حياتهم بجميع معانيها؛ فهم من ألبانها ولحومها يأكلون» ومن 
أوبارها وجلودها يلبسون. وبروثها وبعرها يدفئون»؛ وهي مركبهم 
ومحملهم في هذه المسافات الواسعة الشاسعة التى لا يمكن غيرها من 
جنس الحيوان أن يقوم بالمأمورية التي تقوم هي بها في وسطهم . 


ويوجد غير الجمل في مدن الحجاز وعلى الخصوص في مكة 
والمدينة كثير من الحمير الحساوية (الحصاوية) المتينة» ويؤتى بها من 
بلاد الحسا في شرق بلاد العرب» ومع ماهي عليه من السرعة في السير 
فإنها تحتمل المشي في هذه الصحراء ثلاثة أو أربعة أيام متتابعة» 
ويمكنها أن تمشي في اليوم نحو مائة كيلو متر من غير أن ترى عليها 
أثراً كبيراً من التعب. وغالب هذه الحمير لا يخلو جلدها من 
البرص . ويوجد هناك أيضاً ‏ بغال متينة يؤتى بها على الخصوص من 
بلاد الشام أو العجم . 

[875] والخيل في هذه المدن قليلة. وهي تتحمل - أيضاً - مشقة 
السفر هناك أياماً متوالية»؛وجنسها ليس بالجيد لأن الجنس الطيب 
محصور في جهة نجد ولا يفرطون فيه إلا بأئمان غالية» وعلى كل حال 
فإن الجنس الطيب من الخيل في نجد قليل الأن جداً؛ لأن الإنكليز 
بالهند يشترون منه كل سنة عدداً كبيراً يستعملونه في الغالب في 
المسابقات ويأخذونه من نسله من أفراسهم نسلا مختلطأ قويا متيناً. 


نظام القوافل 


[857] إن الحجاج لايخرجون من مكة إلى المدينة إلا في ركب 


الرحلة الحجازية 





41 - 
القافلة التي تكون جَمّالتها من أهل الطريق الذي يسيرون فيه» وغالباً ما 
تكون جمال الحاج تابعة لجمّال واحد وهو الأحسن., أما لو كانت تابعة 
لجمّالِيْن فتكون مشغوليته أكبر وتعبه بينهما أعظم. وعلى كل حال 
فعلى الحاج أن يجتهد في تخفيف أحماله وأثقاله» فإذا كملت شحنة 
القافلة نهضت الجمالة بجمالهم وأخذوا يقطرونها في بعضها قطاراً 
واحداً أو قطارين بجوار بعضهماء وفي المقدمة يكون غالباً أكبر الركب 
وجاهة وعصبيةء» وجمال كل رجل تسير من خلفه مقطورة فى جمله. 
ومنهم من يرى تقدمها على جمله حتى تكون على الدوام تحت نظره 

خوفاً عليها من عبث العابثين. 


[8717] والمطوفون بعد أن يتفقوا مع الجمالة على حمل حجاجهم 
يسافرون غالبا إلى المديئة في قافلتهم بحجة المحافظة عليهم» وكثيراً 
ما يغرر الجمالة بضعاف الحجاج فيأخذون الأجرة منهم ويخبرونهم بأن 
الجمال خارج البلدء ويرجونهم في أخذها من هناك حتى يوفروا عليهم 
٠‏ دفع الكوشان (كلمة تركية معناها المَكسء» وهو عوائد تأخذها الحكومة 
على الجمال الخارجة من مكة أو جدة أو المدينة أو ينبع»ء وليست لها 
قيمة مخصوصة بل ترتفع وتنخفض على نسبة طمع ذوي الكلمة هناك. 
وربما بلغت ريالين أو أكثر)» فإذا خرج الحجاج المساكين من مكة لا 
يجدون إلا جمالاً ضعيفة ضئيلة ينالهم منها مشقات جسيمة» وكثيراً ما 
يتركونها ويسيرون على أقدامهم جل مسافة الطريق أو كلهاء والقافلة لا 
تنتظم عادة إلا بعد أول محطة حيث ينظم الجمالة جمالهم ويرتبون 
قطاراتهم التي لا يخالفونها طول سفرهم» والجمالة ‏ في الغالب - 





1م 
نحيفو الجسم رفيعو الساقين قصار القامة يكاد أن لا يكون فى جسمهم 
عضل بالمرة» أما عظمهم فهو الحديد أو أشد صلابة» ولهم قدرة على 
العدو بحيث لا يلحقهم في أحدء ولقد رأيت رجلا منهم يعدو وراء 
جمل شارد حتى تعلق بذيله فعاقه عن الجري ثم أمسك بزمامه» وبعض 
الجمالة يلبس نعلا في رجله تقيها من حرارة الأرض وحصبائها . 


[478] أما نظافة ملابسهم فلا يمكنني أن أقول لك عنها غير أنها 
إذا اتصلت بجسومهم لا يخلعونها مطلقاً حتى تنخلع هي عنهاء وهذا 
لا يكون إلا إذا أكل عليها الدهر وشربء والمترفون منهم يغيرون 
ملابسهم كل سنة مرة فى موسم الحج» وبعضهم يلبس عليها عباءة من 
الصوف أيام الشتاء تقيهم شدة البرد يسمونها مشلحأء ولون هذه 
الملابس كلون الجبال أو الرمال» والجمالة بعد الابتعاد عن مكة 
يلحفون للحجاج في السؤال» ويغلظون لهم في الأقوال» وهناك يكثر 
بينهم الأخذ والرد الذي ينتهي بأخذ الجمالة ما يريدون. وكثيراً ما ترى 
في الطريق بعض أعراب من غير جمالة القافلة ومعهم جمال ضئيلة 
وهم ينادون (يارُويكبٌ يارُويكب) ويكون ذلك غالباً في المحطات 
الآهلة بالسكان» وتصغيرهم للراكب في ندائهم لا يخلو من معنى 
ينطبق على حقيقة من يركب معهم من هؤلاء الذين لم تسمح لهم ذات 
يدهم بالاستعداد على ركائبهم قبل سفرهم» ولهذا فإنهم يتساهلون في 
أجرتها كثيراًء وترى ذلك على الخصوص في طريق عرفة. وعلى طول 
طرق القافلة ترى كثيراً من حجاج الفور (التكرور) مشاة بأطفالهم. 
وكثيراً ما ترى الأم حاملة طفلها في شبه كيس ملتصق بظهرها بحيث لا 


الرحلة الحجازية 





-© 


يظهر منه غير رأسهء وعلى رؤوسهم بعض أمتعتهمء وفي أيديهم 
صفيحة يضعون فيها غذائهم» وإذا كانت لهم حاجة إلى السؤال سألوا 
ركاب القوافل بلطف وأدبء وما رأيتهم يطلبون غير الماء لأنه يصعب 
عليهم حمله؛ وخصوصاً في مدة الصيف . 


فإذا مرت القافلة قرب بيوت قبيلة من القبائل.وجدت كثيراً من 
الأعراب ينادون على البطيخ الكبير»ء وعلى صغيره بقولهم الخربز - 
وأصلها قار بوز بالتركية - وينادي بعضهم: الما الماء خبز خبز 
التمرء الفجل إلخ إلخ». فإذا قربت من ديارهم وجدت شرذمة من 
ظ أولادهم يحيطون بك وأيديهم ممدودة للعطاء وهم يتغنون بقولهم : 
ياحاج سلامات» يافندي سلامات». يا بويا سلامات». إن شاء الله 
سلامات» إن شاء الله عرفات» إن شاء الله بركات. وبعضهم يقول: 
حج حجيج (حج الحجيج) بيت الله والكعبة ورسول الله إلخ. 


[879] وكأني بالجمالة واللقمة تهضم في أكفهم والحسنة تضيع 
بين أصابعهم لا يعرفون الكرامة إلا وقت امتداد يدك بها إليهم. فإذا 
انقضت حركتها صارت كأنها ما كانت !! وهذا أمر لا ينطبق على ما هو 
مشهور في الطبع العربي من ذكره للنعمة وحفظه للجميل . 


[870] ولهم أغنية يتغنون بها في طريقهم» وهي في الغالب على 
النغمة العراقية والرومية التي أخذوها عن حجاج الأتراك والشوام. 
وجمالهم ترتاح إليها وتتسمع لها فتنسيها لحظة ما هي فيه من التعب 
والعناء»ء وهذه الأغنية لا يكاد يعرفها من يسمعها لأنها أقرب إلى 





- 1م 


الرطانة منها إلى العربية» على أنها لا تخلو من معان دقيقة لطيفة. 
وأغلبها غرامية تمثل حكاية محب ومحبوب أو عاشق ومعشوق ومنها 


وصغار الحجاج من المصريين لهم أغنية يتغنون بها في طريقهم 
وعلى الخصوص نساؤهم وهي لا تخرج عن ذكر الطريق للحج وذكر 
البيت وعرفة وزمزم» وخصوصاً ذكر النبي ‏ عليه الصلاة والسلام - 
وكلها عبارات بسيطة ليس فيها شيء من المعاني العالية . 


]871١[‏ ووقت تحميل القافلة وتنزيلها تكثر السرقات من الجمالة 
أنفسهم . وقد يتفق جمّالك مع جمال آخر فيحضر في هذا الوقت الذي 
يلهيك فيه بصريخه وصياحه في حين ما الآخر ينقض على عفشك 
ويسرق منه ما تصل إليه يده» حتى إذا هدأ روعك شعرت بما نقص من 
متاعك. وهنالك يكثر الصياح فيقول هذا: ُرجيء ويقول الآخر: 
ملابسي» وغيره يصيح: لحافي وهكذاء وبعد هرج ومرج من غير فائدة 
يسكت الصائحون شاكين أمرهم إلى الله» ويشتغلون بتجهيز شؤونهم. 
وليست الجلبة قاصرة على هؤلاء بل ترى الصراخ من أنحاء القافلة 
بتمامها فهذا يصيح قائلاً: ياحاج فلان» وذلك ينادي: ياحاجة فلانة» 
وغيره يوهم بأنه يشاهد الحرامي فيقول: شايفك» واخرون يشتغلون 
بنصب خيامهم فيدق هذا بمطرقته» ويتصارخ الآخر مع جاره الذي 
زحزحه عن مكانهء وهو في أثناء ذلك يزعق مع الذي من ورائه لأنه 
يزاحمه على محله . 


الرعلة الحا 





[477] وتسمع فيما بين ذلك أصوات الأعراب هذا يقول: 
الحطب الحطب» وآخر يقول: الما الما وهكذاء وما هم إلا سارقون 
ما تصل إليه أيديهم , ويفرون من حيث لا يشعر بهم أحد. وبالجملة 
فتستمر هذه الجلبة صاعدة في هذا الفضاء إلى عنان السماء نحو ساعة 
من الزمان» أعني ريثما ينزل الحجاج حمولهم. وينصبولن خيامهم . 
ويمهدون فراشهم بين رحالهم» ويحيطونها بشقادفهم التي تلتف بها 
جماله. وآخر يستفضي الخشب» وغيره ينصب القدر لطبخ بعض 
الأغذية الجافة كالعدس والأرز واللحم المجهز. وذلك في المحطات 
الصغيرة التى لا تطول الإقامة فيهاء أما المحطات الكبيرة فيشترون منها 
اللحم الطري الذي يذبحه بعض أعرابهاء وبعد العشاء يشربون قهوتهم 
وينامون بعد أن يعطوا الجمّالة عشاءهم» والرفقاء من الحجاج يتناوبون 
السهر على حراسة عفشهم» ومن يسهر منهم تراه على الدوام يصرخ 
بكلمات الاضطراب والانزعاج كقولهم: «شايفك. ابعدء لا تقرب) 
وهكذا. 


[* 3م ] والحجاج يقضون حاجتهم بين رحالهم في الغالب» ومن 
ابتعد عنها لا بد أن يكون معه أنيس يحرسه عند اشتغاله بنفسه وإلا فإنه 
لا يحرم واحداً من الأعراب ينقض عليه ويضربه في رأسه بعصا يابسة 
قصيرة تخمد معها أنفاسه!! وهنالك يشلحه من ملابسه أو يكتفي بقطع 
كمره من حزامه أو من ذراعهء فإذا استغيبه صحابته قاموا للبحث عنه 
فيجدونه إما فاقداً للحياة فيوارونه التراب على حاله!! وإما فاقداً 








للشعور فيأخذونه ويقومون بشأنه» وقليلاً ما ينجو من هذه الضربة. 
وخدمهم وجمالتهم وتبعهم بلا فارق بين الجميع» بل ترى السيد على 
بذلك منهم . 

[875] وقد يقطع الجمالة بعض الجمال من القافلة أثناء سيرهاء 
ويتظاهرون بإصلاح حمولهاء حتى إذا ابتعدت القافلة عنهم أوقعوا 
بركابها وهم يستغيثون ولا يغاثون» وسلبوهم متاعهم. وكنيا ها 
يجهزون عليهم» ويفرون بجمالهم إلى حيث أرادوا. 


[8”5] والأدهى من ذلك كله ما يهدد القافلة من خطر هجوم 
بعض القبائل التي في طريقها عليهاء أو على الأقل وقوفهم في وجهها 
فلا يدعونها تمر إلا بعد أن يأخذوا منها ما يرضيهم باسم أجرة المرور 
ش أرضهم. وربما كانت لهم مع الْمَقَوّم وكنار الجمّالة متاققات 
حقيقية أو ظاهرية تنتهى على الدوام بإقناع المقوم لحجاجه بإعطائهم ما 
يطلبون. وبالجملة فركب القوافل لا ضمانة له بالمرة. وهو ينين أنداق 
المقومين والمطوفين كالطيرة الضعيفة في يد الطفل إن شاء أكرمها وإن 
شاء أهال عليها المصائب والمتاعب من كل جهة؛» لأنهم طبعاً في هذا 
الفضاء أربابس الحكومة والقضاء . 


[875] وهم الذين يفصلون فيما عسى أن يقع من الحجاج من 
الشغار أو الصغار الذي هو شأن الطبقة السافلة منهم على الدوام» لا 


الرحلة الحجازية 





سيما صغار الحجاج المصريين الذين لا تسمع منهم على طول الطريق 
إلا عبارات تافهة أو مشاجرات أساسها شىء لا قيمة له بالمرة ربما 
أدت إلى أخذ البعض بخناق الآخرء وذووا العصبية منهم هم الغالبون. 


[/871] أما إذا كان الشجار بين بعض الحجاج والجمّالة فإن كان 
الحاج ضعيفاً احتمل الإهانة لأول مرة» وإلا دافع برفع لسانه ويده 
بسرعة يعقبها رد فعل بالاعتذار إليهم والاستكانة لهم ولا يعدم الحاج 
المتشاحن في هذه الحال من إخوانه من يعنفه على شجاره مع الجمالة 
منتضراً إليهم لا بلسان الحق ولكن. .بغبارة الملق. والمذاهنة اللذين 
أساسهما الجبن والنفاق والعياذ بالله» مما يجعل روح ذوي الإحساس 
الرقيق تتردد بين حناجرهم وخناصرهم!! وإذاً فمن يريد بنفسه خيراً 
فعليه أن يصم أذنيه ويربط لسانه عن أمثال هذه المهاترة فترتاح روحه 
ويطمئن قلبه وإن كان ضميره في ألم مستمر. 


سفر الجناب العالي من مكة إلى الوجه 


أمضى الجناب العالي بمكة يوم ١5‏ ذي الحجة وهو يستقبل 
زواره» ويفيض على البائسين والمحتاجين» بعضهم بواسطة رجال 
المعية السنية»ء وبعضهم بواسطة حضرة مأمور التكية الذي أحيل عليه 
البحث في الالتماسات الخاصة بالمرتبات اليومية أو الشهرية» وفي 
ظهر ذلك اليوم أمر ‏ حفظه الله فسارت حملة الحاشية الكريمة إلى 
بحرة تحت قيادة حضرة الأمير الاي علي بك إسماعيل ومعها كثير من 
فقراء الحجاج المنقطعين مصريين وغير مصريين ممن صدرت الإرادة 








- 11م 
السنية بتسفيرهم إلى بلادهم بناء عن التماسهم على نفقة الخاصة 
الخديوية» قامت في عقبها حملة دولة الوالدة فوصلت - حفظها الله - 
بحرة في منتصف الساعة الثالثة بعد الغروب . 

وبعد صلاة العشاء طاف الجناب العالى طواف الوداع» وركب 
سموه وفي ركابه الفخيم من بقي في خدمته من رجال معيته» وبمجرد 
ما خرج من باب مكة وجد دولة الشريف وحضرة وكيل الوالي وكثيراً 
من الأشراف والكبراء قد اجتمعوا لوداعه» وساروا في موكبه ساعة 
شاكرين له همته السامية وآدابه العالية» مكررين آيات الثناء على فضائله 
وفواضلهء فشكرهم جنابة العالي مودعا. 


ووصل ركابه العالي ‏ بسلامة الله - إلى بحرة في منصف الليل» 
وأمضى فيها يوم 71 ديسمبر» وبعد صلاة العشاء ركب إلى جدة . 

[44] ولما اقترب من جدة وجد سعادة قائمقامها وحضرة 
قومندان7١2‏ عساكرها مع كثير من أعيانها في انتظار تشريف جنابه 
العالى» وسار الكل في ركابه حتى وصل إلى سلم الكورنتينة في نحو 
منتصف الليل وهنالك سلم عليهم سموه شاكراً لهم عنايتهم وآدابهم. 
وركب الزورق البخاري إلى وابور المحروسة مع بعض رجال معيته , 
وكانت دولة الوالدة قد سبقت إليه مع حاشيتهاء أما باقى رجال الحرس 
والمعبة السنية فقد نزلوا إلى وابور الرحمانية الذي كان في انتظارهم. 
وفى صباح يوم ديسمبر قابل الجناب الخديوي في يخته أصحاب 


)1١(‏ أي قائد. 


الرحلة الحجازية 





السياةة: اجال الشريف وسعادة قائمقام جدة وحضرة قومندان 
عساكرهاء ثم قناصل الدول الموجودين في هذا الثغرء وكانوا قد أتوا 
بصفة رسمية لتوديع جنابه العالي؛ فشكرهم سموه على آدابهم» وأرسل 
تلغرافات الامتنان والشكران إلى جلالة السلطانء ومقام الصدارة 
العظمى”''. ودولة الشريف». وحكومة الحجاز على مالاقاه ‏ حفظه الله - 
من كمال العناية منذ حضوره إلى هذه الأراضي المقدسة» وفي هذه 
الأثناء كان ينظر ‏ حفظه الله في أوراق حكومته التي أتت إلى جدة مع 
آخر بريد. وبعد أن أصدر أوامره السنية في الشؤون الهامة؛ أمر ‏ حفظه 
الله فسارت مركب المحروسة وقت الظهر تماماً قاصدة الوجه؛ وهي 
ميناء في ساحل بلاد الحجاز على البحر الأحمر» وتبعد عن جدة شمالاً 
بمسافة 55١‏ ميلاً فوصلها ركابه العالي ظهر يوم 19 ديسمبرء وفي يوم 
*“ وصلت مركب الرحمانية» وهنالك أخذ في إجراء الاستعداد اللازم 
لسفر سموه برأ من الوجه إلى محطة البدايع للسفر منها إلى المدينة 
. المنورة بطريق السكة الحديد الحجازية””' . 





[454] الوجه قرية نحو أربعين بيتاً صغيراً. وعدد أهلها عن 
خمسمائة نفس ؛ تقريباً عائتلة واحدة تسمى عائلة البديوي. 
ويشرف على القرية من ورائهاء عليها قلعة حصينة» وفي هذه القرية - 
على صغرها ‏ ثلاثة مساجد يقصدها في أيام الجمعة كثير من العربان 





. أي رئيس وزراء الدولة العثمانية المسمى الصدر الأعظم‎ )١ 
وإنما كان بعض الكبراء يصنع هذا تخلصاً من إزعاج الأعراب في الطريق البري»‎ )( 
كما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى.‎ 








- رم 
التي في ضواحيها من قبيلة بَلي'''. وكانت لقرية الوجه أهمية عندما 
كان يمر عليها ركب المحمل مدة سفره على البرء فقد كانت تنصب 
فيها الأسواق وتفرق فيها العوائد على العربان» أما الآن فحياة أهلها من 
صيد الأسماك وتجارة السمن والأصواف التي تأتي إليها من وراء 
الساحل والفحم الخشبي الذي يؤتى به من داخل البلاد»ء وأغلب 
تجارتها مع السويس» ومنها تقوم إليه في كل خمسة عشر يوم بوسطة 
على إحدى مراكب الشركة الخديوية» ولما كانت الوجه محطأ لرحال 
المحمل المصري وممراً للحجاج المصريين كانت إدارتها وماواليها 
شمالاً من المويلح وضبا والعقبة في يد الخديوية المصرية»؛ وكان يعين 
عليها محافظ من طرف حكومة مصر مع قاض للنظر في الأحكام 
الشرعية» وكان لها جند يحرسون الطرق» حتى إذا انقطع الحج من هذا 
الطريق عادت إدارة هذه البلاد إلى الدولة العلية. 

]85٠0[‏ ولقد كانت هذه القرية مدة وجود الجناب العالي بمياهها 
على أكمل ما يكون من معالم الأفراح» فكنت ترى الرايات الحمر على 
بيوتهاء والعلم العثماني كان يخفق طول هذه المدة فوق قلعتهاء وفي 
الليل كانت القرية تلوح كأنها الثريا زهاء وبهاء لمصابيح الزينة التي 
كانت على دورها ‏ وخصوصا دار القائمقام والقلعة ‏ وبالجملة فقد 
كانت البلد في حركة هائلة لم ترها طول عمرها. 


[451] ومن سنة ١1717‏ رجع المحمل المصري إلى الوجه من 


410 .والمسعوب الثياة لوي 


الرحلة الحجازية 





0 
جدة لتأدية واجب الزيارة بالطريق الحديدي من محطة العلا؟ وسبب 
ذلك تعرض عربان الدرب الطويل ودرب ينبع له بغير حق» ولعلهم 
يرجعون عن غيهم فيعود إلى مجراه الأصلي . 

وفي يوم السبت الموافق آخر شهر ديسمبر نزل الجناب الخديوي 
إلى البر وكان في انتظاره حضرة قائمقام الوجه وسليمان باشا أبو رفادة 
شيخ قبائل بَلي والمتعهد بحملة الركاب العالي» فركب ‏ حفظه الله - 
الهجْن مع حاشيته وسار إلى جهة الشرق في ركب حافل من عِلية عربان 
هذه الجهةء وفي مقدمتهم نحو خمسين نفراً من عرب عقيل على 
هجنهم ‏ وهم جند للدولة من العرب - وعلى رأسهم ضابط . 

ومازال - حفظه الله - سائراً بموكبه وفيى خدمته حضرة قائمقام 
الوجه وبعض مأموري الدولة هناك في واد يقال له أبو عرايش» حتى 
وصلوا بعد مسيرة أربع ساعات ونصف إلى ماء يسمى رأس حرامل» 
وفيه مكان يسمى الرحبة» وقد كانت حملة الخيام سبقت إليه واستعدت 
فيه لقدومه الشريف». فقصد سموه سرادقه ونزل من في معيته كلّ إلى 
خيمته» أما دولة الوالدة حفظها الله فقد ركبت مع صاحبات السمو 
والعصمة كريمتي الجناب العالي؛ ودولة البرنسيس فاطمة هانم أفندي» 
ودولة والدة البرنسيس نازلة هانم أفندي حليم وبعض حاشيتها عربات 
صنعت بصفة خصوصية للسير في طرق الجبال يجر كل واحدة منها 
ثمانية من الجمال. يتلوهن باقي حملة الركاب الخديوي من حرس 
وخدم وحشمء يتقدمهم رجال المعية السنية» ومازالت هذه الحملة 
سائرة حتى وضلت إلى المكان الذي فيه المخيم الخديوي في مسافة 





61 - 


عشر ساعات . 


وفي يوم أول يناير ركب سمو الجناب العالي بعد صلاة الفجر 
وسار بركبه حتى نزل في مخيمه بوادي أبي القزازء وبه ماء يسمى 
باسمهء ومسافة السير إليه على نحو اليوم السابق. 

[455] وفي يوم 5 يناير ركب الجناب العالى بعد صلاة الفجر 
وسار بموكبه إلى مكان يقال له مسيل النجد» وفيه ماء اسمه البّداء ومنه 
تبتدىء الأرض في الارتفاع نحو الشرق» فنزل فيه حفظه الله وقطع 
إليه المسافة مع ركبه في مثل الأيام السابقة» وقد وجدنا هناك أورطة”") 
من الجيش العثماني كانت قد أتت لحراسة جنابه الرفيع من قبّل الدولة 
العلية» وكانت تريد السفر إلى الوجه لانتظار سموه بها والسير في ركابه 
العالي فلم تتمكن؛ لأنها كانت تظن أن سموه يشرفها بعد هذا التاريخ. 
وفي يوم " يناير سار ركب الجناب العالى في وادي النجدء. ومعه فرقة 
من خيالة الدولة حتى وصل إلى حَشْم سلع. فنزل به وبات فيه مع باقي 
ركانة.والممافة اليه الحساقات الساقة. 

[85] وفي صباح اليوم الرابع من يناير ركب حفظه الله بعد 
صلاة الصبح وسار صاعداً من عقبة سلع - ويسمونها البوق لأنها على 
شكله ‏ إلى شرفة النجد في أرض صخرية يكثر مدرهاء ويضخم 
حجرهاء ويصعب السير فيها على الخيل والبغال» والحمرٌ والجمال. 
بل وعلى النساء والرجال» حتى أن أحد الترك كان يسرع فيها بجواده 


)1١(‏ أي فرقة. 


الرحلة الحجازية - 
فانقلب به وارتطم رأسه بحجر فانكسر وأخذ الدم يتدفق من أم ناصيته 
ومن وجهه وأذنه» بما فقد معه شعوره وكاد يموت حتف أنفهء لولا أن 
الدكتور الحسني طبيب الحرس الخديوي كان قريباً منه» فقذف بنفسه 
عن راحلته وتبعته بأجزخانتي ٠‏ الخصوصية فضمدنا جراحه» وأشممناه 
بعض المنعشات التي أفاقته لوقته» فركب جواده بين إخوانه الذين 
تلاحقوا إليه وهم شاكرون لرجال الجناب العالى عنايتهم به 
واستعدادهم لمثل هذه الطواريء» ذاكرون لهم حسن خبرتهم وعالي 
همتهم . 

وفي صباح يوم ١‏ يناير ركب الجناب العالي وتبعته عربات دولة 
الوالدة وباقي حملة الركاب الخديوي . 





[:85] وما زال سائراً حتى.نزل إلى وادي العلاء وفي وسطه 
محطة البدايع التي وصلها ‏ حفظه الله - في الساعة العاشرة صباحاًء 
وكان فى انتظار ركابه العالى سعادة محاسبجى المدينة المنورة 
وحضرات مدير وخازندار الحرم الشتريففب: وأصحاب السيادة وكيل 
إمارة مكة المنورة» والشيخ إبراهيم أسعد شيخ خطباء الحرم المدني» 
والشيخ يحي الدفتردار إمام الحرم الشريف» وحضرة صالح بك وكيل 
إدارة السكة الحديد الحجازية» وحضرات قائمقام محطة العلا وشيخ 
عربانها وقاضيها وشيخ مشايخ عربان عنزة وشيوخها وشيخ قبيلة بني 
سليم من حرب» وبمجرد ما شرف الركاب العالى تقدموا جميعاً نحو 


. أي صيدليتي‎ )١( 





- 6 
سموه بواجب التحية والتعظيم» وهتأوا جنابه الفخيم بقدومه بسلامة 
اللهء فشكرهم حفظه الله. وسار معهم إلى صيوانه الخصوصيء» وكانت 
قد اصطفت على طريقه فرقة من الجند العثماني وأمامها حضرات 
ضباطها لأداء واجب السلام» وبعد أن استراح جنابه العالي قليلاً 
استقبل وفود المهنئين بما جبل عليه من اللطف والويناس» فخرج الكل 
شاكرين ذاكرين مالقوه من آداب سموهء وأمضى ‏ حفظه الله - ذلك 
النهار بالبدايع بين توارد أي التهاني من كل جهة» وإصدار الاوامر 
بالإحسانات على فقراء هذه القبائل»ء وخصوصاً من كان في ركابه 
العالي منهاء كما أصدر أمره الكريم بتوزيع الكساوي على من كان في 
خدمة الركاب الخديوي» وبالجملة فقد كان يومأ كله حسنات ودعوات 
وابتهالات بحفظ جنابه الفخيم» وبعد ظهر ذلك اليوم أمر ‏ حفظه الله - 
بسفر الحرس الخديوي إلى محطة العلا لإنتظار عودة جنابه الرفيع بهاء 
كما أمر بتجهيز قطار مخصوص يقوم مساء ذلك اليوم إلى المدينة 
المنورة بجانب من الحرس والخَدّمة وبعض رجال المعية السنية ومعهم 
الخيام والصواوين اللازمة لنصبها فيهاء أما قطار الجناب العالي ودولة 
الوالدة فقد تحرك من البدايع صباح يوم " يناير» وما زال القطار الأول 
سائراً في وادي الحمض حتى وصل صباحاً إلى محطة الجدّاعة وهناك 
استوقفه ناظرها؛ لأن السيول كانت قطعت جسر السكة على بعد ” 
كيلو متر منهاء وقد أخطر الجناب العالي تلغرافياً بهذا الحادث؛» ولكنه ‏ 
حفظه الله بمجرد وصوله إلى محطة هَدِيّة قبيل الغروب» أوقف قطاره 
هناك. وسار بالقاطرة إلى محطة الجداعة التي تبعد عنها بنحو عشرين 


الرحلة الحجازية 





619 - 
كيلو مترأء وبعد أن تقدم إلى القطع ورآه بنفسه عاد قائلاً «ليس من 
الممكن إتمامه قبل يومين»» ولذا أمر سموه بتأخير القطار الأول إلى 

محطة هدية ليكون الكل في حماهء حفظه الله . 

ولقد أمضينا جميعاً ليلتنا بعربات السكة الحديدية مشمولين برعاية 
الجناب العالي الخديوي حفظه الله» وما أسفرت شمس يوم 8 يناير 
حتى أخذ الكل يستعد. 

[445] وقضينا هذا اليوم المبارك في وسط هذه الفلاة التي لم نرَ 
في أرضها أثراً لذي حياة» اللهم إلا عمال الطريق الحديديء فيالله من 
هذه البلاد التي لا نرى بها من جنوبها إلى شمالهاء ومن غربها إلى 
شرقها غير صحراء حجرية وجبال صخرية» ونفود رملية» وأحقاف من 
بحار الرمال» تسوخ فيها الأقدام كما تسوخ في الماءء فيالله من كان 
يظن أن هذه الفيافي والقفار يخرج من جوفها هذا النور الذي أضاء 
الكائنات» وتلك اليد القوية التي ضربت على أيدي المظالم التي كانت 
تسقطها الملوك على رؤوس رعاياهم شرقاً وغربا وقمالا وجنوباً في 
القرون الوسطى؟ من كان يظن أن أحقاف هذه الرمال» وأجلاف تلكم 
الجبال تنشيء هذه المدنية التي يرفل في بحبوحتها العالم أجمع؟ هذه 
المدنية التىي خدمت العلم خدمة تذكر فتشكرء نعم خدمت العلوم 
الطبية» والكيماوية» والطبيعية» والفلكية والنباتية» والرياضية» حتى 
أن فرنسا كانت تستمد من مدرسيهمء كما هو الحال فى الممالك 
الشرقية مع أوربا!! ولقد بلغ من عمران الدولة العربية في الشرق 
والغرب مالا يبلغه عمران أي دولة قبلهاء انظر إلى الأمويين في دمشق 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 610 
والأندلس» والعباسيين في بغداد تر من رقيهم في الصناعات ومعارج 
العرفان مالا يقوى الإفرنج على إنكاره» ودونك كتاب مدنية العرب 
تأليف «جوستاف لوبون» فإنك ترى فيه المعجب والمطرب. فهل تريد 
بعد ذلك كله برهاناً على صحة دين الإسلام وحجة على حقيقة من 
اهتدينا بهديه وانتهجنا سبيله؟ لذلك كان من اللياقة إن لم نقل من 
الواجب التوجه لزيارة هذا النبي المصطفىء الذي قضى حياته جميعها 
فى سبيل خدمة الإنسانية العامة» وإنارة سبلها المدلهمة» بمشكاة هذا 
الدين المتين» دين الحرية» دين الإخاء. دين المساواة» دين العدالة» 
دين الفضيلة» دين الحياة الصحيحة . 

وفي ظهر اليوم التاسع من يناير وصل الخبر باستعداد الخطء 
فأمر ‏ حفظه الله بتسيير القطار الأول فقام من محطة هَدِيَة في الساعة 
الثامنة عربي نهاراً ولما وصل محطة الجذاعة سار الهوينا حتى غادر 
مكان القطع الذي كان طوله نحو ألفي مترء والذي أبلت في إصلاحه 
عساكر الدولة التي استدعيت إليه من المدينة بلاء يذكر فيشكرء ومياه 
هذا السيل كانت آتية من جبال الطائف. مما يدل على كثرة الأمطار 
التي نزلت في تلك الجهة. ونزل منها بحار كثيرة إلى مكة والمدينة 
وإلى الطرق التي بينهماء واستمر القطار سائراً في وادي النعام . 

ومازال القطار سائراً حتى وصل إلى محطة الحفيرة وألقى عصا 
التسيار للمبيت بهاء أما الجناب العالي فقد بات في المحطة التي قبلها 
وتسمى محطة البويرء والمحطات من هدية إلى المدينة لم تكمل عملية 
البناء بهاء وكان العمل فيها جارياً على قدم وساق» وكان يعمل فيها 


الرحلة الحجازية 





00 ب 
كثير من المصريين وأغلبهم من مديرية قناوجرجاء وهم في شدة الفرح 
بمقدم مليكهم المحبوب» وكانت العساكر على طول السكة الحديدية 
يقفون في كل محطة لأداء واجب التعظيم للجناب العالي الخديوي من 
البدايع إلى المدينة» فكنت تراهم منتشرين هنا وهناك وفوق الجبال 
على طول السكة. 

[847] ومازلنا حتى مررنا على القطع الثاني الذي كانت أحدثته 
السيول في الجسر قبيل المدينة المنورة بنحو خمسة كيلو مترات». 
وهناك شاهدنا قبة سيدنا حمزة - رضي الله عنه ‏ ثم أهلة مآذن الحرم 
الشريف. وعندها أخذت الأعناق تتطاول» والأبصار تتجاول» في 
هاتيك الأرجاء؛ مستطلعة أنوار القبة الخضراء» حتى إذا تجلت لنا 
بفخامتها امتلأت القلوب أفراحاًء والصدور انشراحاًء والعيون قَرَّة 
والأفئدة مسرة» وزاولت الأرواح أن تخرج عن نظامهاء وتطير من 
جسومها إلى نور الأنوار وسيد الأبرار» ومصدر سعادة العالمين في 
جميع الأمصار. 


[441] ومازال القطار حتى دخل بين بساتين المدينة ونخيلها 
. الغربية» وأخذ يسير بنا الهوينا حتى وصلنا إلى محطة المدينة المنورة 
في الساعة الخامسة عربي نهاراء وكان العدد الجم من الأهالي ‏ نساء 
ورجالا - على جانبي الطريق الحديدي إلى المحطة التي اكتظت 
ساحتها بوفود الناس على اختلاف طبقاتهم» وفي مقدمتهم سعادة 
محافظ المدينة وقومندان عموم القوة العسكرية الموجودة بهاء ومعه 
كثير من المأمورين العسكريين والملكيين الذين كانوا يقومون بأمر 





- 1م 


النظام العام استعداداً لمقدم الجناب العالي الخديوي» وكانت عليه 
القوم على رصيف المحطة يتقدمهم حضرات شيخ الحرم ونائبه ونقيب 
الأشراف وصاحبا الفضيلة قاضي ومفتي المدينة» وفي الساعة السادسة 
تماماً ضربت المدافع إيذاناً بوصول الركاب العالي فتشارفت الأعناق» 
وتمادت القامات لمشاهدة القطار من بعدء ومازالت الأبصار تلمحه 
حتى وقف في رحبة المحطة؛ لأن رصيفها ما كان كمل بناؤه؟ وهنالك 
صعد سعادة المحافظ إلى صالون الوابور لتأدية واجب الإعظام» وتبليغ 
جنابه العالي سلام الدولة العلية» وتهاني الحكومة المحلية» ثم صعد 
شيخ الحرم ونقيب الأشراف. وبعد واجب السلام نزل - حفظه الله - 
من القطارء وسلم على أعيان المدينة الذين قدمهم حضرة المحافظ إلى 
جنابه العالى واحداً بعد الآخرء وسارو من خلفه سعادة المحافظ 
ورجال معيته السنية يتلوهم شيخ الحرم وأعيان المديئة بين صفوف 
العساكر التى كانت تؤدي التعظيم» وموسيقاها تضرب السلام 
الخديوي» فدخلوا من باب العنبرية - وهو باب عال مشيد يبلغ ارتفاعه 
نحو عشرين متراً منقوش» ويسمونه الآن بالباب الرشادي تيمناً باسم 
صاحب الخلافة العظمى؟ ‏ ومازال الكل سائراً حتى وصلوا إلى 
الصيوان الخصوصي الخديوي الذي كان قد نصب في مقدمة خيام 
حاشيته الكريمة داخل سور المدينة الكبير» فاستقبلهم جنابه العالي 
بكرمه وإيناسه» كما استقبلوه بصنوف تحياتهم وتهانيهم . 


)١(‏ أي السلطان محمد رشاد العثمانى» الذي وضعته جمعية الاتحاد والترفي 
الماسونية عوضاً عن السلطان عبدالحميد ‏ رحمه الله تعالى ‏ بعد خلعه . 


الرحلة الحجازية 





ولقد كان الصيوان الخديوي حافلاً بكبراء القوم» وكانت رؤساء 
المعية السنية يقدمون إليهم كل ما فيه راحتهم . 

وهنالك قام الشعراء والخطباء» هؤلاء يرتلون آي الغناء والدعاء» 
وأولئنك يصوغون التهاني» حتى كان يخيل إلينا أننا بين وفود العرب 
على الرشيد» في يوم عيد. 

[854] ومما. يذكر من آداب القوم أنهم لما فرقت عليهم 
السيكارات أكبروا المقام على التدخين» وبعد ساعة انصرفوا شاكرين» 
وبكرم الجناب الخديوي متحدثين انجاب العالى الخديوي متحدثين . 

الجناب العالي الخديوي بالمدينة المنورة 


لما استراح الجناب العالي من عناء السفر امتطى صهوة جواده بعد 
صلاة العصرء وقصد الحرم الشريف لأداء واجب الزيارة» ومعه بعض 
رجال المعية السنية» فدخل ‏ حفظه الله من باب السلام» وبعد تأدية 
الزيارة وصلاة المغرب بالحرم الشريف أدى واجب الخدمة بالمقصورة 
الشريفة"''» ثم قصد زيارة دولة الوالدة وكانت إقامتها مدة وجودها 
بالمدينة في بيت شيخ الحرم» الذي هو دار عثمان بن عفان رضي الله 
عنه ثم عاد حفظه الله إلى مقامه في معسكره. وقد كنت توجهت إلى 
الحرم مع بعض إخواني من المعية السنية» وكان يبعد عن مخيمنا الذي 
كان بحوار باب العنبرية بنحو ثلث ساعة سيراً على القدمء فدخلنا 
كالعادة من باب السلام» وصلينا ركعتين في الروضة الشريفة تحية 


)١(‏ سيأتي تفسير هذه الخدمة قريباً. 


المختار من الرحلات الحجازية 





221 
للمسجدء ثم خرجنا إلى الرواق القيّلي واتجهنا إلى المقصورة 
الشريفة» وتمثلنا بمنتهى ما يمكن من الخضوع والاستكانة أمام أول 
باب منهاء تجاه مسمار من الفضة جعل في مقابلة الكوكب الدري'"' 
الذي وضع فيما يحاذي الوجه الشريف. هنالك وقفت النفس بالمركز 
الذي ينبغي لها تلقاء هذا الجلال وهذه العظمة؛ فكنت ترى الروح 
بمجموعه». والقلب بخشوعه. والطرف بدموعه» واللسان بخضوعه 

ترفع عبارات السلام» إلى سّدَة سيد الأنام . 


وبعد أن دعونا الله بما شاء الله انتقلنا إلى مقام سيدنا أبي بكر 
بالشياك الذي يليه فسلمنا ودعوناء ثم انتقلنا إلى مقام عمر بجواره. 
فسلمنا ودعونا. 


وكان الجناب العالي مدة وجوده بالمدينة المنورة يكثر من الصلاة 
في الحرم» ولا أذكر أنه انقطع عنه في صلاة الفجر والعصر والمغرب 
والعشاء» وكان ‏ حفظه الله - يؤدي شرف خدمة إسراج القناديل في 
اللخحرة الشويفة شينات: بوإظنانها ضباع”"؟ > لو لهذ الاقامة يي 


(1) هو مجموعة من الجواهر. 

(؟) قال المحقق: هذه الخدمة يقوم بها الأمراء والعظماء وغيرهم من أعيان 
المسلمين في زيارتهم للرسول - عليه الصلاة والسلام - ولا تكون إلا بتصريح 
من شيخ الفراشة النبوية الذي يصدر فرماناً لمن يتشرف بالانتظام في سلك هذه 
الخدمةء ومن عادة هؤلاء الأمراء أن ينيبوا عنهم في أثناء المدة التي يكونون 
بعيدين فيها عن المدينة أناساً من أهلها يقومون بأدائها عنهم في مقابل مرتب 
يرسلون به إليهم سنويا. 

(9) الإيقاد على القبور منهي عنه في الشرع الإسلامي الحنيف . 


الرضلة التمجازية 





-© 


[459] ولقد سعدنا بالدخول في معيته السنية إلى هذه المأمورية 
الشريفة غير مرة» فكنا قبل صلاة المغرب ندخل من باب في غربه إلى 
الحجرة الشريفة بقدم مُتلمّس» وطرف منخفضء, وقلب خافق» وفؤاد 
مضطرب» ومثال متأدب» وروح ينكمش خضوعاًء ونفس تذوب 
خشوعاًء وحشاشة تتصبب دموعاًء وألباب ترفع لأعتاب ذلك الجناب 
آيات السلام» بكل إجلال وإعظام . 


وبعد تأدية ما يسره الله - تعالى - من شرف الخدمة» نخرج من 
باب في الجهة الشرقية إلى حجرة السيدة فاطمة ‏ رضي الله عنها وبعد 
أن نقرأ ماتيسر من القرآن نبارح المكان» والجنان واللسان لا يستطيعان 
تصوير ما كان» وغاية ما كنا نشعر به عقب هذه الزيارة. إنما هو قوة 
تجددت فى روحنا الذي امتلاً سروراً وحبوراًء» وراحة تمددت فى 
وجودنا كنا ترى فيها كل يمن وسعادة» وفي يوم الغلاثاء بعد صلاة 
الفجر في الحرم الشريف أدى الجناب العالى خدمته بالحجرة الشريفة. 
ثم قصد زيارة البقيع وهو مقبرة المدينة» فابتدأ بزيارة قبة سيدنا عثمان 
ابن عفان وهي في الشرق. ثم قبة سيدنا الإمام مالك وهي في وسطهاء 
ثم قبة سيدنا إبراهيم ابن النبي كلد ثم قبة زوجات الرسول عليهن 
رضوان الله ثم قبة'' سيدنا العباس وسيدنا الحسن بن علي في الزاوية 
القبلية الغربية بالبقيع» وهي أفخم القباب الموجودة”© به» ومقصورة 


() قال المحقق: بجوار هذه القبة بطل القوقاز الشيخ شامل الذي توفي سنة 
آأاه. 


(1) بناء القباب على القبور منهيى عنه شرعاً. 


المختار من الرحلات الحجازية 





سيدنا الحسن فيها فخيمة جداً؛ وهى من النحاس المنقوش بالكتابة 
الفارسية» وأظن أنها هن عمل الشيعة الأعجام. ثم زار ‏ حفظه الله - 
كثيراً من قبور الصحابة والتابعين والصالحين. 


وبعد الظهر زار التكية المصرية وأثنى على مأمورها لما رآه من 
حسن نظامهاء ثم ركب حفظه الله - وقصد دار الحكومة العثمانية ليرد 
الزيارة إلى سعادة محافظهاء فاستقبل بما يليق بمقامه العالي من مظاهر 
الإجلال والإعظام . 


وفي يوم الأربعاء بعد صلاة الفجر وأداء الخدمة في الحجرة 
الشريفة قصد الجناب العالي زيارة مسجد قباء مع بعض رجال معيته 
السنية» ثم عاد حفظه الله - قبيل الظهر إلى المسجد الشريف فصلى 
الظهر فيه» ثم رجع إلى مخيمه وأمضى بقية النهار في استقبال زائريه 
من رؤساء المدينة وأعيانها . 


وفي يوم الخميس أدى الخدمة على حسب عادته» ثم قصد زيارة 
سيدنا حمزة» وكان السيل قد قطع طريقه على زائريه» ولكن ذلك لم 
يوقف همة جنابه العالي عن تنفيذ عزيمته» فدفع بجواده في الماء الذي 
كان على ارتفاع نحو مترء قاصداً عم رسول الله كَلهِ فحظى بزيارته» 
ووصل إلى بغيته» ولا غرو فعزائم الملوك ملوك العزائم . 

وفى يوم الجمعة بعد أداء جنابه السامي خدمته بالحجرة الشريفة 


صباحاً رجع إلى المعسكر الخديوي». واستمر إلى قبيل الظهر في 
استقبال زائريه . ثم قصد الحرم الشريف لصلاة الجمعة» وبعدها زار 


الرحلة الحجازية 





05 - 
دولة الوالدة» ثم قصد منزله الشريف وأمضى يومه في توزيع 
الصدقات» وإسداء الإحسانات» والنظر في ترتيب المرتبات لذوي 
الحاجات» من أهل المدينة والمجاورين» مصريين وغير مصريين . 

وكان في أثناء ذلك يصدر أوامره الكريمة بتجهيز حملة ركابه 
العالي للسفر إلى تبوك في اليوم التالي» وبالجملة فقد كان حفظه الله 
مدة إقامته بالمدينة محط الامال. ومكان الإعظام والإجلال» من جميع 
الطبقات . 


[600] وكانت موسيقى المحافظة الحربية تحضر يومياً نهاراً وليل 
أمام الصيوان الخديوي وتشنف الأسماع بنغماتها الشجية . 


الخرم العدتي 


وهو مسجد النبي ييه واقع في وسط المدينة بميل إلى الشرق». 
وهو لطيف الشكل» جميل المنظرء على هيئة مستطيل» متوسط طوله 
من الشمال إلى الجنوب مائة وستة عشر مترأً وربع» وعرضه من الشرق 
إلى الغرب من جهة القبلة ستة وثمانون متراً وخمسة وثلاثون ستتيمتراء 
ومن جهة الباب الشامي ستة وستون متراً. 

]8651١[‏ ومما ينبغي الإشارة إليه أننا صلينا الجمعة في المسجد 
النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والتحية» وكان الزحام شديداً» وبعد 
أن زار الخطيب المقصورة الشريفة» صعد المنبر ومال إلى جهة اليمين 
- أعني إلى المقام الأشرف الأقدس النبوي - وبعد أن سلم بغاية 
الأدب» حمد الله وجعل خطبته كلها مبنية على سرد كثير من الأحاديث 





الشريفة في موضوع الحج والزيارة» وضرورة توحيد القلوب» وتقوية 
الوصلة والرابطة بين أفراد المسلمين» وكان يستند فى نصائحه على 
أحاديث نبوية: فكان يقول مثلاً ورد عن فلان عن فلان عن نبيكم هذاء 
ويشير بيده إلى الحجرة الشريفة» ثم يسرد الحديث فكان لخطبته تأثير 
على القلوب لا يمكن تكييفه ولا توصيفه . 


ويوجد بالحرم النبوي للخدمة فيه نحو ألف نفس منهم 65 
خطيباً» يتولى الواحد منهم خطبة الجمعة مرة واحدة في السنة» طبقاً 
لترتيب مخصوص لا يتعدونه ولهم وكلاء كثيرون يتناوبون الخطبة عند 
غياب الخطيب. و8” إماماً و57 مساعد إمام يتناوبون الإمامة في 
الصلاة و00 موؤّذناً و77 مساعد مؤذن» و١0‏ كناساًء و١١‏ بواباً» و5 
صائغاً وحاجباً وخياطاً وخلافهم. و١٠‏ سقائين» و؛ ملائين» و١٠07‏ 
لغسيل وتنظيف وتعبئة قناديل الحرمء أما الذين يقومون بحراسة 
الحجرة الشريفة والخدمة فيها فهم الأغوات . 


[657] والحرم مفروش بأنواع السجاد العجمي الثمين» وبالجملة 
فهو أية من آيات الله في نظافتهء ولطافته» وحسن بهائه وروائه» حتى 
أن الذي يدخله لا يود أن يبارحه مطلقاًء» وله خمسة أبواب: باب 
السلام» وباب الرحمة في الغرب» والباب المجيدي في الشمال. 
وباب النساءء وباب جبريل (أو باب البقيع) في الشرق» وتقفل هذه 
الأبواب كلها بعد صلاة العشاء إلى قبيل صلاة الفجر. 


الرحلة الحجازية 





ويوجد بجوار باب الرحمة وباب السلام من الخارج حنفيات 
للوضوء . 

وفي سنة ١777‏ بنى السلطان محمود''' القبة الشريفة» ثم أمر 
بترميمها ودهنها باللون الأخضر في سنة 505؟١١هء‏ ومن ثم سميت 
اليه اللخضيراء. 

وفى سنة ١117١‏ أمر السلطان عبدالمجيد خان'' رحمه الله 
بعمارته والزيادة فيه إلى الشمال. فكان ذلك وتمت عمارته على ماهي 
عليه الآن» ووشاه بالنقوش والزخارف التي تفوق حد الوصف». وكتب 
على جداره مبتدثاً من باب السلام إلى الشرق سورة الفتح» وفي السطر 
الذي تحته سورة أخرى بخط أرفع منه» ومن تحته سطر آخر أصغر من 
الذي فوقه فيه أسماء النبي كَل وقصيدة البردة مكتوبة في محيط قباب 
المسجد. كل ذلك مكتوب بخط غاية في جماله وحسن تنسيقه وكمال 
وضعهء وحسبك أنه أثر ذلك الخطاط الشهير المرحوم عبدالله بك 


)١(‏ هو السلطان العثماني محمود خان الثاني بن السلطان عبدالحميد الأول» كان قد 
أدخل كثيراً من النظم الغربية والقوانين ومزجها بنظام الدولة العثمانية» ولكنه لم 
يجن من عمله هذا كبير فائدة بل العكس هو الصحيح» ولو أبقى نظم الدولة 
على الاسلام وارتقى بها في مدارج المدنية والحضارة مستفيداً مما وصل إليه 
الغرب لكان خيراً لهء وواصل ابنه عبدالمجيد هذا العمل من بعدهء وفي 
عهديهما فقّد الدولة العثمانية كثيراً من أراضيهاء ولد سنة 2١١949‏ وتوفى سنة 
06 . انظر أخباره مفصلة في «تاريخ الدولة العلية العثمانية» : 2.4044 

(0) هو ابن السلطان محمود السالف الذكرء ولد سنة »١777/‏ وتوفى سنة ل/ال2111 
وكان قد واصل بعض الإصلاحات التي أرادها أبوه» انظر المضدر :المابق : 
6غ - 0784. 





م 


زهدي الذي أوفده السلطان عبدالمجيد إلى المدينة لهذه الغاية ومكث 
فيها بضعاً وعشر سنين يعمل في بيت رسول الله بما آتاه الله من إحكام 
في صناعته ونبوغ مهنته» وقد ورد أن هذه العمارة صرف عليها نحو 
مليون ليرة عثمانية» وليس هناك أثر يذكر لمن بعده من الملوك سوى ما 
أدخل إليه من أسلاك النور”'' الكهربائي في زمن السلطان عبدالمجيد. 
وابتدأت الإنارة به في الحرم الشريف رسمياً في يوم الاحتفال بافتتاح 
السكة الحديدة الحجازية بالمدينة المنورة في 6 شعبان سسمنة 
اه 


والمقصورة الشريفة من نحاس أصفر غاية فى حسن الصناعة . 


[:85] ويوجد فيها شمعدانات من الذهب الخالص المرصع 
بالجواهر الكريمة» منها اثنان كبيران طول الواحد منها نحو مترين » 
أهداهماإليها السلطان عبدالمجيد خان في سنة أربع وسبعين ومائتين 
وألف». وشمعدانان آخران أهداهما السلطان محمود» وإلى جانب هذه 
الشمعدانات مكانس من اللؤلؤء ومراوح مرصعة بالأحجار الكريمة. 
ومباخر مرصعةء. وهذا عدا ما يوجد في خزائن الحجرة الشريفة التي لم 
تكن مشغولة» وغير ذلك من الأسوار والأقراط وخلافهاء وبالجملة 


)١(‏ قال المحقق: ومدة زيارتنا للمدينة كان الحرم مناراً بالزيوت و الشموع على 
عاداته؛ لأن المهندس الكهربائي المخصص لمباشرة الآلة التي تنير الحرم كان 
أصيب منها بما أفقده الحياة فأوقف عملها إلى أن يستحضر لها مهندس آخر من 
الآستانة!! 
قلت: أي من اسطنبول . 


الرحلة الحجازية 





-© 


فقد قدر ثمن ما للحجرة الشريفة من الذخائر سبعة ملايين من 
الجنيهات . 


ولقد كانت الملوك والكبراء والعظماء يهدون لها في كل الأزمان 
كثيراً من الجواهر الفاخرة والذخائر الثمينة» وكثيراً ماكانت تتطاول 
إليها يد الأشرار من ولاة المدينة . 


وأهداها عباس باشا الأول شمعدانات من الفضة وثريتين 
(نجفتين) من الفضة: واحدة ذات 7١‏ شمعة معلقة في المحراب 
العثماني» والأخرى ذات ثلاثين شمعة معلقة تجاه الوجه الشريف» 
وثريات وشمعدانات أخرى من البلور» ولسعيد باشا”'' وبعض كريمات 
العائلة الخديوية بالحرم الشريف هدايا أخرى. وآخر ما قدم للحجرة 


(0) هو عباس باشا بن طوسون بن محمد على» ثالث الولاة من أسرة محمد علي 
تحصو :ولناسكة 1151 يجذة »ونه ضير ء اتزلى: السك ,بعد يرقاة ا غفة [إراعت 
باشا في أواخر سنة ١١17754‏ كان شديد الكره للأوروبيين حذراً من دسائسهم. 
أنجد العثمانيين بخمسة عشر ألف مقاتل في حربهم مع الروس المعروفة بحرب 
القَرْم» وفي أيامه أنشئت المدرسة الحربية في القاهرة» وبوشر بإنشاء السكة 
الحديدية بين القاهرة والإسكندرية» ونفى السحرة والمشعوذين إلى السودان. 
وأخذ عليه إغلاق عديد من المعاهد والمدارس وإهمال المصانع» فقتلته عمته 
لخلاف بينه وبينها على ميراث سنة ١717١‏ رحمه الله تعالى. انظر: «الأعلام»: 
70 . 
(؟١)‏ محمد سعيد باشا بن محمد على الكبير»ء من ولاة مصر. ولد سنة ١9‏ 
بالإسكندرية» وتعلم في مدارس القاهرة» وولي مصر بعد وفاة عباس الأول سنة 
» وبنيت في أيامه مدينة بورسعيد فمسيت باسمهء ومنع الاتجار بالرقيق 
بمصر سنة 117177. توفي ودفن بالإسكندرية سنة .١1774‏ انظر «الأعلام»: 
.١125١ 6/5‏ 


المختار من الرحلات الحجازية 





م 


الشريفة لهذا العهد دواليب ثمينة جداً قدمتها إليها دولة والدة الجناب 
العالى الخديوي لتحفظ فيها هذه الآثار الكريمة»ء جزاها الله خيراً"''. 


وخدّمة الحجرة الشريفة يغسلونها في السنة ثلاث مرات في 
يوم؟ ربيع الأول» والثانية في أول رجب. والثالثة في الثامن عشر من 
ذي القعدة» ويكون لذلك احتفال كبيرء وماء غسيلها يفرقونه في 
قوارير على أكابر المسلمين للتبرك به"'*. 

المدينة المنورة 

[855] المدينة مبنية فى وسط واد شاسع يمتد إلى الجنوب» 
وأغلب مبانيها من الحجر المجلوب إليها من المحاجر القريبة منها. 

وفيها نحو ١١‏ ألف بيت. وشكل الأبنية فيها هو بعينه مارأيناه 
بمكة وجدة لولا أن منازلها أصغرء وشوارعها أضيق وخصوصا ما كان 
منها حول الحرم الشريفء. وكان يجب أن يكون حوله ميدان متسع 
يساعد على تنقية جو المدينة من جهةء وعلى سهولة الوصول إلى 
الحرم من جهة أخرى. وأحسن شارع في المدينة غرب الحرم. 
ويسمونه بحارة الساحة وهي أطول حاراتهاء وفيها أحسن مبانيهاء وبها 
مكان المحافظة في قلعة على السور الداخلي . وأغلب حارات المدينة 


)1١(‏ كان هناك كلام كثير عن جدوى بقاء هذه الثروة في الحجرة الشريفة» وكان من 
الأجدى على الإسلام والمسلمين أن تنفق على الجهاد والفقراء والمساكين» 
وسبق في رحلة «مراة الحرمين» كلام جيد في هذا الباب. 

(6) لا يتبرك إلا بالاثار الثابتة عن رسول الله كَل كما كان يصنع الصحابة رضي الله 
تعالى عنهم . 


الرحلة الحجازية 





يسمونها - لضيقها - أزقة . 

وعلى كل حال فحارات المدينة نظيفة» وضيقها يساعد كثيراً على 
تلطيف الحرارة فيها زمن الصيف. كما هو الشأن في أغلب بلاد 
الشرق. 


[851] وسوق المدينة يبتدى من الباب المصري إلى الحرم 
الشريف في شارع ضيق طوله 20١‏ متر تقريباً يقطعه على المارة تقابل 
جملين فيه مع بعضهماء والحركة فيه تكاد تنحصر في مدة الحج. 
والموسم الرجبّي. وهو موسم الزيارة الرسمية في بلاد العرب . 

[84017] وتجارة المدينة مدارها على وارداتها الخراجية» لا سيما 
واردات جاوه والهند والشامء» وعلى الخصوص الأقمشة القطنية 
والصوفية والحريرية والسبح والليف الأبيض والحناء والبسط 
والسجاجيد والحنابل العجمية والهندية والمغربية والأناضولية. 
وأثمانها أغلى منها في مكة بل وفي مصرء وإنما ابتياع الحجاج لها 
على سبيل البركة وسهولة الصرف في هذه الجهات . 

[854] وتجارة البلح فيها هي أكبر التجارات وأوسعها لأن 
ضواحيها فيها كثير من البساتين» وفيها نخيل كثيرة تنتجح نحو سبعين 
صنفاً من التمر وأحسنها البلح العنبري» ثم الجلبي0"©. ثم السكري 
وهو أكثرها حلاوة» ثم بلح السّبّح» ويكثر نخله في جهة الخيف بين 


المختار من الرحلات الحجازية 








- :م 
المدينة والحمراء؛ وكيفية تجهيزه هي أن يُنظم في خيط ثم يلقى به في 
الماء المغلي زمناً ماء ثم يجفف في الشمس» ولقد اشكرينا مه شينا هرد 
دكاكين أقيمت خارج الباب المصري بالمناخة» وكان البائع يروج 
تجارته بأحاديث يسردهاء وينسبها إلى النبي يكَكِهِ في مدح بعض أنواع 
البلح المتقدمة» فعجبت من أن القوم لا يستحون من الكذب على 
رسول الله حتى وهم بين يديه الشريفتين» وقلت له: ياهذا: إنا نشتري 
منك بلحاً لا أحاديث» وأريته أن مصيبة المسلمين أساسها الجرأة في 
التقول على الله ورسوله!! فاعتذر الرجل بجهالته قائلاً: إنه أخذ هذا 
عن غيره من الباعة السابقين أو بعض المتمشيخين» ويبيعون البلح 
بالكيلة» والسمن يبيعونه بالرطل . 


[6541] وفي المدينة كتبخانات”('2 كثيرة أحسنها كتبخانة شيخ 
الإسلام عارف حكمت”"“» وهي قريبة من باب جبريل إلى جهة القبلة. 
وهذه الكتبخانة آية في نظافة مكانها وحسن تنسيقها وترتيب كتبها. 
وأرضها مفروشة بالسجاد العجمي الفاخر. وفي وسط حوشها نافورة 
من الرخام فيها حنفيات للوضوء» وفيها كتب ثمينة جداً عددها 51١5‏ 


)١(‏ أي مكتبات. 

030 هو أحمد عارف حكمت بن إبراهيم بن عصمت باشا ينتهي نسبه إلى الحسين بن 
على رضى الله عنهماء ولد سنة »٠٠٠١‏ قاض تركي المنشأء مستعرب» اشتهر 
بخزانة كتب عظيمة فى المديئة المنورة. تقلد قضاء القدس ومصر والمديئة 
المنورة ثم صار نيت الإسلام في الأستانة سنة 2١١57‏ وأقيل سنة ١/ا؟١١2‏ 
فاتكب على المطالعة والعبادة حتى توفي سنة ١١10‏ . له نظم بالفارسية والتركية 
والعربية وله كتب بالعربية. انظر: «الأعلام»: .١51١/1١‏ 


الرعلة احجان ٠‏ 
كتاب». ولقد رأينا بها شيئاً من غرائب الصناعة النادرة في بابها» وهو 
كتب أشعار فارسية مكتوب بالخط الأبيض الجميل لملا شاهى . 





[85] وبينا نحن نعجب من جودة الخط وإتقان الصناعة ونظافتها 
وحسن تنسيق حروفها على صغرها ودقتهاء لفت نظرنا حضرة مدير 
الكتبخانة إلى أن حروف الكتابة إنما هى ملصوقة على الورق» فتأملناها 
فوجدنا شيئاً يبهت الطرف لرؤيته ويعجز اللسان عن نعته»ء خصوصاً 
عندما أخبرنا أنهم كانوا يكتبون هذه الكتابة ثم يفصلونها عن ورقتها 
بظفرهم ثم يلصقونها على ورقة أخرى! ! 

4505 كتاب وهي وإن كانت أصغر من كتبخانة عارف وأقل منها نظاماً 
إلا أنها جميلة ومرتبة . 

وفيها كتبخانة السلطان عبدالحميد الأول2'0 بها ١15064‏ كتاب . 

وفيها أيضاً كتبخانة بشير أغا('؟ فى زقاق الخياطين بها ٠١57‏ 
كتاب . 

وقد بلغنى أن هناك كتبخانات أخرى منها واحدة فى رباط عثمان 
(0) هو السلطان العثماني عبدالحميد خانء ولد سنة »١١78‏ وتولى السلطنئة سنة 

1 »؛ ومكث فيها ستة عشر عامًء حدثت في عهده حروب بين الدولة 

العثمانية وروسياء توفي سنة 7١١٠١ء‏ انظر ترجمته في "تاريخ الدولة العثمانية 


العلية» لوبراهيم حليم : اما ا كذرا. 





- م 


حافلة بنفائس كتب مذهب مالك» ويقدر مجموع هذه الكتب بثلاثين 
ألف كتاب من الكتب النادرة المثال» ولو جمعت كل هذه الكتب في 
دار واحدة وعمل لها نظام مخصوص لكان ذلك أنفع والفائدة منه 
5-0 

[871] وفي المدينة جريدة اسمها «المدينة المنورة» تصدر باللغة 
التركية والعربية كلما كان هناك داع لصدورهاء وكانت تصدر مدة 
وجود الجناب العاليى شارحة حركاته اليومية» وناشرة كل ما كان يقدم 
لذاته السنية من المدائح نظماً أو نثراً. 


[457] وليس في المدينة من المدارس ما يستحق الذكر إلا أن 
فيها ١١/‏ مكتباً لتعليم مبادىء العلوم البسيطة. والذي يدرس في الحرم 
شيء بسيط من الفقه والتفسير . 

وفي المدينة حمامان تركيان أحدهما داخل المدينة : وهو من عمل 
السلطان سليمان القانوني» والثانى بالمناخةء وفيها 8 تكايا أهمها 
اليه المصريةة .والناتى سيوتها رناطات» ايا دريات قليلة لاضن 
بحاجة من يسكن فيها من الفقراء والمعوزين . 

[87] وأهل المدينة يبلغ عددهم ستين ألفاً منهم كثير من 
المجاورين الأجانب» وأكثرهم من الهنود والأتراك والشوام والمغاربة 
والمصريين . 


[:85] ولكبار أهل المدينة مرتبات من الدولة. ولكثيو منهم 
مرتبات من الحضرة الخديوية. وأغلبهم يعيش من وراء خدمة الحرم 


الرحلة الحجازية ظ 





-© 


وخصوصاً في الموسم. ومنهم كثير من المرشدين إلى محال الزيارة 
ويسمونهم مزورين» وهؤلاء يؤدون في المدينة وظيفة المطوفين في 
مكة» ومنهم من يعيش على التجارة البسيطة» والمصريون يتجرون في 
الحبوب كالقمح والعدس. 


وأهل المدينة يعبرون عن الجهات بالشام للشمال» والبحري 
للغرب - لأنه إلى جهة البحر ‏ والشرقي للشرق» والقبلي للجنوب - 
لأنه جهة القبلة - ومنهم أخذ المصريون هذه التسمية واستعملوها في 
غير محلها في إطلاق القبلي على الجنوب, لأن القبلى عندهم إنما هو 
الشرقي الجنوبي كما لا يخفى. ‏ 


[8745] ومن عادات أهل المدينة الرياضة والتنزه فى البساتين 
خارج المدينة ؛ فيخرجون إليها في يوم الغلاثاء والجمعة بعل صلاة 
العصر جماعات جماعات ويعودون فى المساء»ء وقد يخرجون إلى هذه 
البساتين التي بضواحي المدينة في سرور وحبورء ويسمون هذه الفسحة 
مقيالاً . 

[811] ومن عاداتهم استقبال الزوار من خارج المدينة من غير 
اللازم لهم. ويقفضي مذة إقامتهم في المدينة وهو في خلمتهم بصدق 





م 


كل حال إلا أقل مما يجب بالنسبة لهم . 


[لاكم ا ومن أكمك عاداتهم أن ربة المنزل مهما بلغ شأنها هي التي 
تشتغا بداخلء أ وتقوم بطهي الطعام بنفسها ولا تباشر ذلك إلا وهي 
على وضوء تام . 


[874] ومن عاداتهم في مواليدهم أن الطفل إذا مضى عليه 
أربعون يوماً غسلوه ونظفوه وألبسوه ملابس جميلة بيضاءء وبعد أن 
يعطروه يأخذه أهله ‏ وهم في أحسن زينة لهم إلى الحجرة الشريفة. 
فيأخذه الخدمة ويضعونه فيها ويغطونه بستارتها ثم يدعون له بخيرء 
وبعدها يسلم الولد إلى أمه فتأخذه فرحة هاشة باشة . 


[454] ومن عاداتهم أنهم لا ينوحون إذا مات لهم ميت ولا 
يبكون» بل يأخذونه ويدخلون من باب الرحمة حتى يصلوا به إلى 
الحجرة الشريفة» فيصلون عليه ثم يخرجون به من باب جبريل إلى 
البقيع» فيدفنونه مكبرين مصلين على الرسول؛ وهنالك يقف صاحب 
الميت على باب الجبانة يعزيه الناس» وهي عادة قديمة . 


[4170] ومن عاداتهم في شهر رمضان أنهم يتوجهون إلى الحرم 
قبل المغرب بنحو ساعة ويجلسون حول الحجرة الشريفة» ويمضون 
بقية نهارهم في قراء القرآن الشريف والذكر والصلاة على الرسول كَل 
فإذا ضرب مدفع الإفطار يكون حضر لكل واحد منهم صينية فيها إفطار 
خفيف كالفطير والجبن والزيتون والبلح والحلوى وما أشبه ذلك. 
فيفطر كل منهم مع من يدعوه إلى طعامه من الغرباء؛ ثم يعطي بقية 


الرحلة الحجازية 





| 0:4 / 

أكله إلى مَن هنالك من الفقراء» ويقضون في هذه الفترة نحو ربع 

ساعة» وبعدها تقام الصلاة فيصلون المغرب ثم يعودون إلى منازلهم 
مع من يصادفهم من الضيوف» فيتعشون . 

[81/1] ثم يعودون إلى المسجد لصلاة العشاءء وبعدها تبتدىء 
صلاة التراويح» فينقسم المصلون إلى خمسين أو ستين جماعة» لكل 
منهم إمام مخصوصء» يضعون في مقابلته شمعدانين بهيئات مختلفة 
يدل كل واحد على ما إذا كان الإمام يطول في صلاته أو يتوسط أو 
يقصرء فيصلي كل إنسان وراء من يريدء وبعد ختام التراويح يجري 
احتفال الشمع؛ ذلك أنهم في رمضان يخرجون ما في خزائن الحجرة 
الشريفة من الشمعدانات الذهبية والفضية فيستعملونها أمام هذه الأئمة ‏ 
كما بين وبعدالصلاة يعيدونها إلى الحجرة الشريفة باحتفال كبيرء 
ويتشرف بحمل هذه الشمعدانات من يحضر من الأمراء والأعيان بدعوة 
خصوصية ترسل إليهم من شيخ الفراشة النبوية . 

[4/7] أما صلاة العيد فيصليها في المسجد النبوي إمامان 
بجماعتين واحد شافعي والثانيى حنفي». وبعد الصلاة يتشرف الجمع 
بزيارة السيد الرسول». ثم يعودون إلى منازلهم ويقضون أيام العيد في 
تراور وسرور وحبور. 

[817] وكانت المدينة في القرون الثلاثة الأولى للهجرة في غاية 
الرقيّ الأدبي والمادىّء وكانت بساتينها تملا الفضاء المحيط بها وعلى 
الخصوص من الشمال والشرق والجنوب». وكان للقوم بها رياض 





- م 


زاهرة. وفصور فاخرة. في وادي العقيق الذي كان يغرر ماوّه. ويبهر 
رواؤه» وتزهو أرجاؤه. ويكثر زهره. ويفوح عطره. ويجنى ثمره. 
ومازالوا فى رفاهة هذا العيش حتى إذا ضعفت الخلافة فى مبدأ 
القرن الرابع الهجري انقطعت أعطياتهم فتغير حالهم» وانقشعت سحابة 
رفههم» وسبحان من لَه الدوام. وضعفت المدينة بضعف الخلافة 


العربية . 


وأما سورها الخارجي فليس بذي أهمية تذكرء وهو مهدم في كثير 
من جهاته. وفيما بين السورين ‏ يعني فيما بين الباب المصري وباب 
العنبرية ‏ واد كبير متوسط عرضه 1 متر يقال له المناخة» وسميت 
بذلك لأن أغلب الحجاج ينيخون جمالهم فيهاء ويقيمون بها مدة 
الزيارة» وفيها مقام ركب المحمل المصري مدة وجوهه بالمدينة. 

[/41] وحول المناخة» من جهتها الخارجية» أبنية كثيرة أحسنها 
ما كان على الشارع العمومي» وهو شارع محطة السكة الحديدية. 
ويسمى الان بالشارع الرشادي» وفيه التكية المصرية» ولها مرتبات من 
مصرء وتعمل بها الشوربة يومياً للفقراء على النظام الذي تقدم في تكية 
مكة . 

[41/0] وللمدينة ثمانية أبواب» وتقفل أبواب المدينة فى وجه 
الزائرين من الحجاج إذا تحقق أنهم ملوثون بالوباء» ولكنهم يفتحون 
لهم طريقاً من الباب المجيدي إلى باب الحرم» فيزورون ويسافرون 
بعد يوم أو يومين على الأكثر بقوافلهم التي يجب أن تكون مخيمة 


الرحلة الحجازية 





-© 


خارج البلدء وبذلك ترى أهل المدينة على الدوام بعيدين عن الأوبئة 
بالمرة» ولكنهم في هذه الحالة لا يفتحون للحجاج إلا باب واحداً من 
الحرم» فيتراكم بعضهم على بعض ويزدحمون في الطريق الموصل إلى 
هذا الباب حتى إذا وصلوا إليه أخذوا يتدافعون للدخول إلى المسجدء 
وهناك يجدون مئيناً ممن في داخله متدافعين للخروج منهء فتلتحم 
القوتان» ولا يزالون حتى يظهر فريق منهم على الآخرء فيهجمون 
عليهم ويطأونهم بأقدامهم ويموت من جَرّاء ذلك خلق كثير كما حصل 
سنة 1176هء وعليه فيجدر بمشيخة الحرم في مثل هذه الأحوال أن 
تجعل باباً من الحرم للداخلين وآخر للخارجين وبذلك يتوفر عليها 
وعلى الناس مثل هذه المشقة. 


[477] ومناخ المدينة صحي جداً وربما كان ذلك من الأسباب 
التي ساعدت على رقة أهلها ولطافة أمزجتهم التي إذا أضفت إليها 
ماهم عليه غالباً من الصلاح والورع والأدب وحسن المعاشرة» حكمت 
لهم بأنهم أحسن أهل بلاد العرب على الإطلاق في مكارم الأخلاق» 
وليس ذلك بعجيب فمجاورتهم للسيد الرسول كَلْخِ أكسبتهم كثيراً من 
أخلاقه الكاملة» على أن من يفكر في أن الرسول ‏ عليه الصلاة 
والسلام ‏ إنما اختص أهل المدينة بالهجرة إلى بلدهم يحكم حكماً 
قطعياً بأن مكارم الأخلاق فيهم من زمن بعيدء وقد زادها الإسلام 
جمالاً على جمالها وكمالاً على كمالهاء وحسبك أن السيد الرسول ب 
بعد أن أدى مأموريته من إظهار الدعوة ونشر راية الدين الإسلامي 
وتقوية دعائمه ‏ بحال لا يدخل معها الوهن إلى أي جانب من جوانبه - 





أظهر في حجة الوداع أنه لا يريد الموت إلا بين ظهراني الأنصار الذين 
الطريق إلى الحرمين في غابره وحاضره 
ولقب الحاج عند عامة المسلمين 
[41/1] كانت طريق الحجيج إلى بيت الله الحرام كلها مشقات 
وأخطار في الزمن السابق بما كانت تلقيه يد الطبيعة''' في سبيلهم من 
الشدائد الطبيعية التى كانت تفتك بسوادهم في الطريق من حر الصيف 
وق الشتاء» أو جفاف ماء الآبار فى هذه الصحراء المحرقة» وما كان 
يدهمهم فيها من السيول التي أشد ما حصلت في سنة ١١95‏ حيث 


[41/4] وعدا هذه الشدائد الطبيعية فكثيراً ماكانت توقع بهم يد 





أشرار الأعراب» وأقسى ما وقع لهم في سنة ؛ وكان أمير الحاج 
المصري أمسك بعض لصوص الحرب في طريق المدينة ووسمهم 
بالنار على خدودهم. فصرخت صرختهم وتلاحقت به قبائل حرب 
وحملوا عليه فهرب مع عسكره ووقعت الحجاج بين أيديهم فأفنوهم 
عن آخرهم وأخذوا ماكان معهم من سلب وذخيرة . 

وكثيراً ما كان تجاذب السلطة بين أشراف مكة وبعضهمء أو 
حربهم مع قبائل الأعراب» أو اختلاف أهل مذهب مع أهل مذهب آخر 


)١(‏ هذا تعبير أدبى» ونسبة الأمور إلى الله أدق وأليق. 


الرحلة الحجازية 





01 


يقفل في وجوه الحجاج أبواب مكة والمدينة بعد وصولهم إلى هذه أو 
تلك فيرتدون عن الأولى من غير تأدية المناسك وعن الثانية بدون زيارة 
السيد الرسول» ويعودون إلى بلادهم وقد أضافوا على متاعبهم الأولى 
مشقات جديدة تزيد في شدتهم عليهم آلامهم المعنوية ومن حرمانهم 
من أمنيتهم فتضعف قواهم وتخور عزائمهم» وغالباً ماكانت تشتتهم يد 
الفوضى وتعرض بهم حال الضعف إلى جانب النهب و السلب . 


[674] كل ذلك كان يحصل لحجاج بيت الله الحرام والناس لا 
يمنعهم عنه مانع ولم يُسمع أنهم انقطعوا عنه من أنفسهم في سنة من 
السنين» ولم يُسمع بأن المسلمين أهملوا هذا الواجب مطلقاً ولم يقف 
أحد منهم بعرفة من مبدأ الإسلام إلى الآنء إلا في سنة 105 التي لم 
يحج فيها أحد للفتنة التي كانت بين الأشراف على إمارة مكة. 


[88] لذلك كانت الحجاج إذا طلعوا إلى أداء هذه الفريضة 
كانوا أول ما يستعدون على سلاحهم كأنهم سائرون إلى دار حرب لا 
إلى دار قد أمن الله فيها حياة الإنسان والحيوان بل وحياة الأشجار. 


[881] فإذا عادوا إلى بلادهم استقبلهم أهلوهم وذووهم بالطبول 
والزمور فيقيمون لهم الأفراح والليالي الملاح بعد أن يعدوا لهم كل ما 
فيه راحتهم ورفههم من نقش الدور وتجديد ما قدم عهده فيها من فرش 
وغيره لا فرق في ذلك بين أمير أو فقير» وكانت الطبقة الصغرى ‏ وهي 
سواد الحجاج وأكثرهم مشقة طبعاً - تَرّوّقَ لهم وجهات منازلهم؛ 
فيرسمون عليها صورة المحمل وقافلته وحرسهء ويرسمون إلى جانبه 





نخلة قد ربط إلى جذعها سبع وضبع في سلسلتين من حديد ويمرب 
منهما رجل قد أشهر معيفه في يده إشارة إلى أن صاحبنا ‏ حفظه الله - 
تغلب بقوته وشجاعته على ما صادفه في طريقه هذا من المخاطر 
والمهالك:. 

[87] لذلك كان ولا يزال لقب الحاج عند سواد المسلمين 
أشرف الألقاب التي يتجلى بها صدر أسماء الطبقة الصغرى . 


[885] على أن طريق الحاج أصبح اليوم أقل صعوبة منه في 
أمسهء لذلك ترى الحاج في عودته يستقبل بأبسط مما كان يستقبل به 
في الزمن السابق» وقليلاً ماتراهم بمصر يرسمون شيئاً على دور الطبقة 
الفقيرة» اللهم إلا محملاً يسير في جنده وإلى جانبه مركب بخارية أو 
قطار سكة حديد مما لا شيء فيه من معاني المشقة التي كان يصادفها 
الحاج في طريقه في الزمن السابق» وفي الحقيقة فإن طريق الحاج اليوم 
أقل صعوبة وأكثر أمناً منه بالأمس» بل لا نسبة بين الحالتين بالمرة. 
مادام طريق الحرمين أصبح محل اهتمام دولتنا العليا فلا بد أن يأتي يوم 
قريب يتذلل ما بقي فيه من الصعوبات» خصوصاً إذا تحقق خبر تسيير 
الطريق الحديدي بين المدينة ومكة» وبين هذه وجدة» والله الهادي إلى 


جراء السيدا.. 


سفر الجناب العالي من المديئة إلى مصر 





العالى سفره فيه من المدينة المنورة إلى تبوك قصد ‏ حفظه الله الحرم 


الرحلة الحجازية 








الشريف» وبعد صلاة الصبح أدى خدمته في الحجرة الشريفة» وزار 
زيارة الوداع» ثم قصد المحطة التي اكتظت رحباتها بجموع الأعيان 
والأشراف والمأمورين الملكين والعسكريين وفي مقدمة الكل حضرات 
ومدليره وسعادة رضا باشا محافظ المدينة المنورة. فصافحهم ‏ حفظه 
الله واحداً واحداًٌ وركب صالونه الخصوصي» شاكراً لهم ما لقيه من 
أدبهم ولطف أخلاقهم أثناء إقامته بالمدينة . 


ثم تحرك القطار فى شروق الشمس تماماً قاصداً تبوك» بين 
طلقات المدافع وعزف الموسيقى وهتاف الأهالي . 


بساعتين , وفد ركب فيه نحو خمسين عائلة من مصريين وشوام وأتراك 
ومغاربة كان قطعهم في المدينة ضيق ذات يدهمء فأمر ‏ حفظه الله - 


[:88] ومر القطار في منتصف الليل على محطة العلاء ثم على 
مدائن صالح التي تبعد بنحو خمسة وعشرين كيلومتراً»ء ووصل - حفظه 
الله - إلى حذاءات كورنتينة تبوك في الساعة الثالثة بعد ظهر اليوم التالى 
الأحد فدخل القطار الخصوصي إلى الكورنتيئة» وبقيت فيه دولة الوالدة 
مع حاشيتهاء أما الجناب العالي فإنه نزل بمعيته إلى الحذاء الذي 
ضربت فيه صواوينه الخصوصية وخيام حاشيته من ملكيين وعسكريين» 
ومكث ‏ حفظه الله - في الكورنتينة خمسة أيام كان يتردد فى أثنائها من 


المختار من الرحلات الحجازية 





- رهم 


تلك الأثناء بارداً دنا يتراوح بين ١0‏ درجة سنتجراد نهار و0 تحت 
الصفر ليلاً» أما الرياح فقد كانت شديدة جداً لا تستقر معها الخيم ثابتة 
الأول والثانى» وكثيراً ما كنا نشاهد خيام الكورنتينة التي في الحذاءات 
الأخحرى تطير من أماكنها فيسرع أربابها بالجري وراءها ويتعلقون 
بأطنابها فيوقفونها عن سيرها بعناء شديد ويرجعون بها ثم يزاولون 
نصبها وهم في عراك مع الرياح يزهق الأرواح. 





وفي هذه الكورنتيئة اثنا عشر حذاء جويآ تحيطها وتفصلها عن 
بعضها شبكة من السلك» وهى ستة فى مقابلة ستة أخرى» يسير فيما 
بينها شريط الطريق الحديدي» وطول كل حذاء مائة متر في عرض ١0‏ 
مترأء وليس فيها أبنية أصادٌ اللهم إلا مبحرة واحدة فى جوار الحذاء 
أثناء التبخير عرايا في حوش المبخرة وهم يرتعدون من شدة البرودة» 
ولا شك فى أن دولتنا العلية ستزداد عنايتها بهذا المحجر''' حتى يكون 
كافلاً لراحة حجاج بيت الله الحرام”'". 


)١(‏ قال المحقق: هذا المحجر لا يزال خاصاً بأهل تركيا والشام» أما أهل مصر فإنه 
لا بد لهم من تمضية الحجر الصحي في الطور قبل دخولهم الثغور المصرية. 
وقد حصلت مخاطبات رسمية في اعتبار كورنتينة تبوك كورنتينة عامة بحيث 
كي الجر فيها على المصريين وغيرهم ولكن لم يتقرر شيء بهذا الخصوص 
إلى الآن. 

(؟) انتهى المراد من التلخيص» والحمد لله. 


رحلة المحجاز 





-( 


الرحلة الرايعة عشر 


للش رشيد رضة7١)‏ 


كان قد حج سنة 0174 فقال ‏ رحمه الله تعالى ‏ واصفاً تحركه 
من القاهرة: 0 

ضربت وزارة الداخلية يوم السبت الخامس والعشرين من شهر 
صفر الموافق لأول الميزان 77 سبتمبر موعداً لسفر ركب المحمل 
المصري من القاهرة إلى السويس» وآذنت مريدي الحج بأن يكونوا قبل 
ذلك اليوم في السويس ليأخذوا فيها أهبتهم ويتبوأوا أمكنتهم من 
الباخرتين اللتين أعدتها لحملهم إلى جدة. 

وبينما أنا منهمك في الاستعداد للسفر بشراء ما ينبغي شراؤه: 


)200 هو محمد رشيد بن علي رضا بن ممحمل القلموني؛ البغدادي الأصل . الخسيني ؛ 
صاحب مجلة «المثار» وأحد رجال الإضلاح الإسلامي. ولد في القلمون 5 هن 
أعمال طرابلس الشام ‏ سنة 85؟١.‏ ونشأ ديا وتعلم فيها في طرابلس» وتنساك 
ونظم الشعر في صباه؛ وكتب في بعض الصحف». ثم رحل إلى مصر سنة ١١١6‏ 
فلازم الشيخ محمد غبده وتتلمذ له. وكان قد اتصل به قبل ذلك في بيروت» ثم 
أصدر مجلة «المنار» وصار مرجع الفتما في التأليف بين الشريعة والأوضاع 
العضرية الجديدة» ارتحل مراراًء وله مصنفات كثيرة» وجرت غليه أحداث 
كثيرة» توفي سنة ١705‏ - رحمه الله تعالى ‏ بمضرء انظر «الأعلام»: 1105/5 . 


المختار من الرحلات الحجازية 





رهم 


وترتيب ما تقرر حملهء وإعداد ما تحتاج الدار وإدارة المنارء خطر في 
بالي أن أكتب رسالة في مناسك الحج أبين فيها أحكامه وحكمه بعبارة 
سهلةء مأخوذة مما صح في السنة» وأن أطبعها وأحملها معي هدية 
للحجاج الذين أصحبهم وألقاهم؛ فشرعت في ذلك وقت الظهر من 
يوم الأربعاء فكنت أكتب عدة أسطر ثم أترك الكتابة عدة دقائق 
للاشتغال بشيء ضروري» ثم إنني اضطررت إلى ترك الكتابة من ظهر 
يوم الخميس إلى ضحوة يوم الجمعة» ثم قضيت أصيل ذلك النهار 
وغسق الليل خارج المكتب والدارء فتعذر الجمع بين إكمال المناسك 
والسفر في يوم الجمعة فأكملت كتابتها في هذا اليوم ‏ الجمعة ‏ فكانت 
أكثر من كراستين وقد ضاق الوقت على طبعهما قبل السفر؛ إذ تبين أن 
يكون آخر موعد له قبل الظهر بساعة من يوم السبت» فاضطررت بعد 
جمع حروفهما ليلا إلى اختصار الأولى بالحذف من عدة مواضع منهاء 
وطبعت بعد أن تمت فلم أتمكن من تصحيحهاء فلذلك كثرت 
أغلاطهاء وتعذر على المطبعة أن تجهز لنا ضحوة السبت جميع النسخ 
فاكتفينا بحمل مئات منها. 


[884] ركبنا القطار الحديدي مع السيدتين الوالدة والشقيقة قبيل 
انتهاء الساعة الحادية عشرة من يوم البعة ببضع دقائق» وكان ركب 
المحمل قد سافر في قطار خاص في أول هذا اليوم» وودعنا في 
المحطة الأهل والإخوان. وخاصة من علم بموعد سفرنا من الخلان» 
وقد كنا بَلوْنا لوعة الوداع بتعدد الأسفارء وكان أشجاها وداع الوالدين 
والأقربين والأصدقاء عند الهجرة إلى هذه الديار» ولكنني لم أذق قبل 


رحلة الحجاز 





هذا اليوم لوعة توديع الأهل والأولاد لأنني لم أكن في حال سفر من 
أسفاري السابقة زوجاً ولا والداً. 


ركبنا وحدنا في مخدع من مخادع مركبات الدرجة الأولى من 
القطار الحديدي» ولكننا لما انتقلنا مع سائر الركاب في الإسماعيلية 
إلى القطار الآخر ألفيناه قطاراً رديئاً» وقد اكتظ بالجنود البريطانية حتى 
أن المخادع الخاصة بالنساء المخدرات لم تكن تخلو:منهم. 
فاضطررت إلى وضع السيدتين''' في مخدع منها رأيت فيه مواضع لي 
ولهماء واثقاً بأننا لا نرى من هؤلاء الجنود ما نكره» وكذلك كان ولله 
الحمد» وآداب الجنود الإنكليزية الخُلّص معروفة عند جميع المصريين 
يندر أن يرى أحد من سكران منهم تعدياً أو إساءة فكيف يكون أدبهم 
في حال الصحو؟ وقد وقف القطار في محطات جديدة كثيرة خاصة 
بالجنود المعسكرة على جانبي الطريق قريبة من الخط الحديدي أو 
بعيدة عنه» وبسبب ذلك يتأخر القطار قليلاً عن موعده المعتاد. 


وصلنا إلى السويس قبل المغرب وكان قد سبقنا إليها أمس مع 
جماهير الحجاج المصريين محمد نجيب أفندي المعاون في مديرية 
الجيزة وهو صهرنا على بنت أخي» والشيخ خالد النقشبندي» فكانا 
رفيقين لنا في السفر فى كل حال وترحال» وكل منزل من منازل 
الحاج» وقد بتنا تلك الليلة في دار اختارها لنا الرفيقان من دور الأهالي 
التي يأوي إليها الحجاج في هذه الأيام» وهم يتقاضون من الأجرة في 


. كان قد سار إلى الحج  رحمه الله تعالى  بأمه وأخته‎ )١( 


المختار من الرحلات الحجازية 





كل ليلة فوق ما يعهد ف الفنادق الكبينة التو تفوقها خدمة ونظافة ‏ 
وكذلك أصحاب المركبات في السويس يزيدود أجورها على الحجاج 
أضعافاً. 


وفي ضحوة اليوم التالي ذهبنا إلى مكتب الصحة لأجل ما فرضته 
الحكومة على كل حاج من تلقيح أطبائها إياه بالمصل الواقي من 
الهيضة الوبائية (الكوليرا) . 
[481] باخرتا الحجاج: المنصورة والنجيلة 


امكاحرت الحكومة للحجاج باحرتي المنصورة والنجيلة. وهما 
أقدم سفن شركة البواخر الخديوية» وأما المحمل المصري فقد حمل 
مع أميره وعسكره على سفينة حربية إنكليزية. ولما كنا آخر من جاء 
السويس من الحجاج علمنا من أصدقائنا الموظفين في هذا الشأن أن 
المنصورة أسرع الباخرتين» وأنه لم يبق في الدرجة الأولى منها موضع 
لي وللسيدتين لأن وفد العلماء المرسل إلى الحج على نفقة سلطان 
مصر المعظم قد ركب المنصورة قبل مجيئنا وتسابق إليها الناس». وفل 
يوجد فيها موضع واحد لي» وإن النجيلة تفضل المنصورة بأنها أقل 
منها تودانك''. وإنه يمكن أن نجد في الدرجة الأولى منها بيتا أو 
مخدعاً ‏ قمرة - خاصاً بنا؛ فنزلنا فيها مع رفيقنا في يوم الأحد لأربع 
بقين من ذي القعدة» وقد علمنا بعد سفرها أنها أبطأ بواخر الدنيا سيراً 
قيل لنا إنها تقطع ثمانية أميال في الساعة ولعلها لا تتم الستة إلا 


)22310 لعله يريدك: ازدحاماً واضطراباً. وانظر ا(ترئيب القاموس» ن و د. 


رحلة الحجاز 





- 


بالجهد. وهي قديمة وسخة ليس فيها ضوء كهربائي ولا أجراس ولا 
مقاعد للاستراحة إلا كراسي المائدة في الدرجة الأولى» ولكن المخدع 
الذي خصص لنا فيها واسع جداً قلما يوجد في البواخر الكبيرة مثله في 
سعته) وهو معدل لنوم ستة أو سبعة ) وفبه عدذة نوافذ» ثم إن ربانها 
سالم أفندي البدن من أحسن الناس أخلاقاً وعناية بالحجاج» وهو من 
أقدم المستخدمين بهذه البواخر وقد حج مراراء وطبيبها مهذب حسن 
المعاشرة وهو طلياني يتكلم بالعربية العامية بطلاقة ولهجته فيها 
سورية» فنشكر لهذين الرئيسين في الباخرة حسن عشرتهما وعنايتهما 
بنا خاصة وبسائر الحجاج أيضاء ولا نبخس خدم الباخرة حقهم من 
الثناء على حسن خدمتهم» ولعل باخرتنا كانت تفضل المنصورة فيما 
عدا سرعة السيرء وقد زارنا فى الباخرة قبل سفرها محافظ السويس ثم 
صار إلى المنصورة لزيارة وفد العلماء السلطانى فيها . 
حجاج باخرتنا: «التنجبلة» 


وأنسنا في الباخرة بصحبة كثير من ركاب الدرجتين الأولى 
والثانية» وحمدنا صحبتهم وعشرتهم وأخص بالذكر منهم عالماً من 
أكبر علماء القطر المصري وأديباً من أفضل أدباته. أما العالم فهو 
الأستاذ الشيخ عبدالفتاح الجمل شيخ علماء بور سعيد وقد كنت أسمع 
له ذكراً حسناً فرأيته فوق ما كنت أسمع علماً وفضلاً وهدياً وأدباً 
وإنصافاً في المذاكرة واستقلالاً في الفهم؛ وله مشاركة حسنة في 
التاريخ والأدب ومعرفة أحوال العصرء ولعله يندر وجود مثله في 
علواة مقي 





> رهم 


وأما الأديب فهو محمد توفيق علي اليوزباشي''* في الجيش 
المصري» وهو يفضل من نعرف من أدباء مصر وضباطها في الأخلاق 
الدينية والمحافظة على العبادات» وكثرة النظم في ذم الفواحش 
والمنكرات» وقد كان معه والدته وهي امرأة تقية زكية الفطرة» واتفق 
أن كان مخدعهما ملاصقاً لمخدعنا فكانت والدتي وشقيقتي تأنسان 
بإلمامها بهما وصحبتها لهماء وهي أقل منهما دواراء وأكثر على مشقة 
البحر اصطباراً» وقد حجت قبل هذه المرة» وكذلك كنت أنا آنس به؛ 
فقد كنا أكثرَ الرفاق تلازماً قلما نفترق إلا في وقت النوم» وكان أكثر 
حديثنا وسمرنا أول الصحبة في الشعر والأدب وأقلهما في المسائل 
الدينية والعلمية والشؤون الاجتماعية» إلا إذا حضر المجلس الأستاذ 
الجمل فإن الحديث يكون بعكس ذلكء كما كان في أواخر العهد 
بالصحبة . 


وقد وزعت بعض نسخ المناسك على حجاج الباخرة قبل أن 
أقرأها وأصحح أغلاطها وبعضها بعد ذلك» ولما علم الناس أنها بغير 
ثمن كثر الطلب لها حتى من الأميين فصرت أشترط على من يأخذها 
من القارئين أن يقرأها لمن يجاوره من الرفاق الأميين» وكان انتشارها 
في المركب سبباً لكثرة اختلاف الحجاج إلينا للسؤال عن أحكام النسك 
ولا سيما واجبات الإحرام . 


كان سفرنا من مصر فى أول الميزان وقد بدأ هواء الخريف 


)١(‏ هي رتبة عسكرية في الجيش مستخدمة أيام الدولة العثمانية وزماناً بعد انقراضها. 


رحلة الحجاز 





- 


المعتدل يطرد هواء الصيف الحار ويجليه عن أفق مصرء وكأن ما كان 
يرحل منه عن مصر يذهب إلى الحجاز ليحل محل هواء صيفه الذي هو 
أشد منه حرارة» لذلك كنا كلما أوغلنا في الجنوب نشعر بأن جونا 
يرجع بنا القهقري إلى الصيف فكان عامة من في السفينة لا يكادون 
يببرحون ظهرها إلا إلى حاجة غير النوم؛ إذ كان جميع ركاب الدرجة 
الثالثة ينامون على الظهر وكذلك بعض ركاب الدرجة الثانية . 

[6177] وكان جِلّ ركاب الدرجة الثالثة من أدنى طبقات المصريين 
قد دعهم إلى الحج دعا ما كان من عناية الحكومة ببعث حجاج يحجون 
وحملها الأغنياء على مساعدة الفقراء على الحج بالمال» فوق ما كان 
من تسهيل سائر الأسباب» فكان أكثرهم يقطعون أوصال الليل باللهو 
واللعب» والغناء والطرب». ومنه ما يسمونه في اصطلاح أهل الطرق ‏ 
بالذكرء وهو أن يقف جماعة يتثنون ويرقصون ويصيحون بأصوات 
منكرة: أه أه» أو: هو هوء أو: حيّ حيّ» على صوت مغن يغنيهم 
ببعض الأغاني الحديثة أو الأشعار القديمة» فيكونون بذلك من الذين 
اتخذوا دينهم لهواً ولعباً» وأقبح اللهو وأنكره وأقربه من غضب الله 
وأبعده عن مرضاته ما جعل ديناً» فهؤلاء الذين يسمون أنفسهم ذاكرين 
لله يظنون أنهم خير من الذين يتغنون ببعض الأغاني لأجل التسلي عن 
فراق الأهل والولد مثلاً. وما ذلك اللهو الذي سموه ذكراً إلا معصية» 
وما هذا اللهو إلذي ظنوه حراماً أو مكروهاً إلا مباح”''» ولهم في 


 ملعأ يعني الخالى من الآلات» الذي هو أشبه شيىء بإنشاء الشعرء هذا والله‎ )١( 
هو مراده.‎ 


المختار من الرحلات الحجازية 


ذكرهم هذا شر مكاناً ممن قال فيهم بعض العلماء : 
أقال الله حين عيدتموه كلوا أكل البهائم وارقصوا لي 


شر تمثيل: كنا نسمع كل ليلة صوتاً منكراً أجش ينادي به صاحبه السيد 
البدوي بألقابه المشهورة في هذه البلادء ويكثر من ذلك ويلح فيه بعد 
نوم الناس» متنقلاً على ظهر السفينة من مكان إلى مكانء وكثيراً ما 
كان يقف بالقرب من بعض نوافذ مخدعنا فيزعج السيدتين وينغص 
عليهما نومهماء ولما تكرر ذلك منه بحثنا عنه فإذا هو بزي أهل الطريق 
المتصنعين الذين يراءون الناس بلحاهم وثيابهم وحركاتهم وأصواتهم. 
المتة . 





هذا وإننا لما حاذينا رابغ أذن ربان السفينة الحجاج ببلوغ ميقات 
الإحرام فطفقوا يحرمول. 
الوصول إلى جدة 


[884] وصلت المنصورة إلى ثغر جدة ضحوة يوم الأربعاء وهو 
التاسع والعشرون من ذي القعدة ولم يلبث ركابها أن نزلوا منهاء وأما 
باخرتنا «النجيلة» فوصلت عشاء ليلة الخميس فلم تستطع التقدم إلى 
موقف البواخر من الميناء لكثرة الصخور الخفية هنالك فأرست في 
مكان بعيد عنه» وإنما دخلت الميناء وأرست فيه ضحوة يوم الخميس 
فكان تأخر ركابها عن ركاب أختها ١5‏ ساعة» والسفن ترسى على بعد 


رحلة الحجاز 








-© 


شاسع من البر في ذلك الثغر لرقة الماء وكثرة الصخورء فلما رأت 
الوالدة والشقيقة ذلك عراهما الغم لأن الدوار يشتد عليهما في الزوارق 
الصغيرة ذات السُرْع أو المجاذيف ويؤلمهما طول المسافة فيهاء وخافتا 
أن لا تصلا إلى البر إلا بحالة لا ترضيهما. 


[584] لكننا لم نكد نستعد للنزول إلا وكان صديقنا الكريم الشيخ 
محمد نصيف وكيل سيدنا الشريف الأعظم صاحب الحجاز”'' قد جاء 
الباخرة في زورق كهربائي أو بخاري - لنش ‏ مع جماعة من سراة جدة 
وكبرائها لأجل استقبالناء وقد أخبرونا بعد السلام أنهم قد نزلوا أمس 
للسؤال عنا في باخرة المنصورةء ثم إننا بعد استراحة الزائرين نزلنا 
وأنزلنا معنا في الزورق ما خف من متاعنا وصغر حجمهء وأرسلنا ما 
بقى في مراكب النقل الشراعية» وكان الرفيقان الشيخ خالد ومحمد 
نجيب أفندي قد نزلا في بعضهاء فسار بنا الزورق كالسهم فوصلنا بغاية 
الراحة» ونزلنا ضيوفاً مكرمين في دار صديقنا الكريم الشيخ محمد 
نصيف» وهي دار فسيحة واسعة الحجرات كثيرة النوافذ» تفيض عليها 
الشمس أشعتها من الشرق والغرب. ويتخلل النسيم حجراتها من كل 
مهب» فهي في الذروة من دور جدة» وكان الهواء معتدلاً في هذا الثغر 
لا يُشتكى برد منه ولا حرء وقد بلغني الصديق المضيف تحية سيدنا 
الشريف». وصدور أمره العالي إليه بالعناية بناء وكان قد بلغ الديوان 


)١(‏ قال المحقق: يعلم القراء أن هذا وقع قبل مبايعة أهل الحجاز للشريف بالملك». 
ونشر الرحلة بعد المبايعة لا يقتضي استعمال لقب الملك فيما يحكى فيها عما 
كان قبل ذلك . ١‏ 


المختار من الرحلات الحجازية 





- م 


الهاشميّ العاليَ موعد وصولنا كما بلغه مندوبه بمصر خبر سفرنا 
بالبرق» ثم بلغ مضيفنا بمكة خبر وصولنا بالمسرة ‏ التلفون - وتكلمت 
به مع إخواننا محرري جريدة القبلة”'' . 


لم نكد نستقر في الدار إلا وأقبل الزائرون والمهنئون يفدون علينا 
أفراداً وجماعات . 


أقمنا في جدة من ضحوة يوم الخميس إلى أصيل يوم السبت. 
ولم أخرج من الدار في هذه المدة إلا إلى صلاة الجمعة فى أقرب 
المساجد إليها. 


ولم أرد الزيارة لأحد لأن الزائرين كانوا لا يكادون يفارقوننا إلا 
وقت النوم» وكان جل حديثنا معهم في المسائل الدينية والعلمية. 
والعبرة الاجتماعية والسياسية» وإنما اختلست منهم ساعات متفرقة 
كتبت فيها نبذة من التفسير للمنار ومكتوبات أرسلتها إلى مصر. 


[89] كنت أتمنى لو ملكت وقتاً أرد فيه الزيارة للزبائن الكرام 
تلواحلت علي الرقف قلتعة لعلى اأجللك يعد ةالعودة عن دك المكرمة 
ما لا أملكه الآن» ولكن وقت العودة كان أضيق - كما يعلم في محله - 
ولذلك طلبنا من صديقنا أن يكتب إلينا أسماءهم لنؤدي لهم الشكر 
بالكتابة» جزاء ما استحقوه علينا من الزيارة» فكتب إلينا زهاء ثلاثين 


منهم وهم الذين تذكرهم؛ فمن أهل العلم منهم الأساتذة الشيخ محمد 


)010 وهي لسان حال الشريف حسين». وكانت تصدر فى مكة. 


رحلة الحجاز 








-© 


حسن إبراهيم والشيخ أحمد الزهرةء والشيخ أحمد طه رضوان. 


ومن رجال الحكومة مدير الشرطة مساعد اليافي"'؟» ومدير 
الصحة الدكتور أمين معلوف'"'». وقائد حامية الثغر عبدالرؤوف عبد 
الهادي» ورئيس كتاب الحجر الصحي رشيد باغفارء ومحمد راعب 
الصنعاني من الكتاب؛ وحسين ملوخية مأمور نقل البريدء وكل هؤلاء 


وقد أعجبني من الدكتور معلوف وعبدالرؤوف ومساعد زيهم 
العربي فكانوا به أبهج في عيني منهم في زيهم الإفرنجي التركي . 


ومن كبراء الوجوه والتجار في الثغر الشيخ سليمان قابل رئيس 
البلدية. والمشايخ زيئل على رضا وعبدالله على رضاء ومحمود زاهد. 


)١(‏ مساعد بن مصطفى بن محمد العبدلى الحسينى اليافى» ولد سنة ١12١7‏ بطرايلس 
الشام وتعلم بهاء ثم انتقل إلى مصرء دُعي في أواخر الحرب العالمية الأولى 
إلى مكة فسّمي وكيلاً للخارجية بقصر الملك حسينء ثم عاد إلى مصر» ثم ساح 
ف البرازيل وقنّد دعاوى الصهيونية فقتلوه هنالك سنة 1751. انظر «الأعلام» : 
// *717. 

(؟) أمين باشا بن فهد بن أسعد المعلوف. ولد بلبنان سئة 2١788‏ كان طبيباًء عالماً 
بالنبات والحيوان والفلك» من أعضاء مجمع اللغة العربية بدمشق. تخرج من 
الجامعة الأمريكية ببيروت» وعين مديراً للصحة بجدة فى زمان الشريف حسين » 
ثم عاد إلى مصرء له مؤلفات. توفي سنة ١57‏ رحمه الله. انظر «الأعلام»: 
7 . 


المختار من الرحلات الحجازية 





ومصطفى درويش عبد ربه» ومحمد بن أحمد الهزازء ومحمد باحفظ 
الله وعبدالله المحمد الفضل ومحمد عبدالرحمن الفضل . 

ومن أصحاب الحرف ووكلاء الأعمال المشايخ حمزة جلال نقيب 
وكلاء المطوفين»ء وحسين بحيري من المطوفين» وبكر وخميس 
السماسرة. وعبدالرحمن فائق من كتاب شركة البواخر العثمانية . 


فنشكر لهؤلاء ولسائر من تفضلوا بزيارتنا - كالشيخ عبدالرؤوف 
الصبان من طلبة دار العلوم المصرية وقد فاتنا ذكره مع علماء جدة - 
مودتهم وفضلهم. وقد علموا ما حال دون ما كنا نبغي من زيارتهم. 
والعذر عند كرام الناس مقبول . 

عبرة اللمتكيرين وجكازة المايديق غلى النعنااخين 

[41 أظهر لي صديقي المضيف سروره وارتياخه لرؤيته إيام 
بشوبي الإحرام» وقد أثار عجبي وحزني أنه ظن أن من المحتمل أن 
أترخص بترك لباس الإحرام اعتماداً على الفدية» وقال لي: لو رأيتك 
لابسأ ثيابَ الحل لعزمت عليك أن لا تنزل جدة إلا بلباس الإحرام» 
لئلا يظن بعض الناس أنك من قبيل هؤلاء المتهاونين الذين يجيئون 
هذه البلاد غير محرمين بحج ولا عمرة» وذكر لي شيئاً يسيراً ‏ مما 
علمته بعد ذلك تفصيلاًء من حال بعض الشبان الذين جاؤوا الحجاز 
ودخلوا مكة المكرمة نفسهاء وكأنهم لا يعرفون شيئأً من مكانتها ولا 
حق بيت الله شعائره فيهاء فدخلوها غير محرمين» ومروا ببيت - الله 


رحلة الحجاز 





29م 


تعالى ‏ غير طائفين ولا مصلين». وترددوا بين الصفا والمروة غير 
ساعين ولا مرملين» فكانوا مضغة في أفواه الحجازيين » ومثالاً مشوهاً 
لشبان المدنية العصريين» وحجة قاطعة لألسنة الذين يلغطون منهم 
بتكفير الاتحاديين"'"» لأنهم يساوونهم في ضلالتهم وهدمها لشعائر 
ملتهم» ولكنهم يقصرون عنهم في الغيرة والإخلاص لأمتهم» والتفاني 
بخدمة دولتهم» وبذل النفس والنفيس في إحياء جنسيتهم . 

لقد أحزنني وساءني وآسفني ما قاله هذا الصديق الذي أعتقد أنه 
ما أحبني في الله تعالى ‏ إلا لأجل اعتصامي بديني وغيرتي عليه 
ودعوتي إلى إحياء كتابه وسنته» وقلت في نفسي: يا سبحان الله! إذا 
كان مثل هذا المحب الحسن الاعتقاد قد بلغ سوء تأثير بعض أولئك 
الشبان في نفسه أن تصور ذهنه في مثلي جواز دخول جدة بغير ثياب 
الإحرام ولو على سبيل الرخصة.» والقيام بما يجب بدل ذلك من 
الفدية» فكيف يكون رأيه واعتقاده فيمن لا يعرف لأحد منهم حظأ من 
علم أو عمل. ولا يحفظ لأحد منهم في قلبه بعض ما يحفظ لي من 
الظن الحس؟ 

[؟84] وقت له محاولاً كتمان أسفي ومكابرة امتعاضي: لو كان 
هذا اللباس مستحبا لا واجبا لما تركته تهاونا ولا إيثاراً لما في اللباس 
المعتاد من الحشمة والزينة أو الرفاهة» وأنا أرجو أن أكون من أعلم 
الناس بفوائده وأحرصهم على إدراكهاء ولو تركته لما استطعت أنت 


)١(‏ أي جمعية الاتحاد والترقي الماسونية. 


المختار من الرحالات الحجازية 





- م 
ولا أحد من الناس أن يقنعني بإتيانه» لأنني لا أتركه ‏ لو تركته - إلا 
لعذر شرعي ملجىء؛ كأن أعتقد أنه يضر بصحتي ضرراً يجعل الواجب 
محظوراًء وأكون بلبسه عاصياً لله تعالى لا طائعاًء وأما نظر الناس فلا 
إبالي به في أمر الدين» وأعوذ بالله أن أكون من المرائين» بل تعودت - 
ولله الفضل والمنة ‏ أن لا أتصنع للناس ولا أدهن لهم ولا أتحرى 
مدحهمء ولا أخاف انتقادهم في المصالح الدنيوية والأمور العادية 
بحيث يحملني ذلك على ترك شيء أراه حقأ أو مصلحة. أو فعل شيء 
أرافماظاة أو مقييكة..و اقول "مسغطودا : 





إنه قد عاداني كثير من الناس في هذا الحُلّق وآذوني لأجله ولم 
أوذ أحداً منهم. وأرى أنني غير مغبون معهم: وأن هذا الخلق خير لي 
من مودتهم» ولا سيما من أعرف منهم سوء النية» وفساد الطويّة. ولم 
أذكر هذا التفصيل كله للصديق وإنما خطر في بالي عند الكتابة أن بيانه 
مفيد لأن مثله يقع لكل صادق مستمسك بعروة الحق لا يحابي ولا 
يداهن الناس فيه . 

[497] ومن دقائق هذا البحث إن الإنسان كثيراً ما تغشه نفسه 
وتخدعه بتسمية العُجُب والكبر والإصرار على الهوى اعتصاماً بالحق 
وصلابة فيه وقلة اكتراث بالمبطلين» فينبغي للمخلص في اعتقاد نفسه 
أن يمتحن نفسه ويناقشها الحساب فيما يعاب به وينتقد منه» وهذا أمر 
عسير غير يسير؛ إذ يقل في الناس من يُبلغ من يحب ما ينتقده هو أو 
غيره عليه ويطلعه على عيوب نفسهء كما يقل فيهم من يسلم من غيبة 
صديقهء وأكثر ما يبلغ الناس من الانتقاد عليهم وانتقاصهم ما ينقل 


رحلة الحجاز 





إليهم عن خصومهم وأعدائهم» وقلّ من ينظر في مثل هذا نظر الرَويّة 
والإنصاف فيستفيد منه» وإنما تستحوذ على الأكثرين عند سماعه ثوران 
الغضبف وخواطر الدفاع أو الانتقام. وأحمد الله تعالى ‏ أن وفقني في 
ريعان الشباب وأوائل العهد بالرشد إلى حمل أصدقائي على إرشادي 
إلى عيوبي ومكاشفتو بما يرونه أو يسمعونه من الانتقاد علىّ» ولا أزال 
أسأل عن ذلك من أتوسم فيه النصح - وإن كان أصغر مني سنا وأقل 
تجربة ومعرفة ‏ وإني لأحوج إلى نصيحة واحدة أستعين بها على 
توجد هذه النصيحة عند عامّي يزيد ما عندي من العلم والاختبار على 
ما عنده منهما سبعين ضعفاً فيكون أعلم مني بما أنا أحوج إليه مما 
أفضله به. 


[845] بعد هذا الاستطراد أقول : 


إن بعض شباننا الذي أفسدت المدارس التركية أو الإفرنجة 
عقائدهم.» وشوهت حرية الكفر والفسق أخلاقهم وآدابهم» لم يقفوا 
عند حد ترك الإحرام قبل دخول البلد الحرام» وترك الطواف والصلاة 
والصيام» بل تجرأ أحدهم على التصريح بالاعتراض على القرآن. 
وتجرأ آخر على الطعن في بعض الخلفاء الراشدين» بل على ما هو 
أكبر من ذلك من الضلال المبين. 


[84] من أجل هذا صار بعض الحجازيين يسيء الظن بجميع 
أفراد هذه النابتة الجديدة.» وبعضهم يجعل سيرة هؤلاء الغاوين حجة 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 1م 
حتى على من ظهرت عدالتهم من الوافدين» أما طبيعة الحرم بل طبيعة 
جزيرة العرب فلا تطيق الصبر الطويل على إلحاد الملحدين» ولا على 
توسيد الأعمال إلى الفساق المجاهرين» وأما ما عدا الجزيرة من البلاد 
العربية فستحذو نابتتها حذو النابتة التركية» وإن فيها مّن يود تقليد 
جمعية الاتحاد20 في السياسة والعصبية والإلحاد» ولكن آمالهم أدنى 
من آمالهمء ومآلهم شر من مآلهم» فإنهم لا يرجون أن يكون لهم دولة 
كالدولة العثمانية يغلبون على أمرهاء ويعتزون بقوة ما لها وقوة جندها 
وسيظهر حالهم ومقصدهم, وما يكون من تأثيره في بلادهم وأمتهم . 





السفر إلى مكة المكرمة 


في صبيحة يوم السبت سافر ركب المحمل المصري من جدة قبل 
شروق الشمس» وفي ضحوته سافرت الوالدة والشقيقة ومعهما الصديق 
الكريم الشيخ خالد النقشبندي والصهر الحميم محمد نجيب أفندي» 
وقد استأجرنا لهم أربعة جمال بجنيهين: اثنان للركوب واثنان لحمل 
المتاع»ء وأرسلت حكومة جدة معهم جنديين عربيين من جنود الشريف 
الهجانة للخفارة» وزودهم صديقنا ومضيفنا الشيخ محمد نصيف بأنفس 
الزاد الكافي. وتأخرت عنهم لإتمام ما كنت بدأت به من كتابة نبذة من 
التفسير للمنار لإرسالها مع البريد من جدة مع كتابة ما لا بد من كتابته 
إلى مصر . 


كمال قبحه الله وأخزاه -. 


رحلة الحجاز 





- 09( 


ثم سافرت بعد صلاة العصر من هذا اليوم على حمار استأجرته 
بمائة قرش عثماني» ولم أكد أظفر به لولا مساعدة الأصدقاء لأن 
المغاربة والمصريين قد سبقوا إلى استئجار جميع حمير البلد أو 
أكثرهاء وسافر معي جنديان بأمر الحكومة لأجل التكريم لا الحفظ 
فإنها واثقة بأمن الطريق» وركب معي الشيخ محمد نصيف والشيخ 
مساعد اليافي مدير الشرطة في جدة وبعض الأصدقاء مشيعين مودعين 
ثم عادوا عند غروب الشمس إلى جدة» وقد زودني الصديق المضيف 
بالزاد النفيس الكافي» كما زود الآل والصحبء واختار لي شاباً نشيطاً 
من أهل جدة للخدمة في الطريق وأخذ الحمار في مكة. وأدركنا في 
الطريق أحد الحجاج المصريين على حمار فرافقنا. 

[441] العناية بأمر الماء في السفر 


ولم أهتم لنفسي إلا بملء إبريقي المعدني ‏ الذي يحفظ ما يودع 
فيه من بارد وحار زمناً طويلاً - بقطع الثلج وملء قربة من الماء النقي ؛ 
ذلك بأني أعنى بأمر الماء ما لا أعنى بأمر الطعام ولا سيما في السفرء 
ولا يشق علي فقد شيء من طيبات الدنيا التي اعتدتها إلا الماء البارد 
النقي» والماء الذي يوجد بين جدة ومكة في القهاوي ‏ أي الأكواخ 
التي يأوي إليها المسافرون للاستراحة وشرب القهوة والشاي ‏ كله قذر 
فلا أصله جيد ولا أوانيه نظيفة» وماء «بحرة» التي ينزل فيها جميع 
الحجاج للاستراحة رديء غير عذب» ويقال إن بالقرب منها بثراً لا 
بأس بمائها ولكن لا يسهل إلا على الأقلين الوصول إلى شيء منها؛ 
فمن الضروري للمسافر الذي يُعنى بصحته أن يحمل ما يكفيه من الماء 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 0م 
بين جدة ومكة في سفره من كل منهما إلى الأخرى» وللشقادف قلل 
من الفخار يربطونها في مؤخرتها فيكون ماؤها مقبولاً ولا سيما في 
الليل. 
[7] أمن الطريق وحادثة اعتداء 

وقد كان الطريق في هذا الموسم آمنآً مطمئناً لم يبلغنا أنه وقع فيه 
اعتداء على أحد إلا ما حدث بالقرب منا؛ فإننا سمعنا قبل انتهاء الثلث 
الأول من الليل صوت طلق رصاص استفز الحارسين اللذين معنا 
فسألتهما: ما هذا؟ قالا: قوم. وهم يعنون بكلمة القوم اللصوص 
وقطاع الطريق» وأشارا علينا بأن نسرع في السير ما استطعنا ونقصد 
قهوة كنا نرى ضوءها فننزل فيهاء وتركانا مسرعين إلى الجهة التي سمع 
منها صوت الرصاصء وطفقنا نحن نلكز حَمُرنا!؟؟ مسرعين بها إلى 
تلك القهوة فبلغناها بعد جهد وعناء فاسترحنا فيها ساعة» وشرب 
رفيقاي الجندي والمصري الذي ألفيناه في الطريق الشاي ورأينا هناك 
أناس من الفقراء يطلبون من القهوة طعاماً. 

ثم جاء الجنديان مع رجل آخر فأخبر أن القوم قطاع الطريق الذين 
سمعنا صوت رصاصهم قد شورّدوا بعيرين للرجل الذي عاد معهما 
ولرفيق لهء وكانا عائدين من جدة بعد بيع ما كانا حملاه إليهاء وإن 
خفراء الطريق ما زالوا يقتفون أثرهمء وقال الرجل: إنه لم ير هو 
ورفيقه إلا لصاً واحداً ولكنه مسلح وهما أعزلان. 


. أي نحث الحمير على السير بغمزها بالأيدي والأرجل‎ )١( 


رحلة الحجاز 





[8] النزول ببحرة 


وبعد استراحة الجنديين وشربهما الشاي أكرمت صاحب القهوة 
واستأنفنا السّرى فبلغنا بحرة في منتصف الليل تقريبء ورأينا أنوار 
ركب المحمل المصري بالقرب من الخصاص التي يأوي إليها الحجاج 
وغيرهم من المسافرين» والخصاص جمع خص وهي البيوت من 
عيدان الأشجار أو القصب أو غيره من النبات» وهي هنالك كثيرة تسع 
الألوف الكثيرة من الناس» وعلى جانبي الطريق سوق منها فيه 
الحوانيت والقهوات ‏ وإن شئت قلت الخانات أو الفنادق ‏ لإيواء 
المسافرين» فيجد المسافرون فيها الماء والخبز واللحم والبيض وأنواعاً 
أخرى من الأغذية» وقهوة البن والشاي. 

[894] السّرى من بحرة ومسالة أمن الطريق 

ولما أردنا استثناف السّرى استأذنني الجنديان في البقاء ببحرة 
لأنهما يريدان العودة صباحاً إلى جدة» وجاءاني بجنديين عربيين من 
المشاة فقالا: هذان من جنود سيدنا الموكلين بحراسة الطريق وهما 
يقومان مقامناء فسرينا ومشيا أمامنا يحمل كل منهما بندقية على كتفه. 
وهو حافي القدمين ليس عليه إلا قميص قصير فسألت أحدهما عن أمن 
الطريق فقال: إن الأمن تام ولا خوف عليكم في الطريق» قلت: أرأيت 
إذا هجم علينا قوم كثيرون فماذا تغني عني أنت وصاحبك؟ قال: إن 
القوم الكثيرين لا يعتدون على الأفراد أو الجماعة القليلة من المسافرين 
وإنما يقصدون القوافل الكبيرة التي تحمل ما يحتاجون إليه من الطعام 


المختار من الرحلات الحجازية 





- م 
ونحوهء والقوم القليلون لا يتجرأون على جنود سيدنا وإن كانوا أقل 
منهمء وفي الطريق - على طوله ‏ مخافر متقاربة يمكن إيصال أنباء 
الاعتداء من بعضها إلى بعض بسهولة؛ وحقاً ما قال فإنا كنا بعد مفارقة 
جدة بقليل نرى تلك المخافر على جانبي الطريق وكثير منها في الروابي 
والهضاب وهي كثيرة متقاربة» وكان هذان الجنديان كلما أبصرا أحداً 
في الطريق على مقربة منا أسرعا إليه قبل وصوله إلينا وعرفا حاله» وقد 
رأينا في طريقنا قبل بحرة وبعدها كثيراً من القوافل قاصدة جدة إما من 
مكة وإما من الطائف وهي التى تحمل الفاكهة كالرمان والعنب 
والسفرجلء ورأينا ‏ أيضاً ‏ كثيراً من الأفراد والجماعات يقصدون 
جدة . 

وفي أثناء الساعة الثانية وصلنا إلى قهوة استرحنا فيها قليلاً. 
واستأذنني الجنديان بالتخلف» وأوصيا جندياً كان هنالك بأن يصحبني 
إلى مكة». وكانت المسافة قد قربت وعلمت منهما أنهما جائعان وليس 
معهما شيء فأعطيتهما ما تيسر من الدراهم . 

[] ثم أدلجناء وسألت الجندي عن حال الأمن في تلك البقعة 
فقال: إن هذه الأرض أرض هذيل الذين أنا منهم. وهم لا يسرقون ولا 
يعتدون على أحد وإن ماتوا جوعاً بل يعيشون بمواشيهم وإنما 
اللصوص وتطاع الطريق هم عرب الشمال» وبعد أن أصبحنا وصلنا 
إلى مكان فذكر لي حادثة من الحوادث المثبتة لأمانتهم قال مات في 
هذا المكان رجل من حجاج المغاربة يظهر أنه كان مريضاً فتعب في 
الطريق فتحول عنه إلى هذا المكان للاستراحة فمات فيه» وكان له ولد 


رحلة الحجاز 





- 
منفرد عنه وصل مكة فلم يجد والده فعاد ينشده في الطريق» وكان 
بعض عربنا قد رأوا الميت ووجدوا معه كيساً كبيراً فيه نقود كثيرة 
فحفظوهء ولما رأوا الولد دلوه على والده وأعطوه نقوده وأعانوه على 
دفنه» ولم يأخذوا من الكيس شيئاً ولو شاؤو الأخذوه كله؛ والفضل 
الأول في هذا الأمن الذي لم يسمع بمثله منذ قرون لشخص الشريف 
الحسين بن على : 

لما بلغنا قهوة المعلم وهي آخر قهوة بين جدة ومكة رأيت صديقنا 
الأستاذ الكبير عبدالله الزواوي مفتي الشافعية بمكة المكرمة مع بعض 
ولده وبعض المكيين» فأقبل لاستقبالي ونزلت عن دابتي فتعانقنا 
وتصافحناء وجلسنا للاستراحة . 

هذا وإنني كنت عازماً عند الوصول إلى جدة أن أكتب إلى هذا 
الصديق الوفي أكلفه أن يستأجر لي ولمن معي داراً ننزل فيهاء ولكنه 
كلمني بالمسرة (التلفون) من مكة فقال: إن سيدنا الأمير أعزه الله قد 
أمر بإعداد منزل لك مؤلف من دارتين إحداهما للرجال والأخرى 
للنساءء وفيه جميع ما يحتاج إليه من الأثاث والماعون والخدم وهو 
بقرب الحرم الشريف . 

. وعلمت من هذا الصديق أنه كان يتمنى أن ننزل في داره ضيوفاً 
عليه لو لم يتفضل «سيد الجميع» بتشريفنا بضيافته السنية الهاشمية. - 
دخول مكة المكرمة والطواف والسعي 

بعد أن استرحنا قليلاً ركبت البغلة التي تفضل بإرسالها إلىّ سيدنا 


المختار من الرحلات الحجازية 





60 - 


الأمينء ومشى أمامي حاجباه» فلما دخلنا مكة ومررنا في أسواقها جعل 
الناس يقومون من الجانبين تكريماً لمن كرّم أميرهم ومنقذهم من 
الهلكة. وإن كانوا لا يعرفون شخصه ولا صفتهء حتى إذا ما بلغ السير 
بنا بيت الله الحرام» دخلناه ومررنا فيه من باب بني شيبة»ء وطفت 
طواف القدوم والعمرة سبعة أشواط» وطاف معي مطوفنا رافعاً صوتاً 
بما يحفظه من الثناء والدعاء» وهو ما اعتاد المطوفون تلقينه للحجاج. 
وأنا أدعو وأثني بما أعلم وما ألهم. 

كنت أحب أن أطوف بالصفا والمروة ماشياً ولكن السعي بينهما 
سبع مرات عبارة عن قطع ثلاثة كيلو مترات مشياً وذلك ما كنت أعجز 
عنه في ذلك الوقت لما عرض لوركي من التعب والألم من الركوب 
عامة الليل على حمار غير فاره لولا الإشناق”'' له طول الطريق لخرّ بي 
مراراًء وكم ثنى ركبتيه للركوع» ومنعه جذبي الرَّسّن"'* من السجود 
فسعيت راكباً على البغلة وهو جائز. 

[401] الحالة الروحية عند أداء المناسك 


وحكم التلبية والطواف والسعي 
الحج عبادة روحية جسدية اجتماعية فهو تربية عالية للونسان 
منفرداً ومجتمعاً؛ أي تربية كاملة له. فإن الإنسان مركب من جسد 
رروحع»٠‏ وفل خلق ليعيش مهفا وفي الحج تقوية لجسده ولروحه 


. أي جذبه من عنقه بالحبل‎ )1١( 


030 أي الحبل . 


رحلة الحجاز 





ولروابطه الاجتماعية. 


أما كونه رياضة بدنية مقوية للجسد فظاهر في جميع المناسك؛ 
فالإحرام ضَرْب من الرياضة والسفر كذلك» قد وصفت لك أيها 
القارىء سفري من جدة إلى مكة» وعلمت بالإجمال ما قاسيت فيه من 
المشقة» مع استكمال أسباب الراحة وقرب الشقّة . 


وفي الطواف والسعي رياضة المشي التي يصف الأطباء نفعها 
ويوصون بهاء فدائر المطاف حول الكعبة المعظمة لا يقل متوسطها عن 
مئة متر وأقل الطواف سبعة أشواط (مرات) ومن الناس من يطوف في 
اليوم والليلة أسابيع كثيرة متصلة ومنفصلة"'؟. أما أنا فلم أستطيع أن 
أزيد على سبعة أسابيع في أمثل الأوقات وأعدلها وهو وقت السحرء 
لما كنت عليه من ضعف البدن . 


وأما كونه مقوياً للروابط الاجتماعية فلما فيه من التعارف والتآلف 
بين الشعوب المختلفة في أفضل بقاع الأرفن: وفي أحسن الأحوال 
التى يكون عليها الإنسان فى هذه الحياة وهى التجرد من شواغل الدنيا 
والتوبة إلى الله - تعالى ‏ من جميع المعاصي والآثام . 


وأما كونه عبادة روحية مهذبة للنفس بتقوية شعور الإيمان فهو 
المقصود بالذات الذي يجب أن يتحرى وينوى ويلاحظ عند كل عمل من 
أعمال المناسك» وهاك خلاصة وجيزة من العلم والاختبار فى ذلك : 


. أسابيع جمعها أسبوع وهو ا أشواط‎ )١( 








0م 


[407] الحالة الروحية في طريق مكة وتأثير التلبية 


كنت قبل عودة المشيعين لي من جدة ألبي في السر قليلاً» وأتكلم 
معهم كثيراًء فلما عادوا وولى النهار بأنسه وبهائهء وأقبل الليل 
بوحشيته وظلمائه هدأت المشاعر» وقرت النواظر» وخشعت السرائر». 
وتزاحمت الخواطرء فكان الغالب منها على الفكر والقلب ما يثيره تأثير 
الزمان والمكان وزي الإحرام في النفس؛ فأما الزمان فهو شهر ذي 
الحجة الحرام» وأما المكان فهو الطريق إلى بيت الله الحرام» وأما زي 
الإحرام» فهو الذي كان يتزيًا به إبراهيم خليل الله» وإسماعيل ذبيح 
اللهء ومحمد خاتم رسل الله؛ وغيرهم من رسل الله الكرامء عليهم 
الصلاة والسلام» وكل من حج البيت أو اعتمر من أصحابهم وأتباعهم 
هداة البشرء فيا لها من ذكرى يخشع لها القلب». ويرجى بها رضوان 
الرب» بما تثمره من قوة الإيمان» وطهارة الوجدان. وخلوص السر 
والإعلان ولو لم يقترن بها ذكر لسان» ولا عمل أركانء فكيف إذا 
صحبها تكرار التلبية» التى تزيد حرارتها تذكية؛ وإخلاصها تزكية : 
لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك» إن الحمد والنعمة لك 
والقلاكع لأ شيريكف للق 


تأملت نفسي في تلك الليلة الليلاء» والطريق الجرداء» فرأيتني 
حاسراً حافياً في إزار ورداء» غير مبال بما يكون من تأثير الهواء»ء وهي 
حال لم أعهدها في سالف الأيام إلا بين جدّر الحمامء وقد كان الهواء 
عند خروجنا من جدة حاراً رطباً» وكانت الدابة وهي في أول السير 
تنهب الأرض نهبآء وهذه ثلاثة أسباب يتفصد بها العرق من الإهاب. 


رحلة الحجاز - 
ثم كنا كلما أوغلنا في السّرى وتغلغلنا في البيداء» نشعر بجفاف الجو 
وبرد الهواء» حتى اضطررت إلى إخراج سجادة صلاة كانت تحتي». 
فوضعتها على عاتقي فلم تغن عني». فأخرجت العباءة فتلفعت بها 
جاعلا لأجل الإحرام أعلاها أسفلهاء ولم أخف من أذى يصيبني من 
برد الليل ولا ضررء ولم يعرض لي سأم من طول السّرى ولا ضجرء 
فإن مسني طائف من شيطان الوسوسة. ذكرت الله تعالى فطردته 
بالتلبية: لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك» إن الحمد 
والنعمة لك والملك» لا شريك لك . 





تلك التلية اعم فلب جتديرها إنمانا وتوضيد ا وتجرده. م 
الحظوظ والأهواء تجريداًء وتعده لزيارة بيت الله والطواف. وهو في 
أحسب ١‏ حال وأتم | سته لاد . 


[40] حتى إذا اكتحلت عينه برؤية الكعبة المعظمة» وراع القلب 
ما جللها من المهابة والعظمة تذكر أنها أول بيت وضع للناس مباركاً 
وهدى للعالمين» وخصه الله بالآيات البينات الباقية على بقايا الأيام 
والسنين» ورأى أمامها مقام إبراهيم عليه وعلى نبينا وآلهما الصلاة 
والسلام» ووجد نفسه حيث كان بَذْء دين الله الإسلام وحيث الختام. 
فإذا دنا من مهبط الروح الأمين ومطاف الملائكة والنبيين» والصديقين 
والشهداء والصالحين فلا تسل ثم عن الدموع كيف تنسكب» وعن 
الضلوع كيف تضطرب؛. وعن الأعناق كيف تخضعء. وعن القلوب 
كيف تخشع. ولا عن وجدان الإيمان كيف يتألق نوره في الجنان» 


المختار من الرحللات الحجازية 





م 
ويفيض بيانه على اللسان. فيحركه بما يلهم من الثناء»ء وما يشعر 
بالساحة النه مو النعاء :وما تدكره أو تدكر يفن العائوي» لذ تسل 
أيها القارىء عن شيء من ذلكء». ولا عن غيره مما يكون عند أداء 
المناسك» فمن ذاق عرف». ومن حرم انحرف . 


على هذه الحال تدخل الحرم المقدس» طاهر القلب والبدن من 
الحدث والدنس» فتأتيى الركن الأسود.ء حيث العظمة والسؤدد. 
فتقول: بسم الله الله أكبر» فيصغر في قلبك كل شؤون البشر» ثم تبدأ 
الطواف مع النية والإخلاص بلمس الحجر وتقبيله إن قدرت. 
وبالإشارة إليه إن أنت عجزت. ولا بأس بأن تتذكر ما قال أمير 
المؤمنين عمر بن الخطاب من قبلك: إنني أعلم أنك لا تضر ولا تنفع» 
ولو لا أن رسول الله كَل قبَلك لما قبلتك"'"» فتقبيلك ليس لذاتك 
الحجرية» ولا لمنفعه فيك مرجوة أو مضرة مخشية» ولا هذا الطواف 
الذي بك يبتدأ أو عندك يختتم في معنى عبادة الوثن وتعظيم الصنم. 
وإنما هو خضوع لأمر الله» واقتداء برسل الله» وتعظيم لما عظم الله 
وأنس بالقرب مما نسب إلى الله يكمل به توحيد الله» وتنمى به محبة 
الله فمن شأن المحبين الأنس بكل ما يسب إلى المحبوب» ولا سيما 
إذا تعذر اللقاء وعز الوصول». وكم نظموا من الأشعار في الوقوف 
بالأطلال والطواف بالآثار: 


)١(‏ قال المحقق: عبارة عمر: «ولو لا أني رأيت رسول الله كَل يقبلك» إلخ» رواه 


الجماعة كلهم. 


رحلة الحجاز 





(01) سل 
أمُرَ على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدار 
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار 

ولما كان الرب العلي العظيم» الجدير بأعلى مراتب الحب 
والتعظيم» لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصارء ولا يراه عباده في 
هذا الدار كان من رحمته بالمؤمنين المحبين أن وضع هذا البيت 
للطائفين منهم والعاكفين» ونسبه إليه ليكون تعظيمه تعظيماً له. 

فإذا مضيت في الطواف يميئاً مصاحباً لهذه الذكرى» جاعلا البيت 
من الجهة اليسرى فاشغله بالثناء على الله والدعاء لنفسك» ولآلك 
وصحبك. ولأمتك وأولى أمركء. فإذا بلغت الركن اليمانى - وهو 
الجنوبي الغربي - فاستلمه إن سهل عليك فإنه على قواعد إبراهيم التي 
ذكرها الله تعالى في القران العظيم» ومتى انتهيت إلى مقابلة وهو الركن 
الأسود فقد أتممت من طوافك الشوط الأول» وبقية الأشواط مثله في 
الشروط والآداب» كالخشوع والتذكر وترك غير الضروري من الكلام: 
وعدم التهافت على استلام الركن والحجر عند الزحام» فإذا أتممت 
السبعة الأشواط فاختم دعاءك بين الركعتين بقوله تعالى: # ري دَانِنَا 
ف لديا حسستَة ون الْآْرَةَحََةٌوَقِنَاعَدَابَ ألكَارٍ 2174 ثم صل ركعتين 
سنة الطواف». والأفضل أن تصليهما وراء المقام. 

[404] تأثير السعي وحكمته 
السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة» وليس 


.7١١ سورة البقرة: آية‎ )1١( 





2 
له نفل فلا يفعل في كل منهما أكثر من مرة؛ء ويجب أن يكون بعد 
الطواف» ولا يشترط فيه شروط الصلاة . 

وتذكر عند السعي أنه ذكرى سعي جدتنا السيدة هاجر عليها 
الرضوانء. أم أبينا إسماعيل ‏ عليه السلام» وعلى أبيه»ء وصفوة بنيه 
يِه ويا لها ذكرى لمجد العرب الكرام» ومعجزات الإسلام» مثبتة 
لحفظ الله تعالى ‏ لهذه الملة.» وعناية بهذه الأمة» حفظتها العرب 
بالعمل المتواترء وكم حفظت ما هو دونها من المآثرء وما يحفظ 
بالتمثيل والمحاكاة يكون أثبت مما يحفظ بالتلقين والروايات . 

اليس تمثيل حال تلك الأم جائعة ظامئة» والهة حائرة» تشاهد 
طفلها يتلوى ويتمرغ من شدة الجوع والظمأء فيسوقها ذلك الألم إلى 
الفرار من رؤيته بتلك الحال؛ والسعي بين ذينك الجبلين القريبين من 
ذلك المكان» تصعد هذا مرة وتلك أخرىء. ضارعة إلى الله راجية أن 
تجد من عنده غوثاًء حتى إذا ما انتهت من الشوط السابع أرسل الله - 
تعالى ‏ روحه الأمين الذي يؤيد به الأنبياء» فأنبع لها ذلك الماء. 
وجعل فيه الري والغذاءء ثم ساق ذلك الركب من جرهم إليهاء 
وسخرهم للإقامة عندهاء ليتربى فيهم ولدهاء ثم يجعله أصلاً لهذه 
الأمة الكريمة» ويجعل ذلك الوادي القاحل صّدفة لدرة الكعبة اليتيمة؛ 
إذ جعله بلدا يحفظ بيته الذي جعله مثابة للناس وأمنء وجعل قلوب 
الناس تهوي إليه من جميع الأقطار إيماناً ونسكاء ورزق أهله من 
الثمرات» وسخر لهم البشر في كل زمان» ألسنا نرى في هذا العام 
معجزة من معجزات هذا التسخير؟ بلى وقد ابتلى في هذا العام وما قبله 


رحلة الحجاز 





44 س 
الأمم الغنية القوية» المتصرفة في البلاد العامرة الخصبة الغنية بشيء من 
الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات» بهذه الحرب 
الأوروبية التي تقطعت بها الروابط وقلت المواصلات» واقتضى دخول 
الدولة العثمانية في غمراتها أن تضرب الدول المحاربة لها حجراً بحرياً 
على جميع سواحلهاء فكان الضيق على سكان حرم الله تعالى - 
شديداء حتى إذا ما أوشك أن يفتك بهم الموت جوعاً سخر الله تعالى 
- لهم تلك الدول تحمل إليهم الأقوات والأموال» وتنقل إليهم وفود 
الحجاج» وأراهم بهذه الإغاثة العامة مثالاً لتلك الإغاثة الخاصة» أعني 
إغاثة هاجر وإسماعيل» واستجابة لدعاء الخليل: # فَأَجَمَل أَفْيِدَدٌ مرح 
لئاس تموىة لبهم وأرزفهم من ألَّمرَتِ4”'' وكثيراً ما ذكرت الناس بذلك» 
في أثناء أداء المناسك . 





فمن سعى بين الصفا والمروة عالماً بما ذكرت متذكراً له معتبراً 
نه )6 فإنه يشعر في قلبه بنماء الإيمان بألله وبرسل الله ل كر 
تعالى : ## إن ألصَمَا لمرو من عار أ 04" , 
ادو وات ا او 
يعدونه الرابع في تقاويمها ‏ وأنني كنت متمتعاً بالعمرة إلى الحج . 


.710/ سورة إبراهيم: آية‎ )١( 
.١0/ سورة البقرة: آية‎ )6( 





- 1م 


وفي اليوم الثاني - وهو يوم الاثنين رابع ذي الحجة ‏ علم الناس 
بوصولي إلى مكة مع الحجاج المصريين» وذكرته جريدة القبلة في 
عددها الخامس عشر الذي صدر فيهء فأقبل الكثيرون من الشرفاء 
والعلماء والوجهاء لزيارتنا وفي مقدمتهم الأمير الشريف عبدالله”'', 
وبقينا إلى يوم التروية - وهو يوم الجمعة ثامن ذي الحجة ‏ لآ عمل لنا 
إلا عبادة الله تعالى وأخصها التطوف ببيته» وإلالقاء الناس في الدار 
وفي الحرم والاستفادة من مذاكراتهم . 

وقد كنت مدة إقامتي بمكة ضعيف البدن بنزف دم كان قد عرض 
لي لم يسبق لي مثلهء فكنت لا أستطيع الطواف إلا في وقت الأصيل 
ووقت السحرء وثقل علي الحر على أنه لم يكد يتجاوز لدرجة 5" من 
ميزان سنتكراد إلا قليلاً» ولم أكن أجد راحة في جسمي إلا حيث كانت 
راحة روحيء وما ذاك إلا في الحرم الشريف» ولا يوجد في بطن مكة 
مكان كالحرم يتخلله هواء لسعته وكثرة الفجاج الموصلة إليه من 
الجهات الأربع . 


)١(‏ هو عبدالله بن الحسين حاكم الأردن بعد ذلك وجد الملك حسين الذي توفي 
قريباًء ولد بمكة سنة »1١١594‏ وكان نائبها في مجلس النواب العثماني» ثم ثار 
مع أبيه على الأتراك سنة .١5‏ ثم أرسله أبوه إلى سوريا لإنقاذها من 
الفرنسيين سنة ١7794‏ وانعقدت عليه الآمال لكنه خيبهاء وأقام في عمان واتفق 
مع تشرشل في القدس على إنشاء إمارة شرقي الأردن» ونزل لليهود عن اللد 
والرملة فقتله أحد الفلسطينين في المسجد الأقصى يوم الجمعة سنة .11717١‏ انظر 

«الأعلام»: 87/5. 


رحلة الحجاز 





-© 





[406] رخاء المعيشة بمكة 


أذكر من خبر رخاء المعيشة في مكة المكرمة أن أهل هذا البلد 
الأمين يتمتعون أبداً بدعاء إبراهيم كك الذي حكاه الله عنه في قوله : 
(تَادُقهم ون التعرتٍ لَعلَمْر يكن 274 ودعائه أن يبارك الله لهم في 
اللحم عندما زار بيت إسماعيل بمكة بعد زواجه الثاني - كما ثبت في 
حديث ابن عباس عند البخاري ‏ فاللحم في مكة كثير ورخيص وهو 
جيد شديد السمّن» والثمرات الخضر فيها كثيرة رخيصة ‏ أيضاً - على 
أنهم يرفعون أثمان كل شيء في موسم الحج. وقد كنا في دار الضيافة 
الهاشمية تستطاب لنا ألوان اللحم والخضر في كل غداء وعشاء» ولكن 
كان يغلب عليّ وعلى الوالدة والشقيقة الإقهاء”''؛ فرغبتنا في الطعام 
كانت ضعيفة» ولولا عنب الطائف ورمانها الجيدان لما طابت لنا 


المعيشة» وكان لدينا طاه يحسن الطبخ على الطريقتين المكية والتركية 
ثم استحسنت الوالدة أن تتولى الطبخ لنا إحدى الجاريتين اللتين 
خصصتاً للخدمة المنزلية. 


وأما الثلج أو الجليد فقد قيل لنا إنه كان له معمل في مكة وقد 
كسر وتعطل» ووجدنا بعض الهنود هنالك يعملون قطعاً صغيرة من 
الجليد يجمدونها في قوالب من الزنك ويبيعونها بأثمان غالية جداً 
لمعتادي شرب الماء المثلوج فكنت أشتري منهم كل يوم؛ إذ لم أجد 


230 سورة إبراهيم : الآية 7 
628 قال المحقق : الإقهام : فقل شهوة الطعام . 


ماء كيزان الفخار مقبولاً وإن كنا فى شهر الميزان» خلافاً للمثل 
الحجازي القائل: إذا دخلت الشمس في الميزان» يبرد الماء في 
الكيزان. 








الإحرام بالحج وشد الرحال إلى عرفات 


صلينا الجمعة يوم التروية”؟ وهو ثامن ذي الحجة في الحرم 
الشريف وفي ليلة السبت شددنا الرحال إلى عرفات محرمين بالحج . 


في أصيل هذا اليوم - يوم التروية - جيء بالرواحل إلى حوش 
الدار. وتولى وكيل الخرج ووالده شد الشقادف وفرشها ثم ركبنا في 
وقت العشاءء فكانت السيدتان الوالدة والشقيقة فى أحسن الهوادج 
نجيب أفندي في شقدفء. وركب والد وكيل الخرج الجمل الذي 
يحمل الخيام والأثاث والماعون والمؤنة وسرنا الهوينا في أسواق مكة 
قاصدين عرفة بعد أن أحرمنا جميعاً وأهللنا بالحج من منزلناء إلا الذي 
ذهب بالخيام والماعون فإنه سبقناء وبعد سرى نحو من ست ساعات» 
وصلنا إلى حيث ضربت خيامنا من عرفات» وذلك بالقرب من موقف 
النبي يق حيث مسجد الصخرات» ولم يكن في استطاعتنا أن نتبع سنته 
يه في السير بأصحابه إلى عرفه» وقد صلى النبي كَكلِةٍ الظهر والعصر 
يوم التروية بمنى وبات فيها ليلة عرفة» وإنما رحل منها بعد طلوع 


)١(‏ قال المحقق: سمي بذلك لأنهم كانوا يروون فيه إبلهم ويحملونها الماء الكثير 
لعدم وجوده في عرفة. 





الشمس ففي ذلك عدة سئن لم تتيسر لناء والخروج في كل وقث من 
يوم التروية مباح» وكره مالك التقدم إليها قبله والتأخر عنه إلا أن أدركه 


الوقوف يعرفات 

بلغنا عرفات في وقت السحر فألفينا الخيام قد ضربث لنا وفرشت 
فنزلنا فيهاء ولما طلع النهار وجدنا أنفسنا بالقرب من مسجد الضخرات 
حيث كان موقف النبي يليه ورأينا أكثر الحجاج في هذا الجانب من 
بسيط عرفات» وسائر الجوانب والأجواز خالية وفي بعضها قليل من 
الحجاج» ولبعض حجاج الأقطاز مواضع خاضة يقفون فيها كل عامء 
ويقف كثير من عرب الجزيرة في جبل الرحمة ويصعده كثير من حجاج 
الأقطار الأخرى . 

وكانت خيام الشريف في موضعها المعتاد من وسط ذلك البسيظطء 
وكان السبب في بعدها عن مسجد الضخرات وموقف الإمام أن يسهل 
على أي فريق من الحجاج الوضول إليه للزيارة أو الشكوئى فى زمن 


ينا 


[3] قد فاتنا لقلة الحجاج رؤية منظر من أعظم المناظر المؤثرة 
في النفس» المحركة لشعور الخشوع والعبودية في القلب. وهو رؤية 
"تللق البقعة الشريفة غاضة بالشعوب الوافدة من جميع أقطار الأرض» 
ملبين داعين» باكين خاشعين». يجأرون إلى الله - عزوجل ‏ على 
اختلاف لهجاتهم الناشئة غن اختلاف لغاتهم» يرددون الأذكار المأثورة 


المختار من الرحلات الحجازية 





1م 


بالعربية» ويدعون الله ما شاؤوا بلغاتهم المختلفة . 





[/ا١5]‏ وقوفنا بعرفة وتأويل رؤيا صادقة 


زرت في أثناء النهار الآمير الشريف مع بعض الإخوان فجئت 
سرادقه راكباً النهار الأمير الشريف مع بعض الإخوان فجئت سرادقه 
راكباً فرساً لبعده عن موقفنا. ورأيت سوق عرفة وهى بقفرب مجرى 
عين زبيدة» ولما رأيت مجرى عين زبيدة هنالك ووجدتها تنحدر بقوة 
في مجاريها الواسعة المبنية تذكرت رؤيا كنت رأيتها بمصر قبل ثورة 
الحجاز وكتبتها وذكرتها لكثير من الناس : 

رأيت في جمادى الآأولى سن ١‏ أنني في مكة المكرمة ومعي 
رفيق لي فدخلنا المسجد الحرام» ثم أردنا أن نخرج لحاجة لنا فسمعنا 
أذان العصرء فقلت لرفيقي : لا ينبغي لنا أن نخرج وقد أدركتنا الصلاة 
إلا بعد أدائها في المسجدء وبينما أنا جالس في المصلى بالقرب من 
الكعبة المعظمة رأيت الشريف حسيئاً أمير مكة جالساً أمامى من جهة 
يميني قريباً مني» واعتقدت أنه جاء ليصلي بالناس إماماً. فالتفت إلى 
من جهة يساره وقال لى: أبطأت عليناء إننا منذ زمن ننتظر قدومك 
إليناء وبعد أن خرجنا 0 أره صلى ولا أننا صلينا معه - رأيت معي 
بعض رجاله وأننا ذاهبون بأمره إلى أحد دوره ‏ أي غير دار الإمارة - 
لأكون فيها ضيفاً عليه» وبينما نحن نسير غرباً جنوبياً رأيت في شارع 
واسع ممتد من الجنوب إلى الشمال ماء غزيراً صافياً مندفعاً بقوة في 
مجرى واسع مبني بالحجارة وله فرع إلى الغرب وفرع إلى الشرق» 
فوقفت متعجباً من قوة جريان ذلك الماء وقلت في نفسي : أهذا ماء 


رحلة الحجاز 





-© 


عين زبيدة؟! ما سمعنا أحداً من الحجاج ذكره بهذا الوصف». وهذه 
القوة في الجريان لا تكون إلا بقوة دافعة كالكهربائية أو البخارية. 
ورأيت في الطريق داراً جديدة ممتازة بين دور مكة ببياضها من الخارج 
علمت أنها خاصة بنساء الشريف. وخخطر في بالي أن دار الضيافة التي 
خصصت لي سأكون فيها مع الشريف عبدالله أحد أنجال الأمير. 


هذا ما رأيته في نومي قبل ثورة الحجاز بعدة أشهر”'"2. ولما 
حدثت الثورة وأعلن الاستقلال خطر في بالي أنه ربما كان تأويل رؤياي 
إصلاح جديد تحيا به مكة ويمتد إلى سائ 0 كامتداد ذلك الماء 
الذف برافة :تنا عات بشول :2 وا امن ال 6 16 

ولما جئت مكة حاجاً ظهر لي من تأويل الرؤيا أنه كان معي 
رفيق» وأنني كنت ضيفاً للأمير» وأنه رحب بي أحسن ترحيب وكان 
ينتظر مجيئي» وأن دار الضيافة كانت في الجهة الغربية من الحرم 
الشريف:: .أن الشريف عبدالله زارني في هذه الدارء وأنني رأيت دارا 
بيضاء قيل لي: إنها دار حرم الأمير الخاص» وأن الناس تحدثوا بأنه 
سيّبايّع بالخلافة ‏ والإمامة الخاصة». قد تؤول بالإمامة العامة» وكل 
منهما كان متوقعاً ولم يقع . وأما مصداق الرؤيا في مسألة الماء فلم 
أشاهده في اليقظة على نحو ما رأيته في النوم إلا في عرفات» فالمجرى 
المبني وطوله وامتداده يشبه الذي رأيت إلا أن سرعة اندفاع الماء وقوته 


() يعني ثورة الحسين بن علي على الأتراك وإخراجهم من الحجاز. 
(؟) سورة الأنبياء: الآية .7١‏ 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 11م 


كانتا دون ما رأيت في النوم» والفرق يسيرء فهذه الرؤيا من أوضح 
الرؤى وأجلاها تأويلاًء وهى حجة على الذين ينكرون الرؤى الصادقة . 


]35١48[‏ الحالة الروحية في الوقوف والخفر 


إن الحالة الروحية لا تبلغ الكمال في عرفات ظاهراً وباطناً إلا في 
أصيل ذلك اليوم العظيم» ففي أول النهار يعرض لأكثر الناس شواغل 
تشغل حواسهم وجوارحهم وأفكارهم. منها ضروريات الأكل 
والشرب» ومنها رؤية المناظر الجديدة من تلك البقعة الجامعة لشعوب 
كت توما بحيظ بهااءفن العياك» فيه الماطر قبع قير من النامن 
بصورتها وشكلها ‏ في أول العهد برؤيتها - عن معناها وحكمة كون 
السير إليها والوقوف فيها عبادة لله - تعالى -» وفى أثناء النهار يأكل 
الناس طعامهم ويستريح أكثرهم في خيامهم ومضاربهم أو في ظلال 
الجبال ولا سيما إذا كان الحر شديداء فإذا جاء وقت العصر جمعوا 
متاعهم وشدوأ رحالهم وفرغوا قلوبهم للذكر والدعاء. وازدحموا عند 
موقف الخطيب من جبل الرحمة حرصاً على سماع الخطبة» أو 
الاشتراك مع الألوف من إخوانهم في التكبير والتلبية . 


فضينا جل نهار عرفة بذكر الله والدعاء. وتيسر لى - والحمد لله - 
الاغتسال فيه» وصلينا الظهر والعصر جميعاً فى مسجد الصخرات» 
فاستوى على تلك الصخرة من جبل الرحمة ذات التاريخ الإسلامي 


رحلة الحجاز 





-9 


المناسك» ومن دونه ومن فوقه في الجبل ألوف من الناس يشاهد 
بعضهم بعضاً ويراهم من في السفح ومن في بسيط عرفات كلها؛ لأن 
الجبل مدرّج يشبه ما يتخذ في بعض المدارس الكبرى من المقاعد ذات 
الدّرُج المقوسة. وكلما لبى وكبر الخطيب لبى من حوله وكبروا 
وأشاروا. بأطراف أرديتهم البيضاء أو مناديلهم. ويتبعهم في التلبية 
والإشارة كل من هنالك من قمة الجبل إلى سفحه. فيلبي سائر الناس 
ويكبرونء فيتموج بأصواتهم الهواءء» وترتج الأجواء» حتى تصل إلى 
عنان السماء» بل تخترقها حاملة ذلك الذكر والثناء» والضراعة والدعاء 
إلى من استوى إلى عرشه المجيدء وهو أقرب إلى عبده من حبل 
الوريد؛ فياله من موقف ما أعظمه!» وما أصدق من شبهه بيوم القيامة. 
وقد يكون التشبيه على أكمله في ذلك المساءء فإنه وقت يكون فيه لكل ' 
مؤمن من الشغل بنفسه والتوجه إلى ربه ما لا يعهد مثله في وقت من 
أوقات حياته؛ يشعر ‏ والناس محيطون به من كل جانب - بأنه في خلوة 
لا يشغله فيها عن ربه شاغل» ولا يشوب خشوعه له وبكاءه من خشيته 
وسروره بمناجاته رياء ولا سمعة» بل لا يكاد يخطر بباله أن أحد 
هنالك يرى أحداء فما أعجب شأن هذا الاجتماع العظيم الذي يجمع 
كل من شهده ‏ بإيمان وعرفان ‏ بين مزايا عبادة الخلوة وعبادة شعائر 
الاجتماع» بل أقول: إن له مزية على سائر الشعائر لا يعرفها إلا من 
ذاقها. 


وقبيل الغروب أقبل الشريف أمير مير مكة بموكبه الحافل حتى صعد 
أدنى جبل الرحمة فكان قريباً من موقف الخطيب» وثلاه ركب المحمل 





المصري. وحينكد أطلقت المدافع ‏ وعزفت المعازف». واستعد الناس 
للدفع من عرفة لأجل مبيت تلك الليلة بمزدلفة. وبدأ الدفع بعد الغروب . 


المبيت بمزدلفة 


نزلت بفناء مسجد المزدلفة فصليت هنالك المغرب والعشاء قصرأ 
وعتمها. 


نمت ساعات واستيقظت في وقت السحرء وقد سخر الله تعالى - 
لي رفاقاً من خير الناس بت بجوارهم» فلما استيقظت وجدتهم أيقاظأاً . 
فطلبت منهم ماء فتوضأت وصليت الوتر إحدى عشرة ركعة» فلما 
أتممت صلاتي وجدتهم قد أحضروا الشاي. وخصني كبيرهم بإبريق 
نظيف من نوع جيد منه» وقدم لي معه صححناً في لوز مقشور وصحنأ من 
الكعك المعروف بالقراقيش فأصبت من ذلك كله شاكراً لهم . 


[40] وطفق كبيرهم يسألني أسئلة في السنة والاتباع والابتداع 
واختلاف العلماء والصوفية ويتلقى أجوبتي عنها بالقبول مسروراً بما 
جليتها به من الشرح والتفصيل. وهذا الرجل بخاري الأصل يعرف 
العربية وكنت توهمت أنه داغستاني» وقد ساح في كثير من البلاد» وقد 
فهمت أنه جاور في مكة المكرمة وأنه يخرج كل سنة منها إلى عرفة 
ببعض أصحابه في الموسم مشاة ويعودون مشاة» وقد اختلف العلماء 
في أي الأمرين أفضل في المناسك: المشي أم الركوب؟ فقيل : 
المشي؛ لأنه أقرب إلى التواضع وأعون على الدعاءء وقيل: بل 
الركوب تأسياً بالنبي كَلِةٍ فإنه لم يفعل إلا الأفضل . 


رحلة الحجاز 





4م - 

ولننا ظلع الجر صلخا مع “التحماطة» اق ذهينا مول العسييد 
نجمع الحصا لرمي الجمارء فلما جمعناها ركبت دابتي وسرت وسار 
أصحابي مشاة قاصدين منى . 

الإفاضة إلى منى ورمي جمرة العقبة 

أفضنا من مزدلفة ملبين مكبرين قبل طلوع الشمس عملا بالسنة» 
ومخالفة لما كان عليه عمل الجاهلية من تأخير الإفاضة منها إلى 
طلوعهاء ومن السنة المبنية على سبب تاريخي هنالك الإسراع المعتدل 
في السير في بطن مُحَسّر لا فرق في ذلك بين الماشي والراكب وتقدم 
أن بطن مُحَسّر هو الوادي الفاصل بين منى ومزدلفة» قال بعض 
العلماء: إن حكمة الإيضاع'' فيه أن أهل الجاهلية كانوا يقفون فيه 
ويذكرون مفاخر ابائهم» ففي الإسراع فيه إظهار البراءة من ذلك» وقال 
بعضهم: إن هذا المكان هو الذي أهلك الله تعالى ‏ فيه أصحاب 
الفيل الذين جاؤوا من طريق اليمن لهدم بيته المحرم فاستّحب الإسراع 
في الخروج منه لأنه كان موضع سخط الله - تعالى - وعذابه لأولئك 
الظالمين المعتدين» ويستحب مثل ذلك في كل مكان مثله كديار ثمود. 

ولما وصلنا إلى منى قصدنا الجمرة الكبرى ‏ جمرة العقبة وكانت 
الشمس قد ارتفعت - فرميناها بسبع حصيات نكبر مع كل حصاة» وفي 
مثل هذا الوقت رماها النبي يَلةِ راكباً. وقد صح أنه يَكةِ جعل البيت عن 
' يمينه ومنى عن يساره ورمى» وأنه كان يكبر مع كل حصاة. 


المختار من الرحلات الحجازية 
> (15) 2 ظ 


وبعد الرمي جئت الدار المعدة لنزولنا فيها فإذا هي من أعظم دور 
منى حسناً وسعة» وهي لصديقنا الشيخ محمد نصيف» فرأيت السيدتين 
في قسم النساء منهاء الس سااحه وقد قصصت قليلاً من شعر 
رأسي بيدي» ولم يتيسر لي الإتيان بحلاق إلى الدار لأنني أريد الإفاضة 
إلى مكة لأجل طواف الركن» وفي حديث أنس عند مسلم أنه كك أتى 
مق اذأتى الجمرة اترمافا» في أتى. نه لداممتن وتغر» فو قال للخلاق: 
«خذ) وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسرء ثم جعل يعطيه الناس . 


ومتى شرع الحاج في رمي جمرة العقبة مكبراً تنقطع التلبية التي 
ومتى رماها وحلق شعر رأسه أو قصره حل له كل ما كان محرماً في 
السك إلا ملامسة النساء فإنها لا تحل إلا بالتحلل الأخير بطواف 
الإفاضة . 





طواف الإفاضة 
بعد ذلك ركبت دابتي وقصدت مكة المكرمة فطفت طواف 
الإفاضة ‏ وهو طواف الركن الذي لا يتم الحج بدونه ‏ وفي أثناء طوافنا 
شرع أهل مكة في صلاة العيدء ورأيت الأمير يصلي معهم مأموماء 
وكان الرجال يصلون في الجهة الغربية من الكعبة المعظمة والنساء في 
الجهة الجنوبية وهن كثيرات جدآاء ثم سعينا بين الصفا والمروة وهو 
من أركان الحج وقد سعيت في هذه المرة ماشيا. 


]1٠١[‏ ولم يصل النبي كَلِة العيد يوم النحر بمكة ولا بمنى» كما 


رحلة الحجاز 





-_ 0 


أنه لم يصل الجمعة بعرفة لأنه مسافر ولم يكن يصليهما في السفرء 
وقال بعض العلماء: إن رمي جمرة العقبة للحاج كصلاة العيد لغيره 
فصلاة العيد لا تطلب منه وإن كان مكياًء ونسأل الله تعالى ‏ أن يوفقنا 
لإقامة السنة على الوجه الأكمل في حجة أخرى أو حجات كثيرة . 


هذا وإنني بعد الطواف والسعي جئت منزلنا بمكة واستحضرت 
حلاقا 'فاتتذ. شعر راسي كله بالآلة المعروفة بالمكنة 'اععذاً اقرت إلى 
الحلق منه إلى التقصيرء ثم عدت إلى منى وقد تحللت من الحج تحللاً 
كاج نوك : الحمد» أولا اعضو بوإناه سال أن يحيله حيجا قير ل" 
وسعياً مشكوراً. 

كنا نذبح كل يوم من أيام منى فنأخذ حاجتنا ليومنا ونتتصدق 
بالباقي» وقد كانت الذبائح في السنين الخالية تزيد على حاجة أهل 
البلاد ومن حولهم من الأعراب لكثرتهاء وأما في هذا العام فهي لا 
تكاد تكفي فقراء الحرم . 


[911] الحالة السياسية في الحجاز في أواخر سنة ١174‏ 


أتممنا بفضل الله مناسكناء فنحمد الله تعالى - ونسأله أن يتقبل 
مناء وإذا فرغنا من حديث المناسك» فيحسن أن نتم فوائد هذه الرحلة 
بما يمكن بيانه الآن من أخبار الحجاز الاجتماعية والسياسية» التي تعد 
من أعظم الأحداث التاريخية» ثم ببعض الطرف الأدبية» من 
المختارات الشعرية» ونبدأ بذكر إنشاء الحكومة الجديدة في مكة 
المكرمة فنقول: 


المختار من الرحلات الحجازية 





لما شرع بالاستعداد لتأليف هذه الحكومة أصحابنا اللاجئون 
إليهاء الذين يعدون من أصحاب الشأن أو العمل فيهاء اختلفت اراؤهم 
فيما ينتظر أن تكون عليه» وما ينبغي أن يكون مسلكهم في هذه الحال 
على كل تقدير يتصوره الذهن» وقد استحسنوا أن يجتمعوا ليلا 
ويكاشفوني بآرائهم ويتعرفوا رأيي «والمستشار مؤتمن» ففعلواء ومما 
يعد من الغريب عند كثير من الناس أن ما كان يجول في أذهان أهل 
البلاد المختلفة بمكة في هذه المسألة هو عين ما كان يجول في أذهان 
أهل مصر من الآراء والظنون» ثم ماذا كان؟ 

علمنا يوم الخميس سابع ذي الحجة أنه قد تألفت فيها حكومة 
جديدة» ثم ثلي مرسوم شريف آخر بتأليف مجلس الشيوخ الأعلى . 

ولما علم الناس بتأليف الحكومة الجديدة كان حديثها شغلهم 
الشاغل» وكان ينتظرون أن يسمعوا يوم الجمعة ثامن الشهر شيئاً جديداً 
في تعيين شكلهاء واستحسن بعض الإخوان الذين رأوا ما رأوا من 
إكرام الأمير مثواي أن أطلب التشرف بمقابلة خاصة أتوسل بها إلى 
عرض ما عرفوا وحمدوا من رأيي في شكل هذه الحكومة ففعلت. 
ونلت الحظوة في أول الليل على سطح في أحد جوانب قصر الإمارة. 
وتوسلت بذكر ما تم من تأليف مجلس الوكلاء إلى السؤال عن شكل 
الحكومة كيف يكون؟ فتفضل الأمير بتواضعه المعهود قائلاً: هذا ما 
نحب أن نأخذ رأيكم فيه» فذكرت رأيي مفصلاً تفصيلاً. ولكنني لم 
أسمع كلمة ولا رأيت إشارة تدل على استحسان ولا على إنكار» ثم 
انكاد نض :و لضو :فك 


رحلة الحجاز 





12 


[417] إن جمهور الناس من المكيين والحجاج كانوا ينتظرون أن 
يسمعوا يوم الجمعة شيئاً جديداً فلم يسمعواء وكان من صلى الجمعة 
في المسجد الحرام من المصريين على مقربة من المنبر يلقون السمع 
إلى الخطيب عند الدعاءء» فسمعوه بآذانهم يدعو للسلطان محمد 
رشاد"'"» وخرج الناس من المسجد الحرام» ولم يقع ما كانوا يتوقعون 
من المبايعة بالخلافة بين الركن والمقام» فزال بذلك ما زال من الظنون 
والأوهام. 

ثم عاد الناس إلى الحديث في هذه المسألة في مساء يوم العيد 
بمنى» وأشيع أن المبايعة يحتمل أن تكون ضحوة غد في أثناء الاحتفال 
المعتاد في سرادق الأمير؛ ذلك بأن العادة قد مضت بأن تكون ضحوة 
اليوم الأول من أيام منى موعد تهنئة الأمير الشريف بالعيد وإتمام 
المناسك» فكان يحضر لديه والي الحجاز وقائد الجند فيه وأمير الحج 
الشامي والمصري وكبار الشرفاء والعلماء وكبراء رجال الحكومة 
ووجهاء مكة المكرمة والحجاج . 

ولما أشيع ما أشيع جاءني أولئك الأصحاب ليلا للمذاكرة في 
الأمرء وبعد طول التشاور فيه اقترحوا علي أن أذهب إلى مخيم الإمارة 
لاكتشاف الحقيقة إذ قيل: إن جمهور رجال الحكومة الجديدة وشرفاء 


)1١(‏ تولى الخلافة بعد السلطان عبدالحميد»ء ولد سنة »١1855‏ وتولى الخلافة بعد 
عزل السلطان عبدالحميد سنة 1777 الموافق سنة 2١1909‏ ولكنه لم يصنع كيك 
ذا بال» وكانت الدولة في عهده في احتضارء ثم تولى بعده بعض الخلفاء 
الضعاف إلى أن ألغى مصطفى كمال أخزاه الله الخلافة» وأذاق الترك الويلات 
التي يعانون منها إلى الآن. 


المختار من الرحلات الحجازية 





مكة ووجهاءها يرون وجوب المبايعة بالخلافة» وإن سيدنا الأمير 
مخالف لهم في ذلك ويرى ترك ذلك إلى جماعة المسلمين في سائر 
الأقطارء وقد بين هذا المعنى بعد ذلك فى بعض المنشورات 
الهاشمية» ولما كان منزلنا بعيداً عن مخيم الإمارة وكان الإخوان 
يعلمون أن الأمير لا يسهر كثيراً جاؤوني بجواد كريم» فركبته وأسرعت 
إلى السرادق الخاص فقيل لي: إن سيدنا قد نام» وسألت عن نجله 
الأمير عبدالله فقيل: إنه قد نام أيضاًء فعدت أدراجي إلى إخواني 
فأخبرتهم بذلك وانصرفنا إلى مضاجعنا. 


بت ليلتي أفكر في هذه المسألة» ولم يبق لي من أعمال النسك ما 
يشغل قلبي عنهاء وكان رأبي في مسألة الخلافة هو ما قيل لي في هذه 
الليلة عن رأي الأمير دون من حوله» وقد أكبرته لذلك». وكان أعجبني 
من منشوريه الأولين جَعْل عداواته لفئة الاتحاديين المتغلبة لا للشعب 
التركي ولا للدولة العثمانية”'" . 


ولما أصبحنا أسرع الناس إلى مكان الاحتفال مشرقين وتأخرت 
إلى الضحوة الكبرى فألفيت سرادق الإمارة غاصاً بالناس كذا الفجوة 
التي أمامه. ولو لم يرني بعض من يعرفني هنالك لما تيسر لي اختراق 
ذلك الجمع الكثيف. والنفوذ إلى المجلس الهاشمي الشريف. ولكن 
رآني مّن فرج لي فرجة بين الناس دخلت منها إلى أن بلغت الحلقة 


)١(‏ أي الثورة كانت عداءً للاتحاديين لكنها انصرفت بعد ذلك عداءً للدولة العثمانية 
نفسهاء والله أعلم . 


رحلة الحجاز 





-_- 


الكبيرة وجلست على كرسي أخلي لي فيهاء وكان الناس من مصريين 
ومكيين قد شرعوا في إلقاء الخطب والقصائد في التهاني والأدعية. 
فرأيت أن ألقي خطبة في بيان الحقيقة التي عرفتها بالبحث والاختبار» 
والأراء التي انتجتها تلك الأفكارء أشير فيها إلى آراء الناس من 
الحجازيين والافاقيين وكنت قد بلوت أخبارهم» واكتنهت معرفتهم 
وإنكارهم» وأذكر ما لدي من الرأي في المسألة الحجازية وما يشترط 
في ذلك بقدر ما يسعه المقام. فلما فرغ من كان يتكلم قبل مجيئي 
استأذنت فأذن لي فقمت وقلت ما ملخصه كما نشر في جريدة القبلة: 
وكل ما يوضع فيها بين الأهلة هكذا() فهو من قبّل جريدة القبلة ‏ كما 
هو ظاهر ‏ إلا الآيتين الكريمتين في أولها فهما من أصل الخطبة: 


[41] خطبتنا السياسية في منى 


أيها المسلمون الكرام» من سكان حرم الله وحجاج بيته الحرام» 
إنكم تعلمون أن الإسلام دين سيادة وسلطة» وأن شريعته أنزلت ليقيم 
أحكامها أهله» لقوله تعالى : 3 أوليمرا لَه وَأصلِيسوا الول وول الأ تمأ (1) 
على التأويل المشهور للاية» وتعلمون أن الله تعالى ‏ قد جعل هذه 
الدين عربياً إذ أنزل القرآن الذي هو أصله وأساسه باللغة العربية على 
لسان النبي الأمي العربي محمد يلِِةِ وقد بين الله - تعالى ‏ ذلك بقوله : 
« وَكَدَِكَ أله حَكْمَا ريا 4<" فهذه الآية أخص من الآيات الناطقة بإنزال 


.64 سورة النساء: الآية‎ )١( 
(؟) سورة الرعد: الآية /ا.‎ 


اليشتار هن الرحلات الجحارة 





> روم 


القرآن عربيًء لأنها مصرحة بأن حكم هذا الدين» مع العلم بأن كتابه 
المتعبد به عربى”('؟» وهذه البلاد العربية هى مهد هذا الدين ومهبط 
وححيه ومشرق لوره» وكان أهلها هم السا يقير إلى تلقيه والاهتداء به 
ثم تبعهم فيه غيرهم من عرب الحجاز فسائر هذه الجزيرة العربية» ثم 
حمله العرب لون سائر الأقطار ونشروه فيهاء فأمتل في الجيل الأول 
منهم حتى عم نوره الشرق والغرب» وأروا الأمم بإقامة أحكامه من 
العدل والرحمة ما لم يعرفوا ولم يسمعوا له نظيراً كما اعترف بذلك 
المنصفون من الإفرنج وغيرهم . 


ثم طرأ الضعف على السلطة الإسلامية بتفريق الوحدة العربية 
الكافلة لهاء وتغلغل الأعاجم في الدولة الإسلامية التي تعددت بسبب 
ضعف سلطة الخلافة» فبعد أن كانت الفتوحات الإسلامية في مد لا 
جزر معه.ء صارت دولة الطوائف الإسلامية بين مد وجزرء وفوة 
وضعف. حتى وصلت الدولة العثمانية منها إلى درجة عالية» ومكانة 
سامية من من القوة الحربية وسعة الفتح والتغلب» فسر بها المسلمون 
ورضي بعضهم حكامهم المستقلين بسيادتها طوعاً واختياراًء كما دخل 
بعضهم تحتها اضطراراً» وقد كان أمراء مكة العظام أهل بيت سيدنا هذا 
(وأشار الخطيب إلى جلالة مولانا الأمير) في مقدمة مَن أيد هذه الدولة 
واعترفوا بسلطتها وسيادتهاء لأجل جمع كلمة المسلمين بها وإعلاء 
شأن الشريعة الإسلامية بنفوذها (ههنا قال جلالة سيدنا الخطيب: 


غ2 كذا وردت والمعنى واضح. 


رحلة الحجاز 





9 


صدقت). 


ثم إن هذه الدولة قل سرى إليها الضعف ودب إليها الوهن من 
زهاء ثلاثة قرون وإننى أذكر لكم بعض الشواهد على ذلك من تاريخها 
الزسمى مت جاثة سَئة وشفية: 


إن محمد علي باشا الذي كان واليأً للدولة على مصر قد زحف 
على سورية ففتحهاء ثم على الأناضول فتوغل فيهاء ولولا أن الدولة 
الإنكليزية أكرهته على الرجوع إلى مصر لاستولى على بلاد الدولة 
كلهاء وكان ذلك على عهد السلطان محمود الذي كان يُعد مصلحاً في 
الدولة ومجدداً لها بقضائه على عسكر الانكشارية المختل وإدخاله كر 
الجندية الأوروبي في الدولة . 


تولى السلطان محمود السلطة في سنة ١1١7‏ وتوفي 21500 
فخلفه السلطان عبدالمجيد الذي صرح في خطابه عند إعلان 
«التنظيمات الخيرية» بأن الضعف والخلل قد طرأ على الدولة منذ ١6١‏ 
سنة وأنه لا بد من تلافيى خطر ذلك بالنظام الذي أعلنه بتدبير أساطين 
الدولة في عهدهء. ولكن ذلك النظام لم يُعد إلى الدولة قوتهاء ولا 
أنقذها من الخطر الذي كان يُخْشى عليها؛ ودليل ذلك أن أركان الدولة 
قد خلعوا أخاه السلطان عبدالعزيز"'' الذي خلفه سنة /ا71١‏ وقتلوه أو 


7)١(‏ هو السلطاق عب العزيز اق بم السلطان: متحموة خان» .ولك يي 611746::ؤتولن 
السلطنة سنة لال71١١.‏ حدث في عهده أحداث كثيرة» وخلع بعد أن اتهم باختلال 
الشعور وعدم الإلمام في الأمور السياسية» وكان ذلك سنة ١797‏ . انظر «تاريخ 
الدولة العلية العثمانية»: ٠لاه‏ _ لالاه. 





ألجأوه إلى بَحع”") نفسه بيده سنة ١7917“‏ بحجة أن استبداده كان حائلا 
دون إصلاح الدولة وتجديد شبابهاء وولوا بعده السلطان مرادا”' ولم 
يلبئوا أن خلعوه في تلك السنة» وولوا بعده السلطان عبدالحميد الذي 
كان عاهدهم على العمل بالقانون الأساسي الذي قلدوا فيه الدولة 
الأوربية ظناً منهم بأنهم لا يعتزون إلا بما اعتزت به من الحكم النيابي . 


]4١[‏ وأما سيرة السلطان عبدالحميد فهي معروفة عندكم لأن 
العهد بها قريب0”. وقد خلعته جمعية الاتحاد والترقي بقوة جند 
الدولة واعتقلته» وتولت الجمعية السيطرة على الدولة 557 فماذا كان 
من أمرها؟ هل كانت خيراً من أولئك السلاطين العظام الذين لم يقدروا 
أن يصلحوا ملكهم الذي ورثوه عن آبائهم وأجدادهم؟ كلا إن زعماء 
هذه الجمعية الذين غلبوا الدولة على أمرها هم أوباش من الملاحدة 
المارقين قد وصلوا إلى ما وصلوا إليه بكيد يهود سلانيك”* وشركائهم 


)١(‏ أي إهلاك. 

(؟) هو السلطان مراد خان الخامس بن السلطان عبدالمجيد.ء ولد سئنة .١5905‏ 
وتولي السلطنة بعد خلع عمه عبدالعزيز سنة 2١1791‏ وعزل في السنة نفسها 
بحجة الجنون المطبق. انظر المصدر السابق: 5/8 - 085. 

(9) فى كلامه همز ولمز للسلطان عبدالحميدء ولا شك أن أعداءه شوهوا سيرته التي 
لم تكن صافية كل الصفاء كما أنها لم تكن سيئة إلى هذا الحد: انظر «تاريخ 
الدولة العلية العثمانية»: ١/اا‏ وما بعدها ففيه دفاع الدكتور إحسان حقي - 
المحقق ‏ عن السلطان عبدالحميد. 

(5) لقد كان لليهود عمل كبير في تقويض الدولة العثمانية» ووانظر في هذه المسألة 
«العثمانيون في التاريخ والحضارة» للدكتور محمد حرب: "لا وما بعدهاء 
وكتاب «يهود الدونمة». 


رحلة الحجاز 





في النمسة وألمانية أقوى أنصارهم . ولذلك نرى أكبر همهم جمع 
المال» فلا هم على دين هله الدولة فيغاروا عليه بل هم يقاومونه 
ويهدمونه» ولا هم من أصل راسخ فيها فيكونوا أحرص من حياتهم من 
أبناء سلاطينها وأساطينها. 

وإذا نظرنا إلى أعمالهم ‏ دون عقيدتهم وآرائهم ‏ نرى أنهم قد 
فعلوا في الدولة من الإفساد والتخريب ما لم يفعله غيرهم فيها منذ 
أصيبت بالضعف إلى أن أصيبت بهم . 

ثبت أنه أخذوا من مال الدولة لنظارة الحربية خمسين مليون جنيه 
ليجددوا قوتها العسكرية» ثم رأينا دولة البلغار ‏ التي كانت ولاية من 
ولايات الدولة ولم يتم لها الاستقلال إلا في عهدهم قد كسرت 
جيوش الدولة وكادت مدافعها تمزق مسامع أهل الاستانة» وكان 
السبب الحسي لذلك قلة ما عند الجيش العثماني من المؤنة والذخيرة 
والدواب وسائر أسباب الحرب . 

وقد خسرت الدولة في عهدهم المشؤوم من الممالك ما لم تخسر 
مثله في عدة أجيال: خسرت البوسنة والهرسك ببيع الجمعية إياها 
للنمسة. وطرابلس الغرب وبرقة ببيعها إياهما لإيطالية. ومكدونية 
وألبانية وكريت وجزائر الأرخبيل. وسكت عما خسرته في هذه 
الحرب(0) من الولايات» فد أضاعوا نصف الدولة في بضع سئين » 
وحملوها فيها من أثقال الديون ما لم تحمل مثله قبلهم في بضعة 


)١(‏ أي الحرب العالمية الأولى التي دخلتها تركيا متحالفة مع ألمانيا. 


المختار من الرحلات الحجازية 





2©- 


قرون» ثم عمدوا إلى الأمة فأفقروها كما أفقروا الدولة» فهذا هو 
الإصلاح الذي خلعوا لأجل القيام به سلطان الدولة وخليفتها 
عبدالحميد وحجروا على خلفه من بعده. 


فيا أيها المسلمون الغيورون المبصرون: إذا كان قد ثبت من 
تاريخ الدولة الرسمي بما ذكرته لكم من شواهده أنها كانت ضعيفة 
يخشى عليها الزوال قبل هذه المصائب التى منيت بها بشؤم هذه 
الجمعية؛ فكيف يكون خالها الآن وقد اصطلت بنار هذه الحروب» 
وتعرضت لعداوة أكبر دول الأرض؟ 


إن سزاة المسلمية الأعظم يغارون على هذه الدولة ويتمنون لها 
دوام الاستقلال وكمال القوة للست الذي بينأه فى فاتحة الكلامء 
ولكن يقل في المسلمين من يعرف حقيقة حالها وكنه الخطر الحائق 
بهاء ويقل فيمن يعرف ذلك من يسعى لتدارك ما يترتب على هذا 
الخطر إذا وقع من فقد الإسلام لما بقي من أحكام شريعته» وحرمان 
المسلمين من آخر ما كان لهم من الاستقلال السياسي على علاته . 


[912] لم نر أحداً من زعماء المسلمين وكبرائهم قَدَّر الحال 
الخطرة التي وصل إليها الإسلام قدرها وانبرى لتداركها إلا هذا الرجل 
العظيم ‏ أمير مكة وشريفها ‏ فإنه رأى أن الدولة» وهو من أعلم أهلها 
بحالهاء قد أمست على شفا جرف» وأن ملاحدة الاتحاديين قد اتخذوا 
الأحكام العرفية والقوة العسكرية ذريعة للتنكيل بالأمة العربية بتقتيل 
رجال الفكر والعمل» ومصادرة أموال أهل الثروة منها حتى لا يبقى . 


رحلة الحجاز 





فيها رجاء في عامل ولا فى عمل» فانتدب لتدارك الخطب ومصارعة 
الخطر بنفسه الكريمة وأنفس أنجاله النجباء» ولو استطاع أن ينقذ 
الدولة نفسها من الخطر لفعل ولو بذل في ذلك دمه ودم هؤلاء الأنجال 
الكرام (هنا قال الأمير ‏ حفظه الله تعالى ‏ للخطيب: صدقت). 


لكن العمل لإنقاذ الدولة نفسها من الخطر قد أصبح فوق طاقته 
وطاقة غيره (... صدقت) فرأى أن يبدأ بالمستطاع وهو إنقاذ الحجاز 
مهد الإسلام ومشرق نوره مما نزل به من البلاء والشقاء» ثم إنقاذ غيره 
مما يمكن إنقاذه من البلاد العربية» ليكون ذلك بيئة لحفظ الاستقلال 
الإسلامي وعدم زواله بما يخشى ويتوقع أن يحل بالدولة العثمانية 
والعياذ بالله ‏ تعالى -(. . . صدقت) . ظ 


لا يخفى على ذي بصيرة أن الاتحاديين ما حشروا الألوف من 
جيوشهم في الحجاز إلا بنية سيئة لأنهم يعلمون كما نعلم أن أعداءهم 
الحلفاء لا يحاولون الاستيلاء على الحجاز ولا يحاربون أهله. فكان 
من المعقول أن يرسلوا تلك الجيوش إلى قتال أعدائهم الروس وإتقاذ 
ما فتحوه من الولايات التركية» ولكن التنكيل بالعرب أهم عندهم من 
دفع الروس عن عقر دارهم. ولو تم لهم ما أرادوا لرأينا من فظائعهم 
في الحجاز ما هو أشد من فظائعهم في الشام (.. . صدقت). 


نعم إن الحلفاء لا يحاربون الحجاز ولكن وجود الجيوش 


الاتحادية فيه ألجأهم إلى ضرب الحصر البحري على ثغوره فضاقت 


المختار من الرحلات الحجازية 





سقفهاء ولو طال عليهم أمد ذلك سنة أخرى لأكلتهم المجاعة وما 
يتبعها عادة من الأوبئة (.. . صدقت). 


أعلن سيدنا هذا استقلال العرب في الحجاز ‏ والحاجة قد اشتدت 
إليه حتى وصلت إلى حد الضرورة ‏ وما كان ليوجد في الأمة العربية 
ولا الأمة الإسلامية كلها من آتاه الله من البصيرة والشجاعة والثقة بالله 
والتوكل عليه ما ينهض به للقيام بهذا العبء العظيمء ولولا ثقته بالله 
وتوكله عليه لما تجرأ على ذلك لأننا كلنا نعلم أنه لا يوجد في الحجاز 
قوة عسكرية ولا ثروة مالية يُعتمد عليها في مثل هذا العمل 


(تسنلة 4 


كلنا نعلم أنه لا يوجد في الدنيا كلها مكان يصلح لتأسيس دولة 
إسلامية تخلف الدولة العثمانية إذا ما وقع بها ما نخشاه عليها إلا جزيرة 
العرب وما يتصل بها من البلاد العربية؛ لما خص الله - تعالى ‏ به هذه 
البقعة وأهلها من الخصائصء ولا يعقل أن يحفظ استقلال الإسلام في 
مثل بلاد الأفغان إن هو زال من مهده وموطن نشأته ومحل إقامة 
شعائرهء انفردت هذه البقاع الطاهرة المقدسة بأنها أجدر بقاع العالم 
الإسلامي لإقامة استقلاله» وكذلك انفرد سيدها وأميرها في هذا العصر 
بالنهوض بما يجب من العمل والاستعداد لتجديد هذا الاستقلال» 
فكان له بعمله أكبر منه في أعناق أهل هذه البلاد وفي أعناق جميع 
المسلمين الذين يشعرون بأن أمر هذا الاستقلال هو أهم المصالح 
العامة الدينية والاجتماعية» ولكن منهم من فقد هذا الشعور. 


رحلة الحجاز 





أيها الحجازيون: إن من يكفر منكم لهذا الرجل المصلح المنقذ 
هذه النعمة فهو أكفر الناس للنعم». أيها المسلون: يجب أن تعلموا أن 
هذا العمل أعظم خدمة للإسلام في هذا الزمن؛ فإن الدولة العثمانية إن 
سلمت من السقوط وحفظ استقلالها لم يكن استقلال العرب في 
الحجاز وغيره مانعاً من ذلك ولا من تعاضد العرب والترك مع حفظ 
حقوق كل منهم». وإن سقطت وفقدت استقلالها لم يكن هذا الاستقلال 
هو السبب فيه ولكنه يكون سبباً لحفظ استقلال الحكم الإسلامي في 
أشرف بقاع الإسلام. بل لا يغيب عن أذهانكم أنه لولا إعلان هذا 
الاستقلال لترتب على سقوط الدولة العثمانية وقوع حرم الله - تعالى - 
وحرم رسوله يله غنيمة في أيدي الدولة الفاتحة» فإن تركوهما بعد 
ذلك لنا كان لهم منة التصدق بهما عليناء وإلا كانا تحت سيادتهم 
والعياذ بالله ‏ تعالى -. 


وبهذا يتبين لكم أن هذا العمل العظيم الذي قام به هذا الزعيم 
العظيم قد أنقذ الحرمين الشريفين وما حولهما من هذا الخطر الجسيم. 
ووضع أقوق استامن لحفظ الاستقلال الإسلامي بإنشاء دولة جديدة له 
فله بهذا أكبر منة على جميع المسلمين» وما أقول هذا تملقاً له ولا 
مدحاً شعرياء وإنما هو الحقيقة البيضاء الناصعة بينتها لكم بالإيجاز 
الذي يحتمله المقام والسلام ا.ه الخطبة. 


قالت جريدة القبلة مقفية على هذه الخطبة : 


((وبعد أن جلس (أي الخطيب) أثنى عليه جلالة سيدنا - أيذه الله 





بروح من عنده ‏ وقال للناس: إنه لم يره إلا منذ أيام قليلة»» ونزيد 
عليها أنه قد صرح بأنني عبرت في المسألة عن فكره ورايه ولم يسبق له 
مكاشفتي به وأنه لم يرني إلا منذا أيام قليلة - وهو صادق فيما قال - 
وإنني ما كنت أرجو أن يرضيه خطابي إلا من باب حسن الظن فيه الذي 
استنبطته مما كنت أعلم من سوء نية جمال باشا وأعوانه'''» ومن 
منشوريه الدالين على قيامه بما قام به في الحجاز لأجل الداعية التي 
وصلت إلى حد الاضطرارء وأنها ضرورة تقدر بقدرهاء وهذا هو 
الحكم الشرعي في مثلهاء وقد جعلتها مقدمة للسعي إلى ذلك . 


وأقول: إن وقع الخطبة قد كان حسناأ في سمع الجمهور. وكانت 
موضع حديث الناس وثنائهم. حدثني بذلك الكثيرون في منى ثم في 
مكةء وقد علمت أنها جمعت بين إرضاء الفريقين المتعارضين في 
الرأي: فريق المتشائمين من ثورة الحجاز الخائفين أن تكون سبباً 
لضعف الدولة العثمانية وزوالها على حين لا استعداد لإنشاء دولة 
إسلامية تحل محلهاء وفريق المتفائلين الذين يرجون أن تكون مبدأ 
دولة عربية مستقلة تحيا بها حضارة العرب الزاهية الزاهرة» حتى أن 
أصحاب فكرة المبايعة كانوا يرجون عند سماع الخطبة أن تكون مقدمة 


[417] زارني بعد نزولنا من منى إلى مكة الشيخ عبدالملك 


)١(‏ هو جمال باشا السماح الذي كان والياً على بلاد الشام معيناً من قبل جمعية 
الاتحاد والترقي». وقد أذاق أهل تلك البلاد الويلات . ظ 


رحلة الحجاز 





_- 
الخطيب أحد أدباء مكة المقربين من الحضرة الهاشمية فكان جل حديثه 
. الثناء على الخطبة» وقال: إننى كنت في الحضرة الهاشمية أذكر 
محاسنها وأنوه بها وإن سيدنا وافقني على ذلك». ثم ذكر أنه كان 
ينقصها شيء واحدء قلت: بل ينقضها عندي أشياء ولكن الوقت لم 
يكن يتسع لأكثر مما قيل» قال لم أعن أن في الخطبة نفسها نقصاً بل . 
هي كاملة» وإنما ينقصها أن تكون مقدمة للمبايعة» فلو أنك بعد 
إتمامها مددت يدك وبايعت سيدنأ لاتبعك الناس وكان أمراً مفعولاً. 
قلت: إن هذا ليس من رأبي ولا من حقيء وما يؤمنني أن يقال لي ما 
قيل لذلك الشاعر الذي قال: 


٠‏ وخحذ النوم من عيوني 8 واححم الكري على العشاق 


المباحثة السياسية إلى مفاكهة أدبية . 


هذا وإنني قد تشرفت بعد ذلك بالحديث من الحضرة الهاشمية 
في موضوع الخطبة» فكان مما قال الأمير: إن المسألة الجوهرية في 
الخطبة هي أن الدولة العثمانية على خطر وأنا موافق لك على هذا 
الرأي ولكن أكثر الناس أو المسلمين لا يعقلون ذلك» وقد عرضت - 
عليه فى هذه الجلسة شيئاً من خلاصة رأبي في المسألة اووس وما 
يجب اتخاذه من الاحتياط في مسألة الدولة ‏ على الوجه الذي أشرت 
إليه في خاتمة الخطبة ‏ فأظهر لي الاستحسان» وأحال على الزمان. 


[9117] وقراء المنار يعرفون رأيى مما بسطته فى المقالة التاريخية 


«المسألة العربية» التي نشرتها في الجزء الأول من المجلد العشرين» 
ومنه أن الثورة الحجازية قد أدت وظيفتهاء. وأفادت ما رجوناه منهاء 
فأنقذ الحجاز وأوقفت بغي البغاة”"'» وأحمد الله أنني كنت أسعى إلى 
تنفيذ هذه المقاصد على تلك القواعدء وإنني الآن معتزل الأعمال 
السياسية وأهلهاء ومنتظر حكم العزيز الحكيم في أمر أمتي والشعوب 





كلها . 
أيام منى ولياليها وأقواله الشعراء فيها 
نخوض الشرع في ايام هدي 
قال عزوجل : 
« # وأذحكروا أَلَّهَ ف أَينَامٍ مَعَدُ ا 
و نْح عَلَيْهِ لِمَنِ أنَقََ وت تَهُواْ أله وَأَعْلْموا أَنَْكُمْ إِلَِهِ 


[414] أجمع العلماء على أن الأيام المعدودات في هذه الآية هي 
أيام منى التي تسمى أيام التشريق» قيل إن سبب تسميتها بذلك أنهم 
يشرقون فيها لحوم الأضاحي أي يقددونها ويبرزونها للشمس . 

وقيل لأن الهدايا والضحايا لم تكن تنحر فيها إلا بعد شروق 
الشمس . 

)١(‏ لقد غير الأستاذ رشيد رأيه في هذه الثورة» ولما تبين له سوء مقصد الشريف حسين 


صار ينتقده على صفحات مجلة «المئار» مما جلب له عداوة الشريف وحكومته. 
)1 سور امقر ار و 


رحلة الحجاز 





6- 
وقيل هو مأخوذ من قول الجاهلية: أشرق ثُبِيْره كيما نغير» أي 
أدخل يا ثبير في الشروق لكي نسرع في الدفع إلى منى للنحرء ذلك 
بأنهم كانوا لا يفيضون من المزدلفة إلى منى إلا بعد شروق الشمس 
ووقوعها على جبل ثبير أعظم تلك الجبال» فأمرنا بمخالفتهم بالإفاضة 
قبل الشروق . 


والجمهور على أن هذه الأيام هي الثلاثة التي تلي يوم عيد النحر 
وأدخله بعضهم فيهاء ولكن تخيير المتقي بين التعجل في يومين أو 
التأخر إنما هو في أيام منى الثلاثة التى بعد يوم العيد. 


[415] وشعار هذه الأيام من الذكر التكبيرء ويسسحب» رفع 
الصوت به والاشتراك فيه عقب الصلوات وفى عامة الأوقات والأمكنة 


فم : ١‏ (0) 4. :/ لء 
فمد روى سعيد بن منصور ' وابو عبيد ان عمر ‏ رضي الله عنه - 


كان يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق 
حتى ترتج منى تكبيرا وذكره البخاري في الصحيح تعليقا" '". 


)١(‏ سعيد بن منصور بن شعبة» الحافظ الإمام شيخ الحرم» أبو عثمان الخراساني 
المَرُوزيٌ ثم البلخي ثم المكي المجاور: سمع ببلاد كثيرة» من خلق كثير من 
وروى عنه خلقء» وكان من المتقنين الأثبات» توفي سنة 2777 وكان من أبناء 
الثمانين - بمكة. انظر «سير أعلام النبلاء»: --0457/1٠١‏ 0417 . 

( الإمام المجتهد الحافظ ذو الفنون». أبو عبيد القاسم. بن سَّلام بن عبدالله بن 
عبدالله» كان أبوه مملوكا روميا لرجل هرّوي» ولد سنة /1021» وصنف التصانيف 
التي سارت بها الركيان». وهو من أثمة الاجتهاد» توفي بمكة سنة 775 رحمه الله 
تعالى. انظر المصدر السابق: 4307/5١‏ - 604. 

( في كتاب العيدين: باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة» معلقآ» وذكر ابن 
حجر رحمه الله تعالى ‏ أن سعيد بن منصور وصله من رؤاية عبيد بن عمير» - 





61 - 

وأصح ما ورد في صيغته ما أخرجه عبدالرزاق”' بسند صحيح'"' 
عن سلمان قال: «كبروا: الله أكبرء الله أكبرء الله أكبر كبيراً» وروي عن 
الصحابة والتابعين التكبير ثلاثاً ومرتين وزيادة التهليل» والظاهر أن 
النبي يَلةِ لم يأمر الناس بصيغة مخصوصة في التكبير والذكر في 
العيدين وأيام منى» كما أنه لم يأمرهم بأذكار وأدعية معينة في الطواف 
والسعي والوقوف بعرفة ليأتي كل فرد أو جماعة بما شاؤواء فلا بأس 
إذاً لما استحدث الناس من الذكر وصيغ التكبير مما لم يرد عن السلف 
وإن أشار بعض العلماء إلى استنكاره لذلك كأنه يراه من البدع 
باستحداث صفة لعبادة تعد من الشعائرء وهو ما سماه بعضهم بالبدعة 
الإضافية» وإنما يتجه هذا إذا التزموه جهراً بغير زيادة ولا نقصان. 
ويتأكد إنكاره إذا صار بحيث تظن العامة أنه واجب أو مندوب بهذا 
الوصف. وقد ذكر الإمام الشافعي في «الأم» أن التكبير المشروع في 
العيدين هو كلمة «الله أكبر» وأن التثليث في بدئه مستحب وأن لكل 
أحد أن يزيد من الذكر ما شاء . 


ووصله أبو عبدي من وجه آخر بلفظ التعليق» ومن طريقه البيهقي. انظر «فتح 
الباري»: ١787/0‏ . 

)١(‏ عبدالرزاق بن همام بن نافع» الحافظ الكبيرء عالم اليمن» أبو بكر الحميري 
بالولاء» الصنعاني الثقة». ولد سنة 2١77‏ وارتحل إلى الحجاز والشام والعراق. 
وكان عالماً حافظاء وكان يتشيع التشيع الخفيف. توفي سنة 5١١‏ رحمه الله 
تعالى . انظر «سير أعلام النبلاء»: 0577/٠١‏ -080. 

(0) لم أجد في «المصنف»» والله أعلم . 


رحلة الحجاز 





ص 61 ح 1 
كلمة تاريخية أدبية في أيام منى 0 
سمعنا من الشريف في منى كلمة جديرة بالحفظ والتدوين» قال: 
كانت أيام منى أول الإسلام من أطيب أيام الحياة ‏ أي لما تقدم بيانه 
من الجمع بين اللذات الروحية والبدنية والاجتماعية - فلما قربت 
المواصلات بين الأقطار الإسلامية البعيدة صار ينتقل الوباء إلى الحجاز 
مع الحجاج الموبوئين فيكون أشد فتكه عند اجتماع الناس في منى» 
فصارت أيام منى أيام غم وكدر يتعثر الناس فيها بالموتى في كل 
مكان» وتعد الحكومة لها الألوف من الأكفان» ونحمد الله أنه لم يمت 
فيها أحد في هذا العام. لا بمرض وبائي ولا بمرض عادي أ.ه 
بالمعنى . 
[ أقول من الشواهد المؤيدة لهذه الكلمة التاريخية كثرة ذكر 
منى في أشعار المتقدمين الغزلية والتغزل بالنساء عند رمي الجمار 
فيهاء وندرة مثل ذلك في غيرها من المشاعر» وعند غير رمي الجمار 
من الشعائر؛ ذلك بأن ما تقدم لنا شرحه من تأثير الإحرام ولباسه في 
القلب وتأثير رؤية المشاعر العظام والطواف بها والوقوف فيها ‏ أيضاً ‏ 
كل ذلك مما يصرف الحاج عن كل ما عداه. ولا يدع في قلبه فراغاً 
واسعاً لغير ذكر الله. لا ذكر الحسانء ولا ذكر الأهل والولد 
والإخوان. فالتجلي الإلهيى في جميع المشاعر أثناء أداء جميع 
المناسك تجلي هيبة وجلال» إلا منى فإن التجلي فيها تجلي أنس 
وجمال» ولا تدس من تحلل الحاج فيها من الإحرام. واستباحته ما كان 
محرماً من الأعمال» وكونها أيام عيد يستحب فيها التمتع بالطيبات» 





لهف نفسي لليال سلفت 2202 آه لو ترجع هاتيك الليالي 

لا تقل لي بمنى تعطى المنى بمنى كان من القوم انفصالي 

صحبي مضوا فمدامعي منهلة في أثر صحبي 

فبنا :قوق اليتسران سف مآ فانثنى عن قصد قلبي"") 

كلا ولا نادى الجحوى يحي المي 5" 

ولقد وقفت على منى لو لا المنى لقضيت نحبي 
النفر هن متى إلى مجه 


لما كان يوم النفر رمينا الجمرات لآخر مرة» وفي الأصيل شددنا 
الرحال ونفرنا من منى هابطين إلى مكة المكرمة حامدين الله شاكرين له 
ما وفقنا لإتمام مناسكناء راجين من فضله وإحسانه أن يكون حجنا 
مبرورا وسعينا مشكوراًء وعلمنا مثاباًء ودعاؤنا يتان : ويا لله ما 
أحلى الشعور الذي يستولى على المرء فى أثناء هذا النفرء فإنه على 
فراقه لذلك المعهد القدسى الذي وصفنا فى الفصل السابق ما له في 
النفس من عظيم الأنس تراه يفارقه قربر العين مطمئن القلب جم 
السرور فرحاً بفضل الله ورحمتهء وذلك شأن الإنسان بعد إتمام كل 


)١(‏ فوّق: أي وجه الهجران سهماً إلا وأصاب قلبه. 
(؟) الجوى: الحُررقة وشدة الوّجْد من عشق أو حزن. انظر «لسان العرب»: ج وى. 


رحلة الحجاز 





عمل من الأعمال النافعة التي يهتم بأمرهاء يفرح في عاقبة إتمامه بقدر 
ما كان من عنايته به وتعبه فيه» وبقدر مكانة العمل نفسه من نفسه» وما 
يرجو من فاتدته ونفعهء سواء كان ذلك في دنياه أو دينه» فمن لم يأل 
جهداً في أداء المناسك أفاض من منى وهو بحيث وصفنا من الغبطة 
الروحيةء والسكينة والطمأنينة التي يعبر عنها بعض الناس براحة 
الضميرء ومن قصر في شيء من تلك الأعمال ولو بترك العزيمة 
والأفضل خالج غبطته وطمأنينته بعض التمني ولوم النفس : ليتني فعلت 
كذاء وسأفعل كذا في حج آخر إن شاء الله تعالى - كما تمنى بعض 
رفاقنا لو باتوا الليل كله في المزدلفة معي . 


المقام بمكة بعد الحج 


قد كنت أرجأت أموراً مما أنوي عمله في مكة إلى ما بعد الحج 
منها ما زيارة جميع الذين تفضلوا بزيارتي ولى تبسر الى زيارتهم قبل 
الحج. ومنها زيارة كثير من المعاهد التاريخية والآثار النبوية في مكة 
وضواحيها؛ إذ لم أشأ أن أخلط ذلك بأعمال النسك كما يفعل بعض 
العوام الذي يعدون بعض ذلك من أعمال النسك أو من الأعمال 
المطلوبة شرعاً ولو لغير النسك». ولا يطلب شىء من ذلك شرعاً لا 
وجوباً ولا ندباً إلا من كانت له نية صالحة فى شىء من ذلك وجاء به 


على وجه يعرفه الشرع ولا ينكره. 


[9471] ومنها شراء أشياء كثيرة مما يباع في مكة بعضها لأنفسنا 
وبعضها لأجل إهدائه لأصدقائنا . 





61 - 

ومنها - وهو أهمها ‏ شرح ما عندنا من الحقائق في الحالة 
السياسية الحاضرة لمن يجب شرحها له بعد أن كنا فتحنا أبواب بعض 
مسائلها فكان الحديث في أكثرها إجمالياً ولا يغنى فيها إلا البيان 
والتفصيل . 

لم نلبث أن بدا لنا ما لم نكن نحتسبء». وفاجأنا ركب المحمل 
المصري بسفره يوم الخميس ١5‏ ذي الحجة من مكة المكرمة إلى 
جدة. وعلمنا أنه قرر ركوب البحر في ثاني يوم وصوله إليهاء ولو 
سافرنا معه لما أمكئنا أن ندرك شيئاً مما نريد من مكةء فعزمنا على 
التخلف عنه يوماً واحدا وهو منتهى ما نملك من التأخير» وما ذا عسى 
يغنى عنا اليوم الواحد مما كنا نقدر له أسبوعاً كاملاً لا نستكثره عليه؟ 
على أننا أدركنا في ذلك اليوم بتوفيق الله تعالى ‏ وعناية المحبين ما لا 
يدرك إلا في أيامء فابتعنا بعض ما نحب من الحلي والحلل من 
منسوجات الهند الموضونة''' وغير الموضونة» وبعض منسوجات 
الشام وبلاد الترك والصين وغير ذلك مما يشتري مثله الحجاج عادة . 


مر علينا جما هر خير. هكها كلها “وهو التشرف يفخيو لسييتة: الحكيق 
المعظم والصلاة والدعاء شمه . 


[47] دخول الكعبة المعظمة 


دخلت المسجد الحرام في وقت الضحى من يوم الجمعة ١6‏ ذي 


60 يعنى المحلاة بذهب أو قصب ونحوهما. 


رحلة الحجاز 





619 - 
الحجة» فوجدت باب البيت العتيق المعظم مفتوحاً وفيه بعض شبان آل 
الشيبي الكرام فرأيت الفرصة سانحة للتشرف بالدخول فيه والوقت 
هادىء لا يكدر صفوه احتفال ولا ازدحام» فتوضأت من بثر زمزم 
وأدلى الشيبيون لي المسلم» فصعدت فدخلت متذكراً دخول رسول الله 
يك متمثلاً حاله في ذلك اليوم العظيم يوم الفتح. ففاجأني من الهيبة 
والخشوع والبكاء ما لم يسبق له نظيرء» ووقفت زمنا لا أستطيع فيه 
الإحرام بالصلاة ولا النطق بالتكبير» فصليت فيه ركعتين هما أرجى ما 
احتسبه عند الله تعالى ‏ من التطوع. ثم صليت في كل جهة من 

الجهات الثلاث الأخرى ركعتين . 


[5؟4] ودخول الكعبة ليس من مناسك الحج» واختلفت الرواية 
في دخول النبي كَلْةْ البيت وصلاته فيه» والتحقيق الذي جمع به بين 
الروايات الصحيحة المتعارضة أنه دخله في عام الفتح لا فى حجه ولا 
في عمرته» وأنه صلى فيه ركعتين بين العمودين المقدمين جاعلا الباب 
وراءه» وبينه وبين الجدار الذي صلى إليه ثلاثة أذرع بذراع الآدمي 
تقريباً لا تحديداً. 


[1"5] وداع الأمير وصفاته 


علمت أن أمثل الأوقات لوداع الأمير ما بعد صلاة الجمعة, 
فقصدت عقب الصلاة حجرته التي يصلي فيها وهي في جدار الحرم 
الجنوبي فألفيته جالساً في القسم الخارجي من الحجرة وفي حضرته 
بعض الكبراءء فلما دخلت على الأمير تلقاني بالحفاوة والإكرام. 


المختار من الرحلات الحجازية 





فاستلمت يده لتقبيلها فحاول تواضعه التمنع من ذلك» ولما جالسنا 
تفضل بكلمات من المجاملة كادت تذيبنيى خجلاء ونكتفي من كلامه 
بما دون الإطراء الذي تقتضي الحال حذفه وهو قوله موجهاً الخطاب 
للحاضرين : 


الغيرة والإخللاص والجهاد فى خدمه الإسلام... وهو قد جاءنا في 
في مصرء وهو قد رأى وعرف كل شيء عندنا وظهر له أننا إلى الآن لم 
نقف أمام عتبة عمل من الأعمال ‏ وكان ذكر في سياق حديثه ما ينوي 
من ضروب الإصلاح العلمي والعملي - التي لا بد لنا منهاء وإن همنا 
محصور في إخراج المتغلبة من بلادنا''' ولا يتم ذلك إلا بفتح المدينة 
المنورة. فمتى ثم لنا ذلك وأردنا البدء بالإصلاح الذي نبغيه فإننا 
معاونته وإرشاده. وهو الآن يقدر أن يحدم حركتنا فى مصر أكثر مما 
يخدمها هنا لو أقام بيننا. 

فلما أتم كلامه شكرت له ما أراه مبالغة في حسن الظن 
والمجاملة» وذكرت أن هذا التواضع عن كمال الرفعة قد أخجلني حتى 
عقد لساني» ولم يبق لي إلا أن أقول إنني أعد نفسي كجندي صغير 


)١(‏ أي جنود الأتراك. 


رحلة الحجاز 





الله - تعالى ‏ على أننى لا أدعى إلى عمل أستطيعه فى خدمتهما إلا 
وأبذل فيه كل جهدي ما دمت معتقداً أنه حق» وأنه لا يثنيني عن ذلك 
منفعة شخصية ولا أهل ولا ولد فإننى نشأت على العمل بما يوجبه علي 
اعتقادي ويطمئن إليه قلبى . 

ثم قمنا وتقدمت لوداعه. ومحاولة تقبيل يده فأخذ بيدي وتوجه 
بي إلى بيت الله - عزوجل - من حيث يُرى من نافذة المكان وقال: 
أسأل رب هذا البيت أن يجمعنا ولا يجعل هذا آخر العهد بينناء ثم 


[977] صفات الأمير وشمائله 


قد آن أن أذكر فى هذه الرحلة بعض ما علمته واستنبطه من صفات 
هذا الأمير الجليل ومزاياه التى يوافق ذكرها مقتضى الحال فأقول : 

إنه حوى جل أخلاق ملوك الشرق وأمرائه العظماءء وانفرد 
بصفات ورثها من أجداده الشرفاءء فمن ذلك ترى الضيوف وإجازة 
الوفودء وعزة النفس والثقة بها والاعتماد عليهاء والثبات والإصرار 
على ما يأخذ به ويجري عليه فقد تتزلزل الجبال دونه ولا يتزلزل. 
وشدة الحذرء وسوء الظن الذي عد من أزكى الفطن». حتى كان نصب 
عينيه قول الشاعر : 
وإنما رجل النادتيها وواحدها 


من لا يُحَوّل في الدنيا على رجل 





611 - 

ولذلك تراه ينظر في كل شيء من شؤونه الخاصة»ء وشؤون البلاد 
العامة حتى أمور المنزل وشؤون الضيوف والوفود ونفقاتهم. 
ومصالح البدو وصلاتهمء وقد أعطاه الله - تعالى ‏ قوة غريبة؛ فهو 
يشتغل بالنظر في ذلك كله عامة النهار ولا يشكو مللاً ولا تعبأء وقد 
كلمته في مسألة الاشتغال بالجزئيات ووجوب تؤْطها ببعض العمال”'', 
وجعل وقته الثمين خاصاً بالمصالح العامة والأمور الكلية»ء ووضع نظام 
لذلك. فقال: إن هذا ضروري لا مندوحة عنه ونحن لا نزال نجري 
على نظامنا القديم» والتحول عنه إلى غيره لا يتأتى إلا في زمن غير 
قصيرء قلت: نعم وإنما الغرض وضع النظام له والبدء فيه . 

ومن أخلاقه وشمائله توخي التواضع في القول والفعل» مع 
المحافظة على الوقار وأبهة الملك. والأدب العالى في مخاطبة 
الجليس ومجاملتهء مع الإشارة إلى ما تقتضي الحال من معارضته. 
وهو على آدابه وتواضعه شديد الوطأة على المجرمين والمخالفين 
السياسيين» يأخذهم بأشد العقاب الذي يرهب كل من تحدثه نفسه بأن 
يعمل على شاكلتهم لا يخاف في ذلك لومة لائم . 

ومنها: العفة والنزاهة فهو مقتصد في تمتعه بالطيبات» عزوف 
النفس عن الانهماك في الشهوات . 


ومنها الشجاعة والإقدام على مكافحة الأخطارء لا يخاف الموت 


)١(‏ أي إحالتها وتحميل مسؤوليتها لبعض النواب. 


رحلة الحجاز 





8 


على نفسه ولا على ولده» ولذلك جعل أنجاله الأربعة قواداً لجيوشه. 
يكافحون المهالك بأيديهم» ويناطحون الموت بنواصيهم . 

وهو يحب وطنه الحجاز حبأ عظيماًء ويكرم الحفاة العراة من 
أعرابه تكريماًء وطالما نوهنا بما علمنا من براعته في سياستهم وحفظ 
الأمن بينهم. وقد رأيناه يقضي في مقابلتهم عدة ساعات من كل نهار. 

أما معارفه وأراؤه في السياسة والأمور الاجتماعية فليس الخوض 
فيها من مقتضى الحال في هذا الوقت». ولم يكن يسهل العلم بتفصيلها 
من المذاكرات القليلة التى دارت بينى وبينه وإن كنت كلمته فيها بحرية 
واستقلال قلما يكلمه ليد لأنه قليل الكلام لا يطيل المراجعة 
والحوار في المسائل لبعلم كنْه غوره فيهاء ولكن الزمان سيبين كنه 
ذلك كله بما يظهر من تصرفه فى شؤونهاء وقد وقفت منه على آراء 
سيكون لها أعظم شأن في سياسته : منها : 

يأسه من الدولة العثمانية ولولا هذا اليأس لما أقدم على ما أقدم 
عليه كماأشرت إلى ذلك في خطبتي السياسة بمنى بين يديه ثم إنه 
كلمني في هذا الموضوع بعد النزول من منى» وعَدَّه من الأمور التي 
عبرت فيها بالخطبة عن رأيه قبل الوقوف عليه . 

[971] ومنها: أنه له ثقة بالدولة البريطانية وتقديراً لقوتها 
وعظمتها لا حد لهماء ولا سلطان لشىء عليها”'' . 


() العجب من الشيخ رشيد كيف عَدَ ثقة الشريف حسين ببريطانيا ‏ التى عاملته أسوأ 
معاملة بعد ذلك وخذلته خذلاناً عظيماً ‏ أمراً جيداً» كما يبدو من سياق كلامه,» - 





[974] ومنها أن ما شاهده من التطور والتحول في سياسة الدولة 
العثمانية وإفضاء ذلك إلى جعلها كالكرة في أيدي جمعية الاتحاد 
والترقي قد ضاعف ما في فطرته وتربيته من كراهة الآراء والأفكار التي 
نشأ عنها ذلك الفسادء وشدة الحذر من أصحاب أمثال هذه الاراء 
والأفكارء وقد ذكرت في هذه الرحلة ما كان أعجبني ووافق رأيي من 
خطته السياسية التي أفصح عنها في منشوراته» وأشرت إلى ما طرأ بعد 
ذلك من التحول فيها فلا أعيده» وإنما أقول إنه جاء موافقاً لما ذكرت 
هنا من آرائه الراسخة فظهر أن التجارب لا تزيدها إلا رسوحاً وثباتاً. 


[414] وإنني أختم الكلام بتكرار الشكر والثناء على حسن ضيافته 
لي وإكرامه إياي» فقد غمرني بكرمه وجودهء وكان من دقة لطفه 
وكمال ذوقه في ذلك أن جعله بطريقة لا مجال للإعتذار عن قبول شيء 
منه» وقد كنت قلت أول مقدمي لبعض المقربين منه كلاماً عن عادتي 
التي شرحتها في المنار عند رحلتي إلى الهند» وهي أنني لا أقبل أن 
تاب خدنى النكي.وللدلة والآبة بعىء سن وات المنافة 


لكن لا عجب فالرؤية كانت قاتمة أنذاك حتى على مثل هذا العالم الفطن . 

لكنه بعد ذلك نقم على الشريف حسين وعاداه بسبب اتصال حسين بالإنجليز 
وسعيه معهم إلى الاستئثار بالبلاد العربية وهدم الخلافة الأمر الذي لا يرضاه 
رشيد رضاء لأنه يرى فيه استعباداً للأمة العربية من قبل الإنجليزء وهذا ما 
حصل بعد ذلك؛ إذ استأثر الإنجليز بأكثر البلاد العربية هم والفرنسيون وستعبدوا 
حسيناً ونفوه . 

ولقد نقم رشيد رضا على الشريف كل ذلك». وانتقده علناً بعد ذلك على 
صفحات «المنار») مما سبب له عداوة الشريف . 


رحلة الحجاز 





((61 سس 
الشخصية» حتى إنني كنت أعلن في تلك الرحلة أنني لا أقبل الهدية» 
ورجوت أن يتلطف في تبليغ ذلك». ولا أدري أفعل أم لا. ولكنني بعد 
شد الرحال وعند إرادة الركوب وضلت إلى جائزة سنية» أو هدية 
هاشمية» أردت أن أكلم مَن جاء بها في شأنها فقال: هكذا أمرت وأنا 





لا أعلم شيئاً إلا الف عبد مأمور أمرنى سيدنا فنفذدت أمره. وانصرف» 


طواف الوداع وتوديع الإخوان 

[970] في أثناء اشتغال وكيل الخرج وأعوانه بشد الرحال» طفت 
أنا ومن معي - الآل والصحب - طواف الوداع. وكان ذلك بعد العصرء 
وكنا قصدنا أن نركب في ذلك الوقتء» ولكن لم يتيسر لنا الركوب إلا 
عند فرب غروب الشمس» وودعنا قبل الخروج كثير من الإخوان 
والمحبين» وركبنا وركب معنا بعض الأصدقاء مشيعين» أما سائر 
الرفاق والأهل فقد ركبوا في الشقادف من أول الأمرء وأما أنا فركبت 
البغلة التي أرسلت إلي من الاصطبل الهاشمي مع اثنين من حجاب 
الأمير مشياً أمامي بملابسهما الرسمية» حتى إذا ما خرجنا من مكة 
المكرمة وبلغنا المكان المعروف بقهوة المعلم ألفينا هنالك صاحب 
السيادة الشريف شرف حاكم مكة (القائم مقام الأمير فيها) بالانتظار مع 
بعض رجاله وقد أنفذ للتوديع من قبل الحضرة الهاشمية نائباً عنهاء 
وعلمنا أنه خرج منذ وقت.العصر لأنه هو الوقت الذي عين لخروجنا 
ولم يتيسر لنا الخروج فيه» فنزلنا وجاسنا معه قليلاً واعتذرنا له عن 
تأخيرنا وشكرنا له هذا الانتظار الطويل» ثم صلينا المغرب مع 





تقديم » ثم ودعنا السادة المشيعين » وركبنا الرواحل وسرنا بأسم الله 





]3"1١[‏ ذيل لمياحث الحج في الصدقات و فقراء الحرم 


إن الفقراء المتسولين أول من يستقبل الحجاج قبل دخول مكة 
وآخر من يشيعهم عند الخروج منها عائدين إلى بلادهمء وكذلك 
شأنهم عند الخروج من مكة إلى منى فعرفات وعند العودة من منى بعد 
انقضاء أيامهاء وأكثر هؤلاء المتسولين من صغار الصبيان والبنات» يقل 
فيهم المراهقون والمراهقات» فتراهم يحيطون بالحجاج من كل 
جانب» رافعين أيديهم إلى مقدم الهوادج» واألسنتهم تكرر الأدعية 
المناسبة للأوقات . 

والسؤال محرم في الإسلام لا تبيحه إلا الحاجة الشديدة أو 
الضرورة التي تبيح كثيراً من المحظورات كأكل الميتة ولحم الخنزير» 
لأنه ذل يدعو إليه الكسل وحب البطالة والاتكال على أوساخ الناس» 
والضرورات عوارض تعرض لبعض الناس أحياناً وهي تقدر بقدرها 
شرعاء وليس من شأنها أن تكون ملازمة للكثيرين من الأصحاء 
القادرين على الكسب بحيث تبيح لهم أن يجعلوا السؤال حرفة يكون 
عليها مدار رزقهم» كما هو شأن أكثر السائلين في كل البلاد. 

وإذا كان السؤال لغير ضرورة معصية محرمة» وكانت الإعانة على 
المعصية معصية فعلى المسلم العارف بأحكام الإسلام أن لا يرضخ 


رحلة الحجاز 





0 


ع1" امن لعل من كاله أنه نقد. :كالتمال حوفة له بوذ لمرة 
يعلم أيضاً أنه غير مضطر إلى ما يسأله. بأن كان يمكنه أن يستغني عنه. 
والمجهول حاله في ذلك موضع تردد ونظرء وأما من يعلم الإنسان أو 
يظن من حاله أنه يسأل عن ضرورة ولا غنى له عما يسأله ولا وصول له 
إليه بغير السؤال فلا مندوحة للواجد عن مواساته والرضوخ له من مال 
الله تعالى» وقد يصل ذلك إلى درجة الوجوبء كأن تعلم أن فلاناً 
مضطر ولا يعلم بحاله أحد يرجى أن يزيل اضطراره سواك وأنت قادر 
على ذلك ومثل هذه الصورة تقع للأفراد القليلين وقلما تقع للكثير من 
الناس إلا في أزمة المجاعات العامة . 


[؟9] إنني قلما أعطي أحدا من السائلين الكثيرين في الشوارع 
بمصرء ولما رأيت هؤلاء السائلين خارج مكة عند قدومي إليها ‏ وأنا 
لم أنس ما كان بلغنا ونحن في مصر من خبر العسرة والضيق في 
الحجاز وما سمعته مؤكداً لذلك في جدة ‏ وجدتني مندفعاً لإعطاء كل 
من سألني . ظ 


وكنت أردت أن أجري على هذه الطريقة مع السائلين في الحرم 
الشريف». ثم صدني عن ذلك أنهم صاروا يجتمعون علي بكثرة عند 
الدخول ويحيطون بي بحيث يتعذر توزيع ما في اليد أو الجيب عليهم 
فكنت أنثره على بُعد فيتركونني ويتهافتون عليه» ثم تركت ذلك لما فيه 
من المشقة والشهرة ورأيت الراحة في الإخفاء. 


2200 أي لا يعطي شيئاً . 





6 - 


ومن غريب ما رأينا من دلائل البؤس والجوع في الفقراء 
فاختطفوه» وصار بعض السودانيين من الدكرور يأخذون منه ويضعونه 
في أفواهمم ويمضغونه متغذين به كالدواب . 





وقد جرينا نحن على عادة الناس بالرضخ بالقليل للواحد من 
هؤلاء المتسولين بحيث كان صرف الجنيه الواحد يوزع على المائة أو 
المئات منهم» وإنما تطيب النفس بما هو أكثر من ذلك للذين يتعرضون 
ولا يسألون» والذين إذا سألوا يتجملون ولا يلحفون. 

وإنما ذكرنا هذا البحث ومع ما وقع لنا من التجربة فيه ليستفيد منه 
غير العالم بما ذكرنا من الأحكام» وغير الواقف على ما وقفنا عليه من 
التجارب» ونسأل الله أن لا يجعل فيه شيئاً من الرياء وشهوة الشهرة؛ على 
أن صدقتنا مما ينبغي أن يستحيا من ذكره» فهي ‏ والحق يقال دون ما 
أنعم الله به عليناء وما من أحد يحج إيماناً واحتساباً إلا ويتصدق في الحج 
بحسب سعته لأن الأعمال الصالحة يضاعف أجرها في ذلك الزمان وذلك 
المكان» ومنهم من ينفقون هنالك فوق جميع ما نملك من المال . 


[947] ولكن المتصدق العالم المخلص يجد عناء عظيماً في 
تحري المستحقين الصادقين من أهل الإيمان واليقين» والصلاح في 
الدين» يجد هذا العناء في وطنه الذي يقيم فيه» فكيف حاله في بلد ‏ 
يجهل حال أهليه» وقد كثر الكفر والابتداع في الأرض» وظهر الفساد 
في البر والبحر؟ 


رحلة الحجاز 


ا 





القفول من مكة إلى جدة 


سرينا منفردين ليس معنا رفاق من المصريين ولا غيرهم ممن 
نعرف» ولكنا وجدنا في الطريق عدداً ليس بقليل من حجاج المغاربة 
منهم المشاة والركبان» وقد بلغنا بحرة في وقت السحر قري 
فيها7؟, وكان الجوع قد بلغ منا لأننا لم نتعش قبل خروجنا من مكة 
فأكلنا مما حملنا من الزادء وكان جُلَّه من لحم خروف أهداه إلى بعض 
المحبين لم نر مثله في طراوة لحمه ولينه ودسمهء لا في الحجاز ولا 
في غيره» وهو ليس من ضأن الحجاز. 


لم أر من بحرة في إلمامي بها ليلا قادماً من جدة إلى مكة إلا ما 
على جانبي الطريق العام من المنازل التي يسمونها القهاوي وهي خاصة 
بالرجال. وأكثر من ينزل فيها الرجال الذي لا يستغنون عما فيها من 
الطعام وشراب القهوة» وما يحتاجون إليه من الخدمة. أو الذين 
يريدون الاستراحة قليلاً وإن كان معهم كل ما يحتاجون إليه» وكنت 
حينئذ من هذا الفريق كما تقدم. وفي هذه المرة نزلنا في المنازل التي 
يسمونها العشش وهي وراء تلك القهوات ‏ وقد رأيتها فوق ما كنت 
أحب - رأيتها دوراً في كل دار بيوت من العيدان وبيت خلاء لها حائط 
منها يفصلها عن غيرها من الدور بحيث يكون النساء في كل منها في 
ستر تام غير معرضات لأعين أهل الدور المجاورة لهاء نزلت مع 
الوالدة والشقيقة في دار» ونزل رفاقنا في دار بجانبها . 


. قال المحقق: التعريس نزول المسافرين في آخر الليل للاستراحة‎ )١( 


المختار من الرحلات الحجازية 





60 
[975] ومكثنا هنالك إلى ضحوة النهارء وقد نفد ما حملنا من 
مكة من الماءء فجاءنا وكيل الخرج بماء كدر غير عذب» فسألناه: ألا 
يوجد ماء نقى عذب في هذه الأرض؟ قال: بلى ولكنه غال لا يكفينا 
لملء ما معنا من أواني الشرب أقل من ريال» فأمرناه بأن يأتينا بقدر 
الكفاية منهء» فجاءنا بماء لا يفضل الأول إلا بمضاعفة ثمنه» فكانت 
هذه كبرى سيئاته» جعلها خاتمة لخدمته.» فكانت سبب حرمانه مما 
كنت أنوي أن أجعله علاوة له على الأجرة الوافية التي خصصها له 
الأمير» وما كان يصيبه كل يوم بعد كفايته وكفاية أهله من فضل النفقة 
المعينة» وما أخذه من ذبائح نسكنا التي وكلته بالتصرف فيهاء وقد 
سبق له مثل هذه السيئة معنا بمنى» جاءعنا بماء كدر لولا أن تداركنا 
أنفسنا بالبحث عن ماء نقي وفقنا له لما سلم أحد منا من مرض النزلة 
الشعبية التي ظهرت أعراضها في بعضناء ولكننا غفرنا له تلك» وأما 
هذه فلم نستطع تداركهاء وسوء اليخاتمة لأ يعفر فسالهة. تغالىءء أن 
[97] هذا وإننا قد قاسينا من الظمأ في بقية يومنا وعامة ليلتنا 
بين بحرة وجدة ما لم نعرف له نظيراً في تاريخ حياتناء فكنا نبل أفواهنا 
من ذلك الماء عند الضرورة . 
وصلنا إلى جدة قبيل الفجر فنزلنا في دار صديقنا الشيخ محمد 
أفندي نصيف وكيل الإمارة الجليلة» وقد نمنا بعد صلاة الفجر ساعات 
قليلة» وبعد الاستيقاظ طلبت ماء سخناً للاستحمام فاغتسلت وغيرت 
ثياب الطريق» وعلمنا أن أكثر الحجاج المصريين نزلوا إلى السفينتين 


رحلة الحجاز 





_ 
اللتين جاؤوا فيها فتبعناهم وزودنا صديقنا بأحسن الزاد» ونزل معنا هو 
وبعض الأصدقاء في زورق البلدية البخاري إلى سفينتنا التي جئنا فيها 
«النجيلة»؟ مشيعين» وكان هذا آخر عهدنا بأرض الحجازء فتشأل الله - 
تعالى ‏ أن يمن علينا بالعودة إليها مراراً كثيرة حاجين ومعتمرين» وآخر 

دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ظ 





الرحلة النجدية الحجازية 





الرحلة الخامسة عشر 
الرحلة النجدية الحجازية 
صور من حداة البادية 


الأستاذ محمد بهجة البيطار الدمشقي'') 


قام برحلته هذه سنة 21178 وكان قد خرج من دمشق متوجهاً إلى 
نجد ليبلغ رسالة للملك عبدالعزيز آل سعود”"' ‏ رحمه الله تعالى - من 
قبل الملك فيصل ؛ بو يي 7 والسيد محمد رشيد رضاء وسار 


)1١(‏ ولد سنة ١١1"كاء,‏ ودرس في دمشق في مدارس وعلى يد مشايخ » وتولي عدة 

ا 0 العربية بدمشق وبغداد» ودرس في مدارس في 
مشق والحجازء وصار عضواً في المحكمة الشرعية الكبرى بمكة» ونائباً لرئيس 

هيئة المراقبة القضائية» ومفتشاً للعلوم الدينية» ومدرساً للتوحيدء ثم عاد إلى 
دمشق ومنها إلى بيروت» ثم عاد إلى الحجاز سنة ١754‏ وأسس دار التوحيد 
بالطائف. وكان له رحلات إلى بلدان متعددة» توفي سنة 0١895‏ رحمه الله 
تعالى. انظر ترجمته مفصلة في مجلة «حضارة الإسلام»: العدد الرابع: السنة 
5 . 

(؟) وذلك قبل أن يكون ملكاً. 

(*) هو فيصل بن الحسين بن علي الحسني الهاشميّ» أبو غازي». ملك العراق» ولد 
سنة ١٠١‏ بالطائف». وترعرع في خيام عتيبة في بادية الحجازء أختير نائباً عن 
مدينة جدة فى مجلس النواب العثمانى سنة 2١91١‏ فأخذ يتنقل بين الحجاز 
والآستانة. وثاذ الجيش الشمالي. 5 سمي قائداً عام للجيش العربي - 
المحارب في فلسطين يجانب البريطانيين ‏ ودخل سوريا سنة ١914‏ بعد جلاء - 


المختار من الرحلات الحجازية 





المصنف من دمشق بالقطار») وجرت عليه أحداث متنوعة وسلب من 
قطاع الطرق» فتعذر عليه بلوغ نجد لذلك فتوجه إلى المدينة”'' . 


[41] بلغنا قرية الحائط يوم الثلاثاء في 5 رجب الحرام عام 
8 ودخلناها وتناولنا طعام الغداء عند حاكمها الشريف 
عبدالمطلب بن غالب» وطعام العشاء عند الشيخ خلف بن جابر أحد 
شيوخهاء وأشار علينا جميع من اجتمعنا بهم بأن لا نتجاوزها إلى 
نجدء وأن لا نخطو قدماً واحدة من بعدء. وقالوا: إن الخطر على 
حياتي بالمائة تسعون» وقال رفيقنا الشيخ شلاش”" : 

اناكلا افق عليقة .من شير البعدية"'4 وان لسرفد كييكتت. أن 
نجدي. وأنت من أهل الشام. وهم يكفرونهم ويكفرون حكامهم. 


ويستحلون دمائهم وأموالهم. ويتقربون بقتلهم إلى ألله. وأنا أؤدي 
الأمانة بتمامها واتيك بجوابهاء فقبلنا النصيحة» وآثرنا ذلك على أن 


العثمانيين عنها فاستقبله أهلها استقبالاً حسناء ونودي به ملكا على البلاد 
السورية» ثم احتلت فرنسا سوريا فرشحته بريطانيا لرئاسة العراق. ونودي به 
ملكا عليها سنة 2١147١ - ١774‏ توفي في سويسرا ‏ وقصدها للاستجمام - سنة 
57,» رحمه الله تعالى» انظر «الأعلام»: .1١77-1780/0‏ 

)١(‏ ولهذا السبب أوردت رحلته. 

(؟) وهو شلاش النجدي الذي أرسل برسالة سياسية ليبلغها للملك عبدالعزيز» وقد 
ذكر هذا المصنف في القسم غير المختصر. 

0 وهم مجموعة من الغالين الذين غلوا حتى كفروا خصومهم واستحلوا دماءهم 
وأموالهم. وقد قفضى على هذه الفئة بعد ذلك . 


الرحلة النجدية الحجازية 





-© 


نقتل شر قتلة بتلك الأيدي الجائرة الأثيمة» وكتبنا كتاباً نعتذر به عن 
عدم الوصول وفي ضمنه الأمانة والمذكرات» ولم نترك شيئاً مهمّاً إلا 
ذكرناه» وعسى أن يكون الجواب ‏ إن شاء الله وافياً بالمقصود. شافياً 
لما في الصدور. 


ثم ودعنا الأخ شلاش ورفيقنا الشاب النشيط عبدالله صباح يوم 


قرية الحائط 


[477] قرية الحائط واقعة في شمال المدينة المنورة على أربع 
مراحل منهاء وهي ذات نخيل كثير وفيها عيون عذبة» وأهلها قوم كرام» 
وهم فيما بينهم على اتفاق تام» وهم لا يرغبون في غير حكم الشريف . 

قضيت في هذه القرية ثمانية أيام» وكنت ضيف شريفها الشاب 
الأديب عبدالمطلب» ورفيقه المهذب النجيب الشريف حميّد» وكنت 
أنام عند خطيبها الصالح البركة الشيخ مبروك النجدي» ونقرأ معه بعد 
العشاء وبعد صلاة الفجر وأثناء النهار أيضاً دروساً في الحديث 
والفرائض والنحو الصرف» وقد ألقيت يوم الجمعة بعد أداء الفريضة 
في جامعها درساً عامآء فسّرت فيه قوله تعالى: ١‏ وَأَعَتصِمُوأ يحبَلٍ اللو 
يي ل روا أ*... إلى قوله تعالى: # وَِنَّهِ ما فى أَلسَمَوَتٍ وَمَا فى 
رض كَإِلَ أ جع 7 رَ 27# فظهر 15 فظهر الخشوع. وسالت الدموع. 


.٠١89 سورة آل عمران: أية‎ )1١( 


المختار من الرحلات الحجازية 





اسه 
واستلموا بعد الدروس يدي مصافحة ولثما. 


من يوم الثلاثاء : رجب إلى يوم الثلاثاء ١١‏ رجب عام 1ه 
بذلت المجهود.ء وأرخصت النفس والنفيس في سبيل الوصول إلى 
نجد. والرجوع عن طريق المدينة المنورة» فحالت الأقدار بيني وبين 
نجدء وتيسر لي السفر إلى المدينة تيسراً عجيباًء فصدق فينا المثل : 
«أردت عمراً وأراد الله خارجة»» إذ أردنا نجداً وأراد الله الحجازء 
وإليك البيان : 


[94] لما اضطررت للبقاء في قرية الحائط منتظراً رفيقي الأخ 
شلاش اشتد شوقي لشدة الرحيل إلى المسجد النبوي» والحظوة بشرف 
الزيارة المباركة» وأداء الصلاة في تلك الروضة المطهرة بين البيت 
والمنبر التي هي من رياض الجنة» وكنت كلما تذكرت أن صلاة في 
مسجده ‏ عليه الصلاة والسلام - أفضل من ألف في غيره إلا المسجد 
الحرام هزني الشوق وازدادت عوامل الرغبة . 


وكنت أسأل الله أن ييسر لي سبيل الوصول والزيارة» ولم أكد 
ألبث هنالك أياماً حتى عرض لشيوخ الحائط الكرام السفر إلى مدينة 
النبي - عليه الصلاة والسلام » وهم: الشيخ الجليل مقبل» والشيخ 
خلف بن جابر» والشيخ علي بن سليمان» وحضرة الخطيب الشيخ 
مبروك» ومعهم نحو خمسة عشر رجلا فعقدت النية على السفر 
معهم. وارتاحوا هم لذلك جداًء وكتبت للأمير علي ولي عهد 


- هو علي بن الحسين بن علي بن محمد بن عبدالمعين بن عون الهاشمي» آخر‎ )١( 


الرحلة النجدية الحجازية 





الملك وحاكم المدينة المنورة - على لسان الشريف عبدالمطلب كتاباً 
ذكرت له فيه الغرض الذي من أجله قدم سيو الحائط على سموه. 
وكتبت على لسان الشريف عبدالمطلب أيضاً بأن ضيفنا (محمد بهجة) 
أحب التشرف بلقائكم مع الوفد. 
ركبنا الإبل يوم الثلاثاء ١١‏ رجبء وقضينا في مسيرنا ستة أيام» 
وفي صباح الأحد ١7‏ رجب بلغنا مدينة الرسول ‏ عليه وعلى آله وصحبه 
أفضل الصلاة والسلام . وكانت قد جالت فى خاطري هذه الأبيات : 
قصيدتي النبوية 
بطيبة إنا قد طويناالمراحلا 
صلاة بهدعدّت كألف بغيره 
وفى زورة المختار نلنا الفضائلها 
الأأييحا وسيوكل الله قينة حتفنا تيا 
بإسعاد كل الناس قد كان كافلا 
من سمي ملكا في الحجاز من الهاشميين» كان أكبر أبناء أبيه» ولد بمكة سنة 
2,254 وثار مع أبيه على العثمانيين سنة 7 .»؛ وحاصر المدينة واستلمها من 
قائدها فخري باشاء ثم جعله والده رئيسآ لمجلس الوكلاء بمكة وعهد إليه 
سؤؤون القبائل. وجرراتثت عليه أمور حتى سلم جدة للملك عبدالعزيز آل سعود سئة 


6 »؛ وانصرف إلى بغداد عند أخيه الملك فيصل بن الحسين ثم ابنه غازي حتى 
مات سنة “هم ١956 ١‏ رحمه الله تعالى ؛ انظر الأعلام» : 4 


المختار من الرحلات الحجازية 





6 


فعلمت: أفبا» واركمةت حناتيرا 
وأيقففت مغروراً وأدبت جاهلا 
فمنى عابك اه سا ميد السورى 
وذلك كتاب الله ما زال بيننا 
جزيية عيبا حم يرسق اطي 
اناف على القراة كيين تأخرتت 
عا كل موك ومن انا لاض 
دعا أمة التوحيد بعد تمزق 
لخبي اتجاه يخي اللخطبي تارلا 
ولكن أبى أهلوه إلا تفرقاً 
وإلاا عداء بينتهم وتخاذلاً 


+ 


2 


4 


ألا ليت شعري هل درى الخلق بالذي 

جرى في جهات الشرق أم دام غافلاٌ 
حروب تشيب الطفل قبل مشيبه 

وتترك رب الفكر حيران ذاهلاً 


الرسخلة التجدية الحجارية 





4 سه 

لقد شنها أحلاف جهل وفتنة 
ومّن كان عن سبل الشريعة مائلاً 

ودانوا لرب العالمين بزعمهم 
ظ لهج جيل لين كان تطاتصلا 

وقد أرخصوا الأرواح دون منالهم 
وما رجعوا إلا قتيلاً وقاتلاً 

بضرب رقاب أو بحر خلاقم 
وفك وفاء:تقيرك الأرفن :جاتلا 

وتقطيع أجسام وإحراق أضلع 
ليأكلها في النار ما كان اكلا 

وتقسيم أموال وترك عوائل 
يتامى أيامى ولا ترى قط عائلاً 

فذا بعض ما يجرى وما قد سمعته 
على كثب منهم.ء وقد كنت سائلة 
حعننا تنك يا وياة مداذا أاضبانتا 


وماذا دهى الإسلامّ سرعان عاجلاً 


المختار من الرحلات الحجازية 





وا نكا وشضاك الله يا نسل يعرب 
السك شرف فين :ذاه مجك رافلا 
لقد عم هذا الشر كلّ ابن حرة 
به عدن كن قد كان للغذضى: خادلا 
دخلت المدينة المنورة في ركب مؤلف من نحو ثلاثين رجلاً من 
عرب البادية ومن قرية الحائط. وأنا معهم على ظهر ناقتى بزي بدوي». 
أشفف أغبر من وعثاء السفرء وعليّ كوفية وعباءة. حافي القدمين 
وملثم الوجه بادي العينين» وما زلنا نَجِدَّ السير حتى بلغنا منزل ولي 
الأمير في انتظارك» فأنشدت في نفسي قول القائل: «متى أضع العمامة 
تعرفوني») تعممت على الطربوش ولبسست جبتي وجوربي» ثم دخلت 
على سموه وسلمت عليه. فحيانى بألطف تحية بعد أن نهض سموه 
واقفاً على قدميه» ثم أكرمني بالجلوس إلى جانبه» وسألني عن صحتي 
وأحوالي ومقدمي. فأجبته بخلاصة أيام السفر وما لقيته من شديد 
الخطرء فهتأنى بالسلامة.» وخيرنى بين السفر والإقامة فبينت لسموه 
سبب السفرء ثم أحضر حاجبه وأوصاه بى 2 وأمر بإعداد محل لى أنزل 
فيه»ء فذهبت مع الحاجب داعياً شاكراً فضله . 


الرحلة النجدية الحجازية 





م 

وجلست حصة لطيفة عند حضرة الحاجب (جميل بك الراوي 
البغدادي) وبعد تبادل عبارات السلام والمعرفة استدعى سيادته 
(تلفونياً) رشيد أفندي الغز الدمشقي من قرية داريا المقيم في المدينة 
المنورة بوظيفة مهندس للخط”؟. وهو محبوب هناك جداً لاستقامته 
وكرمهء فلما انتهى إلينا سلم علينا وجلس» وبعد معرفة اسمي ولقبي 
قام واقفاً وجدد السلام والاحترام» وقال: إن بني البيطار هم سادتنا 
ومرشدوناء وما منهم إلا عالم أو متعلم» فحياني جميل بك ثانية 
وقال: تنزل ضيفاً في دار رشيد أفندي» وإذا عرض لك أمر أو غرض 
فنرجوا إخبارنا بالتلفون عنده.» فشكرت غيرته وهمته» وذهبت مع 
رشيد أفندي حتى انتهينا إلى داره في المحطة بأقصى المدينة من جهة 
الشمال» وبعد تناول طعام الغداء مع ضيوفه استأذنته بالاغتسال في بيته 
ولم أذهب للحمام إذ ليس عندي شيء من النقود. 

[4510] وبعد الاغتسال وتغيير الثياب» ذهبت قاصداً المسجد 
النبوي وهو يصحبني» فقطعنا العنبرية والمناخة وسوق المدينة حتى 
انتهينا إلى باب الحرمء وهناك أثر فيّ الخشوع» واغرورقت عيناي 
بالدموع , واشتد خفقان قلبي حين دخولي على النبي وَكة. 


[441] ولم أكد أضع رجلي في عتبة الحرم حتى استلمني 
دليلان» وتنازعني عاملان» هذا توك 7 الشام. والآخر يجيبه : دعم 


)١(‏ أي الخط الحديدي. 


المختار من الرحلاات الحجازية 





م 
ولكنه قدم من معان» ثم سألاني تحقيق الخبر وهما يتجاذبان ردائي. 
فقلت لهما: أيها الإخوان: إني منتسب إلى العلم الشريف مثلكماء 
وأحب أن التزم الزيارة الشرعية بعد أداء تحية المسجد في الروضة بين 
المنبر والبيت» ثم أدعو متوجهاً جهة القبلة بالدعوات الخيرية» وإني 
شاكر فضلكما وغير ناس إكرامكماء ثم ذهبت وصليت ركعتين في 
موقف النبي كَل للصلاة» ثم بسطت يدي إلى السماء ودعوت بخيري 
الدنيا والآخرة لي ولأهلي وأصحابي وإخواني» ولم أنس بفضل الله 
أحداً أبداء فأسأل الله القبول» إنه أكرم مسؤول» ثم ذهبت وتشرفت 
بزيارة النبي كد وزيارة صاحبيه أبي بكر وعمر ‏ رضي الله عنهما - 
وسكان البقيع وحمزة عم الرسول كَل وشهداء أحد ‏ رضي الله عنهم 
أجمع يد 


[147] حال البلد الطيب العلمية 
البلد الطيب كسائر البلاد: أصابته الحرب بنقص من الأموال 
والأنفس والثمرات» فأخرته في كل شيء تأخيراً محسوساًء أما دروس 
الحرم النبوي العامة فدرس في تفسير القاضي البيضاوي» وآاخران في 
الفقه والتصوفء وأما دروسه الخاصة فمبادىء الفقه والنحو لأفذاذ من 
الطلاب» وقد شغل الناسَ أمرُ المعاش بغلاء الحاجيات وقلة الموارد. 


المدارس الأمدرية 


في المدينة المنورة أربع مدارس أميرية : وهي الَلوية» والعبدلية. 


الرحلة التجدية الحجازية 





- 69 


والفيصلية» والزيدية» على أسماء أنجال جلالة الملك الكرام”''» وقد 
زرتها كلها في اليوم الثاني والثالث. وعلمت أنها أسست في أوائل 
الثورة العربية» ولكل مدرسة مدير ومعاونء وفي كل منها ثلاثون 
تلميذاً فأكثرء ودروس كل منها: القرآن الكريم والتوحيد والفقه 
الإسلامي والحساب. وليس للغة العربية فيها أثرء وقد سألنا عن سبب 
ذلك فقالوا: إن النظام الموضوع من قبل المعارف لا يساعد؛ لأنها 
مدارس ابتدائية» قلت: يا سبحان الله: أليس فن النحو من الدروس 
الابتدائية الحاجية التي تبني عليها العلوم الشرعية؟ وهل هو أدق من 
مسائل الفقه والتوحيد اللذين تقرئونهما للتلاميذ؟ فوعدوني بالعناية 
بتدريس النحو متى رخص لهم فيه» وذكر لي أستاذا المدرسة العبدلية 
بأنهما يقرئان اللغة العربية للطلاب ليلاً» جزاهما الله تعالى خيراً. 


رحب بي أساتذة المدارس الكرام ترحيباً عظيماً. وامتحنوا أمامي 
الترحيب وغيره من منثور ومنظوم» وشربنا الشاي في كل منهاء وتبادلنا 
الحديث مع الأساتذة الأفاضل» وقد ألقينا فى كل منها خطبة شكرنا بها 
حضراتهم على ما لقيناه من كرمهم وودهمء ثم بينا مزية اللغة العربية 
وشرفهاء وتدريس الأوروبيين فى مدارسهم لهاء ولسائر العلوم العربية 
وغيرها. وسردت بعص النوادر المؤثرة فى هذا الموضوع. وبينلت أن 
مدينة الرسول يك ينبغى أن تكون فى مقدمة البلاد ديناً وعلماً وأدباً 


- 


)١(‏ أي أسماء أبناء الملك الشريف الحسين : علي وعبدالله وفيصل وزيد. 


المختار من الرحلات الحجازية 
ريه 


وعرفاناً» وينبغى أن تستمد النهضة الحديثة منهاء وتؤخذ مدينة العرب 
الجديدة عنها. 








فسروا بهذا البيان» وتبادلنا عواطف الشكر والامتنان» ثم ودعتهم 

وانصرفت بعد أن كتب كثير منهم اسمي ولقبي وعملي في دمشق . 
[*44] العلماء الغرباء في طيبة الغراء 

قلنا: إن المدينة فقدت كثيراً من أبنائها أيام الحرب على اختلاف 
طبقاتهم» فمنهم من هاجر منها ولم يعد بعد إليهاء ومنهم من فضى 
نحبه في المهجرء أو في نفس المدينة. وقد فقدت قسماً من علمائها 
الأجلاءء وحفظ الله قسماً منهم كقاضيها الفاضل الشيخ عمر الكردي 
الكوراني أحد أحفاد الشيخ إبراهيم الكوراني الشهير'''» ومفتيها 
الفاضل الشيخ أحمد كمْخ وغيرهماء ولا تكاد تجد خمسة عشر في 
المائة من سكان المدينة الأصليين» والباقي بين أعراب وأغراب من 
المهاجرين . 

[:45] أما العلماء الغرباء الموجودون هناك فقد رزقت منهم 
الشيخ الخضر الشنقيطي وجماعته» والشيخ أحمد شمس الشتقيطي» 
وفك حمل النا.ركل متهم امن كبر بوالقية .عبدالقادن فتلي 


)١(‏ هو إبراهيم بن حسن بن شهاب الدين الشهراني الشهرزوري الكوراني. برهان 
الدين» ولد بشهران من جبال الكرد سنة .٠١76‏ وكان من فقهاء الشافعيه. 
عالماً بالحديث. له كتب كثيرة» وسمع الحديث بمصر والشام والحجازء وسكن 
المدينة وتوفى بها سنة 2١١١١‏ وكان يجيد الفارسية والتركية» رحمه الله تعالى, 
انظر (الأعلام» : ١‏ . 


الرحلة النجدية الحجازية 





الطرابلسي مدير المعارف؛ وبعد مذاكرة دارت بيني وبينه في شأن 
الدروس العربية وأهميتها ومكانتها ذكر لي فضيلته من أمر المعارف ما 
ساءني أمره ولا يسرني ذكرهء وتبين لي أن حضرته غيور على دينه. 
عريض على بماد ارده وان الاي كنا ابل 1 قري البولج 110 

تشتهى السفن» د يسر المولى لهم من أسباب النهوض ما يحبون بمنه 


59 أمين . 


فاتنا: أن :تذكر اجتماعنا فى المذينة: المتورة يبحضرة” بحاكمها 
العسكري شكري باشا الأيوبي الدمشقي”''. وهو حفظه الله بعال د 
رقيق الطبع لطيف الخلق . 


رجوعي من المدينة المنورة إلى دمشق 


ثم عدنا من المدينة إلى دمشق الشامء بعد أن مكثنا فيها ثلاثة أيام. 
مشمولين بالخير والإنعام» ركبنا قطار المدينة ليلة الأربعاء ١9‏ رجب 
الفرد عام ١778‏ فبلغنا دمشق مساء الخميس 78 رجب عام 1778 - 
أي أن الطريق استغرق تسعة أيام ‏ فالحمد لله على التمام» ونسأله - 
تعالى - حسن الختام؛ وعلى ساكن طيبة وآله أزكى الصلاة والسلام . 


- هو من رجال الوطنية العسكريين في دمشقء ولد بها سنة 17717. وتوفي بها‎ )١( 
رحمه الله تعالى» تخرج في اسطنبول في الكلية الحربية؛‎ 0174٠ أيضاً - سنة‎ 
وسجن في دمشق وعذّب لاتهامه بالخروج على سياسة الدولة العثمانية» وبعد‎ 
الحرب عينه الأمير فيصل بن الحسين نائباً عنه في بيروت ولم يرض عنه‎ 
الفرنسيون فعاد إلى دمشق وعين حاكماً عسكرياً فى حلب حتى ماتء. انظر‎ 
. «الأعلام؟ : 37 -1لاكء ولم يذكر أنه كان بالمديئنة‎ 


المختار من الرحلات الحجازية 








تعالى ‏ رقيق الطبع لطيف الخلق . 
رجوعي من المدينة المنورة إلى دمشق 

ثم عدنا من المدينة إلى دمشق الشام. بعد أن مكثنا فيها ثلاثة 
أيام» مشمولين بالخير والإنعام ركبنا قطار المدينة ليلة الأربعاء ١9‏ 
رج الفرد عام ١7١‏ فبلغنا دمسشق مساء الخميس 78 رجحب عام 
7 أي أن الطريق استغرق تسعة أيام ‏ فالحمد لله على التمام. 
ونسأله - تعالى - حسن الختام. وعلى ساكن طيبة وآله أزكى الصلاة 
والسلام . 

ثلاث رسائل متبادلة بيني وبين الإمامين عبدالعزيز بن عبدالرحمن 
ال سعود» ومحمد رشيد رضا منسىء المنار وتفسيره» وفيها تلخيص 
لما عانيته فى الرحلة وللغرض منهاء وللموضوعات العامة التى جرت 
المذاكرة فيها بوساطة الرسل أو اللقاء والمشافهة» أو الكتابة . 

الرسالة الأولي"') 
بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله حق حمده. والصلاة والسلام على نبيه المصطفى واله 

وصححمة . 


إلى حضرة الأمير الجليل”"'»؛ ومجدد معالم الدين النبيل» ناصر 


)١(‏ وهذا قبل أن يصير ملكاً. 


الرحلة النجدية الحجازية 





دفعاً للعدوان الأجنبي على بلاد الإسلام» ولم يكن يخطر في بال السيد 
ولا في بالي ما لاقيته في السفر من المتاعب» وما قاسيته من الأهوال 
والشدائد. 





[455] وأول ما صادفنا عصابة شقية. من عشيرة بنى عطية 
سانا نقودنا وثيابنا وزادناء وسلبوني مقدار حمسين دا ذهباً عدأ 
ثيابي وزادي» وأصبحت نفقتي على حساب رفيقي وأخي في الله م 
تعالى - شلاش جزاه الله تعالى ‏ خيرا. 

ولقينا مفرزة ثانية في موطن آخرء فوجهوا إلى صدورنا السلاح» 
ثم عرفوا أخانا شلاس فأطلقوا سبيلنا. 


وأطلق آخرون علينا الرصاص» فلم نصب - ولله الحمد ‏ بأذى . 


وإني - أعزك الله أيها الإمام - سليل أعلام من خدمة الكتاب 
والسنة في دمشق الشامء وقد اعتدنا حالة الحضرء ولم يبق لنا تحمل 
مشاق السفرء ولذا نالني في خمس وعشرين ليلة كان فراشي فيها 
الرمال» بين الأكام والجبال» ومركوبي في بعضها الجمالء نالني ما 
أورثني الألامء وأمرضني عدة أيام . وقد احتسبت ذلك عند الملك 
العلام؛ ورجوت أن يكون جهاداً في سبيله» وابتغاء مرضاته. 

[/141] ولما قربنا من قرية الحائطء قصّوا علينا من فظائم حروب 
المسمّين بالمتدينة مع خصومهم ما تقشعر منه الأبدان» ويتفطر له قلب 
أهل الإيمان» وهم يطلبون الشهادة على أيدي من يكفرونهم» ويتقربون 
بقتل مثلي لأسباب لا تخفى على فطنة الإمام» وهم أخلاط من عشائر 


المختار من الرحلات الحجازية 





بدوية لا يدرون ما الكتاب ولا الإآيمان» ولا يعرفون لنفس حرمة ولا 
ا ل يم" 


قبجة :+ قلك: فن. الفسى: « ومن يَفَكْلْ مُؤٌمِنَا متعمدا فجراؤم 
جَهَنَّم274, هدانا الله وإياهم سواء السبيل» وحسبنا الله ونعم الوكيل . 





[454] ولقد كنا نزلنا ضيوفاً عند متعب أخي سلطان الفقير» 
فألفيناه هنالك هو والإخوان على أحسن حال يكون عليها أهل الإسلام 
والإيمان» وقال: إن هذا أثر الوعظ والإرشادء لا السيف والجهاد. 
وكذا رأينا العشائر المجاورة لهم تقيم الصلاة وتسأل عن أحكام 
الزكاة» وذكروا أنهم في حاجة إلى مرشدين» يعلمونهم أحكام الدين. 
قلت: هذه فرصة لمن يبتغي وجه الله والدار الأخرة من علماء نجد 
الأفاضل إذا هم انبئوا في جميع العشائر والقبائل» فإن العرب التي لم 
نجي يقد لوا ,أشني اقلرا رالا إغلقل أكباذا يمن دأنت» فوم ل 
نزي الجاجة الآن إلى انديشطلهعم :نظن الإمام بإوصال واعظين حكماء» 
يعلّمونهم أحكام الشريعة السمحة بالحكمة والموعظة الحسنة 
وأحسب أنه لا يمضي عليهم وقت قليل حتى يكونوا أحسن حالا من 
كل قبيلء وتلك أيسر الخطتين» وأقرب الطريقين» والإمام أيده الله 
أبعد نظراً وأوسع خبراً وحبراً. 


كتبت هذا إليك - أيدك الله وأنا فى قرية الحاتط معتل المزاج» 
لأرسله مع خط السيد”' مع أخي في الله شلاش. كما أشاروا علينا 


)1 سورة التمادة ال 
(؟) أي السيد رشيد رضا. 


اللة التجدرة الححادة 





(4:0) سه 
ذلك :وفال. الوقن 4 :نه .ههلك . بإيضتال بالأبنائةد 113 ]متها اله 
ففعلت» ولكني اسف كل الأسف على أن أقطع ميا وغتترية 
مرحلة؛ ثم يبقى علي بضع مراحل فيحال بيني وبين قطعها للتشريف 
بلقاء الإمام» والاستفادة من مجالسه العالية» وممن لديه من العلماء 
الأعلام» وسائر الإخوان الكرام» فوا أسفاه وواحَرٌ قلباه: 


أرى ماء وبي ظمأ شديد ولكن لا سبيل إلى الورود 


فعلى أولئك القاطعية المانعين ما يستحقون» وإنا لله وإنا إليه 
اعون ش 


ولقد ذاكرني السيد مذاكرات لأشافهكم بهاء فكتبتها في ورقة 
خاصة مشاراً إليها بالأرقام» وأرجوا كل الرجاء أن تجيبوني عنها كتابة 
باختصارء حتى أسرد تلك الأجوبة للسيد» قياماً مني بتمام الخدمة. 
ووفاء بواجب الذمة» وعسى أن يسبغ الله بكما على المسلمين النعمة. 
ويدفع عنهم البلاء والنقمة. 


وأكرر رجاي في أن تأمروا بكتابة جواب مختصر على المذكرات 
ويفصله لي مؤتمن من طرفكم تفصيلاً إذا شئتم واقتضى الأمر ذلك» 
والإمام ‏ أعزه الله وأناله من خدمة الإسلام ما يتمناه - أرأف بي من أن 
يردني مخذولاًء أو يعيدني إلى السيد مخجولاً» ويأبى عطفه وفضله أن 
تجتمع علي مصيبتان» مصيبة عدم التشرف بلقائه؛ وعدم القيام بغرض 
السيد الشريف» مع تعبي وتعبه وعنائهء أدامك الله - تعالى ‏ لنصرة 
الملجيق والانتلاة. 


المختار من الرحلاات الحجازية 





يصلكم إن شاء الله مع الأخ شلاش كتاب «مدارج السالكين بين 
منازل إياك نعبد وإياك نستعين) لشيخ الإسلام الثاني ابن القيم 
الجوزية”''» وكله علم وتحقيق في فن التصوف. وتزكية النفس 
بالفضائل» وعدم تدسيتها بالرذائل» وقد طبع فى مطبعة المنارء فأقدمه 
لجنابكم العالي هدية مني» فتفضل أيها الإمام الجليل بقبولها من هذا 
الضعيف, أدام المولى فضلكم . 
وإني في الختام» أقدم وافر الشوق وعاطر السلام» إلى من بطرف 
مولاي من العلماء الأجلاء والإخوان الكرام» عليهم جميعاً أزكى 
التحية والسلام . 
حرره فى 5 رجب عام 1ه 
محبكم المخلص 
محمد بهجة البيطار 
الرسالة الثانية 
كتاب مني إلى السيد الإمام محمد رشيد رضا بعد عودتي بالقطار 


من المدينة المنورة إن دمشق الشام. آخر شهر رجحب الحرام. عام 
هجرية. 


)١(‏ هو محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي العالم المشهور توفي بدمشق 
سنة ١5لا‏ رحمه الله تعالى . 


الرحلة النجدية الحجازية 





0 ب 


جعلني الله تعالى فداك» ورزقني برك ورضاكء لي عظيم الشرف 
بلثم يدك؛ وتقديم أوفر الشوق إلى سيادتك» وبعد: 

فإني قد وصلت أمس دمشق الشامء بعد أن لبثت في المدينة 
المنورة ثلاثة أيام ‏ على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ‏ وخلاصة الأمر 
أني قد قطعت مع رفيقي خمساً وعشرين مرحلة. وبلغنا قرية الحائط 
الواقعة شمال المدينة على مسافة أربع مراحل منهاء وما بعدها أول 
حدود متدينة نجد فلم أستطع أن أخطو خطوة واحدة في أرضهم خيفة 
من أن أقتل شر قتلة» على يد جهلة عشائر البدو ذوي الأهواء والضلة. 
فأرسلت مع رفيقي الرسالة» وبَلّغت كتابةً جميع الأمانة» وعززت ذلك 
بكتاب مني أوضحت فيه عذري وألححت على الأمير برد الجواب. 
وهذه أول خدمة للإسلام. أقوم بها على يد سيدنا الإمام . 


أقمت في الحائط منتظرا رفيقنا ثمانية أيام» ثم اضطر شيوخ القرية 
.أن يردوا المدينة المنورة فصحبتهم. وأقمت هنالك ثلاثة أيام عند رجل 
دمشفي بأمر من سمو الأمير علي. وخيرني سموه بين المقام أو العودة 
إلى دمشق الشام فاخترت الثانى ورجعت بحمد الله سالماً. 


ليس بي الآن قوة ‏ وأنا عليل المزاج» منحط الجسم. مشتت 
الفكرن لأكتنب لسيادتاف أكثر مها كذيتك: أو أوضح أكثر مما أوضحت. 
وذاك بأنه ليس ركوبي على ظهر الجمل بأشد خطراًء ولا أكثر ضرراً من 
ركوبي في بطن القطارء الذي بقيت فيه تسع ليال» ما أذوق المنام إلا 





غراراًء من شدة الازدحام. وحذار جهال البدو اللئام» وحسبي أن أنقل 
من مذكرات رحلتي نبذة يسيرة من أحوال جهال المدينة» وقصيدة في 
وصفهمء وكتابي» وكلها أرسلتها إلى الأمير مع كتاب سيادتك. وفي 
أول فرصة أتمكن بها من المثول بين يديد أبسط أمامك ما يجب بسطه 
إن شاء اللهء وعليك أيها السيد الكريم في الختامء كريم التحية 
والسلام . 


فا.رآنث وها سمغت 





الرحلة السادسة عشر 
مارأيث وما سمعتٌ 


2000 )زه‎ ٠ ٠ 
خير الدين الزِرِكلي"‎ 


خرج من دمشق بعد أن دخل الفرنسيون دمشق سنة 2١97١‏ فركب 
القطار حتى درعا - تسمى قديماً أذرعات من حدود سوريا مع 
الأردن» ثم انتقل إلى حيفاء ثم ركب القطار منها إلى القاهرة» فمكث 


2230 0 الدين بن محمود بن محمد الزركلى. ولد سنة ١١7اه.ء‏ 15م في 
بيروت» وأبواه دمشقيان» نشأ بدمشق وتعلم في إحدى مدارسهاء وأولع بكتب 
الأدب. وأصدر مجلة الأصمعي الأسبوعية» وانتقل على ببروات فدرس في 
الكلية العلمانية تلميذاً في دراستها الفرنسية» ثم أستاذاً للتاريخ والأدب العربي 
فيهاء واحتل الفرنسيون دمشق فغادر إلى فلسطين فمصر فالحجازء وصدر ضده 
حكم بالإعدام غيابيأء تجنس بالجنسية العربية في الحجاز أيام الملك الحسين بن 
علي ١‏ وانتديه لمساعدة أيله عبد الله في الأردن لإنشاء حكومته في عمان» وصدر 
ضده حكم ثان بالإعدام من قبل الفرنسيين إثر الثورة السورية سنة 976١م‏ لكنه 
غيابيَ» وزار الحجاز بعد أن تسلم الملك عبدالعزيز مقاليد الحكم فيه وأصبح 
من رعاياه» فعين منتكبارا للوكالة السعودية بمصر. ثم انتدب عام ١575‏ لإدرأة 
وزارة الخارجية بجدة مع صديقه الشيخ يوسف ياسين تناوبأء وفي سنة ١196م‏ 

عين وزيراً مفوضاً ومندوباً لدى الجامعة العربية» وفي سنة ١901‏ عين سفيراً في 
المغرب» وقد عين عضواً في المجمع اللغوي الدمشقي والمجمع المصري 
والمجمع العراقي ؛ وقام بعلة رحلاات منتدباً من حكومته, وله عدةٌ مصنفات 
أفخرها «الأعلام»» توفي سنة 11947١ه»‏ رحمه الله تعالى. انظر مقدمة عبدالرزاق 
كمال لكتاب لاما رأيت وما سمعيت) . 


المختار من الرحلات الحجازية 





في القاهرة مدة يسيرة» ثم دعاه الملك حسين بن علي شريف الحجاز 
انذاك لزيارته فاستجاب وأعد العدة. فقال رحمه الله تعالى : 
من القاهرة إلى مكة 

هممت أن أبرح القاهرة صباح ” محرم سنة 11779 7١(‏ سبتمبر 
0 لإدراك الباخرة«منصورة» قبل موعد سفرهاء وكنت مقيما 
يومئذ فى مصر الجديدة (هليوبوليس) فدعوت من حمل لي حقيبتي 
وخرجت ازنك القطار الكهربائي (المترو) حتى بلغته وهممت بصعوده 
فأبى مفتشه علىَّ أن أصحب معي الحقيبة» معرضاً عن كل تصريح 
وتعريض ورجاء وتوسل وبذل وعطاءء» وضرب جرسه» فهب هبوب 
الريح وأنا أنظر إليه وللغيظ والحَئّق في نفسي مالهما » فأرشدني مقبل 
علئّ لتوديعى إلى أن هناك على مقربة من موقف(المترو) سيارات اعتاد 
أصحابها أن يقفوا بهاء وأسرع فعداء ثم عاد فبدا راكباً سيارة قفزت 
إليها. وطارت بنا تعصف وتقصف حتى أقبلنا على محطة القاهرة» 
ودخلناء فإذا دخان القطار مرتفع. فشيعناه بالنظرات والحسرات . 

أضينضت شديك الحرص على ألا تفوتنى هذه الباخرة لغلا نه 

الأولة أن متمد الحهاظ قفد أبلغ جلالة مليكه أن حضوري 
سكونافها. 

والثانى: أننى ودعت الأصدقاء وودعونى. 


والثالث: أنني كنت أهملت حلق لحيتي نحو أسبوع فإن ظللت 


فانوافت ونا سمت 





في القاهرة ذلك اليوم اضطررت إلى إزالة ما توفر منها ؟وليس بالسهل 
تح ؟ 

فانظلقف إلى سسارة كاقه عاى راب المعلةه :اليك عن عباحيها 
أن يسافر بي إلى السويسء. فنظر إلى وكأنه أدركه العجب من هذا 
الطلب؟ فقلت: كم تريد من الأجرة؟ فقال: عشرين جنيها . 


قلت: ويحك؟ عشر تكفي». فلم يعبأ بجوابي» فانصرفت إلى 
عيره وبذلت اثني عشرة جنيهاً فلم أفلح. وعسر علي أن أفتتح الرحلة 
بمثل هذه النفقات السماهظة 506 و سمه 4 ار أدراجي؟ 


كدت أيأس من سفري هذا في يوم ذلك لولا أن شجعني معتمد 
الحجاز على المضي في قطار الظهر فمضيتء. وأنا على مثل اليقين من 
أن الباخرة ستفوتني لعلمي بأن القطار يبلغ السويس بعد ربع ساعة من 
إقلاعها ولم أدر مما ينتظرني في محطة «النمسا» آخر محطة قبل 
السويس للذاهب من القاهرة. 

وصلت إلى محطة النمساء ففاجأني إنسان يحمل ورقة كتب 
اسمي بها يسأل عني فكدت أنكر نفسي ثم رأيت أن ألبيه فأجبته » 
فبادر إلى حقيبتي - ولا أعلم ما يريد منها ‏ فانتزعها من القطار انتزاعاً 
وأسرع قائلا : الحقني ياسيدي فنزلت أعدو خلفهء» فبصرت بسيارة 


)١(‏ لقد ابتلي - كما ابتلي كثيرون - بحلق اللحيةء وإزالتها بالكامل حرامء والله 
92 


(0) أي قال: سبحان الله . 


المختار من الرحلات الحجازية 





> 6 
ينتظرني فيها أحد تجار السويس فركبتهاء وانطلقت بنا انطلاق السهم 
من بين قابين» ثم أخبرني التاجر أن معتمد الملك كلمه بالهاتف 
(التليفون) وأننا بركوبنا السيارة سندرك الباخرة قبل مسيرهاء وكان 

الأمر كذلك . 


[4549] اخترقت بنا «المنصورة» أمواج البحر الأحمر ‏ وإن شئت 
فسمه بحر القَلِرّم كما كان أسلافك يسمونه - وكانت هذه أول مرة 
ركبت بها البحرء فجعلت أنظر يمنة ويسرة نظر الواله الحائر المشدوه 
التمس مسففراً تطمئن إليه نفسي». ولكن كان موسم الحج قد انتهى. 
وكانت البواخر تذهب فارغة من مصر لتحميل من بقي من الحجاج في 
جدة. فأوحشتني العزلة وكنت آنس بهاء» وضاق صدري وماكنت 
لأعهده يضيق» فتناولت كتاباً ادخرته لمثل هذه الليالىي فجعلت أقلب 
صفحاته لا أفهم ماذا أقرأء وعدت إلى المشي سَّبَهْللاً في طول الباخرة 
وعرضهاء والقمر المتلالىء في كبد السماء؛ سمير من لا سمير له. 
وأنيس من فقد الإلف والخليل؟ 

مضى بعض الهزيع الأول من الليل وكأن الله أرسل إلي إنساناً لم 
أعرفه ولكني ملت إليه مقبلاً عليهء فحييته فأجابني» وحادثته فلذ لي 
حديثه» وما مر على اجتماعنا بضع دقائق حتى أخذت أسمع منه شعراً 
وأدياً فازددت به أنساًء وسررت حين علمت أنه أحد المشتغلين في 
الأدب واسمه «حسني العامري» وله كتاب مطبوع في أخبار شعراء 
العصرء وهو يحفظ كثيراً من شعر البدو وقصصهمء. وسألته ولعل 
وجهته جدة؟ فأجابني أن موعد نزوله من البحر الصباح» فأسفت . 


ماثوأنت .وها يي 





0 


أصبح اليوم الثاني فمررنا بالطورء وفي الثالث اجتزنا ينبع» 
وأخيراً بلغنا جدة فأرست بنا الباخرة في مكان بعيد عنهاء وأقبل عمال 
المرفأ وأصحاب الزوراق متسابقين» فجعلت أنظر لعل أحداً أعرفه فإذا 
بقسطنطين يني من أدباء سورية يرحب بي» فنزلت وكنت بعد عشرين 
دقيقة في الشاطىء حيث انصرفت إلى دار ضيافة الملك» والقيم عليها 
يومئذ قسطنطين . 

تجردت في دار الضيافة من ثيابي وتلفعت بإحرامين قطنيين 
وتوضأت ناويا الإحرام» واحتذيت قبقاباً حجازياً لا يدخله من الرجل 
غير باهمهاء وتمشيت إلى السوق أتعثر وأتسكع إلى أن بلغت دائرة 
المكوس (الجمارك) ولقيت مديرها فسلمت عليه فعرفني - وكان قد 


علم بوصولي - فبادر إلى هاتفه فضرب جرسه وتسمع ثم نهض قائماً 
يزذة: كلمة: لعبيلك» لبيك. فلم أشك فى أنه يحادث جلالة الملك» 


فصبرت إلى أن انتهى وقد أخبره بحضوري فأبلغنى أن جلالته يأمر بأن 
أبرح حدهة ون ذلك المساء متوجهاً إن مكة. وَأنة قد أمره بالمحافظة 


على راحتي والعناية بي» فقلت في نفسي: كانت راحتي تقتضي أن 

أبيت في جدة ولكن هكذا أراد | لملك ولا مرد لإرادته في الحجاز. 
وبعد ساعة واحدة كانت الشمس قد مالت للغروب». وكان مدير 

المكوس قد أعد لي ركوباً» وعهدت إلى قسطنطين بإرسال ثيابي 


تنقلت في ذلك الوادي المكفهر بين رمال وتلال» وقد أثر يي 


المختار من الرحلات الحجازية 





تتابع السير بحرا وبراً حتى كان منتصف الليل فنزلنا في قهوة ‏ أو مقهى 
كما يسميها بعض كتابنا - وراودت نفسي على الطعام فأبت إلا كأسين 
من الشاهي (الشاي) و استلقيت أَهُمُ بالنوم» وطائي الأرض وغطائي 
السماء» فلم يَعْلقْ في جفني أثره حتى كان الخادم يوقظني» فسألته عما 
بدا له؟ فقال: الراحة هنا ساعتان» فنهضت متلكئاً متكسراًء أتوكأ على 
رفيق الطريق» وأمسك لي رقبة البهيم ليمنعه من الجري إذ كان عنانه 
خيلذ لنقناة على عنقه فر كيت واعانننا: الشرى- 


غك الشتسن » بوفكه مدااعلى كانت افوسير اف تراد 'لى باو 
أدنى» فالتمست ممن معى أن يأذن بالراحة قليلاً فأقنعنى بأن ما بيئنا 
ثاودف كن السيا :فاستهر ينا البير سعفية بالخرئ: الى أن كنا على 
أبواب أم القرىء وهنا سألني الدليل: أين تريد النزول؟ وسألته: أليس 


إلى مدير صحة الحجاز الطبيب نديم صلاح وكان قد سمي لي في 


حدة. 


دخلت الحرم من أقرب أبوابه إلَّ» ودنوت من الكعبة فاستقبلني 
فلت أما الساعة فلاء وسقطت على حصباء البيت العتيق والألم ون 


متاعب للم أخذ من جحسهب واكدلة:. 


ها :رأيت عوفا سويت 





]16٠0[‏ أجلت النظر فى ذلك البناء المقدس فراقنى مشهد الطائفين 
حول قبلة عالم الإسلام. ولذني مرأى الحمائم تزدحم وتقتحم وتروح 
وتغدو أمنات كل أذى» راتعات في كل جانب» حرم الله صيدها 
فتوالدت وتكاثرت وأننبت بالإنسان فمنعها الله كيذه وشره» وقديماً 
ضربت العرب أمثالها بامنها والفتها بأمنها وألفتها فقالت «آمن من حمام 
مكة» و «آلف من حمام مكة ». 
طلع علي شاب في رداء أبيض ملتف بعباءة رقيقة أسود اللحية لم أعرفه 
إلا بعد أن رفع صوته بالترحيب» فأجبته والدهشة من لقاءه ملء نفسي : 
بوسنب! بيويف!7 انض 

واعتنقنا فكأننى أنسيت كل ما لقيت» وجلس إلى جانبى فحدثته 
بخبري منذ برحت دمشق وحدثني بخبره منذ برحهاء ثم أعلمني أنه 
اطلع على ما كتبته إلى مدير الصحة فسبقه إلي» ولبثنا نتتجاذب أطراف 
الحديث» والحديث شجون. 

]401١[‏ فقال: هلم لنطف حول الكعبة» فنهضت وقد قَلَّ ماكنت 
أشعر به من الألم. فلم نخط خطوات حتى سمعت زمجرة وتمتمة 
فالتفت» فرأيت أحد المطوفين ‏ وهم كثيرون - وسمعته يقول: يريد 
)١(‏ قال المحقق: يوسف ياسين من أدباء سوريةء لاذقي المولدء سكن الشامء 

وفارقها يوم الاحتلال» ثم دخل في خدمة الملك عبدالعزيز آل سعود كاتبأء ثم 


رئيس لتحرير جريدة «أم القرى»» ثم رئيس للشعبة السياسية»ء توفي سنة 
١ه‏ 1115ام. 


المختار من الرحللات الحجازية 





هؤلاء أن يقطعوا أرزاقناء ففهمت أن نفسه حدثته بأن يوسف سيقوم 
مقامه في الطواف بي حول الكعبة» فضحكنا منه وأسرعت إلى نقده بما 
تيسر من النقد فقفل شاكراً. 
98650 في العطوان 

قال يوسف وقد انتهينا من الطواف وعدنا إلى الاستراحة 
والحديث: ألا تزور سيدنا؟ فقلت: وعلى هذه الحال؟ قال: نعم. 
فقلت: لنفعل» وقمت وليس علي غير لباس الإحرام» فمشينا دفائق 
معدودات انتهت بنا إلى «دار الحكم) وهيى قصر فخم قديم البناء 
دخلناه وصعدنا درجاته ثم جلسنا في بهوه وبادر المضايفي"') وأسمه 
سعد فقصد «المخلوان» حيث كان يخلو جلالة الملك بنفسه وزواره. 
فأنبأه بنا فخرح الإذن بالدخول فدخلنا. 

دخلت على جلالة الملك فنهض قائماً فأقبلت على يده لأقبلها 
فبسط يديه قابضاً بهما وجهي فقبلتهما من باطنهماء وما كنت عالما 
بشيء من أسرار تقبيل اليد في ذلك القصرء. وكان أول ما كلمني به 
جلالته قوله: بلادكم يا ابني» هذه بلادكم يا ابني» فدعوت لهء وأمرني 
بالجلوس فجلست» وهممت بالاعتذار لحضوري بثوب الإحرام فأدرك 
ذلك مني وقال: إن لباساً يختاره الله لحجاج بيته لهو أفضل اللباس . 


)١(‏ قال المحقق: قال المؤلف: المضايفي في عرف أهل الحجاز كرئيس 
التشريفات» وهو الحاجب . 


ما رأيث وما سمعت 5 
ا 
أجيبه» ثم انتبه إلى ما أنا فى حاجة شديدة إليه من الراحة» فصفق بيديه 
فسمعت صائحاً من خارج الغرفة يقول: خير'''؟ ودخل المضايفي» 
فسأله الملك: هل هيأت كل شيء؟ فقال: نعمء. فنظر إلي قائلا : 
سترتاح اليوم في غرفتك ونجتمع في المساء» فقمت إلى يده فقبلتها 
مودعاً وهو يقول: مرحباً مرحباً. 





وبهو؟ إحدى الغرفتين للنوم والإقامة والثانية للأمتعة» وجدار غرفة 
النوم مشرف على الشارع لا بناء فيه وإنما هو نافذة واحدة كبيرة ذات 
من البلور في نوافذهم بل لا يكادون يعرفونه لاستمرار الحر عندهم 
صيفاً وشتاء»ء وكل جدران الغرف المطلة على الشوارع نوافذ من هذا 
الطراز. 

ألقيت بنفسى على مقعد فى الغرفة فنمت ساعات متتابعات» 
وصحوت بعدها فإذاالشمس قد دخلت الكوى وبلغت موضع نومي 
فكانت هي التي أيقظتني بلذعات وهجها. 

[16517] في القصر 

ذلك هو المكان الذي ظللت فيه مدة مقامى بمكة أتناول فيه 

)١(‏ قال المحقق: قال المؤلف: يستعمل الحجازيون هذه الكلمة بدلاً من «نعم» 


المصطلح عليها في غير الحجاز جواباً من المنادى للمنادي. وهذا التعبير في 
الحجاز أصح وضعا وأرشق سانا 





الفطور صباحاء وأنام الظهر بعد تناول الغداءء وأقصد جوار 
«المخلوان» في وقت الغروب» فأصلي المغرب مع الملك وحاشيته 
وعبيده ومّن حضر من أبنائه وأحفاده فى مصلى خاص» يؤم بنا إمامه 
الشيخ ياسين البسيوني وهو مصري الأصل مكي المولد والإقامة. 
طاعن في السن» رضي الأخلاق والصفات”'' . 

وبعد الصلاة نجلس للطعام على سفرة جلالة الملك فيترأسها أحد 
أبنائه أو أحد قدماء أضيافه أو كبير من رجال دولته. وأما الملك فيأكل 
في المخلوان منفرداً إلا في الولائم الكبيرة الجامعة» وبعدالعشاء 
ننصرف إلى ردهة القصر فيتوافد زوار جلالته بينما يكون هو قد أخذ 
نصيبه من الراحةء ويدعونا فنذهب إليه فيستقبلنا جالساً ونقبل يده. 
ونمكث نحو الساعتين ثم نعود أدراجنا . 


[965:5] وداع الأمدر 


كان الملك حسين كثير التفكير في أمر سورية وما صارت إليه 
أحوالها بعد رحيل ابنه الملك فيصل عنهاء فرأى أن يوفد إلى جوارها 
أحل ابنيه علي وعبداللّه وعرف ابناه ذلك». فتقدم كل منهما إلى من 
يألف من جماعة السوريين المقربين من أبيهما يرغب إليه أن يحسن 
لجلالة الملك إيفاده وإيثاره على أخيهء وهكذا تردد الملك قليلاً ثم 


)١(‏ ياسين بن محمد بسيوني الشافعي المكي النحوي الأديب» ولد بمكة المكرمة في 
سنة ١717/7‏ ونشأ بهاء وحفظ القران واكك على تحصيل العلوم وقرأ على عدة 
مشايخ منهم والده. توفي سنة ١505‏ رحمه الله تعالى. انظر «المختصر من 
كتانب تش النوو :و الؤهننة: 16777 


عاوات وها معت 
كان لالتماس الملتمسين بعض الأثر فى نفسه فاختار ابنه عبدالله وأوعز 
إليه بالتهيؤ وأعلمه أنه سيكون وكيل أخيه فيصل فى ما حول سورية من 
الأراضي التى لم يحتلها الإفرنسيون» وأعلن جلالته أن عبدالله سيكون 
أمير معان وهي آخر حدود الحجاز الشمالية - وأصبحنا يوم ١5‏ 
المحرم ١14‏ فنزلنا فى مكب حافل يتقدمنا جلالة الملك إلى ظاهر 

وهناك على منبسط من الأرض أمر الملك فمد بساط جلس عليه 
بعض حاشيته وضيفانه ‏ وكنت في جملتهم ‏ وابتدأ الحديث فتكلم عن 
جبل «ثور» وكان قريباً مناه وأفاض فى أحاديث مختلفة إلى أن أقبل 
أبئه الأمير عبد الله مودعاً يصحبه نحو مئه وخمسين ك0 من بدو 
الحجاز واليمن» ناشرين لواء أحمر انتبه إليه الملك فقال مازحاً: غداً 
لقو لون إن 

وتكلم أحد الجالسين فقال : إن العلم الأحمر اللون شعار قديم 
للأشراف سبقوا به البلاشفة وغيرهم . 

وختم الاحتفال بسفر الأمير ومن معه ركباناً على الإبل وهو 
أمامهم ممتطياً جوادا أصهب.». وتفرقنا أببية ال عثار لكا ..داغيرة: له 
ولمن معه بالتوفيق» معللين الأنفس باللحوق به ولو بعد حين. 

[1656] ذكرالطائف 


لم تكن تفوتني الفرصة كلما سنحت لي فأزور المعالم الأثرية 





)١(‏ أي شيوعيون سوفييت؛ وذاك لأن علمهم أحمر. 


المختار من الرحلات الحجازية 





61 
والشعاب المعروفة في تاريخ هذه البلاد» حتى كانت إحدى ليالي 
السمر في مخلوان جلالة الملك فعرض ذكر مدينة الطائف». وماهي 
ممتازة به عن سائر بلدان الحجاز» فتمنى أحد السامرين لو يتاح لي 
ولبعض من هناك من شبان سورية أن نراهاء فصادف ذلك قلباً خالياً في 
الملك فتمكن» وكأنه كان يحدث النفس في إراءتنا أجمل بقاع قطره. 
وأفضل كور ملكه. ليجمع بين الفضيلتين يرينا الطائف زهرة الحجاز. 
ويريحنا أياماً مما نعانيه من لفح الحر ولذع القيظ فارتاح للإجابة 
وسألني وسأل يوسف ياسين وغيره عن رغبتنا فأجبناه بالامتنان» فصفق 
كله أل" وثانياً فلباه المضايفي فاستدناه» وأمره أن يهيىء لنا في الغد 
بغالاً شداداٌء وأخبره بإزماعنا الرحلة إلى الطائف وعدد له كل ما يجب 
إعداده حتى أنواع الطعام وأكواب الشاهي. وقال: موعدكم بالرحيل 
منتصف الليلة القادمة» فأثنينا ودعوناء وأتممنا حصتنا من الليل في 
الكلام على الهّدَةة ووادي نعمان وكبكب وسمار ووج وغيرها مما سنراه 

ونمر به في رحلتنا هذه» مبتهجين مغتبطين . 


بدن مكة والطائف 


ودعنا أناقنيسن و7 واستفيالنا امب والمنحنى » 
قبيل فجر الأربعاء ثامن صفر سنة ١779‏ لاقمر ولا هلال» ننظر ولا 
بصر حتى إدا اجتزنا منازل أم القرىئ: واتسع أمامنا رحب المنحنى. 


)١(‏ قال المحقق: جبلان متقابلان في مكة. 


قاارايت نوها سيعت 





البادية وساكن الصحراء مالا يعرفه ابن الحواضر والمقيم بين المنازل 
المتراصة والدور المتلاصقة . 


بلغنا المنحنى بعد دقائق معدودات وهو واد بين جبال» أول 


مايراه بارح مكة. يُستقبل منه جبل النور كما يسمونه اليوم» أوجبل 
حراء كما كانت العرب تدعوه. 


مكثنا في عرفة إلى أن بردت جمرة النهارء ونهضنا قبيل العصر 
فجرينا في واد فسيح تكتنفنا من جانبينا أشجار الطلح وأغصان السلم. 
وقد قيل لنا إن السلم مادام دون الشجر فهو سلمء فإذا ارتفع سمًّوه 
طلحأء وهوالمعروف في بلاد الشام بشجر العنبر والمسك. كثير 
الشوك. زهره أصفر مستدير كالأكر الصغيرة زكي الرائحة» وورقه 
القرظ الذي يدبغون به. 

ذلك الوادي الخصيب هوهوادي نعمان» الذي أكثر الشعراء من 
ذكره» لم نكد نُرْجِيٍ إليه الراوحل صادرين عن عرفة حتى لاح لنا عن 
أيماننا واد آخر عريض الجانبين يسمونه «وادي سمار» وهو كثير الخيرء 
فيه قصر فخم للأشراف من ذوي زيدء وفيه آبار كثيرة» وكانت به عين 
جف ماؤها منذ سنين قلائل . 

وادي نعمان خصيب التربة كثير السيول» وفي سفوح جباله زروع 
مختلفة تسقى بماء المطر منها المباطخ.» جمع مبّطخة: وهي مزرعة 
البطيخ» وأهل الحجاز يسمون البطيخ الأخضر (الحبحب) ويسمون 


المختار من الرحلات الحجازية 





البطيخ الأصفر (الخربز) وهو المعروف بالشمام في مصر وفلسطين» 
إلا أنه من النوع المستدير لا المستطيل» وقل أن يكبر حجم الواحدة 
منه كما ف الشام وغيرهاء ولا كفن فيه الشنديك الحلاوة بل يذرون 
السكر عليه ليحلو طعمه. ومن زروع هذا الوادي ما يسمونه (الذَبّة) 
وهو المعروف في بلاد الشام باسم (القرع)» ومنها الكوسى والخيار 
والقثاء والبندورة (القوطة) وما شأبه هذه الأنواع من المزروعات 
الضعيفة التى تنمو مسرعة بقليل من ماء السماءء وأكثر حاصلاته 
(الدّخن) لعناية البدو المقيمين في أطرافه بأكله وهم يرون فيه خواص 
أعظمها أن قليله يشبع ويسمونه (مزاحم الجنبية) إشارة إلى إشباعه حتى 
يضيق زنار آكله فلا تعلق به الجنبية . 

عادت لنا الذكرى. ذكرى العصور الأولى». أيام كانت هذه 
الهضاب والاكامء والبقاع والتلاع مسرح أنظار شعراء الجاهلية 
والإسلام» يروحون فيها ويغدون. بين غزل يطير في عالم الخيال. 
وشج يندس الآثار والأطلال» وفخور يرى النجم دذويه » و يحسا الناس 
يعبدونه. 

بدت لنا عن يميننا إمارة عمران حديث فعلمنا أننا وصلنا قهوة 
شدادء وشذاد اسم متاحة:. أو قزل كنول عروفات» ياوى: إليهنا 
الصاعدون عن الطائف والمنحدرون إلى مكة. وهي على نحو ثلاث 
سناعاة من عرفات» وستت ساعات من مكة للراكب» وفيها مركز 
للهاتف (التلفون) يربط الطائف بمكةء وهو مفيد لتوطيد دعائم الأمن 
في تلك المسالك . 


ع يوي و 
ما رايت وما سمعت 





| 630 


تزلنا شداذا والشعين تفيل :إلى الغروب». وأرحنا دوابنا حتى عاود 
الظلام كّته» وحيانا هلال التسع بمحياأه الباسم. فصلينا المغرب 
و 15 ا 


من شداد إلى الكر 


سريناء والليل رضيعء والفصل ربيع. آخذين إلى اليمين قليلاًء 
فاخترقنا بعد اليسير من المسير وادياً يدعونه «١خريق‏ الرأس» وهو واد 
سيم تكتر اف البحان الاليم ولكيها تعر السالك» :استرقان وتجير 
ساعة وارتفعنا قليلاً إلى واد آخر يسمونه «الجرف» وفيهم من يسميه 
«أبوحراجل». 


وليس في طريقنا من شداد إلى الكر ما يجدر بالوصف لأن أكثره 
على نسق واحد رمال وحجارة وأشجار شائكة» وتنقل من واد إلى واد 
يفصل بين أحدهما والآخر فارق لا يشعر به غير الخبير بتلك المناهج 
مما اعتادوا سلوكهاء وسمعوا من أفواه البدو أسماءهاء وهؤلاء 
يطلقون على كل جبل وثنية وسبيل اسم يعرفونها به» ولم أر كبير فائدة 
في تتبع أسماء لا أذكر شاعراً متقدما أشار إليهاء ولا مؤرخاً ذكرهاء بل 
يمكنني أن أقول إنها أسماء غير ثابتة لأنك بينما تعرف هذه العقبة 
تدعى بكذا إذ تجدها بعد أعوام قد اختلف اسمها بحادث يطرأ عليهاء 
أو وحش يظهر فيهاء أو واقعة قتال تحدث بهاء ولا ينحصر هذا 
الحكم بهذا المكان». بل يراه متعقب الأخبار والأسماء يصح على أكثر 


. أي السير ليلا‎ )١( 





أماكن البادية في الحجاز وغيرهء اللهم إلا في المواضع الكبيرة 
المشهورة التى يعسر فيها تغلب الأسماء الحادثة على أسمائها المعروفة 
بهاء فهي تثبت طويلاً محفوظة بينهم بالتداول والتوارث . 

أقبلنا على الكر بعد سُّرى ساعتين ونصف من شدادء فإذا هناك 
بضعة بيوت كلها على نسق ما وصفناه في عرفة. والكر قرية على سفح 
جبل كراء ماؤها لا بأس به. أوينا إلى أحد أكواخها الحجرية أو 
أعشاشها فبتنا تلك الليلة وللتعب في أجسامنا أثر زال في الصباح . 

جبل كرا 

نهضنا صبيحة يوم الخميس تاسع صفرء نرفع أبصارنا إلى جبل 
كرء لنبصر ذروته فلا نرى . 

وركبنا بادىء ذي بدء نحو نصف ساعة ترتفع بنا الدواب صعداً 
في طريق وعرة وعثة وقد حاول بعض الرفاق أن يكابر فيصبر على 
الركوب فقلت له: لاتنس أن روحك الساعة فى حافر بغلك: إن زلقت 
هويت» وإن هويت فأنت ميت »© فنزلء وأخذنا نصعد ذلك الطود 
المتعلق بقرص الشمس يداعبها وتنفر منه. تارة نتسلقء ولويوا قحيو 
وآونة نجلس ثوان أو دقائق حتى بلغنا منتصفه وقد تغير الهواء فرق 
وأنعش فمانا سجر العرعر وهو من فصائل الصنوبرء والآئب وهو 

وفي هذا الجبل نمور وضباع وذئاب لم نرها ‏ والشكر لله - وتقل 
فيه السباعء وتكثر القردة (السعادين) وقد رأينا فى طريقنا سرباً منهاء 


مواد وها سفية 





ونباتاته كثيرة الأنواع منها العطري والصباغي . 

وواصلنا الصعود حتى جاوزنا ثلثيه. واشتد بنا الظمأ فأبصر بعضنا 
دائمة النبع لا تجف ضنفا وثشتاء فترليته إليها أبل الصدى. فرأيت ماء 
يسيراً بارداً فيه أثر من طعم الطحلب». وهي صغيرة لا تتجاوز دائرتها 

في الهدة 

وما بلغنا قمة كرا إلا بعد ثلاث ساعات من ابتداء صعوده أي من 
مغادرتنا الكرء وقد يخيل للإنسان أن نزوله عن كرا أسهل من صعوده». 
والحقيقة أنهما سواء لأن المصعد نتسلق: والمنحدر يزلقه وملهة 


اجتيازه واحدة صعوداً واتخداراء 


ولما بلغنا قمة كراء ظهرت أمامنا قرى الهدة فاتجهنا إلى إحداها 
على غير تعيين» فنزلنا للراحة وتناول الطعام» وأجلنا النظر في ذلك 
السهل المرتفع فإذا سكانه من متحضرة البدو يعمل بعضهم في زراعة 
أرضهء وبعض يؤجر نفسه لنقل أكياس الحبوب وغيرهاء وقرى الهدة 
سبع على عدد القبائل النازلة فيها. 

ولاعتدال مناخها يكثر فيهاشجر التين والرمان والسفرجل والصبر 
ويسمونه البرشومي» وهو التين الشوكي» واللوزء وفيها كثير من الورد 
يستخرجون ماءه على طريقة التقطير» وماؤها عذب بارد لم نشرب مثله 
في مكة ولا جدة» وأمطار قرى الهدة قليلة جداً فقد عرفنا عند نزولنا 





بها أن السماء لم تمطره من عامين إلا رذاذاً أو رشاشاً. 
إلى الطائف 
ثم وصلنا إلى جبل يسمونه المسرة) وقل يعرافه البتعض فيقول 
«المسرة»» وهو سلسلة جبال بلغنا أولها بعد مسيرة ساعة ونصفف من 
الهدة» ولعلها جبال السراة المشهورة» فإني لم أجد اسم للمسرة في 
ما عثرت عليه بمكة من كتب تخطيط البلدان» ومن أحد منعرجات هذا 
الجبل ظهرت لنا أعالي منازل الطائف» فلم نفتأ مواصلين السير بين 
الجد والمهل حتى بلغنا الطائف». ونزلنا فى دار مدير شرطتها . 
[5ه96]الأمن 
عشية الثلاثاء 5١محرم ١794‏ بينما كانت الشمس تلقي على 
المشرق نظرات الوداع رأى أهل جدة شابين يبرحان مدينتهم ووجهتهما 
ببرديه » وقفل ركنا حمارين شديدين » فمضيا مستظهرين المدينة 
مستقبلين الجبال والرمال» سأل المحرم رفيقه بعد أن ابتعدا عن جدة 
مسيرة نصف ساعة: ما اسم هذا الجبل الذي نراه أول جبال طريقنا 
قال الرغامة + وامشبرا فى مسر هنا [ 
لم يجريا أكثر من ساعتين في ذلك القفر الخالي» والليل باسط 
جناحيهء حتى لاح لهما بدويان يحملان بندقيتين» يمشيان الهوينى. 
مقبلين عليهماء فجزع المحرم في نفسه وأوجس خيفة. وجعل يستعيذ 
بالله ويتلو ما تيسر له من آي الكتاب» ومرا بالبدويين ففاتاهما مائة متر 


مااكو افك .وها سويت 





-_ 0 


أو أكثرء والمحرم يترقب رصاصة من أحدهما تتناقل صوتها الأطواد 
الثابتة» والأودية الرحبة» ولكن البدويين اخترقا سبيلهما مكتفيين 
بنظرتين ألقياهما عليه وعلى رفيقه ولم يَنْبسا ببنت شفة. 


وبعل أن امتدت مسافة الشوط بين الفريقين تحرك ليان المحرم 
في حديثه مع رفيقه يعرض له بذينك المسلحين اللذين كانا يستطيعان 
سلبه وإياه ما معهما من نقود ومتاعء فأدرك رفيق المحرم ما داخله 
فدعاه إلى الطمأنينة وقال: ثق ياسيدي أنك آمن من حيث سرت . قال 


المحرم إذا فما شأن هذين: قال: هما عسس في هذا البر. 


فعجب المحرم من أمر لم يكن يتوقعه» واستمر في حديثه فقال 
لرفيقه : وهل عهدكم بمثل هذا الضبط بعيد؟ فهز رأسه قائلاً: منذ حكم 
0 


لم تبرح ذكرى هذه الساعة نفسي منذ أول ليلة دخلت بها الحجاز 


)١(‏ قال المحقق: كان الأمن فى الحجاز قبل الدولة الهاشمية مضطرباً والاعتداء على 
الآموال :وفك النماد من نتن التذووضل :زلق العك الذي لشف معد الفوفى 
مبلغهاء وحينما جاءت الدولة الهاشمية أرادت وضع حد لهذه الفوضى وجدّت 
واجتهدت ولكنها عجزت قوتها عن تأديب البدو وردعهم الذين تعودوا السطو 
والإخلال بالأمن» ومن أمثلة ذلك ما كان يجري في طريق المدينة من قبائلها من 
سطو ونهب على الحجاج والزائرين» وهذا لا يجهله أحد ممن اظلع على سير 
التاريخ أو عاصر تلك الأحداث» والمعجزة الكبرى التي تم بها استتباب الأمن 
في ربوع هذا الجزيرة شرقاً وغرباً وأينما سرت تلك هي التي تمت على يد 
الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود ‏ رحمه الله وضاعف أجره - 
فلقد كانت الجزيرة يظللها حكمه مضرب المثل حقاً في الأمان والاطمئنان. 


المختار من الرحللات الحجازية 





محرماً ولقد ذكرتها حين كنا نخترق في رحلتنا من مكة إلى الطائف 
الأودية والهضاب ليلنا ونهارناء وكنت أرى كثيراً من أمثال ذينك من 


العسس فآنس بهم ء وأذكر كلمة الرفيق الأول: ثقّ ياسيدي أنك آمن 
حيث سرت . 
[101] خروج الترك 

لما اشتدت وطأة الترك على العرب وقام الشريف حسين بن علي 
بنهضته موالياً للحلفاء ومعاهداً لهم عهد إلى ثاني أبنائه الشريف عبدالله 
[ بمهاجمة الطائف وإجلاء الترك عنهاء فقصدها عبدالله يوم الخميس 
لاشعبان 4ه وتم له فتحها يوم 1" ذي القعدة من السنة نفسها بعد 
أن قاوفت ثلاثة أشهر :وسكة عش نوما 

وآأب إلى مكة فنشر في جريدة «القيلة)17) حخديثاً مع مديرهاء هذه 
خلاصته : 

قال الأمير عبدالله: قصدت الطائف فى 7١‏ هَجّان”'' عقيلياً 
فوصلتها يوم 4 شعبان ١775‏ وعلمت أن الترك قد شعروا بحدوث أمر 
في الحجاز فاستطعت أن أمحو هذا الحس من نفوسهم بعد أن 
اجتمعت بغالب باش/" فى داره وأبديت له سرورى وشكرئ من حسن 


)١(‏ قال المحقق: قال المؤلف: الجريدة الرسمية لحكومة الحجاز تصدر بمكة مرتين 

(؟) أي راكب الإبل السريعة. 

() قال المحقق: قال المؤلف: والى ولاية الحجاز وقائد جيشهما التركي يومئذ. 
كان مصطافاً في الطائف في 07 


ها رات .ما سفت 





9 - 
سلوكه معناء وتوجهت من داره إلى معسكري . 


وهناك اجتمع لي جمع قسمته إلى ثلاثة أقسامء أعظمها قسم 
فبائل «عتيبة» في الشمال الغربي للطائف. ويدخل فيه الشرق كله. 
والقسم الثاني وهو الجنوبي مؤلف من قبائل عوف وثمالة وبني سفيان 
وهذيل؛ والثالث وهو الغربي مؤلف من قبائل قريش وطويرق 
والنمورء فقطعنا الأسلاك البرقية وهاجمنا الطائف صباح الاثنين ١١‏ 
شعبان» ثم حاصرناها فخرجت قوة الترك إلى جبال «أم الشيع» 
و«المداهين» و«شرقرق» في شمال الطائف. وهضبة «أم السكارى» في 
الجهة الغربية» وبعد خمسة أيام وصلت إلينا أسلحة جديدة من 
البنادق . وخرجت قوة من الترك فاستولت على هضبة «الشهداء» شرقي 
الطائف وهضبة «دقاق اللوز» فوجهت إليهم ثلة من الخيالة بقيادة الشيخ 
فاجر بن شليويح الروقي» فأخرجناهم بعد أن قتلنا منهم 48 جنديا. 
وأمرت قسماً من هذيل الطلحات وآل حجة من بني سفيان فأعاروا على 
هضبة «أم السكارى» وقتلوا حاميتها وضبطوهاء فانسحب الترك من 
جبال «أم الشع» و«المداهين» و«شرقرق» إلى هضاب «الشريف» وجبال 
(أبي صحفة؛ و«معشى» و«عكابة»» وفي العشر الثاني من رمضان وصل 
إليئا ستة مدافع وست رشاشات . 


ثم جاءنا في العشر الثالث من شوال المدفع الضخم من طراز 
«هاوتزر». ظ 


ويوم 55 ذي القعدة اضر القائد البرك للالعجاء إلى بيت عربى 





في الطائف فأصلينا هذا البيت ناراً حامية» فاضطر للتسليم» وأمضى 
بقبول الشروط في قرية «المليساء» على أن يخرج هو ومن معه من 
الضباط ؛ وكانوا نحو خمسين ضابطأً ‏ إلى شبرة في ظاهر البلد» ثم 
تذهب إحدى القوى العربية إلى الثكنة الكبرى فى الطائف» فينسحب 
فكان دخولنا الطائف يوم 75 ذي القعدة سنة1179ه. 


وقد حافظنا على عائلات الأسرى ويعثنا إليها بالمؤن الكافية. 
ولم نجردالضباط من سيوفهم. ولم نأخذ منهم مسدساتهم» وجيء بهم 
إلى مكة ثم إلى جدة حيث سيقوا إلى معاقل الأسرى وكانت قوة الترك 
في الطائف ثلاثة آلاف مقاتل جرح منهم 9٠‏ وقتل منهم .200117٠١‏ 


أحيط الطائف بسور يضم داخل البلدة من جميع أطرافهاء وليس 
هذا بالحافط الذى يقال إن" الطاتفنه سمن الاطافته بيه مسد :عرقت البدياز 


في العصور الغابرة» بل إن ذلك قد اندرس وأقيم هذا بعد عام الألف 


)١(‏ قال المحقق: إن روايات المشاهدين من المعمرين تخالف كل المخالفة ما كتبه 
المؤلف فيما رواه عن الأمير عبدالله» فلقد كان الأتراك ‏ أكثرهم ‏ يدينون 
بالإسلام» وفي معرة هذه الحرب جرى عليهم من الإهانات بعد الانتصار عليهم 
ماوددنا تفاديه ولكنها الحرب. وحكومتهم بإعلانها تمسكها بمبدأ حزب الاتحاد 
والترقي وخلع خليفتهم ثم دخولها الحرب في جانب الألمان أوجدت في 
النفوس كثيراً من التشويش والفوضى . 


ارايت وما فعيفيت 





حول أكبر قرية في ديار الطائف» وما برح الأمراء والأشراف وغيرهم 


ولسور الطائف ثلاثة أبواب تغلق كل يوم بعد الغروب» ويجوز أن 
تفتح إلى الساعة الثالثة من الليل (نحو التاسعة زوالية) لفريق ممخصوص 
من الناس أو لمن كان معروفاً لدى الشرطة حفظة الأبواب» وأما بعد 
الثالثة فقلّ أن تفتح لأحد. 


وكانت منازل الطائف قبل الحرب تناهز ألفاً وخمس مئة منزل» 
وفي أوائل الحرب اشتدت أزمة العيش فيه فبرحه بعض سكانه؛ ثم 
كانت الثورة فتهدم جانب عظيم من القصور والأبنية وتداعى جانب غير 
يسير مازال إلى اليوم» يراه الناظر شاخصاً في الفضاء وقد جرد من 
الأثاث والبلور وتباعد عنه الناس مخافة سقوطه. فلا أصحاب هذه 
المنازل يُعنون بها فيعمروهاء ولاهى تسقط فيستفاد من أرضهاء وقد 
أخبرني رئيس بلدية الطائف أن الدور العامرة الآن المسكونة قد لا تزيد 
على ألف دارء وأما سكان بلدة الطائف عدا القرى المحيطة بها 
والقبائل الضاربة قريباً منها أو بعيداً عنهاء فهي الآن لا تقل عن خمسة 
آلاف» وربما كان عدد الراحلين عنها قبل الثورة يقارب عدد الباقين 
اليوم . 

عرفنا في الطائف حاكمه الشريف شرف بن راجح بن فواز بن 
ناصرء وقد علمت من أحد العارفين أن حكومة مكة جعلت لهذه 
الأسرة الولاية على الطائف بالتوارث منذ زمن غير قريب» ثقة بها 


المختار من الرحلات الحجازية 








-> 60 
واعتماداً على إخلاصها . 

[154] وفي هذه المدينة عدة مدارس أهلية صغيرة» ومدرسة 
رسمية سميت بالمدرسة الخيرية الهاشمية» وهي ذات أربعة صفوف 
فيها نحو أربعين تلميذاًء وبناؤها حسن الموقع. كان منزلاً لأحد 
الأهلين فاشترته الحكومة التركية سنة 170١ه‏ وأقامت فيه مدرسة من 
الدرجة الرشدية ذات ستة صفوف في ست سنين ثم قلبتها إلى ابتدائية. 
ثم جعلتها مدرسة إناث حتى كانت الثورة (عام 75١ه)‏ فجعلتها 
الحكومة العربية مدرسة تحضيرية للذكور ثم وسعتها سنة 17760ه 
فجعلتها ذات أربعة صفوف كما رأيناهاء وفصلت التحضيرية عنها إلى 
مكان آخر في البلدة نفسهاء وفي التتحصيورة: الآن تسر :58 تلميذاء 
والحكومة تقدم للتلاميذ الكتب والدفاتر والأقلام والحبر مجاناً؛ وفي 
الندونة التقيربة الياشوية الآن اسيتاذان: 

وزرت دائرة البرق والبريد والتلفون في الطائف. فرأيت في 
صدرها الأعلى هذا البيت: 


بر 


ولست بمبّْدِ للرجال سريرتي ولا أنا عن أسرارهم بسّؤول 

فأعجبني حسن اختيار هذا البيت لذلك المكان» ولاح لي أن في 
الدائرة أديباً» ثم عرفت مديرها الشيخ عثمان بن عبدالرحيم قاضي فإذا 
هو ذلك الأديب». ولم أل لبث أن قرأت له قصيدة يرحب فيها بالأمير زيد 
عند عودته من إيطاليا إلى مكة المكرمة . 





6 م 
كمال وهو أفقه مّن في هذه المدينة وأعلمهم بالأدب وفنونه» رغبت 
إليه أن يطلعني على شيء من شعره فتلا لي بضع قصائد» منها قصيدة 
نظمها وهو مع جلالة الملك في رحلته إلى اليمن» وقصيدة قالها في 
فتح المدينة المنورة. 

وأطلعني على مجموعة أدب مخطوطة عنده. 

الطرق إلى مكة 

بين الطائف ومكة عدة طرق» لا يُسلك منها اليوم غير طريق 
واحدة وهي التي اجتزناها في رحلتناء وقد تسلك طريق ثانية يسمونها 
اليمانية أو طريق السيل» وجميع الطرق القديمة ما زالت معروفة إلى 
اليوم ويمكن سلوكها إلا أن أكثر الناس هجروها ما عدا هذين. 

الأؤبة 

أمضينا نيفاً وعشرين يوماً في الطائف» نركب البغال عصر كل 
يوم» ونمضي إلى جهة من جهاته. فنبتعد مسيرة ساعة أو ساعتين أو 
أكثرء ننقب عما نسترشد إليه من الآثار» وننظر في ما نمر به من القرى 
والديارء ونتربص في بعض الجنائن والبساتين ونعود بعد الغروب. 

وكثيراً ماكانت جماعتنا تتألف من أمير الطائف ووكيل حربية 
الحجاز وقاضي الطائف ومدير شرطته وفريق من ضباط الجيش» 
فنجمع بين لذتي الرياضة والاستقراءء والنزهة والاستطلاع» ولطال 
ماكنا نعاني الصعاب في صعود بعض الجبال والهضابء. غير أن اللذة 
فيما كان يلوح لنا من أثر أو منظر لم تبرح تشجعنا على المضي في 


المختار من الرححللات الحجازية 








67 


التصعيد والتطويف والتشريق والتغريب». وناهيك بما هنالك من صفاءء 
في الأرض والسماء» وسكون في الطبيعة والفضاءء لولا ماكان ينتاب 
النفس - وللنفس حنين - من نزوع وتشوق» وتطلع وتشوفء إلى ديار 
هي صبابتي ورباع أنسي» ومهوى هواي ومنبت عزنب ديار الشام 
المنكوبة» بلاد الأمال والآلام» سلام عليها ألف سلام . 


كذلك كانت تمر بما فيها من حلاوة ‏ أيامنا القليلة فى الطائف». 
ولق عدوف ىز عن كتين الال" ذات ساف قل العودة إلى 
مكة ببضعة أيام. فلزمت الفراش» وعاودتنى ذكريات البعد عن الأهل 
والخلان» وجعلت تطيف بي وساوسي مهولة علي ببعد مأ بيني وبين 
سورية» وكم كنت أردد في نفسي قول ذلك الشاعرالمتفجع : 
فارق أحبابهء فما انتفعوا بالعيش من بعذه. ولا انتفعا 

وزاد في آلامي فقد وسائل التمريض في الطائف. فصبرت أغالب 
الوجد والوّصّبء ويغالبني الهم والنصب, فاتفق قدوم الأمير علي أكبر 
أبناء الملك حسين وولى عهده إلى الطائف فى ذلك الحين فعادني ‏ 
وقد أقبلت على النقاهة ‏ فاستأذنته مع مَن بقي من الرفاق بالأوبة إلى 
مكة فأذن. 

وعرفنا أن جلالة الملك قد استبطأنا وأكثر من السؤال عناء 


)1١(‏ هي البغال العنيدة الصعيبة القياد. 


فا :رانت وها سميت 


ب 


النظرات تلو النظرات والتحيات بعد التحيات . 





كان في النية أن نعود من طريق السيل (اليمانية) لحاجتين في 
النفس: إحداهما: الرغبة في أن نرى ما نمر به من قراها وأوديتها 
وشعابها ولاسيما عكاظ» والثانية: حب الراحة بعد أن علمنا سهولة 
هذه وشهدنا وعوثة تلك» ولم نكن لنبالي ببعد اليمانية التي سنضطر في 
اجتيازها إلى ضعفي مدة السير في طريق كراء إلا أن ما أكده لنا 
العارفون الخبيرون من أن انقطاع الناس عن المرور بهذه قد أبدلها من 
أمنها خحوف"'' ‏ أو كاد ألجأنا إلى اختيار الأولى» فسلكناها. 


بتنا ليلة في الهدةء وثانية في عرفات» وحللنا أم القرى ضحوة 
أول ربيع الأول سنة ١7”9‏ وقد ضعفت فيها سّوئرة"2 الحر بابتداء 
فصل الشتاءء فتلونا آية ##يكأيّها التَّمْلُ أَدْخْلُوا مسدكحكج 2"04. وألقينا 
في عاصمة الملك العصاء وما كانت لتستقر بنا النوى» وفي غيرها 
الهوى. ولكنها أيام ولبال: تمر من الخيال» بين ماض وتال . 


)١(‏ قال المحقق: قبل صفحات روى المؤلف حكاية تحت عنوان (الأمن) وهنا ذكر 
الواقع وهو شاهد لما قلناه إن الجزيرة العربية كانت في اضطراب وفوضى 
وخوف حتى تقدم في ثقة واطمئنان ذلك الملك العصامي الملك عبدالعزيز بن 
عبدالرحمن الفيصل آل سعودء رحمه اللهء فبدل خوفها أمنآ ونشر في ربوعها 
العلم . 

)١(‏ أي شدة. 

(*) سورة النمل: أآية .١8‏ 





607 


جولة في البادية 


يعثر من عاشر البدوء ولو قليلاء وخالطهم - ولو أياماً - على 
عادات وتقاليد وخواصّ لا يتمالك من أن يستغربها أو يستطرفهاء وفي 
بادية الحجاز كثير من هذا النوع. كنت أود لو جمعت فيه مجلداً كاملا 
أتحف به قراء هذه الرحلة. فإن البداة في كل عصر وجيل يتطور 
المجتمع وتنقلب الدول وتكثر المخترعات ويتقدم الإنسان وهم أولئك 
الحفاة الرعاة الشعث الغبرء تغمزهم الحضارة غمزات فينقادود 
خطوات. وتأبى عليهم طبائعهم إلا أن يعودوا القهقرى» فإذا سجاياهم 
سجاياهم وأخلاقهم أخلاقهم» كأنما جبلوا من طينة اسمها « سنة الله) 
لاتحويل لها ولا تبديل . 

ولقد قيدت أشياء مما رأيت من البدو وما سمعت عن البادية في 
جولتي القصيرة هذهء لعل بها ما يحسن نقلهء إن لم يكن للتاريخ 
والتدوين فللفكاهة والمسامرة. 

[4541] الفراسة 

الفراسة في اللغة صدق النظرء وفي القبائل الكثيرة النزول في 
الطائف قبيلة تدعى «فهماً» مشهورة بهذه المزية» قد يستعان بها في حل 
المعضلات» ومنازلها جنوب تهامةء أخبارها غير قليلة يتناقلها الناس 


منها أن عنزاً سّرقت من فهم وهي صغيرة - يسمونها جمرة» وهي 


تسمية صحيحة ‏ ومضى على فقدها نحو سنتين إلى أن كانت فتاة فهمية 


فاابرايت وها سيقت 





مارة بالطائف يوماً. فأبصرت الجفرة وقد أصبحت عنزاً فعرفتها في 
حين أنها غير موسومة ‏ ولكل قبيلة وسم خاص تعرف به ماشيتهاء إلا 
أن هذه سرقت صغيرة قبل أن توسم ‏ فأقبلت الفهمية على أصحاب 
الجفرة تخبرهم بأنها رأتهاء فرفعوا القضية إلى حاكم الطائف وهو في 
ذلك الحين الشريف زيد بن ناصر» فاستحضر من هى عنده فقال: إنه 
اشتراها جفرة وكبرت عنده وولدت» فبحث عن بائعها له فجىء به بعد 
أيام وهو من سكان البادية» فأخبره بانها كانت كسْباً من فهم في إغارة 
له عليهاء فأمره برد القيمة إلى مشتريها ية ) ودفع العدر إلو صاحبها 
الفهمى. وعجب من معرفة الفهمية لها بعد تلك المدة. 
[950] قص الأثر 

قص الأثر فى اللغة تتبعه. ومنه الآية الكريمة # فَأرْبَدَاعَلْح ءَاثَارهَا 
قصصًا 4"'' وفي القبائل القريبة من الطائف اليوم قبيلتان مشهورتان 
بمعرفة آثار الناس وغيرهم وهما «وقدان» و«الكباكبة» . 

فأما وقدان فمنازلها على مسيرة ساعة شرقى الطائف إلى 
الجنوب» وأما الككباكبة فمنازلهم شداد وأطرافها من سفوح جبل كبكب 
الذي سبقت لنا كلمة عنه» وهم يسمون قص الأثر «الجرة» وير جعون 
إلى هاتين القبيلتين في كثير مما يعضل عليهم الاهتداء إليه» وقد 
تستحضر الحكومة أحدهم في السرقات الخفية» فينظر في أثر قدم 
السارق» وفيؤتى بمن يشتبه بهم فيحدق في آثار أقدامهم فيخرج اللص 


00( سورة الكهف : آية 0 





- 6 
منهم» وقد أصبح ما يقوله الكباكبة والوقدانيون حجة عند عارفيهم, 
لتكرر صدقهم وتعدد إصابتهم» حتى أنهم ‏ في ما يقال لم يعرف 
عنهم الخطأ مرة. 

فمن أخبار الوقدانيين أن تاجراً كان في الطائف يدعى عثمان 
شافعي أصبح يوم 4 من شهر الحج فرأى دكانه قد خرقت وأخذ ما فيها 
من أمتعة ودراهم وحليء وكان الحاكم الشريف زيد» وهو في مكة إذ 
ذاك» فرفع الرجل قضيته إلى وكيله فأمر بالبحث والتنقيب» وأما عثمان 
صاحب الدكان فعاد من ساعته ودعا وقدانياً» فجاء ورأى شيئاً من أثر 
القدم فغطاه بوعاء وانصرف إلى السوق يرى أقدام المارة ثم عاد فأطال 
النظر في الأثر وغطاهء والحكومة تبحث فلم تعثر للسارق على خبرء 
ولم يهتد الوقداني إليه» وحضر الشريف زيد بعد أيام فحُدّث بالقضية 
فاهتم لهاء ولم يظفر بجدوى فيئس صاحب المال. 

وبعد أن مضى على الحادثة نحو شهرين ولم يبق للأثر أثرء كان 
الوقداني ماراً في سوق الطائف فرأى رجلا ولمح أثر قدميه (جرته) 
فعرف الجرةء. وتقدم فتثبت منها وأسرع فنادى شرطياً راجيا منه أن 
يعرفه باسم الرجل فقال: حسن بن عبيدء فأخبر الشريف زيداً بأن 
السارق في السوق الآن فدعا به فجلب» فاستنطقه فكان جوابه أنه يوم 
تاأسع ذي الحجة كان في عرفة يلبي مع الحجاج. وأثيق ذلك شهود 
ثقات» فكاد الشريف أن يطلق سراحه لولا أن الوقداني أصر على أن 
هذا هو سارق الدكان دون غيره» فرأى الشريف أن يسجنه ثقة منه بآل 
وقدان» وشدد عليه فاعترف السارق وأخرج السرقة من مكان دفنها 


ع بير عو 
ما رايت وما سمعت 





69 سس 


فيه» واتضح أن السرقة كانت قبيل الساعة الرابعة عربية من الليل وأنه 
أسرع من فوره فوصل عرفة صباحاً فاختلط بالحجاج» والمسافة بين 
عرفة والطائف ١١‏ ساعة للراكب إذا لم يجلس للراحة في مكان . 

ومن أخبار الكباكبة أن رجلاً من أهل الهدة ضاف عنده جماعة من 
هذيل. فتظاهر بالنوم معهم حتى وثق من هجوعهم فنهض سارياً 
كالبرق إلى جبل كبكب فسرق بندقاً (خرطوشأً) وعاد قبيل طلوع 
الصباح ولم يشعر بغيبته أحد ممن كانوا عنده» وأصبح الكبكي فشعر 
بفقد البندق فأسرع إلى قص جرة السارق فتعقبها إلى أن بلغ الهدة 
والمسافة نحو ١50‏ كيلو مترا بين جبل وسهل ووعرء فنظر في الجرة 
فاهتدى إليها وأوصلته إلى دار الرجل» فدعا من في الدار قائلاً: هذه 
جرة من؟ فسئل عن غايته: فحدث بما وقع له» فخرجوا جميعاً فقبض 
على السارق بعد أن رأى آثارهم وقال: هذا غريمي؟ فشهد الضيوف 
الهذليون بأنه كان نائماً معهم» ورفعت القضية» فبرأت الرجل شهادة 
أضيافه» ثم عرفت القصة بعد حين . 


وأخبار هذه القبائل الثلاث: فهُم ووقدان والكباكبة غريبة كثيرة» 


كلها على نسق ما تقدم. ولو أن في رجال البوليس السري من يعلم 
علمهم لاكتشف كثيراً من الجرائم دون ما تعب أو نصب . 


[971] الختان في هذيل 


من غريب هذيل الحجاز في ختان أبنائهم أنهم يختنون الغلام بين 
سن الثانية عشرة والخامسة عشرة» وهم يجتمعون قبل الختان فيلعبون 





بالسيوف» ويتسابقون على الأقدام والغلام معهم.» حتى يكون يوم 
الختان فيتقدم المراد ختنئه ويأخذ سكيناً فيشحذها جيداء ويكونون 
صباح ذلك اليوم قد ذبحوا كبشا على صخرة» ولوثوا الصخرة بدم 
الكبش» فيأتي الغلام والسكين في يده فيرتقي الصخرة. ويناول الخاتن 
السكين وهو يقول: طهر يا مطهر وجود التطهير. 


ويُعْطى الغلام سيفين يأخذهما بيده فيبدأ الخاتن يكشط له جلد 
العانة كلها إلى موضع الختن ‏ وهي عملية جراحية شديدة الويلام 
والخطر ‏ ويظل المختون يلعب بالسيفين في يديه» وينشد قصيدة من 
شعرهم يحفظها قبل الختان» ويعدّون أكبر العار على الفتى المختون 
أن يتألم أو يتململ فينعتونه بأنه «رخمة» أي ذليل» ومن ظهر عليه 
التألم أبت الفتيات أن تتزوج به» وقد يحضر الختان أحد أعداء الفتى 
أو مزاحميه في زواج فتاة فيحد شفرة له أو رمحا فيخزه في رجله كي 
يتألم فيسب ألمه إلى جراحة الختان» فإذا وقع لأحدهم هذا صبر على 
الوخزة ودعا قومه بكل ثبات جأش لرؤية ما علق بقدمه فيخرجونه إن 
كان شفرة أو غيرها وهو بين يدي الخاتن كأنه لا يشعر بشيء» وكثيراً 
ما تنشأ الفتن بين القبيلتين أو أفراد القبيلة الواحدة من أجل هذا . 


[971] صبرهم على الألم 


البدو أصبر الناس على الألم؛ روى لي في مكة أحد ملازمي 
الأمير عبدالله أنه خرج يوماً لقتال» حتى إذا اشتبكت القنا بالقنا أصابت 
رصاصة بدوياً كان معه» فدخلت من صدغة الأيمن وخرجت من 


فاعرانك نوها شعنت 





الجانب الأيسر من أنفه وقلعت عينه في مرورهاء فسقط البدوي عن 
ذلوله حين شعر بالإصابة فشرد ذلوله منه» فالتفت إلى ما حوله محدقاً 
بالعين الثانية: أين ذهب الذلول. حتى رآهء فعدا خلفه كالظبي إلى أن 
أدركه فركبه وعاد والدم يقطر من وجهه فقال له الأمير متعجباً: أما 
منعك الألم مر: من رؤية ذلولك والجري وراءه؟ فقال البدوي : يأ أهي.: 
يكفيني خسران عيني أتريدني أ خسر العين والذلول معا؟ 
[*9437] الوضع 

لا تزال في عرب البادية خاصة القدرة على وضع الأسماء لكل ما 
يرونه ارتجالاء وبينما أنا جالس يوماً للطعام بمكة وحولي رجال من 
البادية لم ينزلوا الحواضر إلا قليلاً»ء عرفت ذلك من هيئآتهم ونظراتهم 
واستغرابهم كلّ ما يرونهء إذ جيء باللحم والأرز فأكلوا بأيديهم ما 
شاؤوا وهم يحسبونهما كل شيءء فقال لهم عارف بهم: إننا معاشر 
الحضر لانأتي بالطعام دفعة واحدة بل نجعله أنواعاً ونجلبه شيئاً فشيئاًء 
فرفعوا أيديهم عما أمامهم.ء وجيء بالصحن الثاني فالثالث فقال ' 
أحدهم : وي» تجلبون الطعام ذلف؟ - يريد تباعاً - قالها من دون أن 
يفكر أو يتأمل» والدذلف في اللغة أن تمشي مشي المقيد. 

وعرب الحجاز منذ عرفوا البرقية (التلغراف) سموها السلك على 
اسم السلك الذي يحملهاء فهم يقولون: «جاءني اليوم سلك من فلان» 
وهو كقول العرب الأقدمين جرى النهر ‏ يريدون ماء النهر - و#أنيت 
الربيع البقل» يريدون ماء الربيع. والآية الكريمة # وَسَْكَلٍ الْمَرْيَةَ ١"‏ 


2١)‏ شيوزة وو ميك 4 آنه مق 





م6 
أي أهل القرية» فيقال 53 «(جاء السلك» أي خبر السلك. أرى هذه 
التسمية أقرب إلى الأذهان من كلمة «البرقية» الشائعة بين أدبائنا منذ 
سنين كثيرة ولم تدخل حتى الآن في أسماع العامة التي ألفت لفظ 
التلغراف فلا تعرف غيره. 


وهناك كلمات وأسماء كثيرة غير هذه ليت من يتسع له وقته في 


تلك البقاع يجمعها ويعرفها على الناس . 
اليد اليمنى 


للعرب عادة هي أن لا يجوز لأحدهم تقديم شيء من طعام أو 
شراب إلى أحد بغير اليد اليمنى» واتفق أننا مررنا برجل من كبارهم 
على مقربة من الطائف فاحتفى بنا وأكرمنا بالقهوة والشاهي فنهض 
أحدنا ينوب عنه في تقديم الفناجيل (وهي الفناجين عندنا ويسمون 
الفنجان الفنجال) فأبى مضيفنا إلا أن يكون هو الساقي لناء فأصررنا على 
أن يكون أحدنا فامتثل» وتقدم رفيقنا فأخذ الإبريق بيمناه والفناجين 
بيسراه - كما هي العادة في أكثر البلاد لسهولة الصب باليمين - فأنكر 
عليه صاحب البيت عمله؛ وقال: إن العرب لا تسقي باليسار وإنما 
تحمل الإبريق بيسارها وتقدم الفنجان بيمينها . 


. 0010 
من مكة إلى هليوبوليس"" 


يوم الأربعاء ٠١‏ جمادى الأولى سنة ١9 - 1١7794‏ كانون الثاني 


)010( 5 إلق مقره فى القاهرة. 5 مصر الجديدة. 


قا إرافت :وها معت 





6 سل 


سنة ١947١‏ كنت ويوسف ياسين على أهبة السفرء فدخلنا على جلالة 
الملك فودعناه. وأفضى إلينا ببعض ما تحدثه به نفسه» ثم ختم كلامه 
ببيت القائل : 
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا! 

فقبلنا يده. وانصرفنا من حضرته داعيين له بطول البقاء. وبرحنا 
مكة عصر النهار يصحبنا «بواردي» وهو عبد راكب يحمل بندقية. 
على رأسه أظنه طعاماًء يعدو أمامنا مستمراء فسألت رفيقنا «البواردى» 
عق شاأنة قال هو درك "كين عسكر سيدا : 

بلغنا «الشميسى» وقد أقبل الليل» فد لحا يهاء وهى متنزه حسن فى 
تلك الصحراءء فصلينا المغرب بعد أن كنا صلينا العصر فى قهوة قبلها 
يسمونها «قهوة سالم»). ظ 

وبعل ساعتين ونصمف من مغادرتنا الشميسي بلغنا «بحرة» وهي 
مقاه (قهاوي) متصلة وفيها بضعة بيوت» وقد رافقنا إليها فتى عتيبي من 
الدَرَك العربى لا يزيد عمره عن خمس عشرة سنةء فأراد العبد فوزان - 
رفيقنا ‏ أن يعبث به فناداه: يا ورع! ‏ أي يا غلام ‏ وأنت ما تصنع في 
هذا البر؟ فقال ‏ وهو يعدو أمامنا _: أنا الورع والله باثنين من حرب! 


بتنا فى «بحرة» على كرسى مستطيل تظللنا السماء واللحاف. وقد 


000( أي شرطي . 


المختار من الرحلات الحجازية 





وضعت خرجي وأمتعتي قريبة مني» وقيدتها من أسفلها بخيط ثخين 
عقدت طرفه على مرفقى وسترته باللحاف». حتى إذا طرقنا سارق وأراد 
امتتلا كا شيا شعت يهن وكنت كثيراً ما أصنع هذا في القفر. 


رنيسا من طوع للع نل لضع رس ار بلقنا كنا 
وهم يقولون وصلة ‏ يدعى «حصاة أم البومة» رأينا منه البحرء بعد 
مسيرة ساعتين ونصف من «بحرة»» ثم انتهينا إلى قهوة «الرغامة» 
فمكثنا بها قليلاً واتجهنا نحو «جدة» وقد لاحت لنا منازلها والشمس 
تلذع رؤوسناء فبلغناها قبيل الظهر نركب تارة ونمشي حيناء وللتعب 
وحر الشمس في أجسامنا أوفي نصيب . 


[471] بتنا هذه الليلة في جدة» ونهضنا في الصباح فذهبنا إلى 
موظف الجوازات (الباسبورتات) ومعنا أمر مطاع من صاحب الجلالة 
يوجب إعطاءنا جوازين هاشميين حجازيين فلبى الموظف الأمر. 
ونادى كاتباً عنده أملى عليه صفاتنا (لأن الصور غير إجبارية هناك) 
وانتهى إلى لحيتي». فقال للمستملي: اكتب: حليق» فتردد الكاتب 
وقال: بلحية ياسيدي» فأدار الموظف وجهه وقال متأففاً: يحلقها في 
الباخرة يا ابني» فضحكناء وتناولنا جوازينا فبعثنا بهما إلى المعتمد 
البريطاني ليمضيهما وهناك العقدة. | 


اضطرب الهاتف (التليفون) في دائرة مدير الرسومات ونحن 
عنده» وقد أرسلنا الجوازين مع أحد رجاله؛ فأخذ السماعة وهو يقول: 


خير؟ ‏ بدلا من كلمة «ألو» التى لم أسمعها في الحجاز قط فإذا 


فنا :وات وها سسعت 





ترجمان المعتمد يسأله عنى: أليس الذي جاء من مصر بغير جواز؟ 
فسئلت. فقلت: بلى» فقال: لينتظر الباخرة الثانية»)ء ومن أصعب 
الأمور على المتهيىء للسفر أن يقال له رويدك . 

فأعاد عليه مدير الرسومات السؤال عن السبب. فأجاب بأن 
المعتمد يريد أن يستأذن حكومة مصر. 


وهنا لم يسعني إلا أن طلبت مركز (سنترال) مكة وخاطبت الأمير 
زيد بالأمرء» وكان في مخلوان صاحب الجلالة» فتناول جلالته الهاتف 
وطلب المعتمد الونجليزي بيجدة فأجابه. وتداولا حديثًاً عرفت بعل 
ذلك أن جلالته أخبره فيه بأنني موظف في الديوان الهاشمي وإنني 

وبعد أخذل ورد وإرخاء وشسد أفتى المعتمد بيجواز الجوازء 
وأصحبني بكتاب إلى موظف الجوازات في السويس يزعم أنه يوصيه 
بي خيراء ولكني طويت الكتاب ولم أدر ما فيه لجهلي بالإنجليزية 
ولم أر في الباخرة مَنْ آمنه على قراءته» فأخفيته فى حقيبتي . 

[914] ركبنا الباخرة «دقهلية؛ صباح السبت 5١‏ يناير (كانون 
الثانى) ١ - ١97١‏ جمادى الأولى ١7794‏ وكانت ليلة الأحد شديدة 
الرياح ابتدأت العواصف عند منتصفهاء. وبلغنا ااينبع البحر) ضحى 
. الأحدء فمكثنا خمس ساعات نزلنا فى خلالها إلى هذه البلدة بل 
القرية. واخترقنا سوقها الضيقة المستطيلة. وراعنا ما فيها من تكائف 
الذباب كالضبابت!. 


المختار من الرحلات الحجازية 





وجرت بنا «الدقهلية» عصر النهارء والرياح تميل بها يمنة ويسرة. 
وهناك شعرنا بالبرد الذي فارقناه منذ رافقتنا اللحية» ورافقناه حين 
فار قناعن 17 


ولم تهدأ العراصف قبل طلوع صباح العلاتاءة وقد ارسية» نا 
السفينة في ميناء الطور التي أبحرنا منها بعد وقوف ساعة ونصف. 
واليم هادىء. وأصبحنا يوم الأربعاء 57 ينايرء والخدام ينادوننا : 
السويس» السويسء فنهضنا إلى ملابسنا ونحن نقول معهم: السويس. 
السوس! 


[477] ونزلنا بعد هنيهة» فشرح موظف الجوازات على جوازيناء 
وأردنا الانصراف فإذا بإنسان يقودنا أو يرافقنا رابنا أمره» فسألته عن 
شأنه؟ فأجاب - والتبجح مِلءَ شذقيه ‏ مأمور بإيصالكما إلى القطارء 
فازددنا ريبة» وبلغنا المحطة وقد بقى لموعد السفر نحو ساعة» فوقفنا 
وصاحبنا ملازم لنا لا يفارقناء فأعدنا عليه السؤال قائلين: ها قد قمت 
بما أنت مأمور به فهل من حاجة لك؟ قال: نعم الأمر يقضي بأن لا 
أدعكما حتى تركبا القطار وتسافرا أمامي» فلم يداخلنا شك في أنه 
«بوليس سري» ولكنا أردنا أن نتثبت» فسألناه عمن أوحى إليه؟ فقال : 
لا يعنيكماء قلنا: أأنت موظف في الحكومة؟ فقال: نعم؟ وها هي 
شارتي» وأرانا جانباً من قطعة بيضاء مكتوبة قد أخفاها في باطن معطفه 
ولم يسمح لنا بقراءة ما فيها. 


ما رأيثٌ وما سمعث © 
6 

صبرنا على حكم القضاءء وقد أردنا أن نبرح المحطة قليلاً لشراء 
حاجات فحاول أن يمنعنا بل منعنا بكل عنف. فخضعنا لإرادته» ثم 
دخلنا إجدى عربات القطار الواقف وانسللنا من جانبها الآخرء» وكم 
كآن .سروركا عله بفين افتعرنا بكدة الانتاذت .والانطلاق: والحرية: 
فتجولنا قليلاً وعدنا فركبنا وصاحبنا يبحث عناء فرآنا والقطار على أهبة 
السير فقفز نحونا متعلقاً بالقطارء وهو يقول: أين كنتما؟ لقد 
أتعبتماني» قلنا: ها نحن مسافران فأعلم من أرسلك» قال: وأجرتي؟ 
قلنا: على أي شيء؟ قال: على مرافقتي لكما ساعتين؟ وهنا غلب 
علينا الضحك؛ فدعونا شرطياً قريباً منا - كنا نخشى أن نكلمه قبل ذلك 
- فحدثناه بخلاصة الواقعة فقبض عليه» ومشى القطار بغتة فلم نعلم ما 


حدث . 





وبعد خمس ساعات وعشرين دقيقة كنا في القاهرة. فركبنا سيارة 
حملتنا إلى مصر الجديدة «هليوبوليس» حيث كان بعض أصحابناء 
وأقبل علينا من نعرف يهتئوننا بالسلامة"''. 


0010 إلئن هنا تم المراد من الاختصار» ولله الحمد. 








الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج 


الرحلة السابعة عشرة 
الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف 


وكان قد خرج من مدينة لوزان بسويسراء ثم نابولي في إيطالياء 


ثم ركب الباخرة إلى بور سعيد بمصرء ثم أبحر من ميناء السويس 
متجهاً إلى جدة لأداء فريضة الحج. وكان ذلك سنة .١758‏ فقال 


(010 


0,30 


هو شكيب بن حمود بن حسن أرسلانء من سلالة التنوخيين ملوك الحيرة» ولد 
في الشويفات بلبنان سنة 2١787‏ وكان عالمآ بالأدب والسياسة» مؤرخ من أكابر 
الكتاب» ينعت بأمير البيان» من أعضاء المجمع العلمي العربي ؛ انتخب نائب 
في مجلس «المبعوثان» العثماني» وسكن دمشق أثناء الحرب العالمية الأولى» ثم 


برلين» وانتقل إلى جنيف بسويسرا وسكن فيها 0" عامآء ثم عاد إلى بيروت 


وتوفي بها سنة 115 رحمه الله تعالى. 

كان من أشد المتحمسين للانتصار للدولة العثمانية» واضطلع بعد ذلك بالقضايا 
العربية فما ترك ناحية إلا تولاها جملة وتفصيلاًء وأصدر مجلة في جنيف 
للغرض نفسهء وقام بسياحات كثيرة في أوربا وبلاد العرب» وزار أمريكا سنة 
© والأندلس سنة .197٠‏ وهو في حله وترحاله يكتب المقالاات 
والبحوث» ورسائله الخاصة بالآألاف أو بعشرات الألاف» وله مصنفات كثيرة . 

انظر «الأعلام»: “/ ١0/7“‏ 10926 . 

وقد علق على هذا الكتاب 3 من الشيخ الفاضل محمد رشيد رضاء والأستاذ 
عبدالرزاق كمالء» ناشر الكتاب» وقد أبقيت من تعليقاتهما ما يتفق مع منهج 
الاختصار والتهذيب. 


المختار من الرحلات الحجازية 





ر حمهة الله تعالى : 
من السويس إلى جدةء ووصف الإحرام والتلبية 


[/971] فصلنا من ميناء السويس في 8 مايو على باخرة تقل نحواً 
من ١70١‏ حاج من إخواننا المصريين» وفيهم بعض المغاربة» فسارت 
بنا الباخرة رهواً ورخاء لم نشعر فيها إلى جدة بأدنى حركة للبحر تزعج 
الراكب» وإنما كان المزعج هو اكتظاظ السفينة بالراكبين حتى لا يقدر 
أحد أن يمر من شدة الزحام. 

[454] وفي اليوم الثالث من مسيرنا ناوّخناا'' ميناء رابغ» ولما 
كان الحجيج الوارد من الشمال في البحر الأحمر عليه أن يحرم من 
رابغ فقد أحرم جميع الحجاج الذين في الباخرة» وارتفعت الأصوات 
من كل جهة: «لبيك اللهم لبيك» لبيك لا شريك لك لبيك» إن الحمد 
والنعمة لك والملك». لا شريك لك» فاستشعر الناس من الخشوع في 
أثناء ضجيج الحجيج هذا ما اتصل بأعماق القلوب» وتغلغل في سرائر 
النفوس» وأحس الجميع أن البيت الذي يخلع الناس تعظيماً له أثوابهم 
قبل الوقوف بعتبته بمسيرة يومين» ويشتملون في القصد إليه ما ليس فيه 
شيء من المخيط لبيت مقدسء لا يؤمه الناس كما يؤمون سائر البيوت» 
وأنه فوق بيوت الملوك». وفوق مقاصير القياصرة» وأواوين الأكاسرة. 
التي لا يحرم في الطريق إليها أحد لا من بعيد ولا من قريب . 


000 أي قابلناء انظر «القأاموس المحيط» : توح وجاء فيه التناوح : التقابل ١‏ والأمير 
شكيب يستعمل من اللغة جزلهاء وغريبها أحيانا. 


الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج 





زه سل 


[45] وما زال الناس مستشعرين اللخشوع تلك الليلة» مواظبين 
على التلبية» مترقبين طلوع الفجر الذي يدنيهم من جدة ‏ ميناء البيت 
العظيم الذي يؤمونه ‏ إلى أن انفلق الصبح.ء وأخذت تبدو جبال 
الحجاز للعين المجردة» فارتفعت الأصوات بالتهليل والتسبيح 
والتكبيرء وازداد ضجيج التلبية للعلي الكبيرء وخالط الهيبة والخشوع 
بالقدوم على البيت الحرام الفرح والابتهاج بالوصول إلى أطهر بقعة 
وأقدس مرامء ولم تكن ترى إلا عيوناً شاخصة» ولا تحس إلا قلوبأً 
راقصة. والجميع متطلعون إلى سواحل الحجازء منتظرون بذاهب 
الضين' آذ يقبلوا ضلى هده الك تؤدة عطي لما قن هذا المرسى عن 
الجبال والصخور التي تكاد رؤوسها تبرز من تحت لجج البحرء وإذا 
بخمس عشرة باخرة راسيات في ذلك الميناء على أبعاد متفاوتة من 
البر. 


[970] وصف جدة وغرابة ألوان بحرها 


ولقد طاب لي من ميناء جدة منظران لا يزالان إلى الآن منقوشين 
في لوج خاطري 

إحداهما: رؤية هذه البواخر الواقفة في الميناء ناطقة بلسان 
حالها: أنه وإن كانت هذه السواحل قفاراً لا تستحق أن ترفأ إليها 
البوارج ولا السفن» فإن وراءها من المعنوي أمراً عظيماًء ومقصداً 
كريماً هذه البواخر الكثيرة ماثلة أمام جدة من أجلهء ولقد قيل لي في 
جدة: ماذا رأيت؟ فمن العادة أن تجتمع في مياه جدة ثلاثون باخرة 


المختار من الرحلات الحجازية 





617 > 


لتر ات برق ين مو الى بيو الح ل ل ري 


وأما المنظر الثاني فهو منظر مياه هذا الميناء» فلقد طفت كثيراً من 
البحارء وعرفت أكثر البحر المتوسط والبحر الأسود وبحر البلطيك 
وبحر المانش والأوقيانوس الإطلانتيك» ولم يقع بصري على شيء 
يشبه مياه بحر جدة في البهاء واللمعان» كنت كيفما نظرت يمنة أو 
يسرة أشاهد خطوطأً طويلة عريضة في البحر أشبه بقوس قزح في تعدد 
الألوان» وتألق الأنوار» من أحمر وأزرق وبنفسجي وعنابي وبرتقالي 
وأخضر إلخ» ولا فرق بين هذه الخطوط وبين قوس قزح سوى أن هذه 
الخطوط مستقيمة وإن قسيّ قزح مقوسة» وإن هذه في السماء وهاتيك 
في الماء» وقد تشبه هذه الخطوط ذيول الطواويس» لا فرق بينهما إلا 
في كون هذه الذيول المنسحبة على وجه البحر عظيمة جداً تمتد مئات 
من الأمتار وبعرض عشرات منها. 

قضيت العجب من هذا المنظر وقلت: إن مثل هذا الميناء لا تمله 
النواظرء ولا تشبهه المناظرء مهما كانت نواضرء ثم سألت ربان 
الباخرة - وهي من البواخر الهندية ربانها إنكليزي ‏ عما إذا كان رأى 
هذا المنظر في بحر آخر وقلت له: إني جلت كثيراً في الدنياء ورأيت 
أبحراً وبحيرات وأنهاراً لا تحصى. ولم أعهد مسرح لمحة على سطح 
الماء يحاكي في البهاء هذا الميناء» فما قولك أنت؟ قال لي: مهما يكن 
من سيرك في الأرض ومعرفتك للبحار فلا تعرف منها جزءاً مما أعرف» 
وأنا أقرل لك إني لا أعهد هذه المناظر البديعة إلا لهذا الميناء وحده. 


الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج 0 
فسألته عن السبب في تشكل هله الألوان؟ 


فقال: إن قعر البحر هنا ليس ببعيد وإن فيه أضلاعاً مكسوة نباتاً 
بحرياً متنوع الألوان والأشكال» وإن هذه الأضلاع ناتئة قريبة من سطح 
الماء فتنعكس مناظرها إلى الخارج , ويزيدها بور الشمس رونقاً 
وإشعاعاً. 


وقيل لي - فيما بعد إن ملوحة البحر الأحمر زائدة» وإن هذه 
الملوحة هي السبب في تكون هذه الشعاب التي تكثر في هذا البحر 
وتجعل مسالكه خطرة. وإن هذه الشعاب تنمو وتعلو حتى تقارب 
سطح الماء» ومنها ما يبرز عن سطح الماء فيكون جزيرة» وإن هذه 
الشعاب متكونة من أعشاب وحيوانات بحرية من طبقة الإسفنج» وهي 
ذوات ألوان شتى كلها ناصع. ومنها ما هو أحمر ساطع» ومنها ما هو 
أخضر ناضرء ومنها ما هو أصفر فاقع. ومنها ما هو دون ذلك» وقد 
يقتلع الملاحة والغواصة منها أشجاراً تسمى بشجر المرجان؛ وهي في 
غاية الجمال» ومن أبهى ما يوضع في أبهاء القصور للزينة . 


فهذه الشعاب هي التي تنعكس ألوانها على سطح الماء فتكون 
أشبه بذيول الطواويس أو بقسيّ السحاب. وهي في الوقت نفسه 
الأخطار الدائمة على السفن» والغيلان المتحفزة لابتلاعها. 

فسبحان الذي أودع فيها الحسن ولكنه أنزل فيها البأس» وجعلها 
غائلة للمراكب». ولقد صدق المثل (إن من الحسن لشقوة) . 


قالوا: وإن امن مرسى في الحجاز مرسى رابغ ؛ ذلك لعمق غوره 











6 


وقلة شعابه» وعللوا ندور الشعاب فيه بكون ملوحة بحر رابغ أقل من 
ملوحة سائر المراسى» وهذا من كثرة السيول المنصبة على رابغ . 
فالماء الحلو قد نقص من ملوحة ميناء رابغ؛ وعافاه من تلك الشعاب 
التى هي آفة المواني الأخرى في البحر الأحمر"''. 


وحبذا لو قامت هيئة جيولوجية بالفحص اللازم لأحوال البحر 
الأحمر الطبيعية وأعطت حكمها في أسباب تكون هذه الشعاب وكثرتها 
فى هذه الموانىء» وفي منشأ هذه المناظر الجميلة التي تلوح للرائي إذا 
أقبل عليهاء فإن الأسباب التي ذكرناها لم نتوكأ فيها على تقرير فني» 
بل على الكلام الذي يدور على ألسنة الناس . 


هذا ما كان من تأثير بحر جدة في خاطري . 


[ فأما بر جدة فالبلدة لا بأس بهاء ولا يوحش الداخل 
منظرهاء نعم إن بناءها لا يزال كأنه من القرون الوسطى» ولكن بناء 
القرون الوسطى ليس كله منبوذآء وقد بدأ المهندسون يقلدونه 
ويرجعون إلى كثير منه ولعمري لست ممن يحب الجدّة في طَرُز البناء 
ولكني أتمناها لها في استعمال الآلات الميكانيكية الحديثة» والطرق 
العصرية في مرافق الحياة وفي الصناعة والتجارة وسائر أركان العمران» 
وأما أسلوب البناء فليس فيه ما يستهجن بل أرى نجارة الأبنية فيها 


راقية. 


نما 


الارتسامات اللطاف في خاطر الحا 


(و61 ست 


وقد أخيف؟"" البورب الكبرى على معظم عمران جدة فيما أخنت 
عليه من عمران هذا العالم» وازداد جزرها في الحصار الأخير» قبل أن 
استولى عليها الملك ابن سعودء فلما ألقت بمقاليدها إلى جلالته بدأ 
يتراجع إليها العمران» واستؤنف النشوء» ولا تمضي سنوات معدودات 
حتى تسترجع درجة عمرانها السابقة . 





[911] شعوري القومي"" في جدة والحجاز 
يلذ الإنسان عند دخوله إلى جدة تذكره أنها باب مكة المشرفة وأن 
المزار أصبح قريبًء وقد لذني أنا يوم دخولي إليها زيادة على ذلك ما 
شعرت منذ وطئت بقدمي رصيف جدة أني عربي حر في بلاد عربية 
حرة» شعرت أني تملصت من حكم الأجنبي الثقيل الملقي بكلكله على 
جميع البلاد العربية - وياللأسف - حاشا مملكتي الإمامين عبدالعزيز 
ابن سعود ويحيى بن محمد حميد الدين”". 


شعرت أني حر في بلادي وبين أبناء جلدتي» لا يتحكم في رقبتي 


)١(‏ أي أفسدت وأهلكت. 

(0) القومية عند الأمير شكيب ليست هي القومية المنتنة التي حاربت الإسلام كثيراً 
في الخمسينات والستينات» ولكنها القومية القائمة على أن عز العرب هو عز 
الإسلام» ولم يخطر قط بباله ‏ رحمه الله تعالى ‏ المعنى الأول والله أعلم. 

(؟) ملك اليمن الحسني العلوي الطالبيّ» الإمام المتوكل على الله ابن المنصور بالله» 
بخ أئمة: الزيقاية » ولد يصتعاء سينة 411785..وتول الاقامة: بيغد-وفاة أن سفة 
7 . وكان شديد الحذر من الأجانب» وأجلى فى أيامه العثمانيين عن اليمن 
سنة 1775. قتل سنة 1187 - رحمه الله تعالى - من بعض مدعي الإصلاح 
والتغيير. انظر «الأعلام»: .١791- ١0١/8‏ 





المسيو فلان ولا المستر فلان إلخ بحجة انتداب أو احتلال» أو سيطرة 
أو حماية أو وصاية» أو غير ذلك من الأسماء المخترعة التي يراد بها 
تنعيم مس «الفتوحات» وتخفيف مرارتها في الأذواق . 





شعرت أني إن كنت خاضعاً هنا لحكومة فكخضوع لويد جورج 
لحكومة إنكلترة» وكخضوع كليمنسو"'2 لحكومة فرنسة» أي أني 
خاضع لحكومة عربية بحتة رأسها وأعضاؤها مني وإليّ وأنا منها 
وإليهاء» وبعبارة أخرى أني هنا خاضع لنفسي» وأن كل من أراه من 
رعاياها إنما هو خاضع لنفسه . 


شعرت أن رئيسي هنا هو ابن جلدتي الذي يغار علي كما أغار 
على نفسي» وأن الجند الذي يحيط بي ويحفظ الأمنة علي وعلى غيري 
هم ممن أجتمع وإياهم في أرومة”'؟ واحدة» وممن أرمي وإياهم إلى 
هدف واحدء فلا تثقل على سلطتهم. ولا يتكاءدني الخضوع لنظامهم» 
0 أرقن فيه نظام أمتي وانتظام شملي . وليس هنا ذلك الرئيمس 
الغاشم» الثقيل الوطأة» السيء النية» المتكبر المتجبر المتغطرس» 
الغريب عني» الذي لست منه ولا هو مني» الآتى إلى بلادي ليتحكم 
في أمورها ويستغل خيراتهاء ويضرب على سكانها الذل والمسكنة. 
لأنه لا يقدر أن يعتز إلا بذلهم» ولا أن يثرى إلا بفقرهم» ولا أن يقوى 
إلا بضعفهم» ولا أن ينصع وجهه إلا بفقر دمهم. وسيأتي يوم نقول 


)١(‏ هما رئيسا وزراء البلدين المذكورين. 
00( أي أصل . 





-_ 0 


فيه: ولا يحيا إلا بموتهم. 


لم أكن هنا في البلاد التي مع أنها وطني ووطن آبائي وأجدادي. 
وظن قومي وأمتي . وجني سواعدهم» وثمرة دمائهم التي سالت فيها 
أنهارء لا يؤذن لي أن ألقي عليها نظرة بعد غربة متطاولة» ونَبُوة 
متمادية» ولا أن أدوس على ترابها بقدم خفيفة ولو ساعة من الزمن» 
وذلك لأن غريباً غلب عليها فقبض على أعنتها وتصرف بها كيف شاءء 
يدخل من يشاء ويخرج من يشاءء فأصبح هو صاحب البيت وأصبح 
أصحاب البيت هم الغرباء. 

شعرت في الحجاز أني تظللني راية عربية محضة حقيقة» لا راية 
مشوبة بشعار أجنبي» ولا راية ليس يسير من تحتها جند عربي إلا ما 
كان من قبيل مرتزقة أو مستأجرين تحت قيادة من لا يرقب في هذه 
الأمة إلا ولا ذمة» وإنما ينظرون إليها كطعام للأمم التي تدعي عليها 
الوصاية وكمتمم لأسباب رفاهيتها ونعيمها”'' . 


لقد صدقت الجريدة الدمشقية التي قالت: إنه لم يبق في البلاد 


)١(‏ قال الأستاذ عبدالقادر كمال يرحم الله الأمير شكيباً وأنزله منازل المجاهدين 
الأبرار» فلقد وصف شعوره نحو أمته ووطنه بما هو كامن في صدر كل مواطن 
صالح. وكل عربي أصيل في عروبته؛ فلقد قرأنا عن مساوىء الاستعمار بما زاد 
في كراهيتنا وبغضنا لهء وكان الأجدر به أن يسمى «استخراب» لا «استعمار) 
ولكنها القوة الباطشة في ألفاظها المزخرفة» وقد أبغضناه أشد البغض ولم نقع - 
بحمد الله في شركهء فكيف بمن قاسى منه الأمرين» حقق الله لبلادنا العزيزة 
ولجميع بلاد العرب والمسلمين كامل مجدها وعزها ورفعتها ووقاها كيد 
الكائدين والمستعمرين آمين . 








610 


العربية بلاد أقدر أن أدخلها إلا الحجازء والحقيقة أني أدخل أية بقعة 
أردت دخولها من جزيرة العرب حامداً لله على بقاء هذه الجزيرة تحت 
سلطان أهلها دون سواهم». وعلى أن حكومات الحجاز ونجد واليمن 
لا تعرف شيئاً من الامتيازات الأجنبية التي تكاد تغرق في لججها الأمم 
التي تحت الوصاية» والتي لا يزال منها رسيس"'؟ حتى في تركيا 
فالإفرنجي ‏ سواء في مملكة ابن سعود أو في مملكة الإمام يحيى - 
خاضع للشريعة الإسلامية بجميع أحكامها. 
[41777] الملك ابن السعود 

ثم شاهدت جلالة ملك هذه الديار وخادم الحرمين الشريفين 
عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن سعود وكان في جدة ذلك اليوم» فوجدت 
فيه الملك الأشم الأصيدء الذي تلوح سيماء البطولة على وجهه. 
والعاهل الصنديد الأنجد الذي كأنما قَدَّ ثوب استقلال العرب الحقيقي 
على قَذَّهِ فحمدت الله على أن عيني رأت فوق ما أذني سفغتة» 
وتفاءلت خيراً في مستقبل هذه الأمة . 

ولا أقصد في إعجابي هذا بشخصية الملك ابن سعود تنقص أحد 
من ملوك العرب الآخرين» ولا التعريض بأي ملك أو أمير ينطق 
بالضاد. بل نحن نتمنى تأييد الجميع وتسديد الجميع كما نتمنى تأييد 
ابن سعود وتسديده بدون فرق» وحباً بمصلحة الأمة العربية التي 


استقلالها مربوط باستقلالهم» فأما إذا كانوا يشترطون على المحب لهم 


. أي بقية وأثر. انظر «المعجم الوسيط»: رس س‎ )١( 


الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج 





>09 


على خيرهم أن يكره لهم ابن سعود» أو أن سكت عن الإشادة 
بحسناته . والإعجاب بما اتاه الله من المواهب فإن شرطاً كهذا ليس من 
الإكاف فى اكب داووكوة من االبدرون أنا لانقيلة. 

ودكييت بذعوة جلالة الملك ابن سعود ال يساره في السيارة 5 
اصطلحوا في الحجاز على تسمية الأوتوموبيل سيارة وقل يقولون 
«موترا ويجمعونها على «مواتر) - وسرنا بمعيته مساء يوم وصولي». 
وذللكه إلى اللق الأمين ححماه.وى الخالمين. 


ولم أجد الحرارة فى جدة فوق ما تتحمله النفس حتى نفس الذي 
لم يتعود الحر ‏ نظير هذا العاجز ‏ بل هواء البحر يرطب جو جدة 
ويخفف من سموم الصحراء»ء وذلك بخلاف مكة التى حرها شديد. 

الطريق من جدة إلى مكة 

فأما الطريق من جدة إلى مكة في هذا الفصل فليس فيها ما يسرح 
به النظر في مُؤنِقَ أو ناضرء فلا ترى من أولها إلى ما يقارب آخرها 
غصناً أخضر يلوح. ولا رقعة بقدر الكف خضراء» ولا يكاد يقع بصرك 
من الجانبين إلا على رمال محرقة تدخل العشايا ويجن الليل وهي 
حافظة لحرارة النهار» وعلى أكام وأهاضيب أكثرها من الحجارة السود 
كأنها من بقايا البراكين. 

[:97] ولما وصلنا الى تعر ظننت أنى أواض فيها فرية أشننة 
بالقرى فإذا بمجموع عشاش وأخصاص وبيوت لا ترضي ناظراء وهناك 
أماكن استعاروا لها اسم المقاهى» وهى في الحقيقة أخصاص تشتمل 


المختار من الرحلات الحجازية 





60- 


على مقاعد من خوص يجلس عليها المسافرون الذين بلغ بهم الجهد. 
فيشربون شيئاً من الشاي أو ينقعون غلتهم بماء لا غناء فيه» وكان 
الأولى بأهل مكة وجدة أن يجعلوا من بحرة منزلاً تقر به عين المسافر 
ويجد فيه خضرة ونعيماً بعد تلك الرمال المحرقة والأكام الجرداء. 
والأمل أن حكومة الملك ابن سعود تنظر إلى هذه العلة فتزيلها . 


وقد قيل لي إن طريق جدة إلى مكة ليست طول السنة في هذه 
القسوة التي رأيتها فيها بل هي في الربيع غيرها في الصيف؛ إذ يرى 
منها المسافر في الربيع كلا كثيراً» وخصباً نضيراًء وقتاداً وطلحاً. 
وكنيهر | ويفجا. 

[41] وكانت قوافل الحجاج من جدة إلى مكة خيطأ غير 
منقطع . والحمال تتيادى تحثة اللتقادف: .وكثيرا ما تضق بها السيل 
على رحبهاء وكان الملك - أيده الله - من شدة إشفاقه على الحجاج 
وعلى الرعية لا يرفع نظره دقيقة عن القوافل والسوابل» ولا يفتأ يتتهر 
سائق السيارة كلما ساقها بعجلة قائلاً له: تريد أن تذبح الناس» وكل 
هذا لقدة كخرفه ان كمس ارق عتذنا أو تودى عماة أن خمالا 
وهكذا شأن الراعي البر الرؤوف برعيته» الذي وجدانه معمور بمعرفة 
لحان 


وما زلنا نسير حتى دخلنا حدود مكة التى يحرم فيها الصيد 
فالمسافة بالسيارة لا تتجاوز أربع ساعات» وبعد ذلك وصلنا إلى الشكنة 


العسكرية وصرنا بين البيوت» فعلمنا أننا تشرفنا بدخول البلدة التى 


الارتسامات اللطاف في خاطر الل 





تشرفت بمولد مدحملثد سيد الوجود. وبالبيت الذي طهره إبراهيم 
وإسماعيل للطائفين والعاكفين والركع السجودء. فقصدنا توا إلى البيت 
الحرام حيث طفنا وسعيئاء وعجارناً ودعونا. والله يتقبل الدعاء ويغفر 
الذنوب في ذلك المقام الكريم و © قل يماع لين رفوأ عل أنشيرِهيم ل 
َقَمَطُوأ من يحم أله إنَّ أله يَمْفِرُ الدُحُوب جقِيعا يه هو هو الْعَفُوْرَ أ 4 يحم 74" . 
[41] الحر في الحجاز وما يقضيه من كثرة المياه 

والحر في الحجاز نوعان: 
السموم وهو الريح الحارة») وهذه الريح إذا اتماها الإنسان بمنشفة 
مبلولة أو بحصير مرشوش بالماء معلق فوق باب أو نافد انقلبت ياردة . 

وبالجملة فأشد ما يعاني المرء من حر مكة هو فيما لو تعرض 
للشمس في وسط النهار؛ أما المتعودون وأبناء مناطق خط الاستواء فلا 
3 0 لي وا ااتسي 
ضرر » اماع يو ااا 
الشمال لا غير. 

من فوائد هذه الحرارة الشديدة في مكة في أيام الموسم أنها تقتل 
بشدتها جميع الجرائيم لمر فلا تجد في الحج شيئاً من الأوبئة 





. سورة الزمر: آية اه‎ )1١( 





نسمة فقط كلهم تقريباً ذهبوا بضربة الشمسء» ولا أريد أن أجعل الفضل 
كله في قلة الأمراض لحَمّارة القيظ بل الإدارة الصحية في الحجاز 
بفضل تدابير مديرها وهمة الخمسة والعشرين طبيباً الذين يعاونونه هي 
خير إدارة صحية عرفها الحجاز إلى اليوم ما عدا الأيام التي كان فيها 
الترتيبات الصحية التى لا تزال نبراساً إلى هذه الساعة؛ فالدكتور 
محمود حمدىي يحذو حذو المرحوم الدكتور عر الدين ونجذده هو 
وأطباؤه في أيام الموسم لا يعرفون لذة الكرى”'' من أجل سهرهم على 
صحة الحجاج. وكل سنة يستزيد الدكتور حمدىي اننا مد 
المخصصات المالية لأجل القيام بتدابير صحية جديدة»ء وفي هذا 
الموسم رأيست العربات فى منى ترش الحوامض المطهرة. فكان لذلك 
أحسن وقع في النفوس . 

وأما الجّمد”" فتقاتل به الصحية كثيراً من الأمراض ولا سيما 
الحمى. وإن كانت تنهى عن الإفراط في شرب الماء المذاب من الثلج 


فالثلج إذا اقتصد في شربه روح للأرواح» وشفاء للملتاح» في مثل 
الحجازء حاشا الطائف وجبالها حيث لا لزوم له ألبتة . 


إن مكة اليوم أصبحت لا تكتفي بسد حاجتها من جهة الشرب 


22( أي الثلج . 


الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج 





0 
ولوازم البيوت ولو فاض فيها الماء فيضاناً يغنيى الحاج والسكان عن 
شراء الماء بالدرهم» بل مكة محتاجة إلى مياه تكفي لرش طرق وسقيا 
حدائق بلدية وإحدار شلالات من مرتفعات مكة الكثيرة» وإن مكة بعد 

اليوم لمحتاجة إلى ري الشجر فضلاً عن ري البشر. 


[911] ذلك أن فصول مكة الأربعة تنحصر في فصلين: أحدهما 
الشتاء» وهو في غاية اللطف وكأنه فصل الصيف في أعالي لبنان» 
والثاني فصل القيظ المصادف ما يسمونه بأشهر السرطان والأسد 
والسنبلة» وهو فصل قد تصعد فيه الحرارة في الظل بميزان سنتيغراد 
إلى الدرجة 15 وإلى ٠54‏ وفي الليل يتعذر النوم حتى على سطوح 
المنازل. 2 


وإن اليوم الذي تكون فيه الحرارة 78 أو 4 يعده المكيون معتدلاً 
ويقولون (اليوم براد). فإدا نزلت إلى 70 قالوا: (براد بالحيل). بفتح 
فسكون أي (برودة زائدة) وفل تأت في هذه الأشهر الثلائة أيام وليال 
مقبولة إلا إن هذا من النادر الذي لا يعتد به . 


فالحج الشريف يصادف على مدة ستة أشهر فصل المَيْظ الذي فيه 
حر شديد وحر أشد هو حر السرطان والأسد والسنبلة» وهذا لا يطيقه 
إلا أهالي خط الاستواء. والتكارنة ومن هم في ضربهم» فأما حجاج 
مصر والشام والمغرب والأناضول والبلقان وتركستان وشمالي فارس 
وأفغانستان وشمالي الهند فإنهم يُطوقُون من هذا الحر عذاباً واصباًء 
وقد شاهدت علماء من العراق فسألتهم عن نسبة حر العراق إلى حر 








تهائم الحجازء. فقالوا: إن حر الحجاز أشد» وأكثر من يموت من 
الحجاج في المواسم المصادفة لفصل القيظ إنما هم من حجاج 
الشمال. وذلك بضربة الشمس» وأكثر ما تصيبهم هذه الضربة في 
عرفات حيث يجب أن يكونوا مكشوفي الرؤوس» فليتأمل المتأمل في 
قضية الحسر عن الرأس في عين الشمس عندما تكون درجة الحرارة في 


[91/0] ومع أنه يجوز للحاج اتقاء أن يستظل بمظلة عالية فوق 
رأسة -فتجذ. أكثر الحجاج يتورعون عن ذلك ابتغاء زيادة الأجر 
والثواب» وعملاً بأن الأجر على قدر المشقة؛ وهم ينسون أن الله نهى 
عن إلقاء الإنسان بيده إلى التهلكة» وأن احتمال المشقة إن كان فيه أجر 
وثواب» فالتهور في الهلكة ليس فيه أجر ولا ثواب» بل يكاد يكون 
اتتحاراً والانتحار ممنوع حتى في العبادة» إن الإنسان لا يجوز له أن 
يهدم بنيّة الله تعالى ابتغاء مرضاة الله تعالى الذي لاا يرضى بذلك منه. 
وأنه ليس في الشرع الإسلامي ما يجيز للمسلم أن يضر بجسمه ضرراً 
بيناً متحققاً ولو في سبيل التعبد» فعدم الاستظلال بمظلة عندما تكون 
درجة الحرارة كما وصفنا نراه مخالفاً لروح الشرع''؛ ومن باب طلب 


)١(‏ قال الأستاذ رشيد رضا: قد احتاط الأمير في قوله هذا ولو قال لنص الشرع لم 
مرجح ١‏ ونصوص الكتاب والسنة في ذلك كثيرة. والأفضل للمحرم أن يضحى 
(أي يبرر للشمس) إذا كانت الشمس لا تضره» فإن خشي الضرر كره له؛ فإن 
تحققه بالتجربة أو بقول طبيب يعتقد صدقه حظر عليه ووجب الاستظلال. 


الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج 





الزيادة والوقوع في النقصان. 


[414] ينبغي أن يبادّر إلى حفر آبار ارتوازية في طول صحراء 
عرفة وعرضها حتى تفيض من تحت الأرض المياه إلى ما فوق 
الأرض » ثم تبنى القنوات والصهاريج وتغرس حفافيها صفوف الأشجار 
والرياحين. فتتهدل هناك الأغصان» وتتدلى الآفنان» وترف الطللال» 
ويتسلل الزلال. فتخف حرارة الشمس ويلجأ الحجاج في مثل هذه 
الأيام العصيبة إلى ظل ظليل وهواء بليل» فتكون درجة الحرارة تحت 
فيئان الدوح أدنى منها في الشمس بخمس عشرة درحة . ويصير الحاج 
إذا تعرض للشمس قادراً أن يفىء إلى الظل» وقد يجد القارىء هذا 
الفكر خيالاً» ويصعب عليه أن يرى في تلك الصحراء حياضاً وجناناً: 
وووححا وريحانٌ وهذأ كله خطأ ذ فى خطأ أو استخذاء ه في الهمم. 
فالأوروبيون احتلوا بلداناً كثيرة جاو 
مكة. وملها ما هو أشد حرارة من مكة. وترى هذه البلذان. الآن 55 
بفضل العلم والفن والدأب والثبات ‏ غير ما كانت من قبل» قد بدلت 
فيها الأرض غير الأرضء» وقد خفت فيها الحرارة درجات عما كانت 
بما أسالوا إليها من مياه وغرسوا من أشجار» ومأ أحدثوا من مروج 
خضرء ومأ أزالوا من غبارء وهكذا صارت قابلة للسكنى وصار كثيرون 
من الأوربيين يقيظون فيها بالسهولة, وذلك أن نهم سألوا العلم فأجابهم. 
واستدروا ضرع الفن فجاد عليهم . واعتصموا بحبل الثبات فأورثهم 
الثبات نباتأ» وتغلبوا على الطبيعة وخففوا بأسها ونَّموا حَرَشتهاء 
ونحن باقون على ما كنا عليه في القرون الوسطى أو قريب من ذلك». 


المختار من الرحللات الحجازية 





60- 


نجد كل تغير بدعة» وكل بدعة ضلالة» وننسى أن من البدع بدعاً 
مستحسنة لا بد منهاء وأن الضلالة كل الضلالة هي الجمود على القديم 
الذي لا قوة له إلا بحكم العادة ولا كتان يا هريية و لا تبي 47 و[ لو 
يبق لنا عذر من قبل الدين والعرف رجعنا نلتمس لأنفسنا المعاذير من 
عدم إجابة الطبيعة نفسها إلى ما نريد. 





وأجيب - بشأن عرفة ‏ بأن صحراءها رملية» وأنها بحذاء جبال 
عالية وكل من رآها يحكم بأن في باطن أرضها مياهآء لا بل فيها آبار 
قديمة مسمولة تدل على وجود المياه؛ فما علينا إلا أن نجرب عملية 
الآبار الارتوازية في عدة مظان منهاء فإن رأينا الأرض لم تنبض بالماء 
في كل ذلك السهل الأفيح تركنا المشروع من أساسه . 


ولقد بلغني أن الملك ابن سعود - أيده الله ووفقه إلى كل خير - 
قد أذن لأناس من الهولانديين أن يجربوا حفر آبار ارتوازية بين جدة 
ومكةء فشكرت لجلالته هذا الإذن» ورجوت أن تثمر هذه التجربة بما 
ينشط الملك على الأمر بالحفر في مواضع كثيرة من هذه البلاد من 
جملتها عرفة والمزدلفة ومنى» فالله قد جعل من الماء كل شيء حي في 


)١(‏ قال الأستاذ رشيد رضا: قوله كلهم «كل بدعة ضلالة» مراده به البدعة في الدين 
نقنية كما يدل عليه السساق» وقول العلماة إن التدغة تسم إلى يخة وسئة 
مرادهم به ما يتجدد للناس من المصالح والمنافع العلمية والعملية ودليلهم عليه 
حديث «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من 
غير أن ينقص من أجورهم شيء؛ ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها 
ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء» رواه مسلم . 





0 __- 
الأقاليم الباردة» فكيف في الحجاز والأرض الرملية التي مثل عرفة؟ هي 
أسرع نباتاً وأبدر إلى الخضرة» فإذا جاءها الماء لم تكن إلا سنة واحدة 
حتى اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج» وقد يؤتى من البلاد الحارة 
كالهند والجاوى بأشجار سريعة البسوق» ورياحين باكرة السموق» له 
تمضي سنوات حتى ترى فروعها في السماء» وأغصانها لاحقة بالأرض» 
فتنقلب عرفات من هله الغبرة الباسرة إلى الخضرة الناضرة» التي لا 
تضر شيئاً بمناسك الحجاج» بل تزيدهم من الفرح والابتهاج . 
[974] روعة موقف عرفات العامة 

ما أنسى لا أنسى منظر عرفات ليلاًء فهو من أبهج ما ارتسم في 
خاطري من مناظر هذه الدنيا الفانية مع كثرة ما شاهدت في حياتي وما 
تقلبت في الأمصار والعواصمء فقد أقبلنا عليها غلساً آتين من منى» 
فكانت أشبه بسماء في كواكبها وطرائقها منها بسهول وهضاب في 
خيامهاء وقبابها المضروبة» ومصابيحها المعلقة ونيرانها المشبوبة» 
فكان منظراً قيد النواظر لا يشبع منه الرائي تطلعاًء ولا يزداد به إلا 
ابتهاجاً» وليست عرفات في النهار بأقل حسناً وجلالاً في تموج 
جموعها وتراص قبابهاء ولا سيما في مناظر الخشوع التي تأخذ 
بالألباب» ومسامع الأدعية التي ليس بينها وبين الله حجاب . 


[180] خبر المطوفين في مكة المكرمة 
والمُرّوْرين في المدينة المنورة 


إن في الحجاز الشريف ‏ حماه الله طائفتين لا بد لقاصد الحجاز 





أن يكون له علاقة معهما ولا يكاد يستغني أحد عنهماء وهما المطوفون 
بمكة والمزورن بالمدينة . 


فالحاج يأتي غريباً لا يعرف أحداء والغريب أعمى ولو كان 
بصيراء فلا بد له من دليل يدله ويسعى بين يديه ويقضي حوائجه 
ويرتب له قضية سفره ومبيته ويعلمه مناسك الحج التي أكثر الحجاج 
يجهلونهاء وإن كان منهم من يعلمها جملة فليس يعلمها تفصيلاًء وإن 
كان منهم من يعلمها جملة وتفصيلاً فهو النادر الذي لا يبنى عليه 
حكمء وزد على هذا أن الحجاج ليسوا جميعاً من أبناء العرب فيمكنهم 
أن يسألوا عن الطرق والمنازل والمناسك والمناهل ويزيلوا عمى الغربة 
بطول السؤال لإمكان تفاهمهم مع الحجازيين» بل حجاج العرب لا 
يزيدون على خمس حجاج المسلمين والأخماس الأربعة الباقية هي من 
أمم تجهل اللسان العربي» فكيف يصنع حجاج هذه الأمم إذا لم يكن 
المطوفون؟ وكيف تصنع المزدارة (زوار المدينة المنورة) إذ لم يكن 
المزوروكث؟ 


[1] وإني لأعلم أن كثيراً من الناس يطعنون في المطوفين 
والمزورين بل يبالغون في ذمهم أو في ذم العدد الكثير منهم» ويقولون 
إنهم ينهبون الحاج ويجورون عليهم ويتقاضونهم من الأجرة أضعاف 
حقوقهم» وقل يحدعو نهم ويغسونهم ويرتكبون في أمورهم كل محرم. 
ولقد كنت أسمع هذه القصص قبل أن حججت وقبل أن عرفت مكة 
والمطوفين» وقبل أن زرت المدينة وعرفت المزورين» والمثل السائر 
عندنا يقول: الله يساعد من يتكلم في الناس بالمليح فكيف بالقبيح؟ 


الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج 





0 - 
فالمطوفون والمزورون ولا سيما الفريق الأول منهم قد وقعوا في ألسنة 
الناس من قديم الزمان» ويجوز أن يكون بعضهم غير بريء بالمرة من 
هذه التهم أو من بعضهاء ويجوز أن تكون حصلت وقائع في وقت من 
الأوقات. وغير معقول أن طائفة كهذه تعد بالمئات وتتجاوز المعات 
تكون بأجمعها من الفرقة الناجية» ومن ذوي الأخلاق الفاضلة» وأنه لا 
يجوز أن يصدر عنها عمل سيء ولا تلوث بطاغية أو خديعة» فالذين 
يطلبون الكمال عند المطوفين والمزورين ينسون أنهم بشرء وينسون 
أنهم مرتزقون» وينسون أن أكثرهم عوام» وينسون أن رزقهم إنما هو 

على حجاج البيت الحرام . 


ولو دقق الإنسان النظر في المطاعن التي توجه على هؤلاء لوجد 
أن أكثرها مبني على كون المطوف أو المزور يتقاضى الحاج حقه أو 
يطمع في أن يأخذ منه بدلا من الجنيه الواحد جنيهاً ونصفاً مثلاء 
والحجاج أغنياؤهم عدد قليل لأن الغني أكثر الأحيان يميل إلى الرفه 
والترفء وهذان لا يتتظمان مع الحج ومشاقه ولا سيما إذا كان الفصل 
صيفأء وأكثر فصول الحجاز صيفء والقسم الأعظم من الحجاج هم 
من طبقة المساتير الذين ليسوا من ذوي الفَضْلة» والذين لا يقدرون أن 
يعيشوا إلا ببودجة مالية متوازن واردها مع نافذها والنفقات غير 
الملحوظة فيها زهيدة جداء فهؤلاء لا يقدرون أن ينفقوا كما شاؤواء 
وهؤلاء أكثرهم يبقى سنين من حياته وهو يوفر شيئاً من رزقه ويقطع عن 
نفسه حتى يجتمع في يده خمسون جنيها يدخرها للحج فهو يحسب 
مصروفه منها بالقرش الواحدء وبديهي أن مثل هذا المستور لا يمكنه 


البكعار مره الريدلات: الحفازية 





أن يغذق نعماً على المطوف أو المزورء وأن حالة هذا أشبه بمثل قد 
سمعته من عامي ظريف في أيام الدولة العثمانية: مثل طاقم العسكري 
لا ينشق من محل إلا ظهر جلده. 


ومما يؤسف أن ثلاثين في المائة من الحجاج - وربما أزيد ‏ فقراء 
معدمون لا يستطيعون في الحقيقة إلى البيت سبيلاً»ء وليست عليهم 
فريضة حجء ولكنهم يُحَمّلون أنفسهم إصرأ لا قبّل لهم بهء فيعيشون 
من أكياس رفاقهم ومن أكياس أهل الحجازء وقد يصيرون عالة على 
المطوفين أنفسهم . 


فإذا صح من هذه القالة بحق المطوفين قيراط أو قيراطان فالاثنان 
والعشرون قيراطاً الباقية أقاويل تزريف على المطوفين وتزوير على 


[4871] المطوف يكاد يكون كالجمل في الحج لا يستطاع الحج 
بدونه» يأتي إلى السفينة بمجرد أن تلقي أنجرها''' في بحر جدة فيأخذ 
حاجه بيده ويضع له حوائجه في الزورق» ويأتي به إلى الميناء ويخرجه 
إلى التوه ووككامن له معادلة تتذكرة العرون وسعادلة لتحي 407 وسكا 
بالشيء الهين نظراً للزحام ولما يجب على إدارة التذاكر وإدارة الجمرك 
من التدقيق» ثم إذا أراد الحاج أن يستريح في جدة بَيّته المطوف فيها 
وأركبه ثاني يوم جملا في شقدف وسار به وبغيره من أمثاله وقد حمل 


)١(‏ الأنجر: مرساة السفينة. انظر «لسان العرب»: ن ج ر. 
(؟) أي الضريبة المأحوذة في الجمرك. 





2 


لهم زادهم وماءهم وكل شيء يلزم لهم وأوصلهم إلى مكة وافرين 
أمنين» وأنزلهم منزله مكرمين» وقبل أن صارت الأمّنة ما هي عليه الآن 
بحول الله ثم بابن سعود (إخواننا النجديون لا يجيزون في مقام كهذا إلا 
استعمال ثم وينكرون استعمال الواو''' فنحن لا نقول إلا ثم) كان 
المطوف يشاطر الحاج أخطار الطريق . 


وبمجرد وصول الحاج إلى البلد الحرام يأخذ المطوف بيده إلى 
الحرم فيطوف به سبعاأ حول البيت العتيق» ثم يسعى به سبعاً بين الصفا 
والمروة يهرول فيه بين الميلين الأخضرين وفاقاً للسنة. ويعلمه جميع 
أصول الحج ويلقنه جميع الكلمات والألفاظ التي ينبغي أن تقال في 
ذلك المطاف الكريمء ويتلو أمامه الأدعية التي يبتهل بها عند مقام 
إبراهيم» وبين زمزم والحطيم . 

[987] ولما كان أربعة أخماس الحاج من الهند والجاوى والترك 
والأرناؤط والبشناق والطاغستان والفرس والصين والزنج كان على 
المطوف في تلقين هؤلاء من أصناف الأمم الأعجمية صنوف الأدعية 
والابتهالات والجمل العربية الفصيحة التي تتشقق حلوقهم بقافاتها 
وحااتهاء وتتلبك ألسنتهم بضاداتها وثاآتهاء ما لا يقل عن تعب 
المعلمين للصبيان» وما لا ينبغي أن يُستخف بشأنه ولا يستهان. وكم 


)١(‏ قال الأستاذ رشيد رضا: هذا الأدب مأثورء والمراد منه الفرق فى المرتبة بين ما 
يسلل إلى 0 وما يسدل إلى عباده. وكرام يدل عليه العطف 0 


0000 واحدة. 


المختار من الرحللات الحجازية 








-ادلقةه 
مرة يضطر أن يعيد له الكلمة أو الجملة وهو يقولها بعكسهاء ويلفظها 
بتكسهاء ويقلبها عن معناهاء ويجعلها عن المراد أبعد الأرض عن 
سماهاء وربما أعادها له المطوف ثلاثين مرة وهو لا يقيمها ولا يفتأ 
يغلط فيها"'' . 


ولولا أن الأعمال بالنيات لكان كثير من أدعية هؤلاء غير مقبول 
ولكن الله سميع الدعاءء ناظر إلى الضمائر عالم بالمقاصدء لا يحمل 
إصراً على الضعيف». وليس بصحيح قول بعضهم إن الدعاء يجب أن 
يكون معرباً ليكون عند الله مقبولاً» إذاً لكان سيبويه أنجح الناس دعاء . 


ولا يجب أن يظن أن المطوف ينحصر تلقينه هذه الأدعية وهذه 
الجمل بالهندي والسندي والجاوي والتركي إلخ. بل هو مضطر أن 
يلقنهنيا أكثير الحجاج حتى من العرب لا سيما العوام والتتبناء 
والأحداث» ولا فرق بينهم وبين الحجاح الأعاجم إلا في كون العربي 
يعيد الكلمة من أول مرة على وجهها ولا يذيق المطوف عرق القربة في 
تعليمه إياها كما هو شأن الأعجمي . 


وقد صارت للمطوفين وطوافيهم عادة أنهم بمجرد ما يرود طائفاً 


)١(‏ قال الأستاذ رشيد رضا: أكثر هذه الأدعية والأذكار التى يلقنونها للحاج غير 
واجب ولا مسنون. والذي ينبغي لهم هو أن يعلموا الحاج الأذكار المأثورة 
كالتلبية وبعض الأدعية وهى قليلة» وأن يدعوا الله فيما عداها بلغتهء سائلاً إياه 
ما يشعر بحاجته إليه من خخير دثياه وآخرته. وقل اقترحت على الملك أن بأمر 
بتعليم المرشحين لهذه المهنة تعليماً خاصأ بحيث يكونون من المتفقهين في الدين 
وقادرين على إتقان خدمتهم للحاج من كل وجه ولابد أن يفعل إن شاء الله تعالى . 





يتطوف بالبيت العتيق جاءوا إلى جانبه وجعلوا يلقنونه ما يحسن أن 
يقوله حتى لو كان الإمام الغزالي''': أو السيد محمد رشيد رضا من 
أئمة زمانناء وذلك ناشىء عن أنهم لا يعرفون الناس ولا يفرقون بين 
العالم والجاهل . 


وقد جاء ني واحد من هؤلاء آنا أطوف وجعل يقول لي : فل : 
اللهم كذاء اللهم كذا حتى أعيدها من بعده» فقلت له: أنا غير محتاج 


إلى من يعلمني العربية ولا كيف يجب أن أخاطب بها ربي. 


هذا والمطوف هو الذي يكفل جميع حاج الحاج وأغراضه منذ يطأ 
رصيف جدة إلى أن يطأ سلم الباخرة قافلاً» فيحمله إلى مكة ثم إلى 
عرفة» ثم إلى المزدلفة» ثم إلى منى» ثم يعود به إلى مكة. وإذا أراد 
الزيارة هيأ له جميع أسباب السفر إلى المدينة» وهناك سلمه إلى المزور 
الذي هو صاحب هذه المصلحة في المدينة لا يتجاوز عليه غيره فيها. 


وإذا سأل الحاج عن أي شيء من الفلك إلى الذرة فلا بد من أن 
يجيبه المطوف عليهء وإذا احتاج إلى أي شيء من الجمل إلى البرغوث 
فلا بد من أن يأتيه به» وإذا وقعت له واقعة من إنسان تقتضي مراجعة 
الحكومة فعلى المطوف أن يرافق الحاج إلى صاحب الشرطة ويترجم له 


عنذه . 


00( هو محمد بن محمد بن محمد الغزاليّ. أبو حامد. أخباره كثيرة مشهورة. توفي 
سنة 60٠0‏ بطوس رحمه الله تعالى. انظر ترجمته فى سير أعلام النبلاء؟ : 
71>8” ومابعدها. 





وال 

[:18] ومما يدهش العقل أن المطوفين والمزورين يعرفون جميع 
لغات العالم وأكثرهم يعرفون التركي» ومطوفو العجم يعرفون 
الفارسي» ومطوفوا الهند يجيدون لسان الأوردوء ومطوفو الجاوى 
يعرفون لغة الملايو» وإن كان أكثر مطوفي الجاوى من الجاويين 
المقيمين بمكة» ومطوفو البشناق يعرفون لغة الصرب»٠‏ ومطوفو 
الأرناؤوط يعرفون لغة هؤلاء»ء وقد بلغنى أن بعض المطوفين يعرفون 
لغة الصين» ومنهم من يعرف لغة الفلبين» واللسان التكروري شائع 
بمكة كأنه العربي» والسودانيون ليسوا فيها بغرباء» زد على هذا اللغات 
الأوربية التي يعرفها المطوفون من روسى وإنكليزي وإفرنسي وغيرها. 
فالمطوفون في هذا أشبه بمستخدمي الفنادق في أوروبة يضطرون إلى 
معرفة لغات كثيرة لتنوع أجناس السياح الذين ينزلون بفنادقهم» لكن 
دائرة علم المطوفين أوسع من جهة الكمية؛ فالعمال في فنادق أوروبة 
يتعلمون بخاصة الإنكليزي مثلاً لكثرة سياح الإنكليز والأمريكيين» وقد 
يتعلمون الإسبانيولي لكثرة سياح أمريكا الجنوبية» ولا تجدهم يعرفون 
التركي والفارسي والأردو والجاوي» فما ظنك بالصيني والفلبيني» 
فمكة أعظم معرض للأجناس واللغات . 


ولو كان العرب على نمط الأوربيين في إتقان كل شيء والاستفادة 
من كل شيء» والتفنن في الاستثمار والاستغلال لوسعوا دائرة تعلم 
قله اللغات. على .ونه الاتقاة» بوؤادو] مهنا تسهبلات قريفة الح 
وكانت لهم من وراء ذلك أرباح شق و كانت العوية.ى أريضا- 
تستفيد لأن القادمين إلى مكة من تلك الأمم إذا أطالوا بها المكث 





تعلموا العربية واستعربواء ولكننا نحن معاشر العرب برغم ذكائنا 
الفطري الذي لا جدال فيه نحب البقاء على الفطرة» ولا نرغب إلا فيما 
هو أقرب إلى الطبيعة» وهذا جيد في الشعريات لا في الرياضيات ولا 
في الاقتصاديات . 

وإذا مرض الحاج فالمطوف هو الذي يعلله ويأتي له بالطبيب 
وبالدواء ويسهر عليه» وإذا مات فهو الذي يخبر بذلك الحكومة ويأتي 
بأناس من قبّلها ويضب في حضورهم حوائجه؛ ولو سمى المطوف 
«كافلاً» للحاج لما كان في هذه التسمية أدنى مبالغة» ومع هذه الكفالة 
الشاملة الكاملة التي فيها من الركض والعناء وتعب الفكر والمسؤولية 
ما فيها يكون آخر الأمر جميع النحلان جنيهاً واحداً عن كل رقبة» هذا 
هو النحلان المقرر» فمن طابت نفسه بأن يزيد فذلك عائد إلى سماحة 
نفسهء ولا شك في أن الحاج الذي يجشم المطوف جميع تكاليفه 
ويريد أن يتخذ منه دليلاً وحارساً ومحامياً ومفتياً وطبيباً وصيدلياً 
وممرضاً ودلالاً وغير ذلك في وقت واحد يكون ظالماً إذا استكثر أن 
ينقد هذا المطوف في آخر السفرة جنيهاً واحداً. 

ولا شبهة في أن من الحجاج من يؤدي بدلا من الجنيه الواحدة 
الجنيهات الكثيرة» والمسلمون يغلب عليهم الخير» وقد يؤثرون على 
أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. 


ولكن لا ينكر - أيضاً - أن كثير من الحجاج قد يتعذر عليه دفع 
الجنيه الواحد أو لا يبقى في يده شيء عند الأوبة إلا ما يكفيه لأجل 





انق 
الوصول إلى وطنهء أويقع العجز في «بودجته» الضئيلة من أصلهاء 
فتجد المطوف قد حرم مع حاج كهذا نتيجة تعبه»ء ورضي بنصف جنيه 
بدلا من جنيه وقد يضطر إلى أن لا يأخذ من حاجه شيئاً» وقد وقع 
لمطوفين أن أدوا إلى حجاج معدمين من صلب مالهم؛ وكثير من أهل 
مكة من يضطرون إلى سد عِوَز بعض الحجاج ويؤدون إلى هذا ما كانوا 
اماف ذاك 


[78] وكان ينبغي للحكومات أن تمنع الفقراء من الحج وتأخذ 
من كل الحجاج رهائن كما تفعل مع بعضهم؛ وذلك لأن غير المستطيع 
ليس عليه حج» ولأن غير المستطيع يصير وَقْراً على غيره في الحج 
فيعجز الآخرين الذين رتبوا زادهم على قدر احتياجهم. ولم يجعلوا 
بينهما فسحة للطواريء غير المنتظرة» وكذلك لأن أهل مكة والمدينة 
أنفسهم يضطرون إلى غوث هؤلاء الفقراء ولا يقدرون أن يشاهدوهم 
يوون ب 


ولا حاجة إلى بيان أن وجود مثل هؤلاء فى محشر. كمحشر الحج 


(9) “قال الأيكاذ رشيد وضاة هيا اله الأضر وز اه يرا يما الفرة يمن ساق حال 
المطوفينء وجليل خدمتهم للحاج وقلة ما يأخذون من الأجرة على هذه 
الخدمة» واستغرابه ذم بعض الئاس لهم وتَبْزهم بالطمع؛ ومن بيان حال أهل 
الحرمين عامة في معايشهمء. وقد ذكر الفقهاء أن من اداب الحاج وعلامة قبول 
حجته أن لا يعد ما ينفقه في الحجاز مغرماً ‏ كما وصف الله المنافقين ‏ وأن لا 
يتبجح به» وألا يؤذي جيران الله ورسوله بقول ولا فعل. ولا يشكو مما يقاسي 
في الحرمين من تعب ومشقةء وليعتبر المنافقون الذي لا يكتفون ببسط ألسنتهم 
البذيئة بهذه الشكاوى والمذام بل ينشرونها في الجرائد فنكوق لها أسوا الاثرء 
أي تثبيط الناس عن أداء هذه الفريضة فياليتهم لم يحجوا. 


الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج 





01 - 
هو خطر على الصحة العمومية؛ لأنهم لا يقدرون أن يعتنوا بنظافة 
أبدانهم ولا أن يغسلوا بالصابون ولا يملكون أسباب النظافة . 

[181] وقد فقد الحجاز بعد الحرب الكبرى موارد رزق عظيمة 
كانت تنصب إليه؛؟ منها الصرة العثمانية» ومنها الحج التركي الذي 
منعته أنقرة» ومنها الصرة المصرية وصدقات الحبوب التي كانت ترسل 
من مصرء فهذه كان يرتفق بها أهل الحجاز ويعيش بها فقراء الحجاج. 
وأين هي الآن؟ فلا جرم أن الحجاز أصبح لا يتحمل من الفقراء ما كان 
يتحمله في الأول. 


[417] اقتسام المطوفين والمزورين لحجاج الأقطار 
لقَد فسم المطوفون والمزورون العالم الإسلامي فيما بينهم 
مقاطعات أشبه بما كانت عليه الممالك فى الماضى؛ فبلاد العرب لها 


مطوفون» وبلاد الترك لها مطوفون» وبلاد الفرس لها مطوفون» وبلاد 
الأفغان لها مطوفون. وهلم جرّاء وكذلك لكل من هذه مزورون. 


وكلّ من هذه البلدان الكبار تنقسم ‏ أيضاً - بين المطوفين 
والمزورين إلى دوائرَ أشبه بالولايات التي تنقسم إلى متصرفيات» وهذه 
تنقسم إلى أقضية لعهد الدولة العثمانية» فمصر ‏ مثلاً ‏ يتقاسمها 
مطوفون متعددون: أناس لهم القاهرة وأناس لهم الإسكندرية» وأناس 
لهم دمياط والشرقية» وأناس لهم المنيا وبنى سويف والفيوم وهلم 
جرّاء والمغرب - أيضاً - دوائرء فمصّراطة''2 لها مطوفون» وبنغازي 


)1١(‏ هي في ليبيا. 


لها مطوفون» والقيروان لها مطوفون» ووادي ميزاب لَه مطوفون» 
ولكل من الريف وفاس مطوفونء ولكل من مراكش والسوس الأقصى 
وتنبكتو مطوفون وهلم جرّاء ودمشق وحمص وحماة وحلب وطرابلس 
وبيرووت وصفد ونايلس والقدس والخليل إلخ لكل بلدة أو بلدتين أو 
ولا يتجاوز مطوف على مطوف». ولا مزور على مزور إلا برضى 





وإذا وقع بين المطوفين في مكة أو بين المزورين في المدينة 
خلاف فالمرجع هو شيخ المطوفين وشيخ المزورين» والحكومة تراقب 
كلا منهم . 

ولليمانيين - أيضاً - مطوفون ولكن فائدة هؤلاء منهم لا تذكر. 
وليس للحجازيين ولا للنجديين مطوفونء لأنهم يعرفون المناسك كلها 
ولا يحتاجون إلى أدلاء؛ ولا يلزم لهم من يستأجر لهم الجمال؛ لآن 
الجمال كلها لهمء وقلما يستفيد منهم الحرمان الشريفان إلا بأكلهم 
وشربهم من السوق . 

ومن مزايا المطوفين أنهم يجوبون الأقطار ولا يستبعدون منها 
بعيداًء وتجدهم حتى في الصين وكاشغر وسيام وسومطرة وجزائر 
الفيلبين وكل بلد فيه مسلمون. يرغبونهم في الحج ويسهلونه عليهم. 
ويصفون لهم اللذات الروحية التي يشعر بها المتطوفون بالبيت الحرام: 
والقاصدون إلى عرفات والمشاعر العظام» والزائرون لروضة الرسول - 





عليه الصلاة والسلام ‏ ولا يزالون بهم حثاً وترغيباً واستحثاثاً للنفوس 
واستجلاباً للعبرات إلى أن يأتوا بنفر منهم إلى الحج . 

والمطوفون أينما ذهبوا يكرمهم المسلمون ويقومون بضيافتهم 
تبركاً بالبقاع التي صدروا عنها والبيت الذي يخدمون فيه» وهم 
يستفيدون بهذه الأسفار الطويلة معرفة واطلاعاًء ويتعلمون اللغات 


الأجنسة . 


نينا 


ولو كانت أمورنا على النسق الأوروبي الذي قاعدته استغلال كل 
شيء لكنا أسسنا مدرسة خاصة بالمطوفين والمزورين» يتعلمون فيها 
إتقان التطواف وكيفية ترفيه الحجاج والمزدارة» وتوفير أسباب 
راحتهمء وتلقينهم الأدعية والأذكار المأثورة بأيسر الطرق» وبث 
الدعاية اللازمة بالأوصاف والصورء حتى يزداد عدد الحجاج القادمين 
كل سنة»؛ وهكذا تزداد مكة وطيبة عمراناً ويزداد أهلها نسار ا. 


والحقيقة أن الحج لا يزداد ولا تزداد أرزاقه وخيراته إلا بأمرين : 
أحدهما: أمان الطرق» والثاني: أسباب الراحة» أما الأمان فقد توافر 
في أيام ابن سعود إلى حد لا يتطلع فيه متطلع إلى مزيد» وإنما يرجو 
دوام هذه النعمة. 


[484] وأما أسباب الراحة فقد كانت تعد أسباب راحة بالنسبة إلى 
الماضي» ولا تعد كذلك بالنسبة إلى الحاضر بعد أن انتشرت الأساليب 
العصرية في النزول والركوب والمبيت وتوسيع الشوارع وتنظيفها 
وترصيفها وإنارتها بالمصابيح الكهربائية ليلاً» ونسق الحدائق في 





00 
أوساط المدائن وحواشيهاء وبناء المقاهي الرائعة المزخرفة» وسائر ما 
يلذ الأعين ويشرح الصدور ولا يقدر أن يعيش بدونه المترفون ولا يتهيأ 
لهم سرورء فالحجاج في الغابر كانوا يأتون من بلدان لا تفوق مكة 
والمدينة في درجة الرفاهية والانتظام أو تتفوق قليلاً فكان الحاج لا 
يشعر بالفرق بين المكانين ولا تتغير عليه البيئة» وأما اليوم فقد صار 
أكثر العالم الإسلامي تحت حكم الإفرنجح» فشاهد الحجاج مدنية 
الإنكيز في الهند وزنجبار»ء ومدنية هولاندة في الجاوي» ومدنية فرنسة ' 
في شمالي إفريقية» ومدنية الروس في موسكو وبتروغراد وهلم جرّاء 
فتعود المترفون منهم رفاهة ولا يطمعون أن يحصلوا على مثلهما في 
الحجاز إلا في قضية الطعام» فطهاة مكة والمدينة لا يفوقهم طهاة تلك 
البلدان - حتى من أهل مصر والشام والعراق ‏ أن يأمن جهة راحته 
بحذافيرها حتى يقوم بفريضة الحج . 

ومن المعلوم أن حج مترف واحد يعود على الحجاز بفائدة مادية 
أكثر من حج خمسين شخصاً من المساتير أو المتوسطين . 

أما الفوائد الروحية فلسنا في هذه الجملة بصددهاء وقد نتكلم 
عنها فى موضع آخر ونشرح ما يكفل الحج من جلائلهاء ولكن مع 
الأسف قد غلبت النزعة المادية الأوروبية على الناس» وصار البدن هو 
معبود الإنسان العصري؛ فأصبحت لا تقدر أن تقتصر في الدعاية إلى 
الحج على ذكر ما فيه من اللذة والوجدانية والراحة الروحية» وأنى 
لعبدة الأبدان أن يشعروا بمواجيد النفوس ولذائذ نعيم العرفان» وكل 
المدنية العصرية مبنية على مدنية أوروبة - تقريباً - هي مستغرقة في 


الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج 





6 


خدمة الحواس ولسان حالها ينادي: المادة المادة. 


ولا ينكر أن السيارة الكهربائية والتليفون واللاسلكي قد كفلت في 
الحجاز في السنوات الأخيرة راحات واختصارات لم يكن يعرفها من 
قبل» وأن مكانها من الأهمية لا يخفى. ولكن على الدولة السعودية أن 
تطرد مشروعاتها العمرانية في الحرمين الشريفين وجدة وينبع والطائف 
الذي هو مصيف الحجاز حتى يعرف أغنياء العالم الإسلامي أنهم إذا 
قصدوا الحجاز لا يرهقون عسرآء ولا يصادفون في شيء من اللذات 
التي يبيحها الشرع حرمانء فأما اللذائذ التي لا يبيحها الشرع فإن من 
فضائل الدولة العربية السعودية حظرها وسد الأبواب عليها والتصلب 
في هذا الشأن. 


[484] ولقد حرم الحجاز منذ سنتين أو ثلاث حاج الأناضول لأن 
مصطفى كمال يأبى أن ينفق التركي شيئاً من ماله في بلاد عربية» فهو 
قد أراد هذا لأجل التوفير على الأتراك بزعمه» وياليته احتاط للتوفير 
على أمته في الطرق التي ذهبت فيها الملايين من أموالهم إلى جيوب 
الافرنج كالخمر والميسر والألبسة الافرنجية وما أشبه ذلك مما كان 
السبب في هوى تركيا الاقتصادي إلى ما هو إليه ومما لم يعد سراً 
مخفياًء فمسألة نفقات الحج كانت نقطة من غدير بالنسبة إلى هذه. 


[440] وكذلك كان من أسباب الثورة النجدية التى استأصل 


الملك ابن سعود جرتومتها أن موقدي تلك الثورة زعموا أن الحجاج 
الذين يأتون من طريق البحر مشركون ‏ هكذا سمعنا عنهم» والعهدة 





افللةة 
على الرواة - وطلبوا من ابن سعود أن يسد طريق الحج عليهم. 
فجادلهم كثيراً في هذه المسألة فأصروا على غيهمء فقال لهم أخيراً: 
وكيف يعيش أهل الحجاز إذا سددنا هذه الطريق عليهم؟ فقالوا له: 
يرزقنا الله وإياهمء وقد غاب عنهم أن الرزق له أسباب وأن الله جعل 
لكل شيء سبباً . 


وجوب اعتياء حكومات الدنبا بأسرها بأمر الحج 


ينبغى لحكومة الحجاز ولسائر الحكومات الإسلامية والحكومات 
غير الإسلامية التي غلبت على ديار المسلمين أن تعتني بقضية الحج 
إلى بيت مكة أشد الاعتناء» أما الحكومات الإسلامية فتعتني به من جهة 
أنه فرض ديني معدود من أركان الإسلام يقوم به كل سنة مئات ألوف 
من المؤمنين . 


وأما الحكومات الأخرى فتعتني به من جهة ارتباط العالم بعضه 
ببعض وكونه ‏ لا سيما في العصر الحاضر ‏ أصبح جسماً واحداء 
فورود مائتي ألف شخص أو ثلاثمائة ألف شخص من أقطار الكرة 
الأرضية كل سنة برأ وبحراً مشاة وركباناً إلى بقعة من جزيرة العرب 
لزيارة بيت عتيق أسس على التقوى ليس بحادث بسيط لا يستوجب 
الاعتناءء وسيأتي يوم ينتقل فيه أكثر هذا الحاج إلى بيت مكة 
بالطيارات» فتزداد السهولة وتتضاعف السرعة» وقد يزداد يذلك عدد 
الحجيج زيادة هائلة لا سيما إذا جَدَ في مكة من تسهيلات الحج ما هو 
غير متيسر إلى حد اليوم . 


الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج 
[4941] ولا يزداد عدد الحجاج بالكمية فقطء. بل يزداد شأنهم را 
جهة الكيفية» فيقصد مكة ذوو الترف واليسار وأناس كانوا يتوقفون عن 





أداء هذه الفريضة سسب ما كانوا يحسّويه من الأمراض أو من ففل 


اسباب الراحة التى ألفوها. 


[445] ولا ينبغي أن يظن أن تقدم المسلمين في المعارف ورقيهم 
فى سلم المدنية في المستقبل قد ينتهيان بتناقص عدد حجاج البيت 
الحرام» فقد ترقت الأمم الأوربية كثيراً في المدنية» وغلبت على قسم 
كبير منها الفلسفة واللادينية» ولا يزال زوار القدس من المسيحيين كل 
سنة عدداً كبيراً»ء ولا يزال قصاد رومة كل سنة من الكاثوليك عدداً 
اكير وما يقدر العلم أن يصنع شيئاً مع الدين ما دام سر الكون النهائي 
لا يبرح مغلقاًء وما دام الإنسان عاجزاً عن مكافحة الموت». لا بد 
للخَلق من الدين» وما ثورات الإلحاد إلا غمرات ثم ينجلين . 


فالنزعات اللادينية والنزعات الإلحادية التي تعرض على المجتمع 
الإنساني في الأحايين إن هي إلا عوارض مؤقتة لا يمكن أن تكسب 
شكلاً عاماً ولا أن تقوم مقام العقائد الدينية الضرورية للبشرء وقد 
سبقت لها أماثيل متعددة في تاريخ أكثر الأمم. وعصفت ريح الإلحاد 
في بعض الحقب, ثم لم تلبث أن هدأت واستقرت وعاد الأمر كما 


بذا. 


وفي الثورة الفرنسوية الكبرى أقفلوا الكنائس» وقتلوا القسيسين» 
وشردوا جميع خدمة الدين» واغتصبوا الأوقاف وأزالوا عنها صفة 





للك 
الوقف. وجعلوا العبادة للعقل» وظن الناس أن الكنيسة الكاثوليكية في 
فرنسة دخلت في ذمة التاريخ وصارت أثراً بعد عين» ولكن لم تمض 
بضع سنوات على هذا العمل حتى ركدت تلك الزوبعة» وعادت 
النحيدة اننيد إلى تانوات ران لانليون. أن بقلي انر سين ل 
تراجعت إلى أصلهاء ففتح الكنائس وأعاد على العبادة كرامتهاء ورفع 
منار الدين الكاثوليكي وتتوج امبراطوراً في كنيسة نوتردام في باريزء 
ودعا البابا إلى حضور حفلة التتويج» فجاء البابا بنفسه» وكان يطوف 
بعربته في شوارع باريز والناس تخر أمامه جثياً؛ وهم هم الساجدون له 
الان كانوا قبل ذلك بسنوات معدودات القوم الذين اتخذوا هواهم 
إلههم» وأقفلوا الكنائس» وأتوا بفتاة حسناء رعبوبة فجلوها على منصة 
رفيعة وخروا لها ساجدين . 


فأنت ترى أن زعازع الإلحاد مصيرها غالباً إلى الركودء وأن الدين 
لن يبرح صاحب الكلمة العليا في الأرض ما دامت المادة لا تقدر أن 
تبين عن ذات نفسهاء ولا أن تحدث الإنسان بتاريخهاء وما دام 
الإنسان متشوقاً إلى جواب عن هذا الوجود لا يجده إلا فى الإيمان 
بالغيب . 


محتاجين إلى الديانة فازعين إلى الغيب» وإنه لن تبرح أماكن العبادة 
وخصوصاً مراكز انبعاث الأنبياء والرسل مثاباً لأتباعهم يقصدونها من 


الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج 





[197] مرضي في مكة المكرمة 
وأسبابه., وتأثيره في أثناء أداء فريضة الحج 


إذا كان الأجر على قدر المشقة فقد كتب الله لهذا العبد أجراً 
عظيماً؛ فإنه لم تمض على مقامي بقرب المقام أكثر من تسعة أيام حتى 
انحلت قواي والتاث مزاجي وأصبحت مريضاً تتصاعد بي الحمى إلى 
أن بلغت درجة الأربعين؛ وذلك أني من أبناء جبل لبنان ولم تألف 
أجسامنا الحر الشديد الذي ألفته جسام إخواننا أهالي جزيرة العرب لا 
سيما سكان التهائم منهم. ومنذ اثنتى عشرة سنة وأنا في أوروبة 
وليست هذه القارة بالتي يشكو فيها الإنسان شدة الحرء وما أذكر أني 
لقيت في أوربة شيئاً يستحق اسم الحر إلا فى رومة؛ إذ صادف وجودي 
فيها إحدى المرار في شهر يوليوء ومن المعلوم أني أقمت سنوات 
بألمانيا وهي لا تعرف الحر إلا عابر سبيل» وإني منذ سنوات في 
سويسرة وهي لا تدري شيئاً من حَمّارة القيظء وعدا ذلك تراني في 
سويسرة نفسها أقضي الصيف من قنة جبل(2 إلى قنة جبل . 


فكيف بي الآن وقد صرت في إقليم حرارته تقابل من +٠‏ درجة 
بميزان سنتيغراد إلى 5٠‏ وذلك لأول مرة في حياتي» لا جرم أني لم 


أتحمل هذا الفرق الشاسع . 
[:494] وكان قد سبق أنى لما مررت بمدينة السويس منتظراً بأاخرة 


المختار من الرحلات الحجازية 





البوسطة المصرية للركوب بها إلى جدة لم يشاؤوا أن يمهلوني يومين 
ريثما يأتي ميعاد سفر الباخرة بل صدر الأمر بتسفيري على باخرة هندية 
سيئة الحال مسلوبة جميع أسباب الراحة في المنام والغذاء والجلوس 
وكل شيء » وناهيك أنه كان فيها لحو ١٠.٠‏ حاج وأنها كانت من 
البواخر الصغيرة» فبعد هذا لا ينبغى لي أن أطيل الشرح وأن أقول كيف 


[195] ثم إني لما وصلت إلى مكة نزلت في منزل سعادة ولدنا 
فؤاد بك حمزة وكيل الشؤون الخارجية”''2» فهيأ لي سريراً على السطح 
كما هي عادة أهل البلد الحرام في أيام الصيف» ولكن هذا السطح لم 
يكن مفتوحا من جوانبه الأربعة كما هي بعض السطوح لأن الباني 
الأصلى لذلك البيت”'2 كان قد حوطه بجدران عالية فوق قامة الإنسان 
غيرة على الخرُّم أن ينظر أحد لهن ولو من بعيد. فأصبح السطح 


)١(‏ هو فؤاد بن أمين حمزة» أبو سامرء ولد سنة 211717 وكان كاتباً باحثاً شارك في 
السياسة السعودية ربع قرنء ولد وتعلم في لبنان وزاول التعليم في بعض 
مدارسهاء ثم في دمشق فالقدس. وكان يحسن الإنجليزية فعين مترجماً للملك 
عبدالعزيز في الرياض» وتقدم عنده في المناصب حتى جعله وكيلاً للخارجية 
فمستشاراً خاصاًء ومنح لقب سفير ثم وزير دولة» كان من أسرة درزية ثم اعتنق 
مذهب السنة وأشهد على ذلك قبل وفاته سنة ١لا١.‏ انظر «الأعلام»: 
706 . 

(؟) قال الأستاذ رشيد رضا: ليس هذا من عمل بانى ذلك البيت وحده بل عامة 
البويت تهغالك مله يرك فزها سهرة يخيى فقت وله" تواقك لأحل التدهر و التووء 
فيها مع عدم كشف الجيران ونظرهم. 





0 -_- 
ولما جئت لأضطجع في السرير الوثير قيل لي إنه لا بد من 
الدخول تحت الكِلّة('" بلباقة عظيمة حتى لا يتسنى للبعوض أن يدخل 
ورائي؛ فإن البعوض هناك تجب الوقاية منه» فكنت أدخل تحت الكلة 
وأنا أسترق السمع حتى إذا سمعت طنين بعوضة اجتهدت في محوها أو 
طردها وكنت طول الليل كأني تحت الحصار أحاذر أن تقع مني حركة 
يرتفع بها شيء من سجوف الكلة فيهجم من خلال ذلك البعوض 
وتسوء العاقبة» على أن قولي «طول الليل» صورة من صورة التعبير؛ 
فإني ما قدرت ولا ليلة أن أبقى تحت ذلك الحصار أكثر من ساعة؛ لأن 
السرير كان مسدوداً بالسجوف”" السابغة والسطح كان مسدوداً 
بالجدران الاسكندرية العالية» فلم يبق من سطيحته إلا الاسم. والحر 
كان ينيدا وبالاختصار كدت أختنق» وصبرت إلى أن غرق مضيفي 
الشاب في لجة الكرى ونزلت إلى سطح آخر مفتوح من كل الجوانب 
يرقد عليه الخدم بدون أغطية ولا سجوف مسدولة ولا خشية بعوض 
ولا اتقاء جرائيم» وقلت في نفسي: ليفعل البعوض ما شاء فإني تحت 
تلك الكلّةَ لا أستطيع الغمض ولا دقيقة؛ والنوم سلطان لا يغالب فلا 
بد من طاعتهء ورحم الله القائل : 


إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً فلا يسع المضطر إلا ركوبها 
فوجدت على ذلك السطح خشبة عارية عن الفرش اضطجعت 


)١(‏ أي الناموسية. 
(؟) أي الستائر. 


المختار من الرحلات الحجازية 





-0 0 
عليهاء وكنت أمشي على رؤوس أصابعي حتى لا يستيقظ أحد لا فؤاد 
حمزة ولا خدمه فإني لا أحب أن أزعج أحداً ولا أن أسلب راحة الناس 
لأجل راحة نفسي. على أني لو أيقظتهم وأزعجتهم وسلبت راحتهم فلا 
أعلم ماذا كانوا يقدرون أن يصنعوا لي وجميع تلك العلل التي وقفت 
في طريق رقادي لم يكن مصدرها إعواز أسباب الرفاهة وإنما كان 
مصدرها الجوء وما حيلتي وما حيلتهم في الفلك؟ 
فارتميت على تلك الخشبة بدون وطاء سواها ولا غطاء سوى 
القميص» وهكذا أمكنني قبيل الفجر أن أهوم تهويماً أشبه باليقظة منه 
بالمنام» ولكن لم يصبح الصباح حتى قامت القيامة واستيقظ الجميع 
فرأوني على تلك الحالة فأخذوا يدوكون في الطريقة التي تلزم لأجل 
تمكيني من الرقاد. وبهذه المذاكرات أطاروا ما كان بدأ من تهويمي» 
ولأجل توفير راحتي سلبوا تلك البقية الباقية من راحتي» وفى هذه 
الأثناء طلعت الشمس ليس من دونها حجاب لأني كنت على السطح 
كما قلنا وأنا لم أكن أقدر أن أنام في الظل ولا في العتمة فما ظنك في 
الشمس فنهضت برغم أنفي وأنا أقول: يا من يأتيني بخبر عن الكرى . 
وأخذ فؤاد بك يفكر في الاستعداد لمعركة الليلة الآتية» وصاروا 
ينظرون في وجوه الوسائل وفنون الذرائع حتى أتمكن من الرقاد ثاني 
ليلة؛ ولكن لم يكن في الحقيقة من وسيلة تنفع ولا من ذريعة تنجع؛ 
لأن العلة هي شدة الحر وعدم اعتيادي مثل هذا الجوء وقد يقال إن 
فؤاد بك حمزة هو لبناني مثلي وبلدته مصيف شهير وهي عبية» ولم 
يتعود جسمه الحرارة» ولكن بيني وبين فؤاد بك حمزة فرق ثلاثين 


الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج 





سنةء فقوة المقاومة التي عنده ليست عندي» ولذلك لم يتمكنوا في 
الليلة التالية برغم جميع الوسائل من أن يجعلوني أنام» وخسر فؤاد بك 
المعركة والحقيقة أن الدائرة إنما كانت تدور على وحدي لأني أنا الذي 
لمن يكن ينام . 

[445] ولما وصل الخبر عما أعانيه إلى جلالة الملك» أشار بأن 
أنتقل إلى محلة الشهداء بظاهر مكة رعياً لخفة حرارتها عن حرارة مكة ؛ 
فإن لجلالته هناك مَقْصِفا"'' بديعا أنيقاً فى وسطه صهريج ماء عظيم» 
وأمامه بستان حديث الغراس» فسيح الرقعة سيكون يوماً من الجنان 
المشهورة» فكان يدري - أيده الله أن بين الشهداء والبلدة فرقاً كبيراً 
في الجو. وأني لو بت في ذلك المقصف الذي لجلالته لما كنت أحرم 
طيب الرقاد» إلا أن مضيفي فؤاد بك لم يكن يرغب في أن أتحول إلى 
الشهداء خشية أن ينقصني شيء من أسباب الراحة التي لا يأمن على 
استكمالها إلا إذا كان هو قريباء والحال أن الشهداء هي ربض من 
أرباض مكة ومن هذه إليها مسافة وأنا لم أكن أريد أن آتي ما لا يروق 
فؤاد بك» وكنت أقول في نفسي: هن ليال قلائل أقضي مناسك الحج 
ثم أصعد إلى الطائف» فعلى فرض أني لم أنم هذه المديدة» فلن تنفذ 
بها قوة مقاومتي للطبيعة» ولذلك عصيت أمر الملك في هذه» وندمت 
ولا ندامة العصاة الذين شاقوه في السنة الماضية . 


. هو مكان اللهو في لعب وأكل وشرب. انظر «المعجم الوسيط»: ق ص ف‎ )١( 


المكتان هن الرحلات السجحارية 





[49417] الكلام على الزاهر 


الشهداء هو المكان الذي يقال له في التواريخ «الزاهر» وهو اسم 
طابق مسماه: بسيط أفيح تلعب فيه الرياح بدون معارض إلا من بعض 
أكام على جوانبه تزيذه بهجة». وأهاضيب وتات 7) إدا أقبل الربيع 
تكللت بالأزاهرء فسمى من أجلها الزاهرء وهو فى إبان القيظ أخف 
حرارة من البلدة لا سيما بعل غعروب الشمسء وأنقى هواء وأنشط 
صمّعاًء وفيه مياه تجري في قنىّ تحت الأرض من قديم الدهرء وبقايا 
فصور لأشراف البلد وسراته. وفيه مقاه على الطريق للسابلين. ومقاه 
على تَجوَة الطريق”'' ينتابها الناس من مكة عند الغروب فيبيتون فيها 
مستطيلة في الخلاء فلا يضع الواحد منهم رأسه علي مخدته إلا ثقلت 
أجفانه من لطف الهواء فينام إلى الفجر مستريحاً ويقوم إلى صلاة 
الصبح أشد من الحديدء وفي الزاهر مكان صغير لصديقنا الشيخ 
الشيبي الكبير - سادن البيت المعظم ‏ الذي بسلامة ذوقه له في كل واد 
من الحجاز منتجع» وفي كل جبل مصيف أو مرتبع . 
الشيخ عبدالله السليماني” ناظر المالية فأدب لي في الزاهر مأدبة ودعا 


. هي ما ارتفع من الأرض: المصدر السابق‎ )١( 

(؟) أي بعيدة عن الطريق. 

(*) هو عبدالله بن سليمان بن حمدان العنيزي النجدي . ولد بعنيزة سنة .»2١١١0‏ 
وكان من أوائل العاملين في تأسيس المملكة العربية السعودية. رحل إلى الهند - 





6 
الجم الغفيرء فكانت ليلة ندر أن يعرف الناس مثالهاء وقال فيها أحد 
الإخوان إنها ليلة من قبيل قصص ألف ليلة وليلة لكثرة ما كان فيها من 
نمارق مصفوفة"'"' وزرابي مبثوثة”'*'» ومصابيح منورة» وأعلام 
منتشرة» ومقاعد مجللة» وجفان من الشيّزى مكللة”"؟» وناهيك 
بالعربي القح الذي لا يعرف - إلا من القاموس - معنى الشح» ومن 

جمع بين الحجاز ونجدء إذا ما ارتفعت راية المجد. 


ومن بعد ذلك بقيت فى أواخر مقامى مكة أتردد إلى الزاهر عصر 
النهار وأتندم على فوتي إياه قبل الحج. وكان ينشرح صدري في كل 
مرة أفيض فيها من وراء تلك الآكام إلى بسيط الزاهر. 


وإذا وصلت إلى المقصف الملوكي جلست طويلاً على حرف 
ذلك الصهريج الذي يخر مزرابه» ويكاد يتلاطم عبابه» وقد يشتد الحر 
فلا تأنف من النزول إلى الصهريج والخوض فيه لأجل التبرد»ء ويكون 
معنا من الإخوان في هذا النزول من جل قدره وعلت منزلته» وقد 
أمسكنا بادىء ذي بدء عن النزول إلى الماء تفادياً من أن يُنسب إلينا 
اطراح الحشمة» وتغلب الحرارة على الهمة» إلا أني تذكرت أن قاضي 


في صغره ونشأ في بعض مدارسهاء وتنقل للتجارة بينها وبين البحرين والبلاد 
المجاورة» ثم تولي كثيراً من مهام الدولة السعودية إلى أن توفي بجدة سنة 
6 رحمه الله تعالى. انظر «الأعلام»: 41/5 847. 

)١(‏ أي وسائد. 

(؟) أي سجاجيد. 

(0) الشيزي: خشب أسود تصنع منه الجفان» وهي الأواني» ومعنى مكللة أي يتحيط 
بها أصناف الطعام. وانظر «المعجم الوسيط»: ش ي زء ك ل ل. 


المختار من الرحللات الحجازية 





-حفلكه 
الجماعة بقرطبة المنذر بن سعيد البَلُوطِيَ"© بمكانه من العلم والورع 
وجلالة القدر ومشيخة الإسلام في ذلك القطرء قد اشتد به الحر في 
أحد الأيام إلى حد أن أمره الخليفة الحكم المستنصر بن الخليفة 
عبدالرحمن الناصر أن ينزل إلى صهريج كانا جالسين بجانبه في زهراء 
قرطبة - التي زرت أطلالها هذه المرة”"' ‏ فنزل مولانا الأستاذ ولم 
يبال» والحشمة والحرارة قلما يجتمعان على الشروط المرعية في البلاد 
الباردة . 


فلما كنت بقرطبة في شهر يوليو الفاتت ولقيت فيها مالقيته من 
شدة الحر عذرت قاضي الجماعة في خوضه صهريج الزهراء» ولكن 
حر مكة المكرمة يزيد بعشر درجات على حر قرطبة» فخوض صهريج 
الزاهر أقرب إلى العذر من خوض صهريج الزهراءء وأنا أبعد عن 
المشيخة من القاضيى منذر بن سعيد. 


[494] الصعود إلى عرفة في شدة المرض 


ثم نعود إلى قضية التيائنا"'' فنقول: إننا بعد قضاء بضع ليال على 
هذا المنوال بلغ منا النهك مبلغه» ثم كان لا بد من أن نصعد إلى عرفة 


)١(‏ أبو الحكم الأندلسيّ» كان فقيهاً محققآً» وخطيباً بليغاً مفوّهاً مع العلم البارع 
والمعرفة الكاملة» والدين والورع» وكثرة الصيام والتهجدء والصدع بالحق» وقد 
استقى غير مرة فسّقي» توفي سنة 700 رحمه الله تعالى. انظر «سير أعلام 
النبلاء»: 5١/*”الا١‏ 97/8 .١‏ 

(؟) قال الأمير شكيب أرسلان: كانت كتابتي لهذه السطور بعد سياحتي إلى الأندلس . 

(00 آي الاسترخاء والضعف. انظر «المعجم الوسيط»: ل:وءث: 


الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج 





0 
قبل الوقفة» فأغمى علينا في الطريق وسار بنا اللذان كانا معنا في العربة 
فؤاد بك حمزة والسيد حسين العويني إلى منى» فاسترحنا هناك إلى 
الصباح» ولكنه لم يكن بد من الذهاب تلك الساعة إلى عرفات فذهبنا 
إليها وأنا على ما أنا عليه من الإعياء» ثم أفضنا مع الححجاج الكرام 
عائدين إلى منى حيث بتنا ليلتين لقضاء المناسك» فما رجعت إلى مكة 
وقضيت المناسك إلا وكنت مريضاً جد مريضء» ولم يثقل علي ذلك 
لأن الحج الشريف تطهير وتمحيصء فرجوت أن يكون المولى سبحانه 
عن لي تبي لني ف يتن ضيبا ترادو جد 
الأوصاب, والله غفور رحيم : اسيم سَرفوأ عَلكَ نميهي لا تَقمَطوأ 

يَعْفر لدوب جَمِيعا نهو الْمَفُورٌ 0 7 


الالتجاء إلى الطائف 


جاح ا ار 


من يَحمَةِ أله إن الله > 


ولما اشتد بي الضعف قلت لإخواني: لا ينقذني مما أنا فيه إلا 
الطائف. فأنا أدرى بنفسي». ومتى نشقت هواء الجبال لم يبق علي 
خوف. فتردد فؤاد بك قليلاً خشية أن لا يكون قريباً مني وأنا على هذه 
الحال» فقلت له: إن كنت تحبني فدعني أصعد إلى الطائف بدون 
تأخير . 

وقد كان هذا رأي سليمان شفيق باشا ناظر الحربية في تركيا 
سابقاًء المقيم الآن بخدمة الملك ابن سعودء فإنه نهى عن أن أتريث 
ساعة واحدة ولو لأجل اعطاء التواصي اللازمة لأمير الطائف بترفيه 


(01: سورة الدسر 4 آنه +61 


المختار من الرحلات الحجازية 





0 
مقامي وتوثير مسكني» ولما جيء بالسيارة لأصعد بها إلى الطائف 
شعرت من الفرح بنشاط غريب ممن هو على تلك الحالة» ونهضت 
مسرعاً أستقبل الحياة من بعد أن كنت على ثنية الهلاك» فسرنا إلى 
محطة اسمها «الشرائع) على مسافة ساعتين بالسيارة من مكة» ومن 

هناك رجع إلى مكة. 


[144] الأمن الشامل في بلاد 
الملك العادل الإمام عبدالعزيز آل سعود 


كنت صاعداً مرة من مكة إلى الطائف وذانت معي عباءة إحسائية 
سوداء جعلتها وراء ظهري في السيارة» فيظهر أنها سقطت من السيارة 
ولم ننتبه لهاء فأخذ الناس يمرون فيرون هذه العباءة ملقاة على قارعة 
الطريق فلا يجرأ أحد أن يمسهاء بل شرعت القوافل تتنكب عن الطريق 
عمداً حتى لا تمر على العباءة خشية أنه إذا أصاب هذه حادث يكون مَن 
مر من هناك مسؤولاً» فكانت هذه العباءة على الطريق أشبه بأفعى يفر 
الناس منهاء بل لو كانت ثمة أفعى ما تجنبوها هذا التجنب كله. 
وأخيراً وصل خبرها إلى أمير الطائف محمد بن عبدالعزيز من سلالة 
الشيخ محمد بن عبدالوهاب» فأرسل سيارة كهربائية من الطائف أتت 
بهاء وأخذ بالتحقق عن صاحبها فقيل: له إننا نحن مررنا من هناك وأن 
الأرجح كونها سقطت من سيارتناء فجاء الأمير ثاني يوم يزورنا 
وسألنا: هل فقد لكم شيء من حوائجكم في أثناء مجيئكم من مكة؟ 
فأهيت برفاقي ليتفقدوا الحوائج فافتقدوها فإذا بالعباءة السوداء مفقودة 


الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج 





وكنا لم ننبه لفقدانهاء فقلنا له: عباءة سوداء إحسائية قال: هي عندناء 
وقص علينا خبرها. 

وقد أتيت على هذه النادرة هنا مثلاً من أمثال لا تعد ولا تحصى 
من الأمن الشامل للقليل والكثير في أيام ابن سعود مما لم تحدث عن 
مثله التواريخ حتى اليوم» فالمكان الذي سقطت فيه العباءة كان في 
الماضي كثيراً ما تقع فيه وقائع السلب والقتل ولا يمر الناس فيه إلا 
مسلحين» فأصبح إذا وجدت لقطة هناك على قارعة الطريق تجنب 
الناس الطريق لثلا يتهموا بها إذا فقدت. وكل يوم يأتي الشرطة 
والكتراة:والعسين بلقل توبعاحاك فاتفة هما ققدم الخناز وذللف إلى 
دائرة الأمن العام» فتبحث عن أصحاب هذه اللقطات وتردها لهم 
بتمامها مما يقضي بالعجب . 


ارتفعت فيها راية ابن سعود من منجد ومتهم ومعرق ومشئم بدون 
استثناء»ء وقد علل بعضهم هذا التأمين البليغ للسوابل بأنه من أركان 
عقيدة الوهابيين الذين يقولون: 


قلت: أياً كان السيينن فى هذا الأمان فإنه نعم العمل ولا يوجد 
معنى للحكومة إن لم تكن أول ثمراتها الأمن والعدل. ولو لم يكن من 
مآثر الحكم السعودي سوى هذه الأمّنة الشاملة الوارفة الظلال على 
الأرواح والأمؤال ‏ التى جعلت صحاري الحجاز وفيافي نجد آمن من 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 


شوارع الحواضر الأوربية - لكان كافياً في استجلاب القلوب إليه؛ 
واستنطاق الألسن فى الثناء عليهء فاليوم تجد التاجر والفلاح. 
والحادي والملاح» والحاج القاصد على الضوامر أو على الجواري 
المنشآت بالدسر'' والألواح يتحدثون بنعمة هذا الأمن الذي أنام الأنام 
بملء الأجفان» وجعل الخلق يذهبون ويجيئون في هاتيك الصحاري». 
وقد يكون معهم الذهب الرنان» وهم بلا سلاح ولا سنان» فلا نريد من 
هذه الجهة مزيداً وإنما نرجو لهذه النعمة الدوام» فلا عمران للبلاد إلا 
بالأمان والاطمئنان. 


حدثني بعض الأشراف الهاشميين من أولاد أمراء مكة أنفسهم 
أنهم كانوا في القرى التي لهم حول الطائف يوصدون أبوابها ليلآ» ولا 
يفتحونها لأي طارق خيفة الغيلة» وحذراً من سطو اللصوص». حتى 
جاء هذا العهد السعودي فصاروا يأمنون أن يبيتوا وأبوابهم مفتحة. 
وصاروا يفتحون لأي طارق جاءهم . 


وحدثني الجميع أنهم كانوا لا يقدرون على التجوال إلا مسلحين» 
فأصبح الآن كل إنسان يجول في الحواضر والبوادي أعزل لا يحمل 
شيئاً ولا السكين» وقد يكون حاملاً الذهب ولا يخشى عادية ولا حادثة. 
وكثيراً ما يترك الناس أوقار”'' دوابهم في قارعة الطريق وتبقى أياماً 
وليالي إلى أن يعود أصحابها فيأخذوها ولا يجرأ أحد أن ينظر إليها. 


08 أئ أخمال. 





011 م 

وقيل إن عِدْلاً من الشعير تركه صاحبه لإعياء مس دابته ومضى 
ينشد دابة أخرى يحمل عليها عِذُْلهء فجاء ووجد في العدل ثقب سكين 
تتساقط منه حبوب الشعير فأخبر الشرطة» فلم يزالوا يبحثون حتى 
عرفوا ذلك الرجل الذي وجأ العكم بسكينه وجلدوه بالسياط؛ لأنه 
حاول أن يعرف ما احتوى عليه ذلك العكو”'' . 


وكل يوم يؤتى إلى دوائر الشرطة في كل بلدة بأمتعة وأسباب 
وحوائج وأموال» منها الكثيرة ومنها القليل» ومنها الثمين ومنها 
الخسيس مما يجده السابلة في الطريق اتفاقاً» فلا تجد أحداً يطمع في 
شيء بعد أن كان الذّغَّار يذبحون ابن السبيل من أجل حاجة لا تكاد 


فسبحان الذي أدال من تلك الحال لهذه الحال» وأوقع الرعب فى 
قلوب الدَعار في السهول والأوعارء وليس في باب الأمن في ممالك 
ابن سعود متطلع لمزيد. وقصارى ما يتمنى الإنسان دوام هذه النعمة. 


ومن هذا الباب أن الثارات والدماء كانت بين قبائل العرب متصلة 


(09 قال الأمثاة وشيد رفنا: حكى الريحتائن وغيرة هذه الؤادقة اف ,لاد تعد والخالة 
العامة تلد حوادث متشابهة» والعُّكُم هو وعاء السعير الذي تحدث عنه آنفاً. 
وقال الأستاذ عبدالرزاق كمال نعم! وإنها نعمة أي» اللهم ارزقنا شكرهاء وعرفنا 
قدرها واحفظها علينا يا أرحم الراحمين» فإن الصحة في البدن» والأمان في 
الوطن والكفاف في القوت. هي الأمنية المطلوبة عند من يعرف حقها وقدرهاء 
فكما جاء في الأثرء «من أضحى آمنا في سربهء معافى في بدنه» وحصل له 
تررك يرمق نقد سنيقاك :له الناكنا بحن فيه »: ١‏ 


المختار من الرحللات الحجازية 





والغارات مستمرةء وأنه إذا وقع دم بين قبيلة وأخرى انقطع كل اتصال 
بينهماء وصار ابن إحداهما لا يقدر أن يمر بأرض الأخرى إلا تحت 
خطر القتل» وقد سمعت من القبائل التى شافهتها في الحجاز أنها إلى 
كان في أقرب محل إليهء وإن كل ذلك قد نسخ الآن بأحكام ابن 
سعود؛ وصار الناس يمر بعضهم ارقن عقن غرلا من السلاح ولا 
يخشى أحد منهم مكروها. وانطوت تلك الثارات والذجول''' كأنها لم 
تكن» ولا نظن أن الأعراب ينسون الثارات وليس ذلك من طبيعتهم» 
ولكنهم إذا وقعت هيبة السلطان في قلوبهم وغوفوا: أن لين عئد 
السلطان إلا العدل وإقامة الحد الشرعي بدون هوادة مع أحد انقادوا 


لهذا نجد العمران قد بدأ يتراجع إلى الحجاز بشمول الأمن 
واستراحة الفكر؛ فالقوافل والسيارات الكهربائية ذاهبة جائية تخترف 
الصحاري بالأمّئَة التي تمر بها في شوارع البلد الحرام» والناس بعد أن 
أمنوا على أموالهم وزروعهم وضروعهم قد نشطوا للعمل ووثقوا 
بالمستقبل . وإذا مضت عشرون تهات وهذه الحالة لم تتبدل وهذه 
الأمَنة ممتدة الرواق على البلاد كما هي اليوم ‏ فإن البلاد تسير شوطأ 


أراضيهاء ويقصد إليها كثيرون من أهل العالم الإسلامي الذين يثقل 


الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج 





عليهم حكم المستعمرين الأوروبيين»؛ كما كانوا بدأوا يهاجرون إليها 
قبل الحرب العامة مع أن أمّنة السوابل لم تكن حينئذ كما هي الآن. 


ومن الأغلاط المشهورة ‏ التي شهرتها لا تمنع كونها غلطأ - الظن 
بأن بلاد الحجاز هي من القحولة بحيث لا تتحمل عدداً من السكان 
يزيد على أهاليها الحاضرين وإن زاد فلا يكون إلا قليلاً» وأن الحجاز 
ناشف» وأن الحجاز يابس» وأن الحجاز كثير الحجار والجرارء قليل 
الرياض والغياضء إلى غير ذلك من وجوه الاعتراض» وهذا كله من 
الكلام المرسل بدون تحقيق .2 الذي يقوله من لاا يعرف الججاز أو لا 
يعرف شيئاً عن الحجازء أو بعض الكسالى من أهل الحرمين الشريفين 
الذين يبدون ويعيدون أمام حجاج البيت الحرام وزوار الروضة النبوية 
عن فقر الحجاز تعمداً منهمء ليستزيدوا بر الحجاج بهم ويستدروا 


وحقيقة الحال أنه لو كان سكان الحجاز ثمانية أو عشرة ملايين 
نسمة لكان ثمة مكان لهذا القول. ولكن بدون أن نعرف بالتدقيق عدد 
أهالي الحجاز نقدر أن نقول إنهم جميعاً بدواً وحضراً لا يزيدون على 
مليون نسمة» وربما لا يناهزون هذا العدد» وأن من عرف جزءاً من 
الحجاز ‏ لا كله علم أن الحجاز إذا قام أهله على فلحه وزرعه حق 
القيام أعاش منهم ملايين بالراحة التامة» وأصار إليهم من الخيرات ما 
لا يذكر موسم الحج في جانبه شيئاً. 


1٠٠٠١ [‏ ولقد رأيت على مقربة من مكة وادي فاطمة الممتد إلى 


ع8 





المختار من الرحلات الحجازية 





وادي الليمون ‏ مسافة خمس عشرة ساعة ‏ فرأيت جنة من جنان الله في 
أرضه لا تفضلها بقعة لا في الشام ولا في مصر ولا في العراق . 


]٠١1[‏ ولما كنت في المدينة المنورة قبل الحرب العامة 
وجولت في عواليها والبقاع التي تليهاء وشاهدت زكاء تلك الأرّضات 
وسمعت خرير هاتيك المياه قدرت أن البلد الطيبة وحدها إذا كانت 
سكة حديد الحجاز الحديدية متصلة بها وبقيت المهاجرة إليها من 
الآفاق قد تحمل نصف مليون نسمة ولا يتكاءدها"'' أمر معيشتهم» وقد 
كان بلغ عدد سكان المدينة قبل الحرب العامة نحو خمسين ألف نسمة 
وصار المتر المربع من الأرض الفضاء في وسط البلدة يباع بعشرة 
جنيهات» وفي الضواحي بجنيه واحدء وكانت الناس مقبلة على الشراء 
من كل جانب» فلما انقطعت السكة الحديدية الحجازية الواصلة بين 
المدينة والشام بسبب استكثثار دولتي فرانسة وإنكلترة اللتين وضعتا 
أيديهما على قطع هذا الخط التى في سورية وفلسطين والبلقاء» وجهلتا 
بل هضمتا حقوق المسلمين الخاصة فيه» تقلص عمران المدينة المنورة 
ونزل عدد سكانها من الخمسين ألفاً إلى ١5‏ ألفاً» كما أن جميع القرى 
التي كانت على جوانب الخط مثل معان وتبوك ومداين صالح والعلا 
وغيرها قد تراجعت إلى الوراء بعد أن كانت السكة قد بدأت تعيد إليها 
غابر عمارتهاء ولعل التخوف من عمران الحجاز كان من جملة 
الأسباب التى حدت دولتي إنكلترة وفرنسة على المعارضة في تسليم 


)010( أي لا يشق ولا يصعب » وارجع إلى (المعجم الوسيط» : ك أد. 


الارتسامات اللطاف في خخاطر الحاج 








السكة الحجازية الحديدية للمسلمين؛ فإن هاتين الدولتين تسلطتا على 
نحو ١0١‏ مليون مسلم تكرهان أن يكون لهم ملجأ تهوي إليه أفئدتهم 
ويكون معمورأ. وتتوافر فيه أسباب الراحة» وينتهي الأمر بازدحام 
السكان فيه ولا سيما الحجاز. ولا سيما الحجازء ولا سيما الحجاز. 


ولكن استئناف عمران الحجاز أمر لا مناص منه مهما وضع 
الأجانب أعداء الإسلام في طريقه من العراقيل والعواثير ٠‏ لأن 
المسلمية يَأرزون” إلى الجيجان من كل وت كنا تأر الحية إلى 
وَكرهاء وقد كانوا يشتكون قلة الأمّنة في فى السبل فقد أزيحت هذه العلة 
بتمامها بفضل الله ثم بفضل عبدالعزيز بن سعودء وقد كانت تطول 
عليهم المراحل وتتعبهم أكوار الرواحل. فالآن قامت |السيارات 
الكهربائية مقام الأباعر ٠‏ وطوت تلك المسافات الطوال طي السجل 
للكتاب. ولا بد من أن يأتى دور السكة الحديدية يوماً فتكمل من 
المدينة إلى مكة ويمتد خط من جدة إلى مكة ثم من مكة إلى الطائف» 
وإذا كان العرب عرباً ساروا به من الطائف إلى أبها إلى صبعاء اليمن 
إلى عدن؛ فإن الأمة العربية سائرة إلى الوحدة مهما عارض في ذلك 
اللثام من أعدائهاء والمتفلسفون من أبنائهاء وإن هذه الوحدة آتية لا 
ريب فيها ولو بعد مائة سنة أو أكثر. 


وطالما قلت: إن من أهم الشروط الأساسية لهذه الوحلدة هو مد 
الخطوط الحديدية يبن الشام وجزيره العرب» والعراق وجريرة العرب» 





4١‏ أي يلجأون: «المعجم الوسيط»: أر ز. 








انلك 
على أن تكون هذه الخطوط للعرب وبأيدي العرب . 

وبينما كنت أقرأ ترجمة حياة ١كافور»‏ مؤسس الوحدة الإيطالية 
بقلم المسيو «باليولوغ» سفير فرنسة في بطرسبورغ سابقاً إذ وجدته 
يقول: إن كافور كان يرى الشرط الأساسي لوحدة إيطالية ربط جميع 
أجزائها بالخطوط الحديدية» وقد ابتدأ بذلك من قبل أن أتم الوحدة 
الإيطالية”'' . 


)١(‏ إلى هنا انتهى المراد من الاختصارء. ولله الحمد. 


رحلة إلى الحجاز 





الرحلة الثامئنة عشرة 
«رحلة إلى الحجان» 


تصنيف إبراهيم المازني"'"' 


كان قد أبحر من السويس إلى جدة سنة 2.197١‏ فقال رحمه الله 
تعالى : 


وبدت يتبع ملفوفة في الضباب» حتى جبال رضوى التي تظهر من 
ورائها خلناها ضباباً من اختلاط السحب برؤوسها. 


[؟"١٠]‏ ورست الباخرة» في المرفأء وأقبل الصبيان يسبحون 
ا فرحنا نرمي 
بالقرش بعد القرش وهم يتزاحمون عليه ويغوصون وراءه 
بدا ااي لاا ا فمن فاز 


)010 هو إبراهيم بن محمد بن عبدالقادر المازني. أديب مجدد. من كبار الكتاب»ء 
ولد بالقاهرة سنة 021١5١8‏ ونسبته إلى «كوم مازن» من المنوفية بمصرء امتاز 
بأسلوات حلو الديباجة» تخرج في مدرسة المعلمين وعانى التدريس» ثم 
الصحافة وكان من أبدع الناس في الترجمة عن الإنكليزية. وله نظم مبتكر اقتبس 
بعضه من أدب الغرب. وكان حلذا على المطالعة. وحفظ في صباه «الكامل» 
للمبدد. وكان ذلك سر الغنى فى لغته؛ وكان من أرق الناس عشرة ومن أسلسهم 
قاداء.كآن..مق. أعضاء المجمع . اللقوى. في القاهرة /ودمشو». :وله عدة كنب 
وديوان شعرء توفي بالقاهرة سنة ١774‏ رحمه الله تعالى. 


المختار من الرحلات الحجازية 








به دسه في شدقه» حتى انتفخت أشداقهم وصارت وجوههم مشوهة 


شعة المنظر. 


]٠٠١“*[‏ وركبنا زورقاً إلى المدينة» وهي صغيرة فقيرة» وبها 
مساجد كثيرة» وأهلها وكلاء للتجار أو عمال لهم» وليس فيها زرع ولا 
ضرع» وبها آلة لتصفية ماء البحر للشرب يسمونها «الكندنسة» وهي 
لفظة محرفة عن «الكوندنسر)"'"2» فاستقبلنا قائم المقام الشيخ مصطفى 
الخطيب وهو من أهلهاء وكان عاملاً عليها في عهد النحسين لم تنحه 
الندكرنة السغودة تزفعا تنياا هه حؤافات العرل::والتاهير» وزونا دان 
الحكومة وهي أبسط ما تكون: بضعة مكاتب في الدور الأرضي» وفي 
الدور الذي فوقه غرفتان إحداهما للقائمقام» وفيها مكتب وسجادة 
ولشبابيكها ستائرء وفي الأخرى مكتبان صغيران . 

وبعد أن شربنا القهوة النجدية ثم «الشاي» استأذنا وانحدرنا إلى 
المدينة نطوف فيها إلى أن يخرج الأمير والناس من صلاة الظهرء 
فمررنا بالسوق وهي حارة ضيقة مسقفة على جانبها الدكاكين فيها 
صنوف شتى من العطارة والبقول والمنسوجات والخبز والأسماك 
والجراد. 

]٠٠١:[‏ ولم يكن في الدكاكين أحد لأنه كان وقت الصلاة» وكان 
الطريق غاصاً بالأطفال يمشون وراءنا ويحفون بنا في خرق ممرقة 
ومراقع لا تكاد تستر شيئاً» فتساءلت: ماذا يحمى هذه المتاجر أن 


0010 أئ,نا ل 


رحلة إلى الحجاز 





0 
يسرق منها هؤلاء الغلمان الفقراء؟ فقيل لي إنه لا خوف منهم لأنه ما 
من أحد يجرؤ أن يسرق شيئاً. 

وبلغنا آخر السوق حيث المسجدء وكان الناس قد فرغوا من 
الصلاة فوقف رجل أمام كوم من الكلأ وقطع من الحصير وأعواد من 
الخشب يبيعها بالمزاد» وكل ما أمامه لا يساوي ريالا . 

]1٠٠١[‏ ولم أر امرأة ولا بنتآء إلا واحدة في نحو السابعة من 
عمرها ملفوفة في ملاءة قذرة وفي إحدى أذنيها قرط من العقيق» وقيل 
لي إن النساء لا يخرجن من البيوت» والأهالي خليط من كل جنس 
وملة» وسحَنْهم معرض للأمم الشرقية» فمن زنجي إلى جاوي». ومن 
عربي إلى مصري» ومن هندي إلى فارسي» ومن سوري إلى صومالي», 
فك ظ ظ 


وزرنا الأمير - أي الحاكم - عبد العزيز بن معمرء وهو شاب 
نجدي جميل الطلعة وسيم المُحَيَاء مقدود قَدَ السيف. والدار على 
الطراز الشرقي القديم الذي كان مألوفاً فى مصر منذ أكثر من خمسين 


يم 


عاما. 


وفي ينبع بلدية. ومكتب تلغراف لاسلكى. ومدرسة اولة اخذاتة 
تلميذاً متفاوتى الأسنان والأطوالء. متباينى الثياب مختلفى الوجوه. 


|٠٠٠١ 5[‏ وقد شعرنا من أول لحظة أننا في بلاد مستقلة فلا أجنبي 





6010- 


هناك ولا نفوذ ولا سلطان إلا لأبناء البلد» وكل موظف حجازي حتى 
اللاسلكي عماله ومديره حجازيون. 


]٠٠١017[‏ وودعنا الأمير بعد أن أخذت صورتنا معه وعدنا إلى 
الباخرة» وهناك جاءنا وفد من ينبع ليرد لنا الزيارة ويشكرناء وبعث 
إلينا الأمير بعدد من الخراف هدية منه عوضاً عن الغذاء الذي لم نستطع 
أن نجيب دعوته إليه إذ كنا قد تغدينا في الباخرة» فحرنا ماذا نصنع 
بهذه الخراف! وعقدنا مؤتمراً للتشاورء فقال واحد نردها شاكرين» 
ولكن هذا كان مستحيلاً. واقترح ثان أن نردها ولكن لتذبح وتوزع على 
فقراء المدينة» ولكن هذا كان رداً على كل حالء وفيه فضلاً عن ذلك 
خشونة التعريض بالمدينة وأهلها وحكومتهاء وقال ثالث: إن في 
الباخرة حجاجاً فقراء فلنذبح الخراف لهم ولنوزع لحمها عليهم. 


]٠٠١4[‏ وفي ينبع عشرة الآف نسمة وأقل من مائة جندي». 
والحكومة كأبسط ماتكون» ولا حاجز هناك بين الأمير وأحقر الأهالي. 
وسلطان الحكومة ليس مستمداً من الخوف الذي تبعثه القوة» بل من 
الاحترام والحب والتعاون» وآية ذلك أن الناس صريحون مع حكامهم 
وأن الحكام لا يبدو عليهم تكلفء. ولاتكون الصراحة مع الخوف 
والتقية» ولا الخوف مع البشر الذي ينضح به الوجه ولايخفى فيه صدى 
السريرة» ولا هذه البساطة المبتسمة مع القسوة والاستبدادء ولم أسمع 
في المرتين اللتين زرت فيهما ينبع اموا يلقن أو كلمة على .ووغان 
تقالء ولقد كان أمير ينبع يُسِرَ إلى الرجل من حرسه أن يطلب القهوة 


رحلة إلى الحجاز 





0 
أو«الشاي» أو يدعو فلاناً أو علاناً أو يفسح الطريق» وكنت أراه وهو 
يميل عليه كأنه يهمس في أذنه نكتة أو كلمة سارة» ولم تأخذ عيني 
منظر قسوة واحدآاء وكثيراً ماكانوا يفسحون لنا الطريق أو يصدون 

الفاسن: ليوسهوا أمامنا في ينبع وفي جدة وفي الكندرة وفي مكة وفي ٠‏ 
وادي فاطمة ‏ وكان الذين يتولون ذلك الجندء ولكن بإشارة يد من غير 
أن يدفعوا في صدور الناس أو يرفعوا فى وجوههم عصا أو يتجهموا 
لهم وهم يصنعون ذلك» وقد عدت من ينبع إلى الباخرة وأنا أحس أني 
بدأت أفهم. وقد زدت فهماً لما زرت جدة ومكة. ذلك أن الرعية 
راضية وأن الحاكم والمحكوم متعاونان. 


]٠٠١9[‏ لما صرنا أمام رابغ أحرمت الباخرة ‏ أعني ركابها الذين 
ينوون أن يقصدوا إلى مكة مباشرة - فظهر بيننا فجأة رجل نجدي قبل 
لي إنه أمير في قومه وحوله حاشية كبيرة من أتباعه وعبيده» وكلهم 
محرم. والإحرام لا يمنع أن يلبس المرء سلاحه؛ فكانوا يحملون فوق 
ما أحرموا به المسدسات والخناجر وأحزمة الخراطيش واتصلت بيننا 
وبين هذا الأمير الأسباب» فاختلطنا وصار عبيده وخدمه يسقوننا من 
قهوتهم النجدية الحادة» وهم يقدمونها في فنجانة كبيرة مفرطحة 
يصبون فيها نقطة» أو رشفة» تحتاج لكي تشربها أو تلحسها أو تنقلها 
إلى فمك أن ترفع وجهك إلى السماءء وتقلب الفنجانه إلى فمك 
لينحدر ما فيها إلى لسانك. حتى إذا فرغت دون أن تقع على الأرض 
رددت الفنجانة فصب لك فيها رشفة أخرى إذا راقتك الحركة التي 
يكلفك إياها شربها وإلا هززت الفنجانة علامة الاكتفاء . 


المختار من الرحلاات الحجازية 








لم نخف لرؤية جدة لما شارفناهاء ذلك أن الساعة كانت الحادية 
عسرة صباحاً. والخادم كان يبيعل الماتدة للغداء قبل موعذه. فقلنا هذه 
بشرى. وجلسنا إليهاء وحضر الطعام فلم نبال جدة كيف تبدو ولم 
نكترث لمرفتها أين رست السفينة منه» فقد أقبلنا على الصحاف« نأكل 
ما لايحسب الحاسب» كأنما خفنا ألا نقع في جدة على طعام . 

]٠٠١[‏ خَففَ إلى الباخرة وفد كبير من شيوخ جدة وأعيانها 
فقلت: أعوذ بالله . 

فقال أحدهم: بل حمداً لله وشكرا. 

واستبشروا بنا وتفاءلوا خيرا بقدومنا. 

وانحدرنا إلى الزوارق البخارية بين عبارات الترحيب والتأهيل 
الصادقة . 

43 ولو أن الزورق سار فى خط مستقيم إلى «الرصيف» 
لبلغناه فى ثلاث دقائق . ولكنه اضطر أن يدور بنا حول الميناء فقطعنا 
المسافة فى خمس وعشرين دقيقة» لأن مدخل الميناء مكتظ بالصخور 
والشعاب الحادة التي تقطع الحديد كالسيف. 

وكان انا على الرصيف قائمقام حدة الشيخ عبد الله رضا 
الوتلى والففومة الاعيان: 


]٠١١1[‏ فصعد بنا إلى بناء فيه موظفو الميناء وجلس معنا في 


رحلة إلى الحجاز 





04س 
الشرفة إلى أن قرب الزورق الثاني فاعتذر وخف إلى استقبله» وتركنا 
حقى أفندي سكرتير القنصلية المصرية وفريق من الأعيان ولم يكن لهم 
جميعاً حديث إلا هذا المطر العجيب الذي سبقناء وكانت تحيتهم لنا 
جميعاً: «جئتم بالغيث»» ولهم العذر؛ فإن بلادهم صحراء جرداء ليس 
فيها نهر أو جدول واحد» واعتمادهم في معايشهم على المطر والآبار. 
فأما المطر فلا سلطان لهم عليهء وأمره بيد الله وأما الآبار فقد كان 
عددها كبيراً وكانت العناية بها شديدة؛ ولكن الأتراك لما اضطروا إلى 
الانسحاب من بلادهم في إبان الحرب العظمى خربوا أكثرها حتى 
لخفيت معالم عدد ليس بالقليل منهاء وعلى أن الأبار مهما كثرت لا 
تسد حاجات البلادء لأنها تجف وتنشف» ومن هنا فكرت الحكومة 
السعودية في الأبار الارتوازية وفي استخدام الآلات الحديثة لاستنباط 
الماء من جوف الأرضء» واستوردت عدداً منها واتخذتها بالفعل في 
المدينة ومكة» وهذا خير ما يسعها إلى الآنء مع العناية بالعيون 
وتعهدها بالإصلاح . 

]٠١١[‏ وليس في جدة فنادق ينزل فيها القاصدون إليها؛ وإنما 
ينزل الناس في بيوت الأهالي» فمن شاء استأجر منزلاً بأسره» ومن 
كان لا يسعه ذلك قنع بغرفة مؤثثة» على مثال «البنسيون» في مصر مع 
فروق طبيعية» أما نحن فكنا ضيوفاً على الحكومة. 

]٠١١4[‏ ولم نكد نستقر في بيوتنا حتى قيل لنا: إلى بيت 
القائمقام؛ فنهضنا وركبنا السيارات الخاصة التي أفردت لناء وذهبنا 
نخوض بها شوارع جدة» وأقول نخوض وأنا أعني ما أقول» فقد خيل 


المختار من الرحلات الحجازية 





إلي أني في البندقية''؟ وأننا أحوج إلى القوارب والزوارق - أو 
الجوندولا”' 2‏ منا إلى السيارات» وكانت العجلات تغوص في الماء 
إلى النصف». ولشد ما عجبت حين نظرت فإذا سائق السيارة صبىي لا 
يتجاوز الثانية عشرة من عمره. فخفت أن يقلبنا في الأوحال أو يدخل 
بنا الحوانيت أو يحاول أن يصعد الحائط بالسيارة» ولكنه كان حاذقاً 
وكان كأنه يرى الطريق تحت الماء فيجنب الحفر ويتقي أن يرجناء هذ 
على أن رأسه لم يكن ظاهراً لنا لصغر جسمه. فلا أدري كيف كان 
يبصر الطريق» وكأني به قد حفظه عن ظهر قلب فليس يحتاج أن ينظر 
بعينه» وكان بارعاً في محاورة الماء والروغان من الأوحال والمهابط. 
فلم يسعني إلا أن أسأله : 

هل تعرف الطريق إلى مكة؟ 

فقال: أي نعم» متى تذهبون إن شاء الله ! 


فقلت: وذ فصيح أيضاً! 

ورقص قلبى إعجاباً بمهارته وذلاقة لسانه» وحدثتنى النفس أن 
أخطف ثلاثة أو أربعة من أمثاله أخفيهم في حقيبتي وأعود بهم إلى 

]٠١١5[‏ واستقبلنا القاتمقام على باب داره» وتلكأت أدير عينى 


)١(‏ مدينة فى إيطاليا غارقة فى الماء. 
(؟) الزورق المستعمل في البندقية . 


رحلة إلى الحجاز 





> 
في البيت من الخارج فارتد إلي وتناول ذراعيى ومضى يصعد بي 
السلم؛ وهو شيخ بلغ التسعين أو أربى عليهاء وأنا شاب لم أبلغ 
الأربعين» ومع ذلك كان يثب على السلالم وأنا أرفع نفسي بجهد 
واضح؛ وصعود السلم في البيوت الحجازية عمل شاق؛ لأن الدرجات 

عالية جداً» والبعض أعلى من بعض وأضيق . 

وبيت القائمقام أنموذج حسن لغيره من الدور التي رأيناها مع 
تفاوت بينها في السعة» وطرازها جميعاً شرقي عتيق ثم طبقات يغلب 
أن تكون اثنتين أو ثلاثاً» وحَجَّر الاستقبال في الطبقة العلياء وغرف 
المائدة في التي تحتهاء وقد يجتمعان في طبقة واحدة فتفرد الأخرى 
للنوم» والآثاث فاخر والذوق فيه سليم» ليس فيه ذلك البذخ الذي ينم 
عن الخُيلاء والذي هو أشبه بالإعلان. 

]٠١١[‏ وكرم العربي ليس ككرم سواه؛ فهو يكرمك ويبذل لك 
كل ما يدخل في طوقه بل فوق ما في مقدوره» ثم كأن الذي يصنع هذا 
سواهء من فرط السكون والوداعة وقلة التظاهرء وقد كنت كلما دخلت 
بيتأ يختلط علي الأمرء فأحسبه بيت رجل آخر غير الذي أعرف اننا 
مدعوون عنده. ذلك أن مضيفك لا يثقل عليك بالحفاوة» ولاينفرد 
بتحيتك ولا يبرز نفسه أو يؤكد وجوده؛ ولا تكاد تستقر فى مجلسك 
حتى يشيع في نفسك الشعور يعدم الكلفة وبانتفاء القيود وبأن حريتك 
في حديثئك وجلستك وفيما تشتهي نفسك غير محدودةء وكان 
القائمقام على سنه وتقدمه وَسَّمْته وأبهته يخف إلى «الشيشة» ويجثو 
حيالها ليصلحها أو يصنع فيها ما لا أدري فلست من هواتهاء وكان 





الواحد منا يهم بأن ينهض ليصده عن ذلك تنزيهاً له عن هذه الخدمة. 
ولكن شيئاً في عينيه كان يقعد بنا ويغلنا عن الحركة» ولم أر في حياتي 
وجهاً ناطقاً بطيب النفس وبالعطف الشامل والحب الذي يريد أن يفيض 
على العالم كوجه هذا الرجل» وقد انصرفنا من بيته بعد أول زيارة وقد 
عشقناه وشغفنا به ولهجنا يذكره. 


]٠١١1[‏ وقد كان قائمقام في عهد الحسين وابنه علي المعزولين» 
فلما جاء ابن سعود أقره في منصبه كما أقر كثيرين غيره كراهة منه 
للتبديل والتغيير اللذين لا معنى لهما ولا دافع إليهما سوى الهوى». 
وليس كل ما يروع المرء من القائمقام دماثته وسجاحة خلقهء فإن 
نشاطه وحيويته شيء عجيبء لا لمن كان في مثل سنه العالية بل لأي 
إنسان في أي سن, ثم هو إلى هذا واسع الدراية محيط بأخبار الأمم 
وسياستها؛ عارف بنياتها ومساعيهاء لطيف الحديث حلو المحضرء 
يزيده وقارا قليل من الصممء وسنه أبداً ضاحكة وعينه براقة» فما 
أشوقني لأن أراه وهو ثائر الغضب . 


]٠١١4[‏ وليس في نيتي أن أصف كل وليمة حضرتها أو دار 
دخلتها فإن هذا لا آخر له فقد كنا نتغذى فى بيت ونتناول الشاي فى 
ببيتث » والعشاء فى ثالث»ء وريما تغذينا فى جلة وتعشينا فى مكةء أو 


بالعكس . 


]٠١14[‏ وهم لا يراعون في الجلوس إلى الموائد ترتيباً معيناء 
وكانوا - معنا على الأقل ‏ أحذق وأدق مجاملة من أن يتوخوا ترتيباً: 


رحلة إلى الحجاز 





0 
فكان من شاء يجلس حيث يشاء؛ حتى لا يشعر أن غيره مفضل عليه أو 
مقرب دونه أو مختص بإيثارء والقوم في الحجاز لا يأكلون سوى 
مرتين في الأربع والعشرين ساعة؛ مرة حوالي الساعة العاشرة والثانية 
حوالي الرابعة أو الخامسة. وأحسب أن جو البلاد هو الذي اقتضى هذا 
التخفيف» ولكنهم توخوا مثل عاداتنا في مصر من أجلناء وغيروا 

مألوفهم وجروا على مألوفنا. 

]٠١٠١[‏ والأطعمة التي تناولناها فيها صنعة حسنة وذوق يجمع 
بين الأسلوبين العربي والتركي» وقد يحدث أن يقدم لك بعد بضعة 
ألوان طعام حلو فتحسب أنك قد قاربت النهاية ويسرك ذلك فراراً من 
كظ المعدة بألوان عدة لا آخر لها وإذا بهم بعد الحلوى يكرون إلى 
اللحوم والخضر وما إلى ذلك . 


[3/ وأحب أن أعين القارىء على تصور حالة جدة وعمل 
البلدية فيهاء فأقول إن الطرق غير مرصوفة كما هي في مصر ولكنها 
نظيفة على الجملة» وقد أصارها المطر بركاً وبحيرات» وهو مطر ملا 
صهاريج الثغر كلهاء ومن بين هذه الصهاريج واحد سعته ‏ بحسابهم - 
مئتان وأربعون ألف «صفيحة» فإذا اعتبرت أن «القربة» تعادل أربع 
«صفائح» كانت سعة الصهريج ستين ألف قربة» وقد قيل لي إن الماء 
الذي في الصهاريج يكفى موسم الحج». وإنما ذكرت الصهاريج ومثلت 
لسعتها ليتسنى للقارىء أن يكون لنفسه فكرة عن المطر وما صنعء فقد 
هدم بيوتاً وقوض سقف بعض الأسواق. ولم يبق بيت لم يقطر الماء 
من سقفه والبنى هناك ضعيفة» وقد قضينا الليلة الأولى في جدة 





المختار من الرحلاات الحجازية 





ف صبحنا وقد انقطع المطر فانطلق عمال البلدية ينزحون الماء ويجرفون 
الأوحال» فلما جاء العصر عادت الطرق نظيفة مأمونة» أحسب أنهم 
ضاعفوا الهمة من أجلناء ولكنه نشاط على كل حال . 


]٠١11[‏ والأغيناء هناك لا يدعون الفقر ولا يكتمون مالهم وإن 
كانوا لا يضايقون الناس بمظاهر البذخ». والتجارة سوقها رابحة مع 
الغرب والشرق» والأحاديث صريحة والألسنة طليقة» وفي هذا دلالة 
على الاطمئنان» وقد كان الناس على ما علمت في العهد السابق 
يخفون أموالهم ويتظاهرون بالمثربة ورقة الحال خوفا من الابتزاز أو 
الاقتراض الذي هو في حكم الاغتصاب والمصادرة» أما الآن فيقول لي 
بعض الأصدقاء: إن الحكومة في آخر العام قد تقفر خزائنها فتحتاج 
إلى المال فتقترض من الأعيان حتى إذا جاء موسم الحج ردت إليهم ما 
أقرضوها بلا ربا. 

]٠١7*[‏ وقد سألنا - في طريقنا إلى مكة - سائق السيارة ى وهو 
شاب حدثنا أنه كان أحد أفراد الفرقة الموسيقية فى جيش الحسين ‏ عن 
الفرق بين العهدين فكان جوابه: إن الأمن مستتب على أحسن حال وإنه 
ما من أحد يجرؤ أن يسرق أو يمد يده إلى شيء في الطريق . 

فصرفنا السرور بتمثله بالشعر والتعليق على ذلك عن سؤاله عما 

[4؟١٠]‏ ولم أر في الحجاز امرأة ولا بائعاً متجولاً ولا شيخاء 
ولا جنازة ميت» فأما المرأة فلم أستغرب الحجاب المضروب عليها 


رحلة إلى الحجاز 





فنحن في مصر لا يزال منا من يحجب المرأة ويوصد عليها 
الأبواب”'"'. وأما الباعة المتجولون فلا حاجة بأحد إليهم في مدينة 
صغيرة لم تتباعد أطرافها ولم تَفْش فيها المدنية ولا يزال الزمن يدور 
فيها متمهلاً متباطئاً» ولعلي لم أر مقعداً أو سطيحاً أو كسيحاً لأني لم 
أبغهم حيث يكونون» ولكنهم على كل حال لا يُرَوْنَ في الطرقات 
وعلى أبواب المساجد وأفاريز الشوارع» ولكني استغربت أن أقضي 
ستة أيام في الحجاز فلا تقع عيني على جنازة ميت ولا أسمع أن واحداً 
مَل هذه العاجلة وآثر عليها الآجلة» ولا أدري ماذا يغري الناس هناك 
بالبقاء ويحبب إليهم الدنيا وهي بلاقع» على حين يستطيعون أن ينتقلوا 
في طرفة عين إلى الفردوس وقصوره وحوره وولدانه وأنهاره من لبن 
وعسل وخمر. 


وفي اليوم الثالث تغدينا عند الشيخ الطويل» صاحب شركة القناعة 
للسيارات» وقد كان على عهد الملك حسين مديراً للجمارك» وكان 
صاحب مال وفير فأتى عليه الاقتراض منه”''» فلم ينقذه إلا انقراض 
حكم الحسين وابنه على ومجيء العهد السعودي بالأمن والطمأنيئة 
وحرية التجارة» فاتجر بالسيارات وعاد فوقف على رجليه . 


وركبنا سيارة لا أدري من أي طراز هي» وإنما الذي أدريه أنها 
كانت فخمة وجديدة» وأنها لم تخرج إلا في يومنا ذلك» وقلنا 


)1١(‏ هذا والله خير لها وأحفظ وأقرب استجابة لأمر الله تعالى. 
)٠(‏ أي اقتراض الملك حسين منه. 


المختار من الرحلات الحجازية 





للسائق: سر على بركة الله وبقوة البنزين الذي خلقه الله وأعلم أننا 
سنتعشى عند سمو الأمير فى قصر جلالة الملك بإذن اللهء» وإن عليك 
أن تبلغنا مكة قبل موعد هذا العشاء بوقت يكفي للطواف والسعي ثم 


فقال: «الله معناء إن السيارة جديدة وليس في وسعي أن أسرع بها 
لعلا تتلف) . 

فقلنا: «فلتتلف. فإن موعد الأمير لا يمكن إرجاؤه» . 

وما زلنا به نلح عليه ونحاوره ونداوره حتى أطلقها ومضى بسرعة 

وبلغنا الشميسة”'' قبيل الغروب بدقائق . 

[5؟١٠]‏ وهناك فى الشميسة استقبلنا وفد طويل عريض من مكة 
جاء لير حب بنأ ويحتهى بمقدمناء وبينما نحن نتحادث دعى مدير 
الشرطة أو لا أذرفق من هو إلى التليفون. فاستأذن وذهبف ثم عاد 
يسأل: هل لأحدكم عصى؟ 

قلت : نعم أنا لى عصا ولكنها والله في السيارة. تركتها فيهاء 


قال: ما أوصافها؟ 


)١(‏ أي الشميسي. 


رحلة إلى الحجاز 





قال: لا لا لاء» لقد وجدت عصى فى الطريق قرب الرغامة 

فضحكت وقلت: أؤكد لك أن عصاي تحترم القانون ولا تخرج 
على النظام ولا تعرف قطع الطريق . 

فلم يَجَد حتى بابتسامة» وضاعت علي النكتة في هذه البلد 
الجادء وقال: ابحث عنها من فضلك فإن الطريق مقطوع ولا أحد 
يروح ولا أحد يغدو. ظ 

فهرولت إلى السيارة فلم أجد العصى فعدت وقلت له: هي 
عصاي قاطعة الطريق» فاسمح لي أن أعتذر بالنيابة عنهاء فمضى عنى 
إلى التليفون» وخفت أن يأخذوني بها ويجزوني بما صنعت فإن للقوم 
هنا شريعة غير القانون المدنى. فعدوت وراءه وأسررت إليه وهو يتكلم 
في التليفون : 

الا لل رثن 1 


اذكر من فضلك أن الله تعالى يقول في كتابه المنزل # ولا تَزْر وازرة 


زر أُخْرت27#4 . 
فلم يزد على أن التفت إلى وقال: هل نردها إلى جدة أو ندركك 
بها في مكة؟ 


فقلت: لست أريدها والله فإنها فاجرة كما ترى». وأخشى أن ينزو 


)غ0 سورة فاطر: آية .١8‏ 





برأسها خاطر آخرء أفلا يمكن دفنها في الرمال مثلآا؟ 
فقال للتليفون لا لي : أرسلها مع الشرطة إلى الضيافة . 
فصحت به: لا لاء ردها إلى جدة من فضلك فحسبي ما صنعت . 


فقال: لمخاطبه في التليفون: بل ردها إلى بيت العويني في جدة» 
را 


ثم التفت إلىّ وقال: هيا بنا فقد تأخرتم . 


ولست مبالغاً فيما رويت عن عصاي وما صنعت» فقد كنا في 
الطريق إذا بلغنا محطة واحتاج السائق إلى ماء يبرد به جوف هذه 
السيارة الذي يغلى» ونصيح بأحد الواقفين: هات ماءء فلا يتزحزح ولا 
يدنو منا بل يقول وهو واقف مكانه : تفضل . 


فينزل السائق ويجيء منه بما يريد» وقد سألنا عن سر هذه الجفوة 
وقلة الذوق فقيل لنا بل هو الخوف من أن يدنو الغريب من السيارة 
فيتفق لسوء الحظ أن يضيع شيء من الأدوات أو مما تحمل السيارة 
فيتهم الرجل بالسرقة» وجزاء السارق هناك قطع اليدء وقد أمّن ابن 
السعود الناس على أرواحهم وأموالهم بشيئين: بقطع يد السارق وبما 
يسمونه التصبيحة : 

فأما السرقة وقطع اليد فأمرهما ظاهر لا يحتاج إلى بيان» ومن 
أجل ذلك يقع الناس على الشيء في الطريق فلا يقربونه أبدآء بل بلغ 
من ازدجارهم أنهم ربما مالوا إلى طريق آخر غير الذي فيه هذا الشيء 


رحلة إلى الحجاز 





بالشرطي فيبلغوه» وإذا لم يقعوا على صاحبه نشروا في «أم القرى» 
إعلاناً تحت عنوان لماعك 


افا التصيحة فشىء آخر. تكون هناك عشيرة ضرت بالسطو 
فينذرها ابن السعود مرة ثم أخرى وثالثة» فإن كفت وتركت الناس 
امنين واستقامت على الهدى فبها ولله الحمد. وإلا همس فى أذن واحد 
من قواد جيشه أن يصبحها فيذهب الرجل في فرقة من الجيش من غير 
أن يفضى إلى أحد بغايته ومقصده. ويجنب فى طريقه إلى العشيرة 
أمره خافياً وغايته مكتومة , ويمع على العشيرة في الفجر فيصلي 
بجيشهء ثم يطلق عليها رجاله فيصبحونها وهم يصيحون : 

ااهبث هبوب الجنة. أين الكد نا باغيها) . 

«خيالة التوحيد إخوان من أطاع الله . 

فلا يُبقون ولا يذرون. 

ولم يُصبّح ابن السعود سوى عشيرة واحدة قرب المدينة مذ دخل 
الحجاز؛ لأن الأمر بعد ذلك لم يحوجه إلى تصبيحة أخرى . 


عن الاحتشاد في طريقهء ثم وقفت بنا أمام دار الضيافة على المسعى 





بين الصفا والمروة وأمام باب السلام» فنزلنا وأقبل علينا ناس كثيرون 
يسلمون علينا. 


وملنا إلى غرفة رحيبة نصفها ميضأة» والنصف الآخر تصعد إليه 
بدرجتين وهو مفروش ومعد للجلوس وفي وسطه مكتب عليه تليفون. 
فهممنا بالجلوس فقيل: بل توضأوا لتطوفوا وتسعوا وتتحللوا من 


]1٠١77[‏ وللحرم عدة أبواب» ينحدر منها المرء إلى صحن 
رحيب جدا يدور بالكعبة» كصحن الأزهر إلا أنه أوسع كثيراً»ء وأرضه 
رمل حصىء ولكنه حول الكعبة مبلط. وكذلك ما بين الأبواب وهذا 
المطاق» وق ةحياقنا شك المطرفين ويضى هنا إلى عقام إنراهيم غلية 
السلام - ووقف بنا وصفنا بين المقام وزمزم وقال: صلوا ركعتين 
ففعلناء ثم نهضنا وبداً الطواف . 


]٠١ 71‏ خرجنا لنسعى بين الصفا والمروة» وهو طريق بينهما 
مهدته الحكومة السعودية وعبدته ورصفته تسهيلا للسعي» وطوله نحو 
كيلو أو أقل. ولا بد من قطعه سبع مرات؛ فلما شرعنا نسعى جاعنا 
البشير من قبّل الأمير أن في وسعكم أن تسعوا بالسيارة إذا كان التعب 
قد أدرككم فرفعت يدي بالدعاء لسموه وابتهلت إلى الله أن يطيل عمره 
وأن يلهمه دائماً ‏ على الأقل ونحن في الحجاز ‏ مثل هذا التيسير على 
الناس. وعدوت إلى السيارة فصاح بي الدليل الذي يسعى بنا أو معنا 
على الأصح: إلى أين؟ 


رحلة إلى الحجاز 





قلت: إلى السيارة» يا صابر : تعال بسرعة. 


ولكن صابراً سائقنا كان ملكياً أكثر من الملك». فقد أبى لنا أن 
نسعى بالسيارة وقال: إن هذا لا يجوزء وإن المسعى غاص بالساعين 
وبالنساء والرجال والأطفال» فليس ما تبغون من الإنسانية فى شيء». 
فخجلنا وتركنا السيارة بعد أن استوينا فيهاء وأصارح القارىء بأني 
لعنت «صابراً» هذا في سري» وإن كنت لم يسعني إلا احترامه» وهو 
شاب في العشرين من عمره حدثنا في الطريق أنه مصري الأصل وأن 
لأسرته نحو مائة عام في الحجازء وقد كان على أيام الحسين أحد 
رجال فرقة الموسيقى الحربية» ولكنه الآن سائق سيارة في شركة 
القناعة» وأبرز صفات هذا الشاب الجرأة والاستقلال مع الأدب الوافر 
وحديثه ممتع وفي لغته فصاحة وفي صوته عذوبة وفي عينيه حلاوة. 
ولو كان الغناء مباحاً لكان الأرجح أن نسمع منه شدواً مطرباً. وقد كان 
يخاطب كبراء الحجاز في جدة ومكة وفي الطريق بينهما مخاطبة الند 
للنك. 


ولكنه حنبلى مستبد» أبى لنا أن نسعى بالسيارة» فلما أصر رسل 
الأمير وألحوا ترك السيارة وأبى أن يسوقها فتولاها غيره» وأحسب 
صابراً قد حقدها علينا وأسرها لنا فقد تخلى عنا بعد أن عدنا إلى جدة . 


وقصصنا شعرات من رؤوسنا ولبسنا ثيابنا . 


وتغير الملاك: فى .طرك: من اللمزيتةه.وهن وول ريشن سنن 
نالا جر وله جناح جحديدك هو الذي دخلناه. 9 فنائه حديقة صغيرة » 





6 


وقد استقبلنا الجيش على الباب وحيانا لا أدري كيف فلست أخصائياً 
في حركاته؛ وصعدنا إلى حجرة عظيمة طولها ‏ على ما أقدر ‏ لا أقل 
من خمسة عشر متراً في نحو عشرة أمتار» مفروشة ببساط من المخمل. 
وعلى مدارها مقاعد عالية شبيهة «بالكنب» المصري» وفي وسطها 
صف من العمد يحمل سقفهاء والجدران مكلسة», وكان الأمير جالساً 
في الصدر فنهض لاستقبالنا» فسلمنا وجلسنا وجاءت القهوة» ومن 
بعدها الشاهي أو «الشاي» . 


]٠١14[‏ والأمير في الرابعة والعشرين من عمره'''» وهو نائب 
الملك في الحجاز كما أن أخاه الأكبر الأمير سعود ‏ ولي العهد ‏ نائب 
الملك في نجدء وثيابه ثوب أبيض «كالجلابية» المصرية فوقها سترة 
اجاكتة» رمادية عليها العباءة السوداء وهي رقيقة النسح شفافة» وعلى 
رأسه «الحرام» والعقال» وهو قسيم وسيم حلو النظرة عذب الابتسامة. 
وديع» ولكن نظرته حين يصمت تبدو حزينة» وفي تقوس شفتيه وذقنه 
مرارة لا تخلو من تصميم» وأغرب ما في وجهه اجتماع اللين والصلابة 
والرقة والقوة» واختلاط ذلك كله وتسرب بعضه في بعض» وهو أنطق 
وجه رأيته بجميع هذه المعاني . 


وقد كنت أتوقع ‏ قياساً على ما شهدت في جدة ‏ أن يكون قصر 
الملك أفخم رياشاً وأفخر أثاثًء فإذا به يمتاز بالنظافة التامة والبساطة 
الكاملة» أما الأبهة فقد تركها لمن شاء من شعبه. 


رحلة إلى الحجاز ‏ 





- 9 


وغرفه الطعام كأبسط ما تكون: حجرة مستطيلة تسع نحو مائة. 
فى وسطها مائدة طويلة ساذجة صفت إليها الكراسى الخيزران» 
وأدوات الأكل تامة» والأنية كلها من طراز واحدء وقد تناولنا الطعام 
على الطريقة العربية وقضينا فيه أكثر من ساعة نتفكه عليه بالحديث» 
ولم يكن ثم نظام معين أو ترتيب معد للجلوس بل قعد من شاء حيث 
شاءء وقد احتفظت بقائمة الألوان»ء وهى مطبوعة على الآلة الكاتبة . 


ذهبنا بعد الطعام إلى حجرة أخرى للجلوسء» مؤثثة على طراز 
حجرة الاستقبال الكترىئ: ولكئ امقرية أن أرى فيها اا مما 
فخل تلعات:بواديرك, غلا القهوة و أكوانت الشائ:. 


]٠[‏ واشتهينا أن ندخنء ولكن التأديب منعناء والناس لا 
يدخنون في حضرة الأمير أو كبار النجديين؛ لأن الدخان مكروه 
عندهم'''. وكان الليل قد انتتصف فاستأذنا في الانصراف» ولو أنا كنا 
انتظرنا حتى يصرفنا هو لبتنا إلى الصباح» فما مما يليق عندهم أن 
يصرف الرجل ضيفه . 


[ه*١٠]‏ وأخذنى النوم وأنا أفكر فى الأمير وفى انتظاره إيانا في 
قصر جلالة الملك ثلاث ساعات من غير أن يمل أو يتأفف» بل من غير 
تشع تعدو بالفاعة إلى الاععنان 00 


30( إلى هنا تم المراد من الاختصار. 


رحلتي إلى الحجاز 





الرحلة التاسعة عشرة 


الأستان محى الدين رض”') 


خرج من مصر سئة ١١807‏ بالطريق البحري المعتاد ‏ من السويس 
إلى جدة ‏ فقال: 


٠11‏ يعلم القراء ما كان يتعرض له محمل تركيا في زمن 
سطوتها من فتك العربان به وبرجاله» وما كان يسود الحجاز عامة من 
حالة الفوضى والاضطراب والنهب والسلب في أيام الحج» فكان أشبة 
بنار متقدةء ولذلك كان كل حاج يعتقد أنه لن يعود سالماً إلى دياره 
فيوصي ويودع ويستسمح الناس» فهو إذا أمن شر العربان لم يثق أنه 
سيأمن طغيان الوباء الذي يجعل الطرق أشبه بساحات حرب تمددت 
فيها الجثث بعد انتهاء المعركة» وأما الآن فالحجاز يتمتع بأمن وارف 
وصحة جيدة وسلامة عامة بفضل جلالة الملك المصلح الحازم جلالة 
الملك عبدالعزيز آل سعود مما لايحلم به أحدء وقد صار من السهل 


( محي الدين بن صالح مخلص رضاء أديب وصحفي. أصله من القلمون بلبنان 
وولد بالقاهرةء وتوفي بها سنة 03795 وهو ابن أخي السيد الإمام محمد رشيد 
رضاء له عدة مصنفات مطبوعةء وكان يعمل في قسم الأخبار بجريدة المقطم. 
عاش نحو 85 سئة. انظر «الأعلام» : لوم اا 





ولتق 
على الانسة العذراء التي تتحلى بأثمن الحلي والحلل أن تجوب 
الحجاز من أوله إلى آخره مشياً على قدميها وهي آمنة وادعة. 
والحديث في ذلك يطول وهو لذيذء ولقد حدثني موظف في القنصلية 
البريطانية في جدة في مطلع عام ١97١‏ بأنه عندما سمع بالأمن في 
الحجاز لم يصدق كل ماسمعه فجرب تجربة بأن ألقى في الشارع ريالاً 
ووقف خلف النافذة يرقب الأمر بنفسهء فهاله مارأى لأنه شاهد المارة 
بعد ما رأوا الريال ينحرفون عن طريقه إلى أن أخبروا الشرطي بالأمر 
فحضر وحمل الريال إلى دار الأمانات وأعلن عنه في جريدة «أم القرى) 
فذهب صاحبنا وأخذه وهو لايكاد يصدق. 


وما قول القراء في أصحاب الحوانيت في الحجاز وهم يتركون 
حراتعيس الس اعليها إلا شكة وياغيوة. إلى العسابية لاميلؤة وسمانة 
المواعظ. فيمكثون من العصر إلى المغرب تقريباً وهم في أمن تام على 
سلعهم ونقودهم. ويمر أمامها جماهير من الفقراء الذين صارت 
جسومهم كالأشباح البالية من قلة التغذية. 


هذا شيء عجيب ولكنى شاهدته بنفسى . 
لبوا دعوة أبيكم إبراهيم 
[؟5”١٠]‏ هذه كلمة صريحة تمثل حالة البؤس فى الحجاز وهو 
قطر غير ذي زرع وقد وجب الله علينا الإحسان إلى أهل الحجاز ولا 


سيما في حالتهم المؤلمة التي يتحدث بها كل من زار الحجاز؛ ففي 
حجنا نؤدي فرضين فرض الحج بنفسه وفرض إغاثة الملهوفء قال الله 





-9 


تعالى على لسان أبينا إبراهيم عليه السلام : 


ا إِيّْ سكنت من ذْرَيَق بوَادِعيرٍ ذى درع عند بيك المحرع ر 37 بالقيمراً 
لصَّلَوةً دَأجَمَلْ أَلْهِدَهٌ صرح الاين تموعة لتب وَأردفَهُم مِنّ التَمَرتِ لَعَلَهُمَ 
انا 


]٠١[‏ فلنقتد بكرام أوربا"'' 


فلماذا لا نلبي هذا الدعاء ونأخذ بأيدي الملهوفين ونطعم جياعهم 
ونمسح دموع البائسين منهم. ولتكن لنا قدوة بكرام الأوربيين في 
أعمالهم الخيرية وحسناتهم الخالدة» ويخجلني أن أقول إن حسنات 
الأوربيين غمرت جمعياتنا الخيرية الإسلامية عامة» ولنسأل جمعية 
المواساة من الذي تبرع لها بأكبر قسط من التبرعات ومنها جهاز أشعة 
إكس» وإنني أعتقد أن كرام الأروبيين لو طلب منهم التبرع لأهل 
الحجاز لما تأخروا عن ذلك» فحرام على أغنيائنا أن لايسعفوا إخوانهم 
في الدين واللغة والدم وهم في ضنكهم هذاء فلنحج وليتبرع القادرون 
منا والله يضاعف لهم ويبارك لهم في مالهم وذريتهم. وأختم كلمتي 
بقول الله تعالى : 


« وَأَوّن فى اناس أي يفوك ربالا وخ حك صامر يذ ين كَل 


)1١(‏ سورة إبراهيم: آية /ا. 

(؟) في الحقيقة أنه لا يوجد تبرع مطلق من قبل أولئك إلا نادراء ولقد ثبت تاريخياً 
أن لهم مقاصد في تبرعاتهم وعطاياهم كشفت عنها الأيام والليالي» ولا ننتظر 
من عدونا أن يساعدنا إلا لتنصيرنا أو لخداعنا أو لغير ذلك من الأغراض 





نفك 

َع عبقي 7 يسَهَدُو م لهم ويروا نشم أ ياو مَصلُومدتٍ عل 

اددهم يسو نعي ملوأ هاوأ موا الس المَقِيرَ 04" . 
]٠١*:[‏ وبعد كتابة ما تقدم صليت الجمعة أمس في مسجد 

الرفاعي””'» فسمعت الخطيب يحث على أداء فريضة الحج بمنطق بليغ 

وصوت مؤثر وفصاحة وطلاقة أبكت الحاضرين» وجعلت كل واحد 

يتمنى لو استطاع أداء هذه الفريضة . 


حجوا تصحوا 


]٠١5[‏ من المعلوم أن الناس في هذا العصر ملوا سلوك طريق 
واحد في نظام حياتهم ومعاشهم. وذهابهم إلى أعمالهم وعودتهم 
منهاء فلجأوا إلى التفنن في تغيير ما ألفوه» فصاروا يذهبون إلى 
المصايف في الصيف». وإلى المشاتي في الشتاءء وصاروا يتنزهون 
نزهات بحرية تارة وبرية تارة أخرى» فتألفت فرق الكشافة وفرق 
الروادء وتطرف بعضهم فلجأ إلى العري للأستفادة من الشمس. 
والتعرض للهواء الطلق صيفاً وشتاء. إلى غير ذلك مما هو مشهود 
ومعلوم» ومن المسلم به أن مواصلة العمل طول السنة صيفاً وشتاءاً بلا 
انقطاع عمل يجعل الجسم يكل ويسأم» من أجل ذلك ينصح الأطباء 
أرباب الأعمال بالسفر وتغيير الهواء ولو في كل عامين مرة» فماذا يمنعنا 
من أن نجعل نزهتنا في السفر إلى الحج ففي الحج نزهة بحرية جميلة . 


.78 71 سورة الحج: أية‎ )1١( 
أي في القاهرة.‎ 00 





ثم إنه بعد سفرته البحرية يقابل الصحاري العربية ذات التاريخ 
المجيد. ويتمتع بشمسها الساطعة وهوائها الجاف الخالي من 
الميكروبات والعفونات أيضاً. 


هذا ومن شعائر الحج أن ينزع الحاج ثيابه ويلتف بالبشاكير 
البيض» ومن شعائره أيضاً التعرض للشمس والهواء الطلق» والسعي 
بين اعادو المرو هه بو الطزاف حول الكية» كني أ عمال برا ننه نيه 
تغيير للعوائد المألوفة» فالحج فريضة دينية» ونزهة صحية» وعمل 
روحيء وفيه تجديد للقوى وكسب للمناعة بالتعرض للشمس 
وأشعتها. 


]٠١6[‏ وأنتم أيها المترفون 


ولا يخامر الذين تعودوا العيشة المترفة خوف من السفر إلى 
الحجاز» إذ علم الله أن وسائل الترف متوفرة جداً في الحجازء ففيه 
الماء المعدني» وفيه أشهى أنواع الأطعمة» ونظام الطبخ فيه أرقى ما 
وصل إليه هذا الفن في العالم» فقد اكتسب الحجازيون أرقى أنظمة 
الطبخ من طباخي المرحوم الملك حسين» وقد جلبهم من تركياء فقد 
شهدث مآدب في الحجاز صنع فيه السمك أنواعاً شتى» وتفنن 
الطباخون في صنع اللحم ونحو ذلك مما أدهش الحاضرين جميعا. 
وأما الفواكه الطازجة والمحفوظة بالعلب فهي كثيرة وهي من أجود 
الأنواع وأثمانها رخيصة جدا؛ لأن الرسوم الجمركية زهيدة على جميع 
السلع والبضائع في الحجاز. 


المختار من الرحلات الحجازية 





]٠١0/[‏ فتشبهوا بأرقى الأوروبيين 


ونحن نلحظ على كثير من سادتنا الكبراء الظهور بمظهر اللادينيين 
ظناً منهم أن عظماء الأوربيين المثقفين نهجوا هذا المنهج. 
نشاهد المثقفين الأوربيين ورجال السلك القنصلي والسياسي منهم لا 
يمتنعون عن زيارة الكنائس والسفر إلى القدس لزيارة مقام السيد 
المسيح عليه السلام» فهل لكبرائنا أن يقتدوا بعظماء الأوروبيين في هذا 
الأمر الديني . 

]٠١74[‏ وفي الحج أيضاً زيارة لموطن الإسلام الأول ومولد نبي 
الإسلام ومثواه» وفي الحجاز قبل كل شيء بيت الله العتيق الذي نسبه 
لله لتقينه» بوالزينا سه .وتوفد الذي له مجحون بوه لز و شر عل 
أَلدّين حِخُ لدت من أسَتَطَا له ميلا ومن كفَرٌ نهم هَ عَوهٌ عن الْمَتلَمِيَ 4( . 

الحق أن التوعد ظاهر ظهوراً ساطعاً من نص الآية ومن نسبة 
البيت إليه تعالى» وإذا كان الإنسان تشوقه زيارة مساقط رؤوس العظماء 
ومواطن القواد والنبغاء أفلا يهزه الحنين إلى بيت ربه الذي خلقه 
وفرض عليه زيارته» وهذا فضلاً عما لذلك البيت من مشوقات أخرى . 

]٠١9[‏ الشباب والحج 


وها أنا ذا أشاهد طوائف من شبان مصر يسافرون إلى الحج وقد 
تركوا الأهل والوالدين قيهن سبيل حج بيت أللّه الحرام. وهذه ظاهرة 


(15).'شوورة آل عهرنان :- آية /17., 





طيبة جدا؛ فقد كان المألوف أن لايحج إلا الكبار الذين صاروا على 
حافة القبر» وأما الآن فإنني أشاهد بعضاً من الشبان تعودوا الحج في 
كل عام وهم يتحدثون عن الحج بغبطة ولذة كأنما هم يذهبون إلى نزهة 
[8١١٠]السيدات‏ والحج 
وها هي زمر السيدات قد اتخذت أماكنها في (كوثر)”'' وهي في 
غبطة وسرور عظيمين يزغردن ويهزجن ويغنين» وماذا يريد القاريء 
أكثر من سفرهن إلى الحج. وكان المعروف أن السفر قطعة من 
العذاب. 
الرحلة جميلة وصحية 
ولقد كانت رحلتنا جميلة وصحية ؛ فكان البحر هادئاً ولم نشعر 
بحركة للباخرة إلا بقرب رابغ ولكنها حركة خفيفة لا تزيد على أن 
تذكرك بأنك فى البحر . 


]٠١41[‏ الوعظ واختلاف المذاهب 
وفي الباخرة العالم المشهور الشيخ محمد حامد الفقي”'' يتولى 


)١(‏ هي الباخرة التي أقلتهم من السويس إلى جدة. 

(؟) هو عالم مشهور من جماعة «أنصار السنة المحمدية»» كان فيه شدة وحذة رحمه 
لله تعالى» وقد تفرغ لطبع كثير من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم 
رحمهما الله تعالى. 


المختار من الرحللات الحجازية 





6 0- 


الوعظ والإرشادء وكثيراً ما يتخذ صالة الدرجة الأولى لمواعظه 
وإرشاداته فيجلس إليه جمهور كبير من الحجاج.» وجمهور كبير من 
ركاب الدرجة الأولى وغيرها فيلقى عليهم ما يراه مناسبء وينهال 
بعضهم عليه بالأسئلة الملتوية والمتعرجة والمتفرعة على الموضوع 
الأصلي وما جر إليه البحث. والحق يقال إنه برهن على سعة علم 
وجرأة في الإفتاء وعدم تقيد بمذهب من المذاهب المعروفة» وإنما 
يجعل رائده القرآن الكريم وعمل الرسول وقوله عليه السلام . 


ويجلس الحجاج حلقات في صالة الدرجة الثانية وعلى سطح 
الباخرة فيسأل بعضهم بعضاً وفيهم طائفة من علماء الأزهر فتسمع هذا 
يقول قولاً يناقض ذلك. فمثلاً يرشد بعض العلماء الحجاج إلى وجوب 
الإحرام بالحج ثم يأتون بالعمرة» ويرشدهم بعضهم إلى الإحرام 
بالعمرة والتحلل ثم الإحرام بالحج. ويرى آخر وجوب قرن الإحرام 
بالعمرة والحج معاء وهذه خلافات ظاهرة ولها مفعولها وتأثيرها البين 
وهى لا تخلو من استنادات يستند إليها كل واحد ولها وجهة قد تكون 
قوية في نظره وضعيفة عند غيره» فحبذا لو اجتمع مجلس ديني من 
الرجال المعول على آرائهم ووضعوا كتاباً في مناسك الحج لا أثر فيه 
للخلاف الذي جعل الأمر مشتتاً.ء وليكن رائدهم عمل الرسول عليه 
الصلاة والنثلام: وهو من غير شك موضع استحسان الجميع ) وفيه 
قضاء على هذه الخلافات التي تتنافى مع روح الحج الذي من أهم 
مقاصده بث الأآلقة والاتفاق بين المسلمين . 





لبيك اللهم لبيك 
ها قد وصلنا إلى رابغ في نحو الساعة السادسة من مساء الأحدء 
وخلعنا المخيط والتففنا ببشاكير الإحرام»ء وصار الحجاج يجأرون 
بالتلبية هكذا: «لبيك اللهم لبيك» لبيك لا شريك لك لبيك» إن الحمد 
والنعمة لك والملك لا شريك لك» فإذا التقى حاج بأخيه لبى كل منهما 
هذه التلبية جماعات وأفراداً» فصارت الباخرة تعج بالتلبية من الرجال 
والسيدات ولكن أصوات السيدات كانت أضعف حسب السنة» فاللهم 
اجعله حجاً مباركاً. 
]٠١41[‏ في ميناء جدة 
وأول ما يشاهده الحاج في ميناء جدة هو بعد مرسى البواخر عن 
المدينة وذلك ناشىء عن كثرة الشعاب فى مياه حدة إلى مسافة بعيدة. 
من أجل ذلك يحتاج قاصد جدة إلى ركوب لنش أو مركب مسافة 
طويلة قد تكون مملة ولا سيما لراكب المركب . 
وقد أعدت شركة مصر للملاحة صنادل كبيرة للحجاج تنقلهم فيها 
هم وأمتعتهم ويشد الصندل رفاص»ء كبير وقد وأنت الحجاج 
مستريحين في انتقالهم هذا وحفظت الشركة لبحارة ساحل جدة حقهم 
في الأجور وإن لم يعملوا عملاً ماء ولذلك يتبرع البحارة بنقل الحجاج 
في مراكبهم مقابل مكافأة يسيرة نظير نقل أمتعتهم إلى الباخرة أو منها. 
مدخل جدة وجمركها 


]١٠١:5:“[‏ وجمرك حدهة قديم خندا وله سقيفة يخشى من سقوطها 


المختار من الرحلات الحجازية 





لقدمهاء وقد طَلَنْه الحكومة بقليل من الجير لإخفاء معالم القدم» ومما 

يصح التنويه به هنا أنني رأيت شاباً حجازياً وقف في الجمرك أمام 

البحر يتتظر ضيوفاً وقد وقفت معهء فاستغربت إذ رأيته يعدو مذعورا 

فسألته عن السبب فى ذلك؟ فقال: إننى أخشى أن تسقط السقيفة لأنها 

على وشك السقوط! 

ضحايا كما سببت الباخرة الفرنسية التى تقدم الكلام عنهاء» وقد علمت 
نظر ومذها 


]٠١54[‏ ومنظر جدة من جهة الشاطيء البواخر منظر كتيب 
تنقبض له النفس وتتقززء ولكن الذي يتنزه في شاطيء الكندرة أو الذي 
يعود من المدينة المنورة بالسيارة يشاهد جدة في منظر جميل جدا؛ إِذ 
يشاهد الحي الأوربي وبيوت السفراء والقنصل» وهو منظر يسر النفس 
ويبهج الخاطر. 


وأنا أنصح الحجاج الذين لا تساعدهم ظروفهم على زيارة المدينة 
المنورة أن يتنزهوا على ساحل الكندرة ليشاهدوا منظر جدة منهء 
وليمتعوا أنفسهم بالنزهة على ذلك الساحل الجميل وليستنشقوا الهواء 
العليل» وهناك متنزه أهل جدة ولا سيما الأوربيين فترى السيارات 
الفخمة والموتوسيكلات والعربات الصغيرة تحمل الأطفال في ذلك 
الساحل كأنك على شاطيء البحر في الإسكندرية مع الفارق الكبير طبعاً. 


رحلتي إلى الحجاز 





ددا د 
[ه4١٠]‏ مكتبة السيد نصيف 

ونزلت في جدة في دار حضرة العالم الوجيه السيد محمد نصيف 
أفندي» وداره مشهورة بكرم الضيافة» وهي أكبر وأفخم دور جدة. 
ولها سلم كبير يمكن الفارس أن يصعد عليه إلى الدور العلوي وهو 
راكب صهوة جواده» وكان جلالة الملك ابن سعود اعتاد أن ينزل في 
هذه الدار عند ما يجيء إلى جدة في أول عهد احتلاله جدة» وفي تلك 
الدار مكتبة عني محمد نصيف أفندي بجمعها من أنفس المطبوعات» 
ينفق في سبيل ذلك أموالاً كثيرة وقد جمعت مكتبته خير مطبوعات 
مصر والاستانة وأوربا والمغرب والهند» وعند السيد نصيف مجموعة 
صور للاثار العربية الإسلامية في الأندلس أهداها إليه المثري الأمريكي 

المستر كرين المشهور بحب العرب والمسلمين. 
وفي مكتبة السيد نصيف ألوف المصنفات النفيسة» ومن الغريب 
أنني مع عظيم ما يتيسر لي من الاطلاع على الكتب بحكم صلتي الوثيقة 
بالطابعين والناشرين فى مصر وسورية وغيرهما رأيت عند السيد نصيف 
كثيراً من الكتب المطبوعة حتى في مصر وفي مطابع بعض أصدقائي 
ومنها المطبعة السلفية ما لم يسبق لي رؤيته من قبل» وكلها نفيس ولا 

سيما الكتب المطبوعة في الهند وأوربا والاستانة . 


]٠١41[‏ في المدرسة الابتدائية 


زرت المدرسة الابتدائية الأميرية فى جدة». وتفضل الأستاذ السيد 


عمر نصيف ناظرها بالطواف بي على فصولهاء وهي تقع في بناء فخم 


المختار من الرحلات الحجازية 





اقلق 
بني خصيصاً للمدرسة» وعدد أساتذتها ١‏ يشتغل بالقسم التمهيدي 
سبعة منهم وعدد تلاميذ التمهيدي 187» وفي السنة الأولى 274 وفي 
الثانية 5٠١‏ وفي الثالثة 4» وفي الرابعة 5 تلاميذء» وهم أذكياء 
ومقرراتهم مثل مقررات مدارس مصر الابتدائية مع فروق في التاريخ 
والجغرافيا يناسب حالة المملكة العربية السعودية. 


ومما هو جدير بالذكر أن ناظر المدرسة من المتخرجين في مصرء 
وكانت الحكومة السعودية أرسلته في بعثة لإتمام الدراسة في مصر وهو 


أفندي . 


]1٠١‏ الطريق إلى مكة 
فازرت يهدة بيد عاد عدر ينا أ بعلننا باكر من 
غير ثياب» وقد ركبت سيارة لوري كبيرة شحنت بأمتعة الحجاج» 
وشحن فيها سائقها أمتعة له كثيرة أيضاً فصار من المتعذر على الراكب 
أن يجد مكاناً في الأرض يضع رجليه فيه» وربطت الحقائب والأمتعة 
في اللوري بجوار رؤوسنا فصار الهواء قليل الدخول إلينا وصارت 
رؤوسنا مهددة. 


سار اللوري بسرعة طيبة من حسن الحظء وكان بجواري كهلان 
أحدهما إلى يميني والآخر إلى يساري» وكان هذا يحمل قصرية لأنه 
مصاب بسلس بول فكان الجلوس بجواره متعباً: وأما الآخر فقد كان 
كثير التأوه لأن جسمه لم يكن يتحمل سرعة سير السيارة وارتجاجها 





ولطالما التمس أن يخفف السائق السرعة فلم يذعن لهء وأخيراً طلبنا 
جميعاً وبقوة من السائق أن يجلسه بجواره ففعل . 

اد ا 
رؤوسنا من التهشيم باصطدامها بسقف اللوري وفيه أعمدة» وبالفعل 
أصيب ان ا شديدة ولكن الله سلم. والحمد 
لله . 

ولا أنسى فضل بعض الشبان الحجاج فقد عطفوا علي زكاردا 
يتحملون مشقة كثير من العناء عني ؛ وأخل واحد منهم حقيبتي لأنها 
كانت تضايقني في أثناء السير» فما أجمل تضامنَ الحجاج ا 
النفس وأبقاه على مر الأيام . 

ومن حسن الحظ أن سيارتنا كانت جيدة 1 فقطعت المسافة في أوجز 
مدة» ودخلنا مكة المكرمة والحمد لله سالمين غانمين . 

من جدة إلى مكة 

قبل أن أصفب صف أول ليلة وصلت فيها إلى مككة المكرمة وما كابدته 
فيها من عناء لا بد لي من العودة إلى كيفية دخخول الحجاز. 

2.43 فأول ما يصادف الحاج وهو داخخل إلى الجمرك جماعة 
من وكلاء المطوفين - ولا بد للحاج من تعيين مطوفه ‏ وعند ذلك 
يحضر وكيل المطوف فيأخذ جواز سفره؛ وهو الموكول إليه أمر إعداد 
مكان له في السيارة إلى مكة المكرمة؛ ومعظم الوكلاء صغار وأميون 
وجهلة . 


المختار من الرحلات الحجازية 





وإذا لم يعين الحاج اسم مطوفه لا يسمح له بالمرور من الجمرك. 
فمن المتعين على الحاج أن يعين له مطوفاً قبل سفره. وأما أنا فإنني لم 
أكن أعلم اسم أحد من المطوفين» ولما رأيت الإلحاح علي شديداً وأن 
لا سبيل لخروجي من الباب ذكرت مطوفاً وهو صديقي وزميلي في 
عهد الدراسة الشيخ محمد بن سياد أمين مكتبة الحرم في مكة 
المكرمة . 


ولقد جرت العادة أن يبرق وكيل المطوف إلى المطوف بعدد 
الحجاج القادمين إليه ليستقبلهم خارج مكة المكرمة أو يرسل من 
يستقبلهم نيابة عنه . 

ولست أدري السبب الذي جعل البرقية تتأخر في وصولها إلى ما 
بعد منتصف الليل وبذلك لم يستطع صديقي استقبالي» وكان من سوء 
حظي أن السائق لا يعلم منزله. وبذلك صرت أجول الشوارع في مكة 
المكرمة سائلاً عن منزله بلا جدوى إلى ما بعد منتصف الليل» فكانت 
ليلتي ليلة ليلاء تجمع عليّ فيها التعب: تعب سفر البحر أولاً» وقلة 
النوم ثانياً في الليلة السابقة» وتعب الطريق بين جدة ومكة. 


وأخيراً قلت للسائق ‏ بعدما علمت أن أوتيل مصر لشركة الملاحة 
وأوتيل مكة المكرمة للحكومة السعودية مملوأين ‏ سل عن منزل الشيخ 
أبى السم-""؟ إمام الحرم المكى وخطيبه ومدرسه» وبعد يبحثث قليل 


)١(‏ هو عبدالظاهر بن محمد أبو السمحء نور الدين التليني» خطيب الحرم المكي 
وإمامه. ولد فى حدود سنة "٠‏ وأصله من بلدة التلين في الشرقية بمصر) >- 





وجدنا منزله والحمد لله . 


فحططت رحالي فيه ومع شديد تعبي فضلت أن أطوف وأسعى 
وأتحلل من العمرة» وقد فعلت ذلك حالاً مع شدة الإعياء والتعب. 


]٠١ 49[‏ في دار ابن سياد 


وفي الفجر حضر الشيخ محمد بن سياد إلى منزل فضيلة إمام 
الحرم» ولما لقيني تعانقنا عناق الحب والأخوة» وأمر الحمالين بحمل 
أمتعتي إلى دارهء وسرعان ما أحضر نجله النجيب عبدالله وهو صغير 
وذكي» ثقفه ثقافة خاصة فصار موضع إعجاب عارفيه من رجال العلم 
والأدب وموظفي الدولة وقال له: يا عبدالله هذا عمك فهو أخي 
الوحيدء ووالله لو زارني والدي أو أحد أخوتي الذين انقطعت عني 
أخبارهم لما زاد سروري عما هو الآن» فنفرت الدموع من عيني سروراً 
وحنواً وأحلني محل العناية والإكرام من أول يوم إلى آخر ساعة ظللت 
فيها في مكة المكرمة . 


والشيخ محمد بن سياد هو رجل علم وفلسفة وتصوف» وهو 
داغستانيّ الأصل» أقام في مصر وسورية كثيراً ودرس في الأزهر ونال 
الشهادة الأهلية» ودرس فى دار الدعوة والإرشاد» واعتقلته السلطة 


- تفقه في الأزهره وكان من فقهائه ووعاظهء وقام بإمامة مسجد أبي هاشم 
بالإسكندرية» استقدمه الملك عبدالعزيز إلى مكة وولاه الخطابة والإمامة بالحرم 
المكي» وولاه دار الحديث فيهاء وكان ذلك سنة 2.١758‏ توفى بالقاهرة سنة 
, له عدة رسائل مطبوعة؛ وله نظم. انظر «الأعلام»: 11/4. 


المختار من الرحللات الحجازية 





اليه 
العسكرية في أثناء الثورة المصرية الكبرى عندما كان قادماً من الفيوم 
حيث كان يدرس لبعض أعيانهم دروساً عربية وتركية» واختار الحجاز 
بعد ذلك مقاماً له» وتزوج فيه ورزق ابنه عبدالله وابنتين حرسهم الله 
وأعانة على تربيتهم . 
]٠١٠١[‏ المطوفون 

وبهذه المناسبة أقول أن النظام الذي يسير عليه المطوفون هو نظام 
يحسن أن تنظر الحكومة في إصلاحه؛» فالمطوفون كثير منهم في جهل 
فاضح وكثير منهم يوكلون بالحجاج صبيانهم وهم صغار السن وضعاف 
الأحلام» وهذا عمل غير لائق ولا سيما بعدما صار يحج جمهور من 
المثقفين ثقافة عصرية ومن الأعيان شيباً وشباباً وشابات . 


وإذا أضفنا إلى ذلك أن بعض المطوفين ينظرون إلى الحجاج نظر 
بعض التراجمة في مصر إلى السائحين لا يقصرون في جمع ربح منهم 
في أكلهم وشربهم ومشترياتهم وغير ذلك . 

ولولا شدة الحكومة على المطوفين لظهر طغيانهم أكثر من ذلك». 
فقد علمت أنهم قبل العهد السعودي كانوا يهينون الحجاج ويتجرأ 
بعضهم على حبسهم في أمكنة خاصة في بيوتهم» ولكن يقظة الحكومة 
انها الان جعلت الأمر أقل ضرراً» ونحن نرجوا منها أن تفكر في 
إصلاح أكثر من ذلك وأن توكل من رجالها من يطوف على الحجاج 
يستفسر منهم عن حالتهم وراحتهم وما يشكون منه. 





]٠١١1[‏ في مكة المكرمة 

ولقد أقمت فى مكة المكرمة زيادة على أسبوع قبل الذهاب إلى 
عرفة وبعد عرفة فرأيت أن أبدي بعض الملحوظات التى أراها مفيدة . 

أول ما يلاحظه الحاج كثرة البعوض في مكة المكرمة ولا سيما في 
الليل» فإن الإنسان لا يستطيع الجلوس من غير كِلََّ ‏ ناموسية ‏ تقيه شر 
البعرض» ويظهر أن ذلك لا ينطبق على أحياتها كلها . 

وإذا تجول الإنسان حول الحرم راعه كثرة الخرا وعدم إصلاح 
الطريق حتى أمام دار الحكومة وأمام جريدة أم القرى . 

]٠٠١1[‏ طريق المسعى ووجوب إصلاحه 

ولقد حتم الدين الإسلامي الحنيف على الحاج أنه اس تيرد 
الصفا والمروة وهما جبلان بجوار الحرم» ويدهش المرء إذ يعلم أن 
طريق المسعى صار أشبه بسوق يعج بالباعة والسيارات التي تضايق 
الساعين مضايقة شديدة لا تجعلهم يتمثلون أنفسهم أنهم في أداء عبادة 
وتنسك؛ فإن الحاج يسمع جلبة الباعة وأصوات محركات السيارات 
وأبواقها فينفر خشية على نفسه و يضطر لقطع ساسلة الدعاء الذي 
يدعوه عدة مرات فى أثناء السعى . 

]٠١6'[‏ ولا تنقطع الجلبة ليلاً ولا نهاراً وقد تخف في الليل 
قليلك» ولقد فاتحت حضرة العالم النجدي المشهور الشيخ ابن بليهد”'' 


المختار من الرحلات الحجازية 





602 - 


في ضرورة جعل السعي خاصاً فالعبادة ونقل الحوانيت من على جانبيه 
ومنع السيارات من اجتيازه فألفيت منه الموافقة التامة على ذلك» ولكنه 
قال إن نقل الحوانيت يتعذر؛ لأن الحجازيين زوروا حججاً قديمة 
تجعل تلك الأمكنة مملوكة وموقوفة وهذا عمل يحتاج للدقة في 
محاربته وإصلاحه» ومع ذلك أطمع أن تعنى الحكومة السعودية في 
انتهاج منهج الإصلاح في هذا الأمر الضروري لأنه مظهر من مظاهر 
العبادة ولا يجوز أن يقلق الحجاج وهم يؤدون فرضاً حتم عليهم دينهم 


أداءه 5 
يود منع السيارة من الحجاز 


ومما قاله لي الشيخ ابن بليهد في حديثه : لو كانت لي سلطة 
لمنعت السيارة من الحجاز منعاً تاماً لأن فريضة الحج لم توضع لتؤدى 
بالسيارة . 


وتوسع في كلامه في هذا الباب كثيراً) وليت شعري هل نظر 
حضرته إلى ما سسبئه السساز 5 من نقل مال الحجاج إلى أوروبا 
لاستحضار السيارات فحرمت أهل الحجاز كثيراً من أبواب الرزق 


اشتهر بموالاته لحركة الإصلاح والتجديد في نجد أيام تعصب بعض «الإخوان» 
هناك في مقاومة ما يجهلونه من وسائل العصر الحديث» ولد بالقرعاء - من قرى 
القصيم ‏ سنة .١١85‏ ودرس في القصيم وفي الهند - حيث ذهب للعلاج - 
وعاد فدرّس في بلدان القصيم إلى أن ين قاضياً بحاتل سنة 2١75١‏ فرئيساً 
للقضاة بمكة سنة ١157‏ 21150 وأعفي وأعيد إلى حائل» وتوفي بمكة سنة 
4 . انظر «الأعلام»: 41/5. 





0 - 
وأقلقت راحتهم كثيراً؟ أم هو يكره المستحدثات العصرية؟ الواقع أن 
الشيخ لا يكره المستحدثات المفيدة وهو يتمتع بأفخر أنواع السيارات 
كما يتمتع سائر علماء نجد ولا سيما بعد ما دخلت الحجاز في حوزتهم» 
فزادت عليهم أخلاف الرزق وضاعف جلالة الملك لهم الرواتب 
والعطاء والهبات مما رفه حياتهم وزادهم تمتعاً بالحياة ولذاتها. 

والشيخ ابن بليهد عالم واسع الاطلاع في الشؤون الدينية 
والتاريخية وإذا سئل أجاب والابتسامة تملا فمه ليشعر محدثه أنه يحس 
بالغبطة في أجوبته . 

ومن رأيه أن الإنسان يجب أن لا يكثر من القراءة وإنما يتعلم من 
الكون والحياة وما يشاهده من آثار خلق الله . 

إلى عرفات 

صعدت إلى جبل عرفات في ضحوة اليوم التاسع من شهر ذي 
الحجة فى سيارة الدكتور محمود بك حمدى حمودة مدير الصحة في 
الحجاز وبرفقة بعض زملائي الصحافيين» وظللت في مخيم الصحة 
يوم عرفات» وقد تفضل سعادة فؤاد حمزة بك وكيل خارجية الحجاز 
بدعوتنا إلى الغداء فلم يوافق الصحة وقال أنتم ضيوفنا . 

وجملة القول إنني رأيت في مصلحة الصحة يقظة تامة في يوم 
عرفات وأيام الحج وفي الطريق من مكة المكرمة إلى عرفات وفي منى . 

]1٠١١5[‏ وأود أن أوجه نظر الحكومة إلى وجوب تخطيط عرفات 
بأن يجعل لكل طائفة قسم خاص من ذلك الجبل حتى يسهل على 


المختار من الرحلات الحجازية 





01 


الإنسان الرجوع إلى مخيمه أو زيارة من يشاء من أصدقائه وإخوانه. 
وهذا الوصلاح لا يحتاج لتفصيل كثير وقد سبق للحكومة أن درسته»ء 
فحبذا لو نفذ بأسلوب مفيدء وهو لا يكلف مالا ولا وقتاً وإنما يسهل 
عمله في العام القادم. والله الموفق. 
في داخل الكعبة المشرفة 

دخلت الكعبة المشرفة في صباح يوم الثلاثاء ١5‏ ذي الحجةء ١9‏ 
مارس سنة ١1970‏ مع فريق من الكشافة العراقية وكنت دخلتها من قبل 
ذلك في عام ١97١‏ وصليت إلى أركانها الأربعة في كل جهة ركعتين 
ودعوت ما وفقني الله إليه من الدعاء . 

ويجلس في باب الكعبة كبير آل الشيبي يأخذ نقوداً من الزوارء 
وتهدى إليه العطور من الهند وسائر بلاد المسلمين لتعطير الكعبة . 

]٠١55[‏ وعندما يدخل الإنسان الكعبة يحس بروحانية عظيمة 
تسري في نفسهء ويتضوع المسك وتفوح الروائح العطرية»ء ويرى 
الإنسان. جميع. الذين. مستوة إلى الدضول بوالدين. التحقوه. نوكين 
بالصلاة والدعاء»ء ويحضر بعض الحجازيين لإرشادك إلى المواطن 
التي هي أفضل للصلاة والدعاء - على زعمهم - وترى نفسك مضطراً 
لموافقتهم لأن الله عز وجل قال: 


ا ل ا ال يضم 


#ألْحَج أَشْهَرْ مَعْنُومَاتُ فَمَن وض فهر لج فلا رفت وَلَا ٌسُوفك ولا 
حِدَالَ فى آلْحِع 204 , 


60 سورة البقرة: آية /ا8١1‏ . 





]٠٠51[‏ في حضرة الملك السعودي 


ذهبت إلى منزل الشيخ يوسف يس رئيس الشؤون السياسية في 
ديوان جلالة الملك. ولما وصلت إلى أمام المنزل وجدت سيارة 
يمتطيها الشيخ يوسف ويهم بالذهاب بها إلى قصر الملك بالأبطح. 
فعرض علي أن أذهب معه لمقابلة جلالته» فركبت وسرعان ما وقفت 
السيارة أمام القصرء فدخلناه فألفينا في ساحته بعض الشجر 
والشجيرات الخضراء مغروسة في الساحة وصعدنا الدرج» وقد فرشت 
السلم ببساط أحمر ثبت بقضبان نحاسية كما هو معهود في الدور 
الكبيرة في مصر . 


وصلنا إلى الطبقة العلياء وكان القاري يتلو على جلالته شيئاً من 
تفسير ابن كثير كما جرت عادته بصوت جهُوَري» فكتب الشيخ يوسف 
اسمي واسم الشيخ ابن سياد مضيفي على ورقة صغيرة وأعطاها لأحد 
الخدم فعرضها على جلالته» وصدر الأمر بدخولنا فخلعنا النعال 
ودخلنا حفاةء فاستقبلنا واقفآً مرحباء فقبلنا يده وسلمنا عليهء فتفضل 
بسؤال عن عمي السيد محمد رشيد رضا وقال إنه كان ينتظر أن يحج 
في هذا العام . 


جكينا على .مقونة مع املك فى سائحة القضر العلا ونقن لبسيت 


مسقفة» وكان يلبس عباءة دقيقة لونها عسلي وعلى رأسه كوفية حمراء 
مقلمة بالأحمر تقليماً معرجاً وعقاله مقصب» وجلس إلى يساره العالم 


النجدي المشهور ابن بليهد وهو يلبس كوفية مثل كوفية الملك تماماً 





ولكنه لا يضع فوقها عقالاً لأن العلماء لا يضعون العقالات على 
رؤوسهم. وجلس إلى يساره بعض الحجاج الهنود . 

وكان أمام جلالته مائدة صغيرة وضع عليها مروحة كهربائية ونور 
كهربائي». وكان القارىء قد انتهى من تلاوته قبيل دخولنا فشرع الملك 
يحدثنا بآداب الإسلام وفضائل الدين» مقتبساً من القرآن الكريم 
وأحاديث الرسول عليه السلام» وجلالته يفيض في ذلك كثيراً ويتحدث 
بنعم الله عليه وفضلهء. ومما لاحظناه أن الملك يكثر من الصلاة 
والسلام على النبي كَكِِدِ ولا يذكره مرة إلا شافعاً ذلك بالصلاة والسلام 
عليه: وقد توسع في أحاديثه كثيراً مشيداً بفضل النصيحة والإخلاص لله 
وحده والعمل على ما فيه خير المسلمين من تحسين أحوالهم وإصلاح 
شؤونهم. 

ولما فرغ من ذلك نهض الشيخ ابن بليهد فتابعناه جميعاً. 

وعلى أثر ذلك خرجت من حضرته معجباً بالروح المتجلي على 
جلالته. وما تحلى به من محافظة على الإسلام وعمل متواصل لخدمة 
المسلمين» وغير ذلك مما هو مشهود ومشهور. 

]٠١01[‏ موقف الملك في عرفات 

كان أشعث أغبرء والحق يقال إن هذه صفة كل حاج؛ فإن الغبار 
يظل يتطاير في الطريق من مكة المكرمة إلى جبل عرفات ثم إلى منى. 
والنظافة . 





- 


هذا بالإجمال وهو ينطبق على الحجاج جميعاء وأما جلالة 
الملك فقد رأيته في عرفات ينزل في المكان الذي وقف فيه النبي 155 
على ناقته وألقى خطبة حجة الوداع المشهورة» ويمتطي الملك ناقته 
ويظل واقفاً في الشمس في ذلك المكان في بطن جبل الرحمة. وهو لا 
يستظل بشيء مطلقاً بل يأوي إلى خيمته قليلاً بين حين وآخرء وأما 
سائر الحجاج فيظلون في خيامهم يتحدثون ويلبون» وإذا خرج الواحد 
منا استظل بمظلته من حرارة الجو ولم يجرؤ على .التعرض لتلك 
الشمس الحامية وهو حاسر الرأس لا تقيه إلا البشاكير التي التف بها . 


]٠١١8[‏ الدعاية الفلسطينية 


معلوم أن من مقاصد الحج اجتماع المسلمين وتفاهمهم على ما 
فيه الخير لهم في دينهم ودنياهم والتفكير في ما يعود عليهم بالقوة 
والصلاح . 

والفلسطينيون في هذه الأيام يعملون بجد ونشاط لدفع الخطر 
الصهيوني عن بلادهم لا يشغلهم شاغل عن ذلك. وقد قابلت بعضص 
الإخوان منهم فعلمت أن من أكبر المقاصد التي حفزتهم إلى حضور 
موسم هذا الحج العمل على تفهيم المسلمين حالة فلسطين . 

وقابلت فضيلة الشيخ محمد صبري عابدين ارس بالمسجد 
الأقصى والحرم الإبراهيمي» ورأيته يوزع نشرات وبيانات على الحجاج 
فيها شرح لحالة فلسطين وما يجب عمله لخير المسلمين والعرب فيها 
ودرأ الخطر الصهيوني عنهاء ولقد أعطاني ثلاث نشرات وهي : 


المختار من الرحلات الحجازية 





اسه 

. «بيان إلى إخواننا المسلمين كافة عن الحالة في فلسطين»‎ ١ 

وقد جاء في آخره قوله: والذي يجب أن يفهمه المسلمون عامة 
هو أن كل يهودي في قطر من أقطار العالم يشترك بماله ويما استطاع 
من قوة يبذلها في سبيل تهويد فلسطين وإنشاء الدولة اليهودية فيها. 

؟- (بيان إلى جمعية حراسة المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية 
المقدسة في القدس» . 

وفيه رد على نشرة وزعتها الوكالة اليهودية وختم البيان بقوله : 

من جميع ما تقدم يتضح للرأي العام الإسلامي أن ما جاء في نشرة 
الوكالة اليهودية المذكورة إنما يراد به التضليل فقطع وأن المسلمين لم 
يغتروا حين صرحوا بأن لليهود مطامع في الأماكن الدينية الإسلامية. 
ولم يكونوا مغالين فى مخاوفهم من تلك المطامع . 

وأما ما جاء في تلك النشرة من البذاءة والامتهان فإن المسلمين 
يترفعون عن مقابلته بمثله» والله ولي التوفيق . 

والنشرتان مدعمتان بالحجج والبراهين معززتان بالصور 
الزنكوغرافية المثبتة لما يريده الصهيونيون بفلسطين» وفيهما صور 
الأماكن المقدسة بفلسطين . 

(إنذار واستتابة» . 

وهي بقلم فضيلة العلامة الكبير السيد محمد رشيد رضا منشيء مجلة 
«المنار» الإسلامية الغراء بين فيها الخطر الصهيوني وواجب المسلمين . 


رحلتي إلى الحجاز 





3ه - 


وحتمت الرسالة بعتوى وافتراح هذا نصهما: 


إن من يبيع شيئاً من أرض فلسطين وما حولها لليهود أو للإنكليز 
فهو كمن يبيعهم المسجد الأقصى» وكمن يبيع الوطن كله؛ لأن ما 
يشترونه وسيلة إلى ذلك» وإلى جعل الحجاز على خطرء فرقبة الأرض 
في هذه البلاد هي كرقبة الإنسان من جسدهء وهي بهذا تعد شرعاً من 
المنافع الإسلامية العامة» لا من الأملاك الشخصية الخاصة» وتمليك 
الحربي لدار الإسلام باطل» وخيانة لله ولرسوله ولأمانة الإسلام» ولا 
أذكر هنا كل ما يستحقه مرتكب هذه الخيانة» وإنما أقترح على كل من 
يؤمن بالله وبكتابه وبرسوله خاتم النبيين أن يبث هذا الحكم الشرعي في 
البلاد مع الدعوة إلى مقاطعة هؤلاء الخونة ‏ الذين يصرون على 
خيانتهم - في كل شيء: المعاشرة والمعاملة والزواج والكلام حتى رد 
السلام» . 

]٠١٠١4[‏ في البلاط السعودي 

للبلاط في المملكة العربية السعودية أصول متبعة وتقاليد مرعية 
مثل ما لكل بلاط في العالم» وأظهر هذه التقاليد أن بعض الحاشية من 
غير النجديين عودوا الناس تقبيل يد جلالة الملك عند الدخول عليه 
وعند توديعه» وما كان التقبيل معروفاً في هذا البلاط. ولما وسمعت 
أن الملك نفسه لا يحب هذه العادة وإنما صارت متبعة بعد ما استقر له 
الأمر في الحجاز . 


ولا يقتصر الأمر على تقبيل يد الملك وحده وإنما يقبل الجمهور 





يد سمو الأمير سعود ولى العهدء ويد سمو الأمير فيصل نائب جلالة 
الملك العام في الحجاز. 


وإدا دخل زوار على جلالة الملك أو ولي عهذه أو نائبه في 
الحجاز فقد جرت العادة أن يستقبل كل منهم ضيوفه واقفاً وهكذا 
الحال إذا انصرفوا من حضرتهم . 


والعلماء محترمون فى البلاط الملكى فهم لا يقبلون يد الملك. 
وهذا يستلزم أن لا يقبلوا يد غيره وإنما يقبلون أنف الملك أو جبهته. 


وتقدم القهوة فى حضرة الملك وأنجاله للزوار على أن تقدم 
للملك أولاً فى فنجان خاصء وأما تقديمها للضيوف فيكون في 
الفناجين العادية» وإذا كان الحاضرون كثيرين فإن الخادم يأخذ الفنجان 
منك ويصب فيه لجارك من غير غسل الفنجان . 


]٠١[‏ ولا يسمح لأحد بالتدخين في حضرة الملك أو ولق 
عهده أو نائبه مطلقاً مهما علت منزلة الضيف في نفسه أو لدى الملك. 
ولقد حدث عندما اجتمع المغفور له الملك فيصل”'؟ ‏ رحمه الله - 
بجلالة الملك عبدالعزيز آل سعود في الباخرة البريطانية الاجتماع 
التاريخي المعروف أن طالت الجلسة.» وكان الملك فيصل كثير التدخين» 
فشق عليه الأمر وكاد نظره لا يستقيم» فاستأذن منه قليلاً وصعد إلى 


)0 هو فيصل بن الحسين ملك العراق» وقل سبقت ترجمته . 





ظهر الباخرة فدخن عدة سيكارات بسرعة ثم عاد إلى الاجتماع . 


ومن تقاليد البلاط السعودي أنه لا يصح أن تحضر حفلة من 
حفلاته سيدة من السيدات مهما سما قدرها سواء كان يرأس الجلسة 
جلالة الملك أو نائبه أو ولى عهذده . 


والملك هو الذي يتكلم وأكثر كلامه عن الشرع الإسلامي وفضائل 
الإسلام» وهو يرد على كل سؤال يوجه إليه برحابة صدرء ويعجب 
سافئعية كثير | . 


وتقدم الشربات في حضرة الملك. وأما القهوة فتقدم غير مرة إذا 
طالت الجلسة. ولقد لحظت أن طولها وقصرها موكول للجلساء»ء 
وربما يشير أحد رجال الحاشية لأحد معارفه بالقيام فيقوم الحاضرون 
تبعاً له وما لحظت أن الملك نفسه يشير بانتهاء الجلسة على أنني لم 
أحضر مجالسه إلا قليلاٌ فى مكة المكرمة ومنى٠»‏ وهي أوقات أداء 
مناسك وعبادة فما كنت أطيل الجلوس لدرس الأمر. 


ويدخل الزوار بعض رجال الحاشية من النجديين» وقد يتولون هم 
إجلاس كل إنسان في مكان خاص قريباً من الملك أو بعيداً عنه حسب 
منزلته» وقد يشير الملك إلى المكان اللائق» ورجال الحاشية من 
النجديين يتحلون بفطنة ولباقة تعجب المنصف. وفي هذا المقام لا 
يسعني إلا الثناء على رئيس ديوان سمو الأمير فيصل فهو نجدي دمث 
الأخلاق حلو الحديث. وعلى جانب كبير من معرفة مقام البارزين 
والكتاب والمفكرين» ولقد ظهر لي ذلك جلياً عند ما قابلت سمو 





الأمير عبداللّه نجل الأمير فيصل وكان يجلس: إلى يساره أو لا ثم تنازل 
لى عن مكانه. وعجبت بحديثئه وأدبه . 


والحق يقال إن أهل الدار أشد غيرة على سمعتها من الموظفين 
المأجورين الذين لا حظ لهم من العلم ولا من الأدب ولا من الغيرة 
]١١1[‏ أوتيل مكة المكرمة 


أحسنت الحكومة السعودية بفتح أوتيلها لينزل فيه الموسرون من 
الحجاج» وقد عهدت بإدارة أوتيل مكة المكرمة إلى الأستاذ الشيخ 
عبدالسلام غالي العالم الأزهري المصريء فأظهر براعة تشكر في 
إدارته» وكان خير واسطة في توفير أسباب الراحة لكبار الحجاج 
وضيوف الحكومة. 

ولهذا الأوتيل حديقة بديعة يجلس فيها الحجاج وزوارهم في 
المساءء وتقام فيها حفلات شاي لتكريم بعض أعيان الحجاج 
وللتعارف» وهي لا تقل عن الحفلات الممتازة فى مصر؛ فقد شهدت 
بعضها وقد صفت فيها صحاف الحلوى والفاكهة والمثلجات 
والبسكويت وأكواب الشاي كأننا في مصر . 

ويُعنى مدير الأوتيل بترقيته والترفيه عن الحجاج فقد اختار له 
طباخاً ماهرأء ويعنى بطبخ الخضر والسمك والطيرء والحلوى والفاكهة 
متوفرتان فيه مما يجعل نزلاءه في رفاهية محسوسة» وغرفه واسعة 
ومريحة» وفيه عناية بالسيدات» وله فروع في جدة والمدينة المنورة. 


رحلتي إلى الحجاز 





لمكن 
ويظهر أن الحالة لا تشجع كثيراً على التقدم والنهوض بالأوتيل 
فقد أكلت فيه دندرمة"' لذيذة واستغريبت من وجودها في مكة 
المكرمة؛ وتحدئت إلى بعض الإخوان بذلك فبلغني أن الأوتيل كثيراً 
ما يعمل الدندرمة ثم لا يجد إقبالاً عليها فتفسد ويرميهاء وهذا أمر لا 
ينشط على العمل والنهوض . 
أوتيل مصر 

وأما أوتيل مصر التابع لشركة مصر للملاحة فهو أوتيل فخم يضاء 
بالكهرباء وهو نظيف وفخمء زرته مرة واحدة فوجدته عنواناً على 
التقدم والرقي مما يليق بالانتساب إلى مصر زعيمة الأقطار العربية» 
وصاحبة الفضل على الحجازء ورأيت فيه طائفة من عظماء مصر 
وكبرائها وأتقيائهاء والإقامة فيه مريحة» وكتب اسمه على واجهته 
بالأنوار الكهربائية فهو يشيع اسم مصر في ذلك المكان المطهر فيزيد 
مصر رفعة وعظمة في نظر حجاج العالم الإسلامي جميعه. 

[06 والذي يبحث بدقة في أمر إنشاء هذا الأوتيل يكاد يعتقد 
أنه لم ينشأ للكسب وإنما أنشىء من أجل توفير الراحة للحجاج» فهو 
تضحية على حد تعبير بعض الكتاب ولكنه ضروري جداأً؛ فإن كثيرين 
من كبار المسلمين كان يصدهم عن الحج خوفهم من عدم وجود أمكنة 
في مكة تليق بهم وبأسرهم. فسهل بنك مصر هذا الأمر على الكبراء 
والدليل على ذلك أن هذا الأوتيل يزدحم من أول موسم الحج. 


)١(‏ أي «الايسكريم». 


المختار من الرحلات الحجازية 





وللأوتيل فروع في جدة والمدينة المنورة. 
إلى المدينة المنورة 

غادرت مكة المكرمة عند غروب يوم الاثنين ١0‏ مارس إلى جدة 
فنلنمت فيهاء وفى صباح 0 الغلاثاء 5" مارس كينت السيارة إلى 
المدينة بصحبة الأستاذين أحمد حسين رئيس جمعية مصر الفتاة والشيخ 
حامد الفقى العالم المشهور ومعنا صهر الأخيرء وكان الجو بديعاً 
والهواء عليلاً فأخذت السيارة (التاكسى) تسير بنا فى أول الأمر في 
طريق ممهد يكاد يكون معبداً. 

]٠١7[‏ السراب 

وقد كان خروجنا من جدة فبيل الظهر ولم تقطع بنا السيارة شوطأ 
طويلاً حتى صرنا نشاهد السراب أشبه شيء بالبحر المتموج على 
مسافات مناء حتى إذا وصلنا إلى المحل الذي يلوح لنا فيه كنا نشاهد 
أرضاً عادية» ونعلم أن السراب خدعنا كما خدع القوافل التي اجتازت 
الصحاري من قبل ولئن كانت تلك قد أضرها خداعه فبذرت بما عندها 
من ماء فإننا لم ننخدعء وعملنا بالمثل القائل: «أَنْ تَرِدَ الماء بماء 
أكيس» ولا سيما بعد ما أوصينا من مصر بأن نحافظ على ما عندنا من 
ماء لأن ماء الطريق غير صالح للشرب . 

]٠١641[‏ طريق يحتاج للإصلاح 

وبعد ما غادرنا رابغ أخذت الصعوبة تبدو لنا ظاهرة جلية» 

وفضلنا أن نقطع الطريق الرملي في الليل خشية من أن تجتمع علينا 





مشقة الطريق وحَمّارة القَّئفل"") في النهارء فأخذت السيارة تحب" بنا 
في وسط الرمال وترجنا رجا عنيفاً ومزعجأء وكان السائق بين حين 
وآخر يطلب منا النزول لندفع السيارة وننتشلها من الحفر التي ترد فيها 

فنلبي طلبه مرغمين» والليل مدلهم والسماء حالكة ‏ لأننا في أواخر 
الشهر القمري ‏ فكانت ليلة ليلاء لا يخفف خطبها إلا الشوق لزيارة 
مدينة الرسول عليه السلام» والأنس بالوقوف في مسجده والصلاة فيه 
وفي الروضة المطهرة. 


خارت قوانا وكان الليل قد تتصّف وقد وصلنا إلى آبار الحصاينة 
فنمنا نومة أشد قلقاء ونام صحبي على الأرض لأننا لم نجد ما ننام 
عليه؛ لأن المحطة كانت قد ملئت بالحجاج وقد احتلوا الكراسي 
المستطيلة التي ينام عليها المسافرون في تلك الصحاري» وأما أنا فقد 
ظللت في السيارة ولم أتمدد ولست أدري إذا كان قد تيسر لي أن 


وو 
ع 


أهوم”"2 قليلا. 
السيارة تتعطل 
وفي الصباح أخذ السائق يلعب بالسيارة موهماً إنه يصلحهاء وبعد 
ذلك سرنا مسافة قطعناها في نحو ساعتين ثم تعطلت السيارة نهائياً: 
فطلبنا من سيارة أحد الهنود الملحقين بسلطانة حيدر أباد أن يسمح لي 
000 أي شدة الحر. 


0) أي تسرع . 
(6) أي أنام. 


المختار من الرحللات الحجازية 





عرووية 
بالركوب معه لإغاثة إخواني ففعل . 

ولما وصلت إلى محطة المسيجيد قابلت رئيس مفتشي السيارات 
والمشرف على رقابة السفر ونظامه فقابلني بلطف وأمر سيارة أعدت 
للإسعاف بسرعة السير لنقل إخواني فلبت الأمر حالًء وتابعت سفري 
إلى المدينة بسيارة الهندي ولكنها خربت على بعد ساعتين من المدينة 
بسبب مس في بطاريتها فوقفت» وفي أثناء وقوفنا مر بي رفقائي بسرعة 
فلم أعرفهم ولم يعرفوني ودخلوا المدينة قبلي» وكنا قد أرسلنا شرطياً 
مرافقاً للهندي فجلب لنا سيارة أوصلتنا إلى المدينة» وعندما دخلتها 
رأيت أصدقائي ذاهبين إلى دار الأمير فنزلت وانضممت إليهم». ودخلنا 
على الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم وحللنا عنده ضيوفاً مدة إقامتنا . 

]٠١6[‏ البؤس البؤس 

أما البؤس الذي يشاهده المسافر إلى المدينة المنورة فحدث عنه 
ولا حرج؛ يشاهد جماعات كثيرة من البدو نساء ورجالاً وشيباً وشباناً 
وصغاراً تقف صفوفاً من أول الطريق تقريباً إلى قرب المديئنة تمد أيديها 
للسؤال والاستجداءء وكثيرون منهم عرايا وبعضهم يستر عورته» ويجد 
تساف تلبس ملاس تطنيةة والكا ._يخرى يوواء السيارات كلهنا بالنيؤال 
والطلب» وبعضهم يهزج بعض الأهازيج لتحنن القلوب عليه . 

ولهم نظام واتفاق لا بأس به؛ فإذا ألقيت قطعة من النقود لواحدة 
من أولئك البدويات فهي من حقها وحدها ولا تعتدي أخرى عليها 


سو 


مطلقا. 





وتسمع إحداهن تسأل زميلتها «طش لك»؛ بمعنى: هل رمى إليك 


وإذا تعطلت السيارة فالويل لركابها فإن سيل السائلين والسائلات 
ينهال عليها من كل حدب وصوب. البلا أعطوا أحدا شيئاً 
فإن السيل يكثرء وعبثاً تحاول إذا شئت أن تفرد أحدهم بالعطاء 
فسرعان ما يخبر زملائه بأنك أعطيته فتمتد إليك الأيدي ويلحف 
الجميع بالسؤال مقسمين أنك لم تعطهم. وكلما ازددت بالعطاء ازداد 
السؤال عليك سواء ذلك في الصحراء أو في داخل المدينة مما يغريك 
باستعمال الشدة للتخلص من الحافهه وإبعاد قذارتهم عنك . 


]٠١7[‏ كانوا سفاكين فصاروا سائلين 


وقد يستغرب القاريء إذا علم أن هؤلاء هم من سلالة البدو الذين 
كانوا يقطعون الطريق على المحمل التركي والمحمل المصري إذا لم 
يُعْطُو"ا مالا طائلاًء فقد كانوا بالأمس القريب يملون إرادتهم على 
الجيوش المسلحة ويمنعونها من السير ليلاً أو تفارك وأما اليوم فإنهم 
يظهرون الذل والمسكنة للسؤال . والااستجداء» وإذا سركت وحدك في 
تلك الصحاري بلا رفيق ولم تشأ أن تعطي أحداً شيئاً فلا يجرؤ واحد 
من هؤلاء على مد يده إليك بسوء. 

وهكذا حول حكم الملك السعودي تلك النفوس الشريرة إلى نوع 
من الخوف لا يكاد الإنسان يصدقه؛ فمع شدة البؤس لا يغامر أحد 
بخطف شيء ولو كان بلا حارسء» وما ذلك إلا لشدة بطش الحكم 





0 
السعودي وتطبيق الشريعة الإسلامية على السارق بقطع يده؛ والعابث 
بالأمن بقتله أو تقطيع يده ورجله من خلاف أو نفيه من الأرض مما 
جعل الأمن مستتباً بكيفية لا عهد لهذه البلاد بها من قبل إلا في أول 
عهد الخلفاء الراشدين على ما أعتقد. ش 

والماء في الطريق معظمه غير صالح للشرب وغير لذيذء وأما 
الماء فى محطة المسيجيك قانه حي وبازة ولذيل وهما يذكر :أن الماء 
في الحجاز يبرد بسرعة ويصير أشبه شيء بالمثلج ولا سيما في المدينة 
المنورة وفي المسيجيد أيضاً. 

وأما الرمال فهي ناعمة جداً فقد كنا عندما نضطر لدفع السيارة لا 
نكاد نحسن التوازن فى المشى على تلك الرمال الناعمة غير المستوية 
البظع ولاك كنا فى دهاة سرافل وفك أبابنا رالام حمنا: 

في المسجد النبوي 

دخلنا المدينة المنورة في مساء يوم الأربعاء ١1/‏ مارس بعد أذان 
العشاء» وتوجهنا إلى مسجد الرسول ‏ عليه السلام - وقد تفضل أمير 
المدينة بإصدار أمره بإبقاء الحرم مفتوحاً والأنوار مضيئة حتى تتيسر لنا 
الزيارة في ساعة هادئةء فدخلنا وصلينا ركعتين في الروضة أمام 
المحراب». ثم توجهنا إلى مقام النبي ‏ عليه السلام - وسلمنا عليه 
السلام المأثورء وبعد ما سلمنا على سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر ‏ 
رضوان الله عليهما ‏ خرجنا من المسجد إلى دارنا بجوار باب السلام . 


وبعد ذلك واظبنا على دخول المسجد فى أوقات الصلوات 


رحلتي إلى الحجاز 





الخمس. ومن فضل الله علينا أنه لم يفتنا وقت ‏ ولا سيما في الفجر ‏ 


ألا ]١‏ أمدير المدينة 


إذا دخلت على الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم رأيت رجلاً في الستين 
من عمره تبدو عليه أمارات الصلاح والتقوى. يغض البصر ويهبط 
بوجهه إلى الأرض» نحيف الجسم طويل اللحية استولى البياض على 
شعراتها فزاده وقاراً وهيبة. 

يجلس دائماً وبجانبه تلفون» وبواسطة التلفون يصرف الأمور بكل 
دقة وعناية فلا يدخل إنسان أو سيارة إلى المدينة ولا يخرج أحد منها 
إلا بإذنه واطلاعه» ويكاد يكون ملماً بكل صغيرة وكبيرة من شؤون 
الشعب . 

شديد في حكمه في حدود الشريعة الإسلامية حتى استقامت له 
الأمور وهابه الجميع وخشي بأسه الكلء» لا يقفل بابه في وجه أحد ولا 
يترفع عن سماع أتفه شكوى حتى من سائق سيارة» وإذا أتته شكوى 
تولى تحقيقها بسرعة فيدعو المشكو منه في الحال ويفض الموضوع ولا 
يؤخر عمله إلى غد مطلقاًء وهذا سر من أسرار نجاحه وتغلبه على كل 


*. 


سي ء . 
حلو الحديث» إذا حدثك بالشؤون الدينية وإقامة الحدود. 


الحدود والفروض مُرجعاً كل شيء إلى أصوله حتى لتظن أنه يمتح 








6 2- 


أمامك كتاباً يقرأ عليك منه» وأول ما يفتتح الحديث يوجه إليك سؤالا 
فيتسرب الخوف إلى نفسك خشية أن تكون مطالباً بالجواب ولكنه لا 
يلبث طويلاً حتى يجيب على سؤاله جواباً شافيء فيريح بال جليسه 
وينقذه من ورطة المطالبة بالإجابة . 


والأمير عبدالعزيز بن إبراهيم من رجال الملك ابن السعود الكبار 
وله مواقع مشهورة في حوادث اليمن وفي أثناء فتح الحجازء وهو دقيق 
في عمله؛ شديد الوطأة على الذين تحدثهم أنفسهم بالشرء يُعنى 
بالزوار ويشدد في وجوب العناية براحتهم» وهو ملم بحوادث العالم 
العربي ولا سيما ما يتعلق ببلاده؛ ويثني على المصريين ولا سيما بعد 
ما وقفوا الموقف الطيب في إعانة أهل المدينة» ويرتاح لذكر مصر 
وتقدمها العلمي والصناعي وهو معجب برجالها. 

]٠١54[‏ الأمير والمستر فلبي''' 

والأمير مشهور بالصراحة التامة والعمل المستقل» وقد لا يتقيد 
كثيراً بما يتقيد به عادة غيره من رجال الدولة» ومن ذلك أنه بلغه أن 
المستر فلبي لا يصلي أو لا يحافظ على الصلاة» فسأله في ذلك وقال 
له: يا حاج عبدالله إذا كنت قد أسلمت لغرض من الأغراض فلاشك 
أنك نلته فلماذا لا تعود لنصرانيتك أو تعمل بتعاليم الإسلام؟ فقد بلغني 
أنك لا تحافظ على الصلاة؛ وأنك لم تركع ركعة واحدة في الطريق 


)١(‏ هو بريطاني أعلن إسلامه وتسمى باسم عبدالله فيلبي» وكان يلزم للملك 
عبدالعزيز في كثير من أحواله . 





6 


0 


فقال المستر فلبي: إنني جلست كثيراً مع بعض الموظفين وجاء 
وقت الصلاة فلم أرهم يقومون للصلاة وكنت أظن أنه لا ضرورة 
للصلاة دائماء فقال له الأمير: لا مندوحة عن أداء الصلاة في أوقاتها 

فقال المستر فلبي: ستجدني بعد الآن محافظاً على الصلاة في 
وقتها واسأل زملائي عني بعد الآن. 

ولقد حدث بعد ذلك أن المستر فلبي واظب على الصلاة طول 
مدة إقامته في المدينة المنورة» وللأمير مواقف في ضبط العابثين 
بالأمن جعلت هذا النوع معدوماً حتى في الصحاري الشاسعة التي 
تتلظى بنار البؤس والشقاء والتعاسة!! 

]٠١694[‏ سكان المدينة 


وسكان المدينة إلى ما قبل موسم الحج يقدرون بتسعة عشر ألف 
نفس» وأما تعدادها مع ضراحيها فهو نحو ثلاثين ألفاً بمن فيها من 
البدو النازلين فيهاء كما يستفاد من إحصاء حضرة ناظر التكية"'' قبل 
موسم الحج؛ فقد فهمت أنه تلقى تلغرافاً من الوزارة حوالي 8 فبراير 


)١(‏ أي التكية المصرية في المدينة» وهي مَبَرَة تُعنى بشؤون الفقراء. 





61 - 


فيه بصدق وإخلاص . 





]٠١7١[‏ موارد دمضيت 
وقد كانت الدولة العلية العثمانية تخصص للمدينة رواتب كبيرة 
باهظة» وكان الحجاج الترك والمصريون وغيرهم يخصون المدينة 
المنورة بالسكنى فيها مدة طويلة ينفقون فيها النفقات الوافرة» وإذا زدنا 
على ذلك خصب التربة وهطل المطر تبين أن أهل المدينة كانوا في 
رخاء تام من غير أن يتكلفوا تعبا ومشقة» كل ذلك أثر فيهم تأثيراً خاصاً 
وجعلهم ممتعين بالراحة والرفاهية تجبى إليهم الخيرات من غير عناء ما 
أو تكليف أنفسهم تحمل مشقة أو مجهود فكانوا متواكلين» وحسبك أن 
تقرأ الأحاديث النبوية الواردة بالتوصية فيهم لتعذر المسلمين في تلك 
العناية» ولكن صروف الدهر لا تظل على حال واحد» فقد أتت الحرب 
العغافة7١؟‏ وحضان العدينة المتوزة عن نصفه سكانها وشرد نضفة .من 
بقى» وتبع ذلك منع بعض البلدان الحج مثل تركياء وما أحدثته الأزمة 
العامة في عهد الأشراف» وما ذاع من تخويف الناس من المذهب 
الوهابي وما أرجف به ذوو الأغراض في ذلك مما خوف الناس 

وصدهم عن زيارة المدينة وحبس خيراتهم عنها. 


وجاء حبس مصر لأوقافها فزاد الطين بل وهجم عليها لحو 
خمسة آلاف بدويىٌ فزادوا فى ضائقتهاء وانحبس المطر عنها من خمس 
سنوات إلى الآن فجف الضرع وارتفع ثمن الغذاء» ولكن تهاود سعر 


. أي الحرب العالمية الأولى‎ )1١( 


رحلتي إلى الحجاز 





الحاجيات في هذه الأيام لهطل المطر فى نجد وإرسال الأرزاق إليها. 

وإذا علم القارى أن عدد الحجاج كان في سنة ١977‏ مئتى الف 
حاج». وفي سنة ١975‏ ثلاثين ألفاًء وهو في هذا العام ثمانية وثلاثون 
ألفاً تبين له هول الموقف . 

ومما لا شك فيه أن مصر والحجاز شقيقتان فى الدين والعروبة» 

]٠١/1[‏ وبهذه المناسبة أقول إن الأستاذ عبدالرحمن الرافعى بك 
ذكر في تاريخه فضلاً للحجاز على مصر بأن أرسلت الحجاز جيشاً إلى 
مصر حارب معها في حروب نايليون الشهيرة في سنوات 00 
848 », وقال: إن نابليون ذكر فى تقرير له خبر تلك المساعدة وأنها 
كانت ذات قيمة وأثر في بعض الوقائع فشدوا أزر المصريين» فهما 
شقيقتان فى السراء والضراء . 

]٠١/7[‏ أعمال الحاجة قوت القلوب 

الإشادة بمبرات حضرة السيدة الفاضلة الحاجة قوت القلوب 
الدمرداشية؛ فقد ضربت الرقم القياسي في تبرعاتها ومبراتها في 
الحجاز»ء وفاقت ملكة حيدر اباد التى نوهت الصحف بأنها ستنفق فى 
الحجاز عشرات الآلوف من الجنيهات مما جعل حكومة الحجاز تتورط 
في إكرامها وتخصيص السيارات الجديدة لخدمتهاء ولولا خداع 
الصحف في هذا الباب لما وجدت كل ذلك التكريم الذى حمل 





61- 


الحجاز فوق طاقته فى هذا الباب . 





ومما يسرنا التنويه به أن تبرعات السيدة قوت القلوب لبناء أجنحة 
في مستشفيات مكة وجدة والمدينة ستخصص كلها للمدينة المنورة 
لشدة حاجة المدينة إلى الإعانة كلهاء وبذلك يسجل اسمها واسم 
والدها ووالدتها فى ذلك المستشفى بجوار مسجد الرسول - عليه 
الصلاة والسلام ‏ أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال وتستهوي 
أفئدة المؤمنين» وبذلك فليتنافس المتنافسون . 
ظ بارك الله في هذه السيدة المثقفة التي زادت رأس مصر رفعة 
وشموخاً. 

]٠١[‏ مهدي بك مدير الشرطة 

عمله ينطق بفضله». وهذا الأمنن الداخلى المستتب فى الحجاز الا 
يعود الحظ الوافر فيه لمدير الشرطة وحزمه رمدم تالف 

ومهدي بك رجل مهيب الطلعة حازم فى عمله محب للوصلاح 
والخيرء نظم الشرطة في لبسها وأسلحتها وعملهاء محبوب من 
الجميع ولا سيما أفراد شرطته» ولطالما حدثني غير واحد بفضله 
وعطفه ومقدرته على تصريف الشؤون في بلد لم يتعود النظام» ولو لم 
يجد معاكسات تقف فى سبيل إصلاحاته وترفيهه على الشرطة لكان 
عنآن الشرطة أعظام سما هو الآن لظام ورعدا. 

قابلت مهدي بك عدة مرات رغم مشاغله فأحسست بعظم 
المسؤولية التي يقوم بها؛ فقد كان قابضاً على الأمور بيد من حديد. 





ومهدي بك رجل خير وعطف وبرء كما هو رجل شدة وبطش 
يسعى لإوغاثة الملهوف. وهو يُعنى بجمع مال لإنشاء دار للعجزة 
والبانسين الديخ تكهم الذهب لد ليت جعريه علنا مين الو يعار 
الحجاج فتتمنى لمشروعه الفوز والنجاح . 

ولو كان مهدي بك يُعنى بالدعايات الصحافية لرأيت اسمه يتردد 
دائماً مقروناً بالثناء لأنه يسهل للحجاج وسائل الانتقال ويبث شرطته 
لحفظ الأمن وتوفير الراحة في تلك الأيام التي يشتد فيها الزحامء ومما 
يسجل بالشكر لشرطة الحجاز أنهم على ما يلقونه من شظف يحافظون 
على مال الحجاج وراحتهم ة فهم أهل للبر والرأفة ش 

ولمهدي بك سلطة واسعة جداً في عمله لعظيم ثقة جلالة الملك 
وسمو الأمير فيصل النائب العام به» ولأنه أحسن التصرف في الحقبة 
التي تولى إدارة الشؤون فيها من أجل ذلك أثني على حضرته» وأتمنى 
له التوفيق فيما يصبوا إليه من ترقية. شؤون الشرطة والترفيه عليهم. 
فالشرطة أهل للعناية لأنهم مظهر الدولة ومحل هيبتها والله الموفق”" . 

. عناية الأمير فيصل بعالم سعودي‎ ]٠١4[ 


يعرف الذين تشرفوا بمعرفة الأمير فيصل النائب الملكي العام في 
الحجاز أن: سموه الملكي امتاز بكثير من الخلال الكريمة والطباع 
الحميدة التى جعلته محبوباً من أهل المملكة جميعاً. ومن الذين 


)21 إلى هنا : تم المراد من الاختصاره. وللمصنف كتاب آخر تابع لهذا الكتاب أسمه : 
صور ومشاهندات من الحجاز. اصطفيت منه الأتى» وهو شيء يسير 





تشرفوا بمعرفته في البلدان العربية وغير العربية التي زارها سموه أو زار 
أهلها سموه. 


ومما يعنيني نشره هنا من مآثر سموه الكريمة أنه - حفظه الله - 
عرف أن حضرة صاحب الفضيلة العالم الجليل الشيخ محمد بن مانع 
رئيس الاستئناف العالي» ورئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن 
المنكرء وهيئة الوعظ والإرشاد» ومراقب الدروس في الحرم المكي» 
وكبير مفتشي المدارس وتقرير الكتب الدينية في وزارة المعارف - 
وفضيلته اليوم مدير المعارف يصرفها بهمة قعساء وروح الحكماء وهمة 
الشباب - عرف أن فضيلته مصاب بمرض يتطلب سرعة عمل عملية له 
في غير الحجاز فبادر حفظه الله بإصدار أمره إلى الدكتور حسني الطاهر 
من كبار أطباء المملكة العربية السعودية بمرافقته إلى مصر وكذلك 
بمرافقة نجله الكبير له وأمر سموه في الحال بحجز ثلاثة أمكنة في 
الطائرة القادمة إلى مصرء وسرعان ما ركبها الثلاثئة وحلوا فى مستشمى 
الروضة فأجريت الإسعافات الأولية للشيخ ابن مانع وبدىء بعلاجه 
فأفاق من غيبوبة كان المرض قد سببها له وقد نال الشفاءء» والحمد لله . 


]٠١175[‏ والشيخ محمد بن مانع زار مصر في عام ١٠65‏ واجتمع 
بالأستاذ الإمام الشيخ محمد عبد''؟ وحضر دروسه» واجتمع 
بالمرحوم السيد الإمام محمد رشيد رضاء وهو رجل عظيم في علمه 


010 هو مفتي مصر » وهو رجل مشهور غنيى عن الترجمة » له إصلاحات في الأزهر 
والمحاكم» توفي سنة ١9٠5‏ رحمه الله تعالى . 





- 


وهمته وكرمهء ويتبين مما سردناه من وظائفه مقدار ما يعمله يومياً. 
فهو لا يكاد يستريح ويفضل البقاء في مكة في أشد أوقات الحر فلا 
يصيف في الطائف مع الأمير وهيئة الحكم مع أن ذلك يسهل عليه ولا 
يكاد يكلفه شيئاً إذا أراده»؛ وهمته فوق همة الشباب مع أنه في سن 
الشيوخ . وأما كرمه فقد حضرت مآدب في داره العامرة في مكة فكانت 
أشبه بمآدب جلالة الملك عبدالعزيزء والناس على دين ملوكهم . 


وهو محبوب جداً من جلالة الملك وسمو ولي العهد وسمو 
الأمير فيصل النائب الملكي العام بالحجازء وفي الحفلات الرسمية 
يجلسه جلالة الملك على يمينه؛ ويصدره للإمامة إذا حضر وقت 
الصلاة . 


]٠١75[‏ الميكروفون في الأرض المقدسة., 
وجوب العناية بإتقانه 


نحمد الله على أن حقق لنا ما طالما طلبناه من إيجاد الميكروفون 
في الحرم المكي؛ فسمعنا صوت الإمام في أوقات الصلوات الجهرية 
إنها جلسناء وكنا لا نسمع صوته إلا إذا جلسنا بجواره في المطاف». 
وأتيح للسيدات الحاجات سماع الإمام وكن لا يسمعنه لأن جلوسهن 
دائماً يكون بعيداً عنه في أركان الحرم الأربعة» وإنما يسمعن أصوات 
بكاء صغارهن الذين يصحبوهن في الحج من الرضع والذين هم فوق 
سن الرضاعة بقليلء وإنها لنعمة عظيمة جداً استخدام الميكروفون في 
الحرم وهو كبير يتسع للآلوف المؤلفة من الحجاج والحاجات» كما 


المختار من الرحلات الحجازية 








60 - 


سمعنا الصلاة والتلاوة وحن في خيامنا في منى » وكانت الأصوات 
جلية وظاهرة وهكذا الحال فى عرفات» وفى مسجد النبي وَكة. 


وإننى أعتقد أنه لولا ما تحلى به جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود 
من جيه [ابخدناء الوسائتل العصرية المفيدة») وعمل لذلك بجرأة 
ومقدرة لما تيسر استخدام الميكروفون في الحرمين الشريفين» وفي 
أمكنة المناسك؛ فالفضل فى ذلك لله عزوجل - أولا ولجلالة الملك 
ثانيًء فهو الإمام العوقق :تن كل تمل من أعجالة وهو المطاع الكلمة 
لدى العلماء» وهو صاحب الرأي السديد والفعل الحميد. 

لقد كتبنا وكتب غيرناء وخطب الخطباء ملحين بوجوب استخدام 
الميكروفون في الأمكنة التي تتم فيها أعمال الحج؛. حتى يتيسر 
للحجاج فهم شيء من مناسكهم؛ وحتى يشترك الحجاج في تمام عمل 
الجماعة؛ وحتى تتحقق لنا فائدة الحج وأنه المؤتمر الإسلامي الذي 
يعقد مرة في كل عام ويشهده العالم الإسلامي ليشهدوا منافع لهم 
ويؤدوا نسكهم . 

وإن سرورنا من وجود الميكروفون في الأرض المقدسة لا يعدله 
سرورء ونتمنى أن يظل وأن يستمر وأن يزداد تحسناً وإتقاناً في كل عام 
عن العام السالف . 

]٠١717[‏ ولكن ما قولك في لذة جاءت عفوآء وساقها الله في 
قدره فضاعفت المسرات؟ وذلك أن الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي أخذ 
يرتل طائفة من آيات الله تعالى . 





01 - 
وكان الميكروفون ينقل صوت الشيخ - وهو جهوّري ولذيذ - 
وتبدو على صوت الشعشاعي روح التقوى والهداية في كل تلاواته. 
ولكنه في موقفه هذا وفي مقام الإمام الحنفي ‏ وهو يطل على الكعبة 
المشرفة ‏ كان روحانياً خالصاء فتنقلنا إلى ملكوت الله وساحة عفوه 
وكرمهء نطلب الغفران ونستمد العون» فكنا في حالة نفسية عالية» 
تحال الله أن يعيدنا إليها في هذا العام مع الشيخ نفسهء والله كريم 
ولطيف ومجيب الدعوات» وكان جميع الحجاج يحسون ذلك 
الإحساس» ولذلك بدا عليهم الخشوع بعد صلاة المغرب وظلوا 
يستمعون لذلك الصوت الشجي الذي يزيد في التقوى ويلهب النفئس 
فى طلب المغفرة. 

ولقد كان فضل الله أوسع ؛ فجعل الشيخ يعيد تلاوته بعد صلاة 
العشاء مرة أخرى» كما أعادها مرات ومرات والحمد لله ولقد اشتهر 
قراء مصر بحسن اختيارهم للايات المناسبة للمكان والزمان الذي 
يرتلون فيه ايات الله . 

]٠١78[‏ ولقد سمعت للشيخ الشعشاعي تلاوة في حفلة أقامها 
معالي الشيخ عبدالله السليمان وزير المالية السعودية في بستانه بحَداءء 
تلا فيها قول الله عزوجل : 

« # لَمَدْ رضح ألَهُ عن مؤي إذ يولك عت ألّجَرَةَ ملم ما فى 
لوب انر اَلتَكِنَةَ عَلييمَ ونب مَنَعا مركا 2704ب وذلك لأن موضع 


.١4 سورة الفتح: آية‎ )١( 


المختار من الرحلات الحجازية 





-010 
شجرة الرضوان هو في ذلك المحيطء أو على مقربة منه» وهكذا لم 
يغفل الشيخ ذلك المكان التاريخي العظيم» وتلك الذكرى العزيزة في 
تاريخ الإسلام» ومبدأ ظفره وانتشاره . 
ولقد جعل الوزير السعودي بستانه ذلك آية في الجمال؛ فأوجد 
حديقة غناء في وسط رمال جرداء» وأوجد في البستان بركة للسباحة» 
ماؤها يميل إلى الملوحة ولكنه يغذي النخيل وبعض شجر الموالح. 
ولذلك استعان به في إيجاد بستانه الجميل الذي يؤمه الزوار وضيوف 
جلالة الملك عبدالعزيز ال سعود المعظم وضيوف حكومته السنية, 
فدل ذلك على مقدرة العلم على خدمة الإنسان إذا استخدمت وسائله 
وأنفق المال في سبيله بدلاً من إنفاقه في سبيل التدمير والهلاك والعياذ 


ا 


إلى أرض النبوة 





الرحلة العشرون 
إلى أرض النيوة'١)‏ 


98 ندة الشيخ: علي الطنطاوي7) 


 فاشتكال كان قد خرج من دمشق قاصداً المدينة المنورة‎ ]٠١4[ 
طريق بري يؤدي بهم إلى الحجاز وذلك عن طريق السيارات التي لم‎ 
يسلكها قبلهم أحد. فخرجوا في خمس سيارات ممتلئة عدة وعتاداء‎ 
: ودخلوا الحدود السعودية متجهين إلى القريات». فقال حفظه الله تعالى‎ 

في المخفر السعودي 

أشهد أني لم أذق طعم الأنس والاطمئنان مذ فارقت دمشق إلا فى 
هذا المخفر. ومهما نسيت من المشاهد واضغت من الذكريات فلن 
أنسى تلك الساعة» ولن تضيع من نفسي ذكراها. 

]|٠١8٠١[‏ أكلنا من طعام الجند وهو الزيد والرز والتمرء وشرينا 


() وصف وتاريخ لرحلة الوفد السوري إلى الحجاز ربيع عام ١975‏ لفتح طريق 
الحج البري للسيارات . 

(؟) أديب العربية المعروف. من أصل مصريء. من بلدة طنطا. كانت له رحلات 
وجولات في نصرة فلسطين والقضية الإسلامية» وله العديد من المصنفات الأدبية 
الدالة على علو كعبه في هذا المضمارء وله الكثير من الأحاديث في الرائي 
والإذاعة؛ وقد توفي الشيخ في 5/ ”7/ ١547١ه‏ رحمه الله رحمة واسعة وغفر لنا وله. 


المختار من الرحلات الحجازية ‏ 





6110- 


من ألبان النياق وما ألذه من شراب» وتبادلنا أطيب الحديث فكان 
بشرهم وحديثهم قرئ'" حلواً كتمرهم سائغا كلبنهم؛ ثم سألونا عن 
الطريق الذي نسلكه فأشرنا إلى الدليل؛ فحدثوه فوجدوه أجهل الناس 
بالبادية» ووجدوه يضرب بنا على غير هدى» فأتموا صنيعهم معنا؛ 
فبعثوا واحداً منهم يصحبنا إلى القريات يرشدنا ويهديناء وكان هذا 
الواحد فتى حلواً جميلاً» ولكنه على حلاوته وجماله أمضى من السيف 
الباتره وكان اسمه سلامة» فتفاءلنا به خيراء وكان كك يتفاءل» قلت : 
رافقتنا السلامة إن شاء الله . 
]٠١1[‏ إلى القريات 

وودعنا القوم الكرام وسرنا نخرق صدر البادية المهولة وأرواحنا 
معلقة بيد سلامة» وسلامة يشير إلى السائق ويلقي عليه أوامره : نير 
شمال» اصعد التل» تجنب الرملة» والسائق يسمع ويطيع». والسباراتة 
تتغلغل بين هذه التلال» ولبثنا على ذلك إلى العصر ‏ عصر اليوم الثاني 
من أيام الرحلة ‏ فرأينا رملة بيضاء فسيحة له منظر البحر في سعته 
وتموجه واستوائه تملأ العين جمالاً» والقلب من خوف سلوكها فزعا. 
يلوح من ورائها سواد قليل كأنه النخيل أو خيال البنيان» فقال سلامة 
سلمه الله : هذه هي القريات . 

]١87[‏ والرمال التي رأيناها في البادية نوعين: رمال منبسطة 
بيضاء دقيقة كالغبار» ورمال حمراء حباتها أكبر وامتدادها أكثرء وهي 


٠ 
جم‎ > 


)0010 أي ضيافة . 


إلى أرض النبوة 





011 - 
تلال يأخذ بعضها بأعقاب بعض . 


وهذه الرمال آفة السيارة وعلتها التى لا دواء لها؛ فإنهاللينها. 
وتهافتها لا تثبت تحت دواليب السيارة» فتغوص فيها كما تغوص في 
الماء. وتلبث فيها كأنما دفنت وهى فى الحياة. 

ولقد لقينا من هذه الرملة عناء تقل فى وصفه مبالغات الشعراء. 
أفتمشي سيارة على وجه البحر؟ ولقد لبثنا إلى الليل نزيح الرمل من 
حول السيارة» ونرفعها رفعاً ثم ندفعها بعواتقنا دفعاً» ثم نجرها 
بالحبال» حتى إذا قلنا سارت عادت فغاصت» فلم نقطع الرملة حتى 


]٠١7[‏ وقريات الملح قرى ست متقاربة أكبرها قرية كاف 
ولكنها لا تحوي على نصف سكان حلبون أبعد قرى الشام ولا تبلغها 
كبراً واتساعاً. 

وكان الأمير يومئذ غائباً فى مكة يشهد الموسم» يقوم مقامه ابن 
أخ لهء وهذه البادرة فاشية في الحجاز: إذا غاب الأمير أناب عنه ولداً 
له أو قريبأء وكان نائب الأمير في قرية أخرى من القرى الست» فلم 
نلقه» ولكنا لم نعدم من يستقبلنا ويكرمنا. ‏ 

ودعينا إلى دار أخلوها لناء وكانت دار مفتش الحدودء وهي أكبر 
دار في القريات وأجملها إلا أنها خالية لا شيء فيهاء ففرشنا فيها ما كنا 
نحمل من بسط وفرش وإحرامات ولم أبتئس أنا بخلوهاء فقد كان 





بساطي وإحرامي أحب إلي من كل ما يمكن أن يفرشوه فيهاء ولما 
اطمأننا على أمتعتنا وعلى مكان مبيتنا خرجنا نجول فى القرية فإذا هي 
بيوت من الطين قائمة على الرملة يحف بها نخل قليل» وفيها حقول 
تزرع فيها بعض الخضرء وتسقى من عين جارية وفيرة. 


وحياة هذه القرى من الملح الذي يستخرج من السباخ الكثيرة 
القريبة من البلد» ويصدر إلى حوران وشرقي الأردن. 


]٠١84[‏ بتنا خير مبيت» وقد جاؤونا بالعشاء من قصر الأميرء 
فلما أصبحنا غدونا عليه» فرأيناه شاباً ذكياً ليس بالمتعلم ولكن له 
تلقاها فى مجالس العلمء وتلك سنة حسنة استنها الإمام عبدالعزيز 
فجعل ليله كله للعلم؛ يأتى مجلسه العلماء فيقرؤون فيه كتاباء فإذا 
أتموه شرعوا فى غيره» وتكون مناقشات علمية يشترك فيها بنفسه» وقد 
قلده الأمراء جميعاً في ذلك». فمن هنا ما يحفظ هذا الشاب نائب أمير 
القريات: 


]٠١85[‏ استقبلنا بنفسه على عتبة الباب ببشر وإيناس» وجلس 
معنا يحدثناء ولبثنا على ذلك ساعة لم يدع فيها الأمير دقيقة واحدة 
قوله: قهوة؛ شاهي» شاهي» قهوة» يدور علينا بها عبد أسودء ثم 
أديرت علينا المجمرة وفيها البخور ‏ بخور العود ‏ فلم ندر ما نصنع 
بهاء ثم وجدنا الأمير يضم عليها طرفي كوفيته أو عباءته حتى يتعشق 
الطيب ثيابه ثم يدعهاء فصنعنا مثله» وانتهى العبد من إدارة المجمرة» 


إلى أرض النبوة 





01ت 
فرأيت الأمير ينظر إليناء فقام الشيخ الرواف واستأذن» وقمنا معه على 
أن نجتمع الظهر بالأمير على الغداء. . 

]٠١87[‏ فلما خرجنا قال الشيخ الرواف: ألم تسمعوا المثل 
النجدي؟ قلنا: وما ذاك؟ قال: «إذا دار العود فلا قعود» فعلمت سر 
نظر الأمير إليناء وتمنيت لو دخل هذا المثل بلادنا حتى عرفه الناس» 
ثم ذكرت أن عندنا ‏ بحمد الله من لا يفهم بالعود ولا بالعصاء ولا 


]٠١41/[‏ ذهبنا إلى غداء الأمير. ورأينا عادات لم تألفهاء وطرائق 
في الطعام لم نعرفهاء فما كاد يستقر بنا المجلس حتى أقبل العبيد 
فمدوا سماطأً على الأرض» ووضعوا عليه قصعة هائلة كان يحملها 
منهم اثنان.» وقد ملئت رزاآ وألقي فوقه خحروف كامل بيديه ورجليه 
ورأسه أي والله كأنهم - والله أعلم ‏ خافوا أن نشك فيه فنحسبه دبا أو 
فيلا أو قطأء فأبقوا على الرأس دليلاً قاطعاً على أنه خروف أصيل من 
أمة الضأن لا من شعب الثعالب» وكان الخروف مفتوح العينين» ناعس 
الطزف». فأخذتني الشفقة عليه» وتوهمت أنه ينظر إليناء ثم رأيت أن لا 
مجال للوهم ولا للخيال» وأن الوقت لا يتسع للأدب لأن القوم أحدقوا 
بالقصعة وشمروا عن سواعدهم فِعْلَّ من يقدم على معركة» فخشيت أن 
يذهبوا بالرز واللحم. ويبقى لي الخيال والوهمء ومتى أفاد الخيال 
جائعاً. أو أجدى الأدب على إنسان؟ 


وكان أصحابنا يدورون بعيونهم يفتشون عن ملعقة أو سكين أو 





6115- 


شوكة فما وجدوا شيئاً من ذلك» وأبصروا القوم يأخذ أحدهم قبضة من 
الرز فيديرها في كفه ويعصرها حتى يقطر منها السمن» ويحركها كما 
يحرك اللاعب الكرة قبل قذفهاء حتى إذا اطمأن إلى أنها صارت 
كالقنبلة قذف بها في حلقه. فما استقرت بإذن الله إلا في معدته. لا 
تقف في الفمء ولا تمسها الأسنان.» وطفق أصحابنا ينظرون إليهم 
ويعجبون. ثم أقبلوا يأكلون كما يأكلون» ولبثئت منتظراً أقول لنفسي 
وأنا أحاورها لأقنعها: من أين تأكلين إذا لم تجاري وتماشي» 
وتستعدي لقبول كل ما تأتي به الحال؟ وإني لفي تفكيري» إذ حانت 
مني التفاتة فوجدت القصعة قد تكشفت» والخروف المسكين قد تنائر 
لحمهء» وبدت عظامه» فمددت يدي أكل كما يأكلون. وقد علمت أن 
شر طعام خير من الجوع». والرز يتفلت من بين أصابعي والسمن يملا 
كفي. فإذا رفعتها إلى فمي نقط من مرفقي» ولم يكف القوم ما كانوا 
قد وضعوا من السمن. بل عمدوا إلى كؤوس يحملونها فملؤوها 
وصبوا ذلك أمامنا حتى ما نستطيع من كثرة الدهن أن تأكل» ولم يكن 
الرز ليستدير في يدي استدارته في أيديهم بل كان يدخل بين أصابعي 
حتى أضطر إلى إدخالها جميعاً فى فمى وغسل وجهي كله بالسمن. 

وانقضى الطعامء ولا تسألني: أشبعث أم لم أشبعء كيلا يطول 
سؤالك كما طال في هذه الرحلة عطشي وجوعي! ! 

]٠١84[‏ ثم جاؤونا - ونحن في مجالسنا ‏ بطست عليه مصفاة قد 
وضعوا فوقها قطعة صابون» وإبريق يصبون منه على أيدينا على نحو ما 


كان يُصنع في دمشق قبل عشرين سنةء ولم تكن تلك طريقتهم في 


إلى أرض النبوة 





لك 
الغسل» وإنما يكون مثلها في مجالس الأمراء والمتحضرين من 
العرب» أما البدو فيجزئهم الرمل» وقد بلغنا عن بعض البدو في 
جهات الشام أنه إذا كانت وليمة أو غداء ‏ كالذي تَصفْ ‏ خرج 
الضيوف فمسحوا الدهن الذي في أيديهم بباب الخيمة» وعندهم أنه 
كلما ازداد عليها من الدهن ازداد كرم الرجل وفخاره. 

ذهبنا نودع الأمير ونستأنف السفرء وكان أهل البلد مجتمغين 
حول الدار التي نزلناهاء وكان مجيئنا من الحوادث الكبرى في البلد. 
فمشينا بينهم ودخلنا الحصنء» فوجدنا الأمير قد أعد لنا مجلساً في 
رحبته» ودعانا إلى المبيت وألحف عليناء وذهب يلتمس إلى إقناعنا 
الطرق» ونحن نعتذر ونتملص؛ لا أدري أكان ذلك حياء من الأمير أن 
نطيل المكث في ضيافته» أم كراهية البقاء في هذه البليدة الساكنة 
سكون المقبرة» الخالية من كل شيء يشغل أو يسلي» أم حماقة وطيشاً 
ولعل ذلك هو الأقرب. فلما يئس منا عرض علينا العشاء فأبينا 
واجتزأنا بالشاهي نشربه إذ لم يكن منه بدء وأخرجنا مما كان معنا 
حلوى من حلويات دمشق التي ملأت شهرتها الآفاق» وعجزت عن 
صنع مثلها أيدي الطهاة» فعرضنا منها على الأمير فطعمها فأعجبته 
وقال لنا: إنه ما ذاق مثلهاء وخير له ألا يذوقها فيعوّده مذاقها الترف 
والنعيم» ويسلبه روح الصحراء. 

وانتهى المجلس مع الغروب فقمنا إلى الصلاة» ثم استقبلنا البادية 
القااحلة حيق: لا تحن عاق :تيوك و الل حاقارا فافولة نولذ ودلا 
معموراء ولا نجد إلا الرمال والصخور والشمس الملتهبة» والفضاء 


المختار من الرحللات الحجازية 





الأرسعبية حتى نصل - بمشيئة الله - إلى مدينة الرسول كلاه . 
بعد القريات 


]٠١49[‏ كنا نسير النهار كله سيراً بطيئاً» وما أكثرَ ما نقف نخرج 
سيارة غاصت في الرملء أو نتحرى خير الطرق»ء وكنا أبداً على 
استعداد للوثوب من السيارة» فإذا مالت الشمس واصفرت نزلنا فتصبنا 
خيمتنا وأكلنا وشربنا الشاي. وأنا أحلف أنيى ‏ على ولعي بجمال 
الطبيعة» وارتيادي الجبال والأودية» ووقوفي بالعيون والينابيع. 
ومقامي على الشواطىء وحيال الشلالات - ما رأيت منظراً أجل ولا 
أجمل ولا أحفل بالعظمة والمتعة من أماسي الصحراءء حيث تضطجع 
على تلة من التلال» ثم تمد بصرك إلى الجهات الأربع فلا يحجزه 
حاجزء ولا يقف في سبيله شيء» فترى الشمس وهي تغيب في الأفق 
الغربي»ء وظلام الليل وهو يشرق من الأفق الآخرء والنجوم وهن 
يطلعن في السماء الصافية»ء وتحس بلطف الليل ورقة نسيمه كما 
أحسست بجلال النهار وحدة شمسهء ثم تقوم مع الفجر قوياً نشيطأً. 
فل فبست من روح الصحراء روحاً جديداً لتستقبل الحياة عرم جار 

في تبوك 

]٠١0[‏ وصلنا البلد على حال لم نكن نملك معها ملاحظة ولا 
نظراء ولقد شغلنا ما نجد من الجوع والتعب عن أن نبصر المدينة» أو 
أن نرى مسالكهاء وما عرفت إلا الدار التي أنزلونا فيهاء وليست دارا 
كالتي عرفنا في القريات» ولكن بناء حضري واسع منظم» مبني على 


إلى أرض النبوة 





طراز فني مقبول» ذو ردهات وغرف وأبهاءء فأدخلونا بهواً فيه. 
مفروشاً بالبسط والوسائد والمساند» استقبلنا فيه الأمير السديري» وهو 
كنات سيداب على ضانة هع :اللطلق دوا لنتن و الرقة بوردقة الولاتعظلة » واقذ 
علمت أنه من أنسباء الملك عبدالعزيز أعزه الله . 


]٠١91[‏ فلما استقر بنا المقام ووجدنا بعض الراحة أحببت أن 
أقوم فأجول في القصرء فلما خرجت من البهو عرض لي أحد العبيد» 
وهم كثر في القصرء فقال لي: من هناء فتبعته وأنا لا أدري إلى أين 
سير بي بع الكهى إلى بآنه فأغان اليد وشعان عق قنشلات :نإذا آنا 
في حمام ما ظننت أني ألقى مثله في دمشق, له ظاهر وباطن وفيه الماء 
البارد والحارء والرشاش - الدش - والمناشف معلقة والصابون مهيأء 
فدهشت وفرحت فرحاً ما أفرح مثله لو أعطيت مائة دينار ‏ مع أني لم 
أرها قط ولم تحتوها يدي إلى الساعة التي أكتب فيها هذه الكلمة - 
فعدت فاستخرجت من حقيبتي ثوباً نظيفاً ولم أرض لثيابي التي كانت 
علي إلا بيت النار» أحرقتها والله؛ ودخلت الحمام وأنا أنظر إلى الباب 
أخشى أن ينزل علي من يشاطرني هذه النعمة أو ينغصها علي فلا أهنأ 
بهاء وأقبلت أصب على جسمي من الماء الحار فأحس له بعد هذا 
التعب بما تحس الأرض اليابسة هطل عليها المطرء حتى إذا انتهيت 
عدت إلى أصحابي بوجه متوردء وثياب نظيفة» فجن جنونهم عجبا 
ودهشة» ولكن وجود الأمير أمسك ألسنتهم فلما جلست أفضيت إلى 
جاري بالأمر فتسلل من مكانه إلى الحمام» وما زالوا يذهبون واحداً 
بعد واحد حتى اغتسلوا جميعاًء وكان إعداد الحمام أول ما شهدنا من 





61:2 


لطف الأمير السديري وتهذيبه. 


فلما انتهوا وكان الهزيع الأخير من الليل دعينا إلى المائدة» وكان 
فيها الخروف المعهود برأسهء ولكن حوله ألواناً من الخضر 
كالفاصولياء والباذنجان والطماطم موضوعة في أطباق صغارء وعلى 
المائدة الملاعق لمن شاءء فجلس الأمير وجلسناء وأكلنا أكل من لا 


خش اليَشْم! 


يحشى الم 

]٠١97[‏ ولم ثُمِقْ إلا فى ضحى الغدء فأفطرنا ورأينا البلد فإذا 
الدار التي نزلناها مستشفى كبير كان العثمانيون قد أقاموه عندما مد 
الخط الحجازيء. وأمامه رحبة واسعة جدآء ويقابله من آخر الرحبة 
المحطة العظيمة» وبينهما على يسار من يقف على باب المستشفى 
ويستقبل المحطة بساتين النخيل تخللها البلدة» وهي ستون بيتأء فيها 
ميتخل كمسخد القويات:وفييها ضر الامارة: 


هذه هي تبوك» ومن حولها الصحراء» وهي نصف طريق المدينة . 

]٠١97[‏ ذهبنا نزور الأمير في قصره الزيارة الرسمية» فدخلنا 
منزلاً صغيراً جدرانه من الطين» لا يختلف عن منازل الفلاحين في 
القرى الصغيرة من قرى الشام» فصعدنا درجاً ضيقاً إلى ردهة صغيرة 
تطل على أرض الدارء ولها درابزين من خشب عادي ليس فيه زخرفة 
ولم يَعْلّه صبغ» ثم ولجنا غرفة ضيقة لم تكد تسعناء في صدرها مكتب 
صغيرء وليس فيها إلا مقاعد من الخشبء» وكان الأمير وراء مكتبه 
فنهض لاستقبالنا بلطفه الذي وصفت . 


إلى أرض النبوة 





011 م 

]٠١9[‏ وكنت قد أبصرت ‏ على الدرج وفي أرض الدارء وفي 
الردهة العالية ‏ عدداً عديداً من العبيد» فعجبت من كثرتهم ولم أدر ما 
عملهم» فلما قال الأمير بصوت منخفض: قهوة» سمعت العبد الذي 
يقوم على رأسه يقول بصوت أرفع : قهوة: فيقول الذي على الباب : 
قهوة» فيصرخ الذي في الردهة: قهوة» فينقلها الذي على الدرج ثم 
الذين في أرض الدار حتى يبلغ الصوت صانع القهوة» وكانت تلك 
عادتهم ولكنا لم نعرفهاء فما راعنا ونحن نسلم على الأمير ونتحدث 
إلا ستون قهوة» قهوة» بأصوات كالصوت الذي ذكره ربنا في القرآن» 
تخرج متعاقبة متلاحقة كصراخ الجن لا يفهم منها شيء». فلم ندر ماذا 
حدث؛. وعملت المفاجأة عملها في نفوسناء فمنا من صاح ومنا من 
ابتدر الباب» ومنا من سقط على الأرض» دمنا من وضع يده على 
سلاحه» وكان الأمير مبتسماً مسروراً من هذه الدعابة . 


]1٠١96[‏ وليس كثيراً أن نحمل في سبيل القهوة هذا الفزع؛ فإن 
للقهوة عند العرب اليوم من الشأن ما يقل معه كل تعب ينال من أجلهاء 
ولها عندهم قواعد وقوانين لا معدل عنها ولا ترخص فيها؛ فمن 
قوانينها أن البن يدق بالهاون دقاً حتى يسمعه الضيفان فيهرعوا إليهاء 
ولا يجوز أن يطحن طحناً لأن ذلك من اللؤم» وأنهم يتخذون لها أواني 
كثيرة يصبون القهوة من إناء إلى آخر ليصفوها ويرققوهاء ويسمون كل 
دلة من هذه الدلال باسم. فهذه العروسةء وهذه الأم» ولقد رأيت عند 
أمير تبوك أكثر من عشرة أوان ‏ دلال ‏ كلها مملوءة» والساقي يحبها 
حباً شديداء ويراها في معدلة أولاده. . 





-إدفلقه 

وهم يخلطونها بحب الهيل» ويضعون قطعة من الليف في فم 
الدلة تقوم مقام المصفاة» فإذا نضجت القهوة قام الساقي فأخذ الإناء 
باليسرى وقدم الفناجين باليمنى» ويرون تقديمها باليسرى ‏ كما يمفعل 
الشاميون ‏ إهانة للضيف قد تجر إلى سفك الدم» والعياذ بالله تعالى» 
فيأخذ الضيف الفنجان بيمينه فيشربه ويدفعه إليه» فلا يزال يصب فيه 
حتى يهزه الضيف ثلاث هزات علامة على أنه قد اكتفى» ولا يصبون 
في كل مرة إلا رشفة واحدة لا تكاد تستر قعر الفنجان» وعندهم أن 
هذا من الإكرام» وإذا ملأ الساقى فنجان أحدهم كان ذلك احتقاراً له 
ويبدأ الساقي ممن على يمينه ثم يعطي من يليه» وإذا هو تخطى واحداً 
فقد أهانه إهانة بالغة لا يصبر عليها إذا كان شريفاًء وإذا اكتفى الضيف 
ولم يأخذ الفنجان بعد أن يصبه الساقيى وجب على الساقي أن يشربه هو 
أو يريقه على الأرض» ولو كان على الأرض بساط قيم أو سجاد ثمين» 
ولا يدفعه إلى الذي بعده. 


]٠١97[‏ هذا جانب من قوانين القهوة» وللقهوة عند العرب شأن 
كبير فقد يستغني البدوي عن الطعام والماء ولكنه لاا يستغني عن 
القهوة» ولا يعدل بها شيئأًء وقد يميل عن الطريق مسيرة يوم ليشربهاء 
وقد حدثنا أستاذنا شكري الشربجي ‏ وقد كان على رأس فرقة عسكرية 
من العرب أيام الملك حسين رحمه الله أنه افتقد جنده في ساعة 
.حرجة فلم يجدهمء فلما عادوا سألهم فخبروه بأنهم افتقدوا القهوة 
فذهبوا ليشربوها فقال: في مثل هذه الساعة تهتمون بالقهوة؟ قالوا: 
والله يا بيك نتقهوى ولو كان في خشم الأسد. 


إلى أرض النبوة ظ 





- 01 

وللعرب بالقهوة اهتمام عظيم حتى أنهم من اهتمامهم بها نحتوا 

من اسمها فعلاً هو تقهوى يتقهوى تقهوياًء وتوسعوا في معنى هذا 

الفعل حتى شمل الشاهي والطعام يؤكل في الصباح» فهم يقولون. 

اقلط تقهوى. أي: تفضل اشرب القهوة أو اشرب الشاهي أو كل» وقد 
يقولون تقهوى شاهي . 

هذه هي القهوة. وهي لذيذة نافعة لا يقوم مقامها شيء في إراحة 
الجسم بعد التعب الشديد والسير في الصحراء تحت الشمس المحرقة. 
وقد جربنا ذلك بأنفسنا . 

]٠١917[‏ أما الشاهي ‏ أعني النجدي منه ‏ فسمّ ناقع يشرب فيه 
شاربه المرض والحمىء ذلك أنهم يأخذون الشاي الأحمر فيغلونه على 
النار» ثم يغلونه حتى يصير أسود مثل دم الغزال» على حد تعبيرهم. 
ويشربون منه كؤوساً كثيرة» ولو أنك كنت في ضيافة أمير أو شيخ من 
مشايخ البدو لم يمر عليك دقيقتان لا يقدم لك فيهما قهوة أو شاهي. 
ولا تفتأ تسمع الأمير أو الشيخ يصفق وينادي : 


فهوة. شاهى . شاهى . فهوة. فتصور مجلساً على هذه الحال 


تلك هي القهوة. وذلك مبلغ غرامهم بها. 


على باب السلام 
]٠١44[‏ مضت ساعة كاملة» ونحن نعالج السيارة لنخرجها من 
الرمل» نرفعها طوراً بالآلة الرافعة» وطوراً بأيديناء ونزيح الرمال من 





طريقهاء ثم نمد لها ألواحاً من الخشب لتمشي عليهاء ونجرها 
بالحبال» وندفعها بالأيدي » حتى إذا سال منا العرق» ونال منا التعب 
مشت على الألواح حتى إذا وصلت إلى نهايتهاء عادت فغاصت في 
الرمل إلى الأبواب» فأيسنا وبلغ منا الجهدء وهدنا الجوع والتعب» 
والحرٌ والعطش» فألقينا أنفسنا على الرمل صامتين مطرقين» حيارى 
قانطين . 

وتلفت فلم أر إلاالرمال المحرقة تمتد إلى حيث لا يدرك البصرء 
متشابهة المناظر» متمائثلة المشاهد : 
في 0000 تشابهت أرخاؤة كأن لون أرضه سمأوه 

فرحت أفكر فى هذه الأيام العشرين» وما قاسينا فيها من ألوان 
المكاره» وأتصور الغد الرهيب الذي ينفد فيه ماؤّنا وزادنا ويلمحنا فيه 

وجعلت أحدّ النظر فى هذا الأفق الرحيب لعلى أرى قرية أو خياماً 
فلا أرى إلا لمع السراب» ولا أبصر إلا هذه الجبال التي طلعت علينا 
كيلا وهي قيد أبصارناء تلوح لنا من بعيد» كأنها بحر معلق حيال الأفق 
ضائع بين السماء والأرض . 


)١(‏ أي الصحراء. 


إلى أرض النبوة 





: فشققت هذا السكون وصعحت بالدليل. محمد العطوي‎ ]١٠١569[ 
يا محمد إيش تكون هذه الجبال؟‎ 


'فقال: هذه ياخوي جبال المدينة ‏ وحنا ‏ نحن» إن شاء الله الظهر 


قلت: ما تقول؟ ووثبت وثبة تطاير منها اليأس والخمول عن 
عاتقي . وأحسست كأن قد صب في أعصابي عزم أمة» وقوة جيش» 
وظننت أني لو أردت السحاب لئلته» ولو غالبت الأسد لغلبتها؛ ولو 
قبضت على الصخر لفتته»ء وجعلت أقفز وأصرخ لا أعي ما أنا فاعل؛ 
فقد استخفني الفرح» وسرني من هذه الكلمة أكثر ما يسرني أن يقال 
لق 1 اتيك أسر المو هن 


يا 


وصعحت بأصحابى فقاموا كالأسود. 


عالجنا السيارات حتى أخرجناها من الرمل» وملنا بها عن هذه 
الكثبان» حتى ألقيناها عن أيمانناء وانتهينا إلى أرض شديدة درجت 
عليها السيارات» فاستندت إلى النافذة وأطلقت نفسي تطير في سماء 
الأماني» فلم أدع صورة للمدينة إلا تصورتهاء وأقمتها أمام عيني» 
وأفضت عليها ما أستطيع من الجمال والجلال فلا أطمئن إليها ولا 
أجدها إلا دون ما في نفسي . 


]٠٠١[‏ ولم يكن يربطني بالأرض إلا صوت الدليل. وهو يهتف 
بالسائق : 





الشعب» تتكب هذه الرملة» ثم يعود السكون. 

سرنا أربعين كيلاً أخرى. ولا تزال هذه الجبال تلوح في الأفق» 
يومض الأمل المشرق فى ظلمة اليأس» ودخلنا فى أودية مالها آخرء 
غابت عنا فيها الجبال التي كنا نراها فتستأنس بمرآهاء وقاسيئا فيها 
الشدائد من التواء الأرضء. وكثرة الأحجارء وتشابه المسالك» ولم 
يكن فينا من ينْبس» إلا أن يعرض لنا جبل أو شعب فأسأل الدليل عن 
اسمه لأكتبه في دفتري الذي سرق مني في آخر الرحلة» ثم أرجع إلى 
صمتي الطويل» فلما زال النهارء صاح بي الدليل : 

هيه» أنت يال كاتب» اكتب؛ هذا أحد. 


فقال: ما قلت لك الظهرء هذا أحدء. بقى نصف ساعة . 


1١[‏ | لم يكن يدري الدليل الأعرابي أي ذكريات انبعثت في 
نفسي حين قال: هذا أحدء ونظرت فإذا أحد لا يزال بعيداً يعترض هذا 
الوادي الذي نسير فيه مشرقاً بهياًء تومض عروقه المختلفة الألوان» من 
الأخضر البهيء إلى الأحمر المشرق» إلى الأزرق اللامع» فتمتزج هذه 
الألوان» وتختلط» فيكون لها في العين أبهى منظرء وفي القلب أسمى 
شعورء فازداد بي الشوق» فأقبلت أحتث السائق وأستعجله» أودٌ لو 
تطوى له الأرض طيأء أو يطير بنا إلى المدينة طيراناً. 


إلى أرض النبوة 





- 


ومالي لا أزداد شوقاً إلى المدينة» وليس بيني وبينها إلا ربع 
ساعة؟ 


وأعظم ما يكون الشوق يوما 


ولما خرجنا من الوادي وانتهينا إلى الفضاء الرحب رأينا وجه أحد 
وعلى سفحه النخيل والبساتين» ورأينا سَلْعَاً وهو جبل عال أسودء 
يقوم حيال أحد فيحجب المدينة وراءه» فلا يبدو منها إلا جانب 
الحرة» وطرف النخيل . ظ 

]٠١1[‏ كان علينا أرطال من الغبار والأوساخ فاستحيينا من 
رسول الله كلةٍ أن ندخل مدينته ونسلم عليه ونحن على مثل هذه 
الحال؛ وكانت البساتين والحيطان قريبة مناء فسرنا إليها نَْبَ''' في 
الرمل» فلما دنونا من أحدها سمعت غناء موقعاً على ناي كأشجى 
وأطرب ما سمعت من الغناء» فتعجبت ثم ذكرت أن أهل المدينة مذ 
كانوا أطرب الناس وأبصرهم بالغناء وهممت بالدخول» ثم أحجمت 
وقلت : لعل المغني امرأة؛ فلقد كان الذي سمعت صوتاً طرياً رقيقاً لا 
يكون إلا لامرأة أو غلام» ثم حانت مني التفاتة من فرجة الباب فإذا 
المغني عبد أسود كالليل وإذا الذي حسبته ناياً ناعورة يديرها جمل» 
لها مثل صوت النواعير في حماة لكنّ صوتها أرق وأحلى» وإذا هذا 


0010 أي نسرع . 


المختار من الرحلات الحجازية 





السور الذي تلطمه الصحراء برمالها قد عرّش على جانبه الآخر 
الياسمين» وأزهر عليه الفل وظللته الأشجارء وحنا عليه النخل» ورأينا 
الماء يهبط على الساقية» كأنه ذَّوْبٍ اللْجَيْنء ثم يجري فيها طافياً عذباً 
متكسراًء فجننا برؤية الماء الحارى ولم نكن قد رأيناه منذ عشرين يوما 
إلا مرة واحدة في العلا واقتحمنا الباب وأقبلنا على الماء نغمس فيه 
أيدينا وأرجلناء ونضرب به وجوهنا. ثم لا نشبع منه ولا ننصرف عنه 
حتى شممنا رائحة الحياة» فاستلقينا على الأرض ننظر إلى الصحراء 
الهائلة التي أفلتنا منها»ء وضرب بيئنا وبينها بسور له باب: باطنه فيه 
الرحمة وظاهره من قبله العذاب . 


]١٠١١“*[‏ اغتسلنا ولبسنا ثياباً بيضاً نظافأء وتطيبناء ثم ركبنا في 
السيارات إلى المدينة» فلم نقطع سَلْع”'2 حتى بدت لنا المدينة كصفحة 
الكف يحف بها النخيل وتكتنفها الحرارء» وتقوم في وسطها القبة 
الخضراء التي يثوي تحتها جسد السيّد الحبيب محمد يك وتكشفت 
لنا ذنيا كلها خير وحقيقة وجمال؛ وعالم كله مجد وفضيلة وجلال» 
من هنا خرج الجند الثلثمائة إلى بدر فدكوا صرح الاستبداد والجهالة: 
ورفعوا منار الحرية والعلم» أقاموه على جماجم الشهداءء» وسقوه 
هاتيك الدماء فأضاء نوره الجزيرة كلهاء ثم قطع الرمل فأضاء الشام 
والعراق» ثم قطع البحر فأضاء الهند وإسبانيا فاهتدى به الناس إلى 
طريق الكمال الإنساني . 


)١(‏ هو الجبل الذي تكلم عليه آنفاً. 


إلى أرض النبوة 





0119 - 
]٠٠١:[‏ خفق قلبي خفقاناً شديداًء وخالطني شعور بالهيبة من 
دخول المدينة والسلام على رسول الله يَكْْ على ما في نفسي من الفرح 
والسرورء وجعلت أتأمل المدينة وقد دنونا منها حتى لقد كدنا نصير 
بين بيوتهاء وأحدّق بالقبة وتحتها أفضل من مشى على الأرض» وقد 
شخص بصري» وكدت لا أرى ما كان حولي لفَرْط ما أحس من جَيسَان 
العواطف في نفسي». حتى غامت المشاهد في عيني» وتداخلت كأنها 
صورة يضطرب بها الماء» وأحسست كأني قد خرجت من نفسي». 
وانفصلت عن حاضري» وذهبت أعيش في عالم طلق لا أثر فيه لقيود 
الزمان والمكان. 


]٠١5[‏ ونظرت فإذا السيارات أمام باب السلام» فاشرأبت 
الأعناق» مقت الأشنار» دمعت العيون» وخفقت القلوب» وتعالى 
الهتاف ونزلنا ندخل مسجد الرسول يك وكانت.حال لا سبيل إلى 
وصفها قطء اللهم اجعل لنا إلى تلك البقاع التي شرفتها بمحمد معاداً. 


من المدينة إلى تبوك 


]٠١[‏ خرجنا من المدينة مع الغياب فوصلنا (بعد سنة أكيال) 
بتر عثمان وكانت آخر العمران» فبتنا فيها وأصبحنا يوم الأربعاء ١6‏ 
مايس 1978» فاستقبلنا الصحراءء فسرنا بين جبال واطية لا يتجاوز 
عرضها مئة مترء ثم اتسع الوادي. وانكشفت البادية» وكان الوادي 
ممتلئاً بالحجارة التى وجدنا أكبر المشقة في إمرار السيارة عليهاء فلما 
خرجنا منه قلت الحجارة» وسهل الطريق» وما كان ثمة من طريق ‏ بل 


المختار من الرحلات الحجازية 





هلق 
كنا نمشي في عرض البادية - وبدت لنا أشجار السَّمُرء واحدته سمرة 
وسمرة اسمء وهو شجر شوكي يشبه المشمش لولا أنه مسطح من 
أعلاه» له منظر الشمسية» وأشجار الحَرمّل - واحدته حرملة - وهو 
مستدير طويل الورق» علوه نحو نصف ذراعء والبدو يدخنون به من 
يصاب بالجدري يداوونه به» وأشجار السلم وهو شجر شوكي كبير. 


وكنا نمشى إلى جنب سكة الحديد. 


وأمسى علينا المساء في محطة البوير فبتنا فيهاء وهي على بعد 
5 كيلو متر من المدينة . 

]١١١0[‏ والمحطة ست عمارات كبيرة من الحجر الأسود» مبنية 
سنة 175١هاء‏ وهي غخالة: خخاؤية»:. بوأمامها: الخط :ضدثا موسيياء 
والحافلات محطمة مكسورة» يبكي قلب من يراها مرتين: مرة لما آل 
إليه أمر هذا الخط الذي بني بأموال المسلمين وبأيديهم. ومرة لأنه هدم 
بأيدي المسلمين» وجعلت أتذكر هذه العمارات لما كانت فيها الحياة» 
وكان يزدحم عليها الحجاج ذاهبين وآيبين» والبدو من حولها بائعين 
ومرتزقين» والدنيا قد زحفت إليهاء فآضت" الآن في سكون القمر 
ووحشة المقبرة» ما فيها ديّار ولا نافخ نار. 

]١٠١١[‏ وكانت ليلة قمراء» وكانت نسائم الليل رخيّة منعشة ولا 
يعدل نهار الصحراء في شدته إلا ليلها في لينهء فاستلقيت بعد هذا 
التعب. أنعم بالراحة بعد الجهدء. والنسيم العليل بعد الشمس 


إلى أرض النبوة 





01 - 
المحرقة» ولكن النعمة لم تتم فلقد رأيت ما جعلني أثب وثباً وأقفز 
مبتع دا ؛ رأيت عقرباً وقتلتهاء فما مرت لحظة حتى رأيت أخرى» وثالثة 
ورابعة وتاسعة وعاشرة. وإذا الأرض كلها عقارب فطار نومي» 
وطويت بساطي وعباءتي فحملتها فدخلت المحطة وصعدت إلى 
سطحها أبتعد عن العقارب». فإذا المحطة ممتلئة بالعقارب وإذا هي 
تخرج منهاء فبقيت حائراً لا أدري ماذا أصنع» ورأيت القوم كلهم ناموا 
وأنا باق وحدي فهدني التعب» فاضطجعت وأحسست بشيء يمسن 
رجلي فأشعلت عود كبريت - ولم يكن معنا مصباح كهربائي ‏ فلم أجد 

شيئاً» وأخذني النوم فما شعرت إلا والدليل يوقظني لصلاة الصبح . 


مشينا مع طلوع الشمس نغنم برد الصباح لنقطع فيه ما لاا نستطيع 
قطعه في التهاب الظهيرة. ومررنا بشعاب كثيرة ولكنها سهلة كانت 
السيارة تجتازها من غير أن ننزل فنجرها. 


]٠١9[‏ ووصلنا إلى محطة أبو النعم بعل مسيرة خمسة وعشرين 
كيلاً» فوجدنا فيها بئراً عميقة حفرت لما بنيت المحطة» ولم نجد حبلاً 
ولا مضخة. فحرنا كيف نصل إليهاء وكان معنا دليل بدوي شيطان من 
شياطين البادية» فلما رأى حيرتنا ضحك مناء ونزع خفه وعباءته وعلق 
القرب بعنقه وهبط إليهاء ولم يرض الخبيث أن يملأ قربنا حتى اغتسل 
في ماء البئرء وخبط الماء بعكره وقد وجدنا الماء الذي أخرجه - مع 
ذللك كلةى كأنههاء الفنحة”. 


2000 هي نبع ماء فريب من دمشق . 





اقلق 

وسرنا - بعد نصف كيل - في رملة سوداء عجيبة» ولكن الأرض 
كانت حزماًء والحزم ‏ بعرف البدو ‏ الأرض اليابسة التي لا تغوص 
فيها الرجل . 

[ 5 أردنا بالتبكير السرعة» ولكن الله أراد لنا البطاء؛ فتعطلت 
سيارة ولبثنا في إصلاحها ست ساعات وكانت الشمس في كبد السماء. 
وكنا نتمنى أن نجد ظلاً ولو بقدر ذراع فلا نجدء وإن دخلنا السيارة 
وخخلنا درن ابيا لذ يدكن: النقاء انيه دفيقة ركان الوواء وي سكا كانه 
خارج من تنورء ولم أجد - والله - وسيلة أستطيع فيها أن أتنفس هواء 
بارداً إلا بأن حفرت في الرمل نحو نصف مترء وأدنيت أنفي من 
الأرض لأجد برودتها فلا تلبث هذه البرودة حتى تجعلها الشمس جمرة 
تتلظى» وغسلنا العرق» ولم نعد نجد القدرة على الوقوف فضلاً عن 
الحركة» ثم يسر الله فمشت السيارات . 

]١١١1[‏ وكان الدليل صموتاً قليل الكلام» فوجدناه قد انطلق 
فجأة صائحاً مستبشراً يشير بإصبعه إلى الأمام» فأبصرنا فلم نر شيئاء 
فسألناه: ماله؟ 


قال: الوادي . 

فما مشينا كيلاً واحداً حتى رأينا مشهداً استخفنا نحن أيضاً كما 
استخف الدليل. وععيينا أنفسنا لما اناه فى حلمء وجدنا وادي هدية 
سائلا» وهو واد كبير عليه أشجار الدومء وهو نخل لا يثمر له جذوع 
متعددة جميل المنظرء فكان لمرأى هذا الماء الغزير الذي يسيل كنهر 


إلى أرض النبوة 





قوي عرضه أكثر من عشرين ذراعاًء بعد ظهيرة الصحراء المحرقة» أثر 
فى نفوسنا لا يكاد يوصف. وتركنا السيارات لا نفكر فى إجازتها 
السيل» وأقبلنا على الماء نشرب منهء ونغمس فيه أيدينا» ونضرب به 
وجوهنا كمن لم ير في حياته ماء» 'لقد جننا برؤية الماء؛ وما ظنك بمن 

وخضناه بالسيارات والماء يتطاير رشاسة على وجوهناء ويدخحل 
من نوافل السيارة فيبل ثيابنا ونحن من فرحتنا بالماء لا نبالى ما ابتل 

وأمنين علينا المساء تو كنا اق بوادى التسيضن .نونهى واف:ظويل عدا 
يمتد من جبال الطائف إلى خيبر» وينتهي إلى البحر ‏ فبتنا فيه على بعد 
١‏ كك من المدينة. ظ 0 

وقد قطعنا في هذا اليوم مئة وسبعة أكيال. 

الجمعة ١١/‏ مايس ه91١1‏ 

سرنا من الغداة في أرض رخخوة بين أشجار السلم وهو من أكبر 
اكتهان البادية. والسّرح وهو أكبر منه) ومله ما هو بمقدار الجوزة 
الكبيرة فى الغوطة . 

وبلغنا الصورة ‏ على بعد ”7 من المدينة - وليست محطة من 


كانت تتسلسل على طول الطريق في كل واحدة منها قلعة وبئر وبركة 
واسعة تملا قبل وصول الحجاجء وكانت حماية كل قلعة منها لأسرة 





من أسر الشام المشهورة. يقيم واحد منها في القلعة طول السنة يحميها 
الدليل ليملاً القربء ووصيناه ألا يغتسل إلا بعد أن يملأها؛ لأنا لا 
نحب أن نشرب غسالة جسده الجميل . 
]١١١[‏ الضب 
وسرنا فوجدنا ضباً بطول شبرين» فسألت الدليل عنه لأني لم 
أعرف ما هو وإن كنت أحفظ أسمه » وأشرت إليهء فلما رآأه الدليل 
قفز من السيارة كمثل قفزة القط رأى فأراًٌء فاحتوشه وجاء به فى يده. 
فأوقد ناراً وذبحه وشواه وجعل يأكلهء فأغمضنا عيوننا من بشاعة 
المنظر . 
ودخلنا في واد ضيق صعب فيه شعاب وحجارة» ثم اتسع من 
حولناء ثم صرنا في فلاة واسعة. 
ووصلنا محطة المشهد ‏ على بعد 5194 ك عن المدينة - فلم نقف 
عليهاء ومررنا بمحطة «البدائع». وهىي محطة كبيرة على بعد ٠١5‏ ك 
من المدينة . 
١١١ [‏ ]الثمر 
وكنا قد بتنا فيها في القدوم. وكان معنا الدليل محمد الأعرج 
فرأيته قد أخذ بندقيته وابتعد عن القوم فقلت: ما هذا! 


إلى أرض النبوة 





فلم يردء وكان ‏ كأكثر الأعراب ‏ قليل الكلام» فأعدت السؤال. 
فقال: نمر! يقول «نمر» كما يقول أحدنا «قط». لا يكترث ولا يبالي . 


قلت : أين هو؟ 


فاشنان -نردة فرأيت في الظلام عينين متقدتين كما تتقد عيون 
القطط. فرماه برصاصة فاختفت العينان . 


قال: لا بالله . 
فنظر إلى ولم يجب. وتمدد فنام . 
وكنا ننام متفرقين» بلا خيمة ولا حرس يفرش كل بساطه تحته 


ويلقي عليه عباءته وينام ‏ فجئت لأنام فلم أستطع , وكيف أنام والنمر 
يجول من حولي ولو كان كلب أو تعلباً لما باليت به» ولكنه النمر؟ 


ساهراً أنظر حولي إلى الصباح . 


كان هذا في القدومء ولقد مررنا بها الآن فلم نقف عليهاء وكنا 
نمشي إلى جنب سكة الحديد» والجبال عن أيماننا وشمائلنا بأشكالها 
العجسييةة كان دراع91 القناب. والساذن والعمات[ ومن فك ومنعطيل 


)١(‏ أي قممها. 





وهرمي. وذرى على هيئة الحيوانات» لها ألوان عجيبة لا توصف من 
تعددها وتموجها. 


وهذا هو وادي القرىء الذي ملاً ذكره الأخبار»ء وسارت به 
الأشهار: 

وبلغنا العلا بعد العصر. 

]١١١[‏ في العلا 

العلا قرية صغيرة جميلة» تقوم في واد ضيق» تحف به هذه 
الجبال الجميلة الممتعة ذات الأشكال الغريبة» ولون أكثرها أحمر 
مخضر جميلء» والوادي كوادي العين الخضراء فيه العيون والسواقي 
والأشجارء وأمتع ما فيه هذه النواعير (السواني) ذات الصوت 
الموسيقي الفاتن» ولقد حسبتها في سكون الليل نايا أو آلة موسيقية» 
فيال هنها تاخبوو انها النواصين, 

]١١١7[‏ وكنت أمشي في طريق البلد» وبين البلد والمحطة نحو 
من ساعة على الأقدام.» وفي المحطة قصر الأمير ودوائر الحكومة. 
سيعت صوتاً غريباً حلواً آلفه.» ثم ذكرت أنه كصوت نواعير حماه 
فدخلت وإذا هي حديقة من أجمل الحدائق فيها سانية (والسانية بئر 
أمامها وَهْدة مستطيلة يروح فيها الجمل ويغدوء وعلى البئر قربتان 
صاعدة ونازلة) ووجدت في الحديقة عريشة رطبة» حولها النخل 
والرمان والعنب -والورد والنعنع فأمضينا فيها أمسية لا تنسى . 


إلى أرض النبوة 





010 - 
]1١1[‏ "1 كأساً من الشاي 
وكنا قد أمضينا هذه الأيام الثلاثة لم ننم فيها أكثر من ساعات ( 
معدودات» وكنا نمضي ليلتنا مع الوحوش والعقارب» ونهارنا في 
الشمس المحرقة» وكان الصداع قد مرّق أصداغي» فكنت لا أتمنى في 
الدنيا شيئاً إلا أن أجد مكاناً هادئاً وفراشاً طرياً فأنام عشر ساعات» 
وسألت عن موضع المنامء فقالوا: هيهات إن الأمير يدعوكم إلى 
العشاء . 
وكنت أعرف ما هذا العشاءء إنه ليلة بيضاء لا نوم فيها؛ لأن 
الإكرام عندهم أن يذبحوا لك الخروف». وأن تنتظر حتى يسلخوه 
ويصلحوه ويطبخوه ويقدموه» فتذهب في ذلك ست ساعات . 
]١١14[‏ ودخل العبد بالشايء» ومن عادتهم فيه أن يصفوا 
الكؤوس في الصينية» شاياً أحمر وأخضرء يأخحذ الضيف من أيهما 
شاءء ثم يقف العبد بالإبريق فمن شاء ثنى أو ثلث» وكنت من الحاجة 
للشاي بعد هذا التعب وهذا النعاس» كالأرض العطشى في حاجتها إلى 
المطرء فشربت كأساً وثنيت وثلثت» وما زلت أستوقفه وهو يصب لي 
حتى شربت ثلاث عشرة من هذه الكأسات الصغار جداًء فما كان من 
العبد إلا أن بربر وقال مالم أفهم» وتركني وولىء وما نمنا تلك الليلة 
السيت ١8‏ مائيس ه917١‏ 


]١١١9[‏ أمضينا التهار نياماً» فلما صلينا العصر دعانا الأمير إلى 


المختار من الرحلاات الحجازية 





01 - 


الشاي في حديقته. فركبنا عربة صغيرة على السكة من المحطة حيث 
يقيم الأمير إلى البلد» ندفعها بأيدينا حتى إذا درجت وثبنا إليهاء نتعب 2 
ها أكثر هما تزيخنا .: كأنها نحن تحفلها لا هن الى تجيلنا »حت إذا 
ونسيم عليل». وماء جار. ونخل ورمان»ء وعنب وبين » ومشمش وتماح ء 
وورد وفل» فشربنا الشاي الأخضر بالنعنع» والمرطبات بالليمون 
الغعض»ء ورجعنا ومع كل منا صرة من الثمارء وطاقة من الورد والفل . 


]١١١١[‏ أمضينا صباح هذا اليوم نرى البلدة وهي صغيرة» وفيها 
حيان: الحي الأعلى ويسمونه (الشقيق) وهو من جهة الشام» والحي 
الأسفل يسمونه (الحلف) وهو من ناحية المدينة» الحي الأول قديم 
والثاني جديدء وفيها خمسة مساجدء ومساجدها كما رأينا من 
المساجد في تبوك والقريات» غرف سقوفها من سعف النخل عليه 
الطين» وأرضها من الرمل الناعم . 

وفيها مدرسة ذات ثلاثة فصولء فيها ثلاثة معلمين ومئة وخمسون 
تلهيذا: 

١71[‏ ! وفي العلا من العيون والسواقي والحدائق والزروع ما 
يُذكر المرء بالغوطة"'' ووادي بردى . 


000 هي منتزه دمسشق وحديقتها الفيحاء» وقل كانت كذلك في الماضي أما اليوم فقد 
غراها العهران. 


إلى أرض النبوة 





وفي جبالها - من جهة الشام ‏ كتابات لم أستطع أن أقترب منها 

وودعنا الأمير شان فلما جاوزنا الوادي عادت الصحراء 
واختفت تلك الجنان والحدائق» فذكرت قصة (المدينة المفقودة). 

. وتصايح أصحابنا: البطيخ» البطيخ‎ ]١١171[ 

فنظرت فإذا البطيخ تمتد عروقه على الأرضء» لكنه دون بطيخنا 
في الحجم. وهموا بأن يقطفوا من ثمره فضحك الدليل» وقال لهم : 
هذا الحنظل ! 

]١1*[‏ وكان الذي نغص علينا مقامنا فى العلاء بل الذي كان 
يؤذينا حيثما قابلنا هو مواكلة هؤلاء البدو الذين ما تعلموا قط أن 
النظافة من الإيمان» وما رأينا واحد منهم يغسل يده بالصابون - ولو 
رأى الصابون أمامه والماء جارياً بين يديه بل يأكلون بالخمس 
والكف ». ثم يمسحون بثيابهم التى يلبسونها وهي بيضاء. فلا ينزعونها 
حتى لا يعرف لها لون. أل ممسحون بشعورهم المسبلة» لقد كان 
القعود معهم على الطعام لونآ من ألوان الانتحار البطيء . 

ووقفنا ساعة الأصيل فى واد جميل». كأنه امتداد لوادي العلا . 


وكان الليل قد أظلم فبتنا في هذا الوادي . 


المختار من الرحلات الحجازية 





الاثثدن ” مائيمس ه“  ١‏ 
[:؟١١]‏ أصبحناء فسرنا قليلا فوصلنا مدائن صالح . 


والمحطة قريبة منهاء وهي أكبر محطة على طريق السكة 
الحديدية» فيها كثير من الحافلات» وفيها ماء عذب وحولها بساتين 
تزرع فيها الخضراوات وينزل بالقرب منها الأعراب» ولما وصلنا إليها 
كنا قن وفيت دل قارقنا الجدحة #الأتهانة وسيعة ومسي كيل . 


]١١75[‏ وبعد المدائن بخمسة وعشرين كيلاً دخلنا في جبال 
الخور الصخرية الهائلة» وهي شى في سلسلة الجبال التي تعترض 
الطريق بصخورهاء ندخل فيه فلا يلبث أن يستدير ويمر وسط الجبل 
كأنه نفق حتى ينفذ من الجهة الأخرى. وله فروع ثلاثة. وكلها مملوء 
بالرمل الناعم الدقيق» فلو حفرت فيه عشرين متراً لما وصلت إلى 
الأرض» ولو أنعمت النظر فيه لوجدته في حركة دائمة» ينتقل من مكان 
إلى مكان بأيسر نسمة وأخفهاء لذلك كان عمال يزيحون الرمل عن 
الخط دائماًء فإن تركوه يومين غطاه الرمل» وطول الخور أحد عشر 
كيلاًء ولكنا ما قطعناه حتى قطعنا فيه يوماً كاملاً ويبعد أوله عن 
المدائن 7؟ كك . 


]١١55[‏ وقد بتنا في أوله نشتغل في إعداد السيارات لاجتيازه 
نجمع لها الحشائش فنضعها تحتهاء ونمد تحت الحشائش الشريط 
والأخشاب ثم لا نستطيع أن نجوز بها لأن الخشب يغوص في الرمل 
والشريط يلتف على الدولاب» وما استرحنا حتى انتصف الليل وسقطنا 


إلى أرض النبوة 





من الوعياء . 
]١١717[‏ وليمة بدوية 


وكان هؤلاء الأدلاء من البدو كلما أكلوا من طعامنا قالوا: أين 
هذا من «الحنينة». لا شىء أطيب ولا أمرأ من «الحنينة»! 

فكنا أبداً نشه هذه (الحنينة». وننتظر أن نذوقهاء وهم يعدوننا 
ويمنونناء فلما لبثنا هذا اليوم في الخور أرادوا أن يكرمونا وينسونا ألم 
التعب بلذة الأكل. فأعدوا لا «الحنينة) . 

جاؤوا بالدقيق فعجنوه بهذه الأيدي القذرة» ذات الأظافر السود. 
وصبوا عليه السمن النيء ومزجوه به» ثم جاوٌوا بالعجوة فعسجلوها 
معه.» فكانت الأكلة من ثلائة أجزاء متسأوية : جرء من الدقيق. وجرء 
من السمن» وجزء من العجوة» وانضم إليها جزء مثل ذلك من الرمل 

وكنا نريد أن نفطر الصبح» فقالوا: لاء بل تصبرون حتى تأكلوا 
الحنينة على الريق . 

فصبرنا وصبرنا حتى اقترب الظهر ولم تنته الحنينة . 


ثم جاءت» فأقبلوا عليها بأيديهم يكبكبون ويرمون في حلوقهم. 
ويومين» عليها أربعة وثلاثون غراماً من الأوساخ. فحاولت أن آكل بها 


فلم أقدرء فأخذت بين إصبعى شيئاً من هذه الآفة التى اسمها الحنينة. 
وأ 2 عيني ووذ تها في فمي فخث- . ' نيعت فلفظاء امغيدا: 

وذهبت أفتش فوجدت بعد التعب كسرة يابسة من الخبز وشيئاً من 
الحمر فأكلته وحمدت الله عليه. وعلى النجاة من هذه الحنينة . 


ولما خلصنا من الخور. كان أكثر النهار 5 قد ولى. فسرنا نستقبل 
الشام”'' . 


)0010( إإلى هنا 3 تم المراد من الاختصارء وللّه الحمد. 








الرحلة الحادية والعشرون 


في منزل الوحي 


5 د 5 3 فيكل7١)‏ 


خرج من السويس بطريق البحر حاجاً سنة ٠١975‏ فوصل إلى 
حله . فقال رحمه الله تعالى : 


تخطينا بناء الجمرك. ولا يكاد يرى الإنسان أثناءه طريقه لضثئالة 
نور المصابيح المعلقة إلى جدرانه» وتفضل رسول مضيفنا فأمر من 
تقدمنا بمصباح ذي نور أبيض» وأفضى بنا الجمرك إلى ميدان فسيح 
لولا نور القمر لتعذّر علينا أن نصل منه إلى جانب وقفت السيارات فيه 
وقد أعدّت إحداها لتقلنا إلى أم القرى . 


الله أكبر! هأنذا بالأراضى المقدسةء بلاد النبى العربى محمد يَلِلَِ 


)١(‏ محمد بن حسين بن سالم هيكل» ولد في قرية كفرغنام بالدقهلية بمصر سنة 
6؛ كاتب. صحفي». مؤرخ» من أعضاء المجمع اللغوي.» ومن رجال 
السياسة»ء تخرج في مدرسة الحقوق بالقاهرة» وحصل على الدكتوراه في 
الحقوق من السربون بفرنساء وافتتح مكتباً للمحاماة بالمنصورة» وكتب في 
الجرائد» وترأس تحرير جريدة «السياسة» اليومية ثم الأسبوعية» ودرس القانون 
المدني بالجامعة المصرية القديمة» وولي وزارة المعارف مرتين ثم رأس مجلس 
الشيوخ» توفي بالقاهرة سنة ١71/5‏ رحمه الله تعالى. أنظر «الأعلام»: 5//ا١٠.‏ 


المختار من الرحلات الحجازية 





وبعد سويعة سأكون في الطريق إلى مكة. ما أكرمك ربي وما أعظم 
رحمتك ورضاك! قضيت أن نحج بيتك ويسرت لنا سبيله. فتقمّل ربنا 
العمرة بمكة 
[48؟١١)‏ تخطينا جمرك حجلة إلى الميدان الفسيح أمامهء ووقمنا 
إلى جانب سيّارتنا نتظر مرور متاعنا بتفتيش الجمركء ولم يطل 
انتظارناء بل أكاد أقول إنا لم ننتظرء فلم يكن بالجمرك ما يشغل رجاله 
عنا غير متاع الأميرة خديجة حليم وحاشيتهاء ولم يتناول التفتيش هذا 
المتاع ولم يتناول متاعنا؛ فمتاع الأميرة لا يفتّش لأنه متاع الأميرة» 
ومتاعنا لم يفتش لأننا ضيوف وزير المالية . 
وإنما أوفد وزير المالية''؟ رسوله إلينا وكنت ضيفه لمناسبة 
أذكرها؛ فقد كنت عائداً من بيروت إلى مصر فى ١4‏ سبتمبر سنة 
6 على الباخرة الإيطالية أوزونياء وكان وزير المالية قادماً يومئذ 
على هذه الباخرة من مصر إلى لبنان» وتقابلنا بها حين رست ببيروت». 
وجاء ذكر كتابى «حياة محمد)» وسألنى أحد من حضروا المجلس : 
هل تعتزم زيارة الحجاز؟ ولما أجبت أن ذلك بعض ما يدور بخاطري 
منذ أعوام.ء طلب وزير المالية أن أكتب إليه متى صح عزمي على 
السفرء وكتبت إليه قبيل سفري» فأوفد إلىّ رسوله فى مياه جدة يبلغنى 
أنني في ضيافته . ظ 


)1١(‏ هو عبدالله السليمان. 





وكان أول مظهر لهذه الضيافة أن أقلتنا السيارة بأمر الرسول إلى 
فندق جدة لتناول طعام العشاء فيه قبل ذهابنا إلى مكة» والفندق 
للحكومة أعدته لراحة الحجاج والمسافرين من أهل البلاد. لذلك كان 
التقشف في عمارته وفي أثاثه وكل ما فيه . 


ولم يطل مقامنا به» فما فرغنا من طعامنا حتى نزلنا إلى السيارة 
نركبها إلى مكة. وكذلك كان الفندق كل ما رأيت من جدة؛ وانطلقت 
السيارة متمهلة في طرق هذا البلد حتى وقفت عند مخفر الشرطة. 
ونزل السائق منها في رداته البدوي الخشن يؤشر من المخفر على 
«الكوشان». والكوشان جواز السفر المحلي. فليس يجوز لأحد أن 
ينتقل داخل الحجاز من مدينة إلى مدينة بغير جواز خاص . 

كانت أمّ السَّلَمِ أو محلة مررنا بها بعد جدة» وقد وقفت السيارة 
عند مخفر الشرطة وقدم السائق إليه الكوشان كيما يتابع سيره» ومخفر 
الشرطة بدوي في بنائه» لا شيء فيه من مظاهر نظام العمارة ولا يلفت 
النظر منه غير بدويته الساذجة» وليس حوله مظهر عمران إلا بعض مبان 
من نوعهء وبعض عرائش من فروع الشجر اليابسة يستريح من شاء من 
الحجاج إلى ظلها ويجد فيها فنجاناً من الشاي الذي يقدم في كل 
مكانء. أما القهوة فدون الشاي حظاًء وإن كنت تجد النجدية منها إلى 
جانب الشاي إن أردتها. 


3 ] وعاودنا سيرنا نمر بمثل القوافل التي مررنا بهاء 





611- 


الرمال عجلات السيارة فحالت بينها وبين الإسراع. وبلغ من إمساك 
الرمال السيارة في بعض الأحايين أن كانت تقفها عن الحركة» وذلك 
حين تبتلع عجلاتها وتجعل دورانها عبثاً لا طائل وراءه؛ ولطالما 
وجدنا في هذه الحالات عوناً من رجال القوافل إذ كانوا يسارعون إلى 
تلبية رجائنا فيرفعون السيارة ويدفعونها لتعاود سيرها. 


]١1[‏ لم تكن هذه المعونة تقتضي أكثرٌ الأمر غير فترة وجيزة 
لا يكاد سائقنا ورجال القوافل يتبادلون أثناءها حديثاء لكنها كانت 
فول خين يترضي بطق النارةامع السعلات في الرمل الناسم :وبين 
يتعدّر لذلك رفع السيارة إلا بتكرير الجهد» فإذا استراح القوم هنيهة 
الحج والقادمين له ؟ سال السائق أحدهم عن قافلته فأجاب أنهم من 
الجاوة. وأن ؤم له يسير بقافلة من أهل فلسطينء أما الذين أعانونا 
نعرف جنسية آخرء لا من سخنته(١؟‏ ولا من لهجة حديثه . 

وكذلك كانت هذه الجموع المحرمة كلهاء المتوجهة كلها حاحة 
أرسل القمر على هؤلاء السعداء بأداء الفريضةء فما ينفكون ينادون 


22320 أي من هيئة خلقته . 





-9 


إلى نفس المشاة في إحرامهم أشعة أعظم منها ضياء ؛ تلك أشعة الأمل 
الصادق في وجه الله وفي مثوبته وغفرانه» أمل يتردد فيما يتبادلونه من 
حديث الطواف والسعي والصلاة في الحرم والشرب من ماء رمرم. 


]١١1[‏ طبع هذا المنظر أعمق الأثر في نفسي» فهذه القوافل من 
المشاة والركبان تقصد إلى غاية واحدة وترجو فى ربها الرجاء 
الأسمى» وهم جميعاً سواسية في اتجاههم. وسواسية في إيمانهم. 
سواسية في تفكيرهم» وهم جميعاً قد نسوا كل شيء إلا هذه الغاية 
الروحيّة السامية التي تندفع نحوها جسومهمء وتطير إليها جوانحهم. 
وتزداد امتلاء بها أفئدتهم وقلوبهمء كلما ازدادوا قرباً من مهبط الوحي 
ومن بيت الله» وليس يذكر أحدهم ما له من ثروة أو جاه أو ولد وإنما 
يذكر أنه وهؤلاء المسافرين معه إخوة في الله» وإنهم جميعاً قد أتوا 
قاصدين بيته» ملبين داعيه ليُشهدوه على أنفسهم. وليطهروا بين يديه 
مما قدمت أيديهمء وليبدأوا بذلك حياة جديدة يبتغون فيها آتاهم الله 
الدار الآخرة» ولا ينسون نصيبهم من الدنياء ويُحسنون كما أحسن الله 
إليهم» ولا يبغون الفساد في الأرضء لهذا جاءوا من كل فج عميق. 
ولهذا ركبوا البر والبحر واستهانوا بالمشقة ونسوا كل شيء إلا الله 
ولهذا أحرموا آية إخائهم ومساواتهم. إيذاناً بأن أقربهم إلى الله أتقاهم 
ومظهرا لميلادهم الروحي الجديد؛ ليتخذوا من هذا الميلاد عدّتهم 
لحياة جديدة؛ ولهذا تتصل قلوبهم وإن اختلفت أجناسهم وألوانهم 
ولهجاتهم» وهم يعبّرون عن هذا الشعور بالتلبية تنفرج عنها شفاههم 


المختار من الرحلات الحجازية 





61 - 


عدويه ا لافت أن تق ليه ويه نا ون ذلك لمن سشاء. 


]١١751[‏ وقفت بنا السيارة عند بَحرة» وبحرة هي المحلة الثانية 
في طريق مكة» وهي تلفت النظر بالأضواء الكثيرة البيضاء المنتشرة 
فيها دلالة استعداد مقاهيها البدوية لاستقبال القوافل بهاء ذلك أن 
قوافل الإبل تقطع الطريق بين جدة ومكة عندها تقضي ساعات الراحة 
بالنهار أو الليل فيهاء أما السيارات فتجتازها كما تجتاز أم السّلم بعد 
وقفة عند مخفر الشرطة يطلع رجاله أثناءها على «الكوشان»» وقد لا 
يأبى بعض راكبي السيارات أن يتناولوا فنجاناً من الشاي بها . 


آخر محلة قبل مكة الشميسي» وكنت أعرف من قبل أن الشميسي 
اليوم هي الحديبية على عهد رسول الله وه . 


]١١[‏ وكان دخولنا مكة منتصف الليل» دخلناها متعبين مما مر 
بنا في يومنا ويوم أمس» وكانت ساعتئذ متٌّشحة برداء الليل ومُوَليات 
ضوء القمرء فازدادت قداسة ومهابة» والسيارات تجري في طريق لا 
يديرها غير هذه البقية من ضوء«ساهر السماوات» وإنا لكذلك إذ تجمت 
أنوار كثيرة من الكهرباء لدار عند منعطف من الطريق؛ تلك الدار بيت 
وزير المالية» وتخطينا هذه الأنوار إلى بقية ضوء القمر حتى كنا أمام 
أضواء ناصعة لمصابيح معلقة في مكان وقفت السيارة عنده؛ ذلك 
مقهى من مقاهي مكة» ونادى صاحبي من السيارة: يا شيخ إبراهيم» 
فجاء المطوف وصحبنا إلى بيت مضيفنا أمين العاصمة الشيخ عباس 





كان الرجل في انتظارناء فلما صحبنا إلى الطابق الأول من داره 
أبلغنا تحية وزير المالية وسؤاله المتكرر عنا منذ تركنا جدة» وجيء 
بالشاي فشربناء وبالقهوة فتناولناها رغم انقضاء هزيع من الليل» 
وسألني الرجل : أأوثر أداء شعائر العمرة لفوري أم أرجئها للصباح كيما 
أنال بعض الراحة من مشقة السفر؟ أما أنا فآثرت الأداء ولم تمل نفسي 
إلى الإرجاء . 


55-5 في لباس إحرامي مع المطوف وأقلتنا السيارة التي 
جاءت بنا من جدة إلى باب الحرم في دقيقة أو نحوها. 

وما لبئت حين تخطّيت الباب والمكان المسقوف من المسجد 
بعده حتى تبدت لي الكعبة قائمة وسط المسجد وقد انسدل على 
جدرانها لباسها الأسود المطرز بوشي الذهبء تبدّت لي دون أن يلفتني 
أحد إليهاء وتبدّت وكأني عرفتها وطفت بها قبل ذلك مرات» ومالي لا 
أعرفها وقد رأيت كسوتها يطاف بها في القاهرة منذ طفولتي» وقد 
تبعت هذه الكسوة مرات عدة في سنوات متعاقبة حين كانت تنقل من 
القلعة إلى بيت القاضي مارة بالمشهد الحسيني وسط الجموع التي 
كانت تسير مثلي وراءها في هذا المشهد الديني الحافل الرهيب! 

]!١ ١١51‏ تبدت لي الكعبة قائمة وسط المسجدء فشد إليها 
بصري» وطفر نحوها قلبي» ولم يجد فؤادي عنها منصرفاء ولقد 
شعرت لمرآها بهزّة تملأ كل وجودي وتحركت قدماي نحوها وكلي 


المختار من الرحلات الحجازية 





رةه 
الخشوع والرهبة» وقلت إذ وقع نظري عليها ما ألقى المطوّف علينا أن 
نقوله: اللهم أنت السلام ومنك السلام» حيّنا ربنا بالسلام» فزادني 
تحرك شفتي بهذه الألفاظ مهابة ورهبة» وأراد مطوفي ونحن نتخطى 
إليها أن يحدثني في تاريخ المسجد وأبوابه وما أضيف إليه من عهد 
الرسول كل ثم أمسك حين لم يجد مني إقبالاً على سماعهء وكيف 
لي في هذه الساعة بالاستماع إلى حديث وقد ملك البيت على نفسي 
وجذبني لأسرع إليه فأطوف به وأذكر الله عنده. 


ودلفت بعد الأشواط السبعة إلى مقام إبراهيم أصلي فيه ركعتين» 
ومقام إبراهيم يقابل باب الكعبة ويقابل الحجر الأسود وقد قام إلى 
جانب باب عمده وعقده من الرخامء والذين يطيلون المقام عنده 
قليلون؛ لذلك أتممت عنده ركعتين واستغفرت ربي لي ولأهلي ولمن 
دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات . ظ 


وظللت كذلك حتى جاء المطوف ينبهنى إلى ضرورة مغادرتنا 
المسجد لنسعى بين الصفا والمروة كيما تتم شعائر العمرة. 


خرجنا من المسجد وأقلتنا السيارة إلى المسعى» ثم مال بنا 
المطوف إلى ربوه الصفا وتخطى بنا نحو درجها خلال الذين سبقونا 
ال السعي معحر مين )2 وتخطينا خلال هذه المئين من الناس يسير 
بعضهم فرادى ويسير آخرون جماعات متشابكة الأيدي وقد ارتفعت فى 
جوف الليل أصواتهم جميعاً مستغفرين في ضراعة وإنابة» وعلونا بعض 
درج الصفاء ثم استقبلنا المّسعى ورفعنا أيدينا وأعلنا نيّتنا السعى سبعاً 


فى مول الوحي 





يتلو المطوف: 
## إن ألصَمَا وَالْمرْوهَ من طَعَبرِ أل هَمَنْ حَجّ اليتَ أو أَعْكَمَرَ قَكَاجْتَاحَ 
عليه أن يَطوَف بهمَا وه مَن تَطوّع ‏ حَيرا إن لَه سَا عَليءٌ 204 , 


]١١75[‏ وانتقلنا من الصفا إلى المروة ونحن ندعو بما يدعو به 
مطوفنا ونستغفر كما يستغفرء والمئون من الساعين يدعون كذلك 
ويستغفرون. وبلغنا المروة واقتحمنا صفوف الساعين إلى درجهاء 
واستقبلنا المسعى وسعينا وكبّرنا وعدنا إلى الصفا ندعو ونستغفر»ء 
والناس من حولنا يصنعون صنيعنا يدعون ويستغفرون». ولقد كنت 
تسعمهم رافعي أصواتهم في لهجات مختلفة منها البدويّ النجدي الذي 
يعلو بنفسه عن أن يتخذ من مطوّف إمامأء ومنها ما تشوبه عجمة تدل 
على أن العربية ليست لسان أصحابه الأصيل» ومنها المتضرع في 
انكسار وخشية» ومنها هذا البدوي الذي لا يعرف الخضوع حتى في 
خطابه ذا الجلال والإكرام» فلما أتممت أشواط السعي السبعة وقف بي 
المطوّف عند حلاق في حانوت من الحوانيت التي تزحم المسعى قصّ 
لي بعض شعرات من جانب رأسي الأيمن وبارك عليّ أن اتممية 
عمرتي : وبذلك آن لئ أن أعود إلى منزلي وأن أحل إحرامي إحلال 
التمة تر فيد ين بي الى نري لكف الاير 


.١6/ سورة البقرة: الآية‎ )١( 


المختار من الرحللات الحجازية 





]١١7[‏ مضيفنا الشيخ عباس قطان أمين العاصمة صاحب هذه 
الدار التي تبدو الفخامة على ظاهرهاء لقد أقام بداره ينتظرناء فلما 
استقبلنا وتلطف بنا ما تلطف أنبأني أن الشيخ عبدالله السليمان وزير 
المالية قد سأله بالتليفون غير مرة عن مقدمنا بعد أن علموا من جدة أننا 
نزلنا من الباخرة إليها وغادرناها إلى مكة. 


تضاء الدار كلها بالكهرباء» تولدها «ماكينة» خاصة بالدار؛ لأن 
مكة لا تزال إلى اليوم محرومة من نور الكهرباء» ولا ترجع إلى أيام 
بنيت» ولذلك يتدلى من سقف غرفها نجف فيه لعشرات الشموع منازل 
مختلفة الألوان» والسجاجيد التي تفرش أرض البهو وغرف النوم ثمينة 


]١١707[‏ قابلني مضيفي يخبرني أن وزير المالية ينتظرني بداره 
قبيل الظهرء وأن السيارة ستذهب بي وإياه إلى هذا الموعد» وذهبنا 
نخترق الطرق إلى ظاهر مكة حتى بلغنا غايتنا ونزلنا عند باب الدارء 
وليس يبالغ من يسمي هذه الدار قصراء فهي فسيحة وإن لم يكن لبنائها 
طراز ينسب إليهء فخيمة وإن لم يسعد الفن فخامتها بتأنق أو روعة. 
تخطينا بابها الضيق إلى درج يؤدي إلى ممر من ناحية وإلى فضاء به 
زرع من ناحية أخرى» واستدرنا في الممر إلى حجرة تخطيناها إلى 
دهليزء فغرفة أخرى» ثم غرفة ثالئة هي التي كان وزير المالية ينتتظرنا 
بهاء وهي غرفته الخاصة» وأحسبني لو تركت لأعود وحدي إلى ظاهر 
الدار من خلال هذه الغرف والممرات لتعذر ذلك علي . 





والشيخ عبدالله بن السليمان الحمدان رجل بدوي نجدي بكل 
معاني البدوية والنجدية؛ نحيف القوام معتدله. أسمر البشرة» حاد 
النظرء تلمح في عينيه ذكاء وغضباً ممتزجين» يدعوا امتزاجهما في 
حالة سكونه ودعته إلى مهابته والتفكير فيما وراء نظرته؛ وهو إلى ذلك 
حلو الحديث رقيق النبرة مبتسم اللقيا. 

]١١7[‏ تبادلنا التحّات» ثم ذكرت له ما دار بخاطري منذ 
غادرت مصر أن تكون مكة مقرًّاً لعصبة الأمم الإسلامية» كما أن 
«جنيف») مقر عصبة الأمم الأوربية» ووافقني هو في الرأي على أن 
نمحصه بعد انتهاء فرائض الحج واشتغال الحكومة بها. 

وبعد الحديث والقهوة تركت الدار وآثرت أن أقوم بجولة بالسيارة 
أجتلي بها صورة من بعض نواحي مكة. وما دمنا بِجَرْوَلَ عند مدخل 
مكة من ناحية الشميسي» أو من ناحية الحديبية إن شئت» فلأذهب إلى 
ناحية غير هذه التي دخلت منها حين مجيئي أمس من جدة. ولأتبع في 
تجوالي هوى نفسي وإرشاد مضيفي . 

|١١41‏ وحال قرب المسجد من منزل مضيفي دون توغلى بمكة 
منذ اليوم الأول» كما حال دونه ما أكرمني به أهل مكة وزوارها من 
زياراتهم إياي حيث نزلت» وقد تبادلت مع هؤلاء وأولئك أحاديث 
شتى عن البلاد المقدسة كان لها أثر في تكوين فكرتي عن العلاقة التي 
يجب أن تصل بينها وبين العالم الإسلامي . 





وقفة عرفات 


]١١50[‏ شتان بين ما اشتملنى أثناء التفكير في الإحرام لعرفات 
من لعيم وغبطة. وما كنت اخقافة قبل مغادرة مصر من أثر الإحرام 
عن الحياة وعن نفسي » وشعرت بروحي فرحة وبقلبي مطمئناًء أقبلت 
منذ بكرة الصباح أعدٌ لباس الإحرام وما يقتضيه المبيت تحت الخيام. 
منشرح الصدر لكل ما أصنع من ذلك» عميق الإحساس بجلال هذه 
الفريضة التى يسر الله لى أداءهاء موقناً أنى سأشهد أثناءها من آيات 
حكمته فيها ما يزيد كل مؤمن إيماناً وتثبيتاً. 


]١١41[‏ بقيت في إعداد متاعي إلى ما قبيل الظهرء ثم انحدرت 
من الدار إلى قصر الملك لموعد ألقى فيه جلالته» وقصر الملك يقع 
خارج مكة من الناحية الشمالية الشرقية عند مبدأ الطريق الذاهب إلى 
منىّ» وهو قصر بني حديثاً ليقيم ابن السعود به ما أقام بمكة قبل الحج 
وبعده» وهو فسيح الجنبات بسيط المظاهرء يجمع بين أبهة الملك 
وطراز العروبة القريب من البداوة. 


]١١57[‏ وقد لقيت في ذهابي إلى قصر الملك وعودتي منه مشقة 
لم ألقها في طريق مكة حين تجولي بها في اليوم الذي سبق؛ فالطريق 
إلى قصر الملك هو كما قدمت طريق منى» وهذا اليوم هو يوم التروية. 
فيه يصعد الحجيج جميعاً إلى منى وإلى عرفات من هذا الطريق» 
وأكثرهم يصعدون على الإبل؛ لأنها أيسر نفقة على الأكثرين؛ ولأن 





الصعود عليها أكثر مشقة من الصعود بالسيارات» وهو لذلك أعظم عند 
الله أجراً ‏ فى رأي طائفة من المسلمين - لذلك امتلاً طرق مكة يومئذ 
بقوافل الوبل . 


وطريق مكة ضيقة كلها إلا قليلاً؛ لذلك كانت السيارة تقف في 
الطرق ذات السعة أمام هذه الإبل المتراصة حتى تفسح لها طريقا؛ أما 
في الطرق الضيقة فكانت تضطر أحياناً إلى التراجع لتقف في مكان 
يتسع لوقوفها ومرور القافلة بها بعيراً بعد بعير» وتضطر أحياناً أخرى 
إلى الإنزواء في طريق غير طريقها حتى تمر القافلة بهاء والقافلة تمر 
بخطى الإبل المتئدة لا سبيل لها إلى أن تسرع في هذه الأزقة الملتوية 
في ارتفاع وانخفاض» وتمر القافلة وتسير السيارة بضعة أمتار ثم إذا 
قافلة أو بضعة جمال أخرى تضطرها لتلتمس مكاناً تقف فيه أو زقاقاً 
أضعافاً مضاعفة من الوقت الذي كنا نقطع فيه الطريق لو أننا كنا نسير 
في غير يوم التروية أو أيام الحج . 


وتناولت طعام الظهيرة» واتفقت ومضيفي على أن نستقل السيارة 
إلى عرفات بعل صلاة العصرء وتطهرت لوإحرام الحج ولسية لباسه 
بعد أن نويته وصليت ركعتين سنته . 


ثم انطلقت السيارة فإذا بنا أمام سهل فسيح ضربت فيه مئات 
القباب وألوفها وتلأالأت فيه مصابيح النور الأبيض». تلك بطحاء 
عرفات» وهنا مكان الحج وملتقى الألوف من المسلمين. 


المختار من الرحلات الحجازية 





وقفت السيارة» وسأل مضيفنا عن مضارب خيامنا؟ ومَنْ لك 
بالذاكرة التي تحيط بمكان كل قبة من هذه المضارب التي يخطثها العد 
فى هذه الساعة من الليل؟ بل من لك بهذه الذاكرة في أشد ساعات 
النهار وضحاً! وبدأ الغضب يأخذ من المضيف حين لم يسارع أتباعه 
إلى إجابة سؤاله؛ لكن جلال الموقف وعذوبة الهواء وصفوه ورقته 
هدأت من حدة طبعه» وانفتل شاب من ذويه من السيارة يلتمس منازلنا 
كي يهدينا إليهاء ولم يطل عنا غيابه . 


وألفيت الخيمة التى أعدت لنا قد فرشت ببساط من السجاد.ء 


]١١57[‏ لبيك اللهم لبيك» لبيك لا شريك لك لبيك» إن الحمد 
والنعمة لك والملك» لا شريك لك. . . أولا يجمل بي أن أتقدم بين 
هذه المضارب لأرى ألوف المحرمين مثلي فأزداد برؤيتهم حبورا. 
وأتحدث إليهم فيزيدني حديثهم جذلاء وألبي وإياهم فتتجاوب هذه 
الوهاد بأصداء عشرات الألوف من أصوات الملبين ترتفع على موج 
النسيم وأشعة القمر إلى عليا السماوات . 


[6] وأنى لي أن أهتدي إلى مضربي إذا أنا ضللت بين هذه 
الخيام وليس لي من العلم بالمكان ما لأبناء مكة الذين يؤمّونه كل عام! 
ولكن أيضل هاهنا أحد وها هنا موضع الهدى وملاذ الملبي نداء ربه» 
اللاجىء إلى فىء رحمته 2 وتقدمت خطوات إلى موضع توسط الخيام . 





الوقوف» وبقيت محدّقاً بالسماء» مأخوذا بصفو أديمهاء شارد اللب فى 
جلال هذا الكون المحيط بي وعظمته» أناجيه وقد نّضوات'٠2‏ عني زينة 
الحياة الدنيا فأحس به أبهى جلال وأجل عظمة! كم طالت بي هذه 
هسيسهم من إخواني المؤمنين» فتلفت أتعرف قبتى كيما أتخذ منها 
مناراً أهتدي به في سيري» فلم أعرفها بين الخيام القريبة مني؟ إذ ذاك 
آثرت العودة للبحث عنها والاحتماء بها من ظلّة الليل. 


عند ذلك دخلت إلى قبتي وأطبقت أجفاني ألتمس النوم . 


أفنمت حقاً؟ وكم نمت؟ كل ما أذكره أنني كنت سعيداً وكنت 
ممتلئاً نشاطاً حين طرق أذني صوت المؤذن لصلاة الفجرء طرق هذا 
الصوت أذني فابتهج له قلبى وطرب له فؤادي. وفتحت عيني فرأيت 
بشائر الضوء تسري من فرجات القبة» قمت إلى الماء أتوضأء فإذا 
الحياة تسري فيما حولي من المضارب» وإذا الذين يلتمسون الماء 
لغيرهم ينتشرون ها هنا وهناك». وإذا النداء للصلاة الأولى تتجاوب 
أصوات المنادين به في مختلف أنحاء البطحاء . ظ 


قاموا يؤمول مَنْ معهم للصلاة» ينادون : اللّه أكبر: وكلما أتم جماعة 


020 أي خلعت. 


المختار من الرحلات الحجازية 





]١١5[‏ وخرجت من قبتي أتعرّف ما حولي» وأشهد صنيع الناس 
يومّهم هذا وقد جاءوا إلى الله حاجين متجردين» وإني لأتلفت يمنة 
ويسرة إذ وقع بصري على رجل لا شيء في سيماه يدل على أنه من 
أبناء الشرق» بل هو أدنى إلى أن يكون من أبناء الشمال في أوروبا 
بطول قامته النحيفة وببشرته البيضاء المشربة حمرة وعينيه الزرقاوين 
وشعره الأصفرء وأخبرني بعض أهل مكة ممن حوله أنه هولندي يقيم 
بجاوة» وأنه جاء يؤدي فريضتهء ودلفت إليه وألقيت عليه التحية 
بالفرنسية» وتحدّئت إليه بهاء فدلتني لهجته على أنه ليس من أهل هذه 
اللغة وأن أغلب أمره أن يكون إنكليزياً» وسألته عن جنسيته فعلمت أنه 
أرلندي وأنه أسلم من سنوات خمسء وأنه جاء ليؤدي الفريضة. فأقام 
بيجدة سبعة أسابيع حتى أيقن رجال الحكومة العربية من حسن إسلامه 
وسمحوا له بما يسمح للمسلمين» دون غيرهم من دخول مكة ومن أداء 
فروض الحج ومناسكه . 


]١١57[‏ واتصل بيني وبينه بالإنكليزية حديث طويل» ومع ذلك 
لم تطاوعني نفسي على سؤاله عن سبب إسلامه» وعلى رغم ذلك 
أخبرني أنه في إقامته بسرواك"'' بين المسلمين منذ أكثر من خمس 
عشرة سنة لم تطلب نفسه بما دون التعمق في درس حالهم الاجتماعية 
والأخلاقية» والبحث ‏ بوصف كونه أرلندياً ‏ عن الأسباب التي أدت 
بهم إلى الخضوع لغيرهمء وكانت عقيدتهم الدينية بعض ما عني 


)1١(‏ سرواك في ماليزيا اليوم. 





بدراسته» ولم يلبث حين بدأ هذه الدراسة أن شعر بحافز قوي يحفزه 
للإمعان فيها ولقراءة ما كتب في اللغات المختلفة عنها وللتزيد من 
ذلك ولطول التفكير فيه» ولقد أخذت بساطة العقيدة الإسلامية بمجامع 
قلبه» ووصلت من تفكيره إلى أعماقه وجعلته يؤمن بحقيقة هذا الدين 
الذي نزل على النبي العربي وبحضارة الأخوة والإباء التي يدعو إليها. 
ويؤمن بأن الحضارة التي تنشر أوروبا اليوم لواءها في العالم باسم 
العلم ليست من العلم في شيء», وإنما هي اللعنة التي. صبّها الله على 
العالم؟ فهذه الحضارة تتلخص عنده في إخراج الناس من بساطتهم 
الفطرية التي تكفل لهم سلامة التفكير وسمو الغاية» ليخضعوا لأهوائهم 
وشهواتهم المادية فتضعف نفوسهم ويذلواء وأية صلة بين سعادة 
الرجل أو المرأة وبين منسوجات (لانكشير) أو حرائر (ليون) أو عطور 
(باريس) أو ما إلى ذلك من مواد الزينة والترف. وهذه مع ذلك هي 
مظاهر الحضارة الأوروبية وهي السبب الحقيقي الذي تغزو أوربا العالم 
من أجلهء إنما الصلة الحقيقية بين هذه المنسوجات والحرائر والعطور 
وبين الأموال التي تريد أوربا استنزافها من الشعوب هي إقناعها كذباً 
بأن الحضارة في الرداء والترف والزينة . 


أما الإسلام فيدعو إلى معنى هو أسمى المعاني. إلى نبذ كل 
عبودية لغير الله» وإلى الاستهانة بالموت في سبيل الله وإلى البر 
والتقوى وإلى الرحمة والمغفرة» وهو يدعو إلى ذلك كله في بساطة 
وقوة لا حاجة بهما إلى منسوجات أو حرائر أو عطورء ولو أن 
المسلمين أدركوا سر الإسلام إدراكاً عميقاً لهان عندهم ما يعرضه 


المختار من الرحللات الحجازية 





لله 
الغرب عليهم» ولما خضعوا لحكم الغرب ولا ذلوا لسلطانه؛ فدينهم 
يربأ بمن يؤمن به عن الخضوع لغير الله ويجعل الموت في سبيل 
التخلص من هذا الخضوع موتاً في سبيل الله يُجَرّى صاحبه الجزاء 
الأوفى. 

]١١51[‏ وأعجبت بحديث صاحبي أيما إعجاب» لأنه صادف 
موضع العقيدة مني ؛ فسألته عما جاء به إلى الحجاز وعن رأيه في 
حكمة الحج. وكان جوابه على سؤالي كحديثه الأول حصافة ودقة. 
قال: إنما فرض الإسلام الحج ليُشهد المسلم الله على نفسه أمام ملا 
إخوانه المؤمنين جميعاً أنه نبذ ما اختلط بحياته قبل الحج من ذنوب 
وأوزار والله يكفر له ماصندق الثوبة : لبو لد ميلةدا روعها جديدا يكون 


بعده خيراً مما كان قبله من علم وبصيرة . 


وخشينا أثر الشمس فصرنا نقصد مضاربناء ولم نبتعد إلا خطوات 
وإذا صاحبي يدعوني أن أدخل معه إلى خيمته لنشرب فنجاناً من الشاي 
معاً فدخلت الخيمة معهء فألفيت بها سريرين جعلهما مضجع الليل 
ومتكأ النهار له ولزوجهء وزوجه امرأة مسلمة من أهل سرواك» عرفها 
وأحبهاء فلما أسلم تزوجها وجاء بها تؤدي فريضة الحج معه. 


]١١54[‏ وعدنا إلى حديث طويل تكلم أثناءء صاحبي عن 
الغرب» فهؤلاء المسلمون يزيدون في آسيا وحدها على مائتي مليون؛ 
ولو أنهم أدركوا مبلغ قوتهم وأدركوا قيمة حياتهم الروحية وعظمتها 


في منزل الوحي 





1 - 
لاستطاعوا تجديد نشاط الإنسانية» لكنهم متروكون إلى جهالتهم ليسهل 
خداعهم واستغلالهم» قانعين لذلك بضعفهم وراضين عن هوانهم. 

]١١44[‏ وعدت إلى قبتي» واستقبلت كثيرين من الأصحاب 
جاءوا يزورونني ويشاركونني الحديث في الحج وما يجب لنظامه. 
وأذن الظهر وجمع الناس بين صلاة الظهر والعصرء وقاموا يلبون حين 
قيل لهم: إن الخطيب قائم عند مسجد الصخيرات على بعيره يخطب 
الناس» لكن زحمة عرفات لم تدع لأحد أن يذهب لسماع الخطيب عند 
مسجد الصخيرات وفي مسجد ثمرة» ثم إن مثل هذه الخطب قد 
صارت خطباً تقليدية كخطب الجمعة في مساجد مصرء ألفت الآذان 
سماع ألفاظها ومعانيها التي أصبحت لا تتفق وروح العصرء ولا تتفق 
كذلك وطبيعة الإسلام الداعية دائماً إلى التجديد في حدود ما أمر الله به 
وما نهى عنه. 


وكان الناس يفدون طيلة النهار إلى عرفات ليؤدوا فرض حجهم ؛ 
فالحج عرفة» وساعة الاجتماع والخطبة هي الساعة التي يتم فيها فرض 
عرفة» لذلك اكتمل جمعهم قُبَيْلهاء فلما انتهت بدأوا يفكرون في 
الإفاضة إلى المزدلفة ليذكروا الله عند المشعر الحرام» ثم يؤمون منىٌّ 
ليقيموا بها ثلاثة أيام النحرء يرمون فيها الجمرات» أو يرجمون فيها 
الشياطين الثلاثة على حد تعبير أهل الحجاز . 


]١١١[‏ وإن الناس لفي تفكيرهم وتأهبهم. مغتبطين بصحو 
الجوء وجمال الهواء» إذ اكفهر الوجود فجأة» وهبت الريح عاصفة» 





-افلقةه 
وثار النقع وتعالى الغبار في الجو وخطف البرق وهزم الرعدء وبلغ من 
شدة ذلك كله أن نسي الناس أهبتهم وتفكيرهم واتجهوا بأبصارهم إلى 
مضارب الخيام يرون ما الريح صانعة بهاء واقتلعت الريح بعض 
الخيام»ء فأسرع أهلها إليها يطوونها خشية أن يمزّقها الإعصار 
العاصف. فأما النساء والضعفاء والأطفال فلجأوا إلى ما انسوا فيه قوة 
المقاومة من الخيام واحتموا بهاء وبلغ من هزيم الريح أن كان يُسْمع 
لها شهيق وزفير يدويان في آذان اللاجىء إلى الخيام أكثر مما يدويان 
آذان الفار منهاء ولقد لجأت إلى خيمتي لحظة ثم تركتها حين رأيتها 
تميل في مهب الريح وتهدد من فيها بالسقوط عليهم» ووقفت ومعارفي 
من أهل مكة وتوجهنا إلى الله أن يصرف عنا وعن الناس السوء 
والبأساء» مع ذلك». ومع ما كنا وكان الناس فيه من هذه الشدة» لم 
تزايل القلوب غبطتهاء ولا برح الأفئدة ابتهاجهاء بل بقيت ابتسامة 
الرضا تطوق ثغور أصحابي وبقيت ضاحك السن . 


وإنا لكذلك إذ تفتحت أبواب السماء بماء منهمر» همّى غير منذر 
برشاش أو مُؤذن برذاذء أين أين المفر؟! طار أحد أصحابنا إلى حيث 
النساء والأطفال» فألفاهم أحكموا أمرهم إذ لجأوا إلى سيارة كبيرة من 
سيارات «اللوري» ونشروا فوقهم قماشاً من الخيمة التي سقطت أثناء 
احتمائهم بهاء فوقاهم المطر والريح» أما أنا فكنت أسعد حظأ إذ آويت 
إلى السيارة التى جاءت بي إلى عرفات» وكانت «ليموزين») محكمة 
الأقفال. وأوى إليها معي مّن وسعته» والوابل هتون» والرياح عاصفة 
تضرب زجاج السيارة كأنها سياط تهوي على جسم فيشتد منها أنينه؛ 


في منزل الوحي 





-2 


وكان زجاج السيارة ساعة اجتمعنا بها يحجب ما وراءها لكثافة ما علق 
به الغبار؛ أما بعد هذه السياط فقد شف عما فى لون الجو المكفهر 


وأقمنا زمناً نرجو أن ينقطع المطرء بعد أن زال ما أثارته الريح من 
غبار ونحن في مثل ما كنا فيه من رضا النفس وضحك السن» فلما 
هدأ هَنْنه ثم انقطع عاد الناس إلى خيامهم المطوية فنشروها وضربوا 
منها ما يكفيهم السويعات الباقية على انحدارهم إلى المزدلفة ثم إلى 
منىء ودلفت إلى خيمتي واستلقيت على بساطها . 

وأرخى الليل سدوله وظللت في تفكيري حتى نبهني الأذان 
للعشاء منه”''» فصلينا وتناولنا طعامنا وأخذنا أهبتنا للإفاضة من 
عرفات إلى المشعر الحرام» وطال بنا الحديث والناس من حولنا 
يُفيضون؛ فقد كان أصحابي يؤثرون مذهب مالك من أن المقام 
بالمزدلفة وذكر الله عند المشعر الحرام يكفي فيه مقدار حط الرحال. 
على أن يصل الإنسان إلى المشعر قبل أن ينتصف الليل» وتناول 
حديث أصحابي الحج ومناسكه وحكمة هذه المناسك» وأصحابي كما 
قدمت مكيون يحجون في كل عام» ولعل أكثرهم يعتمرون في كل عام 
غير مرة» وهم لذلك مطمئنون إلى مغفرة الله لهم . 

واطرد حديث القوم والليل ينساب إلى ناحية منتصفه.» وجعلت 


)1١(‏ هناك بعض السنن كان يتهاون فيها بعض الحجاج مثل جمع الصلاتين المغرب 
والعشاء في المزدلفة. ومثل المبيتة في مب ادوم التروية . 


المختار من الرحلات الحجازية 








611- 


أنوار المضارب في البطحاء تخبو شيئاً فشيئاًء ثم طويت الخيام وتحمل 
القوم مُفيضين» فلما كان من منتصف الليل على ساعتين أو نحو ذلك 
كانت بطحاء عرفات قد خلت من الناس إلا قليلاً» وكان ضوء القمر 
وحده هو الذي يمدّ على رمالها بساطة الوضاءء وما أجمل ضوء القمر 
منبسطاً على الرمال الممتدة إلى حيث لا يعرف النظر غير الأفق حداً! 
وما كان أجمله في تلك الساعة بلغ صفو السماء وصفو الجو فيها من 
أثر المطر ما زاد ساهر السماوات بهاءً ونوراً. 

]١١51[‏ وقمنا يسعدنا النسيم القنق. إلى .عازتنا للفيضن :كما 
أفاض الناس» وانطلقت بنا السيارة نحو المشعر الحرام» وإن في نفسي 
إلى عرفات لهوى يدعوني إلى العودة إليه والمبيت في مضاربه 
والوقوف به ملبياً شاكراًء داعياً مستغفراً» ذلك موقف لم أعرف مثله في 
حياتي كلها روعة وسمواً بالنفس في صدق وإخلاص إلى الله - جل 
شأنه -» ولم أعرف مثله في حياتي كلها دعوة إلى إخاء المؤمنين 
ليتحابوا بنور الله بينهم . 

انفتا إذن قل سعضف اتن من عوقالة: يينعلانا النسيم الرفيق 
ويضيء لنا ساهر السماوات ما حولنا ويبهر نورٌ السيارة الطريق» وبلغنا 
المشعر الحرام» فنزلنا وذكرنا الله عندهء ثم جمعنا جمارناء كي نرجم 
بها الصخرات بمنى» ورأيت على مقربة منا أنواراً عرفت أنها بعض 
المقاهي القريبة مناء وأن الحجيح الذين أفاضوا أول الليل يقضون 
ليلهم بالعراء ليكونوا على أبواب منى قبيل الفجر» أما نحن فقد انتظرنا 
سيارتنا حتى أتممنا ذكر الله وجمع الجمارء فلما كنا في النصف الأخير 





55 - 
من الليل أقلتنا إلى منى فكنا على أبوابها قبيل الفجر. 


ولد آزوقي: كالتى تتمرقها الي التعضيرة فون ابيا بلاق عروطاة 
قرية بها مبان ومنازل . 


وقابلنا عند أبواب منى مخفر للشرطة وقفنا عنده» وقدم إليه 
سائقنا جواز مرورناء فلما جاوزناه في طريق فسيح تقوم المنازل على 
جانبيه قابلتنا صيحات عالية فيها ترتيل يسترعي السمع». تلك صيحات 
الباعة الذين قضوا ليلهم في انتظار الحجيج بعد إفاضتهم كي يعرضوا 
عليهم سلعهم من طعام وفاكهة. ومن سُبَح وما إليها مما يتبرك به قصّاد 
الأماكن المقدسة. ومرت السيارة بنا خلالهم حتى وقفت عند جمرة 
العقبة الكبرى» هنالك نزلنا فرجمناها ثم عدنا إلى منزلنا بمنى . 

ومر بي مضيفي كيما أعدّ نفسي لنهبط إلى مكة نطوف ونسعى . 

[؟١١١]‏ وأقلتنا السيارة وانطلقت بنا على هون بين قوافل الإبل» 
فرأيت هذا الطريق من منى إلى مكة لأول مرة في ضوء النهارء ولم 
أستبن منه كثيراً ونحن في زحمة من هبطوا يقصدون إلى ما نقصد إليه 
من الطواف والمسعى» وإن حرص مضيفي على أن يذكر لي أنه طريق 
جديد شقته الحكومة القائمة في الجبال» وأقامت إلى جانب قسم طويل 
منه سوراً يمنع السيول أن تطغى عليه؛ ولم يطل بنا السير حتى كنا على 
مقربة من مكة؛ إذ ذاك اجتمع هذا الطريق بطريق الإبل» ولم يكن 
للسيارة بد من التمهل والوقوف أحياناً. 





615- 


ودخلنا مكة وقصد مضيفى إلى دار أحد معارفه لنتوضاً قبل أن 
نطوف ونسعى » وكانت الدار في طريق يجاوره المسعى ؛ فلم يكن بد 


]١١5“[‏ وألفيت وجوه الساعين في هذا الصباح من يوم النحر 
أكثر طمأنينة وأصواتهم في الدعاء أدنى إلى السكينة» وكأنما شعروا 
بعد أن أتموا فرض الله بعرفة أنهم أدنى إليه» فدعاؤهم إياه أدنى أن 
يجتات: 


فو 


وانعطفت وراء مضيفي في زقاق ضيق قذر متصل بالمسعى» ثم 
صعدنا بعد خطوات فيه درجاً يشهد بأن الذر تقوم على ربوة قديمة» 
ودق مضيفي باباً فتحه أهله واستقبلونا بالتحية والترحيب رغم مجيثنا 
على غير انتظارء وتناولنا القهوة وتوضأنا وصليناء ثم قصدنا إلى 
المسجد الحرام نطوف طواف الحج» لنسعى من بعد ذلك سعيه . 


]١١5:1[‏ وأتممنا السعي بين جماعة الساعين يزحمنا هذا ويدفعنا 
ذلك ويعترضنا بين آن وآخر صف من النجدييين شبكوا أيديهم بعضهم 
ببعض» فإذا صادفهم ساع صاحوا به: طريق! طريق! طريق! وانطلقوا 
فى سعيهم ينادون ربهم بلغتهم: «رب اغفرء حتماً تغفر إن لم تغفر من 
ذا يغفر» وذكر بعض أصحابي أنه سمعهم يقولون: «رب اغفرء حتماً 
تغفر» إن لم تغفر جنتك تصفر)ء ويمر بين هذه الصفوف كما يمر بين 
صفوف الطائفين بالبيت ما بين حين وحين جماعة يحملون محَفة عليها 
شيخ أو عجوز أو مريض لم تستطع قدماه حمله ليطوف ويسعى» فطاف 


في منزل الوحي 








- 


به هؤلاء وسعواء والمطوف يسير إلى جانبهم يدعوا والمحول في 


]١١55[‏ وكما يسعى الناس رجالاً وفي المحفات يسعى بعضهم 
ممتطين جيادا أو مستقلين السيارات, وهؤلاء يرون أن لا جناح عليهم 
وقد سعى رسول الله يله في عمرة القضاء راكباً بين الصفا والمروة» 
وإن رأى بعض الفقهاء في السعي على الأقدام مزيداً من المثوبة . 

]١١57[‏ وكان الشيخ عبدالله بن بليهد عالم نجد يسعى ممتطياً 
جواداء ولقد كان يحدثنا ساعة نزلنا معا من منى أنه يريد السعي في 
نيار 175 انه لا يطيق السعي ماشياً ولا يحب السعي في مِحَفّة ولهذا 
العالم النجدي عذرهء فهو عالم تقدمت به السن فتضعضعت صحته بعد 
أن لوح وجهه هواء الصحراء في أسفاره بين نجد والحجاز» فهو أشعث 


م 


اغبر. 
وهو موضع التبجيل والاحترام من النجديين جميعاًء من مليكهم 
عبدالعزيز ابن سعود إلى أصغر صغير فيهم» وهو مع ذلك وعلى ما 
]١١511[‏ وأتممنا السعى سبعاًء وآن لنا أن ننصرف وأن نتحلل 
التحلل الأكبرء على أني وقفت هنيهة قبل منصرفنا أمام مقهى من 
المقاهي القائمة وسط المسعى وقلت لصاحبي: أفيليق أن تقوم أمثال 


)١(‏ سبق في رحلة سابقة أنه كان يود منع السيارات من الحرم لكن يبدو أنه غير رأيه 
بعد كبر سنه رحمه الله . انظر فقرة .]١٠١87[‏ 





06170 - 


هذه المقاهي والحوانيت على حافة هذا المكان المقدس؟! قال: إنها 
ليست على حافته» بل هي قائمة داخل حرمهء والذين أقاموها لم يتقوا 
الله ولم يراعوا حقه. بل اعتدوا عليه عدواناً مبينآء والعجب أن منهم 
من اجترح هذا العدوان تبركاً بأرض هذا المَنْسَكء ناسياً أنه يؤثر بها 
نفسه ويحرم منها ملايين المسلمين على تعاقب الأجيال. 

ولقد ثارت نفسي حقاً لمنظر هذه المقاهي وهذه الحوانيت التي 
تتجر في السّبّح والمنسوجات وما إليها مما يتبرك الحجيج بهء وزاد 
نمسي ثورة منظر صيارفة النقود الذين يصكون الاذان بصرير ريالاتهم 
إعلاناً بها عن أنفسهم! ما لهذا المكان الذي يتوجه فيه الناس إلى الله 
بالتوبة والاستغفار وصرف النقود والجلوس إلى المقاهي وتبادل 
التجارة! وما لهذا المكان الذي ينسى الناس فيه تجارة الحياة ليتصلوا 
فيه ببارئهم وهذه الحماقات من تجارة الحياة! أليس من الخير أن تظل 
لهذا المكان حرمته كاملة وأن تكون الحوانيت في طريق غيره قريب 
منه» إن لم يكن بد من أن ينصرف الناس بعد استغفار ربهم إلى شرب 
القهوة وشراء السبحة والمكحلة وإلى صرف النقود للتبادل . 


وليس ذلك كل ما يثير النفس لحال المسعى؛ فقد بلغ من إهمال 
شأنه وهو منسك من مناسك المسلمين حداً بعيداء» واجتياز بعض 
الطرق إياه ومرور الدواب والعربات والسيارات في هذا الطريق بين 
الساعين بعض مظاهر هذا الإهمال» فإذا أنت تحدثت في ذلك قيل 
لك: وما عساك كنت تقول من عهد قريب وقبل أن ترعى الحكومة 
الحاضرة هذا المنسك بعنايتها؟ فقد كان حرماً للكلاب تقيم في ظلاله 


يج سيد 





نهارها وليلها لا يُزعجها من مرقدها أحد كأنها حمام الحمى . 


لقد كان المسعى إلى صدر الإسلام طريقاً مستقيماً يصل بين 
ربوتي الصفا والمروة متصلاً بما حوله من فسيح الصحراء وهضابها 
وتطل عليه الجبال المحيطة بمكة» أما منذ مئات من السنين فقد بلغ من 
طغيان الدور التي أقيمت في حرمه أن اعوج اعوجاجاً يحول دون رؤية 
الصفا من المروة أو رؤية المروة من الصفاء كما حال سقفه بين الساعين 
وفسحة الجو وبهاء السماء» وأحيلت كل من الربوتين درجاً أحيطت 
جوانبه بالجدران؛ أما أرضه فقد رصفت بالحجر رصفاً غير منتظم . 


تثور النفس لهذه الحال التي عليها المسعى, ولو لا أن الناس 
يحسبونه كذلك منذ وجدء ولولا أنهم إذ يرونه يشغلهم السعي عما 
سواهء لقام بينهم من يدعوهم إلى الثورة لإصلاحهء ولإزالة هذا 
المساس بحرمة مكان يجب أن يحاط بكل تقديس وإجلال» ذلك كان 
شعوري ساعة منصرفي من المسعى» وما زال هذا الشعور يحزٌّ في 
نفسي» فلعلي أجد من يشاركني في دعوة المسلمين إلى إصلاح منسك 
من شعائر الله؛ ولعلى أجد من الحكومات الإسلامية استباقاً للخيرات 
وإجابة لهذه الدعوة. 


انصرفت من المسعى إلى الدار بمكة» فحللت إحرامي ولبست 
العقال والعباءة العربية ‏ أو المشلح ‏ كما يسمونهاء وأقلتني السيارة 
عائدة إلى منى» ولا يكاد من يراني يشك في أني عربي من أهل البلادء 
فما حاذت السيارة حرّاء استوقفت سائقها لأمتع النظر بهذا الجبل كرة 


المختار من الرحلات الحجازية 





أن أحيط خبْراً بكل ما جلّ أو دق من أمره. 


]١١54[‏ دعا الشباب العربي السعودي ذوي المكانة من الذين 
جاءوا يؤدون فريضة الحج من أهل الأمم المختلفة إلى اجتماع بمنى 
للتعارف والتشاورء وقد اجتمعنا في الموعد المضروب» وجاء مجلسي 
بين هندي وتونسي» وبادل الداعون ضيوفهم التحيات؛ وأحدثوا بينهم 
من التعارف ما يُستطاع إحداثه في مثل هذه الحفلة» ثم دعوا بعضهم 
ليتحدثوا إليهم؛ وكم تمنيت لو كان بين من يؤدون فريضة الحج من 
أهل المكانة والرأي والكلمة المسموعة في بلادهم من يحضرٌ مثل هذا 
الاجتماع. لتتم حكمة الحج» ولتكون مكة مقراً لعصبة الأمم الإسلامية 
تسمع كلمة أهلها ويكون لهم في العالم رأي معدودء لكن ذوي الكلمة 
المسموعة ممن حضروا لم يكونوا يمثلون من العالم الإسلامي إلا 
أقله» ولم يكونوا يقصدون باجتماعهم إلى غاية وراء الاجتماع» لذلك 
ضعْف الرجاء في أثر ما ألقوا في هذا الاجتماع من أقوال لم تتعد 
الدعوة العامة إلى إخاء المسلمين وتحابهم» ولو اجتمع ذوو الكلمة 
المسموعة لغاية يريدون تحقيقها لكان لاجتماعهم أثر يدوي في العالم 
كله . 


النحرء ومررنا بالجمرات فرجمناهاء ثم أقلتنا السيارة تؤم مكة. 


في ترك لوحي 





0 


واسترعى«حراء» نظرنا ساعة مررنا به» وأذكرني تحيّث النبي العربي 
فوقه ونزول أول الوحي وأول الرسالة عليه بعد سنوات من تحنثه» فلما 
أويت إلى الدار واشتملني مُخًدعي بها جعلت أفكر : لقد أتم الله لي 
فريضة الحجء, وهأنذا الآن بمكة مسقط رأس محمد يك أفأغادرها إلى 
المدينة لأزور قبره ثم أعود إلى وطني؟!. . وأطرقت هنيهة إذ تمثل لي 
حرّاء. وامتثلت محمد كك فوقه في عزلته» ثم امتثلته يوم الوحي الأول 
عائداً إلى خديجة يقول: «زمّلوني زمّلوني»» ولما تمثل لي في حياته 
كلها آليت على نفسي أن أبقى لأسير حيث سارء ولأتبع خطواته قبل 
هجرته من مكة وبعد عوده إليها فاتحآء علي أتزود من ذلك بما ينفعني 
قبل أوبتي إلى قومي» فإذا عدت إليهم عدث وفي يدي قبظة من أثر 
الرسو ل ظ 


]١١6[‏ تفضل غير واحد من رجال الحكم في مكة فدعانا إلى 
تناول الطعام عنده» وأفضل الطعام عند أهل مكة اللحم والثريدء وهم 
يتناولونه عادة كما كان يتناوله أجدادنا؛ يسلق الضأن أو يشوي ويثرد 
الثريد ويوضع في قصعة على خوان من تحته السّماطء ثم يتناول كل 
من الثريد واللحم بيده إلى شبعه» ولقد تناولت الطعام وإياهم على هذا 
النحو بعرفات ومكة وحيثما ذهبت من بلاد العرب» وكنت أجد في 
ذلك من ذكر أيام الصبا الأول ما أسعد بهء لكن أولئك الذين تفضلوا 
بدعوتي مع من جاءوا مكة من المسلمين أولي المكانة لم يروا أن نأكل 
إياهم على طريقتهم» بل اثروا الطريقة الحديثة - طريقة الغرب ‏ وما 
ألفه من ألوان الطعام والصحاف التي يدور بها الخدم لينال كل منها 


المختار من الرحللات الحجازية 





-إدفلةه 
لنفسه في صحنه» وليأكل بالشوكة والسكين بدل أن يأكل بيدهء وإنهم 
ليؤثرون اليوم أن يجلسوا على الكراسي بدل الجلوس على المصاطب 
أو على السجاد فوق الأرض» وهم يرون في هذا من محاكاة المدنية ما 
يسر ضيوفهم من ناحية» وما يقربهم من الحضارة الحديثة من ناحية 
أخرى . 


]١١1[‏ كان ذلك شأننا حين تناولنا طعام العشاء عند الشيخ 
الضبان”١؟‏ .وكيل. المواضلات: والمشرف على خركة النقل. بالسيارات» 
على أنا كنا نعود بعد تناول الطعام إلى غرف الاستقبال الوثيرة وكلنا 
مرتدول الملاسس العربية. فتنتفل بذلك من جو لا تتلاءم فمه هذه 
الملابس مع أدوات الطعام إلى جو آخر أكثز انسجاماً مع حياة العروبة. 
فغرف الاستقبال على ما بها من مقاعد وثيرة تحتفظ بالطابع الشرقي 
القديم. ما خلا إضاءتها بالكهرباء المجلوبة لين هذه المنازل دون 
سواها من منازل مكة» ثم إنهم ليحرصون على عادة انتقلت إليهم مع 
النجديين هى التبخر والاجتمار بالعود؛ فما تكاد غرفة الاستقبال 
تحتوي الناس حتى يدور عليهم الخدم بالشاي وبالقهوة وبمجامر يحرق 
فيها عود ذكى الرائحة يستنشق كل عَبَقَه ويحتبسه فى أردانه تحت 
)١(‏ محمد بن سرور الصبانء. رائد الأدب الحديث في الحجازء ومن كبار رجال 

المال والأعمال. ولد سنة ١١‏ في القنفذة» ونقل إلى جدة فرباه آل الصبان. 


وتقلب في المناصب. وله بعض المصنفات. وكان محسناً إلى الناس. توفي 
يمصر مستشفياً سنة 1191 رحمه الله تعالى. انظر «الأعلام»: 173/5 . 





المشلح وبيله وبين الصمادة. وأدوات القهوة والشاي والعود للا تكاد 


وقد دعينا إلى عشاء من هذا النوع بدار مضيفي أمين العاصمة 
الشيخ عباس قطان» وعلى أنه كان عشاء على الطريقة الغربية في تقديم 
الألوان في الصحون .لد رأينا يومئذ ما أعاد إلى الذاكرة صور ليلة من 
ليالى كتاب ألف ليلة وليلة» كمل عقد اجتماعنا قبل تناول الطعام في 
بهو فسيح بالطابق الأعلى فوق البهو المجاور لغرف نومي» والذي 
كنت أقضي به الكثير من وقتي» وكان البهو مفروشاً كله بالسجاد 
العجمي» وثير المقاعدء تضيئه ثْرَيّات من الكهرباء ساطعة النور» فلما 
آن لنا أن ننتقل إلى الموائد ألفيناها مدت في هواء الأسطح الطلق وقد 
أنارتها ثريات الكهرباء القائمة بين الفاكهة وصحاف الحلوى» ولما 
طعمنا هبطنا إلى الإيوان الذي أضيء ليلة هذا العشاء على طريقة جعلته 
جديراً ببعض ليالي هارون الرشيد لولا أننا لم تَغْنّنا القيّانء ولم يُدَر 
علينا فيه غير الشاي والقهوة ومباخر العود. 

]١١67[‏ ولقد قرأ القرآن حجازي بإيقاع غير مألوف في مصر؛ 
غير أن الإيقاع المصري في القراءة قد طغى حتى على أهل الحجاز 
فصار قارئوهم يتأثرون وينحون نحوه. 

]١١[‏ بدا لي واضحاً أثناء الأحاديث الكثيرة التي دارت بيني 
وبين شبان مكة الذين شرفوني بزيارتهم منذ اليوم الأول لنزولي بينهم» 
والذين ما فتئوا يزورونني طول إقامتي ببلدهم» أنهم جميعاً يشعرون 





-20 
بحاجة بلادهم إلى التعليم» وهم يتحدّثون في ذلك بلهجة صادقة» 
لكنك إذ تسألهم عن نوع التعليم الذي يرونه صالحاً لذويهم وأبنائهم 
وعن الفكرة التى يجب أن يقوم هذا التعليم على أساسها تراهم 
يضطربون ولا يكادون يحيرون جواباً؛ قد يكون ذلك راجعاً إلى تأخر 
العلم عندهم. وإلى أن الحظ الذي نالوه منه لا يكفي لإبداء الرأي في 
مثل هذه المسألة العويصة» لكن ثمة أمراً آخر يزيد في حيرتهم» ذلك 
تعلقهم بمكانة مكة المقدسة وحرصهم عليهاء فكل علم يزيد هذه 
المكانة سمواً محبب إليهم» وكل علم لا يجعل منها موضع عنايته 
كلهاء أولا يضعها في المكان الساميء. أو يراها أمراً لا يدخل في نطاق 
العلم مزهود فيه مرغوب عنهء فإذا حدثتهم في حرية العلم وفي حرية 
الأدب رأوا ذلك أدخل في باب الجدل النظري ورأوه لذلك لا غناء فيه . 
]١١54[‏ الجمعة في الحرم 
المسجد الحرام مثابة المسلمين الذين يَفدون إلى مكة من أقطار 
الأرض جميعاً في أشهر الحجح؛ وهو مثابتهم ما أقاموا بأم القرى؛ 
يتقدون إليه لصلاة الفجر وعند الظهيرةء» ويعودون إليه لصلواتهم 
الأخرى وللطواف بالبيت كلما هوت نفوسهم إلى التطوف بهء وهم 
يقضون فيه الساعات الطوال يتحدثون أثناء النهار ويستمعون إلى جماعة 
من الفقهاء يحدثونهم في الإسلام ويفقهونهم في الدين قطعاً من الليل. 
وإن منهم لمن يقضى فيه يومه يجاور البيت» ومنهم من ينصرف نهاره 
إلى شئون الحياة» فإذا أقبل الظلام قضى بالمسجد ليله يقوم إلا قليلآًء 
يذكر الله كثيراء ولا ينال من النوم إلا القدر الذي يكفيه لسعي النهار 


في منزل الوحي 





وتهجد الليل . 

لذلك قل أن يصلي بغير المسجد الحرام أحد من المقيمين بمكة 
على كثرة مساجدهاء وما رأيت أحداً قام بهذه المساجد مصلياً على 
كثرة مروري بها ووقوفي عندها؛ ولا تقام بها صلاة الجمعة مطلقاًء 
ومن ذا الذي تطاوعه نفسه وهو بمكة على أن يصلي بمسجد غير 
المسجد الحرامء والإجماع منعقد على أن مثوبة الصلاة به تزيد على 
مثوبة الصلاة بغيره أضعافاً مضاعفة. وهذا الإجماع صحيح أساسه. 
فالإسلام دين جماعة ودعوة للجماعة؛ ولا شيء يمقته الإسلام 
كالخروج على الجماعة في غير حق» ولا تجد الجماعة بمكة مكاناً 
كالمسجد الحرام مقام بيت الله لتقوم بفروض الله فيه . 

وصلاة الجمعة بالحرم من أروع مظاهر الإيمان في الجماعة 
الإسلامية؛ هذا الإيمان القوي في بساطتهء البالغ في قوتهء الذي 
يجمع بين الحرية والنظام جمعاً لم أقف على ما يقرب من رفعته في أي 
من الملل والنُحل الحديثة أو القديمة التى اطلعت عليهاء ولقد رأيت 
في أسفاري الكثيرة ببلاد يدين أهلها بغير الإسلام من شعائر العبادة 
ومن نظم الجماعة ما فيه مهابة ورهبة ونظام» ولقد حضرت صلاة 
الجمعة في بلاد إسلامية شتى» ولكني لم أر في شيء من ذلك ما قد 
يقرب في جلال مظهره وقوة روعته» وفىي جمعه بين الحرية والنظام. 
وبين الاعتداد بالذات والإسلام مما رأيت في صلاة الجمعة بالمسجد 
الحرام؛ ولم يطبع شيء من ذلك كله من الأثر العميق في نفسي ما 
طبعته صلاة الجمعة بالمسجد الحرام من أثر بالغ في عمقه؛ فما أفتأ 


المختار من الرحلات الحجازية 





كلما أذكره أشعر به متغلغلاً في روحي» يسمو بها إلى ذروة الإيمان 
ويرقى بها إلى ما فوق الإنسانية الذي تألفه . 


قصدت إلى المسجد و معي صاحبي ودخلنا وما يزال بيننا وس 
أذان الظهر فسحة من الوقت تزيد على ربع الساعة؛ مع ذلك وجدنا 
الأماكن الظليلة حينما دخلنا صحن المسجد قد اكتظت كلها بالذين 
سبقونا إليهاء وبقى صحن المسجد خالياً إلا من حمام الحمى» وسرنا 
نتخطى الصفوف نلتمس لنا فرجة للصلاة فلا تقع العين بين الجالسين 
وانطلق هو بين الصفوف يلتمس لنفسه مكاناً آخر. وصليت ركعتين ثم 
جلست ما استطعت أن أجلس . 


وسرحت الطرف فيما حولي وأسرع إلىّ جار يميني وجار يساري 
فمد كل منهما يده مسلماً علىّ» بعد أن أ: تممثار كعتيّ : سلام تحية فيه 
مودة وفيه إخاء. وتفرست أثناء السلام في وجه كل منهما فلم تهدني 
سيما أيّهما إلى جنسيئه ) ولا دلتنى على شىء إلا أنه ليس من أهل هذه 
البلاد. ' 


وعدت أسرح طرفي ناحية صحن المسجد فإذا الناس يَفْدون إليه 
في سيل دافق» يحاول السابقون منهم أن يكون مجلسهم أدنى إلى منبر 
الخطيب أو إلى أحد المكبريات حول الكعبة»؛ وامتلأ الصحن في دقائق 
حتى لم يبق موضع لواقف؛ وجعل الوافدون إليه يتخطون صفوفه 
يلتمسون لهم مكاناً كما كنا تتخطى الصفوف في ظلال القباب نلتمس 


في هترك الوجي 





ع 
لنا مكانء ومنهم من إذا تهيأ له المكان جلس فيهء ومنهم من يؤدي 
للمسجد تحيته بصلاة ركعتين» ولما لم يبق بالمسجد موضع أقام 
الناس خارجه يأتمون لصلاة الجمعة بإمامه. مكتفين بصلاة الجماعة 
وثوابهاء وإن لم يكن لهم ولا لكثيرين ممن وصلوا المسجد رجاء في 
سماع خطبة الإمام . 

]١١745[‏ وعلا صوت المؤذن بالنداء للصلاة: الله أكبرء لا إله إلا 
الله محمد رسول الله. حَىّ على الصلاة» حي على الفلاح» الله أكبر 
الله أكبرء لا إله إلا الله» ما أجمل هذا النداء وأعظم وقعه في النفس! 
إنها لتهتز له وتفيض حين سماعه إكباراً وتقديساًء والقلب والروح وكل 
جارحة وكل عضو تتجاوب لسماعه وتردد صداه في إيمان وإسلام. 
وكلما ألقى المؤذن مَقْطعاً منه دوى المسجد بالجواب عليه صادراً من 
عاطفة قوية في صدق إيمانها بالله» ويربط هذا النداء وتربط هذه الإجابة 
بين قلوب المصلين برابطة تزيد إخاءهم في الله قوة على قوة» فتنهار 
الفوارق بينهم ولا يبقى منه قويّ وضعيف ولا غني وفقيرء بل يصبحون 
رجلاً واحداً وقلباً واحداً كله الإيمان بالله والتوجه إلى جنابه - جل 
شأنه - توجه صدق وإخلاص . 


]١١67[‏ وأتم المؤذن أذانه» فقام من شاء يصلي ركعتين لله 
تعالى. وأقام القوم بألوفهم المؤلفة ينتظرون خطبة الخطيب ليؤمهم بعد 
ذلك في صلاة الجمعة» وسكن كل من في المسجد وما فيه حين بدأ 
الخطيب يتكلم. الذي اليس ملك لسن انال ا وما 
أحسب الأكثرين من الحاضرين كانوا خيراً منا في ذلك حظاء أنَى 





املق 
لصوت رجل ينطلق في الفضاء فلا يحجزه جدار أن يصل إلى هؤلاء 
الذين جلسوا في مئات متلاصقة من الصفوف وكلهم متوجه إلى ناحية 
الكعبة من جهاتها الأربع!» قلت في نفسي: أليس من الخير أن يستعين 
الخطيب بمكبر للصوت ينقل خطبته إلى جميع المصلين في المسجد 
وفيما وراء جدرانه! إن خطبة الجمعة ركن من أركانهاء والغرض من 
خطبة الجمعة إرشاد الناس إلى ما يجب عليهم في أمر دينهم ودنياهم 
حسب الأحوال المحيطة بهم. وهي تتكرر في كل أسبوع؛ 
الحوادث تتلاحق بما يحتاج الناس معه إلى من يرشدهم إلى الخير 
يسلكون سبيله. وأيٌُ رشد إذا لم يسمع الناس لقول المرشد! وما 
أحرى هذا المرشد أن يهون عليه أمر خطبته إذا علم أن الناس لا 
يسمعونها! وما أحراه أن يُعيرها كل عناية متى علم أنهم جميعاً 
يسمعونها ويفيدون منهاء ولقد رأيت خطباء ذوي رأي وبصيرة يوجهون 
الناس في بعض مساجد القرى توجيهاً ينتظم حياة القرية كلهاء فما 
أجدر خطيبَ المسجد الحرام أيام الحج أن يحيط خبراً بأمر المسلمين 
كافة وأن يصل إلى المصلين صوته ليكون لهم هداية ورشداً. 


وفهمت أن الخطبة تمت حين نودي للصلاة من فوق المبلغات» أو 
المكبرات إن شئت» وقام الناس جميعاً من أقصى المسجد إلى أقصاه 
يأتمون للصلاة» بصا يعيا جز ابيا ا وماصسيايي 
ذاكراً قوله تعالى: #وَإِدَا فَرئك الْقرءَان فَأسسمِعوا لم وَأنصِتُوا4”'". وإن لم 


.7١5 سورة الأعراف: الآية‎ )١( 





يستمع إلى قراءة الإمام إلا الذين كانوا على مقربة منه» ساد هذه الألوف 


73 ] لم تترك صلاة لجماعة ولا تركت صلاة لجمعة في نفسي 
من الأثر ما تركته هذه الصلاة في الحرمء ولطالما وازنت بين صلاة ‏ 
الجماعة يقوم بها المسلمون في مساجدهم وما رأيت من صلوات في 
الكنائس المختلفة» فألفيت صلاة المسلمين أعظم في النفس أثراً؛ 
لأنها توجه لله الأحد: « لْمْ لذ وَلَعْ يُولدَ ( وَلَمْ يك لَمْ كفو 
أحل 2074؛ ولأن المسلم هو الذي يصلي بنفسه ويتصل بالله بقلبه 
ويستغفر الله عن ذنبه» ليس للإمام عليه سلطان؛ بل يقف عمل الإمام 
عند تنظيم صلاة الجماعة. بلا قيد لحرية الفرد في صلته بربه إلا عمله 
وتقواه» أما صلاة الجمعة في الحرم فقد اهتز لها كل وجوديء. وقد 
أثارت أمام ذهني صورة مجسمة من المعاني السامية كنت أراها بارزة 
بالوضوع الذي رأيتها به أثناء هذه الصلاة ولا إثرهاء ولقد جلست 
مكاني والناس ينصرفون من المسجد أفكر فيما رأيت فلا أجد من مزيد 
التفكير فيه إلا مزيداً في تأثّري به وإكباري لهء ولولا أن جاء صاحبي 
يدعوني لمغادرة. المسجد إلى الدار لأقمتُ حيث كنت مسترسلاً في 
تفكيري ملتمساً العبرة البالغة منه» وما أكبرها عبرة وما أبلغها عظة! 


وأبلغ أثر تركته هذه الصلاة في نفسي هذا النظام الكامل لعشرات 
ألوف يُخطئها العد عن إسلام به» وإيمان بوجوبه» وحب إياه» وإقبال 


.4 7 سورة الإخلاص: الآيتان‎ )١( 





611- 


عليه؛ء فها هي ذي عشرات الألوف تقف وراء الإمام صامتة خاشعة 
متجهة بكل قلوبها إلى الله مؤمنة إيماناً كاملا بكل كلمة وكل حرف من 
هذه السبع المثاني التي يتلوها الإمام إذ يتلو سورة الفاتحة» ثم تتلو 
هذه السبع المثاني من بعده تحمد الله رب العالمين الرحمن الرحيم 
مالك يوم الدين». لا تعبد إلا إياه» ولا تستعين إلا إياه؛ تستهديه 
الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم فلم يغضب عليهم ولم 
يضلواء وهاهي ذي عشرات الألوف من كل الأجناس والألوان واللغات 
ينتظمها إيمان واحد بهذا الذي تتلوء إيمان لا يتلجلج ولا يكبوء فإذا 
سمعت التكبير للركوع ركعث جميعاً مؤمنة تسبح بحمد ربها العظيم 
الذي تؤمن به وتقدسه» وإذا سمعت التكبير للسجود سجدت تسبح 
بحمده كرة أخرى» وهاهي ذي تعيد في الركعة الثانية حمدها وتسبيحها 
واستغفارها ربّها وعبادتها إياه واستعانتها به في مثل نظامها في الركعة 
الأولى. وتتوجه كل هذه الألوف في هذا النظام الذي يأخذ بالقلوب 
والأفئدة إلى بيت الله من جوانبه الأربعة» أي جيش جيش الإيمان هذا! 
وأية قوة في العالم تستطيع أن تغلب هذا الجيش لو أنه عرف كيف ينظم 
الحياة مثل نظام الصلاة الجامعة» وأن يجعل الإيمان قواماً لنظام الحياة 
كما أنه قوام هذه الصلاة! ألا لو أن ذلك كان واجتمع مَنْ في الأرض 
جميعاً لما غلب قوماً ذلك إيمانهم» وذلك نظامهم. وذلك سموهم إلى 
اللهء وهذه عبادتهم إياه وحده لا شريك له. 


الإيمان قوام هذا النظام البالغ في كماله» الذي جمع الأوروبي 





6140 - 
هو الذي جعلهم إخوة متفاهمين على تباين لغاتهم واختلاف أجناسهم 
وإيمانهم له» كل هذا السلطان لأنه إيمان تجرد من كل ما سوى الفكرة 
السامية» لا تشوبها شائبة» ولا تندسنٌ إليها غاية من غايات هذه الحياة 
الدنيا: الفكرة المجردة من كل مطمع ومن كل هوى إلا رضا الله رضاً 
يستعذب المسلمون التضحية بكل شيء في سبيله؟ التضحية بالهناءة 
والطمأنينة» وبالمال والجاهء وبكل ما في الحياة» بل بالحياة نفسهاء 
وهذه الفكرة السامية يؤمن بها عشرات الألوف هؤلاء ويؤمن بها 
المسلمون جميعاًء تتلخص في كلمتين اثنتين هما أبلغ وأقوى ما عرفت 
الإنسانية منذ وجدت» ولا يمكن أن تعرف أبلغ ولا أقوى منهما إلى أن 

يبيد الله الأرض وما عليها. 


]١١4[‏ «الله أكبر» نعم ! هاتان الكلمتان هما أبلغ ما عرفت 
الإنسانية» وما يمكن أن تعرف» هما مظهر السمو الإنساني على ما 
يتصل به الإنسان من سائر الكائنات» وهما مظهر سمو النفس وقوتهاء 
فلا يعتريها ضعف ولا يزعزع منها سلطان» يكفي أن يحيط الإنسان 
بمعنى هاتين الكلمتين كاملاًء وأن يؤمن به إيماناً صادقاً ليتصل بالله 
اتصالاً صحيحاًء وليّرقى بهذا الاتصال فوق الألمء» وفوق الأمل 
الخادع» وفوق الغرور الكاذب» وفوق كل ما في الحياة الدنياء إننا 
نحن المسلمين لنسمع هاتين الكلمتين ولنقولهما في كل يوم عشرات 
المرات» نسمعهما مرات ساعة الاذان» ونسمعهما ونقولهما مرات حين 
الصلاة» ونرددهما في مناسبات كثيرة ونؤمن بهما حقاً؛ لكن الكثيرين 
منا يؤمنون بهما ولا يحيطون بمعناهما إحاطة إدراك تام وشعور متنبه 





لهذا المعنى . 

فما أعظم سلطان المال وما أكبر حكم أصحابه! نعم! لكن الله 
أكبر . 

وما أعظم سلطان هذا الملك الحاكم فوق العباد! نعم! لكن الله 
أكبر . 

وما كان أعظم سلطان رومية وامتداد إمبراطوريتها! نعم! لكن الله 
أكبرء وما أعظم سلطان الإمبراطورية البريطانية التى لا تغيب الشمس 

وما أعظم سلطان أوربا سلطاناً تحكم به الشرق وتتحكم به في 
مصير العالم كله! نعم! لكن الله أكبر. 

فإذا أنت اتصلت بالله واحجده؛ وعبيدنه وحله». واستعنته وحله » لم 
يكن للمال ولا للملك ولا للإمبراطورية البريطانية ولا لأوربا ولا لقوة 
من القوى بالغاً ما بلغ أ سلطان عليك . 

وما هذه القوى جميعاً وهي لا تساوي عند الله جناح بعوضة! وإن 
من التجديف''' حين نذكر أن الله أكبر من كل كبير وأعظم من كل 
عظيم أن نذكر هذه القوى الضئيلة في حياة الكون والتي تبدو اليوم 
وتختفي ا وتموى اليوم وتضعف عدا ولا توجد اليوم وتنعدم 
غداً يبتلع البحر من الأرض ما شاء أن يبتلع» ويذهب الأقوياء فلا 


)١(‏ أي الكفر: انظر «المعجم الوسيط»: ج د ف. 





- 


يبقى لهم بعد ذهابهم إلا ذكر قوتهم؛ لكن الأرض التي يسير عليها 
هؤلاء يعيشون ويأكلون وإلى ثراها يرجعون. ما أكبرها! لكن الله أكبرء 
والشمس ما أكبرها! لخن الله أكبر» والوجود كله من مميحسوس نشهده 

. 5 5 - غير 7 00 روم > رط 
وغائب 0 ما 0 تكن ألله اك “9 وَسِعَ سمه السمئوات والارض 
و11 سنطهأ عي الي 2104 . 


طريق المدينة 


]١١9[‏ خرجنا من مكة عصر يوم الأثنين الثالث والعشرين من 
ديرعارس بود أنه وو جار نعباتي عن أنبة لهم وأنسرا لق من 
شباب مكة» وصحبنا مضيفي في السيارة إلى دار وزير المالية بجرول» 
واستقبلنا الشيخ عبدالله سليمان بترحاب» وزودني بعد القهوة بخطابات 
من جلالة الملك إلى أمير المدينة عبدالعزيز بن إبراهيم وإلى أمير خيبر 
ليعاوناني فيما أريد أن أقوم به من مباحث» وأهدى إليّ ساعة ذهبية 
عليها اسم جلالة الملك ابن السعودء وستارا من كسوة الكعبة؛ وخرج 
يصحبني ويصحب الشيخ عباس قطان إلى باب الدارء فلما أردت أن 
أستأذنه مودعاً وأشكره على جميل ضيافته ألفيته يشير إليَ كي أركب 
معه سيارته» ولقد تأثرت نفسي لهذا التلطف غاية التأثر . 


وأبديت ما خلج فوادي من عرفان الجميل لوزير المالية» فرد 
تحياتيى بأحسن منها في لسان عربي بدوي وقع من نفسي أبلغ موقع. 
وأقلتنا سيارته حتى جاوزنا أبواب مكة» هنالك نزلت منها وكررت آي 


)١(‏ سورة البقرة: آية 00؟. 


المختار من الرحلات الحجازية 





الشكر له ولمضيفي الشيخ عباس قطان» وركبت سيارتي مع والدتي 
والشيخ عبدالحميد حديدي ومطوفنا الشيخ إبراهيم النوري»؛ فلما بلغنا 
الشميسي وقفت السيارة أمام فَندُقهاء وألفينا عنده جماعة من أصدقائي 
تبادلنا التحية والشكر كروا بسيارتهم راجعين إلى مكة. وعادت السيارة 
تجري بنا في الطريق صوب جلة . 

ولقد بلغناها والليل ساج والأماكن القليلة التى تضيئها الكهرباء 
هي وحدها المنيرة وسط الدَجئة المنتشرة لا يهون منها ضوء مصابيح 
الطرقات إلا قليلاً» ولقينا أصحابنا المصريون بجلة )6 ودعانى قنصل 
مصر لتناول طعام العشاء عنده مع جماعة أزمعوا ركوب البحر في 
غدهم إلى أرض الوطن . 

وفي بكرة الصباح أقلتنا السيارة وتبعها «البكس» فخرجنا من جدة 
في طريق المدينة . 
عجل السيارات التي تجري طول أشهر الحج فيها. 

وتخطينا ذهبان ثم توّل وبلغنا القضيمة» وكنا أثناء ذلك على مقربة 

]١١7١[‏ انطلقت السيارة من القضيمة ميممة رابغاً بعد وقفة يسيرة 
في مقهى ؛ تناولنا فيه الشاي والقهوة. وانطلقت فى سرعة دونها سرعة 
البرق؛ لأن مياه البحر تغمر رمال الشاطىء فى هذه المنطقة فتجعله 





صلباً صلابة الأسفلت» وتجعله تحت عجل السيارة أكثر ليناً ونعومة» 
ولولا أماكن في الطريق بَعَد ما بينها وبين الشاطىء فلم يكسبها تسرب 
الماء إليها ما أكسب الرمال القريبة منه من تماسك وصلابة» ولولا 
أماكن أخرى تعاون السيل والسيارات الثقيلة فيها فقلباً رمالها ظهراً 
لبطن» إذا لبلغنا رابغاً من القضيمة فيما دون الساعتين» لكن هذه 
الأماكن المتقطعة في الطريق كانت تضطر السائق ليسير الهوينى بين 
حين وآخرء فإذا استوى إلى أرض صلبة أطلق لعجلات السيارة العنان 
فانطلقت تسبق الريح وتذرها وراءها تصفر من شدة الغيظ. ولولا هذه 
الأماكن المتقطعة لما أمّلنا جدب الطريق» جدب لا تقع العين فيه على 
شيء يلفت النظرء لكن هذه الأماكن المضطربة بالرمال المتقلبة» وهذا 
الجدب الممحل الذي يمل النظرء جعلانا نشعر إذ نبلغ رابغ بحاجة 
إلى الراحة لا تقل عن حاجاتنا إلى الطعام . 


]١١71[‏ وزاد في سأمنا الطريق منظر كان يتكرر كلما هون السائق 
السير ووقف ليرى ما يصنع بالرمال المحيطة بعجلاات السيارة. ذلك 
منظر المتسولين من أهل البلادء فهم يعدون بالمئات وبالألوف» بل هم 
يخطئهم اعد وأنت ترى الطريق خالياً منهمء حتى إذا هدأ سير 
السيارة رأيتهم نبتوا على جانبيهاء وما تدري أأنبتتهم الأرض أم قذفت 
بهم الهضاب من أعاليها كما تحط السيول الأحجار من القمم العالية: 
ومنظر هؤلاء المتسولين قلّ أن يثير في النفس عاطفة الرحمةء وإن 
كانوا يجيئون إليك عراة أغلب أمرهم ليس عليهم لباس إلا ما يستر 
العورة» فأما النساء والبنات فيتقدمن كاسيات ولكنهن لسن دون الرجال 





-الضلقه 
'والشبان إلحافاً ومسألة» وهم يقبلون على السيارة تسابقها سيقانهم 
الدقيقة وقد مدوا أيديهم يصيحون: (يا حاجء يا بوياء هللة» وحياة 
النبي”'". بالسلامة) إلى آخر الأنشودة التى حفظوها على كرّ السنين عن 
ظهر قلب» يتوارثها الأبناء عن الأباء» والحفدة عن الأجدادء ولولا أن 
الحجاج والحاجات بنوع خاص يشعرون بأن الإحسان إلى هؤلاء 
المتسولين من تمام الحجء وأن فيه استجابة لقوله تعالى: # فَأَجَعَلٌ 
فدهي الاين تموة إِليِمْ وأدفهم ين التَّمَرتٍ لمهم مم74" لرغب 
أكثر هم عن بذل الصدقة لهؤلاء المتسولين» وأكثرهم أصحاء مفتولو 
العضل أقوياء البنية» وأكثرهم يرى هذا التسول صناعة مباحة للارتزاق» 
ويرى فرضاً على هؤّلاء ا وإذا كان شيء 
فى هذه الظاهرة النفسية يثير الإشفاق فليس ذلك ما عليه هؤلاء 
[ذ ز ذ [ذ[ ا ا 
في مراتب الإنسانية إلى حضيض ما اجدر القائمين بالأمر في الحجاز 
أن ينزهوا أهل الحجاز عنهء سموا بالإنسانية عن المذلة» وبالإسلام 
عن الهوان» فهؤلاء المتسولون إنما هم بعد من بني الإنسان» وهم بعد 
مسلمونء والإسلام يأبى على بني الإنسان أن يبلغ التفاوت بينهم حتى 
يكون أحدهم حيوانا أو دون الحيوان مكانةء» في حين ينعم الآخر 
روي العا وه مُتّع الحياة وبأسباب الترف جميعاً 


وهؤلاء المتسولون دون الحيوان في تصورهم الحياة وفي إدراكهم 


(؟) سورة إبراهيم: الآية لا٠.‏ 


في منزل الوحي 





010 - 
ما حولهمء أقبل أحدهم يلهث نحو حاج ويقول مستجدياً: «وحياة 
النبي»» فسأله الحاج: ما اسم النبي؟ فبّهت السائل في بله ولم بحر 
جواباًء هو إنما يكرر كلمتين: «وحياة النبي» تكرارا آلياآً كما يكررها 
الببغاء أو «الفرانوغراف)7'' دون أن يعرف لهما معنى أو مدلولاً؛ وهو 
يجري سائلاً يلتمس القوت كما يلتمسه الكلب» وقد كان صاحبه قاطع 
الطريق يجري قبل عهد الوهابيين يلتمس القوت نهبآً كما يلتمسه 
الذئب» بل لعل هذا السائل أحط في قدر الإنسانية من المجرم إن جاز 
أن تعقد مثل هذه الموازنة» فالمجرم حيوان مفترس والمتسول حيوان 
مهين» فإذا هما تساويا في الحيوانية فالمفترس لا ريب خير مكاناً من 


الأليل الميين: 


]١١775[‏ لقد سمعنا جميعاً اسم رضوى يتكرر في الشعر العربي 
القديم» ولا يزال الكثيرون منا يتغنون بثبير ورضوى كما يتغنون بجبلي 
نعمان» ولعل من شعرائنا المصريين في العصور المتأخرة من ورد اسم 
رضوى في شعرهء ذكره حين أراد أن يتخيّل جبلاً أو يتمثل ما يدل 
الجبل عليه فكان اسم رضوى أقرب إلى ذاكرته من أسماء سيناء» ذكر 
لي مَنْ عرفت بالحجاز حديثاً عن رضوى أثار منى كوامن الدهشة 
جميعاً؛ فهذا الجبل يمتد في طريق المدينة إلى ينبع» ومنطقة المدينة 
وما حاذاها أكثر اتصالاً بالحضارة من كثير من مناطق بلاد العرب؛ 
لأنها أدناها إلى الشمال وأيسرها اتصالاً بالشام ومصرء كذلك كانت 


)١(‏ هي الآلة التي تدير الاسطوانات القديمة» مثل المسجل الآن. 





611 - 


في عهد صدر الإسلام. وكذلك هي اليوم. ولقد زار وزير المالية 
الشيخ عبدالله سليمان رضوى منذ سنوات قليلة» واستصحب معه أمين 
مكة الشيخ عباس قطان كما استصحب قوة من الجند وعدة للمقام من 
خيام وأدوات للطهي وطهارة ومّن إليهم» وتسلق القوم إلى قمة رضوى 
فرأوا عجباً: رأو قوماً لم ينزلوا السهل حياتهمء ويرون في نزوله 
المَعرة الكبرى؛ فإذا احتاجوا إلى شيء مما فيه فأتباعهم وضعافهم هم 
الذين ينزلون». ورأوا هؤلاء القوم يعيشون في الكهوف والمغارات عيش 
الحيوان المفترس» ورأوا أحدهم إذا ظفر بغنيمة مما كانوا يذبحون فر 
بها إلى كهفه وأوى إليه وانبعث ينهشها كما ينهش الحيوان المفترس 
فريسته» وجعل يذب عنها من يحاول اقتحام الكهف عليه بأن يدفعه 
يرجله كما يفعل الذئب أو النمرء أفيتصور أحد هذه الحياة في بلاد 
العرب وعلى مقرية من المدينة؟ أما أنا فدهشت لها أول ما سمعت 
نبأهاء ثم خفت دهشتي حين اذّكرت من رأيت من الأعراب بالشفا من 
جبال الطائف» وما أحسب الفرق بين هؤلاء وأعراب رضوى ببالغ أن 
يثير الدهشة . 


]١١7[‏ يأبى الإسلام أن يبلغ التفاوت بين بني الإنسان حتى ينكر 
بعضهم نعشا ذلك: أساسه في أمور الرزق» وهو أساسه في الحياة 
الروحية؛ فهو دين إخاء يرتفع بالإخاء إلى أسمى. مراتبه»ء ويرى لذلك 
أن المرء لا يكمل إيمانه حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسهء وأين 
الإيمان في أمة يتناكر بنوها فينكر أحدهم أمر صاحبه» فإذا عرف أمره 
دهش له وأخذ منه العجب! وأين الإخاء في أمة يعيش نصف أبنائها 





014 - 
حفاة عراة» رزقهم من التسول» وسعادتهم في الجهل» وطمأنينتهم إلى 
العيش في قُئّن7'' الجبال» ويعيش النصف الآخر في حضر أو ما يشبه 
الحضر. ليبس هذا من دين محمد فى شيء. بل الإسلام عدو لهذا 

التفاوت الظالم وهذا التناكر الذي يمقت الإخاء ويمقته الإخاء. 


]١١1/:1[‏ بلغنا رابغاً بعد زوال الشمس بساعة أو نحوهاء فبلغنا 
بذلك حضراً لم نر شيئاً منه منذ تركنا جدة» وهو على تواضعه حَضْرٌ 
يقف النظر عنده» فقد وقفت بنا السيارة أمام بناء فسيح يشبه السوق. 
في جانب منه مقاعد لمقهى يجلس الناس فيه يتناولون الطعام والشاي 
والقهوة» وإلى الجانب الآخر من الطريق قامت مبان أحدها مخفر 
البوليمس» وبعضها حوانيت تعرض للبيع ألواناً شتى من الطعام وغير 
الطعام» وسألت أصحابي : أين نلتمس الراحة ونتناول الطعام؟ فأشاروا 
إلى بناء متصل بالسوق زعموه فندقاًء ودرنا نلتمس في هذا الفندق 
غرفة نأوى إليهاء فإذا أنا أمام غرف حقيرة لا أدري مم بنيت» وليس 
يغطيى أرضها حصير ولا ما دون الحصيرء على أن أصحاب المقهى 
توسموا فينا الخير فجاءوا بحصير قديم نشروه في إحدى الغرف». وجئنا 
من متاعنا بسجاجيد الصلاة ففرشناها فوقه. 


]١١75[‏ وذكر أصحابي من أهل مكة أن برابغ سمكاً صالحاً 
للطعام يُطهى لساعتهء فطلبت إليهم أن يجيئونا منه بما يكفيناء وإنا 
لنعد لراحتنا ولطعامنا إذ أقبل علينا رجل الجندية فتقدم بالتحية وعرض 


000 أي رؤوسها. 





انك 
علىَ ضيافته» وشكرته وأبديت له أني مطمئن حيث نزلت» وأن حاجتي 
إلى الراحة تمسكني دون القيام ودون اتباعه إلى شاطىء البحر أو إلى 
المخفر أو إلى أي مكان غير هذا المكان الذي أنا به» وابتسم الرجل 
وبادلني من التحيات ما ضاعف شكريء ثم تركنا وانصرف مكرراً ساعة 
انصرافه أنه يود لو يكون في خدمتنا فيكون بذلك سعيداً. 

وبعد صلاة الظهر تناولنا السمك الذي جاءوا به» ما أشهى الطعام 
على جوع وما أطيبه وأصحه! وملتُ بعد أن نلت شبعي فتمطيت على 
سجادة الصلاة أبتغي الراحة» فإذا بي أسرع إلى عالم النوم» واستيقظت 
وقد عاد لي نشاطي. والتمست الخريطة أقيس عليها ما قطعنا من جدة 
وما بقي لنا لنبلغ المدينة» قال صاحبي : 

وما تجدي الخريطة فى طريق شديد التفاوت بين الاستواء 
والوعث. وتستطيع السيارة أن تقطع عشرات الفراسخ كل ساعة في 
بعضهء وهي تعي في البعض عن فرسخ واحد في ساعة أو ساعات؛ 
وإنا لن نبلغ المدينة الليلة. والمُسيجيد غاية ما نستطيع أن نبلغه إذا بلغ 
لطف الأقدار غايته» وقد بنيت بآبار بني حَصَان وقد لا ندركهاء والآمر 
فى ذلك كله للهء بيده تصريف الأمور. 

لم يثني هذا الحديث عن الاطلاع على الخريطة» يا عجباً! كيف 
نسيت أن الجخفة على عهد النبي هي رابغ اليوم» أو أنهما تتجاوران. 

]١١177[‏ وقمنا بعد العصرء فانطلقت بنا السيارة إلى مَستورة في 
طريق مستو يجاور البحر فهي تجري فيه تخطفه خطفأ وفى حذاء 





مستورة تيامنت السيارة مُشْرّقة نحو بئر الشيخ» ومذ تيامنت بدأ الطريق 
يتعذر السير فيه» ذلك أننا كنا نبعد عن البحر إلى داخل تهامة» وكانت 
الرمال التى تسير السيارة عليها خلال هذه الصحراء غير مستقرة لكثرة 
ما تقلبها السيارات الثقيلة إذ يكثر مرورها بها في موسم الحج» وحيثما 
تعذر السير نبت المتسولون من جوف الأرض أو انحطوا من 
المرتفعات . 


وبلغنا بئر الشيخ بعد غروب الشمس فجلسنا إلى مقهى بها تناولنا 
فيه الشاي وأقمنا حتى سجا الليل» فليس يضيق سائقوا السيارات بشيء 
ان 1 التي تلي غروب الشمس حين تختلط موليات النهار 
بإقبال الليل د فيَتبَْهم النور وتنبهم الظلمة ويضطرب ضوء السيارة بينهماء 
وسأل السائق ‏ عن الطريق بين بئر الشيخ وآبار بنى حصان ومبلغ 
صلاحها للسير بهاء فاختلف أهل المقهى رأيأء وأشار أحدهم إلى أن 
طريقاً منها لا يزال صالحاً للسير فيه» وأن الطريق الآخر أفسدته السيول 
فلم يبق السير فيه مستطاعاً. 


]1١١11[‏ ولم يكن إلى المبيت ببئر الشيخ سبيل إلا أن نظل ليلتنا 
في هذا المقهى» وإن أطقت أنا هذا المبيت وغامرت به فما عسى أن 
يكون أثره في صحة والدتي؟ ولقد ذكر القوم أن بالمحلة التي تلينا - 
محلة آبار بني حصان - فندقا للمبيت فيه استخرنا الله وقمنا إلى 
سيارتنا لكنها لم تسر بنا إلا قليلاً حتى ساخت في الرمل ولم تستطع 
حراكاًء وأضاء السائق فنارها فإذا أمامنا ثلاث سيارات أصابها ما 
أصاب سيارتناء ولقد جعل سائقوها يتعاونون ويعاونهم ركابها على 


المختار من الرحلات الحجازية 





-00 
دفعها للمسيرء واللوريات في مثل هذه المواقف أسعد حظأء لارتفاع 
جسمها فوق الأرض على عجلاتها الكبيرة» وسّمُوها لذلك عن أن 
يغوص بطنها في الرمال» وأقمنا حيث نحن وذهب أصحابي يعاونون 
الذين تعطلت سيارتهم أمامنا ليقابلونا بالمثل فيعاونوا سيارتنا على 
الخروج من ورطتهاء وقد أقمنا ساعة أو نحوهاء ثم أذن الله بالفرج 
وخرجت السيارات من هذه العسرة التى أصابتهاء» وسرنا منطلقين في 
طريقنا وكل رجائنا أن نبلغ آبار بني حصان قبل منتصف الليل لعل النوم 

بفندقها يعوضنا عن جهد هذا النهار. 


وانقضت ساعة أخرى والسيارة تجري ونحن ننعم بنسيم ما أرقه 
وأعذبه! نسيم البيداء الطلق الجاف الصحيح الذي يبعث إلى النفس 
النشاط والغبطة» والذي ينسي المسافر كل نصب وكل مشقةء وفيما 
نتحدث عن المدينة ومتى نبلغها غداً إذ السيارة تغوص مرة أخرى في 
الرمال» وحاول السائق مذ شعر باللّجة الخطرة تحت مزالق العجلات 
أن ينجو منها بتحريك عجلة القيادة يمنة ويسرة لعل في تحرك 
العجلات ما يجنبها الغوصّ العميق» لكن هذه المداورة لم تفلح. 
وساخت السيارة وجعلت عجلاتها تدور حول نفسها في حركة رحوية 
غير مجدية» ونزل أصحابي يحاولون دفع السيارة إلى الأمام لعلها 
تجاوز منطقة الخطرء ومع ما بذلوا في ذلك من جهد شاق لقد ذهب 
جهدهم عبثاء وخيّل إليّ أني أستطيع معاونتهم» ودفعت معهم ولكن 
على غير جدوى» وبعد ساعتين ذوى فيهما الرجاء وذهب ما أنفقنا 
خلالهما من جهد سّدى» جاء إليّ من أصحابي من يخبرني أن السيارة 





0155 س 
خرجت من لجة الرمل وأنها وشيكة أن تسيرء ولما رأى مني الريبة في 
قوله ذكر أن عربة كبرى بها مفتش للطرق أدركتهم. وأن بها أداة خاصة 
لإنقاذ العربات المنكوبة في لجة الرمل» وأنها ردت عربتنا إلى الحياة 
والسدير: 

وسارت بنا تقصد ابار بني حصان ونحن في أشد الخوف أن 
ينشب الرمل براثنه في عجلاتها كرة أخرى . 

]١١74[‏ ولم تهدأ ثائرة الخوف في نفوسنا حتى رأينا أنوار آبار 
بني حصان., فلما بلغناها نادى مناد أن نميل لننام عنده» ولكن عنده 
مقهى لا يفضل مقهى بئر الشيخ» ونحن نريد الفندق ‏ فندق أبار بني 
حصان - وأهبنا بالسائق أن يقصد توا إليه وأنا أصور لنفسي غرفتي به 
وما سأناله بها من نوم مريح . 

ووقفت السيارة أمام بناء اشتملته الظلمة قيل إنه (الأوتيل)» ودق 
أحد الرفاق بابه ونادى أهله وطال به الدق والنداء» ولئن كنا فى الثلث 
الأخير من الليل لقد عجبت كيف ينام الموكلون بفندق يأوي إليه. اناي 
ساعات الليل وقلما يقفون عنده بالنهار» قال صاحبي: لا تعجب؛ 
فالفندق للحكومة والموكلون به عمالها وهم يقتضون منها لذلك مرتباً 
لا يزيد بزيادة مّن ينزلونه ولا ينقص بنقصهمء وفتح الباب رجل عليه 
أمارات النوم؛ فلما عرف أمرنا جاء بمصباح ضئيل النور وتقدم يهدينا 
إلى غرف المنزل. 

ومددت بصرىي خلال نور المصباح إلى داخل الغرف فارتد 


المختار من الرحلات الحجازية 





يدعونى أن أهم بالعودة إلى العراء وهواءه الحر الطليقء فهذله الغرف 
الخالية من كل أثاث وفراش إلا من رمل لا شك أن رمل العراء أنقى منه 
لا تشجع على المكث ولا على المبيت» لكن الجوع والجهد وما خافه 
أصحابي من أثر العراء في الصحة كل ذلك ثناني عن تنفيذ ما أردت . 


وتناولنا طعامناء وفرشت سجادتى على حصير أكرمنا القوم 
بإحضاره وأغفيت السويعة التى تفصل بيئننا وبين الفجر . 


كان رجالنا قد أعادوا رحالنا إلى البكس وإلى السيارة وشكرنا 
لأهل أوتيل آبار بني حصان ظرفهم . 

]1١74[‏ وانطلقنا في طريقنا نبغي المسيجيد» آخر محلّة نقف بها 
قبل أن نبلغ العدينة: ويلققاها بوه لنا فندقا برها نيه فندق. الآبان: 
فأخبرنا رجاله أن السيد عبدالعزيز الخريجي مضيفنا بالمدينة بعث مساء 
أمس وصبح اليوم من ينتظرناء وأقمنا بالفندق ريثما تناولنا الشاي 
والقهوة» وشكرنا أصحابه ثم انطلقنا كرة أخرى في طريقنا إلى غايتنا . 

وإنا لفي إحدى استدارات السيارة إذ انطلق إلى السماء أمامنا 
جبلان عن اليمين وعن الشمال لفت انطلاقهما النظرء قال صاحبي : 
«هذه جبال المُفرحات» وهي طلائع المدينة المنورة»» هنالك اتجهت 
بكل ذهني وجناني إلى ناحية مديئة الرسول ‏ على صاحبها أفضل 
الصلاة والسلام -» وجعلت أحدق بنظري وحده تارة» وأستعين 
بالمنظار المقرب أخرىء أريد أن أجتلي بشائرهاء وكأنما شعر السائق 
بأن نستعجل بلوغها والدخول إليهاء فدفع بالسيارة في طريق استقام 





حتى كأنه قد نحت فى الجبل نحتاً ورصف فيه رصفاًء فلما أوفى على 
غاية هذا الطريق استدار إلى طريق آخرء ثم وقف فجأة بعد استدارته 
فيه ومد إصبعه إلى ناحية الشرق مشيراً وقال : هذه القبة الخضراء . 


الله أكبر ولله الحمدء بلغنا إذاً مقصدناء فالقبة الخضراء قبة الحرم 


وبلغنا باب العنبرية فاستوقفنا حرّاسه. وباب العنبرية بالمدينة 
كباب النصر بالقاهرة وباب الساهرة بالقدس وأمثالها من الأبواب التي 
كانت تحيط بالمدن في عصور خلتء والتي كانت تجعل منها حصوناً 
منيعة تصد المغير عليها دون اقتحامهاء وهي لذلك قد بنيت من حجر 
متين بناء محكماًء وقامت فوق جدرها السميكة عقود من الحجر تبعث 
إلى النفسن المهابة وإلن القلب الرهنةه.ولما عرق السخراس أمرنا :اولوت 
أحسن التحيات وأخبرونا أن مضيفنا قد أقام بنفسه ينتظرناء وأنه طلب 
إليهم أن يرشدوا السائق إلى دارهء وابتسم السائق حسن وذكر أنه 
يعرف الدار خير معرفة» ومن ذا الذي لا يعرف دار الخريجي بالمدينة 
أكبر تاجر وأعظم سَرِيَ'' فيها وصهر وزير المالية! وانبعث حسن بعد 
أن تخطى العنبرية في طريق فسيح حتى بلغ بيتاً حديث البناء ووقف 
قبالته وقال: هذه دار الخريجي الجديدةء لكن بناءها لم يتم بعد 
واستأنف سيره فمر بميدان أو ما يشبه الميدان» ثم استدار في طريق 
ضيق أدى به إلى زقاق أشد ضيقاء تنفس عن رحبة ليست بالفسيحة» 


2000 أي وجمه . 








للق 
ولكنها تبدو كذلك بالقياس إلى ما يتفرع عنها من الأزقة؛ هنالك وقفت 
العربة ووقف البكس ونزلناء وكأنما شعر أصحاب الدار بوقوفنا 
فخرجوا إلينا واستقبلونا بأجمل التحية . 

عَجَبٌ أمر السفر في هذه البلاد الإسلامية المقدسة» إن لنا الآن 
لستاً وأربعين ساعة مذ غادرنا مكة لم نذق أثناءها للراحة طعمأء بلغنا 
جدة أمسية الاثنين ولم أنم بها خمس ساعات» وقضينا طيلة يوم 
الثلائاء بين جدة وآبار بنى حصانء ولم نقض ب (أوتيل آبار بني 
حصان) سوى ثلاث ساعات كان المبيت بالعراء خيراً منهاء وها نحن 
أولاء نبلغ المدينة والعصر وشيك أن يؤذن أو لعله قد أذن المؤذن به. 
مع ذلك أراني جم النشاط أود لو أخرج لتوي لزيارة المسجد النبوي 
والحجرة النبوية فأؤدي بذلك تحية المسلم إلى مقام الرسول الكريم 
عليه الصلاة والسلام. 

وأفضيت إلى مضيفي برغبتي» قال : بل استرح قليلاً وأزل عنك 
غبار السفرء فإذا تناولنا الطعام خرجنا للزيارة» قلت: ما بي الآن إلى 
الطعام حاجة وأوثر أن أتناوله بعد صلاة العشاء»ء وصعدت مع ابن 
المضيف الكريم إلى الطابق الأول حيث غرفنا ومتاعنا؛ هنالك أقمت 
ريثئما اطمأننت إلى دار المقام وتوضأت وأخذت أهبتي للزيارة» ونزلت 
ونحن من صلاة المغرب على نحو نصف الساعة» وقمت مع مضيفي 
فسرنا في زقاق ضيق استدرنا منه إلى آخر وإلى طريق أكثر سعة ينتهي 
بعقد من البناء فوقهء وهبطنا درجة واستدرنا إلى اليمين فإذا بنا نستقبل 
باب السلام من أبواب المسجد. 





وسرنا نحو الباب نقطع بضعة الأمتار التي بيننا وبينه» وسرنا في 
زحمة جمع جاء يؤم المسجد لصلاة المغرب يريد أن يقضي فيه الفرض 
والسنة ويجلس فى الروضة النبوية ليئاب عن صلاته أضعاف ما يثاب 
ذكر أصحابي وأنا بمصر قبل أن أسافر إلى الحجازء وبذلك تجري 
روايات كثيرة . 

]١1١[‏ أنا إذاً على خطوات من الروضة النبوية» ومن الحجرة 
النبوية» وفي هنيهة سأتخطى باب السلام فأكون في حماها وحرمها. ‏ 

يا لجلال الموقف! أخذت به قبل أن أبلغه وأن أقف فيهء وبلغ من 
شغلي به أن لم أغنَ بما حولي؛ بل أطرقت إلى الأرض وغاب عني كل 
شىء إلا ما أنا مقبل عليه . 

وبلغنا الحجرة النبوية»ء ووقف مزوري واستوقفني قبالة قبر 
الرسول الشريف؛, فلما اطمأننت مكاني إزاء المقصورة الجميلة أشار 
إلى فتحة فيها هي شباكهاء ثم تلا وتلوت من بعده: 

«السلام عليك يا رسول الله يَكِهِ ورحمة الله وبركاته» نشهد أن نبي 
الله ورسوله ككلِ قد بلغ رسالة ربه وجاهد في سبيله حتى أتم الله النصر 
لدينه. وأنه وفى بوعده» وأمر ألا نعبد إلا الله وحده لا شريك له» . 

ثم تحركنا خطوة صغيرة وقفنا بها من المقصورة إزاء قبر الصدّيق 
أبي بكر وسلمنا عليه» وتحركنا خطوة صغيرة أخرى وقفنا بها إزاء قبر 
الفاروق عمر بن الخطاب وسلمنا عليه» ثم تلونا الفاتحة . 


المختار من الرحلات الحجازية 








]١١1[‏ أقمت مكاني هنيهة شاخصاً إلى هذه الحجرة» مأخوذ 
الذهن عن التفكير» متجهاً بقلبي إلى هذا الدليل الذي يتلو أمامي ما 
يقتضي الموقف تلاوته» حذراً أن يفوتني منه شيء» وكأنني في حضرة 
ملك أؤدي مراسم الإجلال والإكبار» كلاء بل كان الموقف أكبر من 
حضرة ملك؛ فقد لقيت ملوكاً وتحدثت إليهم» ولقيت بعضهم وما 
أزال في صدر الشباب» فلم أجد للقياهم مثل هذه المهابة ولا امتللات 
نفسي أمامهم بشيء من هذا الإكبار» ووقفت أمام قبور لملوك وفراعين 
وأباطرة وعظماء فلم أشعر بشيء من الجلال الروحي الذي أخذ على 
تفكيري المسالك وأنا في هذا الموقف». وأشهد لقد كنت في حيرة ما 
أصنع وإنما أنقذني من هذه الحيرة أن دعاني المزور لأذهب إلى 
الروضة النبوية فأؤدي بالصلاة فيها تحية الحرم وأصلي فيها وراء الإمام 
فريضة المغرب . 

أكثرت من التردد من بعد ذلك على المسجد وأحطت بكثير مما 
فيه برا ولقد أعانني على ذلك أنني اتصلت منذ نزلت المدينة 
بالأستاذ عبدالقدوس الأنصاري7'؟ صاحب كتاب «آثار المدينة المنورة» 
وأستاذ الأدب العربي بمدرسة العلوم الشرعية» كما اتصلت بكثيرين 
كان لهم في إرشادي ومعاونتي فضل أذكره لهم وأشكره أجمل الشكر . 


]١187[‏ المدينة الحديثة 


ماذا بالمدينة غير المسجد النبوي؟ أما الاثار المتصلة بالرسول كَلِل 


)١(‏ ستأتي ترجمته في ملحق المقالات المذكورة في آخر الكتاب. 





11 - 
وأهله وبالصحابة والتابعين فكثيرة» لكنني لم أقصد إلى هذه الآثار 
حين ألقيت سؤالي إلى أهل المدينة الذين أقبلوا إلى دار مضيفي في 
المساء» وإنما قصدت إلى المدينة الحديثة» فماذا بها من مظاهر نشاط 
أهلها؟ وماذا بها من أثر الحياة الحديثة التي يصبو شباب مكة إليها 
بوجدانهم؟ قال أحدهم: «وماذا كنت ترجو أن يكون لنا من ذلك 
وسكان المدينة لا يزيدون على ثلاثة عشر ألفاً!» دهشت إذ سمعت هذا 
الجواب؛ فهذا العدد من السكان متداول في كثير من قرى مصرء وهو 
لا يبلغ السدس من سكان مكة» فكيف يكون عدداً لسكان هذا البلد 
الذي يجذب إليه عشرات الألوف من المسلمين في كل عام! أو لا يجد 
أهل المدينة كل رزقهم إلا في موسم الزيارة» ولولا هذا الموسم لخلت 
من ساكنيها! لقد قرأت في «الرحلة الحجازية» للبتانوني أن عدد سكان 
المدينة يزيد على ستين ألفاً؛ فكيف هوى هذا العدد إلى خمسه. 

وأجاب الذي حدثني : 

]١١47[‏ «بل هوى سكان المديئة إلى هذا العدد الذي تراه ضئيلاٌ 
منذ عطلت سكة الحجاز الحديدية أثناء الحرب الكبرى» ولو أن هذه 
السكة عادت سيرتها لصارت المدينة في عداد مدائن الشرق الكبرى» 
لقد كان سكانها عشرين ألفاً قبل إنشاء سكة الحجاز الحديدية فلما 
افتتحت هذه السكة عام ١401‏ ووصلت بين المدينة والشام» وقربت ما 
بين المدينة ومصر أسرع عدد السكان إلى الزيادة إذ ارتفع في سرعة 
تثير العجب.» إذ ارتفع من عشرين ألفاً عام ١401‏ إلى ثمانين ألفاً أول 
الحرب. أي عام .١414‏ وبذلك زاد إلى أربعة أضعافه في سبع 





“ضقة 
سنوات» فلما حدثت ثورة النهضة في هذه البلاد بزعامة الحسين بن 
علي على تركيا('؟ خربت السكة الحديدية وبقيت مخربة إلى الآن» من 
ثم عاد سكان المدينة يهوي عددهم إلى ثلاثة عشر ألفآء ولو أن هذه 
السكة بقيت لم تخرب لأربى سكان المدينة على ماثة ألف. ولا 
عجب؛ فهذه السكة شريان حيوي لهذا البلد لا تقل قيمتها بالنسبة لنا 
عن قناة السويس عندكم لإنجلتراء وحسبك أن تعلم أنا كنا نصرف 
حاصلاتنا في الشام ونبادلها حاصلاتهاء ونتجر مع مصر ونتصل من ثم 
بالعالم لتقدر الأمر قدره الصحيح» لقد كانت خضر المدينة ترسل إلى 
الشام. وكانت فاكهة الشام تجيء إلينا. 


]١١4:[‏ وكانت صلاتنا التجارية قد نمت نمواً جلب من الرخاء 
ما لا يسهل اليوم تصوره؛ وكثر التعامل وارتفعت الأسعار؛ فبلغ ثمن 
قطعة الأرض التى كانت تباع بثلاثة جنيهات قبل السكة الحديدة عشرة 
جنيهات بعد سيرها؛ واليوم هبط هذا الثمن إلى جنيهين ولا تجد من 


ها ب 


]١١6[‏ هذا والسكة الحديدية لا تزال أكثر أجزائها صالحة» ولا 
يحتاج تعميرها إلى مجهود كبير أو نفقة طائلة» وقد فاوضت حكومة 
البلاد كلاً من إنجلترا في فلسطين وفرنسا في سوريا للاشتراك مع البلاد 
العربية في تعميرها كي تعيد سيرتها الأولى» فقامت في سبيل المفاوضة 
عقبات سياسية يتصل بعضها بملكية السكة لمن تكون وبنفقات التعمير 


. في تسميتها «ثورة النهضة» كثير من التجاوز والإجحاف‎ )١( 





من يتحملهاء ومن يتحمل نفقات التعهد (الصيانة) ؛ ويجيء وراء ذلك 
اعتبارات حربية لا نسمو إلى إدراكهاء ولو أن هذه الصعاب ذللت لعاد 
إلى مدينة الرسول من البهجة ما يعيد إلى الذهن صورة العاصمة 
الإسلامية الأولى» أما ما بقيت في هذه العزلة المفروضة اليوم عليها 
فستظل كما هي» وكما ستراها حين تجوس خلالها. فقيرة إلى العون 
الذي يأتيها من الخارج. مهددة بمثل المجاعة التى هددتها منذ سنين 
والتي جعلت الحياة فيها بؤساً وضنكآ لولا تبرع المحسنين من 
المسلمين. 


[1187] ألقيت بكل سمعي إلى هذا الحديث الذي حر في نفسي 
وأثار شجني » مدينة رسول الله يكون ذلك شأنها والمسلمون ساهون 
لاهون! ياللعار ويالهوان كل نفس مؤمنة! أولا يرى المسلمون في هذا 
نذيراً من الله لهم كيما يغيروا ما بأنفسهم ليغير ما بهم! وليس هذا النذير 
ابن أمس؛ فقد سمت المدينة شأناً في كثير من الأحيان» ثم أصابها مثل 
هذا الذي أصابها ولما تكن السكة الحديدية هذه قد أنشئت» ولما يكن 
التفكير فيها قد بدأ. 


ليست السكة الحديدية وسيرها وانقطاعها كل السبب فيما أصاب 
المدينة من تفاوت الحظء. أفأصاب هذا التفاوت غيرها من مدن الشرق 
جميعاًء أم أنها خصت منه بنصيب تفردت به؟ وإن يكن ذلك حقاً فما 
سببه؟ أمسيت أفكر في هذا أحاول رده إلى موقع المدينة حيناً وإلى 
تأثير هذا الموقع في طباع أهلها حيناً آخر. 





وانققة 
لما بدأت عصور الاضطراب وتداعت أركان الدولة الإسلامية» 
كان أهل المدينة قد فقدوا ملكة الاعتداد بالذات» وأصبحوا يعيشون 
كلا على غيرهم من المسلمين» ولهذا السبب بدأ حظ بلدهم يتفاوت 
من اليسار أيام الاستقرار في البلاد الإسلامية وكثرة زوار المدينة تبعاً 
لذلك إلى الشدة والإعسار أيام الاضطراب وانصراف المسلمين عن أداء 
فرض الحج وسّنة الزيارة» وما حدث من انكماش سكان المدينة بعد 
تعطيل السكة الحديدية منذ الحرب الكبرى في سنة ١1١5‏ للميلاد 
يرجع إلى انقطاع سبيل الزوار أكثر مما يرجع إلى قلة التجارة» فقد 
انقطع الحج أو كاد أيام الحرب من خوف مفاجآت البحرء إذ كان 
يصيب «الطوربيد» السفن؛ ولما كان من شغل العالم بالمجزرة المروعة 
المنتشرة فيه عن كل شيء سواهاء فلما انقطعت السكة الحديدية لم 
يكن عود الناس من أهل مصر والشام إلى الزيارة الرجبية''' ميسوراء 
ولما كانت الثروات التى حصلها أهل المدينة في السنوات القليلة التي 
سبقت الحرب وحين سارت إليها السكة الحديدية لم تستقر فقد 
أصابتها الحرب والأزمة التي أعقبت الحرب بصدمة عنيفة أحدثت هذا 
الانتكماش الذي رد سكان المدينة من ثمانين ألفاً إلى ثلاثة عشر ألفا. 
]١1417[‏ ولو أن أهلها ألفوا الاعتماد على أنفسهم ولم يجعلوا من 
موسم الزيارة ومن صدقات المسلمين مورد حياتهم لما أصابهم من 
الجهد ما أصابهم» بل لاحتملوا الشدة بالصبر والتمسوا الخروج منها 


)١(‏ لا أدري سبب تخصيص رجب بالزيارة» ولعله لأجل الإسراء والمعراج لكن 
الراجح أنه لم يثبت له تاريخ معين» والله أعلم . 


في منزل الوحي 





لكي 


بالحيلة» لكن الذين جاءوا إليها بعد سير السكة الحديدية إنما جاءوا 
يبتغون تجارة هينة ورزقاً ميسوراء فلما تعذرت أسباب الرزق فروا 
منصرفين إلى بلادهم آملين فيها رزقاً أكثر بسطة وتجارة أوفر ربحاً. 
]١١4[‏ ومن عجب أن الذين ظلوا مقيمين بالمدينة من أهلها لم 
يفيدوا من هذه الشدة عبرة ولم يذروا ما ألفوا من الاعتماد على 
الصدقات وما ينفقه الزائرون لقبر النبي كَل ولم يفكر أحد منهم في أن 
ينزع بها منزع الاعتماد على مواردها الذاتية» ولقد رأيت ذلك بنفسي 
حين نزلت إليها وجِسّت خلال أزقتها الضيقة وسرت في أسواقها أشهد 
حوانينتها الصغيرة فلم أر فيها تجارة غير ما يحتاج إليه زوارهاء 
وأعجب من ذلك أن هذه التجارة مجلوبة كلها من الخارج» فأما ما 
تنبته المدينة فليس يتجر منه في غير البلح الكثير الأصناف الذي يبتاعه 
الناس تبركاً أكثر مما يبتاعونه لجودته؛ هذا على أن أصنافه الجيدة 
كثيرة وصالحة للتجارة كل الصلاح» لكن أهل المدينة لم يُعن منهم 
أحد بأمر هذه الأصناف وحسن تهيئتها للتصديرء» لا من حيث 
اختيارهاء ولا من حيث عرضها في علب أو صناديق تسترعي النظرء 
ولا من حيث الإعلان عنهاء ولا من حيث نقلها للتجارة في بلد آخر. 


وليس يسترعي النظر في أسواق المدينة شيء يقف الإنسان عنده. 
ولولا التبرك وما له على النفوس من سلطان لما عاد إليها مَن مر بالأزقة 
الضيقة التى تحويها؛ فهذه الأزقة أكثر ضيقاً من مثلها في أصغر القرى 
بأرياف مصرء وهي مكتظة أثناء موسم الزيارة على نحو يدعو إلى 
الفرار منها حذر الاختناق بهاء ولقد شقّت بعض شوارع فسيحة في 





0 - 


المدينة أثناء الحرب» لكنها ليست مقصودة كتلك الأزقة» ولعل الناس 
لا يرون فيها ما بالأزقة من بركة» أم لعل الحوانيت بها أعلى أجراً 
وأهل المدينة أحرص على ألا يبسطوا أيديهم كل البسط في هذه السنين 
التي أصابت المجاعة فيها بلدهم المقدس غير مرة» وقد يفسر ذلك 
بعضهم هذه الظاهرة من التمسك بالأزقة والإقامة بها بقربها من 
المسجد النبوي قرباً يحرص كلّ على أن يبلغ منه غاية ما يستطيع. ‏ - 

]١١44[‏ وضيق الأزقة بالمدينة مضرب للمثل» فما يكاد يضاهيه 
مما بمكة شيء على ما أسلفنا من ضيق طرقهاء فمن أزقة المدينة ما لا 
يتسع لأكثر من اثنين يسيران جنباً إلى جنب» فإذا لقيهما غيرهما لم 
يكن بد من أن ينتحي أحدهما وأن يسير وراء صاحبه ليفسح للعابر بها 
سبيلاء وهذا على سعة رقعة الأرض فيما حول المدينة سعة تطوع 
لعشرات الألوف حين الرخاء أن يشيدوا المباني بهاء لكنما ألف الناس 
من أهل المديئة هذا النوع من العيش في الأزقة الضيقة» فإذا عضت 
سنو الشدة بلدهم وغادرها من ليس أصيلاً بها ظل أبناؤها في الدائرة 
المحيطة بالمسجدء لا يفكر أحد منهم فيما يفكر أهل هذا العصر فيه 
من توسيع الطرق لتهوية البلد كفالة لصحة أبنائه . 

]١110[‏ ولقد أعانت عوامل كثيرة على بقاء الحال في المدينة لم 
يصبها تطور خلا حلول السيارة محل الجمل بمقدار ما حدث في بلاد 
العرب كلهاء على حين أصابها أذى وشر كثيرء من هذه العوامل ما 
حدث أثناء الحرب وبعدها من قلق واضطراب في هذا البلد المقدس 
زاد على مثله في سائر بلاد العرب» بدأ ذلك حين انتقض الشريف 


في منزل” الوحي 





حسين على الأتراك واتفق مع إنجلترا على استقلال العرب» إذ ذاك 
تحصن الأتراك بالمدينة واتخذوا قلاعها ملاذهم. فلما رأوا الأمر 
وشيكاً أن يخرج من أيديهم أخذ فخري باشا خير ما فيها من نفائس 
فبعث بها إلى الآستانة: أخذ الجواهر التي بالحجرة النبوية» وأخذ 
أنفس ما في مكتبات المدينة من المخطوطات والكتب النادرة» وتركها 
للأشراف يحتلونها مجردة من هذه المفاخر التى كانت لها والتي كانت 
ذات أثر عظيم في توجه العالم الإسلامي إليهاء ولئن لم يكن هذا الآثر 
شيئاً مذكوراً إلى جانب المسجد النبوي وقبر الرسول كَلِ فيه» لقد كان 
للكوكب الدري ولهذه النفائس المتصلة بالحجرة وكان لكتب السلف 
المحفوظة بمكتبات المدينة سلطان على النفوس لا سبيل إلى إنكاره؛ 
فلما استقر الأمر وه في الحجاز بدأوا يفكرون في الإصلاح» 
لكنهم لم يلبثوا أن دهمتهم الحرب السعودية التي أصابت المدينة بمثل 
سباو يان 


وقف أهل المدينة إزاء هاتين الحركتين مشدوهين حيارى لا 
يعرفون ما يصنعون, أنَّى لهم أن يعرفوا مدينتهم تضمحل مذ عطلت 
الحرب مواصلاتها مع الشامء والاخاء يزايلهم بانقطاع الزيارة أثناء 
الحرب وبعدهاء وأحوالهم تنحدر سراعاً إلى أسوأ ما يتصور الإنسان! 
لا عجب إذاً أن تقف المدينة دون التطور الذي أعقب الحرب في العالم 
كله» وأن يكون بقاؤها حتى اليوم عامرة بمن ظلوا مقيمين بها رغم 
القحط والمجاعة وسوء الحال معجزة من المعجزات لا يفسرها إلا ما 
يملأ قلوب هؤلاء الناس من إيمان بالرسول كك ورسالته وإعزاز لقبره 


المختار من الرحللات الحجازية 





06 


وحرص شديد على المقام في جواره . 

لأهل المدينة العذر وهذا ما نزل ببلدهم إذا هم لم يجاروا تطور 
العالم بعد الحرب» لكن من الواجب ألا ننسى عوامل أخرى كانت في 
هذه الأحوال وفيما سبقتها سبباً في وقوف المدينة دون مجاراة العالم 
في تطورهء وفي مقدمة هذه العوامل روح الاعتماد على الغير باسم 
التوكل على الله وروح الإذعان باسم الإسلام لقضاء اللّه» فقد بقيت 
المدينة تعتمد ‏ وقد زالت عنها صفة العاصمة للمملكة الإسلامية - على 
حسن توجه الملوك والأمراء إليها بسبب مكانتها الدينية لوجود القبر 
النبوي بها أكثر من اعتمادها على جهود أبنائها وحسن سعيهم لخيرهاء 
ترى فيما يبذله المسلمون في مختلف بقاع الأرض لها من هبات 
وأوقاف مصدر حياتها ورزقهاء وليتها استعانت بذلك على تنمية 
مواردها أو المزيد من جمالها أو حسن تنظيمهاء بل أمسك الجهل 
أهلها دون القيام بشيء من ذلك كله وحبَّسّهم في حدود هذه المعونة 
الواردة إليهم من غير أن يكون لهم أي فضل في الإبقاء عليهاء بَلهَ 
المزيد فيها. 

من الظلم أن نلقي التبعة عن هذه الحال على أهل المدينة 
وحدهمء, ولعل الحظ الأوفى منها يقع على أولي الأمر في عواصم 
الإسلام ممن كان لهم على المدينة الحكم والسلطان» هؤلاء حرصوا 
على أن يظل أهل المدينة في غيابات الجهل حتى لا يكون لهم من 
العلم قوة تضاعف بأسهم بمجاورتهم قبر الرسول كلوه فلو أنهم تعلموا 
وعلموا الحق الذي جاء محمداً من ربه مُبَيَأْ من كل شائبة لكان لهم 


في تبرت الردي 





2 - 
شأن غير شأنهم منذ انحل سلطان العاصمة عن مدينتهم» إذآ لعلموا أن 
الإسلام لله والتوكل عليه أول شرائطهما السعي وبذل غاية الجهد لدرك 
الغاية التي يجعلها الإنسان هدف حياته. ولأيقنوا أن الله في عون العبد 
ما دام العبد في عون نفسه وفي عون أخيهء ولأدركوا أن هذه الحياة 
الدنيا فترة هيأها القدر ليقوم المرء فيها بواجبه لنفسه ولإخوانه» فإن هو 
قصر في أداء هذا الواجب فقد قصر في أداء حق الله ولم يبلغ الحظ 
الذي يتيح له الرضا في الحياة» لكنهم إن أدركوا هذا وآمنوا به أصبح 
حكم الاستبداد إياهم محالاء لذلك حجب الحكام المستبدون عنهم 
نور العلم وعَشُوا دونهم. ضياءه . 

]١١91[‏ يدلك على ذلك أن أرقى مدرسة بالمدينة اليوم هي 
مدرسة العلوم الشرعية» واسم هذه المدرسة ضخم يكبّر حقيقتهاء 
ولقد حسبتها أول ما سمعت هذا الاسم من نوع مدرسة القضاء الشرعي 
بمصرء فلما زرتها ألفيتها مدرسة ابتدائية تدرس أحكام الشريعة في 
الفصول العليا منها» وزرت مدراس أخرى فإذا هي دون هذا الطراز 
مكانة» وإذا هي تعنى بالصناعات اليدوية الأولية كصناعة الجلود 
والنسيج البسيط أكثر من عنايتها بأمور العلم؛ وهذه المدارس كلها 
تجري عليها النفقة من هبات وأموال تجيء من الهند» وغاية مطمعها من 
ناحية الحكومة القائمة أن تنال عطفهاء فكثيراً ما لقيت أمثال هذه 
المدارس العَنّت في العهد العثماني» وكثيراً ما اتهمت بأنها أقيمت 
لأغراض سياسية تناوىء مرامي الدولة ولم تقم لوجه الله ورسوله . 


وثَّمّ مدرسة أنشئت فى عهد هذه الحكومة الحاضرة» ولها من 





00 


رعايتها الحظ الأوفى» تلك مدرسة الأيتام» ولقد دعيت إلى حفلة 
أقيمت لخيرها حضرها أمير المدينة وأعيانها» عرضت فيها مصنوعاتها 

يشتريهاء وألقى فيها تلاميذها مقطوعات وخطباً دربوا عليهاء ولقد 
لمحت في هؤلاء التلاميذ ‏ ومنهم بدو لم يألفوا الحضر قبل التحاقهم 
بهذه المدرسة ‏ نجابة واستعداداً للعلم يدلان على أن المستبدين لم 
يخطئوا حين خافوا مغبة العلم على سلطانهم في هذه البلاد» لكن ما 
يتعلمه تلاميذ هذه المدرسة لا يزيد على المعلومات الأولية التي تلقى 
في غيرهاء ولا يقصد منه إلى أكثر من المعلومات العملية ذات النفع 
البتدائي في الحياة . 


]١١95[‏ ماذا عسى أن ينشأ عن هذه الحال من ألوان التفكير 
وألوان العيش؟ يذكر الذين زاروا المدينة وعاشروا أهلها أنهم قوم على 
جانب عظيم من دماثة الطبع ورقة الخلق. وهذا طبيعي في البلاد التي 
تعيكنى على "السباحة والساتحين: أنا 'كان: سبيت الساهة” 6 يريد 
بعضهم أن في مجاورة أهل المدينة قبر الرسول كله ومسجده ما يبث 
في نفوسهم هذه الدماثة وهذه الرقة» ولست أدري مبلغ الصحة في هذه 
الحجة بعد ما ذكر لي غير واحد ممن اتصلت بهم أن كثيرين من أهل 
المدينة ينظرون إلى الحياة بعين مستهترة بالحياة مشغوفة بمتعها المادية 
ولذاذاتها الدنياء وأن منهم من ينفق ما يكسبه في موسم الحج والزيارة 


- هذا غير دقيق؛ إذ أن بعض المدن - التى تعيش على مثل ما يقيس به المدينة‎ )١( 
ليست اخلاق أهلها كأخلاق المدنيين رقة ودماثة. لكن الحقيقة أن أهل المدينة‎ 
ورثوا دماثة الأخلاق منذ عهد بعيد.‎ 





في هذه المتع واللذاذات غير حاسب للغد حساباً» مطمئناً إلى الموسم 
المقبل وما تدره عليه أخلافه من رزق» ولست أتهم الذين حدثوني بهذا 
الحديث . 


]١١9[‏ وقد دعيت إلى غداء في بستان المّصرع على مقربة من 
قبر حمزة رضي الله عنه» فكان مما أراده إخواننا أن يدعو مُضيفنا مُعْنْيا 
أو 0 وضارب عود. ولم يتردد مضيفنا فى الأمر بادىء الرأي؛ 
لكنه خشى من بعد غضب أمير المدينة النجدي الوهابي المتزمت”") 
عبدالعزيز بن إبارهيم» وذلك حين علم أن الأمير أتاه نبأ من هذه 
الدعوة وأستماء المدعوين فيهاء وأنه سيقف أغلب الأمر على حديثها 

]١١45[‏ والطبيعة المحيطة بالمدينة تعاون على هذا اللون من 
الحياة؛ فالبساتين حولها كثيرة» والخضرة سامة» والحياة ضحوك» 
ذلك في نفوس أهله من أثر لما تعرضوا لما يصيبهم من تفاوت الحظء 
ومقام أهل المدينة إلى جوار الرسول عَكِةٍ والحجرة النبوية. وتأثرهم 
بالتطور الذي حدث في التفكير الإسلامي أكثر من سواهم. وهذا 
والرضاء وأقل جزعاً لكوارث الدهر من ذلك ما لاحظه غير واحد من 


)١(‏ أي مغنية. 
(0) ليس في النهي عن مثل هذا العبث في مدينة رسول الله يَِلهْ تزمت بل ما يقوم به 





واطقةك 
أنهم لا ينوحون على موتاهم ولا يبكونهم» وأنهم يسرفون في التجلد 
والصبر إسراف المصريين في الجزع لدى الفاجعة والحزن لهاء وهم 
اركليم لسرن لخد جاا. وماذا ينفعهم أن يحسبوا وقد ألفوا 
د جنات هر لا ا ا 1 

]١١4[‏ ولقد كان من أثر ذيوع الأمية والجهل بالمدينة أن لم يُعن 
أحد من أهلها بتنظيم المكتبات العامة الموجودة بها؛ فبالمدينة مكتبات 
عامة تحتوي من المخطوطات والكتب المطبوعة على ألوف 
المجلدات» ومكتبة السلطان محمود ومكتبة السلطان عبدالحميد 
ومكتبة بشير أغا من المكتبات التي يتحدث الناس في المدينة عنهاء 
فأما أكبر مكتبة بها فمكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت. 

]١١95[‏ ولقد حرصت على زيارة هذه المكتبة لكثرة ما سمعت 
عنها بمكة» فلما زرثّها أعجبت بالسجاد العجمي ونافورة المياه» لكنني 
مسح او ا ل ايا ب ريام اد 
وعن طريقة القراءة والمراجعة فيهاء ولم يثر دهشتي نقص الفهارس ولا 
أثارها عدم العناية بتنظيم الانتفاع بالمكتبة بعد الذي عرفته من انتشار 
الأمية بالمدينة» والواقع أن أمين الدار ‏ وهو شيخ حسن الحديث واسع 
الاطلاع على محتوياتها ‏ يكاد يكون هو الفهارس وهو المرشد إلى كل 
ما دق وجل فيهاء وقد دلني حينئذ على قلة رواد المكتبة من أهل 
المدينة ومن الحجاج» وأن الذين يجيئون إليها يجيئون يدفعهم التطلع 
للإحاطة بها في نظرة عامة أكثر مما يدفعهم الحرص على مراجعة كتبها 
أو الانتفاع بهاء ومعظم ما يطمع الأمين فيه أن يحج من يُعنى بمخطوط 


في عر لوس 





0 - 
من المخطوطات فيئقله مأجوراًء وهو لذلك جد حريص على أن يؤكد 
صحة المخطوطات التي بالمكتبة ودقة اتفاقها مع الأصل الذي ثقلت 

عنه إن لم تكن هي هذا الأصل بالفعل . 

]١١91[‏ وتمنيت مذ عرفت تعدد المكتبات بالمدينة أن يُبني لها 
جميعاً دار واحدة تجمع كل ما فيها وتنظم تنظيماً حديثاً يكفل الاستفادة 
منهاء لكنني إذ عدت إلى نفسي ألفيت أن ما أطلبه من ذلك أدنى إلى 
المنى التي لا تحقق"''؛ فأهل المدينة يحسبون هذه المكتبات زخرفاًء 
وقل منهم من يُقَدّر ما تعود به المكتبات من فائدة إذا وجدت المنتفعين 
بها الحريصين على نشر كنوزها وتبويب ما فيها تبويباً علمياً صحيحاً . 

]١١94[‏ وكيف يتسنى لبلد لا يزيد سكانه على ثلاثة عشر ألفاًء 
وهو ليس مركزا علمياً أن يفكر في مثل هذا الأمر؟ وكيف يتسنى له أن 
يفكر فيه ومبلغه من العلم ما رأيت! حسبه أن يكون مُتحفاً لآثار تظل 
محفوظة رجاء يوم يسعد الحظ فيه المدينة فيكون أهلها من العلم أوفر 
نصيباً ويكون زائروها أكثر على البحث والدرس توفراً ليكون هذا 
التفكير بعض ما يدخل في حيز الممكنات . 

]١4[‏ ولعل هذا اليوم يكون قريباً! فقد تعود سكة الحجاز 
سيرتهاء فيعود إلى المدينة الرخاء ويكثر فيها السكان ويزداد النشاط 
يطرى الله رما تعره الانون رتصيع غير ما هن البرم» الها أكتر 
ما أتمنى ذلك! وما أكثر ما يتمناه كل محب لهذا البلد! بل ما أكثر ما 


(65- :قل تحقق ذلك الآنة ونه الحمت:. ١‏ 





01 


يتمناه كل محب للإنسانية! لقد تنقلت خارج أسوار المدينة حيث كانت 
تقوم الدور والأحياء حين بلغ سكان المدينة ثمانين ألفاً» فأسفت 
لحالها الحاضرة» وعجبت كيف تطاوع ساسة الغرب أنفسهم على 
التآمر لقتل بلد مثله من اليسير إحياؤه بما لا يضر أحداً وما يعود بالخير 
على الجميع» ولولا أني أكبر هؤلاء الساسة وأحسبهم أسمى نفسأً من 
أن يدفعهم التعصب الديني إلى محاربة المدينة لوجود قبر نبي الإسلام 
ب رت ون اردان انو هه كائر بتري وني ون 
الأمر فما أراني أسيغ هذا الصعاب التي يقيمونها دون تعمير السكة 
الحديدية وقد استطاعت السياسة بأوضاعها المرنة أن تحل ما هو أعسر 


متها وأشيك تعقيدا. 


]٠٠٠١[‏ أو يصبو شباب المدينة كما يصبو شباب مكة إلى الحياة 
الحديثة في التفكير والعيش؟ هذا الأمر لا ريب فيه» لكن الناس من 
عاصمة الحجاز ومقر الحكم والسلطانء على أن طبيعة المديئة أدنى 
إلى الحضرء. وموقعها أدنى إلى مواطن الحضارة من مكة. وشبان 
المدينة شديدو التوق لذلك إلى المعرفة والتزيد منها لولا أنهم لا 
يجدود إليها الوسيلة. ولو أنهم وجدوهاء. ولو أن المدينة اتصلت 
بالعالم اتصالها قبيل الحرب لكان لها في الاندفاع إلى الحياة الحديثة 
ما يزيد على ما لمكة فيما أظن . 


000 ولم لا والحقيقة أنهم شد الناس تهنا كما نرى اليوم . والله أعلم . 





01 - 
]٠7١1[‏ زرت الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم غير مرة؛ زرته في 
ديوان الحكم. وزرته في داره» وتناولت طعام الغذاء على مائدته. 
وشاركته في طعام خفيف آخر الأمسية دعاني إليه ابنه إبراهيم» ولم 
يدهشني ما رأيت من مظهر حياته النجدية بدار الحكم ولا في غرفة 
استقباله بالمدينة؛ فقد ألفت أن أرى من ذلك في مصر وفي غير مصر 
ما لا يدع للدهشة موضعاًء وأنت لا ترى على باب الوزير من مظاهر 
البأس العسكري المتبجح ما تراه على باب مأمور المركز؛ وأنت كذلك 
لا ترى من مظاهر هذا البأس على باب قصر الملك أو دار وزير المالية 
أو أمين العاصمة بمكة ما تراه فى مجلس أمير المدينة؛ ففي هذا 
المجلس جند من النجديين علمهم الأمير الحرص على أن يظهروا 
للناس بأسه وبطشه». فإذا دعا أحدهم دعاه في شدة كما يدعو المأمور 
أحد جنود المركزء ولبى الجندي في اندفاع وتطلع واستعداد لتنفيذ أي 
أمرء ولقد تناولت على مائدته طعام الغداء فكانت مائدة بدوية يجلس 
الناس حولها ويتناولون طعامهم بأيديهم. فيجدون منه طعاما لذيذا 
فوق شبعهمء أما يوم دعاني ابنه في الأمسية فقد صعدنا إلى دار الأمير 
وتناولنا «بسكويتاً» ومّربات وحلوى» وقد حرص الأمير على أن يتناول 
الطعام بالشوكة ليدل بذلك على حسن استعداده لحياة العصر . 


وتناولت طعام الغداء يوم سفري من المدينة على مائدة أحد 
أعيانهاء فرأيت فيها من نظامنا الحديث ما لا يتفق مع هذا الذي رأيت 
عند الأميرء وهذا الرجل من أعيان المدينة ليس في سعة من الثروة 
تعاونه على المبالغة فى بسط العيش» هذا ما قصه عليّ بعض من وثقت 


المختار من الرحلات الحجازية 





-9 
بهم ممن عرفت بالمدينة . 


ترى هل تطوع الأقدار للمدينة أن تبلغ غايتها فيما تتوق إليه من 
الحياة الحديثة ومظاهرها؟ وما عسى أن يكون أمرها إذا بلغت هذه 
الغاية؟ إنهم ليتحدثون عن إعادة سكة الحجاز الحديدية سيرتها 
الأولى» وأهل المدينة يشرئبون بأعناقهم إلى هذا اليوم ويدعون الله من 
كل قلوبهم أن يكون قريباًء وإني لأشاركهم في هذا الدعاء. 


]١7١7[‏ أمام الحجرة النبوية 


كنت قد سألت قبيل سفري من مصر إلى الحجاز بعض من 
سبقوني إلى الحج والزيارة عن موقفهم أمام قبر الرسول» فحدثني 
بعضهم عن اهتزاز أنفسهم وانهمار الدمع من أعينهمء ولم يأبوا أن 
يذكروا أنهم كانوا أشد تأثراً حين وقوفهم أمام الحجرة منهم حين 
وقوفهم أمام الكعبة وحين طوافهم بهاء وهؤلاء الذي حدثوني هم من 
خير من أعرف ثقافة وأكثرهم بعداً عن اللغو في الدين أو التزمّت فيه 
مالي إذاً لم تنهمل عبراتي كما انهملت عبراتهم. ولم يزد تأثري أمام 
قبر الرسول عن تأثري أمام بيت الله» وما أحسبني دون أحد منهم إيماناً 
بالله وتصديقاً لرسوله كلخ وحبا إياه! أتراهم أرهف مني حساً وأدق 
عورا أم أنكا نختلف رأياً وتفكيراً؟ ولم أطل تقليب النظر في هذه 
الأمور بادىء الرأي» وكفاني أن ذكرت أني توجهت إلى الله بالحج 
مخلصاء فلي في مغفرته ذنوبي أعظم الرجاءء وأنني جئت ألتمس 
بزيارة نبيه الكريم الذكر والأسوة مزيداً في الرجاء أن يهديني الله سبيله 





الذي دعا إليه محمد عبده ورسوله» هذا إلى أنني خلقث عصيّ الدمع 
لا تسعفتى العبرات ما تسعف» غيرئ:. فإن أوشكت: كنت بها ضناآ 
بكرامتي وإبائي» وما أدري لعلى كذلك خشيت أن يكون في البكاء 
مظهم غناة 37 

الحجرة» لشد ما يبعث هذا الموقف إلى النفس من آي الحكمة ومعاني 
الجلال! إنه ينشر أمامها حيأة الرسول علد وصاحييه» وجهادهما معه 
في سبيل الدعوة إلى دين الله وجهادهما من بعذه لي دعائم هذه 
الدعوة ونشرها فى الخافقين» إنه يصور أمام الذهن من حياته وحياتهما 
بساطة في العيش» بل خشونة فيه اتخذوها لهم سنة وشعاراً مذ تولوا 
أمر الناس» فآثروا الناس على أنفسهم وأهليهم» وعافوا مُتع الحياة وما 
مثلاً فيما يجب أن يكون عليه من يلي أمره غيرهء وهم قد اتخذوها 
شعاراً وكان لهم في أموالهم سعةء وفيما رزقهم الله متاع» كان محمد 
غنياً بتجارة خديجة ومالها الكثيرء وكان أبو بكر غنياً بتجارته وإلف 
الناس إياه» وكان عمر غنياً بسعيه واتصال كده» فلما بعث الله رسوله 
هدى للناس ونوراً أنفق مال خديجة ولم يُبق منه على شيء. ولجنا الت 
خلافة رسول الله إلى أبى بكر كان الزهد فى الدنيا والرغبة عنهاء وكان 
التفوى وخوف الله أن يُصيب ظلمُ رجلاً ممن ولي أمرهم ‏ أما عمر 
)١(‏ هذا غريب جداً من رجل مفكر عاقل مثل هيكل؛ فكيف يكون في البكاء مظهر 


عبادة إنما هو محبة وشوق. 


المختار من الرحللات الحجازية 





فكان مغال العدل الصارم لا يعرف الهوادة مع عيره» وهو سيل فسوة 


]١٠١١:[‏ أليس عجباً أن يكون ذلك شأنهم وأن تكون هذه سيرتهم 
وعبرتهم» ثم تكون هذه الحجرة النبوية وهي ما هي اليوم جمالاً وتألقاً 
في النقش والزخرف والعمارة حتى لتزري بأكثر الجر في أبهى 
القصور فخامة وروعة» وحتى لكانت تزري إلى عصر قريب بكل قصر 
ثراء ونِعْمة» لما اجتمع فيها من نفائس قدرها بعضهم بسبعة ملايين من 
الجنيهات! بذلك حدثتني نفسي يوماً وأنا بمجلسي من المسجد بعد 
وقفة طويلة أمام الحجرة» وذكرت لهذا الحديث ما كانت الحجرة عليه 
قبل أن تضاف إلى المسجد يوم دفن بها الرسول كله ويوم دفن بها أبو 
بكرء ثم يوم دفن بها عمرء كانت هذه الحجرة في بيت عائشة أم 
المؤمنين» فلما مرض النبي انتقل إليها ومرّضه أزواجه فيها حتى اختار 
الرفيق الأعلى» وكانت هذه الحجرة ‏ كالبيت كله من جريد» مستور 
بمسوح الشعرء أو كان البيت في قول من اللبن له حجرٌ من جريد 
فلما توفي رسول الله وانتهى المسلمون بعد خلاف على دفنه حيث 
بض حفروا له في هذه الغرفة مكان السرير الذي كان يمرض عليه 
ودفنوه بعد أن ودع المسلمون جثمانه رجالاً ونساء وأطفالاً» ودفن أبو 
بكر بعد سنتين وثلاثة أشهر من موت الرسول كَلِْوٌ والحجرة على حالها 
لم يغير فيها شيءء ولم يقم على القبر قبة ولا مقام. وبعد عشر سنين 
من موت أبي بكر دفن عمر بالحجرة وهي على حالها لم يزد عليها إلا 
جدار أقامه عمر بينها وبين ئر الدار التي كانت عائشة تقيم بها. 





0110 - 
وبقيت حجرة القبر على بساطتها إلى أن أمر الوليد بن 
عبدالملك”' عمر بن عبدالعزيز واليه على المدينة أن يزيد في المسجد 
وأن يضم حجرات أزواج النبي إليه» وكل ما قيل إنه حدث قبل ذلك 
أن وضعت على القبور الثلاثة حجارة مسدّمة وكانت في العهد الأول 
مسواة بالأرض» وانقض جدار من الحجرة حين أمر عمر بن عبدالعزيز 
ببنائهاء فاتكشف أحد القبور عن ساق وركبة» فتولى عمر الفزع وهدأ 
روعهء وأمر مولاه مزاحم فقام فسترها وسوى التراب عليهاء وبعد 
ذلك أقيمت الحجرة فخيمة البناء فخامة أعجبت الوليد بن عبدالملك 
ودعته أن يقول لأبان بن عثمان”'؟: «أين بناؤنا من بناتكم!»» وكان 
جواب أبان: «بنيناه بناء المساجد وبئيتموه بناء الكنائس» . 


بنى عمر بن عبدالعزيز: الحجرة سنة ثمان وثمانين» وقيل سنة 
إحدى وتسعين للهجرة؛» هي إذاً قد ظلت ثمانياً وسبعين أو ثمانين سنة 
بعد وفاة الرسول في مثل بساطتها حين وفاته لم يزد عليها إلا ما قبل 
عن هذه الأحجار المسنّمة» ولم يكن الناس إذ ذاك أقل إكباراً لها 
وذكراً لصاحبها ‏ عليه السلام ‏ مما كانوا بعد أن بنيت وأقيم عليها 
سقف أنفق عمر أربعين ألف دينار ذهباً في إقامته وتزيينه””'» ولئن 
تفاوت تقدير الناس إياها لقد كان المسلمون الأولون في عهد الخلفاء 


)١(‏ هو الخليفة الأموي المشهورء توفى سنة 45». رحمه الله تعالى. 

() هو أبان بن عثمان بن عفان الأمرق» أبو سعيد». مدنىء ثقة» مات سنة ٠١6‏ 
رحمه الله تعالى. انظر «التقريب»: 217. ْ 

(9) أي بأمر الوليد بن عبدالملك كما سبقء وكان عمر أميراً على المديئنة آنذاك . 


المختار من الرحلات الحجازية 





-ااطققه 
الراشدين والأيام الأولى لعهد بني أمية أدنى إلى التقدير الصحيح. 
أولئك كانوا الصحابة والتابعين» وكانوا لذلك يُدركون روح الرسالة 
وأغراضها إدراكاً سليماًء لم يكن الخيال ولا كان الهوى السياسي قد 
عبث بأفئدتهم ولا بمنطق عقولهم» ولم يكونوا لذلك قد اضطربوا بين 
الإفراط والتفريط» والغلو في ناحية أو العكوف على نقيضهاء كانت 
حياة الرسول وصاحبيه مثالة أمامهم على حقيقتها التي رأوهاء وكانوا 
لذلك يكبرونها ويلتمسون فيها الأسوة» ولم تكن نفس أحد لتطاوعه 
على عبادة غير الله مما ينكر الإسلام» لذلك لم يتحمس أحد من أهل 
المدينة لما صنع الوليد من بناء الحجرة» بل أنكره كثيرون من 
أتقيائهم» وبرئوا منه» ورأوا فيه خروجاً على الأسوة الحسنة . 


أراني أشد ميلاً لرأي هؤلاء المسلمين الأولين فيما صنع الوليد بن 
عبدالملك؛ فلو أن الحجرة بقيت كما كانت يوم دفن بها رسول الله 
لكان منظرها أقوى إلهاماً من منظر الحجرة المزخرفة البديعة النقش 
الجميلة العمد الثمينة الأثاث» والتي تبعث إلى النفس من الروعة أكثر 
مما تدعو إليه من الأسوة والعبرة» كانت تلك الحجرة الأولى صورة 
حية من حياة رسول الله» ومن جهادهء ومن آلامهء ومن مرضه ومن 
دفنه» أين يرى الإنسان اليوم حجرة الرسول التي كانت مَثْل التقشف 
ومظهر الخشونة في العيش والبراءة من كل زينة وبهرج؟ أين موضع 
فراشه فيهاء وكان أدماً حشوه ليف؟ أين هذه الصورة التي تملاً النفس 
روعة» صورة الرسول في بيته وفي مهنّة أهله» ينظف ثوبه ويرقعه 
ويحلب شاته ويخصف نعله ويخدم نفسه ويأكل من الخادم؟ أين هذا 


في :مزل الوحي 





معهمء. والبر والرأفة والرحمة؟ أين هذا الباب الذي لم يكن عليه 
قفل . 


وأين من هذه الحجرات نزل عليه الوحي؟ وأين فيها سرير مرضه 
وحيث كان به من لهب الحمى ما يعاني منه أشد الكرب؟ وأين منها 
المكان الذى هر بة'المسلموة بعد فوته وغسيلة + .رعالاً ونساء واطفالة 
ويدعون جثمان نبي الله ورسوله.؛ ويشهدون أنه بلغ رسالة ربه وجاهد 
في سبيله حتى أتم الله النصر لدينه؟ لم يبق من ذلك كله أثر بعد أن 
ضمت الحجرات إلى المسجدء فلم يبق لزائر المدينة أن يقف على 
تفصيله أو أن يستمد إلهامه. وقد كان له في الإسلام وفي حياة 
المسلمين أبلغ الأثرء ألا لو أن ذلك كله بقي إلى اليوم لألهم المؤرخين 
والكتاب والشعراء ورجال الفن ما لم تلهمهم الحجرة البديعة الزخرف 
مذ شادها عمر بن عبدالعزيزء لم يفكر الوليد في شيء من هذا يوم أمر 
بهدم الحجرات وإدخالها في المسجد. 


بذلك حدثتني نفسي يوماً وأنا بمجلسي من المسجد بعد وقفة 
طويلة أمام الحجرة». وذكرت لذلك ما حدث من عمارة الحجرة بعد 
الوليد» وكيف نهج غيره نهجه في البناء والزخرفة» وكيف نسى 
المسلمون العهد الأول ووقر في نفوسهم أن كل زخرف يضيفونه إلى 
الحجرة يقربهم إلى الله . 


]١٠١٠١4[‏ كنت واقفاً أمام الحجرة يوماً وأحد أصحابي يقص علي 


المختار من الرحلات الحجازية 





م06 


نبأ هذه النفاسر 227 وما سلب متها ؤيبذئ لذلك أسنفا ولوعة؛. .وأطرقت 
ملي أسمع له؛ فلما أتم حديثه قلت: وهل أغنت هذه النفائس قبر النبي 
الكريم شيئاً؟ ونظر إلي الرجل بعينين واسعتين فتحهما وكأنما ملئتا مما 
ا ل ل ل ل ل ل 
بيان فكرتي فأردفت : 


ما كان قبر محمد النبي العربي بحاجة إلى جواهر تضيء جوانبه 
وهو مضيء بالحقيقة العليا التي جاء بها صاحبه من عند الله هدى 
للناس ونوراء وليس البهرج الذي يخدع الناس به هو العبرة التي 
تلتمس في هذه الحجرة» وما سلب من جواهرها ولالئها إنما سلب يوم 
أراد الله لدينه أن يعود فيملاً النفوس سمواً على كل زينة وبهرج؛ وإنما 
العبرة الكبرى التي تملا النفوس رهبة وجلالاًء ويخشع أمامها القلب 
مهابة وإكباراً فتلك ما تتحدث هذه الحجرة عنه من سيرة خاتم الأنبياء 
والمرسلين عليه الصلاة والسلام» ومن سيرة صاحبيه ووزيريه 
وخليفتيه: أبي بكر وعمرء ومن وقف أمام الحجرة وشغل عن سيرة 
صاحب الرسالة وبلاغه إياها الناس» وعن سيرة صاحبيه وجهادهما في 
سبيل الله ليُظل لواء الإسلام العالم كله وكان شغله عن ذلك بزخرف 
البناء وما كان فيها من تحف وجواهرهء فقد فاتته العبرة ولم يبلغ من 
زيارة قبر الرسول ما يجب أن يجعله كل مسلم غايته من هذه الزيارة . 


)١(‏ تكلم المصنف كلامآ طويلاً - قبل ذلك عن النفائس والمجوهرات التي وهبها 
الملوك في الحجرة الشريفة . 


في رك الوجي 





-5 


]١٠7١[‏ وماذا يبتغي من يهب القناديل أو الجواهر للحجرة؟ إنه 
لا يريد بذلك سد حاجة للمسلين» وآية ذلك أن القناديل كانت تبلغ من 
الكثرة أن تخزن قناطير الذهب منها في القبة التي تتوسط المسجدء وأن 
إضاءة الحجرة لا تقتضي هذا الذهب ولا هذه النفائس؛ إنما يهب 
الواهبون يبتغون القربى إلى رسول الله جَِ وشفاعته لهم عند ربه» هم 
لا يفكرون في المسلمين ولا في أخوتهم ومحبتهم حين يفتنون في 
زخرف هذه الهبات وإنما يفكرون في أنفسهم» وكم من ملك أو أمير 
وهب النفائس ثم لم يصرفه ما وهب عن الاستبداد بغيره وابتزاز حقه 
والطمع في ماله والطمع مع ذلك في شفاعة رسول الله يِه من أجل ما 
قدم من قناديل الذهب أو نفيس الجوهر! هذه عقيدة تدهور إليها 
المسلمون مذ نسوا أن المرء مجزيٌ بعمله» وأن قيمة العمل بالنية التي 
تبعث عليه» وأن هذا العمل أقرب إلى الله ما كان البر والتقوى والجهاد 
في سبيل الله . 

زيارة الوداع 

في غد نبرح المدينة لأزور بدراً وشهداءها ولأدرك الباخرة التي 
تبحر من يَنْبّع إلى السويس» فغداً الجمعة» والباخرة تبحر ظهر الأحدء 
ولست أآمن إن بقيت إلى صبح السبت بالمدينة أن يبغتني الوقت 
فتموتني زيارة بدر وأنا عليها جدٌ حريص» كفى أن فاتتني زيارة خيبر 
بعد إذ هبو ل الملك نان العو الرستيلة لبها افق دق إلني فزي 
برسم أمير المدينة ليعاونني في سلوك طريقها وإلى الوقوف بهاء وأظهر 
لي الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم رغبته في المعاونة» لكنه ذكر أن الطريق 





-إدفقته 
إلى نين ليين. “ونيد "كل للسيارة» وأن الإنسان يبلغ بها منتصفه في 
يومء» ولا بد له بعد ذلك من امتطاء ركاب يومين كاملين» والعود 
يقتضينى مثل هذه المشقة وهذا الوقت». أما ولم يكن بين بلوغي المدينة 
وإبحار «زمزم» من ينبع غير اثني عشر يوماً يقضي الإنسان اثنين منها في 
الذهاب من المدينة إلى مرفأ السفرء أما وآثار المدينة وما بظاهرها 
يقتضي الإنسان أسبوعاً كاملاً للطواف به والوقوف عندهء فلا مفر من 
إرجاء زيارة خيبر إلى فرصة أخرى أرجوا ألا تضن الأقدار علي بها. 

]١١١1[‏ غداً الجمعة؛ فلأجعل زيارة الوداع للحجرة النبوية عقب 
صلاة الجمعةء ولأبرح المدينة بعد صلاة العصرء ولأؤد ب اليوم 
بالمدينة واجب الشكر لأميرها عبدالعزيز بن إبراهيم» ولمضيفي الشيخ 
عبدالعزيز الخريجي وأخيه الشيخ محمد.ء ول عن أ المدينة 
وشبابها الذين كانوا اللطف بي طول مقامي بينهمء والذين بذلوا من 
معاونتي فيما سألتهم المعاونة فيه غاية ما يستطاع بذله» وشكرهم 
حسْبي» فهو كل ما أستطيع أن أجزيهم به عن جميل طوقوا به عنقي 
ول اضياة:. 

وأصبحت فأعددت للرحيل متاعي. ولما دنا موعد الجمعة 
قصدت إلى المسجد فألفيته امتلاً بالمصلين» ولقد كنت على ثقة من 
أنني لن أجد بالروضة منه مكاناًء فالكثيرون يقصدون إليها قبل موعد 
الصلاة بساعات ولا يبرحونهاء ومنهم من يقصد إليها من بكرة الصباح 
ليؤدي فيها فرض الفجر ويظل بها إلى صلاة الجمعة» وتخيرت مكاناً 
قريباً من باب الرحمةء فإذا جار يميني رجل ممن عرفت بالمدينة» 





0 - 
وجار يساري حاج مغربي من أبناء مراكش». عرفت من جار اليمين أنه 
يتردد على المدينة إذ يجيء إليها مرة كل عام أو كل عامين في أشهر 
الحج. وقد حياني الرجل بتحية الإسلام بعد أن أتممت ركعتي السنة 
أول مقدمي» ثم جلسنا جميعاً ننتظر الأذان لصلاة الجمعة كي نؤدي 

فرضها مع الإمام . 


]١٠٠١4[‏ كان المسلمون الأولون يُقبلون على صلاة الجماعة 
يدعوهم إليها روح مبعثه الإيمان» ونظامٌ قوامه الأخوة» وكانت الحياة 
لذلك عندهم فكرة يستهينون في سبيلها بالموت ويرونه استشهاداً في 
سبيل الله» وكانوا يدركون إدراكاً عميقاً معنى كلمتين هما أبلغ وأقوى 
ما عرفت الإنسانية مذ وجدت: «الله أكبر»» وكانت صلاتهم لذلك 
ابتهالاً خالصاً لله جل شأنه وتوجّها إليه ينهى عن الفحشاء والمنكر 
والبغي ويسمو بالنفس على غرور الحياة» أما اليوم فقد غاض الروح 
من هذا المجتمع وصار الإيمان فيه تقليداًء يكتفي صاحبه بأن يقول 
ألفاظ الإيمان وإن لم يؤمن منها بشيء» ثم يحسب بعد ذلك أنه أرضى 
الله ورسولهء فإذا طمع في مزيد من الرضا خيّل إليه أنه بالغ من ذلك 
مطمعه بألوان من الزلفى لا تتصل بالعمل الصالح في شيء» وليس فيها 
من حب المؤمن إخوانه وإيثاره إياهم على نفسه كثير ولا قليل» بل إن 
المصلين اليوم لا يفكر أحدهم في أخيه ولا يحب إلا نفسه» وهو إنما 
يحضر صلاة الجماعة ابتغاء المغفرة لنفسه والثواب لنفسه دون تفكير 
في المؤمنين ممن حوله. وهذه الأثرة التى فتكت بالجماعات الإسلامية 
هي التي جعلتها تتعلق بالحياة لذاتهاء ولا تعرف المثل الأعلى فيهاء 


المختار من الرحلات الحجازية 





01 - 


وتذعن لذلك خاضعة لكل سلطان يملك عليها أسباب المادة في 
الحياة» وهذه الأثرة هي التي أبقتها في غيابات الجهل؛ لأن كبرائها 
وسادتها أمسكتهم الأثّرة في دنيا مراتب الحياة فحجبوا عن إخوانهم نور 
العلم وما يدعو إليه العلم من إيمان حق» وبذلك أضلوهم السبيل . 


]١٠١[‏ أجلت طرفي في هذه الجموع الجالسة حولي فحز مّرآها 
في نفسي ؛ فهذه الجموع تمثل العالم الإسلامي بمئات ملايينه المنتشرة 
في أطراف العالم كله. وهي على ضخامة عددها كمية مهملة أو في 
حكم المهملة: مصرء بلاد المغرب كلهاء بلاد العرب» العراق. 
مسلمو الهند. مسلمو الملاياء مسلمو الصين» المسلمون في أورباء 
أي أثر لهؤلاء جميعاً في عالمنا الحاضر؟!. أرقام ضخمة لا تعدو أن 
تكون أرقاماء واليهود لا يزيدون في العالم كله على خمسة عشر 
مليوناًء مع ذلك يلتفت العالم إذا ذكروا يريد أن يعرف ما يريدون. 
تهتز لمطالبهم جوانب البرلمان البريطاني». وأرجاء عالم المال في 
أمريكاء وتقوم عصبة الأمم لمطالبهم وتقعد. وكان العالم أشد تلفتتاً 
لما يريده المسلمون في عهدهم الأول حين لم يكونوا يبلغون ثلاثة 
الملايين عدآء أما اليوم فمئات الملايين من المسلمين أرقام لا يقام لها 
وزن ولا يحسب لها حسابء وإذا قيل العالم الإسلامي سخر الناس 
وقالوا: ما يزالون متعصبين» يحسبون الأديان وحذة تقيم أمة أو أممآء 
فإذا قيل: شعب صهيون أو قيل بنو اسرائيل سمعت الأصداء تتجاوب 
من أنحاء العالم: شعب مضطهد يجب على العالم أن يبحث له عن 
وطن يلجأ إليه احتماء من مضطهديه . 





- 011 

أي شيء يحز في كبد المسلم ما يحز هذا الجمع الذي أراه أمامي 

في المسجد النبوي يمثل المسلمين جميعاً وهم يعانون الذلة والهوان 

صابرين! وقد كان المسلمون الذين يحضرون الصلاة في هذا المسجد 

أيام بساطته الأولى حين كان قائماً من اللبن وجذوع النخل يهزون 

العالم كله» لفتة منهم تزعزع العروشء» فإذا تَنادَوا «الله أكبر» تفزعت 
الأفلاك والتفت الدهر. 

]١١١١[‏ أذن المؤذن للصلاة وخطب الخطيب هناك عند محراب 
عثمان» فلم نسمع مما قال كلمة لبعدنا عنه» ولأن الروضة تحجب ما 
بيننا وبينه»ء وصلينا الجمعة وصلى السنة من شاءء وبدأ الناس ينصرفون 
من المسجد.ء أقمت مكاني». حتى أذا خلت أروقة المسجد أو كادت 
ذهبت أؤدي للحجرة النبوية ولقبر الرسول يله زيارة الوداع ووقفت - 
أمام شباك التوبة ورفعت صوتي قائلاً : 

االسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته» أشهد أن نبي الله 
ورسوله قد بلغ رسالة ربه وجاهد في سبيله حتى أتم النصر لدينه» وأنه 
وفى بوعده وأمر ألا نعبد إلا الله وحده لا شريك له»» ومكثت هنيهة 
واقفاً أحدق في هذه الحجرة. وأذكر من تحوي قبورها رفاتهم: محمد 
ابن عبدالله خاتم الأنبياء والمرسلين» وأبا بكر الصديق صفي النبي كَكِل 
وخليله» وعمر الفاروق من أعز الله به الإسلام يوم أسلم» ومن نشر 
لواء الإسلام في الخافقين أيام خلافته» وأذكر ما حدث بعدهم بين 
المسلمين من حروب أهلية وما تطورت إليه العقلية الإسلامية بعد ذلك 
حتى هوت إلى ذَرَك الانحلال فأصبحت مقلدة تنفر من الاجتهاد 





وتحاربه» اند 5 تعرف أخوة المؤمنين وتنروي لذلك أمام كل فوة) 
والى لأقلى قن سه تنس :واناحسيين الطرف كمير القلج: عداء 
وخجلا إذ انفجرت شفتاي عن هذه النجوى : 


]١١5١1١[‏ السلام عليك يا رسول أللّه ورحمة أللّه وبركاته ! أشهد 
أنك رسول الله الواحد الأحد حقاً وصدقاًء وأنه بعثلك للناس كافة 
بالهدى ودين الحقء هديتهم بأمره ألا يعبدوا إلا إياه مخلصين له الدين 
نا وألا يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله سماك ربك عبذه 
قبل أن يسميك رسوله. حتى لا يضل قوم فيحرفوا كلام الله عن 

ء 2 

مواضعه فيؤلهوك أو يعبدوك كما أله رسل من قبلك وعبدواء وبلغتنا 
من وحن .ويلك أثلكربقة معلنا: بونعى إلبلكه زتها إلينا له واحلةة العم 
الناس أن الله يصطفي لرسالاته من يشاء من عباده. فيظل من اصطفاه 
عبده وإن فضله على الناس إذ جعل بعضهم فوق بعض درجات. والله 
وحده ‏ جل شأنه لا شريك له هو الذي تجب على الناس جميعاً 
عبادته. لذلك خلقهم. وإليه مرجعهمء وعليه حسابهم؛ فمن يعمل 
مثقال ذرة خخيرا يره؛ ومن يعمل مثقال ذرة شرأ يره. 


]١١١1[‏ أشهد أنك رسول الله بعثك بالهدى ودين الحق» علمتنا 
بأمره ووحيه أن عبادة الله ليست خضوعة"'". إنما هي إسلام لله عن 
إيمان صادق ابتغاء رضاه عن صالح ما نعمل» والتماساً لعفوه عما نضل 
فيه السبيل» أو تحدثنا به النفس الأمارة بالسوءء فمن أسلم لدعوتك 


)١(‏ أي ليست خضوعاً فقط ولكن خضوع وإسلام لله عن إيمان صادق. 


في منزل الوحي 





01 
مذعناً غير مؤمن لم يدرك ما تدعونا إليهء ومن أسلم وجهه لله وهو 
مؤمن فأولتك الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه» والذين يخشون ربهم 
بالغداة والعشي» فإذا ذكر الله وجلت قلوبهم» وإذا رأوا آياته زادتهم 
إيمانأء ينظرون في خلقه يريدون أن يعرفوا من طريق العلم سنتهء 

ويسعون في مناكب الأرض ليزدادوا علماً وليزدادوا إيماناً. 


]١١١[‏ أشهد أنك رسول الله حقاً وصدقاًء علمتنا أن المرء لا 
يكمل إيمانه حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» وأن المؤمنين إخوة حق 
عليهم أن يتحابوا بنور الله بينهم» وأن نور وجهه الذي أشرقت له 
الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة هادينا إلى البر والرضاء وأن 
الحياة محبة أساسها الإيثار على النفس.». وقوامها إنكار الذات» 
وغرضها المثل الأعلى» ووسيلتها الأسوة الحسنة» خير رداء فيها 
الصبرء وخير سلاح فيها العلم؛ وخير شفيع فيها الصدق». وخير كنز 
فيها الثقة بالنفس» وخير أنيس فيها ذكر الله . 


]١١١6[‏ أشهد أنك رسول الله القوي الأمين» علمتنا المثل 
الأعلى للهء وأن الجهاد في سبيل الله سبيلنا إليه» وأن الاستهانة 
بالموت من خلق الجهاد. وأن ما في الحياة مما دون المثل الأعلى لن 
يبلغ أن يصد عنه أو يقف دونه» وأن الخوالف والقواعد دون الجهاد 
هم الذين يبتغون بإيمانهم ثمنا قليلاً» ويؤثرون العجلة وإن هانت» 
ويرضون من أجلها أن يبيعوا آخرتهم بدنياهم؛ أولئك نسوا الله فأنساهم 
أنفسهم» أما الذين جاهدوا في سبيله فقتلوا فليسوا أمواتاً بل أحياء عند 





010- 


ربهم يرزفون. 





[١؟١]‏ أشهد أنك رسول الله أوحى إليك الكتاب بالحق» لا 
ريب فيه هدى للمتقين» فيه آيات بينات يَذكر بها الذين آمنوا وتزيدهم 
إيماناًء هو يهدي للتى هي أقوم ويبشر المؤمنين الذي يعملون 
الصالحات أن لهم أجراً كبيراً» فيه شفاء ونور للذين آمنواء يدعوهم 
إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة» ويجادل الذين ارتابوا بالتي هي 
أحسن», وينذر الظالمين والمعاندين عذاباً عظيمء نزله عليك ربك 
بالحق» فبلغت رسالته»؛ وكنت فيها الأسوة الحسنة للذين يريدون وجه 
ربهم مخلصين . 

وأشهد أن لا إله إلا الله لا نشرك به شيئاً ولا نعبد من دونه أحداء 
يدا رسول الله بلغ رسالات ربه وجاهد في سبيله» حتى أتم الله 
النصر لدينه» عَكَِة. 

السلام عليك يا رسول الله! السلام عليك يا أبا بكر! السلام عليك 
يا عمر! . 


[17"!] أتممت نجواي وبقيت مكاني مأخوذاً يهتز قلبي 
وتضطرب مشاعري ويضيء بصيرتي نور أحسه في أعماق نفسي فأراني 
أسمو فوق ما ألفت» وأذكر موقفي من حراء ويتمثل أمامي كرة أخرى 
يوم الوحي الأول في سناه وبهائه» ثم أذكر موقفي من غار ثور وتتمثل 
لي هجرة النبي إلى هذه المدينة التي أقف الآن بها أمام قبره» وتمثلت 
أمامي غزواته» وحياتهء وأصحابه» كأنما تتابع هذه المواقف جميعاً 


ير امارد الوسي 





أمام باصرتي مليئة بالحياة» مضيئة بالإيمان» وبما يدفع الإيمان إليه من 
جهاد في سبيله» وانقضت فترة أن للنفس فيها أن تهدأ. فانسحبت من 
موقفي أمام الحجرة في إكبار وإجلال» وسرت خافض الرأس حتى 
بلغت منبر رسول الله في الروضة» فصليت ركعتين واستغفرت الله لي 
وللمؤمنين» وانصرفت من المسجد راضياً عن نفسي» طامعاً في مغفرة 
الغفور الرحيم ذنبي» هو غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب. 


وعدت إلى الدار وتناولت طعامى واتميية عندة سفري » ثم ذهبت 
إلى التكية المصرية أؤدي لأصحابى المصريين فيها وأؤدي لناظرها حق 
الشكر للطفهم كلطف أهل المدينة بى . 


فلما تنصف الوقت بين العصر والمغرب كنت بالدار أودع أهلها 
وأودع الذين جاءوا لوداعي من أهل هذه المدينة المباركة ومدينة النبي 
العربي كَكِِْه وأرجو الله لي ولهم أن يجمعنا بها كرة أخرى عما قريب» 
وسبقنا «البكس» بعد أن حمل متاعناء وأقلتني السيارة وأقلت أصحابي 
معي» وانطلقت تبتغي المَسَيُجيد لتنطلق منها بكرة الصباح في طريق 


بدر. 


[11؟١]‏ وداعاً مديئنة رسول الله! وداعاً قبر النبي الكريم! وهب 
لي رب من لدن برك ورحمتك أن أعود إلى هذه المديئة فأزور هذه 
الحجرة المباركة أذكر فيها أشد الناس حباً لهدي الناس» وأشهدك على 
حبي إياه أكثر من حبي نفسي» لقد اصطفيته وفضلته وجعلته أسوتنا إلى 


رضاك وعطفك.». فهب لنا من فضلك ما يسمو بنفوسنا إلى هذه 


المختار من الرحلات الحجازية 





0 - 


الأسوة. وهيىء لنا ربنا من أمرنا وكبذَاء لك العتبى حتى ترضى » ولا 
حول ولا قوة إلا بالله7'' . 


)١(‏ إلى هنا تم المراد من الاختصارء ولله الحمد. 


رحلة الحجاز 





الرحلة الثانية والعشرون 


د.عبدالغة 9 1 


كان قد خرج من بيروت بالباخرة إلى السويس» ثم من السويس 
إلى جدة» وكان ذلك سنة 1975م» فقال رحمه الله تعالى : 

فقد وفقني الله إلى القيام بفريضة الحج في عهد المغفور له الملك 
حسين في أشد أيام الحرب بين تموز وآب"''"'. ونشرت وقتكذ ما 
شاهدته في جريدة الحقيقة الغراء التي كانت تصدر في بيروت”" . 

ولما كنت شخوفا بالأسفار ودرس طبائع البلاد والعباد فقد تاقت 
نفسي إلى ارتياد الأماكن المقدسة مرة ثانية في فصل الشتاء بين شباط 
وآذار”*' للمقارنة بين مفعول العوامل الطبيعية بين الفصلين» وللوقوف 
على ما وصلت إليه الحالة العمرانية والاجتماعية في عهد جلالة الملك 
عبدالعزيد آل سعودء ولحسن الحظ فقد وقع اختيار إدارة الصحة 
والإسعاف العام في «المفوضية العلياة على لأن أكون طبيباً مرافقاً 


)١(‏ لم أقف له على ترجمة. 

(؟) أي يوليو وأغسطس . 

4 لم أطلع على ما كتبه وفاتني ذلك» وأرجو أن أقف عليه يوماً. 
(6)5: -أى:فبراين وفارس , 








0- 


للحجاج مندوباً من قبّلها في مراقبة الصحة في الباخرة» فقمت بما 
وجب عليّ شاكراً من أولوني ثقتهم . 


ولقد رأيت من الفائد نشر هذه الرحلة تباعاً في مجلة «الحكمة» 
الأمر الذي وعدت به مشتركيها الأفاضل ليكون القارىء الكريم على 
بينة من الديار الحجازية» ولتكون هذه البحوث دليلآاً لمن فرض عليهم 
الحج:. ولقد رتبت فصول هذه الرحلة حسب ما شاهدت منذ سفري 
من بيروت إلى أن عدت إليهاء ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أقوم 


بواجب الشكر لكل من سهل عليّ مهمتي في حلي وترحالي . 
من السويس إلى الينبع 


جرت الباخرة ميممة وجهاً شطر البلاد المقدسة» ولم تنقطع عنا 
السواحل المري عن يست البرم لمأن عن قور لبا أ جلت 
الحرارة بالارتفاع واستشعرنا بت بتغيير المناخ. واستبدل كل ثيابه الشتوية 
بالألسة الصف :"4 .ما زالك الناخرة سير منا وهو .جاع سق 
ناوّخنا'' ميناء رابغ فارتفعت الأصوات بالتهليل والتكبير وأحرم جميع 
الحجاج . 


1000 القافدة أن سكن تقول امعد لا" الألسة الضينية عابنا القكوية ».وذلك: لان 


هم هه عه مج« اه 


الباء 0 على المتروك؛ قال تعالى : 0 آل امورو كن أَلَِى هُوَ أَدف بآأرف 


0 سٌٍّ 
هه 7 قابلنا. ‏ 


رحلة الحجاز 





من اليذبع إلى جدة 
[4١1؟١]‏ ظهر اليوم التاسع من شهر شباط وصلنا ميناء الينبع . 
فاستقبل الباخرة جماعة من الفقراء ولدان وشيب مستجدين مستعطين 
بعبارات تفتت الأكباد. وما كادت الباخرة ترسو حتى أقبل طبيب 
المحجر الدكتور رمزي بك ومعه جماعة بألبستهم العربية شاكين 
السيوف والمسدسات"''» فحيوا الحجاج وآنسوهم. وأظهروا من 
اللطف والكياسة ما دل على الكرم مَحتدِهه”"ا وغزارة أدبهم . 
[14١؟١]البنيع‏ 
5 صغيرة على البحر الأحمر لا يتجاوز عدد سكانها عشرة 
آلاف نسمة» وفيها دار للحكومة والمالية والبريد» والفقر فيها ضارب 
المرء أن يتجول في الينبع لكثرة فقرائهاء فإذا ما وقف الحاج أحاطت 
به هذه البؤساء إحاطة السوار بالمعصم . وأكثرهم عراة الأجسام إلا ما 
ستر عوراتهم» وبعضهم مزمل بخرق بالية» والحقيقة أن أهالي ينبع 
جديرون بالشفقة والرحمة. 
وقد مكثت في هذا الثغر مدة خمس ساعات من الزمن استطعت 
خلالها أن أتجول فى أسواقها وأتعرف إلى حالة السكان الاجتماعية . 


)01( أي لابسيها على أكمل وجه. 
ظ 6 أي أصلهم . 


المختار من الرحللات الحجازية 





-الفلده 

]١١١١[‏ وفي الساعة الخامسة من مساء اليوم نفسه أقلعت الباخرة 
متجهة نحو جدة في بحر هاديء تتهادى فيه السفينة كالعروسء وما إن 
طلع الصبح حتى ظهرت جبال الحجاز فارتفعت أصوات الحجاج 
بالتهليل والتكبير ومنهم من بكى فرحاً واستبشاراً. 

وفي الساعة العاشرة من شهر شباط استقبلت الباخرة ميناء جدة 
بعيداً عن الرصيف محاذرة ارتطامها بالصخور الممتدة في طول الميناء 
وعرضها. 

وما لبثنا هنيهة من الزمن حتى أقبل موظفوا المحاجر الحجازية 
والشرطة. ثم سمح للحجاج بالنزول بزوارق شراعية مقطورة بزوارق 
بخارية وما إن انتصف النهار حتى كان كل الحج في جدة. 

والحقيقة التي لا مرية فيها أن موظفي الجوازات ورجال الشرطة 
أظهروا من ضروب اللين والكياسة ما جعل الناس يلهجون بالثناء 
والشكر الجزيل . 

]٠771[‏ جدة 

ما كدنا نطأ أرض جدة حتى أقبل موظفوا الشرطة فاستلموا 
جوازاتناء ثم ولجنا الباب فاستقبلنا جماعة كثيرة من المطوفين 
ووكلائهم فانحاز كل حاج إلى مطوف بلادهء ثم خرجنا إلى شوارع 
جدة ولم يكن فيها سوى تُزُلين: الأول للحكومة السعودية والثاني 
للحكومة المصرية» فاخترت أن أكون في فندق الحكومة» وهذا الفندق 
واقع في محل فسيح على شوارع عريضة مجهز بأثاث نظيف وفيه 417 


رحلة الحجاز 





ا أجرة السرير فين الدرجة الأولى خمس ريالاات سعودية» وفى 
الدرجة الثانية ثلاث ريالاات سعودية دول الأكل والشرب» والريال 

وبعد أن أخذت قسطاً من الراحة فى الفندق تجولت فى جدة 
للاطلاع على ما وصلت إليه من العمران. 

أبنية جدة وشوارعها بعضها من الأحجارء وبعضها من اللبن» 
وبعضها من الأجر”''» وبعضها من الصفائح» وسقوف الأبنية كلها من 
الأخشاب إلا بعض مباني الحكومة فإنها من القزميدء وبعض الأبنية في 
هذا الثغر ذات أدوار ثلاثة فأربعة فخمسةء وهى كثيرة النوافذ 
الوسطى . 

وشوارعها غير مرصوفة ولكنها عريضة سيما الجهة التي يسكنها 
القناصل فهي أحسن الشوارع وأنظفهاء ترش بالماء ويُعنى بنظافتها . 

ءاملا]١؟؟؟[‎ 

ليس في جدة ماء يصلح للشرب إلا ماء يستقطر من البحر 
(الكنداسة) وماء عين الوزيرية» وقد جىء به إلى حدة ولكنه لا يعمى 
بالمطلوب». وفي الجوامع أحواض كبيرة تملأ من الأمطار يتوضاً الناس 
بها. 


)١(‏ أي الطوب الأحمر. 





]١١"9[‏ سكان جده 
سكان جدة من مختلف الأمصار والبلدان» وجلهم أغراب له 
يمتون إلى الحجاز بصلة» فمنهم المصري والعراقي والإيراني 
والسوري والجاوي والهندي. وأكثرهم يتكلمون لغات عديذدة وذلك 
بالنظر لكثرة اختلاطهم بمختلف الشعوب الاسلامية . 


وليس في جدة وحدة في الملابس» فمنهم من يلبس العباءة وثوباً 
شفأًء ومنهم من يلبس ثوباً مخططاً مصبوغاًء ومنهم من يعتم بالعمامة. 
ومنهم الكوفية والعقال الخ. وبالجملة فلا ترى ملابس شخص تشبه 
ملابس الآخر إلا ما ندرء أما الزي الرسمي للحكومة السعودية فهو 
كوفية بيضاء وعقال نجدي وثوب أبيض وعباءة رقيقة تارة تكون سوداء 
وتارة حمراء وتارة بيضاء» وهو زي والحق يقال موافق مناخ تلك 
البلاد ومعتدل القيمة يشترك في لبسه الغني والفقير. 

]١514[‏ الملاهي 

لا شيء في ذلك في أرض الحجاز إلا المقاهي». ولا يكون في 
هذه إلا الشاي والقهوة» وقد يتلهون بالشيشة أو الدخان بصورة خفية 
لأن الحكومة تمنع التدخين» وليس في دوائر الحكومة من يجرؤ على 
التلهي بهذه الأمور الضارة» ولقد أحسنت الحكومة في هذا المنع. 
والمقول إن موظفي الشرطة يتغاضون عن التدخين في موسم الحج لثلا 
يشق على الحاج ترك ما اعتاد عليه . 


[5؟؟١]‏ أما المسكرات فلا تباع ولا تشرى ولا أثر لها في أسواق 


رحلة الحجاز 





00 


جلده إلا في دور القناصل أو عند من يمث إلى هؤلاء بصلة. والذي 
سمعته أن الحكومة لا تسمح بدخول الخمور إلى الحجاز ولكن بعض 
من لا أخلاق لهم من وطنيين وأجانب يتخذون جميع الحيل والوسائل 
لإدخال المسكرات والمخدرات والاتجار بهاء» ويا حبذا لو تشدد 
الحكومة الرقابة على أمثال هؤلاء قبل أن ينتشر الداء ويصعب الدواء. 
إلخ. . . 

[/ط1١١]‏ وفى كتاب «ماضي الحجاز وحاضره» تأليف الأديب 
الألمعي السيد حسين ابن صديقنا الوجيه الكريم الشيخ محمد نصيف 
بحث في الخمر والدعارة في الحجازء أحببنا نقله ملخصاً لقراء 
الحكمة ليطلعوا على ناحية من الأخلاق في العهد السابق"'' : 

قال حفظه الله : 


في إحدى مدن الحجاز (جدة) على مقربة من الشارع الكبير محل 
يسمى (النورية)؛ وعهدي به وأنا صغير مرتع للخمور على مرأى 
ومسمع من الحكومة التركية» في هذه السوق الصغيرة يسكن بعض 
اليهود المتتركين فاتحين حانات الخمور برخص رسمية» كان يؤمها في 
باديء الأمر ضباط الأتراك وموظفو الحكومة حتى عمت البلوى 
وانتشرت هذه السموم في أبناء البلاد. 


)١(‏ أي قبل عهد الحكومة السعوديةء وفقها الله تعالى لما يحبه ويرضاهء وقبل 


المختار من الرحلات الحجازية 





-السفةه 

وإن أردت أن تشهد هذا البؤر وأمكنتها فامش خطوات وعرج على 
شارع في جدة معروف يسمى العيدروس تجد الدعارة على المكشوف 
والنساء الساقطات بحالة لا يشك من يراها أنها إن لم تكن رسمية فهي 
أشبه بالرسمية؛ لوقوع هذه الأشياء تحت نظر الحكومة. 


والدعارة)» ففى الجهة الجنوبية من جدة إما الخارج من باب شريف 
كنت تجد هناك بيوتاً من جريد النخل يسكنها في الغالب جنس من 
أفريقيا من جهات الكونغو وما والاهاء ويعرف أهل هذه البلاد في 
الحجاز (بالتكارنة) وغير أولتئك التكارنة من الساقطين السافلين أجناس 
عربية وغير عربية» وبهذه القطعة تصنع الخمور وتهتك الأعراض وتهان 
التضييلة وتضير الوذيلة: 


إلى أن قال: حتى جاء الحسين"'' وجاءت نهضته فوجه عناية 
كبيرة إلى محاربة هذه الرذائل» وبذل مجهوداً عظيماً يشكر عليه؛ 
وحارب الخمور محاربة عنيفة» وكذلك أصبح الحجاز في عهد 
الحسين نظيفاً من هذه الموبقات ولعمري تلك حسنة للحسين لاأعرف 
أنه وفق لغيرهاا.ه. 
[14؟1] يوم الجمعة في جدة 


لودي للصلاة من يوم الجمعة فسعى الناس إلى ذكر الله والقيام بما 


010( هو الشريف حسين أمير الحجاز قبل الدولة السعودية» وقد تقدمت ترجمته. 


رحلة الحجاز 





فرض عليهم» وقد تخلف قسم من الناس في أسواق جدة فدعاهم 
الشرطي إلى الصلاة وحضهم على ترك أشغالهم» وكان الجامع مكتظأ 
تحتها كوفية بيضاء وعليه عباء نجدية وتلى خطاباً أعده من قبل يحض 
المصلين فيه على التمسك بأهداب الشريعة والطاعة لأولى الأمرء وذكر 
شيئاً عن الحج وفوائله الاجتماعية والدينية. وكان للخطاب وقع عظيم 
في قلوب المؤمنين مما دل على إخلاص الخطيب وصلاحه . 
مناخ جدة 
هواؤها كثير الرطوبة شديد الحرارة ولذلك فإنه يؤثر. 
بين جدة والمديئة المنورة 

في الساعة الرابعة زوالية من اليوم التاسع من شهر شباط امتطينا 
متن السيارة - من نوع الدوتش - متجهين نحو المدينة المنورة. فاتجهنا 
نحو شمال جدة. وكان يحاذينا جهة اليمين سلسلة من الجبال مختلفة 
الارتفاع تقترب منا حيناً وتبتعد حيناً آخرء ولا طريق خاصة للسيارات 
إلا ما ارتسم على الأرض من جراء السير والحركة» ولم نشاهد شيئاً 
من المزروعات إلا رمالا محرقة فيها قليل من الحشائش الشوكية التي 
يرعاها الضأن والأنعام. 

]١774[‏ وكانت جماعة البدو منتشرة على طول الطريق يستتجدون 


أكف المحسنين» وأكثر هؤلاء عراة الأجسام إلا ما ستر عوراتهمء وإذا 
ما وقفت السيارة لأمر ما أحدق بها أطفال صغار هازجين بالدعاء» وقد 


المختار من الرحلات الحجازية 





والقاك 
ينشد بعضهم أناشيد طريفة لها تأثير عظيم على نفس الحاج . 

ولقد شاهدت كثير من الأطفال والشبان يسابقون السيارة داعين 
مستجدين» وفاقة البدو بين الحرمين لا توصف. فلا بيوت تمنع عنهم 
الحر والقرّء ولا زرع ولا ضرع إلا ما ندرء ولا مورد لهؤلاء إلا ما تنبته 
الأرض من الحشايش فتباع في أسواق مكة والمدينة علفاً للأنعام . 

]١70[‏ وما زالت السيارة تطوي البيد'' طياًء نقف حيناً بعد 
حيو نقن أناكق -مسيطاك غنات :ذه امنا هى اندر ابدة بر عزو من 
الغذاء والماء إلى أن وصلنا إلى رابغ وهي قرية على البحر الأحمر 
بيوتها أكواخ من الحصيرء وفيها كثير من السمك . 

وفي رابغ كثير من المقاهي والأكواخ» وتستقي الناس ماء المطر 
المخزون وفي هذا الثغر بعض الأشجار والكلا غير أن السمك فيها 
كثير ورخيص للغاية» وقد تباع فيها أنواع عديدة من الأصداف الكبيرة 
والقوقعات البحرية بأثمان بخسة . 

وفي رابغ دائرة للحكومة يقيم فيها الجند السعودي للإشراف على 
راحة الحجاج وليس فيها شيء من العمران إلا هذه الدائرة» وهي قلعة 
قديمة من عهد الأتراك» وهناك أكواخ عديدة للنوم والاستراحة. 

]١١1*1[‏ وبعد أن مكثنا في رابغ ساعتين من الزمن ركبنا السيارة 
وسارت في صحراء قاحلة لا يدرك الطرف منتهاهاء تحاذينا الجبال من 


. أي الصحاري‎ )١( 


رحلة الحجاز 





اليمين وطوراً من اليسارء وجماعة البدو منتشرة في طول الصحراء 
وعرضهاء وكم كانت الرمال تعيق سير السيارة وتوقفها عن العمل إلى 
أن يأتي جماعة من الحجاج والبدو تتعاون على رفعها من الرمال. 
والطريق - وأيم الحق''' ‏ شاقة غير معبدة» لا تستطيع السيارة اجتيازها 
إلا بصعوبة زائدة» وياليت الحكومة الحجازية تلتفت إلى إصلاح هذه 
الطريق التي لا يقطعها المسافر إلا بشق الأنفس . 


 دعبتو وأخيراً وصلنا إلى آبار على» وهذه آخر محطة‎ ]١17[ 
خمسة كيلومترات تقريباً عن المدينة المنورة» ومنها يشاهد الحاج القبة‎ 
الشريفة الخضراءء وأبار علي قرية فيها مزارع كثيرة وآبار ذات مياه‎ 
غزيرة» وفيها مسجد تقام فيه الصلاة» وهي واقعة في منبسط من‎ 
الأرض ترتاح النفس إلى مناظر هذه القرية» وفيها كثير من المقاهي‎ 
وبيوتها أكواخ صغيرة من الحصير والقصب.‎ 


وبعد أن أخذنا قسطأ من الراحة سارت بنا السيارة نحو مدينة 
الرسول الأعظم» وفي الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم السادس عشر 
من شباط وصلنا المدينة المنورة مكثرين من الصلاة على ساكنها 
خاشعين مستبشرين» وما إن أجرى الحرس السعودي التفتيش المعتاد 
حتى دخلنا باب المدينة فترجلنا ساعتين وسرنا على الأقدام : 


وإذا المطي بنا بلغن محمداً 2 فظهورهن على الرجال حرام 


22320 هذه صيغة يمين مثل : والله . 


المختار من الرحلات الحجازية 





والحكومة السعودية تمنع تجول السيارات فى أسواق المدينة 
المنورة لشدة الزحام وضيق الطرقات» وهناك عجلاات تحمل الحاج 
إلى البيت الذي يرغب النزول فيه . 
المدينة المنورة 
لما كانت مشقات السفر قد أثرت على فأعيتني. فلم أرّ بدا من 
في البيت حتى العصرء ثم اغتسلت وتوضأت ولبست أنظف الثياب 


]١7[‏ صلاة الجمعة 


أخبونك أن أمير المدينة لا يأتى يوم الجمعة إلى المسجد النبوي 
إلا بمظاهر عظيمة» فجلست في باب السلام عند صديق لي لأقف على 
هذه المظاهرء فكانت مفرزة من الجنود وعددها "١‏ ومعهم قائدهم في 
صف واحد مجهزين بأسلحتهم وبنادقهم» وما انتهى آذان الظهر حتى 
سمعت صفيراً أعقبه سيارة الأمير فاقتربت حتى وصلت باب السلام 
وقد وقف على درج السيارة جنود بسلاحهم التام» فما إن ترجل حتى 
استقبلته هذه بالسلام العسكري وهو بلباسه العربي النجدي ويسلاحه 
الكامل» ثم أحاطت به رجالهء وتقدمته جماعة منهم نحو المصلى 
الكائن في جانب الحرم والمغد له ولتخاشيكة »: ؤغد: أن: ادئ. الضيلاة 
رجع كما أتى محاطاً بالجنود والحاشية . 


رحلة الحجاز 





]١7:[‏ أخلاقهم وعاداتهم 

الصفات البارزة في أهل المدينة لين الطباع وخفض الجناح» 
وإكرام الضيف» واحترام الكبيرء يترحبون كثيراً بزوارهم ويحتفون 
بهمء ويلحون بالدعوة للطعام ونحوه». ويؤثرون ضيوفهم على أنفسهم 
وأطفالهمء ويتأنقون في طعامهم وشرابهم ولباسهمء وقد امتازوا 
يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل 

]١١5[‏ وأبرز عادة لهم تعدد الزوجات» والانهماك في شرب 
الشايء وصرف الوقت بالمسامرات» وقل امتزج سكان المدينة بالأمم 
الاسلامية المختلفة فاكتسبوا شيئاً من أخلاقهم وأطوارهم وطراز 
الاكتراث بالزراعة والصناعةء» وإن قليلاً من المعامل وشيئاً من 
المشاريع الزراعية كافٍ لتحريك الهمم وتنشيط الإرادة» والمقول إن 
الحكومة السعودية جادة فى تحسين الحال بقدر المستطاع . 

وداع المدينة 


عزمنا بعد الاتكال عليه مفارقة المدينة المنورة» فودعنا المسجد 
بركعتين» وأتينا قبر السيد الأعظم يَكَِةِ فسلمنا عليه . 





01 


]١130/[‏ بدن المديئة وحدة 


سارت بنا السيارة مسافة ” كيلومترات» ووقفت فجأة ولم يقدر 
السائق أن يعرف سبب هذا الوقوف. فاستجرنا بالسيارات القادمة 
لإنقاذنا مما نحن فيه فلم تستطيع» وأخيراً عاد السائق إلى المدينة ليخبر 
الشركة وليحضر معه مهندساًء فمكثنا ثلاث ساعات في تلك الصحاري 
القاحلة حتى أتى السائق والمهندس فصلحت السيارة» وسارت بنا في 
تلك الفيافي الموحشة حتى وصلنا المسيجيد ‏ وهي تبعد عن المدينة 
مقدار 6١‏ كيلومتراً - فاستحسن السائق النوم في ذلك المكان خشية 
عطل يطرأ ثانية على السيارة» فنمنا على كراس مصنوعة من ألياف 
الفضيل ف العراء وقد كان النععب اذا وذ كل ماعل فم أنقفا الاعلى 
صوت المؤذن: (حي على الصلاة)» فتوضأنا وأقمنا الصلاة ودعونا الله 
التيسيرء ثم امتطينا متن السيارة» وسارت هذه فى صحراء رملية لا 
يدرك الطرف منتهاها. 

]١١17[‏ وكانت السيارة طيلة هذه المرحلة تقف تارة وتتعطل تارة 
أخرى حتى استطعنا الوصول إلى تول وذلك في الساعة التاسعة مساء 
من اليوم ذاته استحسن السائق النوم في هذا المنزل ترويحا لنفسه من 
عناء السوق ورغبة نفع صاحب المقهى. فنمت في السيارة نصف 
جالس وحمدت الله على ذلك» وما أفقت إلا والمؤذن يقول: الصلاة 


خير من النوم . 


وتجولت في أنحاء هذا المنزل المسمى تول وهو عبارة عن محطة 


رحلة الحجاز 





أو قهوة لا شيء فيها سوى غرف مسقوفة بالقش والحصير لا تتسع 
بالسرن والتون عل انيع النض مقيرل ولو كان فيه اش عطي من 
التخوشن» والحقيقة التى لا مرية فيها أن الإنسان لا يستطيع أن يحيط 
بدروس التخوشن بكل ما في هذه الكلمة من معنى إلا في الطريق بين 
المدينة المنورة وجدة. 


]١١174[‏ وما زالت السيارة تسير بنا فى صعود وهبوط». تندفع 
طوراً لليمين وآخر لليسار في طرق لا أثر للعمران فيهاء وكنا نستقي في 
الطريق من المقاهي والمنازل ومن البدو الذين يحملون القرب على 
ظهورهم من مسافات بعيدة لعرضها على الحجاج بأثمان باهظة. 
ومازلنا معرضين لشدة الحر وكثرة الغبار وقلة الماء وعطل السيارة 
وفساد الطريق وكثرة الفقراء والمتسولين حتى وصلنا جدة» وقد قطعنا 
العسبافة .ييخ المديقة احور وعفة .بيو هين لضفن <والسنافة > ل ترية 
عن 5١7‏ كيلومتراً. 

من جدة إلى مكة المكرمة 

وصلنا جدة وقد تغيرت وجوهنا؛ وذلك لما أصابنا من التعب 
والسهر والغبار والانفعالات النفسية» فما مكثنا قليلاً حتى توجهنا نحو 
مكة في طريق ملأى بالرمال والتراب لا أثر للعمران فيها إلا ماندر. 


]١١0[‏ وفي منتصف الطريق قرية تسمى بحرة تشتمل على جملة 
أكواخ وعشش يسكنها جماعة من الأعراب والبدو»ء وتحتوي على 


المختار من الرحلات الحجازية 





0 
مقاهى وحوانيت صغيرة» وبحرة شديدة الحر رديئة الماء. لها في قلبي 
ذكريات أليمة فقد مررت بها في تموز''' سنة 1977 فكانت الناس 
تموت من شدة الحرء ولقد شاهدت وقتئذ ما بين ليلة وضحاها 
عشراث الموتن اانه مه قلة البعر . 

وفي بحرة مخفر سعودي» ودائرة للبرق والبريد»ء وقد كانت 
السيارة تتهادى في مشيتها ذات اليمين وذات الشمال في بحر من الرمال 
حتى أطلت علينا أعلام مكة. وبعد برهة يسيرة تمكنا من رؤية أم 
القرى» فابتدأنا بالتهليل والتكبير والدعاء الكثير» وقمنا بما وجب علينا 
في مثل هذا المقام من التلبية والدعاء وقد كانت المسافة بين جدة ومكة 
٠‏ كيلومتراً 

]١١1[‏ وكان ابتهاجنا برؤية مكة المكرمة أنسانا مشقة 
امف 7 


(6) ألى هنا تم المراد من الاختصارء ولله الحمد. 


الرجلة إلى المدوة المتررة 





الرحلة الثالثة والعشرون 
الرحلة إلى المدينة المنورة 


الشيخ محمود ياسين''' 


كان قد قام برحلته من دمشق سنة 2١45٠ - ١709‏ أيام الاحتلال 
الفرنسي لبلاد الشام» وتقدم بالتماس للسلطات الفرنسية وللسلطات 
السعودية لتأذنا بفتح الخط البري الذي ظل مغلقا مدة طويلة فأذنتاء 
وقام برحلته ‏ هو وأعضاء من «جمعية الهداية الإسلامية» التي رأسها - 
من دمشقء إلى الأراضي الأردنية ثم السعودية إلى أن شارف مدائن 
صالحء فقال: 
[7417؟١]‏ مدائن صالح 


قصد الركب إلى مدائن صالح» وعاد الرمل إلى السيارات يجتمع 


)١(‏ فقيه, مشارك في علوم اللغة والأدب» ولد سنة ١7١5‏ بدمشق». وحفظ القرآن 
وجوده صغيراء وقرأ على مشايخ العقائد والفقه والأصول والنحو والصرف. 
وتلقى علوم الحديث عن مشايخ كبار مثل الشيخ بدر الدين الحسني» كان زاهداً 
ورعاً يقوم الليل» أنشأ مدرسة للعلوم الشرعية وأغلقت من قبل السلطات 
الفرنسية» درس في مدارس دمشق الثانوية وفي مساجدهاء ورفض منصب 
القضاء الشرعي» وساهم في إنشاء عدة جمعيات ومنها جمعية الهداية الإسلامية 
التي رأسهاء توفي» ‏ رحمه الله تعالى ‏ سنة .١17517‏ انظر ترجمته في مقدمة 
رحلته وقد سطر الترجمة ابنه مأمون. ١‏ 





على دواليبها. وعاد الركاب إلى النزول منهاء وفى الحقيقة كان هلا 
الطريق صعباً وعراًء والقائلون بسهولته مضللون أو مغرورول» ونام 
القوم في الصحراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء» ولكن ما أحلى 
صباح رجال هذا الركب . 
يوم السيت ٠١‏ رييع الأول 1١7659‏ ه 

ما أحلى هذا الصباح» وما أبدع نشاط الرجال» استيقظوا وقد 
منحهم الحق - تعالى - أثمن نعمة بعد الإيمان وهى العافية. ورزفهم 
القوة وحسن الظن به سبحانه» وحبب بعضهم إلى بعض» واستبشرنا 
خيراً إذ كان أول ما فاتحنا في طريقنا اليوم الخط الحجازي» وهو 
الرفيق الذي تنعش رؤيته القلوب؛ لأنه يحمل هذا المعنى الإسلامي 
العظيم . 

وسرنا فوصلنا - ولله المنة - إلى (محطة أبي طاقة)» ولم يبق بيننا 

الاجتماع والمذاكرة في تخفيف هذه الضائقة 

لما اشتد الأمر على الناس» وضاق السهل برحبه عليهم. 
ركوب هذه الطريق ودخول سعير هذه المأزق» وتكلم كل وجيه بما 
عنده حتى إذا ما أفرغ كل واحد منهم ما عنده» قلت لهم ما خلاصته : 

«الواجب علينا أن نبذل جهدنا كله فى طلب الماء» فإذا حضر 
الماء وزالت هذه المرارة من الأفواه. ثم نجدّ بعد ذلك في إحضار 


الرحلة إلى المديئة المنورة - 
014 سه 
الطعام. وبعد ذلك تسير منا سيارة تتحمل آلام السير ومشقة الكدح 
حتى تصل إلى أمير الْعُلا لمساعدة النساء فقط»)» وكانت هذه الكلمة 
هي القول الفصل. وعاد سير الركب. وعمل بعضنا على تمشية 
السيارات على الألواح (التوتياء»» وصفوا أمام السيارة بمقدار عشرين 
ذراعاًء ثم تحمل الألواح من خلف السيارة إلى أمامها ثانية وهكذاء 
وقد دام هذا الجهد إلى قريب الغروب حيث جاء الفرج وحضر الماء. 
فشربنا وطبخنا الطعام المعهود (برغل بسمن)» فأكل الناس» وباتوا 
شاكرين راضين . . 





يوم الأحد "١‏ ربيع الأول عام 11564 ه 


[:*؟١١]‏ نأم الناس بعذل الأكل وشرب الماء. ومع أذان الفجر 
استيقظ القوم وجمعوا تيابهم وأمتعتهم وبدأ المسيرء» وعاد الناس إلى 
إزالة ما يقع حوالي الدواليب من الرمل» وجمع الأحجار لتوضع في 

7 : )١(7 . - 5 1 1 1 

موضع الرمل المزال. ثم إلى وضع قسم من (الرتم)”" إلى دفع السيارة 
حتى نزلنا الوادي قبل المدائن”"*» يمتاز هذا الوادي بكثرة صخوره. 
وبمنحدراته المتتابعة» وبوجود أجبل صغيرة فى أثنائه» ينحدر عن 
سفوحها الرمل المملوء رقي وحجارة سوداء. وبكونه ييتدىء بجبلين 
يجتمعان ثم يفترقان حتى يتم لهما تشكيل زاوية عظيمة. تنحدر عنها 
صخرات منيسطات وغير منيبسطات» وفى شدة هذا الضيق واشتداد هذا 


)١(‏ قال المحقق: الرتم: نوع من الشجر بذره كالعدس الواحدة رتمة. 
هه أي مدائن صالح . 





عررويه 
الكرب تكرم الله تعالى بالفرج من عندهء فجاءنا بعض عسكر أمير العلا 
بكمية من الماء البارد العذب السائغ. فكان فاتحة خير شكرنا الله 
وحمدناه واستزدناه من خيره ونعمهء ثم تبع ذلك هبوب ريح باردة. 
ونسيم عليل». وواصلنا السيرء فإذا نحن نقارب البادية العظيمة التي 
تتقدم المدائن . 


]١7١46[‏ ألف طبة ولا تغريزة 


أكرمنا الله تعالى بواحد من خدم أمير العلا اسمه (زعل)» ولكن 
فعله فرح ؟ هو أسود اللون. أبيض الخصال» عرّفنا بالأرض قليلة 
الرمل» وفي أقل من ساعة قطعت السيارة نحو ثلاثة فراسخ بين ارتفاع 
وانخفاض » وفعود وقيام . وتيامن وتياسر. وانحدار وتمهقر . ولله مأ 
أعظم هذه البادية! وما أكثر رتمها وأشجارها! كأنها بساتين الشام. 
وأكثر ما هالنا منها اتساعها وهذا الاشتداد فى السير الذي يسير فوق 
الرمل كأنه البرق». وما على السائق إذا ارتاح الركاب أو لم يرتاحواء 
شدخت رؤوسهم أو جباههم أو لم تشدحخء استقرت أمعاؤهم في 
بطونهم أم لم تستفر .) والدليل زعل يقول : (ألف طبة ولا تغريزة) 
ويقول للسائق: (اكبس بنزين)» وفي بعض الأماكن طلب السائق من 
الركاب النزول من السيارة حتى لم يبق إلا السائق والدليل . 


]١741[‏ الوصول إلى المدائن 


وقصد نامنٌ المدائن مشياً على الأقدام. ورأينا الكثير من إخواننا 
قد سبقونا إليها واطمأنوا إلى مائها؛ الذي يجلب من بئر عظيمة إلى 


الرحلة إلى المدينة المنورة 





للك 
شبه بركة كبيرة» ماؤها عذب الطعمء سائغ الشرب. صافي اللون. 
فهذا يغسل وجهه ورأسهء وذاك يتوضأ ويغسل بعض ثيابه» وآخرون 
يصلون في مسجد هناكء وأكل الجائعون وارتوى الظامئون وارتاح 
المنهكون. ولولا أن مَنَّ الله تعالى على من أنقذ النساء ‏ وقد أسر 
الرمل سيارتهن فأركبهن في سيارات صغيرة» وألقى بهن بعد ساعة من 
الزمن في المدائن أمام الماء وعند المزارع وشبه البساتين - لولا هذا 
لكان الألم مضاعفاًء ولكان الحزن طويلا. 
]١7417[‏ هدايا أمير العلا 


وصلت هدايا أمير العلا وهي عبارة عن عشرة رؤوس من الغنم. 
وكيسين من الأرزء وأربعة أكياس من التمرء وبأن الأمير سيأتي 
لاستقبال الوفد» وانتخب جماعة لاستقبال الأمير منهم رئيس الشركة 
ورئيس الجمعية» وممثل عن العلماء وآخر عن الخطباء وثالث عن 
المدرسين» ثم القراء والشيوخ والشرفاء والمجاهدين والأطباء . 


نصبت الخيام واستقبل الأمير أحفل استقبال» وألقى في الجمع 


«نحن مقصرون معكم فلا تؤاخذوناء أبرق لنا أمير تبوك 
بخروجكم إلى الْعُلاء فانتظرنا يومين وهي المدة التي تقطع بها سياراتنا 
مسافة ما بين تبوك إلى العلاء ثم أمرنا إخواننا فخرجوا لاستقبالكم 
ومساعدتكم. والآن مضى عليهم خمسة أيام وهم ينتظرونكم من 
الصباح إلى المساءء ولا علم لنا بهذه المشقات التي تحملتموهاء ولو 





كان لنا علم بأن سياراتكم كبيرة وثقيلة لطلبت إلى إخواني مرافقتكم 
حتى يسوقوا لكم سياراتكم» إن سوق السيارات في هذه الأراضي 
يحتاج إلى قوة» وسيكون لكم الآن كل ما تبغون من المساعدة حتى 
تصلوا المدينة في ظل جلالة الملك». فتكلم الشيخ شريف اليعقوبي 
اك : 


الأريعاء 85 ربيع الأول وهاه 


]١١54[‏ زهد كثير من ركاب السيارات في ركوبهاء وآثروا عليها 
المشي؛ ظناآً منهم بأنها قريبة2'0 فمنهم من وصل ظهراً ومنهم من وصل 
بعد العصرء ووصلنا نحن إلى الْعُلا حوالي الثالثة ليلاًء وسمعت أن 
امرأة من أهلهم وصلت بعد السادسة ليلاً» وقد وصل كل هؤلاء وليس 
معهم من أمتعتهم شيء؛ فأمتعتهم في السيارات التي تركوها كرهاً. 
ولولا أن أمير العلا محمد بن هديان كان عظيم القدرء رحب الصدرء 
سخي اليدء وَسع منزلّه جميع الزائرين لناموا في العراء» والله المسؤول 
أن يجعل العاقبة خيراًء ويعظم لهذا الوفد أجراًء ويرفع له ذكراً. 


ثم حضر مدير مالية الّعُلا السيد علي جنيد» وقد اقترح أن نرسل 
برقية بواسطة أمير العلا إلى جلالة الملك؛ نطلب فيها عشر سيارات 
حجازية خفيفة تحمل الزوار حتى يصلوا إلى المدينة» وبقينا ننتظر 
إجابة هذا الطلب. 


0010( أي العلا . 


الرحلة إلى المذينة المنورة 





الحفلة بين يدي الأمير 


فرشت البسطء وصفقّت الطنافس» وجلس الأمير في صدر منزله 
ووجهاء الزوار على المقاعد عن يمينه ويساره. وجلس المتأخرون في 
أرض المنزل الفسيحة الذي فرش ببساط بديع أخضرء يقابله بساط مثله 
أحمر» وافتتحت الحفلة بقراءة آيات من الكتاب العزيز من قبل المفتي 
رتلها بأداء حسن وهو السيد مصطفى ابن السيد صادق» ثم تلاه شقيقه 
الأستاذ السيد حسن بن السيد صادق بخطاب رحب فيه بالوفد» وأثنى 
على مهمته . 

[154؟١]‏ بساتين العلا 

رافقثُ إخواني بجولة في بساتين العلا فإذا أكثر ما يرع فيها 
النخيل» ويزرع فيها أيضاً القطن والليمون الحامض والحلو والقمح 
والشعير والذرة والبندورة والرمان والخوخ والفليفلة والباذنجان 
والبطيخ والقثاء والعنب» وتجري في بساتينها جداول الماءء ويكثر 
الهواء العليل حتى في وقت الظهيرة . 

سوق الغلا 

في العلا محلتان كبيرتان» لكل محلة سوق مسقوفة على الطراز 
القديم» يباع فيها السمن والأرز والتمر والدخان والطحين والشاي 
والسكر وبعض أنواع الخضرة والفاكهة؛ لأن كل ذي حديقة يزرع ما 
يحتاج إليه من الخضر في حديقته لقلة من يرد عليهم من المسافرين» 
ويكثر بيع ما يحتاج إليه البدو من الثياب والخام والأباريق والكاز والبن. 





دوائر الحكومة في العلا 
علمنا أن نفوس سكان العلا بلغ في الإحصاء الأخير أربعة آلاف 
نفس » وفيها دائاة شرطة . ودائرة الكاتب بالعدل» ودائرة المالية 
والرسوم. ودائرة البرق والبريد واللاسلكي». وفيها مدرسة تحضيريه 
ذات خمسة صفوف». ومحكمة شرعية إليها يعود البث فى عامة 
القضايا؛ فإذا أراد أحد الخصوم استئناف قضيته بواسطة المحكمة 
الشرعية استأنفها إلى رئيس القضاة بمكة المكرمة وهو عبدالله بن حسن 
آل الشيخ من أهالي نجد. والمحكمة الشرعية ترفع له دعواه إلى رئيس 
القضاة من غير أن تكلفه دفع شيء من الرسوم . 
والرسوم في العلا عبارة عن زكاة التمر والقمح والذرة والشعير 
[١5؟١]‏ ولدى حكومة العلا أمر من جلالة الملك بأنه لا يجوز 
أخذ غير الزكاة, ومن ظلم فيها من الموظفين فحسابه على الله تعالى » 
وإن ظهر أمره كان عقابه أليماً مُهيناً. 
مدير خزينة الغلا يولم لذا 
السيد صادق المفتى دمشقى الأصل» قطن المدينة المنورة» وعد 
من تجارها البارزين» ومنذ سنة ونصف عيّن مديراً لخزينة العلاء دعانا 
لون حديقة له ملاصقة لداره. فيها جدول ماء والنخل الكثير والعنب 
والوقان. 


الرحلة إلى المدينة المنورة 


ه١59 يوم الخميس 750 ربيع الأول‎ ]١561[ 


دخل الأمير إلى المنزل العام»ء واصطف ضيوفه فيهء ثم ألقى 
الأستاذ السيد محمد المكي الكتانيى درساً حض فيه الناس على التوكل 
على الله تعالى والاعتماد عليه لا على أحد سواه» وذكر أن أصحاب 
رسول الله ككل لما كانوا ضعفاءء وكانوا شديدي الاعتماد على الله 
سبحانه نصرهم الله في غزة بدرء وأيّد كلمتهم وعددهم قليل» قال 
تعالى : # وَلْقَد نصركم أله در وَأَنتمَ أَوِلَة237. ولما كانوا أقوياء وكثيري 
العدد» واعتمدوا على قوتهم في غزوة حنين انهزموا وولوا الأدبار. 
قال تعالى : 5000# كتئست ترشن لحك هيا 
وَضَافتَ عابحكم الارض ., شُيِعَايَجت هوكم تذريت74. 


إلى بيت القاضي 





قصدنا إلى دار الأستاذ قاضي العلا لنتعرف منه جواب البرقية 
المرسلة من سمو الأمير إلى جلالة الملك لطلب مساعدة الركب» فكان 
الجواب أن البنزين سيكون عندنا غداً في الظهرء يحمل من المدينة إلى 
العُلاء كما يرجو أيضاً حضور السيارات» ودار بحث حول القضاء في 
الحجاز وأنه عسير أمره على القاضي بخلاف ما في دمشق الشام 
ومصرء فإنه محصور في مسائل الإرث والزواج والطلاق والنفقات 
والتركات ونواح معينة من الأوقاف . 


(6).- سووة الاعبوانة الا 17 
(؟) سورة التوبة: الأية 6؟. 





بعض القضايا التي رآها القاضيء وكيفية 
مسدر الأحكام الشرعية في يلاد الحجاز 


]١١155[‏ قال فضيلة القاضي: رفعت إليه قضية تتلخص في أن 
امرأة ادعت على رجل بأنه أزال بكارتهاء فأنكر المدعى عليه وأصرت 
المرأة على دعواهاء وقالت: إنها بعد إزالته لبكارتها حملت منه» ثم 
أسقطت. ولا بينة لديها على ذلك. فحكمتث ببراءة المدعى عليه ؛ 
لعدم بوت شىء عليه ورددت طلب المدعية تحليفه اليمين . وحكمت 
عليها بالجلد ثمانين جلدة حدّ القذف. وحكمت عليها أيضاً بعشر 
جلدات حد التعزير لأنها صبرت ولم ترفع دعواها حتى أسقطت» وهذا 
قرينة رضائهاء وحكمت برد طلبها 0 البكارة. لم رفع الأمر 
واستؤنف إلى رئيس القضاة بمكة المكرمة فصدّق هذه الأحكام كلها إلا 
الحكم على المدعية بالتعزيرء وأردت الاضرر على ما حكمت به من 
تعزيرها فاشار على بعضهم بأنك قد فعلت ما عليك» فكل إنسان 
مسؤول عن عمله. فتركت البحث في الإصرار. 


الاجتماع يسمو أمدسر العلا 


[57؟١]‏ وردت الأمير برقيةٌ من جلالة الملك يقول فيها: إنه أمر 
سيارات فى المدينة بالمجيء إلى العلا لإنقاذ الركب ومساعدتهم. 


الرحلة إلى المدينة المنورة 





المجلس» وبجانبه السيد المكي فالقاضي فكاتب هذه الرحلة فبقية 
الإخوان» ودارت على القوم كؤوس الشاي والقهوة» ومن العادات 
المتبعة عندهم أن الأمير إذا قال (قهوة) ينادي واحداً أو أكثر من أتباعه 
مكرراً كلمة (قهوة)» وهكذا يتناقلها من بعدهم حتى يسمعها الموظفون 
للقهوة في مجلسهم. فيسرعوا بإحضارها بالفناجين العربية يبدأون 
بالقاضي فالأمير أو بأكبر ضيوف الأمير ثم بالأمير» ثم. ينصرف واحد 
منهم فيسقي من على يمين الأمير» وينصرف الآخر فيسقي من على 
يساره؛ حتى يشرب الجميع ثم يعيدون الكرة للسقي. ويكررون ذلك 
حتى يقول المسقي (تمام) أو يحرك الفنجان بيده» وذلك عندهم إشارة 
الاكتفاء» ويقدمون على القهوة شرب الشاي ثم يضاف إلى ذلك كله 
طيب العود يحرق في مجامر» وتقدم للقاضي فالأمير فمن بعدهماء إلى 
أن ينتهي القوم كلهم؛ وبعد ذلك تلا السيد مصطفى المفتي آيات من 
الكتاب العزيز» ثم تلاه مدير مدرسة العلا السعودية فألقى خطابأء ثم أمر 
سعادة الأمير بإحضار «الراديو» فأسمع الناس أخبار مصر وفلسطين . 
السمر ووداع الأمير 

ابتدأنا السمر الليلة عقب صلاة المغرب» وكنت إلى جانب 
الأمير» وتتابع ورود الناس للمجلس؛ وذكرت إذ ذاك للأمير أن جمعية 
(الهداية الإسلامية) ترغب في أن تودعه وتشكر له عطفه وبره» فقال ما 
خلاصته: والله إني مقصر ومعترف بقصوريء وأرجو الصفح 
والسماح؛ وسترون أمامكم أمير المدينة فتنسون بحسن عمله ورعايته 
. عجزي وتقصيري . 





ثم فتح بيده «الراديو» وأسمعنا أخبار ألمانياء وكان إذا مر بغناء 
تنحى عنه إلى غيره . 
]١١5:[‏ كلمة عن أمير الغلا محمد بن هديان 


لا أدل على عظمة هذا الرجل وعلو شأنه من طيب أعماله» فلقد 
رأينا فيه صفات فاضلة كل واحدة منها تكفي لأن ترفع صاحبها أعلى 
المقامات. فكيف إذا اجتمعت كلها فى شخص واحد» فهو كريم» قدّم 
لعموم أهل الوفد رجالاً ونساءً أحسن ضيافة وأكرم استقبال خلال ثلاثة 
أيام. وقد قيل إنه كان يذبح لكل عشاء عشرات من الضأن» وكان يضع 
لطعام كل صباح كثيراً من البيض والعجوة واللبن والعسل واللحم 
ومرق البندورة» مع ما يُختم به الطعام من القهوة والشاي والبخور 
والعودء وهو قبل هذا الإنفاق وبعده باسم الثغر طلق المّحَيَ''» رضيّ 
الأخلاق» وهو سهل متواضع؛ يرحم الصغير ويواسي الكبير» يكلم مَن 
في إمرته كأنه واحد منهم. وهو ذو غيرة على راحة ضيوفه» حضر 
للاطمئنان عليهم إلى المدائن وأمر خويّانه بمساعدتهم في إنقاذ 
سياراتهم من الرمل» وإيصال الماء إليهم 50 مسافات بعيدة من 
العلاء بل كان ينزل بنفسه مع عماله لإنقاذ السيارات» وقد أبرق لجلالة 
الملك أكثر من مرة يطلب إليه مساعدة الوفد» وأخيراً جهّز بعض رجال 
الوفد يوم وداع العلا بمنح وفيرة وعطايا جزيلة» وسيّر كثيراً من إخوانه 
مع الوفد إلى وادي الغضاء وناساً منهم إلى المدينة المنوّرة ليحافظوا 


. قال المحقق: المحيا: جماعة الوجه أو حره أي ما بدا منه (القاموس)‎ )١( 


الرحلة إل المدينة المنورة 





010 - 
على راحة الناس ورفاهيتهم. وقد ألزم نفسه أجور البرقيات التي 
أرسلها ضيوفه . 

[55؟١]‏ وهو ذو دين وتعظيم للعلماء» يصلي مع الجماعة» لا 
يخرج من مكان أو يدخل مكاناً إلا ويطلب إلى قاضي العلا أن يدخل ‏ 
قبله» ويقدمه في تناول الشاي والقهوة وغيرهماء ولعمري لو وجد في 
حكام المسلمين من يعظم علماء الدين كما فعل هذا الأمير لكان ذلك 
داعياً لنهضة شرعية تسابق إلى الخلق والفضيلة» إنه مدرسة إسلامية 
متحركة يتعلم فيها الكبير والصغيرء فهنيئاً للعلا به» وهنيئا للحكومة 
السعودية بشخصه. بل هنيئاً لكل العرب بهذا الأمير المحبوب . 

مسيرنا إلى وادي الغضا فالبدائع 

]١١51[‏ كان مسيرنا قبل طلوع الشمس» وسرعان ما عاد الغوص 
في الرمال والنزول من السيارات وحمل ألواح التوتياء» ودفع السيارة 
من آخرها وجانبيها وأطرافها. 

كما عاد الانخفاض والارتفاع والأخذ والرد والجذب والدفع» 
وارتطام رؤوس الركاب بشرعة في سقف السيارة عند هبوطها بغير مهلة 
بعد منحنى مفاجىء» استمر ذلك ست ساعات متواصلة ولا حول ولا 
قوة إلا بالله بالعلي العظيم» وبعد نحو ساعة أخرى وصلنا إلى البدائع» 
ووقفت السيارات تنتظر مجيء زميلاتها . 

هل نسير من البدائع أم لا؟ 


رأى بعضنا وجوب بقائنا في البدائع» ورأى الأكثرون وجوب 


المختار من الرحلات الحجازية 





6 


السير إلى (البئر الجديد) حيث الماء وحيث الراحة والصفاءء وكان 
سيرنا حسناً اكتنفنا فيه سهل واسع المدى ينتهي بصر الناظر فيه إلى 
جبال سوداء؛ تتخللها شعاب رملية لها لون الزهر تبتعد أحياناً وتقترب 
أحيانآ أخرى» ولو أن قائلاً يقول: إن فيها غناء عن رياض زاهرة 
وكفاية عن حدائق مثمرة لم يكن مبالغ. فسبحان المبدع الحكيم . 


[17017] سهل المطر 


وصلنا إلى محطة (سهل المطر)ء وهي تابعة للخط الحديدي 
للسكة الحجازية واقعة في الكيلو /٠١79/‏ وهي محطة وقلعة معأ لا 
يجد الناظر إليها غير الأسى والحزن على زمان كان فيه هذا الخط 
الإسلامي متتظم السيرء تهفو إليه قلوب المسلمين في مشارق الأرض 
ومغاربهاء ويجمع قلوبهم» فيصل بينها وبين مرقد نبيهم الكريم عليه 
أفضل الصلاة والتسليم. 


]١١54[‏ سرنا بعد أو وقفنا قليلاً في هذه المحطة إلى سهل واسع 
أيقظت رماله حرارة الشمس.2. فجعلتها رخوة لينة بعد برودة الليل 
وانتكماش ذرات الرمال» فصار سهلاً عليها ابتلاع دواليب السيارة أول 
ما تمر عليهاء لذلك كان اجتيازه علينا عسيراء حتى قال قائلنا: قيلوا 
إلى أن يبرد حر الشمسء» وقال آخر: لا بل يجب أن نسير فالحر شديد 
وتغلب القائلون بالسير فسرناء وفي بعض المواضع تأبى السيارة أن 
تسير إلا على ألواح التوتياء» فتغرس الألواح ويّزال ما على الدواليب 
من رمل» وتدفع السيارة كما هي العادة» ويسرع الرجال في حمل 


الرحلة إلى المديئة المنورة 





- 
ألواح التوتياء التي تم مشي السيارة عليها ليبسطوها ثانية أمام السيارة. 
وهكذا عتتى تججول عورا الشعسى ون موافيلة العمل + ورحيط التغب 
بالجميع فيجبرهم على التوقف والانتظار» ويأوي بعضنا إلى ظل شجرة 
من (شوك السعدان) فيجلسون معاً كأنهم على موعدء لقد أنهكهم ما 
أنهكناء وأعياهم الذي أعياناء إلى أن تزول الشمس عن كبد السماء 
ويحين وقت الأصيل فتعود إلى الرجال هممهمء ويعودوا إلى مهامهم 


|١١69|‏ محطة الزمرّد ووادي الزمرد 


أدركتنا عناية الله» فاجتمعنا بالقرب من محطة الزمرد التي تقع في 
الكيلو / /٠١١95‏ بسيارة الحكومة السعودية تحمل مئتي تنكة من البنزين 
سلمت شركة سياراتنا منها ستأ وتسعين تنكة. وأقلت البقية الباقية منها 
إلى العلاء فجبرت القلوب. وطابت بها النفوس» لجأنا جميعاً للدعاء 
إلى الله تعالى في أن يطيل عمر جلالة الملك ابن سعودء ويجزي أمراءه 
خير الجزاء . 


[*51؟١]‏ واستقبلنا مباشرة بعد ذلك وادي الزمردء وهو واد 
بديع , بل هو من أعجب ما خلق الله روعة وصفاءء وجمالاً وبهاء. 
وحسن مناظرء الأمر الذي يأخذ باللب ويدع العاقل المنصف يقول: 
سبحان من خلق فأبدع» سبحان من أحسن كل شيء خلقه؛ سبحان من 
لا يحيط بقدرته لوح ولا قلمء سبحان من يفعل ما يشاء ويقول للشيء 
كن فيكون . 


.المختار من الرحلات الحجازية 








6 10- 


يوم الأحد 718 ربيع الأول 59١1١ه‏ 


سرنا اليوم قبل الشمس بمدة طويلة» سائلين الحق - سبحانه 
وتعالى ‏ أن يهون علينا السفر ويزيل وعثاءه. 

]١71[‏ ومررنا على محطة <البئر الجديد) وهي في الكيلو 
/ /ا١٠/‏ ثم على محطة الطويرة بعد ثمانية عشر كيلومتراء ومحطة 
المدرج وهي في الكيلو /١؟١١/‏ نزلنا بعد هذا إلى سهلة مرملة» هال 
سائقي السيارات اجتيازها وطال تفكيرهم في أسلوب اقتحامها وأخيرا 
ذهب منهم طليعة ركبوا السيارات الصغيرة» وذهبوا يتعرفون طبيعة 
الأرض» وما هي إلا لمحة حتى أغار عليها سائق سيارتنا إغارة الشجاع 
الجريء المطمئن بالنصرء فإذا بمقاعد السيارة قد قامت وإذا بالقائم 
فيها قد قعدء وإذا بالأواني انقلنت» والأباريق الممتلئة ماء قد 
انسفحت”'"©2. وإذا برؤوس الركاب التي لامست سقف السيارة تنحط 
بغتة إلى الأرضء» وإذ ذاك لم يشعر الناس بما ألم بهم من أين ألمّء ولا 
بما أخذوا به لماذا وكيف حدثء. ولما أدرك السائق سقوط بعض 
حوائج الركاب من سقف السيارة أوقفها بين أصوات الركاب المرتفعة 
وصراخهم المتواصل» وقد أسفر هذا التريث عن ابتلاع الرمل لدواليب 
سيارته فتعثر المشي عليه» واشتد غضبهء فأشار على الركاب بالنزول 
ليعيد الكرة في الهجوم على هذه الرملة» فإما حياة سعيدة وإما موت 
عاجل» ونزل الركاب يحملون ألواح التوتياء بين أيديهم وعلى 
رؤوسهم والشمس تنال منهم بغيتهاء وتأخذ بحظها من وجوههم 


الرعلة. إلى العديتة المتورة 





011 - 
وأجسامهم؛ سارت السيارة مهاجمة الرملة واشتد الضيق على الناس 
وتقطعت بهم الأسباب وظنوا ألا ملجأ لهم ولا خلاص» وجاء نصر الله 
فإذا بالسيارة تقف أمام واد غزير الماء . 
]١5517[‏ الوادي وغدير الماء 

هذا الوادي على أبواب (محطة هدية) التي تقع في الكيلومتر 
// وقد رأينا حين رأيناه نسمة الحياة وبسمة الصبح ولقيا 
المحب» ورأينا فيه غدير ماء أذكرنا بردى دمشق.». تتفرع منه عدة 
أنهار» فترامى الزوار على هذه الأنهار المتفرعة من هذا الغدير الصافي 
العذب. فهذا يغسل يديه ووجهه. وهذا يغسل ثيابه وأوانيه» وهناك من 
اختار العوم وحدهء وآخر اختار العوم مع أخيه» واثنان أخذا يتصيدان 
السمك ويستبقان في اقتناصه والحصول عليه» وجماعة تفيّؤوا ظل 
دوحة وقالوا عندهاء وآخرون شغلهم طهي الطعام . 

أسلمنا أنفسنا بعد هذا الوادي المشرق وماء الغدير المغدق إلى 
ربوة» أسلمتنا بدورها إلى أرض سهلة ذات رمل ممتزج بأحجار سود. 
تمنينا - مع أننا لم نكن في سيرنا مطمئئين - أن يطول مدى هذه 
الأحجار السوداء لأنها منعت سياراتنا من الغوص في الرمال وأراحتنا 
من حمل ألواح التوتياء» ثم انتقلنا إلى أرض مدحوة ذات تعاريج» ثم 
إلى أرض واسعة أحاطت بها الجبال المتباعدة» وأخيراً إلى أرض 
تقاربت جبالها فضاق اتساعهاء كانت ممتعة لولا هذه السّموه”"ا الب 


(0) قال المحقق: السموم: الريح الحارة تكون غالبا بالنهار جمع سمائم (القاموس) . 





01- 


كانت تهب عليناء» فالحمد لله على كل حال» ونعوذ بالله من حال أهل 
النار. 
محطة النعم 

نمنا في محطة النعم من محطات الخط الحديدي» وتقع في 

الكيلو / /١١1/8‏ وكان نوماً عميقا إذ تقدمته مشقة وصعاب . 
الابتهاج بالوصول إلى المدينة 

هبت علينا نفحاث المدينة المشرفة» وعلى حين غفلة منا داهمنا 
شرطيو المدينة يطلبون جوازاتناء ويرغبون فى فحص أمتعتناء وكان 
المطر يتتابع بسخاء وكرم ويسّاقط على الأرض مدراراً. 

يوم الثلاثاء ٠٠١‏ ربيع الأول 9ه١1ه!‏ أيار ٠195م‏ 
]١77[‏ أول يوم في المدينة المنورة 

بالرغم من أننا كنا بحاجة إلى راحة طويلة بعد هذا العناء الطويل؛ 
لكننا كنا في حاجة أشد وشوق أقوى للوصول إلى الحرم النبوي 
الشريف؛ لأننا واثقون بأن السلام على السيد الأعظم سيجلو كل صدأ 


ويمحو كل تعب » وفضعنا كانبا على رووسنا الطير حتى دخلنا من باب 
السلام: قلوب تخف» وأرواح ترف» وألسنة تلهف بالصلاة والسلام 


على خير الأنام والمبعوث رحمة للعالمين . 
]١١7:[‏ كل الذي أعر فه الى كتث ارده أمام المقام الشريف هله 
الصلوات الحارة وأقول: الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله 


الرنخلة إلى :الفيدرتة: المتورة 





الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا حبيب الله» الصلاة والسلام عليك يا 
خير خلق الله» أشهد أنك قد أديت الأمانة» وبلغت الرسالة» ونصحت 
للأمة» اللهم فاجزه عن الإسلام والمسلمين أفضل الجزاءء: السلام 
عليك يا سيدي أبا بكرء السلام عليك يا سيدي عمرء السلام عليكم يا 
آل رسول الله وأصحابه أجمعين. وكانت الدموع التي غسلت وجنتي» 
وبللت لحيتي لا تستوعبها يداي فاستعنت بمنديل رقيق» وشعرت بيد 
أحد رفاق الرحلة تربت على كتفي وظهري. وأنا في شبه غيبوبة وصوت 
يقول: شيخ محمودء يا شيخ محمودء هيا بنا إلى الروضة الشريفة 
حيث القوم بانتظارك. وتراجعت بخطوات هادئة إلى الوراء مسمر 
الجوارح» مشدود الفؤاد» لا يكاد لحظي يفارق شباك هذا المقام» ولا 
تكاد عيناي ترفان» كنت أتمنى أن تكون هذه اللحظات نهاية الحياة 
كلها وأن يكون هذا آخر منظر تشاهده عيناي. وآخر صوت تسمعه 
أذناي» وآخر ما يحس به قلبي وتدركه مشاعري ويطمئن إليه وجداني. 
الصلاة والسلام عليك يا نبي الإسلام والمسلمين» الصلاة والسلام 
عليك ما دامت السماوات والأرض» الصلاة والسلام عليك إلى يوم 
الدين . 


]١756[‏ وقفنا أمام القبلة في الروضة خاشعين لنصلي ركعتي 
تحية المسجد. ونرتل بعض أيات الكتاب الحكيم». ثم لزمت الجداز 
قريباً من الحجرة الشريفة مرة قائماً ومرة قاعداء ومن عجيب ما وقع 
لي أن الأستاذ الشيخ صالح الفضيل بلغه مجيئي فسعى للسلام علي» 
ولما راني أقبل بكليته مسلماً علي فلم أعرفه ولم أحفل به. ولما 


المختار من الرحلات الحجازية 





0 150- 


اجتمعت به بعد ذلك وأسرعت بالسلام عليه عاتبني فاعتذرت له بأني 
لم أعلم بهء ولم أشعر بإقباله إلي ولا بسلامه علي . 

أتممت الزيارة وعدت إلى الروضة الشريفة فقرأت سورة هود. 
وصليت في وقت الضحى ركعتين» ثم طفت المسجد الشريف مع 
بعض الرفاق متذكراً ما يمكن تذكره من مثل (باب سيدنا جبريل) 
و(الصفة) و(خوخة سيدنا أبي بكر) و(سارية سيدنا أبي لبابة) وأخيراً 
أعدت الزيارة ثانية . 

ومضينا لأرسال الترقيات. إلى رانك شق كما أبرقنا إلى بخلالة 
الملك وإلى أمير العلا وغيرهم ممن يجب الإبراق إليهم . 

عيدالته السديري نائب أمير المدينة 


شرحنا للأمير اهتمام جلالة الملك بهذا الوفد وتسهيل الطريق له 
وتوالي برقيات جلالته بالسؤال عنه وإعفائه من الرسوم حثا له على أن 
يحذو في معاملة الوفد هذا الحذو الكريم» ثم زرنا السيد عبدالله بن 
جعفر في البلدية ورئيس البلدية» وأخيراً مضينا لزيارة الأستاذ الشيخ 
محمد بن تركي نائب قاضي القضاة في الحكومة السعودية. 

]١77[‏ ثم دار بنا الكلام حول السؤال المشهور: ما هو السبب 
في تأخر المسلمين؟ هل هو أمراؤهم أو علماؤهم؟ فقال ما خلاصته : 
لا شك أن الأمراء هم السبب في ذلك» لأنهم يحبون من العلماء من 
يجاملهم ولا ينكر عليهم؛ أما من لم يدافع عن أغراضهم منهم فربما 
أوصلوا أذاهم إليه فنحوه ونفوهء وهم لا يحبون وقوع مثل هذا 


الرحلة إلى المديئة المنورة 





00 - 
الخلاف بينهم وبين العلماء» ولهذا يقربون من لا ينكرون عليهم 
أعمالهم ممن هم في زي العلماء من المنافقين والدجالين» وعلى هذا 
فالعالم المتشبع في دينه وعلومه لا يقدر على مقاومة الأمراء الذين 
بيدهم القوة والمال والوظائف والتقديم والتأخير» ويذهب إنكاره عبثاًء 
ولا يجد من يؤيده من العامة أو الخاصة. بل لا يجد المعاضد من 
العلماء أنفسهم» لذلك ينبغي للعلماء أن يتناصروا ويتعاونوا على البر 
والتقوى. ولا بر أبِرٌ من كلمة حق عند سلطان جائر» وأن يدعو العالم 
إلى سبيل الله كما أمره الله تعالى: 8 أدَع إِلَ سيلٍ رَيْكَ يالكمة وَالْمَوْطةٍ 
َلْسَئَةَ مَحَددِلَهُم ِل هَِ أَحْسَنْ 274 فأتى بالحكمة مطلقة؛ لأنها إن 
تحقق وجودها لا تحتاج إلى قيد فهي وافية بالمقصود. ولما ذكر 
الموعظة قيدها بالحسنة لأنها إذا لم تكن حسنة لا تفيد بل قد تحدث 
أضراراًء ولما ذكر المجادلة قيدها أيضاً بالتىي هي أحسن. لأن 
المجادلة يجب أن تكون بالتي هي أحسن, وإلا آلت إلى المخاصمة 

فالمشاكسة فالعداء. 


الخلاصة 


]١517[‏ قال: والخلاصة أن العلماء المنكرين بقلوبهم مقصرون 
سواء اعتزلوا الناس أو خالطوهم». والعلماء الذين لا يُتكرون المنكر 
مذنبون وآثمونء أما الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فقد 
ذكرهم الله تعالى في كتابه وذكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام» ثم قال 


.١76 سورة النحل: الآأية‎ )١( 





61 - 


نبيه يكل : < أرلهِكَ الي حدَى اكد هُدَهُمْ أنْكَدة 274 وقال تعالى : 
« وَلَفَدَ أَرسَلْنَا ًا لقم يت فوم ألك سر إلا ميت َام)2"<4 وقال 
تعالى لنبيه وَكِِةِ : لا فصر كَمَا صر ولوأ لعَرْرِ مِنَ الرَسْلٍ 2©"74. فعلمنا بهذا 
أن الآمر بالمعروف والناهي : عن المنكر يجب أن يمتدي بالآنبياء» 
فيصبر ولا ييأس». وأن تكون طريقتة الحكمة والموعظة الحسنة . 
]١554[‏ زيارتنا للتكية المصرية قرب باب العذبرية 

التكية المصرية من أوقاف الخديوي المرحوم محمد علي باشا 
الكبيرء أوقفها لفقراء المدينة المنورة سنة ؟77١هء‏ وأوقف أعظم 
مها لمغاوئة قر اء هك 

أول ما استفتحنا من هذه التكية مسجداً أمر بإنشائه الخديوي 
عباس يوم أدى فريضة الحج سنة ١"17١ه»ء‏ وقد استقبلنا ناظر التكية 
استقبالاً تذوقنا فيه طعم الأخوة الإسلامية العربية» ومما تعرفنا عليه في 
هذه التكية أن ميزانيتها تقدر بثلاثة آلاف جنيه مصري تصرف للآسر 
الفقيرة والمجاورين. والباقي يصرف لما ينفع الحرم من سقي ماء 
ونححوه. 

]١1160[‏ وقف البابي الحلبي 

.4٠ سورة الأنعام: الآية‎ )١( 


9 «هيؤورة العتكنوت :111/1 
(0) سورة الأحقاف: الاية 6". 


الرحلة إلى المدينة المنورة 





البابي الحلبي» ويقدر في السنة ب(7170) جنيهاً توزع على أربعين طالب 
ل ظ 
الأحد ه ربيع الثاني 1159ه ؟7١‏ مايس ٠94١م‏ 


]١1١7١[‏ صلينا الفجر ‏ ولله المنة ‏ في الروضة مع الإمامء وطال 
مكثنا إلى أن صلينا الضحى» ثم ذهبنا لزيارة أمير المدينة إجابة لطلبه 
وقد ورد من جلالة الملك جواب برقيتنا يخاطب به أمير المدينة الذي 
طلبنا إلى داره وقرأ علينا نص الجواب» وخلاصته توصية جلالة الملك 
لأمير المدينة بناء وأن جلالته يختار لنا ترك طريق حائل والسير في 
العودة إلى (خليفة) ثم نتياسر إلى (الشملي) فالمعدا فنقرة الحران 
فتيماء فالقريات» وأن إذنه لنا بالسير من دمشق إلى المدينة المنورة لم 
يكن عن رضى منه؛ لأنه يعلم وعورة الطريق» ولكنه كره أن يقف 
موقف المانع لنا من دخول الأراضي الحجازية» وأنه أوعز لأمير 
المدينة أن يرسل معنا دليلاً خبيراً يدلنا على الطريق الذي اختاره لنا. 


الشيخ محمد علي المهلب الشنقيطي التركلي 
[171] وأنشدني لنفسه أبياتا تُقرأ : في الطول والعرض 


سبتلي فتةة < وهذا. ‏ حرام 
ا فتة باح لديها غرام 
وهذا لديها يعد ملام 


حرام غرام مادام يرام 








أى اثقر أ سحي قتاة... كالمعتاد مرة» ثم تقرأ من الأعلى إلى 
الأسفل كلمة كلمة. 
وأنشدني لنفسه كثيراً من القصائد. مما يدل على ذوق وصفاء 


م 


وادب. 
]١1171[‏ بشرى بشرنا بها الأستاذ المذكور 

قال: في المدينة رجل مجاور وأظنه مغربي الأصل أخبرني أنه 
رأى ليلة مجيء وفد الزيارة أنه يقول للوفد : إن الله تعالى 5 قد تقبلكم. 
والدليل على ذلك : من علامة قبول الله تعالى أهل عرفة إنزال المطر 
عليهه'''. وهذا الوفد حين وصوله أنزل الله عليه المطرء فلما رأيت 
ذلك سعيت إلى الوفد ساعة مشيه إلى الزيارة أرجو أن يتقبل الله مني 
بهء فلما استيقظ إذا بالوفد قد جاءء وبالفعل أنزل الله المطر حين 


رابع عشر أيامنا في المدينة المذورة 
الاثنين ١‏ ربيع الثاني 9ه١ه ٠١‏ مايس ٠194م‏ 
كالمكاء نابا تبعت المكيريةه. :وهى «المكان لذ يحتمم افية 
مؤذنو 0 ا ومكثنا حتى صلينا الضحى ١‏ ال 


. ليس على هذا دليل نقلي» والله أعلم‎ )١( 


الرحلة الف المدينة المنورة 





- 


جعل الناس يذكرون الغداء يوم عد ف الصحراء. ويقلبون وجوه 
العذاب فيه. 


]١١7[‏ وبعد صلاة العصر قريباً من الروضة الشريفة توجهنا 
لوداع المسجد الشريف وصاحبه العظيم محمد يَكةِ فما شعرت إلا وفي 
حانبي صديقي الكامل والناس عن أيماننا وعن شمائلنا يزورون 
ويودعون ويتوبون ويستغفرون ويدعون ويرجونء. وما إن أتممت 
دعواتي وتسليماتي على النبي يك إلا ورأيتني قد ارتميت على أخي 
الكامل أعانقه وأقبل رأسه وكتفيهء والدموع تتناثر من عيني» والغصة 
تكاد تخنقني وتطوق عنقي» وهو يقابلني على غير انتظام ومدامعه 
تنحدر على خديه؛ وصوته يتلعثم ويضطرب. وكل منا يسأل الله تعالى 
ألا يجعل هذه الزيارة آخر العهد. وألا يطويها البعدء وألا يجعلنا من 
المحرومين إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. 

ثم عدنا إلى منزلنا وجعلنا نحزم أمتعتناء ولما أدركتنا صلاة 
المغرب صليناها في الحرم الشريف قرب باب السلام» ثم عدنا إلى 
حياة الروح وغذاء الفكر وفرحة القلب وبهجة الخاطر؛ عدنا إلى زيارة 
الحبيب المصطفى كَكل. 


]١١1741[‏ وعلى حين غفلةٍ مني أو لجملة خضع لها قلبي أثناء 
دعائي رأيتني أدهمش ثانية ببكاء تخنق عبراته صوتي والدموع تتناثر على 
وجهي حتى لا أكاد أبين الكلام» وتصبرت قليلاً ثم عدت ثانية أقول: 
اللهم لا تجعله آخر العهد بزيارة هذا البيت المكرم وهذا الرسول 





-20 
الفعقلم ه .واككب لكا العودة مبالمين انمي »..والعطلنا من المقبولين بولا 
تجعلنا مع المردودين المحرومين» واجمعنا يا ربنا تحت لواء هذا 
الرسول الكريم»ء ووفق أولادنا وذرياتنا وأهلينا إلى الخير العميم» ثم 
ختمنا هذه الوقفة المباركة والزيارة الحلوة بالسلام والصلاة على سيدنا 
رسول الله كل متوجهين إلى الله تعالى أن يكتبنا مع التائبين المقبولين 

ا 


)١(‏ إلى هنا تم المراد من الاختصارء ولله الحمد. 


من ذكريات الحج 





الرحلة الرايعة والعشرون 
5 5 )0010 
من ذكريات الحج 


للأستان علي الطنطاويٌ 


لا أريد أن أكون في هذا المقال ‏ دليلاً للحاج» أستوفي أعمال 
الحج وأسرد مناسكه. ولا فقيهاً أبين أحكامه. ولا مؤرخاً لأماكنهء ولا 
باحثاً فى حكمه وفوائده» فقد كتب الكتّاب وألف العلماء في ذلك كله 
قديماً وحديثأء ولم يدعوا فيه بقية يكتب فيها مثلى» فلم يبق إلا 
ذكريات في نفسي» أعرض على أخي القارىء الحبيب طائفة منها في 
هذا المقال. 

كنت في مثل هذه الأيام من السنة الماضية قادماً من آخر الشرق» 
من أقصى أندونيسياء وكان أكبر أمانيٌ في هذه الرحلة التي طالت نحواً 
من تسعة أشهر وامتدت نحواً من ثلاثين ألف كيل''' أن أرد دمشق مرة 
ثانية» وأن أرى غوطتها وقاسيونها'". وأن أنشق هواءهاء وأن أشرب 
ماءهاء فما كدت أنزل الرحل». وألقي العصاء وتستقر بي النوى» حتى 


. هذه هي رحلته الثانية» وقد سبق ذكر رحلته الأولى في هذا الكتاب‎ )١( 
(؟) قال الأستاذ علي: كيل وأكيال» مثل ميل وأميال» كلمة عربت بها كيلومتر.‎ 
قاسيون جبل مشهور في دمشق مشرف عليها.‎ )9( 





هتف بى'١'‏ أخونا الأستاذ سعيد رمضان يسألني : أتمضي إلى الحجح؟ 

وكان قد بقي لوقفة عرفة أربعة أيام» فقلت: وأين لي المال» وأنا 
رجل أعيش كالطير» تغدو خماصاً وترجع بطاناً» ما ادخرت في عمري 
كله أكثر من مائة دينارء تبقى معي أياماً ثم تذهب؟ 2 

قال: إنها بعثة المؤتمر الإسلامي؛ لتذكر الناس في الموسم 
بقضية فلسطينء وستنزل فى ضيافة الحكومة السعودية» فلن تتكلف 
مالا . 

قلت: إني تعبان من طول السفر. 

قال: ستكون حجة سهلة إن شاء الله . 

قلت: الحج عبادة مالية وبدنية» فما الذي يبقى منها إن لم يكن 

فضحك.» وقال: ستجد من التعب ما يكفيك! 
كان حج بلا مشقة ولا نصب» لكان حجنا؟ إذ ذهينا بالطيارةء» ونزلنا 
في فندق مصرء وكانت السيارة على بابناء مربوطة بأمرنا أيام الموسم 
كلهاء ولكن ليس يخلو حج قط من تعبء وكأن الله عزوجل ‏ جعله 


كذلك ليكون دورة تذريبية اضطرارية لكل مسلم. يتعود بها حيأة القوة 
والزحام والاخشيشان» حياة الأسد في صحرائها : 


)١(‏ قال الأستاذ على: أي كلمني بالهاتف وهو التلفون. 


من ذكريات الحج 





إنما الإسلام في الصحراء امتهد ليجيء كل مسلم أسل"ا 


[5ى/ا ]|١ ١‏ خرجت من الدار بثياب الإحرام. وشعرت من أول 
لحظة أني قد خرجت من التكلف والرسميات وأوضاع الاجتماع. وأني 
لما نزعت ثيابى نزعت معها ذلك كله. وكل ما يتصل به من كذب 
الحال أو كذب المقال» ولم أحسنّ بأني قادم على سفرة طويلة كان 
يضرب بطولها ومشقتها المثئل بل كنت أحس كأني منتقل من بيت في 
الدار إلى بيت آخرء فأنا استشعر لذلك الأمن والاطمئنان. 


[/ا/18١١]‏ وبلغنا المطار.ء وكان الحجاج ئًْظٍُظٍظ, بهذه الثياب 
ا لعجيبة ‏ الشو لا يفترق فيها الأمير عن الأجيرء والكبير عن الصغير» 
فشعر كل واحد منا بمثل ما يشعر به السجين المخنوق إذا تسرب إليه 
سيم الحرية. ثم ارتفعت بنا الطائرة فارتفعت معها نفوسنا تتطلع إل 
الحياة السامية التى نحن قادمون عليهاء وتصورت تلك البقاع التي 
كانت منزل الوحي» وكانت مصنع التاريخ» وكانت مبعث النور إلى 
الدنيا كلهاء وكانت أبداً وطن الروح لكل مسلمء وإذا كان شعراء 
منازل الأحنةع فنظموا فيها أغلى عقود الشعر. من لدن امرىء القيس 
إلى أن يغيض”" نبع الشعر من نفوس شعراء العرب» فإن كل مسلم 
)١(‏ قال الأستاذ علي: البيت لسيد البلغاء الرافعي» ولو كان نثره واضحاً كله سهلا 

كشعره» لكان كاتب العربية في كل عصورها. 


(؟) قال الأستاذ علي: ولن يغيض . 
قلت: ويغيض بمعنى ينقطع ويجف . 


المختار من الرحلات الحجازية 





والمدينة والأقصى وهاتيك الربوع التي تتشهى كل عين مسلم أن تراهاء 
وكل قلب مسلم أن يطيف بها. 


[1778] وتخيلت المسلمين وهم يتوجهون في آفاق الأرض إلى 
هذه الكعبة» وبينهم وبينها الجبال والصحاري والبحارء فإذا مضوا إلى 
الحج اسّاقطت هذه الحجب حجاباً بعد حجابء» كلما قطعوا مرحلة 
بعد مرحلة» حتى يقوموا أمامها يرونها رأي العين» ويلمسونها لمس 
اليدء وهنالك الفرحة الكبرى» التي لا تبلغها فرحة محب بلقاء من 
يحب بعد طول النوى . 


]١7174[‏ وطفق ركاب الطائرة يلبون» فكنت أروض نفسي على 
استحضار معنى التلبية» فأتصور أوامر الشرع وأن الله يدعونا إلى 
اتباعهاء فأقول: لبيك اللهم لبيك» وأتصور أنه يدعونا لترك ما نهى 
عنهء فأقول: لبيك اللهم لبيك» لبيك جئت طائعاً مستجيبأًء عازماً على 
اتباع أوامرك. والوقوف عند محارمك. وتصورت كأني خلفت الدنيا 
ورائي بصداقاتها وعداواتها ومطامعها ومخاوفهاء وأني قادم على الله 
فلا أرجو معه صديقاً ولا أخشى أمامه عدواء ثم قمت فكلمت من في 
الطيارة؛ أشرح لهم هذه المعاني حتى وقفوا جميعاً عليهاء وعَرَتَهِم - 
كما عرتنيى ‏ هذه النفحة من السمو الروحي التي لاا تعرض للمرء مرة 
في السنين الطوال» وغمرتنا موجة من لذة التأمل» وحلاوة الإيمان 
لايمكن أن تسمو إلى وصفها الأقلام. 


من ذكريات الحج 





- 


]١١١[‏ ولكنا ‏ مع الأسف لم نكد نبلغ جدة وتبدأ مشاكل 
المكوس «الكمارك» والحمالين والسيارات» ومشاكل الحياة» حتى طار 
هذا الخشوع كلهء ولم يبق له أثرء وسقطنا سقطة واحدة من سماء 
التأمل والمناجاة إلى صخرة الواقع . 


]!١١1[‏ وكنت أنظر من نافذتي إلى الصحراء مبسوطة من تحتنا 
بسط الكف. تطوى لنا طي الكتب» تبدو جبالها كأنها أكوام الرمل على 
الشاطىء تقيمها عابثة أكف الأطفال» فأذكر رحلتنا في هذه الصحراء 
قبل عشرين سنة لما اخترقناها نفتح طريقاً للسيارات من دمشق إلى 
المدينة» ولم تكن قد وطئتها سيارة قبلنا منذ دحاها الله في سالف 
الأزل» فرأينا فيها من المتاعب والمصاعب ما كان حديثاً يروى» وبرز 
لنا وجه الموت في هذه الرحلة خمس مرات» ودنا منا حتى لم يبق بيننا 
وبينه إلا خطوة» ثم صرفه عنا إن في الأجل فسحة.ء وأنه سيكتب لي أن 
أعود اليوم - بعد عشرين سنة ‏ فأقطع في أربع ساعات ‏ وأنا مضطجع 
على كرسيي ‏ هذه الصحراء التي قطعناها في شهرين نعمل فيهما الليل 
جاهدين والتهار؛ نصاحب المصاعب وتساير الأخطار”'' . 


])١١485[‏ وأغفيت إغفاءة» صحوت منها على صوت مضيف 
الطائرة وهو يدعونا أن نشد الأحزمة للهبوط.ء فنظرت فإذا تحتنا 
الإسكندرية بعماراتها الشواهق. وسوحها الفيح . وشوارعها الفساح» 
فسألت جاري : ما جاء بنا إلى الإسكندرية؟ 


. قد ذكرت رحلة الشيخ الطنطاوي في هذا الكتاب فارجع إليها إن شئت‎ )١( 





01 - 


فضحك ». وقال: هل كنت تحلم؟ هذه جدة! 


وعهدي بجدة لما زرتها قبل عشرين سنة قرية صغيرة بعيدة عن 
الشاطىء حولها سور محكم وأبواب عليها الحراس» لذلك حسبتها 
الاسكدارية. 


ولما ضرت :على الارض وان الفرق بين ما كانت عليه وبين ما 


]١7١87[‏ وأول ما يزور القادم على جدة من معالمها دار الشيخ 
محمد نصيف وهو لكل حاج سلفي ك«خرقاء» لذي الوّمة"'' : 


والشيخ نصيف في كرمه أعجوبة ليس لها في الدنيا اليوم ثانية» إلا 
أن تكون الثانية السيد سعيد حمزة نقيب أشراف الشام» قصره الفخم 
العتيق مفتوح لكل قادم؛ المائدة منصوبة أبداً لا يكاد يعرف هو كل 
آكليهاء والمكتبة ‏ المكتبة العظيمة حقاً ‏ مفتوحة أبداً لا يكاد يعرف 
كل من يطالع فيهاء أو يأخذ منهاء والأبهاء فيها الأرائك ينام عليها من 
شاء الليالي الطوال. فهو فندق ضخم ولحكن ينا 


)١(‏ غيلان بن عقبة» أبو الحارث» أحد بني عدي بن عبدمناة بن أد» جعله محمد بن 
سلام في الطبقة الثانية الإسلامية فى كتابه: «طبقات فحول الشعراء»: انظر : 
ل" 

(؟) قال الأستاذ علي: أقدم ما دخل من اللحن فى العربية كلمة «ايش». ل«أي - 


من ذكريات الحج 





]١١8[‏ أقمنا في دار الشيخ إلى أن برد النهارء وكانت قد جاءتنا 
السيارة التي خصونا بها فأخذنا طريقنا إلى مكة ‏ وهي لا تبعد عنها 
أكثر من ستين كيلاً - والطريق اليوم معبدٌ أحسن تعبيدء وهو أفضل من 
الطريق بين دمشق وبيروت» تقطعه السيارة في ساعة واحدة» ولقد 
قطعناه ‏ لما سلكناه تلك المرة ‏ في أكثر من أربع ساعات» وكان أكثر 
الحجاج يؤمئذ يركبون الجمال» فلم أجد هذه المرة جملاً واحداء 
وإنما هي السيارات في كل مكان» وهي في الجملة لا تقل في شكلها 
ودقة مواعيدها عن مثيلاتها في دمشق» وليس معنى هذا أنها بلغت حد 
الكمال أو قاربته» ولكن معناه أنها ماشية في طريق الكمال. 


]١17١5[‏ وكانت مكة محصورة في الوادي الضيق» تزدحم بيوتها 
حول الحرم متراصة متصلة ضاربة في الجوء فإذا هي الآن قد خرجت 
من فم الوادي إلى الفضاء الرحب». ومشت في طريق جدة» ورأيت - 
بعد أنها خرجت من الطرف الآخر حتى كادت تتصل بمنى» وقامت 
فيها العمارات الكبارء كعمارات الشام ومصرء ودخلنا مكة التي نعرفها 
وكانت الطرق ملأى بالناس» وهم مرصوصون فيها رصاء يتزاحمون 
بالمناكب» وكانت السيارات تكاد تلامس الناس» تقطع عشرة الأمتار 
في خمس دقائق» ولم نبلغ باب السلام حتى بلغت أرواحنا التراقي . 

]١"87[‏ وأعظم ما يلقاه الحاج حين يقف بباب المسجدء ويرى 
الكعبة قائمة بهيبتها وجلالهاء ويرى الناس من حولها الصورة التي 


شىء) » ومثلها «بلاش) أى يلا شىء) . 





6 1- 


طالما داعبت خياله» وبدت له في ثياب الأماني» يراها الآن حقيقة 
واقعة» كمن يشتاق لقاء الحبيب ودون لقائه الأمد البعيد» والحجب 
والأستارء فلا يزال يدنو ويقترب حتى يطيف بالأسوار» ويقف على 
الباب» فإذا فتح له وارتفعت من دون الحبيب الستر بلغ ما يبلغه الحاج 
حين يقف على باب السلام! 


[11417] وجعلت أتخطى الأعناق وما في الحرم موطىء قدم 
لسائرء وما يبدو شبر من أرضه لناظرء حتى بلغت المطاف» فوقفت 
أنظر إلى الطائفين من كل لون وجنسء» قد توحدت ثيابهم» واختلفت 
ألوانهم وألسنتهمء فسمر وبيض» وسود وشقرء ينادون بكل لسان: 
بالعربية والفارسية والتركية والكردية والسودانية والبربرية والشركسية 
والأفغانية والأردية والملاوية والصينية والبخارية» وعشرين لغة أخرى 
لا أعرف أسماءهاء كلهم يقرع باب واحداًء وينادي سيداً واحداء 
والباب مفتوح لا يضيق بأحد»ء والسيد أكرم الأكرمين لا يعجزه طلب». 
ولا يرد طالبآء الطائفون يتعاقبون مسرعين» مزدحمين» في موكب 
علويء لا يزال يمشي لا ينقطع ساعة» لا في حج ولا في غير حجء لا 
في ليل ولا نهارء لا فى صيف ولا شتاءء منذ بنى إبراهيم هذه البنيّة 
من خمسة آلاف سنة إلى الآن» إنكم لتعجبون إن رأيتم موكباً يسير 
خمس ساعات لا ينقطع» أو جيشاً يمر أمامكم خمسة أيام لا ينفد. 
فكيف وهذا الموكب يمشي مستمراً متصلاً لم ينقطع سيره ساعة واحدة 


]١١14[‏ وأقبلت أحاول أن أدخل فى هذا الموكب الإلهي 


من ذكريات الحج 





014 - 
فضربتني موجة ألقت بي على بعد أمتارء فأعدت الكرة فلم أستطع. 
وإذا أنا أجد في الطواف أول مشاق الحج». وأنا أستطيع أن أزاحم 
وأهاجم» ولكني ما جئت لهذاء والحج لا جدال فيه» فهل يكون فيه 

قتال؟ وإذا جهل بعض الطائفين» فهل يسعني أن أكون من الجهال؟ 


]١784[‏ إن الطواف في هذه الأيام التي تسبق عرفة جهاد لصاحبه 
بما يحتمل أجر المجاهدين» وإنك لتكون في الطواف خاشعاً متوجهاً 
إلى اللهء مترفعاً عن أوضار"'' دنياك» وإذا بالجماعة من الناس قد 
تعاقدوا بأيديهم» وتراصوا بمناكبهم» وانطلقوا انطلاقة القنبلة تطحن 
كل شيء أمامهاء لا يبالون امرأة ولا ضعيفآء ولا شيخاً عاجزاً. وحول 
الحجر الأسود ملاكمة وصراع» يظن الجاهلون أن تقبيله فرض عليهم» 
وأنه قربه إلى ربهم. ولو آذوا في ذلك الناس بألسنتهم وأيديهم . 

وأشهد لقد أمضيت أيام الحج كلهاء وما رأيت الحجر قط؛ 
لازدحام الناس عليه» لا في نهار ولا ليل» وما رآية المطاف خاليا أبذا 
إلا وقت الصلاة. 


]١١9.[‏ ومشقة السعى كمشقة الطواف» وعليك أن تمشي في 
سوق ضيق» على جانبيه المخازن والدكاكين مسيراً طويلاً» تزيد فيه 
الأشواط السبعة على كيلين ونصف كيل» تختلط فيه أفواج المتعبدين 
بالبائعين والشارين والدلالين» ويجوز بك الحمالونء» الذين يحملون 


)١(‏ الوّضرء وجمعه أوضارء وهي الأوساخ. انظر «ترتيب القاموس المحيط»: 
وصصرء ظ 


المختار من الرحلات الحجازية 





-السةة 
العَجّز والمترفين على أعناقهم في سرير من خشب كسرير الأموات. 
عدون ندععوو ا فلذ ناز ون عشرة أمتار حتى يؤذوا واحداً من الناس». 
يصيبونه في ظهره أو في عنقه» أو يشغلونه عن عبادته بالنقمة عليهم. 
ومنهم من يجعل الطائف العاجز أو المترف في عربة كعربة الأطفال ثم 
يعدو بها ليكمل الأشواط سريعاً وينال أجره عليهاء لا يبالى من يصيب 
في طريقه . 


سنة» فقد ذهيبت الرمال من أرضه» وفرشس كله بالرخام , 0 
أحسن إضاءة. وأقيمت فيه المراوح الكهربائية, وفرس بالسجاد 


الثمين . 


]١7145[‏ لكن الحجاج اضطروهم إلى رفع السجاد كلهء والاكتفاء 
بالبسط؛ لأنهم أفسدوه وملؤوه بالتراب والأقذار» ولقد لمت الحكومة 
أولاً إذ تهمل تنظيف الحرم ثم علمت أن الذنب ليس ذنب الحكومة 
ولكنه ذنب الحجاج الذين ينام منهم من ينام على الأرض» ويمشي 
حافياً على التراب» ويدع ثياب الإحرام على جسده شهراء لا يبدلها 
ولا يغسلها ثم يدخل بها الحرم» فكيف يمكن أن يبقى بعد هذا نظيفاً؟ 


]١١97[‏ ولا عجب في ذلك؛ فالحجاج يأتون من كل بلاد 


الأرض» وهم من جميع طبقات الناس» ومنهم من جاء من القصر ومن 
حاء من ا َه لضهمة أو من الكوخ. و منهم ا لغني المترف» والفقير 


من ذكريات الحج 





01 - 
المُدْقع”'2: ولا تستطيع قوة في الدنيا أن تربيهم جميعاً في هذه الأيام 
القليلة تربية جديدة» توحد بينهم» وتشاكل بين أوضاعهم. ولعل من 
حكم الحج أن يكون هذا الاختلاط ليتم هذا التدريب» وتتحقق 
فوائده» ولولا هذا الاختلاط» ولو بقيت في فندق بنك مصر أعيش كما 
أعيش في كل فندق أنزله في مصر والشام واسطنبول"' لما كان للحج 

في نفسي أثر تهذيبي» ولما كان فيه عليّ جديد. 


]١١195[‏ وفي الحرم أمور كثيرة كنت أتلقاها على أنها دروس 
تجريبية في هذه الدورة التدريبية» لا على أنها مزعجات؛ منها هذا 
التراب المتراكب على الرخامء وهذا الازدحام في الطواف» وفي 
الصلاة» وهذه الروائح التي تفوح من الأجساد العَرقة» وهؤلاء الصبية 
الذين لا يدعونك لحظة في توجهك إلى الله» أو في تأملك. حتى 
يصرخوا في وجهكء. ويمدوا إليك كاسات من ماء زمزم يشرب منها 
كل يوم مئات ولا تغسل» وإذا لم تشرب أو لم تهب نظروا إليك شزرا. 
وإن شربت من كل صبي وأعطيت كل ساق امتلأ بطنك وفرغ كيسك في 
ساعة واحدة. 


وهؤلاء الذين طفقوا يتعلقون بأثقال أجسادهم بأستار الكعبة حتى 
تشقق» أو هم يمزقونها عمداً وقربة إلى الله» ليأخذوا منها قطعاً 


)١(‏ قال الأستاذ علي: المدقع اللاضق بالدقعاء وهي الأرض» والوصف هنا حقيقة 
ملموسة لا مجاز! 
(6) قال الأستاذ علي: أصلها إسلامبول» أي ديار الإسلامء سماها بذلك محمد 
الفاز 
ع 





«النشقه 
يتبركون بهاء لذلك رفعتها الحكومة» وهؤلاء الذين جعلوا الرخام حول 
بئر زمزم كالطريق الموحلة من طرق دمشق في شهر شباط"'؟! . 

]١١95[‏ والواقع أنه لم يعد بُذّ من توسعة الحرم» ولقد زاد عدد 
المسلمين في هذه القرون الأخيرة أضعافاًء والحرم ما وُسّع منذ قرون. 
ولا بد من تجريد المسعى من الدكاكين والمخازن والمتجرات» وخير 
من ذلك أن لا يبقى في الوادي كله إلا أماكن العبادة» وتنقل منه 
الأسواق والمساكن» وهذا شيء ليس في طاقة الحكومة السعودية 
وحدهاء فيجب أن يعاون عليه العالم الإسلامي كله حكومات وشعوباً: 
وهب أن كل مئة من المسلمين تبرعوا بدينار واحدء فإنه يجتمع من 
ذلك أربعة ملايين دينار» فإذا دفعت الحكومات الإسلامية كلها ستة 
عشر مليوناً اجتمع ما يكفي لتحقيق هذا الخيال» ولا يحتاج ذلك كله 
إلا إلى لجنة أمينة معروفة تطوف العالم الإسلامي»: وأنا طفت به 
أكثره”'' وأتكلم عن علم واطلاع . 

[ ]| وفندق مصر إلى غلاء أجرته الغلاء الشديدء قد أنقذنا 
من مصيبتين هما شر ما يلقاه الحاج : 


أولهما: المطوفون» وقبح منازلهم. والشقاء والبلاء اللذان 
وماله؛ ومشكلة المطوفين مشكلة الحكومة في هذه الأيام ولا حل لها 


)1١(‏ هو أحد أشهر الشتاء «فبراير». 
(؟) قال الأستاذ على: بدل بعض من كل . 


من ذكريات الحج 





ويطرح رذائلف وأنت. . .307)؟ 


[941؟١]‏ والثانية: البياعون» وطمعهم وغشهم., ولعبهم 
بالأسعار» وترويجهم كل بضاعة فاسدة في أيام الحج» ولو كان يتسع 
المجال لسردت عشرة أمثلة» ولأقمت الأدلة والبراهين» وإن كان الأمر 
أظهر من أن يحتاج إلى بيان» وأثبت من أن يقام عليه برهان. 


]١"44[‏ ولقد كان في الفندق طائفة من صفوة الحجاج» أذكر 
منهم الأستاذ الشيخ مخلوف”' مفتي مصر الأسبق» والأستاذ الشيخ 
التبسي نائب رئيس جمعية العلماء في الجزائرء وشيخ الإسلام في 
تونس» والدكتور ظفر أنصاري من كبار القائمين بالعمل الإسلامي في 
باكستان» والسيد عبدالرشيد من رجال التبليغ في الهند» وممثل سيلا 
. السياسي في باكستان» وعم ملك الأفغان» والقائد العام فيها» وحجاج 
من جنوب إفريقياء وكان فيه البعثة العسكرية المصرية» وكانت أيامنا 
في الفندق مجالس بحث ونظر في مسائل العلم»ء وفي أوضاع 
المسلمين» وفيما ينفع الناس . 


)١(‏ انظر فهرس المطوفين في آخر الكتاب يتبين لك أن للمطوفين حسنات وسيئات» 
وأنهم ليسوا كلهم على نسق واحد من السوء . 

00 مفتي الديار المصرية حسنين محمد مخلوف. ولد سنة »١1١8‏ وتلقى دروسه في 
الأزهر وحصل منه على الشهادة العالمية ودّرس فيه» ثم عين. قاضياً بالمحاكم 
الشرعية» فرئيس محكمة الإسكندرية» ورأس التفتيش بوزارة العدل. واختير 
عضواً بهيئة كبار العلماء. توفى سنة ١5٠١‏ بعد أن عمر طويلاً رحمه الله تعالى : 

انظر «تتمة الأعلام»: 1/0 .11١-‏ 


المختار من الرحلات الحجازية 





انئش 

[14] وطالت المناظرات بيني وبين هؤلاء العسكريين» فكان 
الحق يسكتهم في كل مرةء والمناظرات مع هؤلاء الذي يدعون 
الاجتهاد. والمقدرة على الأخذ من الكتاب والسنة بلا معين» وهم لا 
يستطيعون أن يقرأوا ثلاثة أحاديث بلا لحن. أو يفهموا معناها بلا 
معجم». ولا بصر لهم بالأصول» وليس لهم ملكة الفقيه. 


]1٠١[‏ ولم يمر علينا يومان حتى صرنا جميعاً ‏ مَن جاء من 
الشرق؛ ومن قدم من الغربء. والعربي والهندي والأفغاني - صرنا 
إخواناً فى أسرة واحدة» كأننا ما افترقنا من قبل أبدآء وهذا أثر الرابطة 
الإسلامية. وهى رابطة عجيبة ) وهى أقوى من وشائج الدم واللغة 
والوطن. والمرء فد يخاصم أخاه ابن أمه وأسه. هل في روابط الدم 
واللغة والوطن» أقرب مما بين الأخ وأخيه؟ إن المرء ليخاصم أخاه 
الشقيقة إن لم يكن دينه من دينهء ومذهبه من مذهبه. فكيف بغيره؟ 


فقولوا هذا لهؤلاء الببغاوات الذي لا يفتأون يرددون مقالة الأحمق 
الأول: «الدين لله والوطن للجميع»»2 والذين يفضلون رابطة القومية 


]!17١1[‏ ولما كانت ليلة وقفة عرفة أخذت سيول الحجاج تخرج 
من مكةء. وبت في مكةء. وقد خلا الحرم من ذلك الازدحام. فأمكيييت 
ليلة أمام الكعبة» عراني فيها من الأحوال وورد علىّ من الواردات مثل 
الذي عراني وأنا قادم بالطيارة» وكانت هذه هي اللمحة الثانية التي 
اسيك فيها أني في الحج. والثالثة وأنا قادم على عرفات» وقد بدأ 


من ذكريات الحج 





01 - 
فيها بحر من الخيام البيض لا أول له ولا آخرء والناس من كل لون 
وجنسء ينادون بكل لسان نداء واحداًء» يدعون ربا واحداًء قد هجروا 
بلادهم وجاؤواء لا يريدون التفرج ولا السياحة ولا الكسب ولكن 
يريدون رضاء الله» وقد يجتمع في بلاد الغرب أكثر من هؤلاء عدداء 
ولكنهم يجيئون بالدنيا وللدنياء وهؤلاء تجردوا من دنياهم كلها لما 
تجردوا من ثيابهم» وأقبلوا على الله متساوين متشابهين» لا تميز منهم 
أميراً من أجير»ء ولا كبيراً من صغير» إنه مشهد لا تراه عين البشرية أبدأ 
إلا في عرفات» ولو لم يكن في الإسلام من فضل على انحل والأديا 
إلا هذا لكفى». ولجعل كل عاقل منصف مسلماً. 


ول اي ااا ا بار 
أيام» وهطل الديخ من عيني على رغمي» وقلت والبكاء يخنقني 
يارب» أنا لا أَدنٌ بعمل صالح وإن ذنوبي قد سودت صحيفتي» وأنا 
لا أستحق الدخول عليك». ولكن الكريم يارب يقبل من يكون مع 
الضيف إكراماً للضيف» وأنت أكرم الأكرمين» 1 
جاء مع ضيوفك؟ 


وعرفات هضبة واسعة جداًء في وسطها جبل الرحمة» وهو جبل 
صغيرء يقرب شكله من شكل الهرم» وحجارته كحجارة الهرم صخور 
سود متفرقات» وقد امتلاأت عرفات بالرايات والأعلام والشارات من 
كل لون وشكلء» لتدل كل قوم على مكانهم». ومع ذلك فإن من يبتعد 
عن خيمته ماثة متر لا يكاد يهتدي إليها . 


المختار من الرحلات الحجازية 





0 
]١٠7١*[‏ والمؤسف أننا ما كدنا نصل إلى السرادق الفخم الذي 
أعده لنا الفندق» حتى ذهب ما أحسسنا من الخشوعء وصار مجلسنا 
النهار كله»ء مجلس من في نزهة أو قهوة» نتحدث حديث الدنياء 
ونأكل ونشرب الشاي والقهوة والمبردات» ووجدت أكثر الحجاج 
كذلك كأن القصد أن نمضي النهار في هذا المكان» لا أن نكون بقلوبنا 
مع اللهء وحاولت مراراً أن أقول لنفسي أولآء ثم أقوم فأقول للناس: 
إن هذه هي فرصة العمر فاغتنموهاء ولا تدعوها تفلت من أيديكم. 
وتوجهوا إلى الله؛ء فكنت كأني أنفخ في رمادء ما استجابت لي هذه 
النفسن الخبيئة :ولا استجاب النامن . 


ولولا هذه اللحظات الثللاث التي قصصت قصتهاء لحظة الطيارة. 
ولحظة الحرم ليلة الوقفة. ولحظة القدوم على عرفة. ولولا ما عراني 
نها من الذةالتوحة إلى :ننه لوال هده اللبحاف الكانلقة» لقانت إن نا 


]١1١4[‏ ولم تكد تميل الشمس إلى المغيب» حتى ماج هذا 
البحرء ثم مشى» وكانت الحكومة قد فتحت السنة الماضية طرقاً ثلاثة 
فساحاً معبدات» فلم تكن إلا ساعة حتى امتلأت هذه الطرق 
بالسيارات» وصار أولها في المزدلفة» وآخرها في عرفات» ولم يتحرك 
إلا نصف سيارات الحجاج»ء وكانت المشكلة الكبرى؛ إذ أن المسافة 
من عرفات إلى المزدلفة قصيرةء والمزدلفة واد ضيق» ومع الحجاج 
نحواً من عشرين ألف سيارة» فمن أين تمرٌ؟ 


من ذكريات الحج 





]١١5[‏ وأمضينا أربع ساعات» في مرحلة قطعناها ونحن قادمون 
فى ثلث ساعة» وكانت أضواء السيارات فى هذا الليل عجباً من 
العجب » وكانت أصواتها مع أصوات الملبين والصائحين أعجب » 
ولقد مشى منا ناس فسبقوا السيارات» حتى وصلنا المزدلفة. وأنا لم 
أرها فى النهار. فما رانك منها إلا أرضاً مغطاة بالنائمين» والواحد 
لصق الآخرء فأنت لا تستطيع أن تمشي حتى تخطو من فوقهم» وبين 
صفوف النائمين طريق للسيارات عرضه أمتار, فلو انحرفت سيارة في 
مسيرها شبراً لمشت على أجساد النيام! . ظ 

وكان الفندق قد مهد لنا بقعة» فرشها وهيأها وأعد فيها الطعام 
والشراب» فضاع منا المكان». ولبثنا ندور ساعتين اثنتين حتى بلغناه. 
وكان في خير موضع من المزدلفة» بجنب المسجد؛. وضل من يحمل 
العشاء فلم يصل به إلا موهنا"'' من الليل» فلم نستطع أن ننام . 

[107] وسرنا بعد الفجر إلى منى» والطريق مزدحم. وأنا يكاد 
يقتلني النعاس ؛ إذ سهرت الليل كله وما سهرت من قبل إلى نصفه. 
ووادي منى ضيق كوادي الربوة» ومكان الرمي إلى جدار قد ازدحم 
الناس أمامه. فلا تستطيع أن تلقى ثغرة تنفذ منهاء فلقيت في الرمي 
الألاقى. 

]١١07[‏ وطالما بحث العلماء فى حكمة الطواف والرمىء. 
والرأي عندي أن حكمتها في إخفاء حكمتها ليبقى لنا الإيمان 


٠ قال الأستاذ علي: نصف الليل.‎ )١( 


المختار من الرحلات الحجازية 





والتسليم» والاستعداد للطاعة فيما يبدو لنا النفع فيه» وما تخفى الفائدة 
منه» ولو أن ولدآ أمره أبوه بأن يفعل شيئاًء فقال له: لماذا؟ وأبى أن 
يطيع إلا إن عرف الحكمة فيهء والدافع إليه لما كان ولداً مطيعاًء بل 
المطيع البار من يمتثل ولو لم يتضح له النفع فيما أمر به من عمل . 

١0‏ ] واسيض اسيرة اعسال الحج كلهاء ولا تتسع لذلك 
المقالة» ولكنها ملاحظات وذكريات» منها أني كنت أظن الذبائح 
تتراكم حتى تفسدء أو يحفر لها وتدفن» فإذ! هي لا يذهب شيء منها 
هدراً وإنما يأخذها فقراء الأعراب ممن لا يرى اللحم إلا وقت الحج. 
وإذا الفائدة في الذبح نفسهء يذبحونها ليربي البدو غيرهاء فيجدوا 
مرتزقاًء ويفتشوا عن مرعى» وتصلح البلاد والعباد» لذلك كان 
المقصود الذبح نفسهء وعلى هذا إجماع العلماء» فلا تسمعوا ما يفتي 
به بعض الجاهلين . 

]١٠١4[‏ والإنسان مخلوق عجيب» يتمنى الشتاء في الصيف. 
فإذا جاء الشتاء أنكره» ويسعى إلى الحج ويتسابق الناس أيهم يكون 
أسرع إلى مكة وصولاًء لا يرون نعمة أكبر من المقام في تلك الديارء 
ليمشوا على الأرض التي وطئتها قدما محمد يله ويروا البقاع التي انبثق 
منها النورء وهبط فيها الوحيء فإذا قضي الحج وعادوا من منى لم 
يكن لهم هم إلا الإسراع بالرجوع» وكأنهم ملوا ما كانوا بالأمس 
يتمنونه» وكرهوا ما كانوا يحبونه» فلا ترى إلا السيارات تزدحم على 
الطريق متسابقة» والناس يتقاتلون على مكاتب الطيارات» ووكلاء 
البواخر وكنت مع الأسف مع هؤلاء المتقاتلين. 


من ذكريات الحج 





1 - 
1 ولم أذهب إلى المدينة» وزيارة المدينة - وإن لم تكن 
من شعائر الحج ‏ تترك في نفس المسلم أثراً لولا خوف الزلل في هذا 
المقال لقلت إنه أعمق من أثر مكة في نفسهء ولما وصلنا المرة 
العاقنة ب قزل عشرين متنة.- إلى “مقنا رق المدينة»: وليل هذا اد 
أحسست كأن قلبي يرقص فرحا من خفقانه» وكان في الركب مغنون» 
فتغنو بأبيات من التشوق إلى طيبة الغراء» بأشجى نغمة شرقية : 
الأصبهان. فصنعوا بى العجبء. ولما درنا من وراء أحدء وتكشفت لنا 
المديئة والقبة الخضراء فضحنا الشوق. . 


[3] ولا يأتنى من يناقش بأن الزيارة للمسجد لا للقبر» فليس 
المقام مقام فتوى أفتي بهاء ولا حكم شرعي أقرره» ولكنها عاطفة لا 
يملك الإنسان لها ردآء ومّن يقف على المنزل الذي كان فيه حبيبه 
والدار التي سكنها يحس بأن قلبه قد خرج من صدره تشوقاً إلى 
المنزل» وهياماً بالدارء إنها فطرة فطر الله الناس عليها ولولا ذلك ما 
كان أطرب شعرٍ العرب وأحلاه ما قيل في وصف الديارء وبكاء 
الأطلال» فكيف بمن يؤم منزل سيد الرسل محمد كله ويرى الأماكن 
التي طالما قرأ عنها في كتب السيرة فعاش فيها بخياله» وتمنى أن 
تكتحل عينه مرة برؤياها في الحلم» فإذا هو يعيش حقاً فيهاء ويقف على 
الحجرة التي كانت مسكن محمد يك يأكل فيها ويشرب» وينام ويقوم. 
وفيها عقد الألوية» وفيها وضع المناهج ومنها خرج النورء ثم مات فيهاء 
ودفن في وسطهاء وأغلقت إلى يوم القيامة فلا يدخلها أحد... ولا 
أقرر حكماًء ولا أفتي فتوى» ولكن أتبع الفطرة» وأصف الواقع 


المختار من الرحلات الحجازية 





-اللهقه 

]1١1[‏ ولست أآسفاً على شيء أسفي على أنه لم يبق في مكة 
اليوم أثر لمكة التى كان فيها الرسول إلا الحرم»ء فلا دار الندوة» ولا 
دار الأرقم. ولا دار خديجة. بل ولا الصفا ولا المروة» لم يبق من 
الجبلين إلا درجات أمام جدار! 

ولست أقول: قدسوا الأماكن» واعبدوا الأشخاصء. لاء إنه ليس 
في الإسلام تقديس لشيءء ولا الحجر الأسود الذي نقبّله ولا نعبده. 
ولكنها دنيا من الهداية والمكارم والأمجادء أبوابها هذه الآثار» ندخل 
منها إليهاء فنتعلل بذكرياتها ونستمد العون على تجديد أمثالها . 

إنها تاريخ حي مجسمء فإذا هدمناها فلماذا لا نطمس سطور 


التاريخ؟”'' . 


)١(‏ مجلة «المسلمون»: العدذد الخامس . ص57" - كلاة. 


لْحْتَارصنَ 


وا 


ازامجكة 
مكدو ال مرك 2 لآ ل ره 
رص 7 دسْهالسويّة 





ا فم" 
صا : د 
مار ويزب 
سي 7ل مو 


و ا 


ذارا لاك 
لإنكدلنقا دق 
لخمراء 


سانا تتم 


شع لوق نم 
الكلكة الأردتك. 
١5م‏ ل “.كم 


دارا لإنككلنق الكتراءة 
ا ل ال ل 708 م -52 
الماحكة العربيه السعوديه حلده 
اللإدامع :مركب كناد جدة 2١‏ 516 
هنانمت :147.617 فاكش ه١1‏ 
اكات ه تجن التتكامة ‏ تناع عبد للد المتديري ‏ موكزالشتلامة التَاريّ 
هَانَتْ ‏ فاحسش 5-0:14ه185" 
و« خا اللمنه - شتارع يلخي سوق أ#امكة الهاي 
هحادف :5830.57 _ فاكس : 1237١072‏ 
عياض . عق -_المسَويّدي لق بجوا إسواقت_العاسّة 
مج اص ب ابا ممع _ فاكس 7ه ل للع 
71 . لعل-31115 21-210 .55 // :مأادا 


1 .لعط-21-21031115 ©) 1210 : 11ذ اا -,] 


بعض ما رأيناه في الحجاز 





المقالة الأولى 
بعض ما رأيناه في الحجاز"' 


للأستان محمد طلعت ياشا عرد 5 


]١1*[‏ تتجه خواطر المسلمين في أنحاء الأرض إلى البلاد 
المقدسة حيث يولون وجوههم كل يوم شطر المسجد الحرام» وحيث 
تهفو قلوبهم وتتلفت أبصارهم» وتخفق جوانحهم» لمجرد ذكر البيت 
العتيق ومثوى الرسول الكريم» وقد رأينا بمناسبة زيارتنا الأخيرة لهذه 
البلاد الشقيقة أن نعرض على مواطنينا بواسطة هذا المذياع بعض ما 
شاهدناه فيها؛ لعل في ذلك ذكرى تنفع المؤمنين : 

١5 بارحنا القاهرة الساعة 5576 من صباح يوم الخميس‎ ]١7١5[ 
على متن الطائرة‎ ١١9175 الموافق 4 يناير سنة‎ »١7605 من شوال سنة‎ 
مصر الجديدة إحدى طائرات شركة مصر للطيران» وكان يقودها الطيار‎ 


)١(‏ نص الحديث الذي ألقاه من الإذاعة اللاسلكية. 

00( محمد طلعت باشا بن حسن بن محمد حرب. من الزعماء الاقتصاديين فى مصرء ولد 
سنة 01797 وتخرج في مدرسة الحقوق بالقاهرة» وعين مترجماء فمديراً لبعض 
الشركات» ثم أنشأ شركة» ثم دعا إلى إنشاء مصرف مصري فعورض لكنه دأب في 
دعوته حتى أنشأ بنك مصرء وقد ألف كتباً ورسائل» وكان من أعضاء الجمعية 
الجغرافية» توفي بالقاهرة» سنة 175٠‏ . انظر: «الأعلام»: / 1195-1196 . 





محمد صدقي» فوصلنا جدة الساعة الرابعة بعض ظهر اليوم نفسه بعد 
أن استرحنا في الطور وفي ينبع أكثر من ساعتين ونصف» ولسنا في 
حاجة أن نذكر لكم أن السفر بالطائرة مريح للغاية» ولكن حسبنا أن 
نقول إن من يجرب الطائرة في أسفاره لا يعود مرة ثانية إلى تضيبع وقته 
باستعمال وسائل السفر الأخرى . 

نحن الآن في جدة يستقبلنا رجال الحكومة السعودية» وكبار 
الأعيان» ورجال القنصلية الملكية المصريةء وأعيان الجاليات 


الأخرى . 


ومن كان يرانا وسط هذا الاستقبال الودي الكبير يظن أن هذه أول 
مرة نزور فيها تلك البلاد الطاهرة» ولكن زيارتنا هذه لم تكن الأولى» 
ونتعشم أن لا تكون آخر العهد ‏ إن شاء الله - بل كانت استثئنافاً لزيارات 
سابقة قمنا بها من قبل» ونرجو الله - تعالى - أن يكتب لنا الحج في 
الموسم الاتى» إن شاء الله . 


]١1١6[‏ يتولى المسلم - وهو يطأ بأقدامه تراب هذه البقاع 
الطاهرة - شعور ديني غريب لم يكن يحس به من قبل» وهو منغمر في 
مشاغل الحياة الدنياء وكأنه يرى بعين الحقيقة أنه قد تجرد من زخرف 
هذه العاجلة وزينتها فيحس مرة أخرى أن عقيدته قد ازدادت صلابة 
وقوةء وأن نفسه قد تطهرت» وأن روحه قد شفتء وأنه هو الآخر قد 


أصبح خاشعاً قانتاً لله رب العالمين . 


سيقول بعض المستمعين: إن في مصر كذلك من يتولاه مثل هذا 


بعض ما رأيناه في الحجاز 





- 01 


الشعورء ولما يبرح مكانه إلى تلك البلاد» نعم قد يكون ذلك» ولكن 
وجود المرء على مقربة من بيت الله الحرام يبث في النفس من عميق 
الشعور ما لا يقدر إنسان على وصفهء والعبرة بالتجربة» فليذهب 
القادرون إلى تلك البلاد جواً أو بحرا حاجين أو معتمرين أو زائرين قبر 
سيد الخلق محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام ‏ ثم ليقصوا علينا 
ماذا لقوه. ظ 

وهذه فرصة الحج سانحةء وهذا أوانهاء سبيلها ميسرة» ودَيْنها 


م لبيك سر سم ل يه ثر يه مره 


سهل السداد وَلِنَ عَلَ ناس حج الْسَيْتِ من أسْمَطَاع ليو سبلا ١7‏ . 


273 تبين لنا أثناء زيارتنا هذه أن ولاة الأمور في المملكة 
العربية السعودية لم يدخروا وسعا في بذل الجهود المضاعفة لتسهيل 
أداء الفريضة المقدسة؛ فقد عبدت الحكومة هناك الطرقات من جدة 
إلى مكة المكرمة تعبيداً لا بأس به» ومن دلائل اهتمامها بتعبيد الطرق 
أنها أرادت رصفها بالأسفلت». وفعلاً قامت إحدى الشركات بتجربة 
رصف بعض مئات من الأمتار في إحدى الطرق هناك ولكن كانت 
التكالنك لسر اليحظ فادحة حية 'قدارت قبعو +65 حنده ضير لكل 
كيلو متر طولي . 0 

فإذا أردنا مثلاً أن يرصف كل الطريق بين جدة يمكلا فقن نطاب 
ذلك مبلغاً عظيماً لا يستهان به» فما بال الطريق بين جدة والمدينة 
المنورة وطولها وحدها حوالي الخمسماتة كيلومتر. ظ 


. سورة آل عمران: أية /ا9‎ )١( 


المختار من الرحلات الحجازية 





[37] ولقد يلوح أن فكرة رصيف طريق الحجاز بالأسفلت 
سيصرف النظر عنها أمام فكرة أخرى. هي فكرة استعمال السيارات 
ذات العجل المخصوص التي استعملتها بنجاح مصلحة الحدود المصرية 
في رمال الصحراء والتي جربناها نحن لأول مرة في رحلتنا الأخيرة بين 
جدة ومكة المكرمة؛ إذ أرسلنا ‏ تسهيلاً للقيام بهذه التجربة - ثلاث 
سيارات من هذا النوع للاستعمال الخاص بالبنك وبشركة مصر للملاحة 
البحرية في الحجازء منها واحدة لوري. والثانية أوتوبيس» والثالثة 
سيارة صغيرة «تاكسي»» وقطعنا المسافة في أقل من ساعة ونصف». 
حيث مضت السيارات في طريقها بسهولة. وجدنا ‏ أيضاً ‏ في أثناء 
الطريق عمالاً يوالون همتهم في التعبيد بغير انقطاع» وعلمنا من معالي 
وزير مالية الحجاز أنه سيرتب فرقة مستديمة أو أكثر من العمال 
يصلحون ما قد يتلف من الطريق . 

ومن المنتظر أن تنجح التجربة بطريق المدينة المنورة - أيضاً - وأن 
يعم استعمال مثل هذه العجلات دون أن تضاف زيادة جديدة على 
نفقات الحج ‏ أما إذا لم تأت هذه التجربة بالنجاح التام المنتظر. 
وكانت عملية التعبيد والتمهيد غير كافية» فمن المتفق عليه أن يعاد 
النظر في رصف الطريق بالأسفلت - في النقط الوعرة فقط على عرض 
كاف لمرور سيارة واحدة أو سيارتين في اتجاهين عكسيين . 

]١714[‏ ولقد أدينا شعائر الله بين الصفا والمروة» ووجدنا طريق 
هذا المسعى في حاجة إلى العناية به حتى يتم له جلاله الديني وما 
ينبغيى له من الاحترام. وكنا قد ندبنا لدراسة موضوعه بعض 


بعض ما رأيناه في الحجاز 





الإخصائيين المصريين فاقترحوا رفع أرضية هذا الطريق وإعادة تبليطه 
بطريقة أصولية وقاية له وللحرم الشريف من أضرار السيول وتسهل 
السعى» وستقفوم الحكومة هناك بتنفيذ ما افترحوه. 


]١14[‏ يأتى فى الأهمية بعد تمهيد الطرق فى الحجاز مسألة 
العملة هناك. ونوجر فنقول: إن الحجاج المصريين وغيرهم يلاقفون 
على تقليل هذه الخسائر بقدر المستطاعء فاتفقنا ‏ أولاً ‏ على أن 
تحصل الحكومة المصرية من كل حاج ما يساوي قيمة الرسوم 
والضرائب المقررة دفعها لحكومة الحجازء وكذلك أجور السيارات 
والجمال من جدة إلى مكة أو المديئة» وأجور المطوفين التي تدفع 
جميعها ذهباً» تحصل الحكومة المصرية ذلك على حساب سعر الذهب 
ويرد بنك مصر للحكومة المصرية ما قد يكون باقياً من المبالغ السالف 
صرفها إليه لتردها بدورها إلى الحجاج كما هو متبع كل عام من إعادة 
ما يرتد بعد صرف رسوم الكورنتينات7'؟. ودخول الأراضى المقدسة »2 
وهذا الاتفاق يضع حداً للتلاعب الذي كان يُقصد به استغلال الحجاج 
أسوأ استغلال؛ إذ العادة التى كانت متبعة لدى بعض التجار 


. أي المحاجر التي يُعزل فيها الحجاج‎ )١( 


المختار من الرحلات الحجازية 





ل 
والمصارف أن ينتهزوا فرصة وصول أي مركب تقل حجاجاً من أي بلد 
إسلامي فيخفضون سعر عملة ذلك البلد ويرفعون سعر الذهب. 

ولما كان الحجاج جميعاً ملزمين حتماً وفى وقت واحد بسداد 
مقررات الحكومة السعودية» وأجور الأوتومبيلات” أو الجمال وأجور 
المطوفين بسعر الذهب فإنهم كانوا مضطرين اضطراراً إلى قبول سعره 
المفروض فرضاً إجبارياً من هؤلاء الصيارف . 

وبهذه المناسبة نرجو أن يعلم مواطنونا أن الذي حصلته الحكومة 
المصرية من الحجاج المصريين في هذا العام تنفيذاً لهذا الاتفاق لا 
يشمل أجور الجمال أو السيارات في مكة إلى عرفات» ولا إيجار 
المسكن والخيمة أو غير ذلك فيها أو بمنى؛ بل أن هذه المصاريف لم 
تحدد بعد ولم يستلم بنك مصر إلا ما هو مفصل بالكشف المبين به 
مصاريف الحاج والذي لا بد أن كل حاج قد اطلع عليه عند دفع 
الرسوم المقررة. 

ولم يقتصر الأمر على ترتيب هذه المسألة بل قد اتفقنا - أيضاً ‏ مع 
الحكومة السعودية على العمل لتثبيت سعر الريال السعودي ‏ وهو 
العملة المحلية في أرض الحجاز ‏ بالنسبة لسعر الجنيه الذهب» وذلك 
بسك كمية عظيمة من الريالات السعودية يتيسر معها للحكومة هناك أن 
تحدد سعراً ثابتآً للريال تقبض به رسومهاء وتصرف به نفقاتهماء 
وتغذي به السوق عند الحاجة» وتسحب منها ما يزيد عليها حفظأ 


بعض ما رأيناه في الحجاز 
لتوازنها وحفظأً كذلك للسعر المحدد»ء وتنفيذ هذه المسألة هي الأخرى 
خدمة طيبة للحجاج أجمعين ولأهل البلاد أنفسهم؛ إذ لا يخفى أن كل 
حاج يقضي مصالحه الشخصية ويدفع نفقات الأكل والنوم ويسد 
مطالبه ‏ بالريال السعودي ‏ فيستبدله بعملة بلاده سواء أكانت جنيهات 





مصرية أم ذهبية أو روبيات أو غيرها. 


وبالنسبة لكثرة الطلب وشدته على الريال السعودي إبّانَ الموسم 
فإن بعض التجار والصيارف - أيضاً ‏ ينتهزون هذه الفرصة ويرفعون 
ثمن الريالات وكسورها استغلالاً للحجاج يعم ضرره أهل البلاد 
أنفسهم . 

]١77١[‏ ونحن نحمد الله على هذا الاتفاق» ونشكر الحكومة 
الحجازية عليه شكراً خالصاًء وعند تمام تنفيذه ‏ وهو الآن في طريقه - 
يستريح الحاج راحة تامة من ناحية العملة؛ بل إنه سيصرف بهذه 
الوسيلة مقدار ما يمكن إنفاقه في راحلة الحج إلى البيت الحرام؛ وفي 
زيارة الحرم النبوي الشريف . 


[1؟7١]‏ وليس هذا هو كل ما قصد به خدمة حجاج بيت الله 
الحرام من ناحية العملة؛ بل إن الحكومة الحجازية ‏ ولها الشكر ‏ قد 
قفررت أيضاً تخفيض ربع الرسوم والعوائد المقررة هناك تشجيعاً للحج 
وأداء فريضته المقدسةء وأنتم تعلمون أن العملة المصرية قبل 
انخفاضها بسبب خروج إنجلترا عن قاعدة الذهب كانت ثابتة مستقرة. 
ولما انفصلنا عن هذه القاعدة تبعاً للجنيه الإنكليزي انخفضت حوالي 2 


المختار من الرحلات الحجازية 





0 


5 في المائة من قيمتها الأصلية بينما بقيت عملة الحجاز تابعة لقاعدة 
الذهب لم ينقص من قيمته شيء» فالحساب هناك بالجنيه الذهب 
والقروش الذهب وهو عندنا بالجنيه الورق والقروش المصرية» وإذن 
فمن العدل أن يدخل هذا الفرق في الحساب عند الموازنة بين تكاليف 
الحج اليوم وقبل اليوم . 


[7" ] يضاف إلى ذلك أن الطريق كانت فيما مضى غير مأمونة. 
والأموال بل الحياة نفسها كانت في خطر بعكس ما يرتع فيه الحجاج 
الآن من الأمن المنشور اللواءء وفي الطمأنينة الوريفة الظلال» كما 
يضاف إليه أن انتقال الحجاج في البقاع المطهرة أصبح الآن بالسيارات 
واللوريات بدل أن كان كله بالجمال» فقصرت المسافات وخفت 
المتاعب والمشاق» وأن المدة التي يقضيها الحاج في البلاد الحجازية 
أصبحت لا تقاس بمثيلتها من قبل . 


]١77[‏ وبمناسبة ذكر الأمن والأمان الذي يشعر بهما الساري 
والسائر في أرض الحجاز نذكر ‏ أيضاً - أن العناية بالأمور الصحية 
هناك في ازدياد من قبل الحكومة الحجازية ومن حكومتنا السنية التي 
ترسل كل عام بعثة طبية تخفف بقدر المستطاع من آلام بعض من 
يصاب من الحجاج» يعاون هذه البعثة أطباء مصريون مقيمون في 
التكيتين المصريتين'': حيث يعالجون المرضى ويصرفون الدواء مجاناً 
لوجه الله» ويسرنا أن نذيع عنهم أننا سمعنا هناك ثناء مستطاباً على ما 


)١(‏ أي في مكة المكرمة والمدينة المنورة. 


بعض ما رأيناه في الحجاز 





- 2 


يبذلون من جهود. 

]١74[‏ وهاك اهتماماً بماء عين زبيدة قصد الوصول إلى منع 
تلوثه حفظاً لصحة الحجاج وأهل البلاد» كما أن جدة نفسها قد أتبح 
لفقرائها من عام فقط أن يحصلوا على الماء الصالح للشرب بثمن زهيد 
بفضل مجهود رجل هندي متواضع عمل على جر الماء من عين 
الوؤيرية للعدينة مكتتديا أكنف المسيية 7 


[177] ثم إن وزارة الأوقاف المصرية تهتم| - على ما علمنا - 
بإعداد العدة لتأسيس مستشفى للجراحة في المدينة المنورة» ولعلها 
توفق إلى هذه يبا سيان ويه 
في سبيل الله . ظ 

[5] ولقد أغرانا هذا الاهتمام انون الصحية في بلاد 
الحجاز أن نساهم مع بعض الخيرين فميا يتقربون به إلى رب البيت 
الكريم» فقمنا باشتراكنا مع بعض أهل الخير بتكملة مستشفى جدة 
ومكةء وبإهداء جهاز أشعة كامل للأخير وآلات الجراحة اللازمة لهماء 
كما أننا ساعدنا على تأسيس فرع للإسعاف الكامل في مكة المكرمة؛ 
إذ لاحظنا أن ازدحام الحجاج إبان الموسم في منى وعرفات بالجم 
الغفير من أهل البلاد المختلفة الأجواء قد ينشأ من جرائه بعض 
الأمراضء أو قد يصاب بعضهم بإصابات تستدعي الإسعاف والعلاج» 
وأمددنا هذا الفرع بسيارتين من سيارات الإسعاف وبموتوسيكل 


)0010( أي يطلب الندى ‏ وهو العطاء ‏ منهم . 


المختار من الرحلات الحجازية 





0 - 


وبدراجتين مستوفاة العدة» وكذلك أمددناه بالأدوية اللازمة والاللات 
الجراحية والجهازات الأخرى وبالأسرة وما يلزمها من فراش . 
كما أرسلنا إليه الأدوات الكتابية والمطبوعات المختلفة من أوراق 


جمعيات الإسعاف الدولية . 


وعززنا هذا الفرع باثنين من المصريين لترتيب ما يلزم لحسن سير 
هذا الإسعاف في مكة المكرمة» ولتمرين بعض الحجازيين على هذه 
الخدمة الإنسانية وعلى هذا العمل النافع الجليل» وإننا بهذه المناسبة 
نسدي أجزل الشكر لحضرة مواطننا الدكتور محمود بك عبدالرازق 
الطبيب بالمنيا ونائب رئيس جمعية الإسعاف الدولية بالقطر المصري 
على مساعدته القيمة في هذا الموضوع . 

وإذا نجح هذا الإسعاف في مكة المكرمة ‏ وليس هناك إن شاء الله 
ما يحول دون ذلك - أمكن بفضل الله تأسيس شعبة أخرى مثلها في 
المدينة المنورة . 

[17707] ولا ريب في أن أعمال البر بأرض كالأراضي المقدسة 
لها في النفس هرّة وأريجية» ولقد كان لمن أنشأ التكايا المصرية - أو 
كما نسميها معاهد البر - فضل السبق؟ فهي تجري الصدقات دواماً 
طول السنة على العفاة وذي الحاجات تحت إشراف مصريين يستحقون 
الثناء والإعجاب . 


]١774[‏ كذلك وجدنا أثراً من آثار مصر في منى» وهو «السبيل» 


بعض ما رأيناه في الحجاز 





القائم هناك يهيمن عليه الحجاج مصريين وغير مصريين» يروون منه 
الظمأ ويردون عنده سَْرة العطش . 

هذا وذاك وغيره يراه المصري في الحجاز فيهش له ويفرح به 
ويرجو له من صميم القلب البقاء والدوام. 

]١178[‏ وهناك في الحجاز مشروعات أخرى وجدنا الاهتمام بها 
بادياً على كل لسان وفي كل مكان؛ فمسألة بئر زمزم وإمكان الاستفادة 
بمياهها انتفاعاً بالحديث الشريف: «ماء زمزم لما كنونت: 17 قن 
أصابت حظاأً من اهتمام ولاة الأمور هناك» فقد يهم الكثيرين أن يُعنى 
بأمر هذه البئر العناية الواجبة» وأن يخرج لها مشروع أو تؤسس لها 
شركة حجازية تستغل هذا البئر بتعبئة مياهها المباركة في زجاجات 
معقمة وبيعها في كل أقطار الدنيا تبركاً وتيسيراً لرزق أهل البلاد 
أنفسهم» ونعتقد أنه مشروع نافع سيصيب من النجاح الحظ الأوفى إن 
وكل أمره لبكتريولوجي”'' مسلم موثوق بعلمه وخبرته في عالم الطب. 

]١70[‏ كذلك يتمنى الكثيرون إمداد البيوت في مكة المكرمة 
بالمياه الصالحة» ويتمنون ‏ أيضاً ‏ إضاءة هذا البلد الحرام بالنور 
الكهربائي . 

]١71[‏ ويتمنئون إنشاء صناعات تتفرع من مشروع إيجاد الكهرباء 
كإنشاء ورش للتصليحات اللازمة للسيارات» ومصانع صغيرة للنسج 


)١(‏ سبق تخريجه. 





والتفصيل وأخرى لدباغة الجلود وصناعة الأحذية تقوم على إنشاء 
سَلَخانة» صحية تغذيها جلود الفدية التى لا تعد ولا تحصى» وإلى 
غير ذلك من المشروعات التي قد يجر بعضها بعضاً. 


ولا يخفى ما قد يترتب على ذلك من تشغيل أيدي عاطلين» 
وتوسيع مجال الرزق على الكثيرين من أهل البلاد»ء وليس بعيداً على 
الله أن يوفق أهل البلاد المقدسة إلى تأسيس هذه المشروعات النافعة 
بفضل ما أَنِسّْناه فيهم من الهمة والكد والاجتهاد. 


[157] كذلك لاحظنا في زيارتنا للحجاز اهتماماً كبيراً بمسألة 
الطيران» وكان طيراننا من جدة إلى المدينة المنورة أعظم مثير لاهتمام 
الناس عامة؛ إذ قطعنا الطريق في ساعة ونصف فقطء بينما تقطعه 
السيارة الجيدة في نحو ١5‏ ساعة إذا لم تصادف عطلا ذ في الطريق». 
وتقطعه الإبل في ثلاثة عشر يوم أو أكثرء لذلك كانت دهشة بعض 
الناس في المدينة المنورة عظيماًء وكانت علامات البشر والسرور بادية 
عليهم لرؤية أول طيارة مدنية في التاريخ» تهبط مدينة الرسول عليه 
الصلاة والسلام . 


ونرجوا الله أن يوفق شركة مصر للطيران لترتيب خط منتظم ابتداء 
من الموسم المقبل بين جدة والمدينة المنورة فتسهل زيارة قبر النبي - 
عليه الصلاة والسلام ‏ لمن تقّْعِده الآن مشقة الطريق 


)١(‏ أي مدبغة. 


بعض ما رأيناه في الحجاز 12 
[1] وفي الحجاز نواح أخرى زرناها أعجبنا بها إعجاباً كثيراً 
هي نواح العلمء فقد زرنا بعض المدارس والمعاهدء وكان زيارتنا 
لمدارس الفلاح في جدة ومكة من أبهج الزيارات؛ إذ تقوم هذه 
المدارس ببنائها الظريف النظيف الصحي وبالطلبة الذين يلوح عليهم 
الذكاء والنشاط وبالمعلمين الذي يخلصون لمهنتهم الشريفة شاهداً 
عدلاً على قيمة الخدمة الجلية التي أسداها فرد واحد لبلاد الحجاز 





وأنفق عليها السنين الطوال نحو 5٠٠‏ ألف جنيه في مدى ثلاثين سنة 
من ماله الخاص احتساباً لوجه الله» هذا الرجل الكريم هو تاجر اللؤلؤ 
الشهير الحاج محمد علي زيئل الذي يقيم الآن بين لندره"'' وباريس . 


]١77:[‏ ولقد كسدت للأسف سوق اللؤلؤ أخيراً بسبب سوء حالة 
العالم المالية وتعذر على صاحب المعروف أن يتابع معروفه» وكادت 
هذه الدور ‏ التي أخرجت للحجاز معظم الذين يشتغلون في دواوين 
الحكومة هناك بل معظم من يعرفون القراءة والكتابة ‏ أن تغلق أبوابها 
لولا أن تداركتها رحمة الله ورعتها عينه الساهرة على كل عمل صالح 
فوفق الله - عز شأنه ‏ جلالة صاحب المملكة العربية السعودية إلى 
فرض ضريبة على الواردات تخصص لإعانة هذه المدارس بالذات 
تضمن لها البقاء والاستمرارء وهكذا كل عمل يقصد به وجه الله وحده 
يعيش ويبقى كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء . 


)١(‏ لندن. 





-2 2 
]١775[‏ وإذا كان المؤمنون الصالحون قد أسسوا فى الأرض 
المقدسة معاهد العلم نوراً وهدى للنشء الحجازي نإ للحكونة 
السعودية قدم صدق في نشر العلم والعرفان» فأسست بجانب مدارس 
الفلاح المدارس الأهلية في جدة ومكة والمدينة والطائف وينبع والوجه 
وغيرها. 


]١71[‏ ويسرنا أن نرى على رأس التعليم والمدارس في الحجاز 
بعض مواطنينا الذين يؤدون واجبهم بصدق وإخلاص نذكر منهم وكيل 
المعارف الشيخ إبراهيم الشورى"'' والشيخ إبراهيم مطر والشيخ 
عبدالعزيز فتح الله وغيرهم ممن غابت أسماؤهم عنا الآن. 


]١7707[‏ وفي المدينة المنورة قد زرنا دار الأيتام وهي مدرسة 
أسسها كذلك فرد واحد من مسلمي الهند الأكرمين وأنشأ فيها بجانب 
ناحية التعليم شعبة للتعليم الصناعي يتعلم فيه الأيتام صناعة السراجة أو 
النجارة أو الخرازة أو الحياكة أو ما شابه ذلك». وقد رأينا بعض 
مصنوعات التلاميذ من الملاعق الظريفة المصنوعة من أخشاب الحجاز 


)0010( إبراهيم محمد الشورىء. الإداري» التربوي. الكاتب. ولد ون 6117 ونكا 
بالقاهرة» وتخرج في مدرستي القضاء الشرعي ودار العلوم العليا» واشتغل 
بالتدريس» ثم انتدب من الحكومة المصرية مفتشاً بالمعارف السعودية سنة 
17 »؛ ويعد أول مصري أوفدته وزارة المعارف المصرية للتدريس بالخجاز في 
العهد السعودي» وقد تقلد فى حياته عدة مناصبء» منها: مدير المعهد السعودي 
شكةة . :زوك .. معاوت” لؤقارة -الطيرانة .وول دين اللاداعة الستعروية. ,بعكة 
المكرمة.» ومستشار لوزارة المالية وغير ذلك» وله عدد من المصنفات. توفي 
رحمه الله تعالى سنة ١5٠5‏ : انظر «تتمة الأعلام»: .7١/١‏ 


بعض ما رأيناه في الحجاز 





ب( 
ومن الحقائب المصنوعة من الجلد المتين ومن بعض أنواع المطرزات 
وغيرهاء وهذه الدار هي التي قررت لجنة إعانة فقراء المدينة المنورة 
بالقاهرة توسيعها والنهوض بها. 

73 ] وكذلك زرنا مدرسة العلوم الشرعية في المدينة المنورة» 
وهي مدرسة ينفق عليها بعض الهنود الخيرين يعلمون فيها الفقه 
والشريعة الإسلامية وعلم التوحيدء ويعلمون بجانب ذلك صناعة من 
الصناعات»؛ حتى إذا ضاق وجه الرزق على حملة العلم وجدوه رحبا 
أمام صناعة مما يتعلمونه كالخياطة أو الحدادة أو النجارة أو البناء أو ما 
يشبه ذلك» ولقد كانوا يستكملون بعض أبنية هذه المدرسة» وقيل لنا 
إن التلاميذ اشتركوا في ذلك اشتراكاً فعلياً فأعجبنا به إعجاباً كثيراً. 


ومرْج التعليم النظري بالتعليم اليدوي - خصوصاً في مدرسة 
العلوم الشرعية ‏ فكرة بديعة تستحق مزيد الثناء» حبذا لو نهجنا في 
بعض معاهدنا المصرية على نهجها؛ فإن صنعة في اليد أمان من الفقر. 

- وكما زرنا مصنع النسيج في المدينة المنورة - أيضاً‎ ]١174[ 
-  .بيط ورأينا فيه مصنوعات للتلاميذ فبشرتنا بمجهود‎ 

]١7١50[‏ كذلك زرنا معهداً جليلاً من معاهد الصناعة في مكة وهو 
دار الكسوة الشريفة» وجدنا فيه كثيراً من أبناء الحجاز ينسجون 
ويزركشون ويتفننون في إبداع الكسوة الشريفة التي يتحلى بها بناء 
الكعبة وضريح سيد الخلق ‏ عليه الصلاة والسلام -» ولقد عاودتنا 
ذكريات تلك الأيام التي ازدهت عصراً من العصور في مصر يوم كانت 


المختار من الرحلات الحجازية 





اطق 
هذه الكسوة الشريفة من ضمن هدايا الكنانة للحجاز الشقيق» وتذكرنا 
صناعة شريفة كانت تفتح بيوت عدد وفير من أبناء مصرء تذكرنا ذلك 
فكانت الذكرى مؤثرة ولكن خفف منها انتقال هذه الصناعة إلى أيدي 
أبناء كأبنائنا هم أبناء الحجاز . 


]١41[‏ ولئن كانت معاهد العلم في الحجاز وهذه الدور التي 
تتربى فيها مبادىء الصناعة قد أخذتنا جميعا مأخذ الإعجاب والطرب 
فإن الذي أعجبنا به حقاً اهتمام شباب الحجاز في كل ما يهم الحجاز؛ 
فهؤلاء الشبان هم الذين يديرون تلك المعاهد وهم الذين يديرون تلك 
الصناعات» وهم الذين يربون النشء على مبادىء العلم ومكارم 
الأخلاق ويغرسون فيهم بذور الفضيلة لكي ينشئوا جيلاً نافعء هذا 
الشباب يقدم لبلاده المقدسة أثمن ما ادخروا من صحة وجهد 
وإخلاص» فبارك الله في الشباب أينما كان ووفقه دائماً إلى سبيل الخير 
والنفع العام . 

]١741[‏ لقد يمكننا أن نلخص ما شاهدناه في رحلتنا الأخيرة في 
الحجاز وما يمكن أن يقوم به من الأعمال لخدمة الحجاج المصريين 
خاصة وسائر الحجاج عامة في ثلاث أقسام : 


أما الأول فقسم تقوم به الحكومة الحجازية وحدهاء كتعبيد الطرق 
والعناية بطريق المسعى ومنع السيول عنه وعن الحرم الشريف. 
وكتثبيت العملة أيضاً» وما يشبه ذلك . 


وأما القسم الثاني فتقوم به الحكومة الحجازية مع أهل البلاد أو 


بعض ما رأيناه في الحجاز 





01 - 
مع بعض المسلمين من البلدان الأخرى سواءاً كان هذا البعض أفراداً أو 
شركات» ويشمل تأسيس شركات للاضطلاع بالنور ‏ مثلاً ‏ وبالماء في 
مكة المكرمة؛ وبالطبع سيتفرع على مسألة النور إذا تحققت مشروعات 
صغيرة تدعو إليها الحاجة ولا تدعو في الوقت نفسه إلى كثير من 

الكلفة . 


أما القسم الثالث فلأهميته واتصال أمره بالإسلام عامة فيقوم به 
كل الأمم الإسلامية جمعاءء حيث يختص هذا القسم بمسألة ترميم 
الحرمين الشريفين قبل أن يلحقهما على مرور الزمن مالا يصح أن 
يحدث في هذا الزمان الذي تجري فيه كلمة التوحيد على لسان 
أربعمائة مليون فرد من المسلمين . 

]١75[‏ وبهذه المناسبة نذكر بمزيد الثناء والإعجاب أننا رأينا في 
الحرم النبوي الشريف العمال المصريين يعملون في أعمال الترميم 
والإصلاح التي عهدتها وزارة الأوقاف المصرية إلى مواطننا الكريم 
حضرة محمد بك حسن العبد المقاول المشهور الذي لم يدخر وسعاً 
بالقيام بهذا الواجب خير قيام» وسمعناه يزود وكلاءه هناك بالنصائح 
الثمينة ويطلب إليهم أن لا يتقيدوا بحرفية شروط المقاولة بل أوصاهم 
أن يتموا كل ما يرونه ناقصاً ولو تجاوزت القيمة المتفق عليهاء فجزاه 
الله خيرا. 


]١74:[‏ وحبذا لو دعيت أمم الإسلام قاطبة إلى إرسال بعض 
أبنائها المهندسين الإخصائيين ليدرسوا حالة الحرمين الشريفين وما 





-0212 
يجب عمله حفظاً وتوفيراً لهذا التراث الإسلامي العظيم وتقرير 
التكاليف التي تقتضيها التصميمات والمقايسات اللازمة» وحبذا ‏ أيضاً - 
لو تكونت لجنة دولية إسلامية للمذاكرة في اقتراحات أولئك 
المهندسين حتى إذا وافقت عليها هذه اللجنة شرعت في جمع المال 
اللازم من كل مسلم بواسطة إذاعة نداء عام على جميع سكان المعمورة 
المسلمين ووضع هذا المال في مكان حريز للإنفاق منه على هذا العمل 

المجيد. 


ونظن أنه نه يمكن بهذا أن نصون رمزاً طاهراً من رموز ديئنا الحنيف - 
دين محمد ودين المسلمين ‏ أما بعد. فالحديث عن بلاد الحجاز وعما 
شاهدناه فيها لا يكاد ينتهي». وكنا نود أن نطيل لولا الخشية أن يتولى 
المستمعين الملل» لذلك ندعو للنهضة المباركة - التي لمسنا آثارها في 
كل مكان زرناه في البقاع الطاهرة ‏ بالتوفيق والسداد. 


]١755[‏ وكنا نود أيضاً أن نطيل عبارات الشكر والثناء لرجال 
الحكومة السعودية الذين كرموا مثوانا وقروا عيوننا بحفاوتهم وحفاوة 
أمراء وأعيان العرب الكرام الأجاويد لولا أن إكرامهم البالغ لا يلحقه 
ثناء ولا يجزيه وفاء» وليس لنا في هذا المقام إلا أن نبتهل إلى الله 
العلي القدير أن يجزي الجميع خير الجزاءء وأن يتولى بالتوفيق كل 
العاملين لخدمة الإسلام وخير المسلمين» والسلام عليكم ورحمة الله 


ا 


.5ا١8٠ د‎ 7١٠75 مجلة (الإسلام)» : العدد "5)» سئة 5» ص‎ )١( 





المقالة الثائية 
الحج 
)0 


للدكتور عبدالوهاب عزام 


]١757[‏ كان سلفنا إذا أرادوا الحج تأهبوا لسفر شاق» وغاية 


بعيذة ) وتزودوا لشهور عذة » ووطنوا أنفسهم على ما يلقون من 
المشقات والشدائد والأخطار. 


]١17[‏ كان المصريون يذهبون بالبر من طريق سيناء فالعقبة لا 
يركبون البحرء أو يسيرون إلى القصير فيجتازون البحر إلى الحجازء 
ثم جاء عصر البواخر فتيسرت الغاية وقصرت المدة» ولكن بقى بعد 
هذا قطع المسافة بين مكة والمدينة على ظهور الإبل» وبقى سوء 
الأحوال الصحية في مجامع الحج» والتعرض للصوص وتطاع الطريق 
في كل مرحلة وكل حين» بل كان المحمل المصري وهو في حراسة 


)١(‏ عبدالوهاب بن محمد بن حسن بن سالم عزام». عالم بالأدب» مصريء» ولد في 
مصر سنة 17١7‏ .وتخرج في مدرسة القضاء الشرعي» ودرس بهاء وأحرز شهادة 
الجامعة المصرية القديمة في الآداب والفلسفةء واختير مستشاراً في السفارة 
المصرية في لندن للشؤون الدينية»ء وعين سفير لمصر في المملكة العربية 
السعودية» وأنشأ جامعة الملك سعود فيهاء وتقلب في المناصب في داخل مصر 
وخارجها حتى توفي سنة ١17/8‏ رحمه الله تعالى. انظر «الأعلام»: 185/54. 





0 1- 


الجند والمدافع لا يجتاز المسافة بين مكة والمدينة إلا بعد إرضاء 
القبائل الضاربة على الطريق. وكان هؤلاء يتحكمون ويشتدون في 
مطالبهم. فإذا لم تجب مطالبهم باغتوا الحجيج بالغارة» بل قال 
المرحوم إبراهيم رفعت باشا ‏ الذي تولى إمارة المحمل سنين - إنه زار 
غار حراء سنة ١7١4‏ ومعه مائة جندي وقال: «ومما ينبغي لزائري هذا 
الجبل أن يحملوا معهم الماء الكافيى وأن يكونوا جماعاً يحملون 
السلاح حتى يدفعوا عن أنفسهم شر اللصوص من العربان الذين 
يتربصون الفرص لسلب الحجاج أمتعتهم ونقودهم خصوصاً في مكان 
منقطع كهذا لا يقصده إلا بعض الحجاج» وقد بلغني أن أعرابياً قتل 
حاجا فلم يجد معه غير ريال واحد فقيل له: تقتله من أجل ريال؟ فقال 
وهو فرح : «الريال أحسن منه) . 

]١74[‏ ذلكم الحج قبل سنين» وأما الحج في هذا العصر فقد 
تهيأت وسائله وتيسرت مسافاته وأمنت سبله» تنقل الحجاج بواخر 
كبيرة») وحسبك ببواخر شركة مصر التى أعدت لراحة الحجاج 
وتمكينهم من أداء فرائض الدين في يسر وطمأنينة» وفي كل باخرة 
مصلى تقام فيه الصلوات الخمس ويؤذن لكل وقتء. فإذا بلغ الحاج 
جدة وجد المطوفين في انتظاره يتكفل المطوف الذي يختاره براحته 
وإعداد السيارات له في كل طريق» ويجدون في مكة العناية “براحة 
الحجيح وصحته؛ فالحكومة تتخذ الوسائل التي تمنع الزحامء وتراقب 
مساكن الحجاج وتلزم أصحابها أن يطهروها وينظفوها. 


[144] فإذا حان وقت الخروج إلى منى وعرفات» احتاطت 


الحج 





0 
الحكومة فمنعت التزاحم في الطريق وعنيت براحة الحجاج على قدر 
استطاعتهاء وإذا قضى الناس مناسكهم وأرادوا السفر إلى المدينة 
رخص لهم في السفر على ترتيب قدومهم مكة الأسبق فالأسبق حتى لا 
يختل النظام ويشتد الزحام. وحتى لا تضيق بهم المدينة» وكذلك يلزم 
زائرو المدينة الخروج بعد ثمانية أيام ليفسحوا لغيرهم فلا يجتمع فيها 

إلا وفود ثمانية أيام طول الموسم . 

]١765٠١[‏ والناس في إقامتهم بمكة.ء وسيرهم إلى منى وعرفات 
وسفرهم إلى جدة والمدينة يرتحلون بالليل والنهار آمنين مطمئنين لا 
يخافون على نفس ولا مال» ويظفرون بطمأنينة لا يظفرون بمثلها في 
البلاد الأخرى» ولا يغلو في الحق من يقول: إن الأمن في بلاد الحجاز 
اليوم لا يظفر به إنسان في غيره من بلاد العالم» فإذا خرج الرجل الفرد 
يملأ جيوبه الذهب يقطع الطريق بين مكة والمدينة نهاراً وليل ليس معه 
رفيق ولا حارس لم يخش على نفسه ولا مالهء» وأحاط به الأمن في 
يقظته ونومه وليله ونهاره؛ أمر لم نسمع به ولا نسمع به اليوم في قطر 
من أقطار العالم المتمدن أو المتوحش . 

[151] وقد حدثني أحد الحجاج ‏ ونحن بمكة ‏ أنه ذهب إلى 
المدينة في رفقة فوقعت منه حقيبة في الطريق ولم يشعروا بها وتعطلت 
السيارة في الطريق يوما أو يومين» فلما بلغوا المدينة افتقدوا الحقيبة 
فأخبروا الشرطة فردتها إليهم بعد قليل» وأخبرت أن حاجاً آخر كان 
يطوف بالكعبة فسقطت منه ساعة فذهب إلى الشرطة فردوها إليه. 
وأعرف أن طالباً من طلبة الجامعة سقطت منه ورقة بنك قيمتها جنيه في 


المختار من الرحلات الحجازية 





سوق مكة ولم يفتقدها إلا بعد أن رجع إلى المدرسة السعودية التي كنا 
ننزل بهاء فلما رجع إلى السوق وجدها حيث سقطت أمام الدكان الذي 


كان يشتري منه . 


]١01[‏ وقد تواترت الأقوال في أمثال هذه الحوادث حتى لم يبق 
مكان للشك فيهاء وحتى اطمأن الناس فتركوا أمتعتهم الثقيلة في 
مساكنهم ليرجعوا إليها بعد قضاء مناسكهم ولم يجدوا حاجة إلى 
أخذها معهم» فنحن تركنا بعض متاعنا في جدة أمام الفندق المصري 
فأرسل إلينا في أيام مختلفة لم نفقد منه شيئاً» وقد تأخر متاع بعض 
الطلبة كثيراً فقلق؛ فقلت له: ستأتي حقائبك لا محالة فإن شيئاً لا 
يضيع في هذه البلاد» وكان يسكن إلى قولي حيناً ثم يعتاده القلب حتى 
جاءت أمتعته كاملة . 


]١20[‏ وأخبرنى مخبر عن رجل من الذين ذهبوا إلى الحجاز أنه 
كان فى سيارة ضاقت بأمتعة الراكبين فأخذوا حقيبة عليها اسم صاحبها 
وتركوها في الطريق عمداً ليتحققوا ثم طلبوها حينما بلغوا غايتهم 

فردت إليهم . 

]١705[‏ والمسافة بين مكة والمدينة زهاء 60٠٠‏ كيلو كانت تقطع 
في أربعة عشر يوماًء وقد قطعها ركب المحمل المصري سنة ١1١١8‏ 
من الهجرة في ١١60‏ ساعة وخمسين دقيقة في أربعة عشر د يوماًء 
وتقطعها السيارات الكبيرة اليوم في أربع عشرة ساعة. ولكن المسافرين 
يحتاجون إلى الراحة مرات على الطريق فيبيتون ليلة في بعض 


الحج 





0 - 
المراحل» والطريق كله غير معبد» وفيه مسافة قصيرة رملية تسوخ فيها 
السيارات إن لم يحذر السائق. 

وقد خرجنا من جدة إلى المدينة بعد المغرب فبلغنا رابغاً بعد سبع 
ساعات وبتنا بهاء ثم استأنفنا السير ضحى آملين أن نبلغ المدينة في 
نهارنا ولكن ساخت بعض السيارات في الطريق فآثرنا أن نبيت في 
مكان اسمه أبيار بني حصان». وخرجنا منها ضحى فبلغنا المديئة بعد 
العصرء ولكنا في رجوعنا إلى جدة خرجنا من المدينة ضحى فبلغنا 
رابغاً وقت العشاء بعد أن استرحنا في الطريق ساعتين ونصفاً في ثلاث 
مواضع» وبتنا في رابغ وتركناها ضحى فبلغنا جدة ظهراً بعد سير 
خمس ساعات. فكان سيرنا من المدينة إلى جدة ثلاث عشرة ساعة 
ونصفاء وإذا أضاع الطريق سهل أن تقطع المسافة كلها فى عشر 
ساعات» وأمكن الراكب المتعجل أن يقطعها في ثمانيى ساعات أو 
557 وما اتر نت هذا عنقا سيره 

]١706[‏ ولست أقول إن وسائل الحج بلغت من اليسر والنظام 
الغاية التي نرجوها؛ ولا أزعم أن الحرمين الشريفين والحجاز في 
الحال التي يتمناها مفكرو المسلمين؛ فلا يزال المسلمون يرجون 
للحجاز نظاماً وعمراناً لا يذكر معه ما يسره الله في السنين الأخيرة من 
الوصلاح والتنظيم» لا يزال مفكرو المسلمين يطمعون في أن يروا في. 
الحجاز آثار التعاون الإسلاميّ؛ وبذل المال في سبيل الله حتى تكون 
أحوال الحجاز مكافئة لمكانته عند المسلمين» ومصورة عناية المسلمين 
به وتقديسهم إياه. 


المختار من الرحلات الحجازية 





]١151[‏ لا يزال المسلمون يتمنون أن يروا الحجاز آخذاً من ثروة 
المسلمين وعلومهم وفنونهم ما تأخذه الأماكن المقدسة الأخرى من 


[/1701] وما أسعد المسلم الغيور على دينه المعني بإقامة شعاره 
يوم يذهب إلى الحجاز فيرى الطرق ممهدة بين جدة ومكة فمنى 
فعرفات» وبين جدة فالمدينة» ويرى في طريق المدينة فنادق يأوي 
إليها فيجد راحته وطعامه وشرابه كما يشتهيى. ويجد مواضع للوضوء 
والصلاة تمكنه من إقامة الشعيرة على خير الوجوهء ما أسعده يوم يجد 
فى منى وعرفات مواضع للطهارة والصلاة ميسرة على وجه يليق بهذه 
البقاع المطهرة . 


]١54[‏ إن المسلمين يضربون اليوم خيامهم في منى وعرفات في 
أمن وسلام ونظامء ولكن هذه الخيام المتفرقة تقسمهم فلا يجتمعون 
إلا قليلاً» فما أجمل أن يهيأ في منى وفي عرفات مكان واسع جامع 
يسع الناس جميعاً في صعيد واحد يرى بعضهم بعضاً فيشعر المسلم 
بالجماعة الإسلامية متمثلة والأخوة الإسلامية مصورة» فإذا استمع 
هؤلاء جميعاً إلى خطيب أو واعظ أو داع يتكلم فى مجهر فيُسمعهم معا 
ويعظهم معاً ويدعو فيؤمنون بصوت واحد ويرفعون أيديهم جملة 
واحدة» كان في هذا من الجمال والروعة ما لا ينساه المسلم على مر 
الزمان وبقيت هذه الصورة فى نفسه حيثما سار تذكره بالأخوة 
الإسلامية. 0 


الحج 





 0115( 
وهل أغلو إذا قلت: إن من المسلمين من يرجو أن يكون في منى‎ 
مدرج ينحت في الجبل يسع مئات الاللاف من الحجاج 508 إذا‎ 
شاءوا ويتفرقون في سكون وطمأنينة وسلام في وقت قليل وحركة‎ 
يسيرة كما تفعل الأمم الأخرى في مجامعها التي تضم آلافاً كثيرة؟‎ 

]١754[‏ ولماذا لا يكون للأمم الإسلامية بيت في مكة أو المدينة 
يجتمع فيه بعل موسم الحج ‏ مثلاً ‏ ممثلو هذه الأمم ليتشاوروا فيما 
بينهم ويداولوا الآراء فيما يصلح المسلمين ويرفع أخلاقهم ويسعدهم 
بين الأمم؟ 

]١5١[‏ ولماذا لا يبذل المسلمون من أموالاهم وأفكارهم لإنشاء 
المدارس والملاجىء والمستشفيات فى الحجازء وفى إنشاء المكاتب 
ونشر الكتب الإسلامية والمجلات تبحث الأمور الإسلامية المشتركة 
وتقصد إلى التقريب بين التربية الإسلامية والثقافة الإسلامية في العالم 
الإسلامى جهد الطاقة» إن الحجاز ينبغى أن يكون ملتقى الثقافات 
الإسلامية. ١‏ 

]١71[‏ ثم يرجو كل مسلم أن يصلح المسعى بين الصفا والمروة 
فيفصل من السوق والطريق ويجعل على شاكلة تشعر الساعي أنه في 
عبادة ينبغي أن تفرغ لها نفسه» ويتم لها توجهه. 

وما أحوج الحرمين في مكة والمدينة إلى أن تزحزح عنهما الأبنية 
المجاورة ويدور بهما مَهْيَع واسع"'' يظلله الشجر. 


)١(‏ أي طريق واسع يحيط بهما. 





0 0- 


[17] وهناك بعد هذا إصلاح مذبح منى وحفظ لحوم الأضاحي 
وجلودها لينتفع بها أو بأثمانها الفقراء طوال العام . 


]١777[‏ ثم تعبئة ماء زمزم في أوان ترسل إلى الأقطار الإسلامية 
وقد أثبت البحث أنه ماء نافع مريء فضلاً عما له في نفوس المسلمين 
من حرمة. ثم إضاءة مكة والمدينة. وسوق الماء إلى دورهما 
ومساجدهما». وأمور غير هذه كثيرة. 


]١77[‏ هذا كله جدير بعناية المسلمين وتعاونهم وبذلهم من 
أموالهم وأفكارهم وأعمالهم. ولن يؤدوا واجبهم ويعربوا عن اهتمامهم 
بدينهم ويبرءوا من التة لتقصير حتى يحققوا هذا كله بل أكثر منه . 


]١74[‏ وقد تحقق الشرط الأول لكل إصلاح وهو الأمن الشامل 
والطمأنينة العامة يسرهما الله للحكومة السعودية واستحقت بهما مثوبة 
الله وشكر المسلمين كافة» فعلى المسلمين جميعاً أن يتقدموا فيتعاونوا 
جميعاً على خطة معينة خالصة لوجه الله يعالجون بها من أمور الحجاز 
ما يجعله صورة لحضارة المسلمين وتآلفهم وتعاونهم . 


[57!] ومن أولى من المسلمين بالتعاون والتأخي ودينهم دين 
الأخوة العامة والتعاون على البر والتقوى» والله يهيىء للمسلمين من 
أمرهم رشداً ويوفق للخير حكومات الإسلام عامة والحكومة المصرية 
خاصة وهي التي حملت النصيب الأوفر في أمور الحجاز منذ قرون 
كثيرة». والشق يؤمل المسلمون فيها خيراً كثيراً فى رعاية جلالة الملك 
الصالح «فاروق الأول» حفظه الله . 





الحج 





- 
فبلغنا رابغاً بعد ثلاث عشرة ساعة» وقد استرحنا على الطريق 
ثلاث ساعات وعشرين دقيقة في ثلاث منازل» فكان مسيرنا بين المدينة 
ورابغ زهاء عشر ساعات . 
واستأنفنا السير ضحوة الغد فبلغنا جدة بعد خمس عشرة ساعة»ء 
وكان توقفنا على الطريق ساعة في منزلين» فكان مسيرنا من طيبة إلى 
جدة أربع عشرة ساعةء والمسافة بينهما نحو خمسمائة كيلو تقطعها 
السيارات بالسير الوسط في عشر ساعات» ويستطيع المتعجل أن 
يطويها في ثماني ساعات أو سبع» فماذا يشكو المسافر من سفر يقدره 
بالعامات لا الآيام والتهور تم لا يمه فيه لما ولا جوع ولا حررولا 


غ)) 600 
در ولا خوف؟ 


(0*) مجلة «الرسالة». العدد "785 غ» الستة ك2 ذو القعدة» سنة لاه ١7‏ . 


حديث الحج في المديئة المنورة 








المقالة الثالثة 
حديث الحج في المدينة المنورة 


للدكتور عبدالوهاب عزام 


فصلنا من جدة مغرب الثلائاء خامس عشر ذي الحجة. متوجهين 
تلقاء المدينة» وهي مسافة تقطها قوافل الإبل فى ١5‏ يوماً» وبعد مسير 
سبع ساعات في طريق سهلة على مقربة من البحر بلغنا رابغاً» وهي 
قرية ذات نخل على مسير ساعة من البحر للراجل» تجتمع فيها طرق 
بين جدة ومكة والمدينة» وإذا حاذاها الحجاج القادمون من الشمال في 
البحر الأحمر أحرموا للحج» وليست هي ميقات للإحرام ولكن 
الميقات الجحفة على عشرة أميال إلى الجنوب منها. 


واستأنفنا المسير ضحى الخميس آملين أن نبلغ طيبة عشية اليوم 
ولكن الرمال عوّقت بعض السيارات فبتنا في أبيار بني حصانء ثم 
غدونا سائرين ونزلنا بالمسيجيد بعد ثلاث ساعات» واستأنفنا السير 
حتى العصر فلاح لنا النخل أخضر يانعاً يبشر باقتراب الغاية؛ ونزلنا آبار 
علي وهي ذو الحليفة ميقات أهل المدينة» ومنه أحرم النبي كَةِ لحجة 
الوداع» ثم سرنا فلاحت لنا بعد قليل المدينة المنورة تتوجها القبة 
الخضراءء كأنما تباهي على صغرها السماءء أهذه نضرة الإيمان في 


المختار من الرحلات الحجازية 





0 - 


هذه البقعة. أم ازدهار الأمال فى هذه الساحة؟؛ أم كما قال عاكف 
اليه واحة نزلت من السماء لتأوي إليها الأرواح المتحرقة فى 
السبداء؟ 


]١1717[‏ ودخلنا المدينة من الباب الشامي حيث محطة سكة 
الحديد الحجازية» وحططنا رحالنا في المدرسة السعودية وقد أعدت 
لنزولناء ثم سارعنا نتأهب للموقف الجليل» للساعة التي تعرج فيها 
الروح من الأرض إلى السماءء ذلكم المسجد النبوي في بهجة النور 
والإيمان» يدرّي بالمصلين والداعين والقارئين؛ ولكن الواقف إزاء 
الحجرة النبوية لا يرى من هذا الجمع أحداً ولا يحس من هذا الدوي 
همسأًء لا يرى إلا هذا الجلال ولا يسمع إلا هذا الوحيء وإنما هي 
وقفة يَمَحي فيها الزمان والمكان فيتصل الأزل بالأبد والسماء بالأرض . 


يالك بقعة صغيرة لا يدرك العقل مداهاء ولا يبلغ الفكر منتهاها! 
يا لك حجرة يظل الفكر مسافراً في أرجائهاء محلّقاً في أجوائهاء 
فيتطوّف في أرجاء التاريخ ويحلق في أقطار السماء والأرض؛ وكأنما 
طوي الزمان ورُويت الأرضء واجتمعت الإنسانية» وحشر البر والحق 
وكل خلق طيب في هذا الضريح. يالك بقعة كالكوكب المضيء تناله 
الأعين في لمحة وتحيط أشعته بالعوالم العظيمة! يالك بقعة كمنبع 
النهر العظيم» متدفق بالحياة» فياض بالبركة» مذاد: بالخير»ء يحيى 
الأجيال بعد الأجيال . 


000 الشاعر التركي المعروف. 


حديث الحج في المدينة المنورة 





ف 


يا حيرة الوصف. وعجمة البيان! أهى عنوان كتاب انطوى على 
الحق والصدق. والخير والبرء والإحسان والمرحمة» يقرأه القارىء 
جملة ثم لا يزال تروعه منه الصفحة بعد الصفحة؟ أم هي تاريخ لا يزال 
الدهر يكتب صفحاته وإنما أوله وحى الله وآخره غيب الله؟ 


]١74[‏ أترى هؤلاء المصلين لا يفترون» وهؤلاء المرتلين 
القرآن لا يصمتونء. وهؤلاء الداعين لا ينقطعون» أتسمع هذا الآذان 
وهذا السلام وما يحدث به المسلم أخاهء وما يفضي به في علانيته 
ونجواه؟ ليس فيما ترى إلا أناسيّ هداهم محمدء وأفعال علمها 
محمد وكلمات أملاها محمد؛ بل كل صوت يرتفع إلى الله في أقطار 
الإسلام» وكل عبارة في وضح النهار أو جنح الظلام» وكل لسان يدعو 
إلى الخيرء وكل يد تمتد بالبر» وكل كلمة حق ودعوة صدقء» وكل نية 
محمودة وسعي مشكورءه فهنا منبعه» ومن هذه البقعة وحيه؛ بل كل 
نزعة في المسلمين إلى سؤدد. وكل شرع نافذ بالعدل. وكل دعوة إلى 
حرية وثورة على ظلم» وانتصار للحق» وتمرد على الباطل» كل أولئك 
شعاع من هذا النورء أو قطرة من هذا اليتبوع . ظ 

ولست تتمثل هنا مجداً ولا سلطاناً ولا سؤدداً ولا علواً إلا تمثلته 
تواضعاً للحق.وبراً بالخلق» ورأيته سؤدد المساكين.» وسلطان 
المستضعفين» السلطان الذي يجمع الناس على شريعة من العدل 
والمرحمة والمودة والسلام. ظ 


مدع 


المختار من الرحلات الحجازية 





0 - 


موقف يتضاءل في جلاله كل جلال» ويصفو في جماله كل 
جمال» لمحات تطهر فيها النفس من أرجاسهاء وتبرأ من أهوائها. 
وتسمو على شهواتهاء وتخلص من أغلالهاء فتستمد الخير والحق 
والعلاء والتقوى والحب والسلام وتسّع السماء والأرض وكأنما تخلق 
خلقاً جديداًء وتفتح في أعمالها صفحات جديدة» خسر من لم يطهره 
هذا الموقف. وخاب من لم ترفع نفسه هذه الساعة» هنا النفس 
المطهرة» هنا محمد بن عبدالله» هنا رسول الله» هنا خاتم النبيين» ثم 
هنا اثنان من صحبه وخلفائه : أبو بكر وعمر. 


(185] اله البوي فى تنكل السباغر يناه السلطان 
عبدالمجيد العثماني, استغرقت عمارته ١١”‏ سنة بين سنة ١١10‏ وسنة 
0 ولم تبق من الأبنية القديمة إلا قليلاً؛ وهو جميل المنظر حسن 
الهندسة في سقفه قباب صغيرة منيرة مزينة تحملها عمد متقاربة صبغت 
لوناً أحمر وزينت بالتذهيب . 


[1770] كان المسجد حين بناه الرسول سبعين ذراعاً في ستين» 
وجدرانه من اللبن وسقفه من الجريد وعمده جذوع النخل» ثم وسعه 
الرسول فجعله مائة ذراع في مثلهاء ثم توالى التوسيع والتعمير في أيام 
الخلفاء الراشدين فمن بعدهم حتى انتهى إلى شكله الحاضرء ولكن 
حدود المسجد القديمة معلمة بالعمد كما حددت الروضة النبوية بين 
القبر والمنبر. 


حديث الحج في المديئة المنورة 





00 - 
ولا ينظر الإنسان نظرة في هذا المسجد المبارك إلا وقعت على 
ذكرى كريمة من رسول الله وأصحابه» فهناك سارية عائشة» وسارية أبي 
لبابة الصحابيّ التي ربط نفسه بهاء وآلى ألا يبرح حتى يتوب الله 
007 وخواخة 5 0 

وحول المسجد مواقع الدور التاريخية : دار أبي بكرء ودار عثمان 
وغيرهما. 

]١77[‏ وفي المدينة مشاهد كثيرة عظيمة لا يتسع المقام 
لتعدادهاء وحسبي أن أذكر ما شهدت في يوم واحد يوم الثلاثاء الثاني 
والعشرين من ذي الحجة: خرجنا إلى جبل أحد وهو شمالي المدينة 
قريب منها فمررنا بجبل سلع» وسرنا حتى شهدنا مكان موقعة أحد. 
ورأينا قبر حمزة أسد الله رابضاً في العراء» وعلى مقربة منه جدار يحيط 
بمدفن شهداء أحد ‏ رضي الله عنهم -. 

وفي اليوم نفسه توجهنا شطر الجنوب إلى مسجد قباءء وهو أول 
مسجد أسس في الإسلام» بناه الرسول ككِ حينما هاجر من مكة فنزل 
في قباء على مقربة من المدينة في بني عمرو بن عوف» وهو المسجد 


الذي ذكر فى القرآن: 
عرس يي َ سس ص بدح ل 0 ا 2 5 
« لَمَسَحِدَ أينِس 1 لتقو مِنْ أولء يوم أَحق أن تَهُوم فِيهُ فِيهِ رِجَال 


() وذلك حين استشاره بلو فريظة في أمرهم فأشار إلى حلقه إشارة إلى الذبح 
والقتل» فظن أنه خان الله ورسوله. 
(؟) الخوخة: الباب الصغير في الباب الكبير. 





ا وأ و و حب أل طَآةَ ربح 2374 . 


ل 
فيه البساطة والنظافة» وقد توالى عليه التعمير حتى انتهى إلى بنائه 
الحاضرء وفي صحن المسجد مكان يقال إنه مبرك ناقة الرسول 
صلوات الله عليه» وقد قرأت عليه بيتين باللغة التركية . 


غزير صافء دهي ني سقط فيا خانم الي من يد عنما بن عفن 
رن رات عا ال ستيان بطري ف رح الها لسر ار 
فيتدلى الغرب”'' حتى يمتلىء ثم ترجع البئر حتى يرتفع الغرب» فإذا 
عل" الحوض جذبته الحبال فينتصب ماؤه فى الحوض» فمسير الدابة أو 
السانية في طريق مستقيم ذهاباً وجيئة . 

]١777[‏ والمدينة جيدة الهواء فى الصيف معتدلة فى الشتاءء 
وأرقنها خضية .وابارها هويرة وينائهها: كثرةه بوفيها التخل. والكرم 
والرمان والبرتقال والخوخ والموز والبطيخ وفواكه أخرى» وتمرها 
101000 وأصنافه لا تعد. 


31 ]| ولكن الأرض فى وقتنا هذا ليست مستغلة كل الاستغلال» 


.٠١١4 سورة التوبة: آية‎ )١( 


حديث الحج في المدينة المنورة 





ولا تفي بيحاجات أهلهاء ويعيسشس كثير منهم على التجارة» ويعوال 
فقراؤهم على جدوى المسلمين. 


ويظهر على دور المدينة وساحاتها الفقرء وفي ذمة المسلمين أن 
يبروا جيران رسول الله» وأن يعمروا دار رسول الله» عليهم أن يغدقوا 
الخيرات» ويمدوا أيديهم للأعمال الدائمة المنظمة من بناء 
المستشفيات والملاجىء والمصانع والمدارس» وظني أنه إذا استثمرت 
أموال المسلمين في أرض المدينة وغلاتهاء زادت خيراتها أضعافاً 
مضاعفة» ووفت بحاجات سكانها أو كادت. 


]١76[‏ إن الحرم المدني والمدينة كلها أهلها ودورها 
ومساجدها وطرقها وساحاتهاء كل أولئك يدعو المسلمين إلى التعاون 
على الخير والاجتماع على العمل الصالح الذي يجعل طيبة بلداً معموراً 
آهلاء منسق الدور والطرق» وميسر الطعام والشراب» موفور وسائل 
الصحة والعمل الصالح الذي يجعلها مباءة علم يؤمها بعض الطلاب من 
أرجاء الأقطار الإسلامية لتؤلف بينهم الثقافة الإسلامية المشتركة؛ أو 
تحفزهم إلى خير الإسلام والمسلمين الاراء المتداولة» ويدرسوا تاريخ 
الإسلام في مواقعه. 


وليت المدينة تصير مقصد المسلمين من أقطار الأرض يفرون 
إليها في الحين بعد الحين ليجدوا سلام أنفسهم وطمأنينة قلوبهم 
وصحة أبدانهمء فيذهب إليها أغنياؤهم وأمراؤهم كلما ملكوا الفرصة 
للاستراحة قليلاً من ضوضاء الحياة ومفاسدها. 


المختار من الرحلات الحجازية 





[117] لن يبر المسلمون دينهم ورسولهم وأنفسهم حتى تسخو 
أيديهم بالمال وتجتمع عقولهم وأعمالهم على الإصلاح» والله يهيء 
لهم من أمرهم رشداً ويهديهم للتي هي أقوم ''. 


.١١6ا/ مجلة «الرسالة» : العدد 2.78/8 السنة /ا» ذو القعدة» سنة‎ )١( 


من ذكريات الحج ١‏ 





المقالة الرابعة 


من ذكريات الحج 


بقلم الأستان عبدالقدوس الأنصاري17) 


لابد أن كثيرين ممن حظوا بالحج كانت لهم ذكريات عن الحياة 
في تلك الأيام الحافلة» وقد كانت لي في الحجات التي حججتها أو 
في بعضها على الأقل ذكريات لا تزال تلمع في الذهن حتى الآن برغم 
أن بعضها قديم» وبرغم أن بعضها كان شبه عادي حين حدث ولكنه 
أصبح فيما بعد شيئاً يلفت النظر وكأنه أمر لم يكن بالعادي البسيط»ء 
فمن ذكريات الحج : 
55 


أننا كنا قد أزمعنا الحج» وكنت إذ ذاك في طور المراهقة» وقمنا 
من المدينة المنورة ممتطين «القافلة». قافلة الجمال ذات «الشقادف 


)١(‏ عبدالقدوس بن القاسم الأنصاري. الأديب المؤرخ الصحفي» ولد في المدينة 
المنورة سنة »١1775‏ ودرس في حرمها الشريف» وعين في ديوان الإمارة وأستاذاً 
للأدب العربي في مدرسة العلوم الشرعية بها بالمدينة المنورة» وتولى رئاسة 
تحرير جريدة أم القرى الرسمية في مكة عام 21709 وأنشأ مجلة المنهل ورأس 
تحريرها» وتقلب في المناصب» وله مصنفات عديدة. توفى رحمه الله تعالى ‏ 
سنة .١507‏ انظر "تتمة الأعلام» : 1/1" . ١‏ 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 0ه 


والشبريات»» وكان منظر «الشقادف والشبريات» يبدو شائقاً أمامي. 
ودخلت في شقّْدف من هذه الشقادف التى هي أشبه بصغار الأكواخ 

يقة استعمال «السلم» القصير بعد أن وقف الجملء فإذا به يتحرك 
حركة خفيفة هينة إلى الأمام» وإذا بالشقدف له صرير لطيف كلما 
تحركت مناسم الجمل الذي يحملهء وأعجبني الصرير أو الأطيط. 
وأعجبتني حركة الجمل الرتيبة الهادئة فزال مني الخوف والقلق اللذان 
كنت أشعر بهما إبان امتطائي لهذا المخلوق العجيب . 


]١1/1[‏ كل هذا شيء عادي» إنما الذي لا أزال أتذكره حتى 
الآن أنني كنت إذا قمنا من «محطة» بعد الظهر يقلقني هذا البطء في 
«القافلة» وكنت أنظر من خلفي دائماً لأرى محطتنا التي قمنا منها بعد 
ساعات قريبة منا وكأننا لم نكد نتحرك منها منذ ساعات» وكنت أسخط 
في قرارة نفسي من هذا البطءء وأقول في نفسي: متى يتغير هذا 
الحال؟ وكيف؟ وكان طريق الجواب مسدوداًء وتنفست الصعداء 
وحمدت الله حين أقبل علينا عهد السيارة» فأراحتنا من ثقل «قافلة 
الجمال» وبطئها الكارب وسلالمها المهزوزة وصريرها وأطيطها 
المستديم . 


ت١‎ 


ومن ذكريات الحج التي لا تمحى من صفحة الذهن أنني كنت في 
بار ولما وصلنا أرض عرفة ليلا آثرت أن نكون في جانب ناءٍ عن 


من ذكريات الحج 





الخيام المتلاصقة» نشم فيه نسيم الأرض الطاهرة طلقا عبقأ» بعيدين 
عن أماكن الزحام والضجيج. وبحثت بالسيارة «اللوري» عن هذا 
المكان المرتقب المنشود فبرز لى تل أبيض ناعم في الجانب الجنوبي 
من أرض عرفة» فصعدنا إليه بسيارتنا ونصبنا خيامنا فوقه» وقلنا: نعم 
ندية منعشة أيقظتني من المنام فتوضأت وصليت الصبح وقل أرسل 
الفجر الصادق خيوطه البيض إلى كل الأفاق» فرأيت أن أقوم بشيء من 
رياضة السير على الأقدام. وكانت هذه عادتى ودذهبت بى العادة 
المتأصلة إلى انتحاء الناحية الخالية من الناس والخيام فتوغلت قليلاً في 
البر بأرض عرفة نفسها ‏ من الناحية الجنوبية - وصعدت كثيباً رملياً 
ناعماٌء وهبطت منه إلى واد غير عميق» وفى هذا الوادي دي الأرض 
الرملية الناعمة راعنى أن وقفت على رجل أشيب» قصير أسمرء مفتول 
العضلات » عظيم الرقبة. حأسر الرأس» متسربلا بإزار «فوطة». 
وأقبلت عليه ووقفت فوق رأسهء وسلمت عليه. ولكنه كان أشغل من 
أن يرد على سلامآء وأعظم من أن يوجه إلي كلاماء إنه مقبل في 
عمليته بكل جد وانهماك واهتمام. لا يكاد يسمع ١‏ ولا يعي وكأنه آلة 
(أوتوماتيكية» متحركة حركة آلة سريعة رتيبة» وكان بجانبه عكمة 
«بقجة17(0) كبيرة عدا فملسوءة بكل غال ونفيس.» من ذهب 
ومصوغات» من زمرد وماس». وفاخر اللباس. وكان قد احتفر في ذلك 
الوادي النائي عن العيون حفرة كبيرة وكان مقبلاً على ملئها بهذه ‏ 


)010( صرة. 





0ه 


الذخائر النفيسة الغالية بكليته» ولما رأيته بهذه الصورة وتبينت وجهه 
عرفت أنه أحد «الزرانيق» العتاة الموغلين في اللصوصية» فخاطبته في 
إنكار وبلهجة الآمر الناهي القاسية: حرام عليك يا شيخ! أنت حرامي - 
أي لص - ولكنه لم يصغ إلي ولم يكلف رقبته الغليظة عناء الالتفات 
إلي» فمضى في عمليته منهمكاً بكليته فيها لا يريه”'2 عنها حولاًء يرفع 
من العكمة التي بجانبه الذخائر والنفائس من النقود والجواهر وغالي 
الملابس ويلقي بذلك في الحفرة التي صنعها من قبل أو من بعد لهذا 
الغرض الخبيث» ولما رأيته معرضاً عني ومستخفأ بي للغاية صرت 
ألتفت ذات اليمين وذات الشمال لعلى أجد أحداً من رجال الأمن العام 
ليقبض عليه متلبساً بجريمته» ولم يكلف نفسه ولا عنقه الغليظ الضخم 
مؤونة البحث أو الاستطلاع عما يفعله هذا الشخص الوحيد الذي جاءه 
على غفلة ولا يدري من أين سقط عليه؟ ولا كيف». ولا لماذا؟ ولما 
لاحظت إمعانه في غيه.» وخشيت أن يكمل عمليته الإجرامية قبل لقاء 
أحد رجال الأمن العام المنتشرين في عرفة ليلتئذ هرعت إلى ناحية 
الخيام النائية» ووفق الله فرأيت من بعيد فارسين من رجال الشرطة 
فصرت أناديهما بصراخ وحماس حتى سمعا ندائي فأقبلا على يهدبان 
بفرسيهماء وقصصت عليهما قصة «الزرنوقي» الأشيب المجرم من 
خلف الوادي الذي استكشفته يحاول إخفاء مسروقاته الثمينة العظيمة 
في مكان ناء عن الناس والأنظارء فقالا لي: تقدم وأرناهء فتقدمتهما 


9 لأيلتب: 


من ذكريات الحج 





0 - 
وأنا أهدب”''. حتى وقفنا على الرجل ذي العنق الضخم» والعضلات 
المفتولة وقد كاد يفرغ من عمليته الإجرامية» فنزلا من على فرسيهما 
وأقبلا عليه بحماسة» وألقى كل منهما القبض على كل يد من يديه. 
وكان أول ما فعلا به أن فتشاه فاستخرجا من حزامه «خنجراً) ذا حدين 
ضخماً لماعاًء أوثقاه الكتاف» واستخرجا كل ما كان في باطن الحفرة» 

وحملاه معهما. 


وفي الصباح المبكر شاهد الناس المستيقظون أربعة رجال يسيرون 
معاً بسرعة : أحدهم هو اللص ذو العنق الضخم ‏ موثق الكتاف ‏ واثنان 
هما رجال الشرطة اللذان كانا يقودان فرسيهما بنشاط وحمية ومعهم 
كاتب هذه السطورء وقد كنا متجهين صوب مخيم إدارة الأمن العام 
وقد بدأت الشمس ترسل خيوطها الذهبية على الأفق إذ ذاك» وكان 
تحقيقٌ وسؤال وجواب. وبعد ما انتهى كل شيء مضيت إلى سبيلي 
قرير الضمير»ء وقد حمدت الله تعالى ‏ كل الحمد على أن الرجل ذا 
الرقبة الغليظة والعضلات المفتولة والنظرات الباردة الصارمة لم يلق 
باله إلي» وإلا لكان ما لم يكن في الحسبان. 


وقد علمت فيما بعد أن اللص الضخم الرقبة المتغطرس الذي لا 
يأبه بكل ما يدور حوله قد لقى جزاءه العادل» وأن المسروقات الكبرى 


والصغرى قد أعيدت إلى ذويهاء وعادت إلى قواعدها سالمة . 


. أي أسرع‎ )١( 





- له 


-75- 


]!٠374[‏ ومن ذكريات الحج أنني قبيل انتشار السيارات وفي سنة 
5ه كنت حججت وصديقاً لى من ذوي المكانة في الأمن العام إذ 
ذاك. وقد كنا استأجرنا حمارين ضحمين سمينين لهذا الغرض من 
مكة . 


وفي الساعة الثامنة بالتوقيت العربي من يوم التروية - أي اليوم 
الثامن من شهر ذي الحجة 107١ه ‏ امتطينا حمارين بعد أن وضعنا 
عليينها لخي حئنا): اللذين. فنهما فر اقبنا ولناسنا ولوازتا مق :زاة وماءء 
وكنا محرمين وقد علق كل منا حقيبة نقوده على عاتقه» وكانت النقود 
إذ ذاك ريالات فضية وأجزاءهاء وهي لا تكاد تخفى على أنظار 
المطالعين إذ كان شيء غير يسير منها في حقيبة النقود التي اعتاد 
الحجاج حملها لتكون فيها النقود والمنديل والمفاتيح والمسواك وما 


ع 


أشبه . 


وحينما خرجنا من مكة وأقبلنا على طريق منى لاحظت أن بدويين 
ذوي عيون حادة نفاذة وحركات مريبة كانا يسيران على الأقدام أمامنا 
وغير بعيد مناء ولم يجذبا انتباهي كثيراً لأول مرة إلا إنني قد لاطفتهما 
على كل حال كشخصين أقرب الناس إليناء ولم يكن هناك زحام 
شديد» وكنت وصديقي مسرورين مغتبطين بحجنا مفردنا على هذه 
الطريقة البسيطة التي تمكننا من أداء مناسك الحج تماماً على مقتضى 
السنة المحمدية بدون التقيد بقافلة أو بسيارة أو بركاب آخرين» وكنا 


من ذكريات الحج 





-© 


نتحدث طول الطريق أحاديث ممتعة ونقص قصصاً ونتذكر ذكريات منها 
ذكريات المدينة المنورة أيام كنا نجتمع عنده في منزله تارة» وعندنا 
طوراً في منزلناء وعنده تارة في مقر عمله الرسمي بالباب المجيدي» 
وعندنا طوراً في مقر عملي بالنّقا فيما يعرف في المدينة باسم 
«العنبرية»» وأقبلنا ظامئين ‏ فقد كان الوقت صيفاً ‏ على مقهى». 
فانتحينا منه جانباً وطلبنا من صاحبه قلة ماء نطفىء به ظمأنا ونزيح ما 
علق بحلوقنا من غبار الطريق الذي زاد ولا شك من حدة الظمأ إذ 
جفف حلقينا بعض الشيء»؛ وما راعني إلا والشخصان اللذان كنت 
رمقتهما وهما أمامنا قريبان منا في سيرنا إلى هذه الناحية يجثمان في 
أحد الكراسي الملاصقة لنا وعيونهما مسمرة على حقيبتينا ولكنه تسمير 
دقيق عميق لا يزعجح» وجعلت نفسي غير مستيقظ لحركتهما ولا 
لعيونهما الزاحفة بسهامها النفاذة إلى حقيبتينا المملؤتين المنتفختين بما 
لذ وطاب» من ريالات ذات رنين جذاب إلى أن فجأتهما وهما يهمسان 
أو يتهامسان» وعيونهما لا تزال مسمرة على الحقيبتين» فهمست في 
أذن الصديق أن يناولني مسدسه الفارغ بطريقة خفية فقام بذلك في 
حركة هادئة مستترة» ولما وضعت المسدس الفارغ في يدي ناديت 
الرجلين الماكثين أمامنا بصرامة مسرحية» فانزعجا من هذه المفاجأة 
الغير منتظرة» ولما وقفا بعض الوقوف أمسكت بالمسدس الفارغ في 
يدي راخيآ لها وله وقلت لهما فى هدوء عميق: إننا من رجال الحكومة 
وإننا نعرف من هما بالحقيقة ولكن الدنيا حج» وعليهما أن يفارقانا إلى 
غير رجعة» وإلا فإن مصيرهما إلقاء القبض عليهما وسجنهماء وقالا : 


المختار من الرحلات الححجازية 





م 


سمعاً وطاعة؛ وهكذا كان» لقد كانا أشبه بفص ملح ذاب» كما يقول 
المثل العامي . ظ 

ومن عجائب المصادفات أن شيخاً كبيراً في السن كان جالساً قريباً 
منا وهو يسمع ما دار بيننا وبين الرجلين وقد رآهما وهما يختفيان» 
فهنأنا على التوفيق» وقال لنا: إنهما أخطر لصين في هذه المنطقة إذ 
ذاك . | 

هذه بعض ذكريات من الحج فيما سلف من الزمان» وكم للحج 
من ذكريات» وشتان ما بين أمس المرتبك الخطر حين كان لا يأمن 
المرء على نفسه ومتاعه وولده واليوم المليء بالطمأنينة والأمن 
والسل, 


.77  ”7؟ص‎ .١7ا/8 مجلة «قافلة الزيت»: العدد العاشرء ذو الحجة‎ )١( 


قبل خمسين عامأ كانت حجتي الأولى 





01 م 


المقالة الخامسة 


قبل خمسين عاماً كانت حجتي الأولى 


( 5 


( اعه‎  . 
بقلم: د. حسين مؤنس"''‎ 


كانت أول حجة أسعدني الله بها في سنة 1977م» وكانت جامعة 
القاهرة قد قررت إرسالي في بعثة دراسية إلى أوروبا وتقرر السفر في 
أوائل 01978 فرأيت أن أحج إلى بيت الله الحرام شكراً لله - تعالى - 
على واسع فضلهء فأفوز بأداء ذلك الفرض الجليل» وأقدم الشكر لله - 
سبحانه ‏ في الحرم الشريف . 

وكان الذي شجعنى على ذلك صديق لي كان يعمل معي في 
الجامعة» وكان قد قرر الحج في ذلك العامء» فقلت: أذهب معه 
واستأنس بصحبته فقد كان رجلاً متدينآ» وكان قد حج قبل ذلك مرةء 
وبالفعل اشترينا تذاكر السفر معاء وحصلنا على إجازة دخول الحجاز 
معء ويريد ربك أن هذا الرجل بعد أن قام بكل إجراءات الحج أصابه 
مرض أقعده عن الحج في ذلك العام» فكان علي أن أسافر وحدي . 


]١58٠١[‏ ولم يكن معي إذ ذاك إلا مائة جنيه كنت قد ادخرتهاء 


)000( مؤرخ مصري مشهور» وأديب» له عدة مصنفات نافعة» توفي في ١17‏ مارس سنة 
5 ١غ‏ رححمة الله تعالى . 





00 


وكانت كافية في تلك الأيام لكل مطالب الحج من نفقات سفر وإقامة 
وما لابد من أدائه من ضرائب قليلة كان لا بد من دفعها وكان السفر من 
ميناء السويس فذهبت إلى هناك بالسكة الحديدء ثم أخذت مركبأ 
حجازياً جميلاً كان اسمه «عرفات»»: وكان المركب بخارياً يتكون من 
طابقين وكله درجة واحدة» وأجرة السفر مع الإقامة على المركب أربعة 
أيام كانت فيما أذكر - عشرين جنيهاً. 

]171١[‏ وكنت أنام في هذا المركب في حجرة واسعة ومعي 
أربعة رجال من الصعيدء وما أظن أن هؤلاء الرجال كانوا ينامون إلا 
بعد الفجرء أما قبل ذلك فهم ‏ منذ العشاء الآخرة ‏ في تعبد وتهليل 
وقراءة القرآن» وكل ذلك بصوت عال لا تستطيع النوم معه» فكنت 
أقضي الليل معهم على طريقتهم» وننام بعد الفجر إلى الحادية عشرة 
صباحاً وكنا جميعاً بملابس الإحرام» وأذكر أن هؤلاء الصعايدة ‏ كانوا 
أقارب - كانوا يتناولون الطعام حوالي الظهرء ثم يقيمون الصلاة معاًء 
ويظلون بقية اليوم في تعبد وصلاة وسماع دروس إلى الفجرء وكانوا 
ناساً طيبين جداًء وقد أحببتهم لتدينهم ونظامهم»ء فقد كان لهم رئيس 
منهم يسمى الحاج رجب القناص» وكان رجلا محترماً جداء وكانوا 
يطيعون كل أوامره وكأنه القائد» فانضممت إليهم وأصبحت وكأني 
جندي في جيش الحاج رجب القناص» وكان هذا من حسن حظي؛ 
فقد كان هذا الرجل عارفاً بكل شؤون الحجاز والحج» وكان قد حج 
قبل ذلك لا أدري كم من المرات . 

]١٠787[‏ وكان المركب لا يقدم لنا إلا نوعين لا ثالث لهما من 


قبل خمسين عاماً كانت حجتي الأولى 





الطعام هما الفول والعدسء وكنا نأكل بشهية عظيمة» وفي آخر يوم من 
أيام الرحلة وقبل النزول في جدة بيوم قام رجل من أغنياء الحجاج 
بذبح أبقار وأغنام وإطعام أهل المركب جميعاً على نفقته تقرباً منه إلى 
الله - سبحانه -» وقد أكلت مع بقية الحجاج» أما الشيخ رجب القناص 
ورجاله فقد رفضوا الإصابة من الطعام وقال الحاج رجب: نحن 3 
نأكل طعاماً لا نعرف من أين أتى صاحبه بثمنه”"). وطبخ هو وأصحابه 
فولاً نابت كانوا قد أعدوه معهمء وأذكر أنني بعد أن أكلت اللحم والأرز 
والثريد الذي دعانا إليه الحاج الثري عدت إلى الغرفة فوجدت أصحابي 
يأكلون فولهم النابت فأكلت معهم بشهية عظيمة . 
مع خمسين ألفاً من الحجاج 
]١78[‏ ونزلنا في جدة» وكانت الإجراءات في تلك الأيام غاية 
في البساطة لا تزيد على الاطلاع على جواز السفر وأداء بعض 


الروبيات» وفي جدة أحسست أنني أعيش في بلد آمن منظم» فقد كانت 
تلك أيام الملك عبدالعزيز ‏ عليه ألف رحمة من الله ورضوانه -. 
[1784] وكنت قد انضممت إلى جماعة إخواني الصعايدة 
وأصبحت واحداً منهمء وكان علينا أن نقيم في جدة يوما قبل أن نرحل 
في اليوم التالي إلى مكة». وقد أخذنا الحاج رجب إلى بيت صاحب له 
من أهل جدةء وأذكر أن البلد كان إذ ذاك صغيراً جداًء ولكنه كان في 


)١(‏ الأصل في طعام المسلم مستور الحال أنه حلال وأنه يؤكل بدون سؤال عن 
مصدر ثمنه» لكن فعلهم هذا من باب الورع . 


المختار من الرحلات الحجازية 





0 40- 


غاية الجمال» وكان عدد الحجاج قليلاً» فما أظن أن عددنا إذ ذاك زاد 
على خمسين ألفاً أقبلوا من أركان الأرض الأربعة» وكلهم ناس مؤمنون 
طيبون لا يكفون عن التعبد والصلاة. 


]١138[‏ وكان الرجل الذي نزلنا في داره في جدة ونجناذ موسا 
سين 4 كان صديقاً للحاج رجبء. وقد استضافنا كلنا - نحن 
الخمسة أقصد ‏ ولم يتقاضاني أحد شيئاً مع أن الطعام الذي قدم لنا 
كان بالقياس إلى طعام المركب ‏ طعاماً ا وأرز ولحم 
كثيرء وقدموا لنا في آخر الطعام تمراً ما أظن أنني أكلت في حياتي 
أطيب منهء فقد كان تمراً شفافاً في غاية الحلاوة» ولا أذكر أنني 
خرجت من البيت مرة واحدة خلال اليوم الذي قضيناه في جدة» فقد 
كنت مجهداً جداً لأني لم أكن أنام بما فيه الكفاية على المركب». وكنا 
ننام كلنا في غرفة جميلة واسعة مفروشة بسجادة إيرانية كأنها الحريرء 
وأذكر أنني بعد أن تناولت طعام العشاء ‏ بعد الصلاة - وضعت جنبي 
على السجادة ورأسي على الوسادة ونمت حتى الفجر. 

]١1786[‏ وبعد صلاة الفجر انتشرنا فى نواحي جدة» وكان علينا 
أن نجتمع في الساعة التاسعة صباحاً لكي نأخذ حافلة إلى مكة. وكان 
ذلك هو اليوم السابع من ذي الحجةء ولم تتحرك الحافلة من جدة إلا 
حوالي العاشرة صباحاء وكانت حافلة هالكة كل ما فيها عتيق» وكان 
المفروؤض ألا يركبها إلا ثلاثون شخصاء ولكننا - فيما أظن - كنا 
خمسين» وقد ركبنا بعضنا فوق بعض كما يقولون» والرحلة التي كان 
ينبغي قطعها في ساعتين قطعناها في أربع ساعات بالإضافة إلى ساعتين 


قبل خمسين عام كانت حجتي الأولى 





- 9 


أخريين واحدة أنفقناها في صلاة الظهر والأكل من بعدهاء والثانية 
ألنقت: فى صلاة النصر ».وقد تمظلت الحافلة. .بعد .ضلاة العضير 
واضطررنا إلى دفعها بأيديناء والحاج رجب استعمل سلطانه فأبعد عن 
الحافلة نحو عشرين راكباً حتى تستطيع أن تتحركء وقد هلكنا في هذا 
الجزء من الرحلة فلم نصل إلى مكة إلا بعد صلاة المغرب بقليل . 


في مكة المكرمة 


]١١87[‏ ولا تتصور فرحة المسلم عندما يجد نفسه في مكة 
ويشعر أنه يستطيع أن يذهب إلى بيت الله الحرام» وكان الليل قد هبط 
ولكن كل شيء كان منيرا من حولي . 


[1717] وقد أنزلنا الحاج رجب عند مطوف يعرفه يسمى الحاج 
موسى الهزان» وكان بيته شيئاً بسيطاً جداً ولكنه كان في غاية الجمال 
وخفة الظل» فقد كان البيت كله دورين» وكانت عادة الرجل أن يخليه 
من أسرته عند موسم الحج حتى يستطيع استضافة أكبر عدد من 
الحجاج» وكنا في البيت حوالي عشرين أو واحد وعشرين حاجاً: أحد 
عشر في الدور الأرضي وعشرة في الدور الأول أي فوق الأرضيء. 
وكنت إذا دخلت من باب البيت وجدت نفسك في رحبة مبلطة ببلاط 
رخيص يغطيه حصيرء على اليمين حجرتان» وأخريان على اليسارء 
وكنت أنا والصعايدة الأربعة ورئيسهم الحاج رجب نقيم في حجرة 
واسعة على اليمين» وفي الحجرة الأخرى كان صاحب البيت 
وشيوخهء والحجرتان الأخريان فيهما خمسة حجاج ولكن إخواننا 





التق 
الصعايدة لم يكونوا الليل كله في الحجرة؛ لأنهم كانوا معظم اليوم في 
الحرم» فكانت الغرفة مريحة بعض الشيء» وكنت أستطيع أن أنام. 
ولا أدري متى كانوا يعودون. وكان الرجل - الحاج موسى الهزان - 
يطعمنا أشياء لا بأس بهاء ولكن معظم ما كان يقدمه كان الثريد مع 
قليل من اللحم» ولكن الرجل كان كريماً؛ فأذكر أننا كنا نملاً بطوننا 
مرتين في اليوم: في الغداء والعشاء» أما في الصباح فلم يكن لنا إلا 
طعام واحد هو الفول بالزيت» وكل ذلك - الإقامة والطعام - كانت 


وكان هذا الببيت قريباً جداً مم الحرم» وكان الجو معتدلاء وأظ: 
فريم من العخرم 
أننا كنا فى شهر ابريل فكنا نستطيع أن نجلس في حرم البيت في الصباح 
لنا طعام الغداء في صينية كبيرة من المعدن توضع على قطع من الجلد 
في ظل الحائط. فكنا نجلس في الظل» ولكن الجو مع ذلك كان 
ملتهباً» فكنا نتغدى ثم نلجأ إلى الغرف أو نخرج إلى الحرم . 


الطواف حول الكعبة 


]١784[‏ أذكر أنني قضيت أيام الحج في تلك المرة وكأنني في 
الجنة. كان كل شيء حولي فقيراً ولكنه كان جميلاً. وقد حججت بعد 
ذلك مرتين» واحدة منها كنا فيها في شبه مهرجانء تنقلنا سيارات 
فاخرة إلى كل مكان» والطعام يقدم لنا أشكالاً وألواناً؛ فقد كنا ضيوفاً 
ولكني لا أذكر أنني شعرت بمثل السعادة التي نعمت بها في حجتي 


قبل خمسين عاماً كانت حجتي الأولى 
الأولى سنة لا91١ء‏ وفى أول أمسية بعد الوصول مباشرة توضأت على 


عجل ثم خرجت أجري إلى الحرم في صحبة إخواني الصعايدة والحاج 
رجب القناص . 





]١74[‏ ولا أصور لك السعادة التي ملأت نفسي عندما وقفت 
عيني على الحرم أول مرة. لم يكن هناك شيء مما ترى اليوم» كانت 
هناك أعمال دائرة وقيل لنا إن جلالة الملك عبدالعزيز ‏ طيب الله ثراه - 
أمر بتجديد الحرمء وقد رأينا عمالاً يعملون» ولكن صحن الحرم - 
وهو الرحبة الواسعة حول الكعبة الشريفة - لم تكن حينما أذكر ربع ما 
هي عليه اليوم» وكانت الأروقة الباقية من العصر التركي كما هي اليوم 
وعليها القباب العثمانية الصغيرة» أما الكعبة فكانت بهية وجميلة 
وجليلة كما هي اليوم تغطيها الكسوة السوداء الجميلة من المخمل 
المحلى بآيات القرآن الكريمء وأظن أن منظر الكعبة سيظل بهذا 
الجمال الفريد في بابه إلى أن يطوي الله الأرض وما عليها . 

]١17[‏ وأذكر أنني مساء أول ليلة لي في مكة ‏ وكنت في ثياب 
الإحرام - توضأت وأسرعت إلى الكعبة» وهناك وقفت واجما أتأمل 
أجمل منظر في الدنياء وقد نبهني واحد من الحجاج أن علي أولاً أن 
أسعى بين الصفا والمروة» فذهبت خلفهء وكان المسعى ‏ إذ ذاك ‏ 
ضيقاً والناس يتزاحمون فيه» وكانت بين المسعى والحرم مسافة ومبان 
قطعتهاء ثم سعيت سبع مرات في غبطة بالغة» ثم جلست إلى الجانب 
أتأمل ألوف الناس الذين يتجمعون من أطراف الأرض ليقوموا بالحج. 
ثم شربت من ماء زمزم» ثم أسرعت إلى الحرم» وهناك صليت ركعتين 


المختار من الرحلات الحجازية 





شكراً لله ثم طفت بالبيت العتيق سبعاً وأنا ألبي وأكبر مع الناس وقد 
فاضت نفسي بالمسرة”'' . 

وبعد الطواف جلست تحت أحد الأروقة المحيطة بهذا الصحن 
الفسيح أتأمل الحرم والناس. وكان حولي ناس كثيرون معظمهم كان 
يقرأ القرآن الكريم» وأظن أنني ظللت في مكاني هذا حتى الثانية بعد 
منتصف الليل» ثم نهضت لأعود إلى البيت» وما كدت أخرج من 
الحرم حتى شعرت بالجوع فما كنت تعشيت» ورجعت إلى البيت 
فوجدت الحاج موسى الهزان يتحدث مع نفر من أصحابه فى رحبة 
اكه فحييت وجلست» فقال لي الرجل: لم تأت للعشاء؟ ! 

فتلفت حوله وقال: ليس لدينا لك طعام. . . 

بعد لحظة قال : انتظر . 

ثم نهض ودخل حجرتهء ثم عاد إلي بقطعة من الخبز الجاف 
وقال: 

- ليس لدي إلا هذه خذها فهى تنقذك من الموت جوعاً!! 
وأخذتها منه ودخلت الحجرة وجعلت آكلهاء وقد بدا لي أنها أطعم 
طعام أكلته. مما يدلك حقاً على أن الجوع خير طباخ ‏ كما يقولون - 


)١(‏ كان عليه أن يأتي بالطواف قبل السعي لا بعده. 


قبل خمسين عامأ كانت حجتي الأولى 





01 - 
إلى عرفات 

في اليوم التالي - وهو التاسع من ذي الحجة ‏ كان علينا أن نذهب 

من مكة إلى عرفة» والمسافة قصيرة ‏ 70 كيلوا متراً ‏ وكان هناك مَن 

لديهم سيارة» ومعظم الناس كانوا يركبون الرواحل من جمال وبغال 

وخيل وحميرء أما نحن فقد قادنا المطوف موسى الهزان كأنه قائد 

عسكري وذهبنا على أقدامناء وقد بدأنا الرحلة بعد الإفطار في الساعة 

الثامنة صباحاً وسرنا سيراً عسكرياً فوصلنا إلى عرفة في حوالي 
ساعتين» وقد نزلنا بنمرة واغتسلنا عندها . 


]١١1[‏ ثم ذهبنا إلى ميدان عرفة ووقفنا فى ظل جبل الرحمة» 
كان الناس هناك ألوفء وكلهم يهللون ويلبون» وقد صليت ركعتين 
شكراً لله بعد الاغتسال» ثم وقفت مع أصحابي مع الناس» واشتد علي 
حر الشمسء وكان مطوفنا الحاج موسى الهزان رجلاً رحيماً جداً بناء 
وكان يصر على أن نكون حوله جميعاً. 

[1؟9١٠١]‏ وسمعنا خطبة عرفات» وخطب ناس كثيرون» وكان 
الموقف كله سرور وتلبية وضجيج» ثم صلينا الظهر والعصر بإقامتين 
وكان الناس من حولى لا يكفون عن التلبية والبكاء والدعاءء كانوا 
يسألون الله الرحمة والمغفرة. 

وفي العصر قال لي الحاج موسى: أنت جوعان ولا شك. خذ 
هذا فكلهء وناولني رغيفاً فيه جبن» وكذلك فعل مع كل رفاقي من 
أتباعه . 


المختار من الرحلات الحجازية 





06 - 


]١9*[‏ وظللنا هناك حتى غربت الشمسء» وبدأ الناس في 
الإفاضة إلى مزدلفة» وقد أفاضوا في هدوء ونظام وإن كانوا لم يكفوا 
عن التهليل والتلبية والدعاء لحظة واحدة. 

]١9:[‏ وفي مزدلفة صلينا المغرب والعشاء بأذان واحد 
وإقامتين» وكان الزحام في مزدلفة شديداًء وقد أعطى الرجل كلا منا 
عشاءه: نفس الرغيف بالجبن وشيء من الماء» فأكلت وأظن أنني نمت 
قليلاً حتى أيقظنا الحاج موسى قبيل الفجرء ثم توضأنا وصلينا الفجر 
وانطلقنا مع الناس وسط زحام شديد إلى منى» ووصلنا إلى جمرة 
العقبة فرميناها بسبع حصيات» وكان الحاج موسى قد أعد لنا ذبيحة 
نهديها جماعة» فذهبنا إلى المنحرء وهناك قام هو بذبح الهدي ونحن 
نهلل ونكبر وندعو الله - سبحانه وتعالى -» ثم قصرنا شعرناء وكان 
الحاج موسى قد دبر لنا من يطبخ شيئاً من اللحم فأكلناء ثم مضينا إلى 
مكة وقمنا بطواف الإفاضة. كل ذلك بقيادة الحاجح موسى وتحت 
إشرافه» والحق أقول: إنني ما رأيت في حياتي مطوفا هو أحزم أو أكثر 
نظاماً ورحمة بالحجاج من هذا الرجل» فقد كان لطيفاً جداً معنا 
وحازماً في نفس الوقت . 

]١94[‏ ثم عدنا إلى منى» وهناك قضينا ثلاثة أيام التشريق وأذكر 
أنها كانت متعبة فعلاء فإن الناس كانوا كثيرين» وكانوا يتزاحمون 
ويدفع بعضهم بعضاًء ولكن الحاج موسى كان خير راع لناء فقد حفظ 
لنا مكاناً طيباً نجتمع فيه» وكان يقودنا بعد صلاة الظهر كل يوم لكي 
نرمي بقية الجمرات الثلاث: الصغرى والوسطى وجمرة العقبة» وكان 


قبل خمسين عاماً كانت حجتي الأولى 





- 0 


الرجل يتعهدنا بالطعام» حقاً إن الطعام كان قليلاً وجافاً بعض الشيء» 
فهو لا يخرج عن الخبز والجبن» ولكن الرجل يشكر على أي حال 
فقد عمل حسابنا كلناء وكان لا ينسى منا أحدا. 

وبعد أيام التشريق عدنا إلى مكة وطفنا بالكعبة» ثم سعيناء ثم 
عدنا إلى بيت الحاج موسى» ومع أن البيت كان كما قلت لكم ‏ فقيراً 
ومتقشفاً إلا أنه بدا لي بعدما عانيت في أيام التشريق كأنه قصر منيف». 
وقد اغتسلت أول ما عدت. وأذكر أن الرجل عمل لنا عشاء خاصاً لا 
أدري ما هو ولكنه كان لذيذاء فقد كان فيه طعم لحم وشيء من 
الحساء وثريد وأرز. 


]١١97[‏ بعث جديد للبلاد على يد الملك عبدالعزيز 


لنا بفضل نظامه وحزمه ورحمته» فقال لنا: تعبتم؟ 


فقال أحدنا: إي والله تعبنا! 


فقال: ولكنكم رأيتم أن الطريق معبد » فلم تعانوا لا في الذهاب 
أو العودة من حفر أو نفر أو صعوبات » إن الفضل في هذا يرجع إلى 
رجل واحد هو جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل 
سعود الذي أُنقذ الأراضى المقدسة يضمه الحجاز وقواعده الثلاث مكة 
والمدينة والطائف سنة 515*١ه )١950(‏ إلى مملكتهء ومن ذلك 
التاريخ أمنت البلاد المقدسة وعرفت الحكم الصالح والنظام, وقبل 





واللصوص يعتدون على الحجاج» ولا أصور لكم حزم هذا الرجل 
وملوكيته ومعرفته بشؤون الإسلام والعروبة والعدل والنظام» وقد رأيت 
أنا العصرين وأستطيع أن أحدثكم عنهما حديث العارف الواثق» ويكفي 
أن أذكر لكم أنه بعد أن ضم الحجاز دون حرب ترك رؤساء القبائل في 
مراكز السلطان بعد أن نبههم إلى ضرورة العدل والنظام» ولكنهم لم 
يطيعوا ما قال.» فجمعهم وقال: إنه ترك لهم الحرية ليتصرفوا تصرف 
حكام مسلمين يعرفون حقوق الإسلام» ولكنه تبين بعد ذلك أنهم ليسوا 
أهلاً لهذه المسؤولية» ثم قال: فليعرف كل واحد منكم أنني إذا 
وجدت فيكم من لا يصلح للحكم عزلته ووليت ابن عمه مكانه! وكانت 
هذه الكلمة كأنها نار اشتعلت في قلوب أولئك الناس؛ لأن الواحد 
منهم لم يكن يؤلمه شيء في الدنيا إلا أن يحل ابن عمه مكانه في 
عمله؛ فملكهم الرعب والخوف من ذلك التاريخ واعتدلوا وعرفوا 
الحق والعدل. 


ثم أضاف: هذه البلاد بعثت بعثاً جديداً على يد هذا الملك 
العظيم الذي عرفنا على يده الدين والعدل والنظام» وأدعو الله أن يطيل 


وبعد قليل قال لي: على فكرةء لا تنس أن تدفع لي جنيهين 
زيادة» هما نصيبك في ثمن الهدي الذي نحرناه يوم وصلنا منى » آنا 
أطالبك بهذا المبلغ لأن هديك لا يجوز طالما لم تشارك في ثمنه . 


قبل خمسين عامأ كانت حجتي الأولى 





51 - 
إلى مسجد رسول الله وَل 

[17217] أقمت بعد ذلك يومين في مكة» ثم خرجت في رحلة 
إلى المدينة المنورة كي أزور مسجد الرسول ‏ صلوات الله عليه - 
وأصلي فيه»ء وقد كانت رحلة المدينة المنورة طويلة ولكنها لم تكن 
متعبة» والحق أنها - حتى إذا كانت متعبة ‏ فإن قلب الإنسان ينير عندما 
تقع عينه على مسجد رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه كان في 
تلك الأيام لا يزال صغيراً لأن السعوديين لم يكونوا قد أدخلوا عليه 
المباني والتوسعات التي أضافوها فيما بعد. 

[/|| ولكن اليومين اللذين قضيتهما في المدينة كانا من أسعد 
أيام حياتي على الرغم مما عمله بعض الشيعة من اقتحام المسجد 
والتزاحم عند قبر الرسول كَل وهم. يبكون ويصيحون: يافاطمة! 
يافاطمة! وقد تعجبت من أمر أولئك الناس». ولكنهم على أي حال 
كانوا في حالهم ولا يكادون يحسون بأحد غيرهم . 

ومن المدينة المنورة عدت إلى جدة فوصلتها قبل موعد المركب 
العائد إلى السويس بيوم واحد قضيته في هذه البلدة الصغيرة الجميلة. 

]١799[‏ لم يكن معي أصحابي الصعايدة في المركب فقد خلفتهم 
في مكةء ولكني لا أصور لك سعادتي بهذه الحجة المتواضعة التي لم 
تكلفني ‏ أولاً عن آخر ‏ أكثر من ثمانين جنيها بما في ذلك أجرة السفر 
في الذهاب والوياب . 


]١٠١[‏ لقد حججت بعد ذلك مرتين - غير العمرات ‏ ولكن 








هذه كانت أحلى وأسعد حجة في حياتي» ويبدو أن البساطة وقلة عدد 
الحجاج ورفقائيى في الرحلة: الحاج رجب القناص ورفقاؤه من 
الصعايدة» ثم - بصفة خاصة ‏ الحاج موسى الهزان الذي لا أعتقد أنك 
تجد كثيرين من المطوفين في دينه وذمته وعقله وإخلاصهء هذه كلها 
كانك السب فى ذلك 7 


.١509 العدد 47» ذو الحجة سنة‎ 2.٠١ مجلة «الخرس الوطنى»: السنة‎ )١( 


عن الحج ( 





المقالة السادسة 
عن الحج 
بقلم الشيخ عثمان الصالح 


]١11051[‏ مهما أراد المؤرخون والباحثون أن يدونوا تاريخ المملكة 
العربية السعودية في وثبة الملك عبدالعزيز ‏ يرحمه الله - وعبقريته فلن 
يصلوا إلى حصر ذلك في كتاب جامع مانع؛ لأن تعداد النواحي 
الإصلاحية. وتنوع الأمور الإدارية أوسع من ذلك». وكذلك النظرات 
الفاحصة والقيادة الشجاعة الواعية التي لا يتسع لها التدوين وهي التي 
كونت دولة كانت مفككة. وكانت متفرقة» وكانت موزعة لا رابط 
بينهاء ولا جامع لهاء وكل قرية لها سورء وكل بلدة لها عا وكل 
منطقة لا تآلف بين سكانها. 

13 وفي ذلك الوقت ليس أقسى وأصعب من الذهاب إلى 
الحج حيث تعتبر تأدية مناسكه بسلام من المعجزات» ويصف آباؤنا 
الذاهبين للحج بقولهم: «صاحبه مفقود والقادم منه مولود»؛ لذلك لا 
يذهب الحجاج إلا قافلة مجتمعة في ذلك الزمان وتكون مدججة 
بسلاحهاء مهيأة بأدلائهاء مصحوبة بالمعرفين والكفلاء الذين يتولون 
الاتفاق مع قطاع الطريق في الجبال التي تحيط بمكة» وسلسلة الجبال 
التي يمرون بها في المفاوز ما بين مكة «ونجد؛ هذا الكفيل أو هذا 





المرافق أو المرافقون لهم ولغيرهم من القبائل متمركزة في الطريق 
وعان عفان شك رماايناررهاة :31 ادن غادر لاطا وزالالئية لي 141ز- 
حرسها الله - فهو غير آمن ولا يحكمه حاكم مكة المكرمة ولا سيما 
مضايق الجبال التي لا يمر بها أحد إلا ويدفع «إخاوة» أي ضريبة . 


]١1٠*[‏ وأذكر ولا أنسى أن القوافل كانت تذهب من منطقة 
القصيم ‏ والجبل «حائل» وسدير ‏ والشعيب «حريملاء وقراها» والمحمل 
اثادق» وقراها. . . ومن كل صوب من «نجد» على العموم لا يذهب أحد 
من هذه المناطق إلا مهيأ تهيئة دفاعية على قدر الإمكان» ولا سيما أن 
موارد المياه متباعدة والتروية منها صعبة؛ لأن التزاحم عليها يؤدي أحياناً 
إلى الخلاف وربما التقاتل؛ إذ أن هذه الموارد يكون ماؤها ضحلا أحياناً 
أو يكون عكراً فى أحيان أخرى. والمهم أن كل مجموعة من الحجاج 
أقلها العشرات وأكثرها المئات كل حاج معه سلاح» والسلاح هذا منه 
ما هو جيدء ومنه ما هو أقل من ذلكء» «الصمعاء» آنذاك من أقوى 
الأسلحة» وفي الليل يتناوب أفراد المجموعة على حراسة القافلة . 


]١40[‏ ومن الطرائف أن حارساً من الحراس ‏ أعرف اسمه من 
مدينة معروفة ‏ أراد أن يذهب لقضاء حاجتهء والليل مدلهم ولا نور 
ولا ضوء إلا نور النجوم في ليلة لا قمر فيها فقال لزوجته: خذي هذا 
السلاح واحرصي عليه حتى أعود. . . وغاب دقائق» ثم عاد إلى خيمته 
فقال: أين السلاحم؟ فقالت: أخذته منذ قليل . 


فقال: أبداً لم آخذه . 


عن الحج 





فقالت: لقد أخذتهء إذ بعد خروجك بدقائق عدت فقلت: 
أعطيني السلاح لأوالي الحراسة. وبعد أخذ ورد مع زوجته تبين أن 
لصأ قلد صوت الزوج وأخذ السلاح واختفى في الظلام الحالك» وفي 
الصباح كانت مأساة لهذا الرجل الذي فقد سلاحه. 


]١505[‏ وكان الضياع والقتل والتزاحم على الموارد» والخلافات 
المستشرية بين الحاضرة والبادية» والتنافس على المياه والموارد بين 
القبائل» والعداء بين الأسرة والأسرة والقبيلة والقبيلة» والحرب بين 
القرية والقرية وبين المديئة والمدينة» والمنطقة والمنطقة مما يجعل 
هذه المناطق جحيماً لا يطاق تحدث حرباً ضروسا لا يستطيع ساكن 
المدينة والقطين وساكن القرية والمستقر في البلدة أن يذهب بشأنه أو 
بهيمته إلى المرعى المخضرء ولم يكن بينه وبين المراعى والأرض 
العشبة إلا كيلو متر أو كيلومتران» ولم يستطع جمع العشب لدابته ولا 
حصده؛ لأن الخوف على نفسه والرعب من أن يفقد نفسه أو على 
الأقل أن يفقد آلة الحصد وعدته» وهو في هذه الحالة يفضل السلامة 
بالبقاء في مكانه ويصفر العشب وييبس روض وتذروه العواصف . 

]١1١5[‏ حتى بزغ نجم الملك عبدالعزيز عام 9١71١هء‏ حيث 
مازال في كر وفرء وقتال مستمر حتى وحد الجزيرة فى سنوات قلائل» 
وحتى كون من هذه الفئات المتباينة المتفرقة» والبلاد المشتتة أمة 
عظيمة هي المملكة العربية السعودية» وفي أقل من سنوات توحدت 
كياناتها في كيان واحد عملاق» وتجمعت مناطقهاء وألف بين قبائلهاء 
وصهر باديتها وحاضرتها في بوتقة واحدة. 








]١5017[‏ وكان للدين ردءاٌء وللعقيدة ناشرآء وللتعليم بانياً. 
وللأمن معمماًء حتى أن الفرد المسافر للحج يسير وحده من الشمال 
إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق في هذه الجزيرة آمنآ مطمئناً يقطع 
الآلاف من الأكيال والأميال لا يحمل سيفاً ولا بندقية» ولا أية آلة 
حربية مما جعل «روزفلت» يقول في مجلس الكونجرس الأمريكي : 
إننى لأعجب من «الملك عبدالعزيز» الذي جعل من الجزيرة العربية 
المترامية الأطراف والتي تبلغ مساحتها ملايين الأكيال والأميال آمنة 
يسير فيها الفرد المتوغل في الفيافي وحده بلا سلاح؛ ونحن في أمريكا 
ذات العدة والعديد وذات البشر المتحضرة» والتى هي أقوى دولة في 
العالم لا يأمن الرجل في المدينة ولا في المكان الأهل على ماله 
ونفسهء ولكن فاته أن يقول: إن شرع الله وأحكامه والإيمان بهما أعطى 
الحاكم قوة ورهبة ولجت ورسخت في قلوب الناس؛ خوفاً من الله فيما 
بين أنفسهم وبين الله ليس من المخلوق» وقد جعل من الدين والعلم 
والتربية النفسية قوة تمكنت في قلوب الناس - أيضاً ‏ في احترام بعضهم 
البعض على مثل من الأخلاق والتعامل بينهم تعاملاً أخوياً إنسانياً؛ وبعد 
ذلك أفاء الله عليه بالنعم والخصب مما نبع من الأرض من بترول» ومما 
في جوف الأرض من المياه للزراعة تحقيقاً لقول الرسول كك : 

استعود بلاد العرب مروجاً وأنهاراً في آخر الزمان»"'' أو كما قال 
لق" . 


000 مجلة «الحرس الوطنى» : السنة »٠١‏ العدد 87م), ذو الحجة .١5١٠9‏ 


هكذا كانت المعانات في الطريق إلى الحج 





المقالة السايعة 
هكذا كانت المعاناة في الطريق إلى الحج 
بقلم الشيخ: محمد بن صالح بن سلطان 


]١104[‏ أعتقد أنه ليس في إمكان أي شيخص ‏ مهما كانت درجة 
موضوعيته ‏ أن يقارن بين الماضى والحاضر ولا يصل إلى نتيجة 
التحول الذي حدث في أن تضصبح رححلة الحح من رحلة معاناة وخوف 
ورعب إلى رحلة آمنة سهلة؛ وذلك نظرأ لما توفر من إنجازات في 
المشاعر المقدسة.» وما حدث من الاختلاف والفوارق الظاهرة 
والتسهيلات الباهرة التي برزت لحيز الوجود في مكة والمدينة والطرق 
المؤدية إليهماء فقد كان بعض الحجاج فيما سبق يصطحبؤون معهم 
كفنهم استعداداً للموت لما كانوا يلاقونه من صعوباث في السفر مضافاً 
لها الأمراض التي كانث تتفشى بين الحجيج» وها كان يتوقعه الحجاج 
من التعرض للسطو والنهب الذي كان يصل أحيانا إلى الفتل في سبيل 
سلب موجودات الحجاح» وأحياناً يصطحب الحجاج أحد أفراد القبائل 


التي يمر بها رك ال لحجاج و يسهنى «الرفق» الذي يخول دون قبيلة 
أخرى تهاجم الحجاج» وشتان الآن بين ذاك الحال وما نراه اليوم هن 
أفن وأفان. 


]١ 5١91‏ والصعوباث الثى كانت تقف أمام الحجاج للوصول إلى 


المختار من الرحلات الحجازية 





0 


مكة المكرمة أنذاك ليست فقط الخوف وانعدام الأمن» بل هناك 
ومتاهات من الفيافي والقفار. فقد كأن الحجاج يعدول العدة منذ بداية 
العام المراد تأدية فريضة الحج خلاله بإعداد الإبل التي هي وسيلة 
السفرء والبعض منهم يقطع المسافات سيراً على الأقدام» والمسافة من - 
مدينة الرياض - مثلا لويد ووو اويا الي 
يومآ في الذهاب ومثلها في الإيابيه وأذكر أن والدتي قطعت نمس 
المدة ذهاباً وإياباً. 


]١5٠١[‏ ويقوم الحجاج بالاستعداد لحمل طعامهم المؤلف من 
التمر 5-8 الي م موص حدس م الإبل 


ثم تطورت الأمور فجاءت السيارة كوسيلة نقل بدلاً من الإبل» 
وهذه السيارة من نوع سيارات النقل الجماعي يجتمع على ظهرها أعداد 
قد تصل أحياناً إلى ستين شخصاً رغم ضيق صندوقها بالإضافة إلى 
بعض السيارات الصغيرة. 


]١511[‏ وكنا ‏ مثلاً ‏ نذهب من إحدى بلاد نجد إلى مكة 
المكرمة نمر بعدة قرى وحواضر ونقف عند كل مركز من المراكز؛ 
ذلك لقرفن التتصوال. علق الما هفل :هرات بعر الكفيقة 4 عفيت: 
الحوية» عشيرة» والسيل وكان يصيبنا مشقة كبيرة في الحصول على 
الماء حيث تمضي ساعات طوال والحجاج رانترة لصن دون ان 


هكذا كانت المعاتات في الطريق إلى الحج 





- 011 


ورود الماء»ء حيث ينزل بعض الرجال الذين غالبا ما يتميزون بالإقدام 
وحب خدمة الآخرين من رفاقهم في الحج لإحضار الماء من البثر 
وتعبئة القربب. 00١‏ 


]١511[‏ وكان الماء يخرج غير صاف مما يدعونا لاستخدام بعض 
القماش لتنقيته من الشوائب حين الشرب . 


3 أما الصعوبات التي كانت تتعرض الحاج في التنقل بين 
المشاعر المقدسة فحدث ولا حرج» فقد كانوا يقضون الوقت الطويل 
بين منى وعرفات لا سيما عند الانصراف» وأذكر أننا كنا نقطع هذه 
المسافة القصيرة ‏ لا سيما بين مزدلفة ومنى ‏ في أكثر من إحدى عشرة 
ساعة يتخللها عدم قدرة السيارات على اجتياز الرمال. 


]١51[‏ وعندما يستقر الحاج في منى يرى ما لا يحب أن يراه من 
سوء استعمال ذبح الأفدية والأضاحى مما يسبب التقزز وتهمشى 
الامراضق وضيريات النسين» 


]١415[‏ لقد تطور الوضع بفضل الله - تعالى ‏ ثم بفضل ما بذلته 
وتبذله حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وسمو 
ولي عهده الأمين حتى وصل الأمر أن يكون الحج متعة ونزهة في 
الطريق والمواصلات والمستشفيات وجميع وسائل الراحة» فقد كتب 
الله لنا أن نعيش حتى نرى التشجير في عرفات ومنى ومزدلفة» ونرى 
تنظيم السير حتى أن الحاج يقطع المسافة من عرفات إلى منى أو حتى 
مكة عبر الأنفاق خلال نصف ساعة دون عناء أو متاعب» ورأينا 


المختار من الرحلات الحجازية 





سيارات الإسعاف وسيارات توزيع الثلوج وتمديدات المياه»ء ليس 
للشرب فحسب بل حتى لسقيا الحدائق المنتشرة في عرفات وغيرهاء 
ثم تنظيم وسائل ذبح الأفدية والأضحية بوسائل حديثة أصبح معها 
إمكان تعليب تلك اللحوم التي كانت تترك في العراءء وتقوم حكومتنا 
الرشيدة بنقلها وتوزيع الفائض منها إلى خارج بلادنا الحبيبة لمن يحتاج 
إليهاء فهل بذلك يمكن مقارنة الماضي بالحاضر؟ 


مرت بنا أثناء تأدية فريضة الحج كثيرة 





]١517[‏ أما هي الشريف فمع عدم اتساع رقعته حينذاك ققد 
بالمصلين» وليس هناك مكبرات صوتء وتجد الإمام 

بعض الأحيان يسجد ويركع دون أن ينتبه له المأمومون إلآ عن طريق 
المنبهين في المآذن» ولا تسمع الخطبة يوم الجمعة إلا من قبل 


]١5 1171‏ أذكر أنه غفي شهر رمضان كان يقام صلاة التراويعح والقيام 
في ختصباء ناس على ) - مكان معين يقَع شمال الكعية خغذلف مقنام 
إبراقيم بين بايد البخادم وبايت علي ولا يفصلي خخلف الإمام أكثر من 
أربعين إلى خمسين شسخصآا فقط» والقد وفقني الله لأداء العمرة ممذا 
العام :504 ١هء‏ في شهر رمضانء وشهدت أكثر من مليون مصل خلفك 
الإمام يصلون التراويجح وسط مناخ وظروفف مواتية» رغم صعوية 














الطقس وظروف التحسينات ومشروع التوسعة الجديدة المباركة الذي 

]١114[‏ أما مياه الشرب فكانت أنذاك تدار من قبل الزمازمة من 
بئبر زمزم مبردة بواسطة «الشراب» يحملها الزمزمي في إبطه ويسقي من 
يطلبي الماء الذي يدفم له بعيضشس القر و ش 4 فالذي شاهد هله المناظر 
ليع أن يقارن 





وحضر شهر رمضان هذا العام 4ه كما حضرته بس: 
[] وفي هذه المناسبة أوجه كلمة إلى من أدى الحج قبل 
كتوبة دون أن يكرر الحج. 
حيث إن بعض الإخوة يؤدون الحج عدة سنين بعضهم يصبل إلي 
عشرين وثلاثين سنة» وهذا فيه ما فيه من ضرر على الآخرين ومضايقة 
علي من يؤدي غريضتهء وأعتقد أن من يلتمس الأجر والمثوية من الله 
سبيجد من أعمال الخير ما يثاب عليه ب بإذن الله والله واسع عليه . 














.١5٠9 العدد 287 ذو الحجة‎ .2٠١ .مجلة #الجرس الوطني»: السئة‎ )١( 


الحجاج بين عهدين 





المقالة الثامنة 
الحجاج بين عهدين 


بقلم الأستاذ: محمد بن أحمد العقيلي'١)‏ 


]١57١[‏ لقد كان في آخر العهد العثماني ‏ كما قرأنا أو فهمنا 
ممن أدرك ذلك العهد ‏ كان الحج مع قدسيته مأساة إنسانية لمن كتب 
لهم أداء تلك الفريضة» فكثيراً ما تتهددهم الأوبئة الجائحة والأمراض 
السارية» وإنه كان لا يوجد إلا مستشفيان متواضعان ‏ يمكن أن يطلق 
على أي منهما مجازاً اسم «مستشفى» ‏ أحدهما في باب شريف بجدة 
والآخر في مكةء وكان حجاج الخارج الهنود والجاويون والمصريون 
والأتراك وجميع من يصل من طريق البحر في السفن يمرون بالطور من 
شبه جزيرة سيناء أو جزيرة كمران ‏ المحجرين الصحيين - وهناك 
يمكثون أياماً تحت الحَجرء ثم بعد الاختبارات والفحوص والتعقيم 
يتم تحصينهم ضد الأمراض والأوبئة السارية ويؤذن لهم بالإبحار إلى 
جدة» كما أن هناك محجراً ثالثاً في خارج جدة وإنما قليل الإمكانيات 
ولا يحتاج إليه إلا في النادر. 


أما الحجاج من سائر الجزيرة العربية فكان لا رقابة ولا جوازات 


)010( مؤرخ جيزاني مشهورهء له عدة مصنفات. مازال على قيد الحياةء» حفظه الله . 





يتدفقون إلى مكة بدون حاجز ولا مانعء» وهناك يقتعدون الجبال 
والظلال أو في الخيام للميسورين» إلا من لديهم أصدقاء أو معارف ‏ 
المطوفيق وتاعيك با تبتؤعية البيورت من ذلك العندد:الوفير. 


]١571[‏ وعن الأمن فقد كان مخاطرة بالنفس لمن يخرج بمفرده 
خارج مكة أو جدة فيتعرضون لقطاع الطرق» ولقد فهمت من معتوق 
شيخون ‏ رحمه الله أحد أهالى جدة أن اللصوص كانوا يسطون على 
البيرت ليلآًء» ويلجأون إما إلى النزلة اليمانية أو الشمالية أو بني مالك 


!١571[‏ وقد كان سكان الجزيرة وكذا حجاج البحر بعد وصولهم 
جدة يواصلون رحلتهم على الجمال والحمير والبعض مشياً على 
الأقدامء وناهيك بما تفرزه تلك الوسائل من القاذورات والنفايات 
والروث والفضلات سواء في مكة أو في المشاعر الحرام . 


]١57[‏ وأقل من القليل الذين يحجون على هوادج من أهل 
المدن وميسوري الحال مع ما يعانونه من مشاق الرحلات الطويلة. 
فحجاج نجد قد تستغرق رحلتهم شهراً من أقصى نجد إلى مكةء أما 
حجاج اليمن فأكثريتهم مشاة والأقل على الحمير أو على البغال» وقد 
تستغرق الرحلة عشرين أو خمسة وعشرين يومآء وبالنسبة لمنطقة 
جازان فالمسافة تقطع في خمسة عشر يوماً على الحمير والجمال؛ وقد 
أخبرني محمد جهر من أهالي أبن عريش أنه حج عام 5ه مع 


' الحجاج بين عهدين ظ 

حعاع مد أهل بلده يبلغ عددهم 30> #نخضاء وعندما رجع إلى بلده 
من الحج خرج أهله وأهل الحجاج يستقبلونهم خارج المدينة فإذا هو 
بمفرده والحمير معه بذدون ركاب لأنهم اجتاحهم الوباء فى تلك السنة 
في الحج . 

]١574[‏ والرحلة إلى المدينة أشد خخطراً ومغامرة للقوافل» 
وبالرغم عن تجمعات القوافل وما يرافقها من الحرس الخاص 
والحكومي فكثيراً ما يعترضها رجال القبائل» ويفرضون عليها الإتاوة 
التي ترضيهم وإلا نهبوا القافلة . 





]١575[‏ والماءء وناهيك ما الماء وضرورته في يوم عرفات 
وغيرهء فكثيراً ما يقوم البعض بسد عين زبيدة بغية الكسب الحرام 
فيرتفع سعر القربة إلى 5 ريالات وأكثرء ولا رقابة على الأسعار فهي 
تحت الصدف ارتفاعاً وانخفاضاًء وانسحب ذلك على العهد الشريفي . 


]١577[‏ وعندما أراد الله - سبحانه وتعالى ‏ امتداد العهد 
السعودي على الحجاز فأول ما تم هو إقرار الأمن بصورة خيالية حتى 
كان كما فهمت من محمد الهادي بن عقيل من أهل مكة أنه كان تخرج 
الرفقة من أهالي جدة إلى مكة على الحمير والأتاريك محمولة على 
طول الطريق. ويسير الفرد والاثنان بدون خوف ولا وجل لا من 
السراق ولا من الخراب . 


وبعد فترة يسيرة من العهد السعودي تكونت شركة السيارات 
العربية لنقل الحجاج من جدة إلى مكة والمدينة وبينهما لأنه لاا يوجد 


في الحجاز إلا ثلاث سيارات للحسين بن على شريف مكة» وكانت 
الإضاءة بالفوانيس أو الأتاريك فى النادر. 





الصورة بالأمس 


]١5717[‏ كان الطواف والسعي مع ضيق صحن الحرم قبل 
التوسعات المتتالية في العهد السعودي مجالاً للازدحام مما يؤدي إلى 
إزهاق بعض الأرواح» وكان صحن الحرم مفروشاً بالحصباء فإذا كان 
أيام الصيف اشتدت الحرارة وسخن الحصى بحيث يشوي الأقدام من 
ناحية ويدميها بالوّجة'' من الناحية الأخرى. وكان السعي بين 
الدكاكين ومباسط الباعة علاوة على ضيق أرضهء وفي جانب منه باب 
السلام» وفي جوانبه دكاكين فيحصل فيه من الزحام مع كثرة السعي ما 
يزهق الأنفس» ويزيد في ضيق مجاله العربات التي تدفع باليد والسرر 
المحملة بالمسنين والعاجزين . 

أما الهواء فشبه معدوم لارتفاع البنايات حوله وعدم وجود تهوية 
صناعية» وينتج عن ذلك الازدحام وضيق المجال» وما تفرزه الأجسام 
المجهدة من العرق والأنسام من التنفس ما يضايق الساعين ويورث 
الكرب . 

ويشاهد المرء حرم المسجد الذي جدد في آخر عمارة من العهد 
العثماني بقبابها الصغيرة والاسطوانات المرمرية ‏ التي جلبت من عهود 


)١(‏ الوجأ: الدفع: «ترتيب القاموس»: وج أ. 


الحجاج بين عهدين 





- 9 


قديمة للحرم من بعض العمائر التاريخية ‏ مختلفة الأشكال» فهذا 
العمود طويل والأخر أطول والثالث أقصرء والذي حوله أغلظء. لا 
تناسب بينها مما يدل أنها جلبت من عدة عمائ .2'١7‏ 


.١5٠89 العدد مء ذو الحجة‎ »٠١ مجلة (الحرس الوطني» : السنة‎ )1١( 





فهرس الأحاديث . 
«أتاني الليلة أت فقال: صل في هذا الوادي. . .» 01 
«وأتوها وعليكم السكينة. . .» 4 
«إن أولئك إذا كان منهم. ١ ١.‏ 
دإن الله لا ينظر إلى صوركم. ..» 00 ظ 4 
«إن عمر كان يكبر في قبته...) 11ؤ1 
«الإيمان يمان. . .» 7 
ابطحان ترعة من ترع الجنة. . .» 11 
اتعدل سبعين وقفة...») ١٠١‏ 


«خبر خروج رسول الله كِ وأن أبا موسى خرج في أثره. . .»2 لالا”, 


ااستعود بلاد العرب مروجاً. 2( 05" 
«رب كاسية فى الدنيا. . . » 0 
«عمرة فى رمضان. . .» 84" 


«كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته. . .» ابا 


المختار من الرحلات الحجازية 





06 - 


«ما اختلى رجل بامرأة. . . ») يلخن 
«متى كنت هاهنا. . .) 45 


فهرست الأعلام 





فهرس الأعلام 


أبان بن عثمان الأموي 

إبراهيم بن عبدالخالق بن إبراهيم المويلحي 

إبراهيم بن محمد بن عبدالقادر المازني 

إبراهيم رفعت باشا 

إبراهيم محمد الشورى 

أبوبكر محمد بن عبدالله بن محمد المعافري الإشبيلي 
أحمد بن أبي بكر عبدالله بن خليل العسقلاني 

أحمد بن الحسن بن يوسف - أبو العباس البغدادي 
أحمد بن زيني دحلان 

أحمد بن عبدالله بن محمد بن أبي بكر الطبري المكي 
أحمد بن علي بن يوسف - أبو العباس السجزي 
أحمد بن محمد بن يونس 


أحمد شوقي بن علي بن أحمد شوقي 


١١ ١1/ 


117 


١4 


113 


١ 


وذ 


المختار من الرحلات الحجازية 





0 - 





أحمد عارف حكمت بن إبراهيم بن عصمت باشا 56م 
أمين باشا بن فهد بن أسعد المعلوف زلن 
الحارث بن مضاض بن عبدالمسيح الجرهمي ضرف 
الحسين بن محمد الورثلاني عب 
القاسم بن سلام» أبو عبيد .4 
القاسم بن يوسف بن محمد التجيبي السبتي 1 
المتوكل على الله ابن المنصور بالله 14 
المنذر بن سعيد البوطي ١‏ 
بيرتود /ء 
جمال باشا د 
جوزيف بتس - الحاج يوسف - 
حسام الدين لاجين بن عبدالله المنصوري حل 
حسنين بن محمد مخلوف ١86‏ 
خليل بن عبدالرحمن بن محمد 5 
خوات بن جبير الأنصاري 1 
خير الدين بن محمود بن محمد الزركلي 1:4 


داويد بن يوسف السلطان الملك المؤيد ؟ 


فهرست الأعلام 





دلف بن جحدر 

رحمة الله بن خليل الرحمن الحنفي 
ريد بن محسن بن حسن 

سعيد بن منصور بن شعبة 

سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي 
سليم بن بايزيد 

سليمان القانوني 

سليمان بن الحكم بن سليمان الأموي 
سليمان بن خليل بن إبراهيم الكناني العسقلاني 
سليمان بن سليم 

سليمان بن مهران الأسديء أبو محمد 
سويد بن سعيد بن سهل الهروي 
شكري باشا الأبذي الدمشقي 

شكيب بن حمود بن حسن أرسلان 
شلاش النجدي 

صادق بن صالح المؤيد العظم 


طاووس بن كيسان 


4م 
لا /ا 
00 
ؤ؟ 


١8 


0/١1 
3/١ 
1 41/ 
146١ 
14/4 


3# 


كما 


- 0 
طغتكين بن أيوب - الملك العزيز 

طفيل بن منصور بن جماز الحسيني 

عباس باشا بن طوسون بن محمد علي 

عباس حلمي بن توفيق بن إسماعيل 

عبدالحميد» السلطان 

عبدالحميد خان 

عبدالرحمن بن أبي الموالي 

عبدالرحمن بن القاسم بن خالد العتقي - ابن القاسم 
عبدالرحيم بن الحسين بن عبدالرحمن 

عبدالرزاق بن همام 

عبدالصمد بن عبدالوهاب بن الحسن بن محمد 
عبدالعزيز خان بن محمود خان 

عبدالقادر بن عبدالله بن جنكي دوست 

عبدالقدوس بن القاسم الأنصاري 

عبدالكريم بن هوازن بن عبدالملك 

عبدالله بن أبي زيد القيرواني» أبو محمد 





َم 


1 


7/07 


18١ 


م١‎ 


١ 8 


ينض 


١1١ 


145 


لكان 


١١ 


فهرست الأعلام 





عبدالله بن أسعد بن علي اليافعي ظ 1" 
عبدالله بن الحسين ىم 
عبدالله بن الزبير بن عيسى القرشي ولحل 
عبدالله بن المبارك ‏ /1 ١‏ 
عبدالله بن عبدالحق بن عبدالله القرشي» أبو محمد "١‏ 
عبدالله بن سليمان بن حمدان العنزي و١٠(‏ 
عبدالله بن سليمان بن سعود بن بليهد 004 
عبدالله بن عبدالحكم بن أعين ظ الى 
عبدالله بن محمد بن أبي بكر العياشي 4», 
عبدالله بن محمد بن أحمد عفيف الدين المطري 30> 
عبدالله بن نجم بن شاس الجذامي السعدي 72" 
عبدالمجيد بن محمود خان 7 
عبدالمطلب بن غالب بن مساعد الحسني 0 
عبدالملك بن حبيب» أبو مروان 1 
عبدالوهاب بن محمد بن حسن عزام لاا 
عتاب بن أسيد بن أبي العيص الأموي يل 


عثمان بن عمر بن أبى بكر > ابن الحاجب ١‏ 


المختار من الرحلات الحجازية 








0 - 


على الطنطاوي 101١‏ 
على بن الحسين بن علي بن أبي طالب 5/)| 
علي بن حسن بن شهاب الدين الشهراني 46 
على بن عبدالله بن أحمد الحسني السمهودي /ا” 
عوض بن محمد القعيطي > 
عيسى بن محمد الجعفري ا 
غالب بن مساعد بن سعيد الحسني 0_1 
غيلان بن عقبة أبو الحارث ١7‏ 
فؤاد بن أمين حمزة 0 
فارتيما - الحاج يونس المصري 0 
فليبي > عبدالله فليبي 06١‏ 
فناخسرو بن بويه الديلمي» أبو شجاع ١‏ 
قانصوه الغوري /اه/ 
مالك بن دينار البصري | /ا1١‏ 
محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي - ابن القيم 45 
محمد بن أبي بكر بن عبدالعزيز الحموي 7 


محمد بن أبي بكر بن عبدالله بن خليل العسقلاني ١:‏ 


فهرست الأعلام 





محمد بن أحمد العقيلي )0 
محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي - ابن جبير يفن 
محمد بن عبدالله الطبري المكي الشافعي ا" 
محمد بن أحمد بن محمد الخزرجي الأنصاري» أبو عبدالله يفف 
محمد بن الحسن بن علي الحسني - أبو نمي الأول ١‏ 
محمد بن المنكدر ١14‏ 
محمد بن حسين بن سالم هيكل ظ ١١57‏ 
محمل بن حسين بن عمر نصيف 7 
محمد بن حسين بن محمود الرشيد 1164 
محمد بن سالم الحفناوي مهم 
محمد بن سرور الصبان ١‏ 
محمد بن عبدالله بن محمد اللواتي الطنجي - ابن بطوطة ١‏ 
محمد بن عثمان بن محمد السنوسي اوه 
محمد بن عثمان بن موسى الآمدي 1 
محمد بن علي بن الحسين بن علي الشافعي 7 
محمد بن عمر بن رشيد الفهري نف 


محمد بن قلاوون بن عبدالله الصالحى رذق 





قله 


محمد بن محمدء أبو حامد > الغزالي ظ 4١‏ 
محمد بن محمد بن سهل الأزدي الغرناطي يفف 
محمد بن محمد بن علي > تاج الدين المصري ١‏ 
محمد بن يوسف بن عمر الحسني السنوسي ١‏ 
محمد بهجة البيطار 47 
محمد حامد الفقي ا/ا١٠٠١‏ 
محمد رشاد 10 
محمد رشيد بن على رضا بن محمد القلموني 0م 
محمد صادق باشا + 
محمد طلعت باشا بن حسن ١6‏ 
فتحمك غنذة ْآآ0م١‏ 
محمد لبيب البتنوني 0/01 
محمود خان الثاني بن السلطان عبدالحميد الأول م 
محمود ياسين ١‏ 
محي الدين بن صالح مخلص ٠١6‏ 
مراد خان بن السلطان عبدالمجيد 05 


مساعد بن سعيد بن زيد الحسني 0/1 


فهرست الأعلام 





مساعد بن مصطفى بن محمد العبدلي 

مسعود بن سعيد بن ريد 

مسلم بن خالد الزنجي 

مقبل بن جماز بن شيحة الحسيني 

مكثر بن عيسى بن فليتة الهاشمي الحسني 

منصور بن جماز 

هبة الله بن عبدالله القفطي» أبو القاسم 

قلاون الألفي العلائي الصالحي» أبو العلاء المعالي 
ياسين بن محمد بسيوني 


يوسف ياسين 


احرص 


لا 


احرص 


١ 


601١ 


4404 


406 





فهرست الفوائد 2 


قد كنت ذكرت فهرست الفوائد فى المقدمة وبينت فائدته» وأذكر 
الآن بأن الأرقام الموجودة بجوار الفوائد المذكورة إنما هي أرقام 
الفقرات فى صلب الكتاب» ومن لم يهتد للفائدة المطلوبة فليرجع إلى 
فهرست الفهارس فلعله يقف عليهاء والله أعلم. 





الحج: حكم وآثار 
النور الذي أضاء الدنيا: [8140]. 
الإيمان أصيل والإلحاد عارض: [4971]. 
الحج في الأمم الأخرى وشعائره: [2]8094 [997]. 2 
من أسباب فرض الحج وحكمه: 
1١١511‏ [ه/ا16ال [1599].ء .]١115195[‏ 
أثر الحج الإيماني : 


[كك؟الء [1/ادل]ء زلكامل هل [٠*"١لكلء‏ ال 
.]١"16[ 1١ 44[‏ 


أثر الحج الاجتماعي والصحي : 

.]١؟١99[‎ ل١١71‎ .]١١51[ 

أثر الحج في تبادل الرأي النافع : 

.]١١94[ ءل11١١59[‎ ء]١١74[‎ 

أثر الحج الأخوي التعارفي : 

.]١ 3٠١ [ [94؟طال]‎ .]1١58[ ء1١١55[‎ 

اقتراح يضاعف من أثر الأخوة والتعارف وتبادل الرأي : [1769]. 


رخص الحج في أوائل القرن: .]١7850[‏ [17949]. 








29 - 


كانت بعض الحكومات سابقاً تشوق إلى الحجح وترغب فيه: 
[لااماء [لاحةا. 


تشويق الخطباء الناس لأداء الحج : [غ":. .]١‏ 

بعض المترفين قد يُشْوّق إلى الحج باعتباره نزهة : .]١١70[‏ 
إلى كنائسهم : [/ا#١٠١].‏ 

التشويق بذكر المشاعر والبيت العتيق: 1٠١741‏ [ل/الا؟١١].‏ 

الاستجابة لهذا التشويق: .]٠١5١01 1٠١7951‏ 

صور من شوق الناس إلى الحج وزيار 0 الحرمين 3 

تحدك [كوك [1:١ككق‏ [حكاككل [ه5١٠١]‏ _ الادكل .]5١9[‏ 
لل [زهه* ل [لا ل ز« بلقل [لاعقكل. [محقل [ملاق ل 
[ومأكمعقل [١اغهكل4‏ 51تملكل لول ٠[‏ :يكل [هحوكقل [ا١٠٠كل‏ 
زع ١١١‏ آء ٠1‏ ال [*؟ ١‏ 5 ا اد 3 ١/1‏ ] 5 

[١٠٠؟كل‏ آث*7و١٠15.‏ تمعهك ل[ععمكق [حفقركل زل١٠*7اللء‏ 
١*1‏ ]ل 1[١1:1؟١ل ١١71‏ ]. 


الشوق يدعو إلى المجاورة: [575]» [57551]. 








9 
والشوق ‏ أيضاً ‏ يدعو إلى المغادرة: .]١709[‏ 
صفة وداع الناس الحجاج :1/81 21١1١4[‏ [784]ء [18861. 
استقبال أهل الحرمين الحجاج بلطف وحب: 
[486] [:581]-871؟]. 
استقبال الحجاج عند العودة إلى بلادهم: [1177]ء [4841]. 
خفوت حذة مظاهر استقيال الحجاج آخر القرن الثالث عشر وما 
بعدهمء وسبب ذلك: [7ل4]. 
الحجاج وقواقل الحج 
لقب الحاج أشرف لقب كانت العامة تلقب به من حج: [8/47]. 


الور 5 1564 1471 ]. 
لعل ذلك يسيب الحالة الأمتية خاصة أن يعض الفقهاء أفتى 
بسقوط فرض الحم : 711 ]ء 21١51‏ ]آء [586]ء [1744. 
أو لعل هذا بسبب متع بعض الحكومات الجا ئرة اليج عمقل 
ومنة آتاتورلك: [9464]. ظ 
أو لعل هذا بسبب خوف بعض الناس على صحتهم : 11801]. 


أو لعيل هعك] .سبيبي خوفهم من نقص أسباب الرفاعية .والرااحة : 
الاك ]ء انق ] زكحى ال [كى ؟ ] 








-2 
التكافل بين الحجاج : 


]55١[ ٠ [‏ (؟؟:5 ل [١155ء‏ [546ل لكذكل [١١٠/الء‏ 
[/ا؟/ا]ء ]1*81١([‏ [5خ8*"للء .]١"85(‏ 


التكافل بين المسلمين وبين من يمر عليهم من الحجاج : 
[55١1اء‏ [/51١1ء .]٠١5:9[‏ 
تعليم بعض أهالي الحرمين الحجاج: [15]. 
جفاء بعض الحجاج : [7“5:]. 
قلة دين بعضهم: [475] -[/47"1]»: [110]. 
تدين بعضهم واستقامته: [781١]ء» .]١١875[‏ 
البدع التى عند بعضهم : [/481]. 
تهاون بعض الحجاج بأداء بعض الشعائر: [891]. 
جهل بعض الحجاج 2171١1:‏ [877]. 
استغلال هذا الجهل : [587]. 

أمير الحج 
حب بعض الناس بعض أمراء الحج : [45 .]1١‏ 
رفاهية بعضهم:1١9١].‏ 


صلاح بعضهم : [169]. 





- 





الاعتناء ببعض كبار الحجاج 


الاعتناء بملك مصر الخديو عباس حلمي لما هبط إلى الحرمين 
للحج : 

اكلا [5كلال. [مكلا]ل [م ”حل [ تمل [انلل [عغحكء 
[/851]. 


الاعتناء بخير الدين الزركلي : 

3 [414] وفي رحلته أمثلة كثيرة على حسن الاعتناء به. 
. الاعتناء برشيد رضا: [889]. [475]., [959]. .]97١0[‏ 

الاعتناء بشكيب أرسلان: [91/7]. [145]. 

الاعتناء بمحمد حسين هيكل : 


[4؟١١].‏ [ 7١1١ل‏ [5_"ذالل [51١١ل].ء‏ [9١5١1ل]‏ [ثلاكللال 
.]١ ١٠١,971‏ 


قوافل الحج 
نظام القوافل : [337/0] -1/لا”] [*“9”"]. [875)]. 
[/ا5 "ل [98ه1]ء [1:”|]. 


تريض أهل القوافل أحياناً: [117]. 


المختار من الرحلات الحجازية 








- مويق 
أهم القوافل 

القافلة المصرية: [756]. [7"45]. [757]. 

الأهمية التي كانت تولى له: [114]. 

وصف للمحمل المصري والاعتناء به: [/141]. 

اللغط الذي تحدثه فى حرم المدينة: [19؟1]. 

عملهم في الحرم ليلة الرحيل منه: 

[/77107]. ظ 

حجز القافلة المصرية في تبوك والطور لأجل المحجر الصحي 
وصعوبة ذلك على الحجاج: [198]» [185]. 

صفة الركب العراقي» وهي عجيبة: [111]: [754]. 

وصف مفصل لطيف للمحمل الشامي: [109]. 

صفة نزوله في المدينة: [495]. 


إنعاشه سوق المدينة: [19؟]. 


دوآاب القوافل 
الحيوانات المهمة فى القافلة: الجمال والحمير والمغال والخيل : 


.1275[ 


الحداء للإيل وأهميته :[5 21١7‏ [1475. 





أناشيد الحجاج وأغانيهم: [470]. 
السيارات 
صعوبة خرابها: .]١١١١[‏ 
صعوبة اختلاط السيارات مع الإبل: 2]١١517[‏ [؟5١١].‏ 
صعوبة السير في رمال الصحراء بالسيارات : 


]1١١55ه1[-١555[‎ لاك١١؟5[‎ .ء]إ٠١8ة4[‎ ل1٠١م84[‎ ل٠١م[‎ 
.| ١ [81؟‎ ل١؟51١[‎ ل١؟همز‎ لا١؟هك[‎ 


صعوبة طريق السيارات من جدة إلى مكة: [59١١]ء‏ [/ا١؟7١].‏ 
.]١786[‏ 


سهولته بعد ذلك : [851؟١].‏ 

صعوبة الطريق من جدة إلى المدينة : 

11751 [كلا كك [الالا اال [1 كل الل‎ ل١‎ 1١07١[ 
.]١ [1 


محاولة اكتشاف طريق للسيارات من البادية الشمالية إلى المدينة : 
زة/ض .]١581[ 1٠١‏ 


السكة الحديدية 
أهميته وتعلق قلوب كثير من المسلمين به: [/01؟١].‏ 
كراهة الكفار هذا الخط وعدم السماح بتجديده: 





.]١١15994[ ]١ 1861 ]٠١1[ 
الطائرات‎ 

سهولة السفر إلى الحج بالطائرة: .]11١5[ »]١781[‏ 
أول طيارة تهبط المدينة المنورة: [1777]. 

الصعاب التى يكابدها الحجاج 
الصعاب قديماً: .]١5750[ .]١507[ 2]١755[‏ 
دعاء الله تعالى أن يسهل الصعاب: .]١58[‏ 
الصعاب قد تذهب الخشوع أو تضعفه: [850؟١].‏ 
من حكم صعوبة الحج : [5/ا؟١]. .]١١90[‏ 
جشع بعض الأمراء والحكام واستغلالهم الحاج أسوأ استغلال» 

وأخذهم أموالهم ظلماً وتجبراً: 
[586'اء [حذكل [الاحكاء [49ك؟ا]ء [591اء [ى1اة]. 
ظ 509 

السفر بحراً أسهل نسبياً وأقل كلفة: [758]. 
الصعاب التي قد تواجه راكبي البحر 
أ- الوحشة التي تصيب المسافر: [959]. 


ب - السفن القديمة المزعجة: [485]» [/951]» [445]. 





- 0 


ج- جشع بعض البحارة: [71]» .]١59[‏ 

د الصعاب في الموانىء التي يغادر منها الحجاج : 

الصعاب في عيّذاب . قرية مصرية جنوبية على ساحل البحر 
الأحمر - وهي صعوبات مهلكة : 

زكاء [هم1لء [كلء [كاء [9؟١اء‏ [١151لء‏ ["151١ا]ء‏ [15١11ء‏ 
.]١51١[‏ 

جفاء كثير من سكان عيّذاب وجهلهم وقلة دينهم: .]١550[‏ 

ترزقهم من الحجاج: .]١[‏ ظ 

الصعاب في غير مرسى عيذاب: .]١55[‏ 

الحجر الصحي البحري وصعوبته: .]١57١[‏ 

ه - الصعاب في جدة: 

الصعاب في تضاريس الميناء : 

للااء [ة5لااء [حححاء [١١١٠1ء .]٠١5:5[‏ 

الصعاب في نقل متاع الحجاج : [505]. 

جشع القائمين على جمرك جدة قديماً: ».]١55[ »]١١[‏ [1950]. 

صلاح الدين ‏ رحمه الله تعالى - خفف من جشع بعضهم: .]١١[‏ 

أعماله في خدمة الحجاج : »]١١1[‏ [18]» [184]. 


دعاء الناس له: [/ا١]»‏ [5؟]. 


المختار من الرحلات الحجازية 





- اللهنه 
السفر برا 
الصعاب التي تواجه الحجاج في البرية 
مصاعب الصحراء المهلكة: 
أ الحر : 
:]2 [554ل]2 [550]. [454ل]ء [١5كل.‏ [لالام]ء 
[5؟١١].‏ 


ب - طول المسافة: [59؟7] [لالا١]. .]١5١9[‏ 

ج - صعوبة الطريق : 

ء]1١554[‎ ء]٠١*:ض37[ [5ه4]لء [9“#ه]ل [15م]ء‎ »2]5:”١[ 
«راجع فقرة السيارات في فهرست‎ .]١*١5[ ء115١:5[‎ 2ء]١١:ا/[‎ 
. دواب قوافل الحج ففيها صعاب متنوعة في هذا الباب»‎ 

د صعاب متعلقة بالدواب: 

«وانظر فهر س قوافل الحج : دواب الَوافل, ففيها فمرة عن 
الصعاب المتعقلة بالسيارات» . 

سرقة الدواب : .]57١[‏ [/7؟15ء [5:59]. 

صعوبة الحمل عليها أحياناً: [177]. 

غلاؤها: [94/ا1]. 


- 055 





القاذورات التى تخلفها: .]١577[‏ 2 
جفاء الجمالة وسرفتهم الحجاج : [9؟8]. .]873١[‏ 


ه ‏ ضخامة الركب وكثرة عدده مما يؤدي إلى بطئه ومصاعب 
أخرى : [١٠ل]ء‏ 5/1 ؟ا]ء [9584ه].ء [151كك [لالا١].‏ 


و-الضياع: [555]. 2 

ز- الإرهاق الشديد المؤدي إلى الموت أحيانا: 

[175١ل.ء‏ [8ى”#دا]ء [لاؤه]ء .]١١١5[‏ 

ح - ترك المتاع تخففاً في قرى الحجاز الشمالية والغربية - أي 
منافذ الحجاز الشمالية والغربية - وذلك لصعوية التحرك بهء فيتركه 
الحجاج أمانة عند الناس هناك» وفي هذا ما فيه من الصعاب : 

[:حاء [١١15ء‏ [5ة"]ء [5:51]. 

ط ‏ عدم وجود نزل مناسب في أكثر الأحيان: .]١178[‏ 

ي - الصعاب في طريق الحج النجدي: .]١5٠7[‏ [507١]ء‏ 
[9١1١1ء .]١177[‏ 

ك - الصعوبات في طريق الحج اليمني: .]١577[‏ 

ل - الصعوبات في طريق الحج من جازان: .]١571"[‏ 

- الصعاب المتعلقة بالماء: 


حمل الماء: [1/9], [39/4], .]١51١[‏ 


32 المختار من الرحلات الحجازية 
2 
صعوبة الحصول عليه: [5565]» [775]: .]١51١11[‏ 
غلاؤه: [١1571]ء‏ [١155ء. .]١555[‏ 
تحكم من لايخاف الله فيه: .]١570[‏ 
قلة الماء أو انعدامه مما يسبب موت كثير من الحجاج : 
[كمل [الااكل [4١كل‏ [دمدكل [١٠٠11.ء .]:51١[‏ 
تلوث الماء : 


ز* “ال [1*8ال [لاة؟|]. [94*“]ل [“:55].ء [:5ه/ال]ء [465)]. 
[(5 “19ل [*>١٠للء .])١١١[‏ 


مقاتلة الأعراب الحجاج عند الماء: [60؟7]» [2]147 .]١107[‏ 
العطش : 

[171] 1551ل [0١٠5]ء‏ [١551ل]‏ [451كء [لالاماء [9705]. 
التخفف من الأكل حتى يُتجنب العطش: [555]. 

استقبال الماء بشوق بالغ وفرح عظيم : 

.]١١1١17[.1555[ ١1١١١1 1١٠١ 5[ 

الصعاب المتعلقة بالأعراب: 

من الأعراب من كان يكفر الحجاج: [195]. 


من الأعراب من كان يقاتل الحجاج وغيرهم تديئاً : 





فهرست الفوائد 





[5 93 1[/ا95]. 

نظم في هذا: [979]. 

اقتراح لإصلاحهم : [958]. 

إتعاب الأعراب الحجاج : [110]» [1547]. 

طلبهم المال بالنهب والسرقة: 

[لاكناء [لا؟دا]ء [555ل]ء [/ا1]“55ء [185]. 

عقابهم من يدافع عن نفسه أو ماله: »]51١[‏ [47]» [078]. 

غارات الأعراب على الحجاج ونهبهم أو قتلهم أو إيذاؤهم: 
لتك [الاقاء [144ء ١51‏ ككل ["الاكل]ء [للمللء [زحلكل]. [كدلكل 
[94"؟]2 [11555ء [إ55]ء [5ه55].ء [١ل!ائ‏ ل [5“5]ء. .]59١0[‏ 
[كككل [5:كلء [١امكل‏ [لامكل [5٠0لالء‏ [كالاك [نلملء 
[ثلاحاء 1لاة ١٠١لا‏ [8١15]ء‏ [١571١11ء .]١1555[‏ 

غاراتهم على غير الحجاج وقتلهم إياهم أو إيذاؤهم : 

.]455[ "511 

ابتكار الحيل في هذا الباب : 

[11؟اء [1ككا]ء [زا'تملء [487]. 

سبب هذا كله طلب المال: 


[/ا؟ل. [ مكلك [:5ذكل [دم*“مل [لاة “الل [5؟5:7١].‏ 


المختار من الرحلات الحجازية 
وجوب التلطف معهم إن لم يمكن استعمال القوة : 
[1واهلء [55”لء [الركل زة يكل [/و37ى] [8لا8]. 





انقماعهم وذلهم وذلك عند أخذهم بالشدة : 

[84” ]1 [50اء [؟7ذكال.ء [597"9ا]ء 85/1 ]. 

وجوب استعداد الحجاج بالسلاح لهذه المخاطر وإن كان هذا 
خلاف المفروض في هذا البلد الحرام: [8580]. 

تحويل الطريق تخلصاً من أذاهم: [841]. 

عدم تمكن السلطان من ردع الأعراب وسيب هذا: 

[(5 7١ل‏ [لاغ5ا]ء [555]. 


دفعت الدولة العثمانية بمبالغ كبيرة للأعراب» وأكثرها ذهب 
هباء: [479]. 


لوم الناس السلطان العثماني بسبب هذه الفوضى : 

[55]ء [**“لال ١[‏ "لال [“ةلااء [7:5]. 

فتوى بعض الفقهاء بسقوط فرض الحج بسبب هذه الفوضى 
والمصاعب : (#“١ال‏ [9١5ل‏ [ممكاء [5/]. 


الناس لشدة شوقهم لا يستجيب أكثرهم لهذه الفتاوى ولا تثنيهم 


الدعوة إلى إصلاح الأحوال الحجازية ولو بالسيف : 





[؟*١الء‏ [*١لء‏ [ه5غل ١[‏ "الال [8؟؟7 ]. 
صعاب متفرقة: 


مهاجمة اللصوص للحجاج في بلادهم قبل القدوم على الحجاز : 
[؟١ه0"].‏ 


الحر الشديد في المشاعر: 1١١5]؛‏ [01/9]. 
فقر بعض الحجاج وموتهم جوعاً: .]50٠[‏ 


نفاد مال الحجاج وأكثر حصول ذلك بسبب شرائهم ما لا يلزم : 
[لامه]. 


[/41ه]. 


اقتراح في هذا الباب: [985]. 

بعض المناوشات بين الحجاج وأهل البلد: [19]. 

الاشتغال بتوافه الأمور: 

تح 15١1‏ [#*قع [لكمع [#ارمع [الرمع [دظم]. 
صحية الزوجة أحياناً: [577]. [504]. 


مصاعب المحجر الصحي : [/56لء [4885]. 


المختار من الرحلات الحجازية 





- هله 


الضرائب الثقيلة : [/ا/51]» [586]» «انظر ‏ للاستزادة - فهرست 
الخلفاء والملوك والأمراء» . 


الأجرة الثقيلة ‏ أحياناً ‏ التي يطلبها قائدوا البواخر: [101]. 

غارات الأعراب في منى: [55]» [/91]» [517]. 

تعفن الذبائح في منى : [١51ماء‏ [حمه]. 

غش الباعة : [/91؟١].‏ 

تذبذب أسعار العملة: .]١7١9[‏ 

م - خفت المشقة وتلاشى كثير من الصعاب في الأعصر الأخيرة : 
.]١754[‏ 


مازال هناك كثير من الأمل بإصلاح أكثر للحج ومشاعره 
ومسالكه: زده*“”ال [لازه”١].‏ 


بقيت مشكلة إغارة الأعراب حتى ظهور الدولة السعودية 
واستتباب الأمن: [8817]. 


.]١51١91[ الناس:‎ 


المطوفون 
نظام المطوفين: [/4481 ) ١‏ 


وكلاء المطوفين : [4: .]٠١‏ 


- 





أهمية المطوفين: [١5/ا]»‏ [980]ء؛ [1985]ء [9840]. 
معرفتهم اللغات: [985]. 
كلمة إنصاف للمطوفين والمزورين: [981]. 
شدة بعضهم وظلمه : 
[كلاك]ء [لالاكك. [59لا1. [دلالال. [لاام]ء [١65٠١٠ل‏ 
.]١١97[‏ 
سماحة بعضهم وكرمه ورحمته بالحجاج: »]1١741/[‏ [17911]» 
[غ:9*١ا]ل‏ [960*٠1ا.ء .]١1٠١0[‏ 
جهل بعضهم: 91/1/ا]؛ [1798]. 
ضيق بعضهم إن شعر أن رزقه سيتأثر: .]46١1[ »]5١٠9[‏ 
اقتراح بشأن المطوفين: [947 هامش .]١‏ 
المزورون فى المدينة 
تجاذبهم الزائرين: [9511]. 
المنحا سه 
١‏ الإحرام: 
أثر لباس الإحرام: 11151]. 


منظر المحرمين مؤثر : [كممل]ء [954]. 


المختار من الرحلات الحجازية 





6400 - 


تعليم العلماء بعض الحجاج والمطوفين كيفية الإحرام وشرائطه : 
[:١٠5]ء‏ [86ه5]. 


مخالفات يرتكبها بعض الحجاج حال إحرامهم: [585]. 


الشدة التي تلحق بعض الحجاج بسبب بقائهم محرمين مدة 
طويلة: 15٠١٠"[ .15٠5[ .]١55[‏ [لاههل]. [ه00١1].‏ 


الأثر الإيمانى للتلبية: [؟5٠9].‏ [958]. [4/ا١١].‏ 
" الطواف: 
أثر رؤية الكعبة والطواف بها وحكمته : 


ء.لا١؟مال[إ [ىلا'_االء [كى؟كال‎ لاأا١“*:[‎ ء]4ه٠١[‎ .]5١*[ 
.] ١ "9١[ ل١*84[‎ ل١٠٠١ [/ط‎ 


أثر دخولها: [57], .]١٠١65[‏ 

تعليم بعض العلماء بعض الناس كيفية الطواف : 

.]:١49[‏ [8486ه]. 

ضيق المطوفين بهذا الصنيع : »]1٠9[‏ [101]. 

صعوبة الطواف في الحر: [5١١؟]»‏ [177]. 

صعوبة الطواف في الموسم: .]١5717[ »]١7589[ »]١588[‏ 


قراءة القرآن أثناء الطوافف: [95]. 


-2 


هل الأفضل - فى حق الغريب الوافد ‏ الطواف أو أداء صلاة 
الترأويح : [ 16 .]١195[‏ 


الازدحام على الحجر الأسود: [175]. 

المسلمون لا يعبدون الحجر الأسود لكن يطيعون أمر رسول الله 
كله فيه» ونبذة عن تعظيم بعض الأحجار في الأمم الأخرى: .]81١١[‏ 

السعي: 

أثر السعي وحكمته: .]١١70[ ,]94٠5[‏ 

السعي ماشياً له أثره في النفس وإن كان الركوب جائزاً: [757]. 

السعي بالسيارة: [/11١٠]ء» .]١١60[‏ 

زحام المسعى في الموسم: .]١571[‏ 

حالة المسعى القديم : [؟5١١٠ا‏ [لاها كلل .]١59١0[‏ 


اقتراحات بتنظيم المسعى: زلاه١١اللء‏ [ه؟9١؟‏ ١ل‏ [48١ا"١اء‏ 


.]١11[‏ «قد نقّذت)2. 





:- الوقوف يعرفة: 
وصف منسك عرفة : [/,1]. 
بعض حكم الشارع من الوقوف بعرفة: .]8١7[‏ 


حال الناس في المشاعر يورث التفكير في عظمة الله: .]4١16[‏ 


المختار من الرحلات الحجازية 





جمال عرفة: [91/4]. 
المطر وأثره في الخيام : [(:ه١١].‏ 
خشوع الناس في عرفة : 


[ هك" [*“”'"“ل [5١ت‏ ل [:١تةل‏ [“"“#ههماللء [:هدهمل [0ه١”‏ |. 
[9 ككل ١[‏ امل [كد لول [م١‏ لل زكء** ال ك٠‏ "الل [؟595"١|].‏ 


أثر الوقوف على الحجاج: .]١١97[ »]١١51[ »]١١5150[‏ 


الانشغال , بطلب الطعام والشراب والترف في عرفة وأثره على 
الدعاء: .]١7١”*[ .]9١48[‏ 


أثر الترف على الحج بصورة عامة: [1788]. 

اقتراح بتنظيم الوقوف بعرفة: .]١508[ »]٠١55[ »]8١4[‏ 
اقتراح بزرع الأشجار في عرفة وجلب المياه إليها: [918]. 
اقتراح صحي : .]8١9[‏ 

ضعف بعض خطباء عرفة: [354]» .]١١59[‏ 

خرافة تتعلق بالوقوف بعرفة: .]060١[‏ 

الابتداع في عرفة: [919]» .]١٠١١[‏ 

صفة الركب العراقي في عرفة. وهي عجيبة: [11]. 


النفر من عرفة : .]١191*[‏ 





حكم النفر قبل الغروب: .]١١8[‏ 
ه مزدلفة: ‏ 
صفتها: .]١7١6[ .]١١١5[‏ 
النفر منها إلى منى: .]١517[ »]١7١051[‏ 
فت : 
وصف منسك منى : [/17 ]. 
التكبير في منى وصيغته وعدده: .]9١9[‏ 
حال الناس في منى يورث التفكير في عظمة الله : .]5١10[‏ 
الاحتفالات في منى: [5111]. [050]. 
الابتداع في رمي الجمار: [15171» [8717]. 
ذبح الأضاحي واستفادة الفقراء منها: [004]» [108]. 
تعفن الهواء بسبيها: 
[554]ء [51ما1.ء الاككاء [الاكالء [14855ء .]١1515[‏ 


اقتراح في هذا الباب» وقد نُقُذَ: [855]» [171]ء [1157]ء 
.]١516[‏ 


خرافة تتعلق بشعائر منى: [7"/41]. 


سوق منى: [59]» [515]» [117/4]. 





- 61:05 
اقتراح بتنظيم منى: [08؟11]. 
النفر من منى إلى مكة وأثره في النفس: .]97١11[‏ 
مكة المكرمة وحرمها الامن 
الخرغ الفكي 
عظمة الله تعالى توجه الناس إليه في الحرم: [1711]. 
صفة الحرم: .]٠١51[‏ 
صفة الحرم حديثاً: .]١591[‏ 
الخشوع المصاحب لكثير ممن يوم المسجد الحرام : 


:]2 [٠مل.‏ [كمل [لأاقاكل [" ١٠٠ل‏ [لاود”لء [مكثلالء 
.]١ "*٠:1١[‏ 


السعادة الحاصلة لمرتادي الحرم أول مرة. [17849ل .]١595١0[‏ 


أثر المسجد الحرام في أهل مكة والمقيمين والزائرين: »]١١75[‏ 
.]١7١01[‏ 


دعاء الصالحين فيه: .]١77[‏ 
دعاء الأعراب ومن فى حكمهم: .]١51[‏ 
كان هناك يوم خاص بالنساء في الحرم المكي كل عام : [417]. 





اقتراح بتوسيع الحرم وقد نُقّذَ: .]١795[‏ 
الكعية 
أثر رؤية الكعبة والطواف بها وحكمته : 
[407]ء [4050]» »]١1١5[‏ وانظر فهرست الطواف . 
إحرام الكعبة: .]١١5[‏ 
صفة فتح باب الكعبة: .]١9[‏ 
أثر دخولها في النفوس: [9771]» .]٠١56[‏ 


ترامي الناس لدخول الكعبة. وعدم مبالاة بعضهم بهذا الصنيع 
وإن أدى إلى هلاكه : [55]. [/51]» .]7١[‏ 


تأثر بعض الناس برؤية هذا المنظر: .]7١7[‏ 
كيفية دخول أهل السراة إلى الكعبة: [55]» .]١5١[‏ 


أخذ الأموال من بعض الحجاج حتى يؤذن لهم بدخول الكعبة : 
[5ه0]. 


تاريخ كسوة الكعبة : [لاوه]. 
ندرة هبوط حمام الحرم على الكعبة أو مروره فوقها: 


[9١ااء‏ [55١11ء‏ [؟؟؟]. 


المختار من الرحلات الحجازية 





6100- 

منظره جميل مؤثر: [191]. 

اغتسال المصلين في المسجد الحرام بماء المطر النازل من 
الميزاب» واستحباب بعض العلماء ذلك لما فيه من اجتماع أصناف من 
البركة : [/ا7]ء [460].» .]١51١[‏ 

ماء زمزم 

صفته : [/70]. 

طريقة الشرب منه قديماً وحديثاً: .]١514[‏ 

.]١78[ ء]١ا!/5[‎ .]١ا/5[ فضله:‎ 

بركته باقية إلى يوم القيامة إن شاء الله تعالى : [/ا/ا١]»‏ [0417]. 

حمله إلى الآفاق: [57 0]. 

اقتراح بتنظيم هذا الحمل: 21١17791‏ [11517]. 

حكايات الصالحين في الانتفاع به : 

[5/ا١]-[ثلالاء‏ [11486.ء [057]. 

متعلقات بالحرم 

تعدد الأئمة فيه: [١؟7]» .]١77[‏ 

التشويش الحاصل بسبب هذا الصنيع: [111]» .]١15[‏ 

هذا الصنيع مخالفة للسنة: .]١10[‏ 


فهرست الفوائد 





مكبرات الصوت في الحرم ضرورة : 

.]١1 115115٠١ [ ء]1١561[‎ ء]٠١هو0[‎ 

العمرة الرجبية شيء عجيب : [51]. 

ليلة النصف من شعبان في الحرم : [59]. 

الاحتفال برمضان في الحرم: .]5١1[‏ 

إفطار المكيين في الحرم: [85]. 

صلاة التراويح وكيفيتها قديماً وحديثا: 

[5هم1للء [لاماء [195]ء [198]ء .]١5١7[‏ 

اجتهاد الشافعية في أداء هذه الصلاة المباركة : [05]. 
إمامة الصبيان الحافظين وختمهم في رمضان: [01] -[59]. 
ليلة /1؟' في الحرم الشريف: [10]. 


قراءة بعض القراء المصريين القرآن في المسجد الحرام بأصواتهم 
الجميلة: [5؟١].»‏ [965١]ء‏ [95١ك]ل‏ [لا/ا١٠].‏ 


تأثر بعض الحجازيين بتلك القراءة: .]١١57[‏ 


طريقة معيدة فين معرفة أوقات السحور والإمساك في مكة 
المكرمة: [060]. 


الكذب والزور في الشهادة برؤية الهلال: [17]. 


المختار من الرحلات الحجازية 





وصف العيد بمكة: [2)]51 .]١٠١5[ »]7١7[‏ 
صفة الخطبة : .]١٠١١[ »]١5[‏ 
أثر الأذان في النفوس» وهو شرح رائع: .]١١14[ »]١١55[‏ 


صلاة الجمعة في الحرم وأثرها الإيماني العميق: [55١١]ء.‏ 
.]١١7[‏ 


الموازنة بين صلاة الجمعة وصلاة النصارى فئ الكنائس : 
.]١١571/[‏ 

الوعظ في المسجد الحرام: »]!/١1‏ [17751]. 

صفة الاستسقاء بمكة: [17]. 

صورة للاستسقاء : [/ا171١].‏ 

الاستسقاء بالمصحف العثماني تبركاً: [70]» .]١1[‏ 

صعوبة الإذن للناس بأعمال البر في الحرم تصرفهم عنهاء خاصة 
أن بعض الأشراف كانوا يأخذون مالآ عظيماً من مريد التبرع : [191]. 

حيلة ثري أعجمي ذكي في هذا الباب: [50]. 

حج سيف الإسلام أخي صلاح الدين» وكان منظراً عجيباً: 
[65]. ْ 

لصوص في الحرم: [173751. 

حال الرافضة في الحرم: .]1١١[‏ 





ذلهم: [045]. 
جهلهم: .]١71[ .]١59[‏ 
ختمهم في رمضان: .]٠٠١[‏ 
كثير من الأشراف زيدية: .]١58[‏ 
حال ساكني السراة في الحرم: [15571» [1571» .]١61[ »]١08[‏ 
صلاتهم مضحكة: [550]. .]١509[‏ 
ذكاء بعض صبيانهم وفصاحته : [51]. 
بعض آثار مكة ومشاهدها: [77]. 
تأسف بعض العلماء على هدمها: [1117]. 
اتساع مكة بعد ضيقها: [865؟1١].‏ 
مقبرة المعلاة [171]. 
ذكر جبال مكة: [5؟١؟].‏ 
غار ثوق: وسوس :ضعونة فاخو له 8141م ] , 
حكاية فقيهين ضاعا هناك : [/ا77]. 
غار حراء 
الأثر الإيماني لرؤيته: .]١١59[‏ 


قد يضل المرء في بعض مسالكه: [51١؟].‏ 





- 6410 
صفة مكة المكرمة ومساكنها: [٠١/الا].‏ [١ل/الا]ء .]١٠١51[‏ 
مقاهيها: [87/!]. 
جمال الزاهر ووصفه: [/991]. 
أهل مكة المكرمة 
صفة بعضهم : [0190]. 
حال بعض دراويش مكة: [7509]» [71/7]» [17177]. 
عددهم : [7/ا/ا]. 
أصولهم: [570]؛ [5/ا]. 
أزياؤهم : [6ل/ال/ا]. 
كلامهم : [1751]. 
عاداتهم : 
[دكدم]ء [كد5م] [كلاكل]ء [كحك]ا [فلالا]ء .]١1١51[‏ 
عاداتهم في تأجير بيوتهم للحجاج: [1417]. 
عاداتهم في الطعام والشراب: [ه7170]ء. [0١1/8]ء‏ [875/!]. 
صفة وليمة مكية: .]١١70[ »]601/١[‏ 
عاداتهم في الاصطياف : .]/9٠[‏ 


عاداتهم في الزواج: 171/1]. 





- 
عاداتهم في الوفاة: [78/7]. 
محاسنهم 

أ تغافرهم وتسامحهم: [81]. 
ب - إحسانهم إلى الفقراء: [4؟؟]. 
ج - أمانتهم : [9؟؟]. 
د تكافلهم: .]17١[‏ 
ه - هيأتهم : [107]. 
و تقشفهم: [١؟١].‏ 
ز- معرفتهم اللغات معرفة واسعة: [009]ء [501/5]» [/ا/ا/ا]. 
ح - تحجب نسائهم الكامل إذا خرجن: 7851]. 
ط ‏ احتفالهم بختم أولادهم القرآن الكريم: [744]. 

مساوىء بعضهم 
أ- فساد بعضهم: [555]. [51/8]. [571]» [51/5]» [807]. 
ب - مخالفة بعض نسائهم : [١7؟1]»‏ [786]. 
ج- العداوة بين بعض أهلها: [017]. 
متاجر مكة وبضائعها: [58]. [7"”1]. [55]ء [”الا]. .]8١5[‏ 
أثر الحج على سوقها: [600]. 





- 6115 
طعامها 

حبوبها وفواكهها وخضرواتها: 

[1759].ء [١؟ك5ا.ء‏ [لاه ”ل .]9١65[‏ 

بطيخها العجيب : .]7١[‏ [١؟١].‏ 

.]7١[ عسلها:‎ 

لينها وزبيبها: [1؟1١].‏ 

حلواها: [1؟77]. 

رطبها: [7؟]. 

اللحم في مكة 

لحوم الضأن: [75؟]» [١؟؟]»‏ [105]. 

أسعارها: [77/7"]. 

أكثر هذه النعم السابقة الذكر تجلب من الطائف ووادي فاطمة 
واليمن: [75]» [1575]. 

الجواري والعبيد في مكة: [015]. 

.]4٠05[ »]5١1١[ »]559[ : سوق النخاسة‎ 

حر مكة وكيفية التخلص منه : 


[4ه"”]ء [كلاقاء [لالاذا]ء [1497ء [446]. 


فهرست الفوائد 





وحيد القرن في مكة! : [/101]. 
نقد لبريد مكة وبرقه: [1/]. 
المطابع في مكة: [45!]. 
العلم في مكة 
حاله : .]١١77[‏ 
المكتبات : [45/!]. 
المدارس: [451/]. 
صفة الدراسة في الحرم : [1/44], 
صناعة أهلها: .]8١1[‏ 
مصنع الكسوة: .]1١71٠0[‏ 
النقود فيها: .]8١05[‏ 
مستشفى مكة وصيدلياتها: [4808]. 
ظ أوبئتها: [/801]. 
اقتراحات للرقي بمكة وصناعاتها: .]1١770[‏ [1771]. 
المدينة المنورة وهرمها الشريف 


قدوم الئاس من الأطراف لزيارة المدينة النبوية في رجب» وليس 
لذلك أصلى» والله أعلم : [9/1*]ء [5379]. 


المختار من الرحللات الحجازية 





- 6415 
مسجدها المبارك 
بناء المسجد النبوي الأول: .]1717١[‏ 
ذكرياته: [١/ا7١].‏ 
السلطان عبدالمجيد هو الذي بنى المسجد النبوي العثماني الباقي 
إلى اليوم: .]١7١191‏ 
صفته على التفصيل وما كان فيه من النفائس : 51 75/,]» [867]. 


عدم الاستفادة من تلك النفائس. وكان الأولى أن تصرف في 
الجهاد وسد حاجة الفقراء: [75/ا].» [8655]ء» [5١١١].ء .]١١١5[‏ 


جماله وهيبته: [80”"], [487]. .]١1١81[‏ 

الخشوع الحاصل فيه: [1859]» .]١5195[ ».]١١80[‏ 

شوق الناس إليه: »]1١791/[‏ وانظر ‏ للاستزادة - فهرست الحج 
السابق» فقرة: صورة من شوق الناس إلى الحج وزيارة الحرمين . 

خطباؤه ومؤذنوه وخدمه: [؟805]. 

.],7١7[ : مصاحفه‎ 

صفة الأذان فيه: [١١؟].‏ 

إقامة الصلاة فيه : [5١؟].‏ 


صلاة الجمعة: [١٠”]ء‏ [8/١"؟].‏ 





خطبة بليغة: .]86١[‏ 

صفة الوعظ فيه» وهي صورة عجيبة: [170]. 
خطبة مقرونة بالتسول! : [5/]. 

ليلة المولد في الحرم قديماً: [1599]. 


المبالغة في مدح السلطان مبالغة لا تليق في هذا الحرم الشريف : 
[775]. 


إنشاد الشعر فيه : [١٠؟|].‏ 
حجز الأماكن في الحرم: [771]. 


الازدحام على الصف الأول قد يورث شيئاً من سوء الأدب: 
.]771١/[‏ [7"78]. 


بسطهء وكان غالبها مجلوباً من الهند: [957؟1]. 
غرق تلك البسط فى حادثة: [7717]. 
التبرك بالعمل فى المسجد النبوي: [198]. 


لا ينبغي الاشتغال بالدنيا والتباهي بها في الحرم الشريفية: 
.|"١:[‏ 


أغوات المسجد النبوي وصفتهم : [771]. 


مكانتهم : [7؟]. 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 6415 
سعة أموالهم [770]. 
زواجهم!: .]١7١1[‏ 
التنافس على الدخول فيهم: [؟17١].‏ 
محافظتهم على الأدب داخل المسجد النبوي: [59؟7]. 


جملة من البدع في المسجد النبوي المبارك وبعض المشاهد: 
[86م54]ء [5955] [5٠١لالء‏ [زكالالء .]75١[‏ 


التسول في المسجد النبوي : 117/51 [548571]؛ [488]. 

إغلاق المسجد بعد العشاء وفتحه في السحر: [775]. [771]. 
فضل بقيع المدينة المنورة: [115]. 

النبي كَلِةِ أصل كل خير جاءنا من الله تعالى: [1754]. 

عدم الغلو في النبي ته مطلوب: [1١١؟1١].‏ 


شوق الزائرين إلى النبي علد : زه١‏ اال [5١٠٠ال‏ (١٠*"طال‏ 
.]١ "0,71 .]1١11١[‏ 


حبهم له وله : [/ا١١؟١].‏ 
الذكريات أمام قبر النبي يَلكِْهِ وصاحبيه : 


.] ١ ">1١ اخ"‎ .ل؟1١5[‎ ل١‎ 57١[ ال‎ 5٠١ 





العاطفة مطلوبة عند الزيارة : 

.]١١7[ .]١ ١171 .1١551[ 1١٠5١51 
: الاعتبار مطلوب - أيضاً  عند الزيارة‎ 
.]١١7١5[.]١5١٠١[ ل١١١6[‎ ء.1١١٠١:غ[‎ 


المبالغة في تزيين الحجرة النبوية على مر العصور حتى وصلت 
إلى ما وصلت إليهء ونقد ذلك نقداً جيداً طويلاً: [5 .]١7١6[ ,.]١١١‏ 


صعوبة وداع النبي يكل : [475], [171770]. [17174]. 


صفة وداع ابن جبير النبي كَلهْ وقد كتب بأسلوب رائع مشرق: 
/ا/ا]. 


التبرك بآثار النبي كَلِهِ الصحيحة النسبة إليه فقط: [81]. 
حال العلم الشرعي وغيره, 
وحال المناصب الشرعية في المدينة النبوية المنورة 
ثراء كثير من المناصب فيها وفي غالب البلاد المشرقية: .]1١5[‏ 
قاض تركي نزيه قتل فيها: [707]. 
عادة مدرسي العلم : .]!5١:5[‏ 
تعلم أهلها العلم: .]١١91[ .]5١5[‏ 


دراسة بعض أهلها القرآن فى مصر فى الأزمنة المتأخرة: [5017]. 





خلو المدينة ‏ تقريباً - من دراسة العلوم الحديثة في القرن الثالث 
عشر وبعده: .]١١91١[ .]48575[ .]0١5[‏ 

حال المدينة العلمي في أوائل القرن الرابع عشر: 

.]955[ .]555[ 





بعض علماء المدينة المتأخرين: [9157]. 
مكتبات المدينة: [869]. .]١١95[ .]١١96[‏ 
عدم إقبال أهل المدينة عليها على وجه مرض : 
]١١95[‏ [1لا9١١].‏ 
اقتراح بشأنها وقد تحقق: .]١191/[‏ 
مدارسها: [857]. 
وصف لبعض مدارس المدينة النافعة: 97/1 .]1١778[ »]١‏ 
جرائدها: .]851١[‏ 

حال أهل البدع في المدينة المنورة 
العجم الروافض: [/1581» [1597» [11948]. 
لا يسلمون على الشيخين ويحاولون تلويث قبريهما: 
[*597إ]ء [لاىمة]. 


النخاولة الروافض: [787]» .]7١9[‏ 





0415 
ذلهم : [515]ء. [5956]. .]7١9[‏ ظ 
كره أهل المدينة لهم: [95؟]. 
نكاح المتعة بين هاتين الفئتين العجم والنخاولة: [495]» .]7١09[‏ 
الاستفادة التجارية تكاد تكون منحصرة بينهما: [195]: [194]. 
وصف المدينة المنورة 
الخيال يسرح في معاهدها الشريفة: .]١١١5[ .]١١١[‏ 
[7ى ١‏ ]. 
طهرها من الخبث إلا القليل النادر» ولله الحمد: [/501]» [508]. 
صفتها: [071؟]. 
شدة حرارتها وصعوبة مناخها حرسها الله تعالى: .]7١1/[‏ 
شدة بردها: .]١١48[‏ 
حمايتها من الوباء: [41/60]. 
جمال المدينة وبساتينها .]١١95[‏ 
منتزهاتها: [١81١؟].‏ 
صفة بيوتها القديمة [541]. 
سعر أراضيها: [١١٠٠].؛ .]١١85[‏ 


مشاهد المدينة : [7/ا7١].‏ 


المختار من الرحلات الحجازية 





هق 


وصف عام للمدينة في القرن الثالث عشر: [15894. 





وصف عام للمدينة في القرن الرابع عشر: [805]» .]١١89[‏ 
وصف عام للمدينة في أواسط القرن الرابع عشر: 
[11457]ء .]١183[‏ 

وصف آبارها وعيونها: [1/5؟]. 

تسمية عينها بالزرقاء لحن والصواب عين الأزرق 11/1/1]. 
وصف أوديتها: .]١18١0[‏ 

كان بالمدينة زراعة عظيمة وبركة في الحصاد : 

[4لاكا]ء [4/ا؟ا]ء 81/71 ]. 

تجارة المدينة : [599]؛: [506]ء» [/861]. 

بعض صناعاتها: .]١779[‏ 

بعض مؤنها كانت تأتيها من الحبشة : [1871]. 

أسواقها: [559].» 1/ا4]ء [855]. .]١188[‏ 

إنعاش الحجاج سوقها: [1519]. 

أسعار البضائع: .]0٠1[‏ 

غلاؤها في المواسم: .]5١0[‏ 


جودة فاكهتها وتنوعها: ,]7١5[‏ [100]., [17171]. 





فهرست الفوائد 0 

جودة أكثر تمرها: ».]50٠[‏ [505]. [868]. ["ا/ا17]. 

السبب في تردي أحوال المدينة المنورة: 

.]١١٠١[ ]١1١99[ للا١5و4[‎ لا1١١5١[ [كحالل‎ 

. أثر السكة الحديدية عليها واقتراح بإعادتها: .]١١85[ »]١١1417[‏ 
أهل المدينة المنورة 

.]١147[ .]11837[ .]1١59[ »]851[ عددهم:‎ 

وصف عام لهم في القرن الثالث عشر: 

[لالاغا]ء [5955]ء .]5٠١0"[‏ 

وصف عام لهم في القرن الرابع عشر: 

.]4571[1 ءلال١ى[‎ ء]الء١كل‎ 

عاداتهم في معاشهم: [/3791]. 2 

رفاهيتهم : [١٠؟].‏ 

كثير منهم يعيش على زيارة الحجاج : [8١/ا]»‏ [855]» .]١141/[‏ 

جواريهم: [507]., [9/11], [777]. 

قيلولتهم : [/ا١5].‏ 

من عادتهم التهنئة بدخول كل شهر: .]7١060[‏ 

من عادتهم في الضيافة [1144]. 





افده 
من عادتهم في الخصومات: 77171]. 
من عاداتهم في النكاح : .]1١1١1 2]1015[ .]7١5[‏ 
كان من عادتهم تعدد الزوجات: .]١15170[‏ 
من عادتهم مع مواليدهم: [858]. 
صفة العقيقة: [١5؟/ا].‏ 
من عاداتهم في الوقاة: .]١١15[ »]859[ »]!/١10[ .]5١7[‏ 
من عاداتهم في الطعام: .]7١9[‏ [500] 
من عادتهم فى رمضان: [/١/ا]ء .]4817١1[‏ 
عادتهم في صلاة التراويح : »],١4[‏ [41711]. 
صفة عيدهم : ».]!/1١9[‏ [48175]. 
من عادتهم في النزه: [8151]. 
من محاسنهم 
طيبتهم ورقتهم : 
[١1١ما.ء‏ [58كا1.ء [كلاماء [5؟9١1١11.ء .]١555[‏ 
حسن استقبالهم للوافدين : 
[١٠58]ل‏ [55م]. [لاءلالء [ككمال.ء .]١١7":[‏ 


كرمهم: [لاأمل [ل/االال [:"*؟١].‏ 





.]١١951 توكلهم:‎ 

تحجب نسائهم ومكوثهن في البيوت : 

[١1/ا”ا]ء‏ [1585ء ["87غ]. 

نساؤهم مدبرات حافظات لبيوتهن : »]15٠1/[‏ [85717/1]. 
من مساوىء بعضهم 

مخالفة بعض نسائهم لأزواجهن مخالفة ذليلة: .]717١[‏ 


إكثار بعضهن من الخروج للنزه وتكليف الأزواج ما لا طاقة لهم 
به : [6/١؟].‏ 


خروج بعض النسوة متطيبات: [71/7]. 

الموسيقى «الطرب» والولوع به: .]١١97[‏ 

إسراف بعضهم: .]/١5[‏ 

تواكل بعضهم : .]5٠١١[‏ [751؟١١].‏ 

اعتماد بعضهم على ما يأتيهم من الصدقات أو سفرهم إلى 
الخارج للغرض نفسه : 

آلاؤذاء .]5١095[‏ [1555ء [لا4ا1ا].ء [1438١1]ء‏ [07/1 7 .]١‏ 

تغير حال أهلها بنضوب تلك الموارد بعد ذلك : .]٠١1/١[‏ 


عد بعضهم الحرف ضعة : [٠*:٠هة].‏ 


المختار من الرحللات الحجازية 





- 015 
أخلاق بعضهم سيئة» وهم القليل ولله الحمد: [005]. 
جفاء أعرابها وجهلهم قديماً: [4”؟]. [550؟]. [11"]. 
سبب هذا الجفاء : .]١57[‏ 
المقارنة بينهم وبين أعراب المغرب: [751]. 

الإسلام والمسلمون والأديان الأخرى 

صفة الإسلام الحق: .]١5١75[‏ 
الإسلام دين عظيم يحمل على التكافل والتآخي: .]١١117[‏ 
عظمة دين الإسلام وعمل الكافرين على إضعافه : 
[55١١غ]ء» .]١١58[‏ 
عظمة القرآن الكريم: [60١؟١١].‏ 
الأخوة بين المسلمين: »]١١١8[‏ [7١؟7١].‏ 
نساء صالحات : [7”5/ا]. .]١١17[‏ 
حال الناس في بعدهم عن الإسلام: .]17١١[ »]1١١8[‏ 


تردي أحوال كثير من الشباب في أوائل وأواسط القرن الرابع 
عشر: »]8941١[‏ [845]. 
كان الحجاز فى مأمن من هذا الفساد: [896]. 


ما السبب فى تأخر المسلمين: العلماء أو الحكام: .]١555[‏ 


فهر ست الفوائد 





المقارنة بين أعداد المسلمين وتأثيرهم وأعداد اليهود وتأثيرهم : 
.]١١١9[‏ 


ضلالة عقدية عند بعض المسلمين 

استخدام الدين غطاء للفجور: [575]» [1737]. 
تبرير بعض العلماء هذا الصنيع» وهذا عجيب منهم: [578]. 
مجاراة بعض العلماء هذا الصنيع» وهذا عجيب: [47/8]. 
رد هذه الضلالة: [478]» [440]. 

النصرانية 
اجتهاد النصارى في ضلال: .]١79[ »]١78[‏ 
عجيبة جرت لرجل صالح معهم : .]1١81/[‏ 


اشتراط السلطان المملوكي على نصارى جنوب مصر استضافة من 
يمر بهم من | لمسلمين : .]١7١١[‏ 


نموذج جيد لنصراني أسلم: [778]. 
أسرى مسلمون عند النصارى: [759]. 
نصراني ادعى الإسلام وقتل أحد الصبيان في الحج: [/101]. 


دير كاث و ليكي في جبل الطور. ودفع النصارى الأموال للدولة 
العثمانية حتى تسمح لهم بزيارته: [705]. 





-20 
النهودية 


المقارنة بين أعداد المسلمين وتأثيرهم وأعداد اليهود وتأثيرهم : 
.]١١١9[‏ 


بعض اليهود في جدة قديماً وأثرهم الأخلاقي السيء: .]١111[‏ 


المقارنة بين دين الإسلام وأهله وبين بعض الأديان الأخرى: 
[:5؟”ل]لء [آالاهة]. 


رجل ياباني أسلم وجاء للحج : [ "الال ]. 
رجل غربي أسلم والتزم الدين: [778]. 


رجل هولاندي أسلم وجاء للحجح. وذكر سببا إسلامه وعظمة 
الإسلام وعمل الغرب في إضعافه : [55١١]ء .]١١58[‏ 


العلم والعلماء 
أ-العلم 
«راجع ‏ للاستزادة - فهرست مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة 
ففيها كلام عن العلم والمدارس وطرق التحصيل» . 
مسائل علمية 
الحج: 
الخلافات الفقهية وأثرها على الحجاج: .]١١51[‏ 





نك 

هل الأفضل الحج ماشياً أو راكباً: [104]. 

هل الأفضل السعي ماشياً أو راكباً: [7771]. 

حكم النفر قبل الغروب: .]١١8[‏ 

حكمة الإسراع في وادي مَحَسّر: [9:09]. 

صلاة الجمعة والعيد للحجاج : .]94٠١[‏ 

التكبير فى منى وصيغته وعدده .]9١19[‏ 

أيام التشريق وسبب تسميتها بهذا الاسم [414]. 

سبب كثرة ذكر منى في الأشعار دون غيرها من المناسك: 
.]95١[‏ 

جواز حمل الشمسية للحاج بل هي الأفضل: [19717]. 

الحرم: 

قراءة القرآن في الطوافف: [47]. 

هل الأفضل الطواف أو صلاة التراويح : [97]» .]١95[‏ 

مسألة الصلاة في السقائف هرباً من الشمس: »]١57[‏ [1717]. 

ما معنى زمزم طعام طعم؟: .]١15[‏ 

الماء المسبّل في الحرم هل يشرب منه: .]1١١1[‏ 

موضع صلاة النبي يلَِدِ فى الكعبة: 51 47]. 





-40 0 
حكم المجاورة بمكة بعد الفراغ من أداء المناسك : [585]. 
مسائل علمية متفرقة: 
لبس الخطيب الحرير: .]١99[‏ 
القراءة بالألحان: .]١95[‏ 
الالتزام بالمذهب في الصلاة وأثر ذلك على المأمومين المخالفين 
فى المذهب: .]75١١[ .]7١9[‏ 
الالتزام الدقيق غير الواعي بالمذهب قد يؤدي إلى فتنة : .]1١51[‏ 
اختلاف النية بين الإمام والمأموم عند المالكية: .]5١1١11‏ 
مسألة القيام للعالم: .]١971[ »]١91[‏ 
مناظرة مع بعض الرافضة: [107]. 
مرجع الضمير إذا لم يذكر: [89]. 
مسألة في التصدق على مجهول الحال وحكم التسول: [971]. 
تفسير حديث «رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة»: [11171]. 
امرأة 'دعت أن رجلا اغتصبها: [517؟١].‏ 
ب - العلماء 


العالم سبيل لحفظ الدين: »]١75751[‏ [17717]. 


وجوب إحسان الظن بهم: [40]» [41]. 





فهرست الموائد 

عناية الملوك بالعلماء: [5/ا١٠]. .]١١55[‏ 
صفة العلماء العاملين 

مراعاتهم بعضهم بعضاً: .]٠١1/[‏ 

.]١١١[ جهادهم:‎ 

شجاعتهم : .]١٠١5[‏ ظ 

أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر: [/11751./ 

الأذى الناجم من الاحتساب : [717]. 

همتهم : [ه/ا١٠١٠].‏ ظ 

حفظهم أوقاتهم : [؟*ااك [حذلطكا]ء [هلا١٠].‏ 

اي ا الصلاة جماعة : [477]. 

كثرة اعتمار أحدهم: [10؟]. 

.]١١5[ »]١١5[ : أدبهم‎ 

إحسانهم : [57؟]. 

كراماتهم: [؟5١٠].‏ [5١٠1]ء‏ [155]. 

حال عالم مع زوجه: [179]» [575]. 


رأي عجيب لأحد العلماء: ["؟'ه١٠١].‏ 


تعليمهم العلم وتأثر العامة بهم : 





-6 
[غ:١٠15ء .]95١05[ .]5١5[‏ [977]. 
وعظهم العامة: .]١١91١[‏ 
قراءتهم العلم على أهل الحرمين: [47؟]» [1585]. 
الأثر السياسي لهم : 
[1ثذل [لا١ذاء‏ [455). [555.ء [955]. 
قد تخفى عليهم بعض الألاعيب السياسية : [971]. 
علماء في الحرمين : 


زلامل [١١كل‏ [هم١كل‏ [م١كل.ء‏ [١آاآاكل‏ [*١١طكل‏ [ممللء 
[؟ *7]. [85ه]. 


ليس لهم رواتب جارية قديماً: [/0941]. 
العلماء المالكية فى جزيرة العرب: .]:٠١[‏ 


المذهب المالكى ضعيف انتشاره فى الحرمين: [77]» [2]1875 
[9١؟].‏ 


امرأة عالمة: [484]. 
زلل بعض العلماء: [5١؟].‏ 
ادعاء بعضهم الاجتهاد وهم ليسوا أهلاً له: [99؟١١].‏ 


إسماع بعضهم العلم بالمال: .]9١[‏ 





الدول والسلاطين والملوك والخلفاء والأشراف والوزراء. 
عز الملوك والرؤساء بالانقياد إلى الشرع والانتساب إليه: [77”0]. 


ما كان عليه أبوبكر وعمر ‏ رضي الله عنهما ‏ من الأخذ بأحكام 
الشرع المنيف: .]1١١١71‏ 


قيام الخلفاء سابقاً بالحج بأنفسهم أو ممن ينيبونه من العظماء 
وفائدة ذلك: [5١81]ء .]١١68[‏ 

اعتناء أمراء المسلمين بالحجاج والتوصية بهم: [5؟١]» .]١15[‏ 

مآثر صلاح الدين في خدمة الحجاج: »]١١[‏ [18]» [188]. 

الدولة العثمانية 

اعتزاز المسلمين بها: [507/]. 

أول من لقب بخادم الحرمين الشريفين: [730]. 

بعض آثارها الحميدة في الحرمين: [1170]. 

القلة النسبية لما ترسله الدولة العثمانية إلى الحرمين: [547]. 

صلاح بعض ولاتها: .]175١1[‏ 

السكة الحديدية ومآلها المحزن: 

.]١1860[ ء]غ١١18*[‎ 1٠١٠٠١ [/عض‎ 


صعوبة صيانتها قديماً: .]١١76[‏ 


المختار من الرحللات الحجازية 





- 0 
ضعفها: [١20"؟]. .]4١17[‏ 
تخبط بعض سياساتها: [1949]. 
تساهلها مع بعض مظاهر الفساد: .]١١51/[‏ 
ضعف الجنود العثمانيين وتعدياتهم: [91/5]» [111]. 
جناية بعض ولاة العثمانيين في الحجاز : [4 "لا]ء [١5ل/].‏ 
فشو الرشوة في العثمانيين حتى في بلادهم : .]1١1[‏ 


أثر جمعية الاتحاد والترقى فى هدم الدولة العثمانية: [614]» 
.]51١5[‏ [ه١1اء‏ [558]. 


أشراف الحجاز 
الحكومة في مكة وصفتها: [719]. 
تعدد أصحاب السلطة في المدينة المنورة: [777]» [771]. 
عادات بعضهم في حكمه وأحواله المختلفة: [1/8/ا]. 
سبب شدة بعض الأشراف : [7715]» وهو ليس بعذر. 
تحايل بعضهم وخبثه وظلمه : 


١ :5[‏ [ه5 ١ل‏ [84ممل [ل/الاكل [585].ء [95؟ا] [ه"7]. 
[زلالا/ا] _ [هئ ! ]. 


أخذهم الضرائب ظلماً في كثير من الأحيان : 





- 


[لالاكلكء [دذلاك كلك زام كلك [95؟/ا]_ زهث"ا/ا]ء [لاثالا]ء [١17/51ا]ء‏ 
[57/]. 


إيثارهم مصلحتهم على المصلحة العامة في بعض الأحيان: 
٠[‏ ٠/9و‏ ]. 


رفع شكاوى بمظالمهم إلى السلطان العثماني : 
ا [ا خلال 81ل ]. 


الكتابة في الجرائد الهندية والمصرية بما عليه بعض الأشراف من 
الظلم : [١7]-_[ه‏ "7 ]. 


رسالة قوية من أحد العلويين في شأن فضائح أحد الأشراف: 
[4"/ا]-[75:5]. 

نظم أحمد شوقي قصيدة قوية في شأن هذا الشريف وظلمه: 
[5:ل/ا]. 

التفاف الناس على الجيد منهم: [8571!]. 

العدل النسبي الذي وصف به بعضهم : 

[الاالء 179[1١لء‏ [ىماناء [159]. 

الشريف حسين 
إخراج الشريف الأتراك من الحجاز: [/151]. 


الشريف حسين وحال حكومته بعد الثورة على الأتراك وإخراجهم 


المختار من الرحلات الحجازية 





- 0 
من الحجاز: .]4١١[‏ 

كان يُظَّن بأن الشريف حسين يبايع ملكا على العرب : 

.]9١5[ ء]4١١[‎ 

صفاته وعاداته: [975]. [467]. [94607]. 

أثره في قطع الفساد عن جدة : .]١7717/[‏ 

أثره في بسط الأمن النسبي في بعض مناطق الحجاز : 

[لاذكماء [14899ء [١٠19ء‏ [955]. 

بسط سيطرته على الأردن: [405]. 

الحكومة المصرية 

صرفها الأموال لأشراف الحجاز وأعرابه وفقرائه : 

.]١١8[ [585اا]ء‎ 

مآثرها في الحجاز : 

[ دلا [4 ]ل 7*1 "ال [65؟*آال]ء [58*للء .]١1753[‏ 

التكية المصرية ‏ وهي من جملة المآثر -: 

[ ةلال [5:لاىحما]ء [48؟١1]ء ١77071‏ ]. 

الأوقاف المصرية: .]١579[‏ 


حج الخديو عباس حلمي حاكم مصر: [1417]. 





رؤيته الفقراء أثرت فيه: .]4١5[‏ 
تواضعه في الحجاز: [51!]. 
فضل مصر على الحجاز وأهله : 
.]٠١3٠١[‏ [75/١٠]ء‏ إضافة إلى ما سبق . 
أثر بعض المصريين في الحجاز: .11١755[‏ [1775]. 
المرجو من الحكومة المصرية دوام المساعدة: .]1١115[‏ 
فضل الحجاز على مصر: .]١٠١/١[‏ 
الحكومة الهندية 
حج ملكة بهوبال الهندية» وكانت - والله أعلم ‏ امرأة صالحة : 
[””ل/ا]. 
عمل صالح لرجال هنود في الحجاز: 
171ل 1771 ].ء [/130]ء [8؟ ١‏ ]. 
الحكومة السعودية 
الجزيرة قبل الملك عبدالعزيز: [1٠5١]؛ .]١504[ »]١5٠86[‏ 


اقتراح بمساعدتها في الإنفاق على الحرمين: [147], [144]: 
زكه*7١]ء‏ [50*"#اللء [1*55ل]ء [هك”*ا]ء [كك* ]ل [:لااكل 
[ه/ا**١‏ ]ل [5/او" ١‏ ]. 


المختار من الرحلات الحجازية 





1 
الملك عبدالعزيز 

"/اة]ء [9100]. 

عمله في توحيد الجزيرة: [5505١]ء .]١508[ »]١501/[‏ 

.]٠١59[ »]٠١٠١65[ من عاداته:‎ 

صفة موقفه فى عرفات: .]٠١١51[‏ 

قراءة العلوم فى مجلسه: .]١١85[ .»]٠١895[‏ 

العدل في زمانه : .]١١6١[‏ 

الأمن في زمانه : 

ءلل١55[‎ ء.ك٠١1[‎ ء.لك١56ه[‎ ء.ك٠١798[‎ .]1١٠١5:[ [999]ء‎ 


[؟؟*#كالل [٠١٠هخ"١‏ ]ل [١اه”" ١‏ ]. [ا هال [*#ه"١]ء .]١35060[‏ 
[*م*ال [لا١٠:ة١للء‏ [م٠١٠:١للء‏ [5؟؟:١)].‏ 


اللصوصية شيء نادر آنذاك» وصور عليها: [1174]» [17179]. 
سياسة الملك عبدالعزيز في إرساء قواعد الأمن: .]١797[‏ 
سياسته الحميدة في العزل والإبقاء: .]1١١11/[ »]1٠٠١7[‏ 

عفن ازا دستائلته واليم فى تواضخهم : .]١٠١8٠١[‏ 

سياسته مع الأغنياء: .]٠١757[‏ 


سياسته في فتح الفنادق الجديدة : .]١١71[‏ 





عنايته بالمدارس: [*17], [1775]ء [10]. 
عنايته بالعلماء: [5/ا١٠]» .]١١65[‏ 
عنايته بالحجاج : 


١١6[‏ ل ١77١1‏ ]ء [3*16 ال 1١5ل‏ تال 1301ل 
[5545١1ء‏ [175:48لء .]١759[‏ 


عناية من جاء بعده من الملوك بالحجاج : .]١51١6[‏ 
الملك فيصل 

صفته وبعض أخلاقه: .]٠١78[‏ [0١٠]ء‏ [5/ا١٠].‏ 
عبدالعزيز بن إبراهيم أمير المدينة 

صفته وبعض أخلاقه : ..]١١51/[‏ 

صفة مجلسه : .]١١١١[‏ 

من عاداته: .]١1777[‏ 

أخذه الناس بأحكام الشرع: »]١٠١54[‏ [11917]. 

أمير القريات: .]١٠١85[‏ 

.]١755[ .]١7554[ .]١7؟51/[ أمير العلا:‎ 

دينه وتعظيمه العلماء: .]١766[‏ 


.]٠١9:7[ ».]٠١9٠1[ : أمير تبوك‎ 


المختار من الرحلات الحجازية 





-2 
عبدالله السليمان: .]١١11/[‏ 
لطفه: .]١١569[‏ 
مهدي بك مدير شرطة الحجاز: .]٠١1/7[‏ 
ذكر بعض البلدان والقرى التى يمر عليها الحجاج 
الحجاز 
حجاب النساء في الحجاز سابغ : .]١١15[‏ 
طعامهم مرتان في اليوم إلى عهد قريب: .]٠١١9[‏ 
طريقة إعداد الطعام وتقديمه: .]١١5١[‏ 
أحوال ومظاهر في الحجاز: .]٠١1:[‏ 
كان شباب الحجاز فى مأمن من الفساد وتيارات الشبهات 
والأهواء والشهوات: [444]. 
صور من نهضة شباب الحجاز : .]١751[‏ 
استبشار أهل الحجاز بالمطر: .]٠١١75[ »]٠١١١[‏ 
جدة 
صفة مينائها وماؤه: [١/ا9].‏ 
صعوبة مينائها: [/ا]» [59/!ا]» [888].» [١١١٠]ء .]٠١55[‏ 


صفة حدة : 


فهرست الفوائد 





الغذلكا 


[4] [*ه كل [؟دكتل [لرممع [تحمحل [لاكحل [مئلا]ء 
[١هة/اض]لء‏ زدهلال [د لال [الاقل [#١ا‏ ١ل‏ زهمك١كل‏ [١51ا١لل‏ 
[5:5:١٠]ء[١١7١].‏ 


.]١787[ ارتقاؤها:‎ 

تعداد أهلها: [/ا6/]. 

أصولهم : »]5١١[ .]1١[‏ [5745]ء [لاه/ا] .]1١777[‏ 
جملة من وجهاء أهلها: [4890]. .]١787[‏ 

.]١١1١8[ ء]١٠١١5[ كرمهم:‎ 

فساد بعضهم: [//ا5]. .]1١5[‏ 

بعض صور الفساد فيها: [01/8]. .]١7717/[ .]١7765[‏ 
سوق الرقيق : .]1١١[‏ 

من عادات أهلها في النكاح : .]11١17[‏ 

مدارسها وحال العلم فيها: [58/,]. [59/!]ء .]٠١55[‏ 
مكتبة نصيف ونفاستها: .]١787[ .]٠١54[‏ 

تجارة أهلها: .]5١09[‏ [5هلا]. [55ل/]. 

أثر الحج عليها: 711]. 

حال الأغراب فيها: [/651/!]. 


المختار من الرحلات الحجازية 





644:0 
تعرضها لغزوات البرتغاليين والإنجليز: »]!/01١[‏ [67/]. 
صفة صلاة الجمعة فيها: [8؟7؟١].‏ 
بعض مظاهر التصوف وطرقه: [/ا١1].‏ 
ندرة وجود الملاهي فيها: .]١١515[ »]١515[‏ 
حال جدة مع المطر: .]١٠١71[ .]٠١١5[‏ 


العجيب أنه كان بشوارعها مجار لتصريف ميأه الأمطار منذ و ١"‏ 
سنة تقريباً: [/ا5]. 


ندرة ميأه الشرب فيها: زم١٠‏ كل [؟؟7؟١].‏ 
رابغ 
[5/ا١١للء .]١١7١[‏ 
وصفها في القرن الثاني عشر: .]4٠51[‏ 
وصفها في القرن الثالث عشر: [107]. 
وصفها في القرن الرابع عشر : [هكول]ء [#*١٠٠٠ل1. .]١5١9[‏ 
وصف أهلها: [555]. .]٠٠١5[‏ 


فقر بعض أهلها: .]١5١9[ .]١5١4[‏ 





-5 


الطائف 
وصف مفصل للطائف ومزارعها وفاكهتها وأهلها: [400]. 
[4949]. 
مدارسها: [/90]. 
بحرة 


[؟كلااء [حمقكماء [5لاقاء [؟7١١1اء .]١5١1١[‏ 
وادي فاطمة ووادي الليمون 
[«تكل [عذكلء .]٠١٠١[‏ 
حدة: [119]. 

بستان السليمان بها:  .1]١١/8[‏ 
تول: .]١7178[‏ 

.]1١7[ بدر:‎ 

آبار علي: .]1١1177[‏ 

الوجه: [7505]. [879]. 
الموبلح: .]7١95[‏ 

.]١١١[ أبلة:‎ 


مدائن صالح: .]١١15[‏ 





-61450 
حجر ثمود: [87]: .]1١١[‏ 
اقتداء الحجاج فيه بالنبي بَلدْةِ فى عدم شربهم ماءه : .]7١69[‏ 
العلا: [5١1١١]ء.‏ [١5١١١]ء. .]١١595[‏ 
جمال بعض حدائقها: .]١١591»]١١5١[2]1١١١9[ »]١١١5[‏ 
تبوك: .]١١9517[‏ 
القربات: .]٠١81[ .]٠١81[‏ 
العقبة: [/8؟]. 
العرب والأعراب والصهراء 
قبائل العرب الواقعة في درب الحج: [554]» ["1177]. 
تقاتلهم فيما بينهم : [779]. [78]. 
شجاعتهم : .]١١١5[‏ 
إغارتهم على الحجاج ونهبهم وقتلهم : 
انظر فقرة الصعاب في فهرس الصعاب التي يكابدها الحجاج عن 
طريق البر ففيه إحالات واسعة عن حال الأعراب . 
جهل كثير من الأعراب وقلة دينهم وجفاؤهم : 
[“١٠لء‏ ["“*ال [ى*”"اء [١:"الء‏ [055]. 


المقارنة بينهم وبين أعراب المغرب: .]١5١[‏ 





من الأعراب مَن هو صالح : 

[١1٠15.ء‏ [1555ء [1558ء [555]ء .]9٠0٠١0[‏ 
بعض عاداتهم حسنة : [1751]» [187]. 

.]١١1/65[ ء]٠١81/[‎ .]1١٠١80[ كرمهم:‎ 

بخل بعضهم: .]515١[‏ 

عاداتهم في استقبال الضيوف وتوديعهم: .]١١85[‏ 


وصف أعراب الحجاز وألعابهم وهيآتهم ولباسهم وطعامهم 
ولهوهم وخيولهم . 5 إلخ : [1579]ء [١٠كماء‏ [7”5كالء [1539]. 


عدم مهارة بعضهم في الرماية على عكس المشهور عنهم . 
[1":]. 


مهارتهم فى الصحراء : [81١١]ء‏ [١١١٠1]ء .]١١١9[‏ 
خطر العقارب في الصحراء: .]١١١8[‏ 

مهارتهم في العلاج ببعض الأعشاب: .]١١١5[‏ 
أنواع من شجر البادية: .]١١١5[‏ 

وصف جميل للصحراء : .]١١89[‏ 

مناظر الصحراء الجميلة: [٠7؟7١].‏ 


اعتناء الأوروبيين بالصحراء فى آسيا وإفريقيا: [/ا9]. 





-14 0 
ذكر طرائق تعلمهم: [171]. 
حالهم مع النقود وجهلهم بها: [8607]. 
وصف بعض نسائهم : [0؟ .]07‏ 
ذكر نكاحهم: [170]. [178]. 
ذكر جنازتهم: [011]. 
عاداتهم في الطعام والشراب : 


.ء]٠١ةؤا/ل[‎ ل٠١ة؟ه[‎ .ل٠١9غ([‎ ء.ل1٠١ملز[‎ ل١ [لام‎ لاك١مع[‎ 
.]١١6*[ لا1ا١1١ا/[‎ 


بعض عاداتهم لا تناسب الحضر: بعض السابق مع: [7١١١]ء؛‏ 
.]1١١7*[‏ [7ا7١١].‏ 


وصف حجهم وعمرتهم وصلاتهم ودعائهم2. وهو شيء عجيب . 
[“*:5]ء [ه5].ء [9ه6١لء‏ [مدحكل [آاكلاء .]١1١١5:[‏ 


تأدبهم في الحرم: .]4١17[‏ 


كراهتهم لبعض المخترعات الحديثة التي تناقض مصلحتهم 
وإفسادهم لها: [؟565]. [1918]. 


رحلات الغربيين العافرين 
كانوا يرحلون متسترين : [/اة .]١‏ 


حذرهم: [48١ه]ء‏ [”7كهلء [58ه]. 





خوفهم من انكشاف أمرهمء ونصيحتهم لمن يصنع صنيعهم 
بالتنكر الكامل: [574]. ظ 

أكثرهم كان جاسوساً على المسلمين ليعرف مكامن ضعفهم 
وقوتهم: ,.]١59[‏ [157]. 

خوفهم من اتهامهم بالتجسس : [520]. 

تسجيلهم الملاحظات : [4هغ] [1؟60]. 


جلدهم وتحملهم في سبيل خدمة أغراضهم : 
[5د؟اء [0١5غاء‏ [١55].ء‏ [41/1]. 

أخطاء بعضهم : [585]. 

حقد بعضهم: .]١05[‏ 

كدب يعضهم رعداعهم الاين وامكااتيم ليم 
[4ه0 15ل [١17١]ء‏ [51؟]. 


أداؤهم المناسك وهم باقون على كفرهمء نسأل الله السلامة: 
[:6:4]. 


رؤيتهم للأماكن المقدسة بعين غريبة خالية من العواطف: [185]. 
اهتمام بعضهم وحرصه على أن يطبق المسلمون الشعائر: [541]. 
رأيهم في بعض المسلمين وتقاعسهم عن الحج: [417 7]. 





-440 6 
ملاحظتهم تمسك المسلمين بشعائرهم من عدمه: [015]. 
ثناؤهم على بعض الشعائر الإسلامية : 
[4ه55]ء [؟155ء [لاحه]. 
تأثر بعضهم من رؤية الكعبة: [90157]. 
المقارنة بين دين الإسلام وأهله وبين دينهم وقومهم : 
[: ”أل [الاهة]. 
تعجب بعضهم ممن يتحول إلى الإسلام من الغربيين: [/737]. 
نموذج ممتاز لغربي أسلم والتزم الدين: [778]. 
تعجبهم وتأثرهم من عادات المسلمين الحميدة : 
8١[‏ "ل [لاهئا]ء [557]ء [5لاةا]ء [/اقه]. 


تعجبهم من عادات العرب السيئة التي لا يكادون يعرفونها في 
بلادهم : [هة:]. 


رأيهم في تواكل بعض المسلمين: .]51١[‏ 
بعض توقعاتهم الصائية: 151511» [519]. 
اقتراحاتهم: .]01١1[‏ 


تعجب نائب القنصل البريطانيى في جدة من صنيع أحد الرحالة 
ومجازفته بدخول المشاعر المقدسة : [01/5]. 





نقد أحد الرحالة حكومة الهند البريطانية بسماحها لفقراء حجاج 


الهنود بالسفر إلى الحرمين» وهذا يعني - في نظره - موت أكثرهم 
جوعاً وفقدان القوى المنتجة: [559]. 


دهاء القناصل البريطانيين: [601/60]. 
خبث بعضهم وفساده: [777]. 
عجانب متفرقة وقصص وطرائف وتوادر 
العجائب والقصص 
عذوبة جزء كبير من البحر المتوسط لمصب النيل فيه: [765]. 
عجيبة من خيال العوام: [0؟1؟]. 
حكاية الجن مع الرجل الصالح: .]١1851[‏ 


أشخاص مونى لم تأكلهم الأرض وَليسوا بمدفونين . ولعلها 
المومياءات: .]1١95[‏ 22 


زواج بعض الأغوات! : [770]. 

من العجائب في الزواج: [1771]. 

رجل يجامع زوجه في الحرم الشريف! : [51771]. 
عجيبة جرت في دير: .]1١7١1[‏ 


شاب ظن أن ماله سرق ففقد عقله: .]57١[‏ 





غ0 

قصة في الحقد المهلك : [/161]. 

مائدة إفرنجية مدهشة فى صحراء : [15!]. 

رجل صالح بقي أعوامآ لا يتكلم أبداً: [1١5؟].‏ 

عجيبة في الوسوسة: [7578]. 

عجيبة جرت في طريق مكة : [“9]ء [7/8ا١١].‏ 

عجيبة فى جبل رضوى : .]١١1151[‏ 

كتاب صنف على نسق عجيب : [815]. 

عجيبة في مهارة المماليك في الرماية : [١5؟].‏ 

عجيبة وهي اليوم يضحك منهاء ولله الحمد: .]١911[‏ 

طلب عجيب غريب - إن صح - من قائد قافلة حجاج الشام في 
بعض الأزمنة: [105]. 

عجائب القافة الذين يقصدون الأثر : »]١41/[‏ [975]. 

الفراسة عند بعض أبناء القبائل : [169]. 

الختان عند بعضهم : [(471]. 

صبر بعضهم على الألم: [9717]. 


فصاحة بعضهم : (4"1]. 





04 م 
الطرائف والنوادر 

[9"]ء [0٠١٠5إ]ء‏ [5:]ء [5ة]ء [*”“١٠]ء‏ [لا1ل]ء .]١6١9[‏ 
[كككاء [ثلالاء [165لء [ى*5#اء [كدكالء [15"”اء [58”ل]ل 
[0: ”كل [50] 117 ]ل [مق]ء [7]ء» 5٠05[‏ هامش 
١]ء‏ [5755ا]ء [559]ء. [١:5ه]ء‏ [55ه1]ء ["”دم]ء [ ددم [ث"الاة]ء 
[؟"'كاء [5١كاء‏ [حككلء [الاكاء [مولالء [اكماء ["اكما]ء 
[135154]ء [5كهاء [كحكقل [امقل]ل [75١٠١كل]ء‏ [الاد كل [9١٠لل]ل‏ 
[:١١٠]ء‏ [55١٠ل‏ [65١٠للء‏ [*#:١٠ل‏ [5م١للء‏ [لا4م١٠لكء‏ 
[91١٠ل‏ [غ955١٠٠كل‏ [زكذ١لللء‏ [م١٠١لكل.ء‏ [١33]ء .]١١١١[‏ 
[*١١١]ء.‏ [5١١١]ء‏ [7١١١ل]ء‏ [8١١للاء‏ [١؟١١ل.ء‏ [/7١اال‏ 
[:6١١١]ء .]١1٠١٠5[‏ 


الأدب والشعر: .]١71١[‏ 
متفر قات 
الاستخراب «الاستعمار» 
تحكمه في البلاد الإسلامية وأهلها: [955]» [91/5]. 
منع المستعمر المسلمين من الحج: [185]. 


فرحهم بما كان يجري في الحجاز من الفوضى وقلة الأمن وسبب 
هذا: [55/,]. 


كراهته مظاهر اجتماع المسلمين كالسكة الحديدية مثلا: 








[١١٠٠٠ال‏ زعمعذماكال .]١١955[‏ 
تبرعاتهم للمسلمين ومقاصدها: .]١١171[‏ 


سشسعور الحاج فى الحرمين بأنه فى بلاده وبين أهله. وسعادته 
بانفكاكه عن أسر الاستعمار: [5/ا9]» .]٠١١5[‏ 


آفات اللسان 

آفات اللسان مردية: [7١؟].‏ 

التبغ «الدخان» وملحقاته من الخمر والأفيون 
هو مخالف للأدب بلا شك : 
[9:5ه1اء [4تكمل].ء [59١٠لء .]٠١5١[‏ 
نظم في مساوثه : [095]. 
كراهية الصالحين له: »]657١0[‏ [597]»؛ .]١٠١59[‏ 
فشوه في طبقات بعض الصالحين خاصة في الماضي : 
[“9هم1ء [055]. 
فشوه في طبقات المجتمع نساء ووععا لك : 
[غةه]1 [5١51]ل‏ [5”كل] [5كال]ل [كمككل [دملااء [144]. 
اعتياده يجعل المرء أسيراً له : .]١٠١75[‏ 
منع التدخين في الحجاز: [5؟11١].‏ 





001 - 
تعود بعض الناس على الأفيون قديماً وتناوله بلا حرج: [015]. 
المسكرات ممنوعة رسمياً في الحجاز: [75؟١].‏ 
التمسك بالحق 
الإصرار على التمسك بالحق: [847]. 
هذا الإصرار لا ينافي التراجع عند النصح الصحيح: [897]. 
التوبة 
مثال جميل عليها: [770]. 
التوجه إلى الله : [790]. 
الجزاء من جنس العمل: [/١١؟7].‏ 
الجهاد 
أهمية الجهاد في الإسلام وعظمته : [:١7؟7١].‏ 
نظم في الجهاد مؤثر: .]٠١9[‏ 
جهاد الصالحين والعلماء: .]١١١[‏ 
شجاعة الصالحين : [070]. 


تلقى العامة أخبار الجهاد وتداولها فيما بينهم في القرن الثالث 
عشر فى المدينة المنورة: [8/ا2]» [5,/4]. 


المختار من الرحلات الحجازية 
ما فعله الروس بالشراكسة: .]1٠5[‏ 
الخيل 
شراء الإنجليز خيل نجد لجودته: [8765]. 
الرؤى 
الرؤى المؤثرة والمغيّرة: [7/ا١]» »11١1849[‏ [1775ء [1058]. 
رؤيا مبشرة: [171/ا17١].‏ 
رؤى غريبة: »]١971[‏ [؟7١5].‏ 
رؤيا صادقة : [/ا١9].‏ 
رؤيا رآها صاحبها فكان عاقبتها موته: [4١؟7].‏ 
الصلاة 
أثر صلاة الجماعة في نفوس المسلمين قديماً واليوم: .]١١١8[‏ 
الطاعون 
فشو الطاعون في القاهرة والإسكندرية: 741/1]. 
العفة 
حكاية فيها عجيبة: [17١؟7].‏ 
الفقر 
الفقر الشديد في القرن الثالث عشر: .]07١[‏ 








الفقر الشديد في أوائل وأواسط القرن الرابع عشر: 


491 ] زكحة ]ل [؟”"“١‏ لكلل [مود٠١لكل‏ [الالكال [8١ا؟طلللء‏ 
.]١١19[‏ 


ليس كل المتسولين محتاجين : [977]: [1171]. 

الكرامات: 11171]»  ]1151[‏ وهي عجيبة -؛ [747] -7551]. 
الموسيقق 

فشوها في الحج ومشاعره والمدينة المنورة : 


[154 [55؟” ل [ه555ك1ل 1[١5ككء‏ الاكك]ء ['لاكا]ء [0١٠7]ء‏ 
[1851ل .])86١[‏ 


تعلق بعض الأهالي بها : 


[ كل زه كل 1[؟ "كل [؟ككل [كاكلك ]ل [1مى/ااء 
.]١1١959[‏ 


تعلق بعض الولاة بها: [57 ]. 


الخيل : شراء الإنجليز خيل نجد لجودته : 51 87]. 


فهرس الموضوعات 





المقدمة ود د ني هع 41 انيه وني و وإبس وانبواو ا لدجلا با وروي و 6 
أهمية كتب رحلات الحرمين الع يدو اع نع ما وي ا وي 
عملي في هذا الكتاب ا اولك وا رذع طوس جو نل ارع اير الاو وت ب ا 3 11 
الكتب المختارة ا 0000 
مقالات ملحقة بالرحلات الحجازية الا 0 مسح عه 181 


القسم الأول: المختار من الرحلات الحجازية الى مكة والمدينة 


الرحلة الثالثة : #مستفاد الرحلة والاغتراب». القاسم بن يوسف 
التجيبي السبتي ل ل م ل 
الرحلة الرابعة: رحلة ابن بطوطة ا ا ااا ااا 


الرحلة الخامسة: رحلة فارتيما - الحاج يونس 0 


الرحلة السادسة: «ماء الموائد»» عبدالله محمد العياشي 


الرحلة السابعة: رحلة جوزيف بتس - الحاج يوسف 520000 


الرحلة الثامنة: «نزهة الأنظار فى فضل علم التاريخ 
والأخبار»). الحسين بن محمد الورثيلاني 


الرحلة التاسعة: رحلة بيرتون إلى مصر والحجاز 0000 


الرحلة العاشرة: الرحلة الحجازية» محمد بن عثمان 


الرحلة الحادية عشرة: «كوكب الحج»ء؛ محمد صادق باشا . 


الرحلة الثانية عشرة: «مرأة الحرمين»» إبراهيم رفعت باشا. . . . 


الرحلة الثالئة عشرة: «الرحلة الحجازية», محمد لبيب 








فهرس الموضوعات 





الرحلة السابعة عشرة: «الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج 
إلى أقدس مطاف»» شكيب أرسلان 00 


الرحلة الشامنة عشرة: «رحلة إلى الحجازاء إبراهيم 


المازنى 1[ 1[ز[ز[ز[ز[ [ [  [‏ ا 0 
الرحلة التاسعة عشرة: ١ارحلتي‏ إلى الحجاز»). محي الدين 

رضا 11آأ007اا ااا ااا 1 0 
الرحلة العشرون: «إلى أرض النبوة»» على الطنطاوي ١١11‏ 


الرحلة الحادية والعشرون: في منزل الوحي»» محمل حسين 


الرحلة الثانية والعشرون: «رحلة الحجاز؛ء عبدالغني شهبندر ١١7١.٠.‏ 


الرحلة الثالثة والعشرون: «الرحلة إلى المديئة المنورة». 


ميحمود ياسين 1ج11ب02 0 0 
الرحلة الرابعة والعشرون: امن ذكريات الحج/ء على 

الطنطاوي و ا اق ور وق بكي واه الم ا و ا 1 اا 
القسم الناني: المقالات الملحقة بالرحلات الحجازية ون 


المقالة الأولى : (بعض ما رأيناه فى الحجاز»» محمد طلعت 


المختار من الرحلات الحجازية 





ا 


المقالة الشالشة: «حديث الحج في المدينة المنورة». 
عبدالوهاب عزام ا و داو إن لذ اق ري لو جو حاو لل ني" بون كي ولاب وت لوم 1ه به 


المقالة الرابعة: «من ذكريات الحج»» عبدالقدوس الأنصاري . . 


المقالة الخامسة: «قبل خمسين عاماً كانت حجتي الأولى». 


المقالة السادسة: «عن الحج». عَثُمان صالح 211101019 


المقالة السابعة: «هكذا كانت المعاناة في الطريق إلى الحج». 
محمد بن صالح بن سلطان ل جف ةجو كن الا حل اير جل ل افر ألا رما ين با و له مو ا 


المقالة الثامنة: «الحجاج بين عهدين»» محمد بن أحمد 


فهرست الفهارس 





فهرست الفهارس 
المقدمة 0 
أهمية كتب رحلات الحرمين / 
- عملي في هذا الكتاب ١١00‏ 
الكتب المختارة ظ 14 
المقالات الملحقة بالرحلات المختارة 2020 0 
- فهرست الأحاديث ظ ١8‏ 
فهرست الأعلام ظ ١/١‏ 
فهرست الفوائد ظ ظ ١‏ 
ويحتوي على فهرس للاتي : 
الهج: حكم وآقار: 2 كر 
- التشويق للحج 8 
الحجاج وقوافل الحج -00000 هقم؟١‏ 


- أمير الحج 8 


0 المختار من الرحلات الحجازية 
الاعتناء ببعض كبار الحجاج 
- قوافل الحج 
- أهم القوافل 
دواب القوافل 
- السيارات 
السكة الحديدية 
الطائرات 
الصعاب التي يكابدها الحجاج: 
- السفر بحراً (الصعاب التي قد تواجه راكبي البحر) 
- السفر براً (الصعاب التي تواجه الحجاج في البرية) 
مصاعب الصحراء المهلكة : 
الصعاب المتعلقة بالماء 
الصعاب المتعلقة بالأعراب 
٠‏ - صعاب متفرقة 
المطوفون: 
المزورون فى المدينة: 





١ /ا‎ 


١١ /ا‎ 


١4 


١4 


ال 


١1 


0 


0 


م0 


١07 


فض 


١97 


0 


١١6 / 


١4 


0) 





الها سلة: | 1 
-الإحرام 0 )0 
- الطواف ١٠6‏ 
السعي ١١‏ 
الوقوف بعرفة 00 ظ ١١‏ 
- مزدلفة ١‏ 
- مئى 1١2‏ 
مكة المكرمة وحرمها الامن وأهلها: ظ ١5‏ 
- الحرم المكي 10 
الكعبة ظ ١6‏ 
ماء زمزم ١*5‏ 
- متعلقات بالحرم ١5‏ 
غار حراء ظ 4 ١‏ 
- أهل مكة المكرمة ١6‏ 
محاسنهم ظ ١١١‏ 
- مساوىء بعضهم ١1١‏ 


- طعام مكة ؟ ١51١‏ 


0 المختار من الرحلات الحجازية 
اللحم في مكة 
- العلم في مكة 
المدينة المنورة وحرمها الشريف وأهلها: 
مسجدها المبارك 
- قبر النبي َكل 


حال العلم الشرعي وغيره وحال المناصب الشرعية في 
المنورة 


حال أهل البدع في المدينة المنورة 
وصف المدينة المنورة 
- أهل المدينة المنورة 
من محاسنهم 
من مساوىء بعضهم 
الإسلام والمسلمون والأديان الأخرى: 
- ضلالة عقدية 
النصرانية 
- اليهودية 
- كفار دخلوا في الإسلام 





١1١ 


١51 


١51 


١1 


١15 


١ ١١/ 


١١م‎ 


١184 


١١ 


١5577 


١577 


١5 


١*0 


١ 0 


١555 


١55 


فهرست الفهارس 





العلم والعلماء: ١5‏ 
العلم ١5‏ 
مسائل علمية ١5‏ 
الحج < ١5‏ 

الحرم ظ / ١‏ 
مسائل علمية متفرقة < ١‏ 
-العلماء ١4‏ 
صفة العلماء العاملين ١1‏ 
الدول والسلاطين والملوك والخلفاء والأشراف والوزراء: ١١‏ 
الدولة العثمانية ١١‏ 

- أشراف الحجاز ١#”‏ 

- الشريف حسين ممع ١‏ 
الحكومة المصرية ١‏ 
الحكومة الهندية 0 ١‏ 
الحكومة السعودية 0 ١‏ 
الملك عبدالعزيز ١5‏ 


- الملك فيصل ا ١‏ 


المختار من الرحلات الحجازية 


615 - 


- عبدالعزيز بن إبراهيم أمير المدينة الغ ١‏ 
عبدالله السليمان 8 ١‏ 
مهدي بك 28 ١‏ 


ذكر بعض المدن والبلدان والقرى التى يمر عليها الحجاج: 54 ١‏ 


الحجاز 58 ١‏ 
جدة ١‏ 
- رابغ ١55‏ 
١ 300‏ 
الطائف ١5١‏ 
١١ 138‏ 
وادي فاطمة ١5١‏ 
حدة ١5١‏ 
ع نول ١5١‏ 
بدر ١5١‏ 
- آبار علي ١5١‏ 
الوجه ١5١‏ 


١5١ المويلح‎ - 








أيلة ١5١‏ 
- مدائن صالح ١15١‏ 
حجر ثمود ١7‏ 
العلا ١57‏ 
حانيوك ظ ١55‏ 
القريات ١‏ 
العقبة ١7‏ 
العرب والأعراب والصهراء: ظ ١517‏ 
رحلات الغربيين الكافرين: ١555‏ 
عجانب متفرفقة وقصص وطرائف ونوادر: /57 ١5‏ 
العجائب والقصص ا 5 ١‏ 
الطراتف والنوادر ١‏ 
متفرقات: ظ ١4‏ 
الاستخراب «الاستعمار) ١‏ 
آفات اللسان ١0‏ 
- التبغ «الدخان» وملحقاته من الخمر ‏ والأفيون ١0‏ 


التمسك بالحق ١١‏ 


-00 
- التوية 
الجهاد 


لموضوعات 
فهرستا 


فهرست الفهارس 


ت الحجازية 
أ 





١0١ 


١6١ 


١1 


١07 


١0 


١ 0 


١7 


١0 ؟‎ 


١ 0 


١ * 6 


١ 8